الخميس, تشرين الثاني 21, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, تشرين الثاني 21, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الشّيخ أحمد تَقِيّ الدين

الشّيخ أحمد تَقِيّ الدين.

بين كَوكَبة من أعلام الأدب العربيّ، أوائل القرن العشرين، يشعُّ وجه شاعر القضاة وقاضي الشّعراء، الشيخ أحمد تقيّ الدّين، ويبرز اسمه إلى جانب مشاهير الأدباء والشعراء والمتزاحمين في المواسم الأدبية، والمتبارين في حَلبَة الشعر الرفيع، أمثال داود عمُّون، وشبلي الملّاط، ووديع عقل، وأمين آل ناصر الدين، وبشارة الخوري وأمين تقيّ الدين… شاعراً عبقريّاً حكيماً، عالج علل المجتمع، بفكر نيّر، ورأي صائب، ومدارك واسعة، ووطنيّة خالصة. عاش في حِقبة من تاريخ لبنان السياسي والأدبي متراكمة الأحداث وافرة العبر، شهد فيها الانقلاب العثماني الأوّل، فإعلان الدستور، ثم خرق البروتوكول، فإلغاء الاستقلال اللبناني، والحكم التّركي المباشر، فانتشار الجوع والمرض، فإقرار الانتداب، وإعلان الجمهوريّة، وظهور تباشير الاستقلال. كما شهد مدَّ الموجة الرومنطيقية في الشّعر والقصص، وبوادر النزعات التحرّرية المستوحاة من الغرب تفكيراً، ومحاولة الجمع بين الجديد النافع والقديم الصالح.

نشأ الشيخ أحمد في بيت لبناني عريق، اشتُهر رجاله بالعلم والتقوى والاستقامة والمروءة والوطنية وكان له من محامد بيته الكريم، ما دعم مواهبه الفكرية الشريفة، من ذكاء النفس، وصحة الخلق ولطف الشمائل، وإشعاع العبقريّة، فإذا هو فوق الكرسيَّين؛ كرسيّ الأدب وكرسي القضاء مفخرة من مفاخر لبنان والعروبة، كما عبّر عن ذلك صديقه الشاعر بولس سلامة:
أحمـــــدُ، غصنُ العــــــزّ مـــــن دَوْحـــــةٍ
لهــــا علــــى الأفيــــــــاء عــهـــدٌ وثــيـــقْ
ظــــلالُـــهـــــــا في الشّــــــــوف مُـمــتـــدّةٌ
عرضَ الرُّبــــى في كُلِّ فجٍّ ســحـــيـــــــقْ

وقد أكَّد ذلك أيضاً أمير الدولتين الشاعر أمين آل ناصر الدين سراج اللغة العربية المُشع من «كفرمتى» كما كان يلقبّه الأديب الكبير مارون عبّود إذ قال:

فُجِعَتْ بـــه غُرُّ المنــــاقـــبِ إذ قضـــــى
وانْــــــدكَّ ركــــــنٌ للقضــــــاء مـشــيَّـــــدُ
وتــلــهّـــــف الأدبُ الصميمُ ولــــــم يَزلْ
دمـــــعُ اليَراعـــــة ســــــائلاً لا يجـمــــدُ

وُلد الشاعر أحمد تقي الدين عام 1888م في بعقلين، البلدة الشوفيّة اللبنانية ذات التاريخ المجيد، وتلقّى علومه الابتدائيّة في مدرسة الداوديّة في «عبيه» والثانوية في مدرسة الحكمة في بيروت ونال جائزتها الشعريّة. درس الشّرع والقانون على كبار رجال الفِقه والشريعة والقانون. زاول مهنة المحاماة ثم تولّى القضاء العدلي سنة 1915 وتُوفّي في 29 آذار 1935، وَرُفع رسمُهُ في دار الكتب الوطنية سنة 1974 تخليداً لذكراه مع الخالدين… في شعره بساطة الطبيعة الشوفيّة وتنوُّع مناظرها وألوانها، وفيه أيضاً شكوى هذه الطبيعة التي ظلّت فترة من الزمن وربّما ما تزال، منسيّة إلى حد ما، مظلومة إلى حد ما، كما ظُلم الشاعر نفسه. ومن ثمّ فيه من عِبَر الحياة وحِكَمها الكثير ممّا خلفته العصور السياسية المتعاقبة، فطبعت الشوف بطابَع فريد، هو مزيج من الزّهد والطموح والخشونة والرِّقة، «كيُنبوع الصفا خشنوا ورقوا»، والكبرياء والتواضع وهواية الخناجر والمحابر معاً.

وطـــــنٌ كســــاهُ اللهُ أحســــنَ حــلــيـــــةٍ
يُكســـــى بهـــــــا جبلٌ علــــى الإطـــلاق
وبقدرِ مـــــا حَبَـــت الطبـيـعـــةُ أرضَــــهُ
ضنَّــــــــت علــــــى سُكـــانــــــه بوفـــــــاق

فالشاعر هو ابن الشوف، ابن العشيرة، ومن ثم فهو ابن لبنان وابن العروبة والإنسانية الشاملة:

يـــــــــــــــا وطنـــــــــــــــي الغــــــــــالــــــــــــي
وعـــريــــــــــن الأُسْـــــــــــدِ الأبـــطـــــــــالِ
أفـــــديـــــــــك بــــروحــــــــي والمـــــــــــــالِ
فــــالمـــجــــــــدُ بــــعــــــــــزّ الأوطـــــــــــــان
إنَّ الأوطــــــــــــــانَ تـــــنــــــــــاديـــــنـــــــــــا
لـــنــــعــــــزِّزَهـــــــــــا بمبـــــــــاديــــنــــــــــــا
فــلـنـجــعـــــــــلْ خدمـــتَـــهــــــــا دِينــــــــــا
ونــــكــــــــــــرّمْ كـــــــــــــلَّ الأديـــــــــــــــــــان

والشاعر أيضاً ابن لبنان ووارث أرزه ومورث ولاءه لأولاده.
هــــذي بــــــلادي والــــــبــــــــلادُ عزيزةٌ
عندي ولــــــــو جــــــارت عليّ بــــــلادي
وأنـــــــــا ابـن لـــبــنــــــــــــانَ ووارثُ أرزه
ومـــــــــورِّث لــــــــــولائـــــــــــــــــــه أولادي

أنعِمْ به من ميراث، ولكنّ الخطر الأكبر أن ننسى أنّ في جبال الباروك منابت الأرز العظيم، وأنّ تلك السفوح الشوفيّة الشامخة، وإن حُجِبت عن أنظار السياح الأجانب إلّا أنّها لا يمكن أن تُحجب هاماتُها الشامخة في تاريخ لبنان وفي حاضره ومستقبله.

ويلتفت الشاعر إلى أفق المجتمع فإذا نِظرتُه عميقة، تحفل بمعالم الإنسانية والدعوة إلى أُخُوَّةِ الناس وإزالة ما بينهم من الفوارق المُصطنعة شأنه شأن العباقرة المُصلحين الذين نادَوا بالعدالة والمساواة:

يـتـقــــــاتـــلـــــون ديـــــــــــانةً وجهــــالـــــةً
وَمُــريــــــدُ هــــذا القتـــــل أكبرُ مُلحــــدِ
اســـتـغـفـــــــرُ الرّحـــمـــــــــــنَ أنَّ اللهَ لا
يوحــــــي بـتــــفــــريق المَــــــلا فلنَهْــتَـــــدِ
إنّ الــــــــذي أوحــــــى وفــــرّق بيننـــــــــا
سقـــــمُ العقولِ وسقمُ وعظِ المرشــــــد

وبمثل الحرارة التي يدعو بها الشاعر إلى العدالة والمساواة يدعو أيضاً إلى الإصلاح والتجديد واعتماد العلم منهجاً لتحقيق التقدّم والرّقي:
ونظرتُ في الأوطــانِ نِظْرةَ مُصلحٍ
وجـــدَ العلـــــــومَ مطيَّـــــةَ الإســعـــــــــادِ
فــــــرأيتُ أنَّ الغـــــربَ يـــرقــى للسُّهى
والشرقُ يـلـــهــــــــو في ثرى الأجـــــــدادِ
عبثاً نـــرى الإصـــــلاحَ إنْ لــــــم نَطَّرِحْ
مــــــا قد ورِثنـــــــا من ســـــقـــيــــم تِلادِ

واعتزاز الشاعر بوطنه يوصله إلى الاعتزاز باللغة العربية، ففي تعلُّمها وتعليمها كما يقول الشيخ أحمد صيانة لكرامة لبنان، وهو حين يُحَيّي معهده الكبير، الحكمة – فإنَّما يُحيِّي فيه حمايته لواء الضاد الذي يرى فيه الرّباط المقدس للِّسان ومن ثم الموحّد للقلوب:

بدَت المنــــــــازل فأتـــئـــــد يـــــــا حادي
هــــــذي معــــــاهدُ (حِكمتي) ورشادي
صَرحٌ حمى بعــلومـــــــه علمَ الـهــــــدى
وحــمـــــى بنهضــتــــــه لــــــواءَ الضـــــاد

ولا يقلُّ اعتزاز الشاعر بمآثر آبائه وأجداده العرب عن اعتزازه بوطنه وبلغة الضّاد، فهو لم يتورّع عن أن يتغنى مُفاخراً بمزاياهم من على منبر الحكمة، مترجماً إحساسه الصادق بعروبته الأصيلة:

هـــذي مــــــآثرُ آبـــــاءٍ لــنــــــــا نُجُــــــبٍ
سَطعنَ في أفق التـــــــاريخ كالــشُّــهــبِ
وبِتن مفخـرةً تبقـــــى علــــــى الحِقَـــبِ
فـلـنـفـتـخـــرْ بمزايــــــا قومِنــــــا العربِ
ولــــــنحتفظ بــعـــلـــى آبائنـــــــا الصِّيدِ

والميدان الذي يُجَلّي فيه الشيخ يقول الشاعر سلامه عبيد، هو ميدان الدّعوة إلى الوحدة الوطنية والتعبير عن الأهداف الاجتماعيّة والخلُقية، فلا نسب عنده غيرُ صالح الأعمال، والإنسانُ يقاسُ بسَنا الأعمال لا بالمَحْتِد وفي هذا جرأة وفعالية للنفس، وفيها شجاعة البطل الذّكي، ولذا فهو يشعر بعطف على الفقراء أولئك المهضومة حقوقهم والمجتاحة ديارهم، وينبّه إلى فضل الأكواخ في تقدُّم البشرية:

واخرجْ إلــــــى الدُّنيـــــا عصاميّاً فــــلا
فوزٌ لمــغــتــــــرٍّ بـــطــيــــــبِ المــــحــــتِــــــد
إنّ الذيــــــــن تـــفـــوّقـــوا خرجـــــوا من
الأكــــــــواخ لا من عـالـــيــــــات المولـــــدِ

وفي هذا السياق الاجتماعي الإنساني، ينظر إلى المرأة نِظرةَ عطف وعدل وحقّ، فيرى فيها صورة الشعوب، فيهتف بصوتٍ عالٍ مخترقاً سُجُف التقاليد وسدود التخلُّف والأوهام:

شريعتي الــعـــدلُ فمــــــــا بــــالُــــهـــــــم
قـــد حبَســــــــوا المــــــرأةَ في المـــخــــدعِ

ومن واجب المرأة اللبنانية – العربية اليوم أن تُولي أدب الشيخ أحمد الاهتمام الذي يستحقه فالوِقفة المبدئية التي وقفها الشاعر من المرأة الشرقيّة، كانت وِقفةُ رجل شجاع، عميق الإدراك، شديد الشعور بالحق والإنسانية والتقدم:

عـــلِّــمــــــوا البنتَ أيـــهـــــــــا الآبـــــــــــاءُ
إنّمـــــــــا الـعــلــــــــمُ للفتـــــــــاة سنــــــــاءُ
هــــــــي في الشَّعـــــــب صــــورةٌ للتَّرقّي
إنَّمــــــا صورةُ الــــشــــعــوب النِّســــــــاءُ

والشيخ الشاعر امتازَ شعره بالذكرى والعاطفة والحكمة تماماً كتحديدات أحمد شوقي للشّعر الجيّد.
وتميّز على حدِّ قول فؤاد أفرام البستاني: بفكرٍ صافٍ، ومنطق سليم، ونظم سهل، وأسلوب لطيف، وشعور بالطّبيعتين الداخليّة والخارجيّة ما جعله ينخرطُ فارساً قويّ الطّبع مجيد الأصل. ولا شكّ في أنّ من يطالع شِعرَه يرضى كلّ الرّضا عن الشاعر البليغ الرقيق، شاهد عصره، ومصوّر بيئته.

طبائع الخير

  الموحِّدُ مسؤول، بمعنى أنَّهُ يُسأل عن أعمالِه وعن مكنونات صدره أمام الله تعالى. والعبْد دون إحساسٍ قلبيّ صادق بالمسؤوليَّةِ التي في عنُقه يُصبحُ ويُمسي وهو عُرضة لأهواء النّفس تأخذُ به كما تشاء مُبتعدةً عن نورِ العقل الذي لم يعدم غذاءَه بالمعرفةِ التوحيديَّة. وهذا أمر بالغ الخطورة يحذِّرُ منه الأميرُ السيِّد قدَّس الله سرَّه باعتباره «استدراج إلى غير الرِّضى»، أي إلى غضب الله عزَّ وجلَّ.

  يقول السيِّد الأمير(ق) ان العبد مطالب بثلاث… نَفَسٌ(1) يمضيه بغير محل الرضى، ولحظٌ(2) يلحظه في غير اعتبار في تصاريف القضا، ونطقٌ(3) ينطق به في غير سبيل الرضى.

  والـمسؤوليَّةُ التَّوحيديَّةُ دقيقة وجليلة يحملُها المرءُ في ذاتِه كلّ وفق المستطاع مع الحذر الشديد من الغفلة والإهمال واستسهال الأمر. وشيوخُنا من السَّلف الصَّالح جعلوا من ميزان الخوف والرَّجاء قاعدةً جوهريَّةً من قواعد المسلك. وقيل في الصوفيَّةِ القديمة: «إنْ غلبَ الرَّجاءُ على الخوْفِ فسد الزَّمان»، وقيل في المأثور التوحيدي: «مثَلُ الخوْف والرَّجاء مَثَل جناحين إن ضعفَ أحدُهُما سقَطَ المريدُ كما يقع الطَّيْرُ أرضاً عاجزاً عن التَّحليق».

الثَّمر الحقيقي هو نعمة شعور النّفس بالرِّضى حين تُدركُ بكينونتها الجوانيَّة معنى السَّعادة والاغتباط الرُّوحي.

  ويعتبر الأمير ناصر الدين التنوخي: «ان المعترف بذنبه ازكى لديه من المدّل بعلمه عليه». ويحث السيد الأمير(ق) على الخوف والرجاء والاستحياء فيقول: «لا يَخَافَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا ذَنْبَهُ، وَلا يَرْجُوَنَّ إِلا رَبَّهُ، ولا يستحي إذا لم يعلم الشيء ان يتعلمه، ولا يستحي إذا سُئل عما لا يعلم ان يقول لا اعلم».

  العودةُ إلى مواجهة النّفس بالحقائق هي السَّبيل إلى استدراكِ الأمر. عودةٌ تكونُ فيها المعرفةُ المرسومةُ من صاحب الحقِّ «مرآةً وعلماً»، أي نواجهُ النّفسَ بميزان الحقّ وأوَّله قواعد الأمر والنَّهي. وهي قواعد من شأنها حماية الجوارح وصوْنها من كل أشكال التلوُّث المحيطة بنا. صفاءُ النيَّة في القلب، ويتبين من مواعظ الشيخ الفاضل(ر) أنّ القلب يشمل العقل، والبصيرة، والنيّة الطيبة، وجاء من مختصر اقواله بهذا المعنى:

  «فعليك بحفظ القلب وإصلاحه وتطهيره وبذل المجهود في ذلك، وأذكر أربعة أشياء، الأولُ قوله تعالى: «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور»، وقوله تعالى: «يعلم ما في قلوبهم». والثاني قول النبيِّ(ص)، إن الله لا ينظر الى صوركم وابشاركم وإنما ينظر الى قلوبكم وأعمالكم، فالقلب إذاً موضع نظر رب العالمين. الثالث ان القلب هو الأصل والمركز، والجوارح كلها تبع له، وإذا صَلُحَ المتبوع صَلُحَ التابعُ. والرابع إنَّ القلب خزانة كل جوهر نفيس للعبد، أولها العقلُ واجلها معرفة الله تَعَالَى التي هي سببُ السعادة في الدارين، ثُمَّ البصيرة الشفافة التي تُدرِكُ الأشياء وبها التقدم والوجاهة عندَ الله تَعَالَى، ثم النية الخالصة في الطاعات التي بها يكون ثواب الأبد».

  نقاءُ العيْن بحجبها عن كلِّ ما يُـبطِلُ الحياء، والتزام اللسان أوَّل الخصال وأعظمها وهو الصّدق، واجتنابُ الإنصات إلى كلِّ لغْوٍ أو غيبة أو نميمة أو لجْلجة، وصدق اللسان التزامه بترك الكلام فيما لا يعني(٤)، قال بعضهم، الكلام أربعة أقسام: قسم ضرر محض، وقسم نفع محض، وقسم فيه منفعة وضرر، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة، أما الذي فيه ضرر محض فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة، أما الذي لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول، فلا يبقى الا القسم الرابع وهذا الربع لا يخلو من خطر عدم الدقّة.

  وتطهير الجوف من كلِّ حرام، وقيل: «إن باب الجنة له مفتاح والمفتاح كلمة التوحيد. وله أسنان أربع لا ينفتح الباب الا بالمفتاح بأسنانه، فالسن الأولى تطهير القلب من الخبث والخيانة. والسن الثانية تطهير اللسان من الكذب والنميمة. والسن الثالثة تطهير البطن من الحرام والشبهة. والسن الرابعة تطهير العمل من الرياء والبدعة. فإذا صح للعبد هذا المفتاح بأسنانه انفتح الباب ودخل الجنة وشاهد العظمات. ما لا اذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر».

  وإخضاع آلة الرُّوح أي الجسم إلى كلّ ما يُرضي الله، وما يُرضيه هو استخدام الشيء لِما خُلقَ له دون انحلال الإرادة وطغيان الرغبة في استخدامها في المعاصي. وللمعاصي شبكة واسعة لا ينجو منها إلَّا كلّ عاقل لبيب أو كلّ مستجيب مُحبّ للفضيلة ولمعلّمي الفضيلة ولأهل الفضيلة.

  إنَّ طبائع الخيْر التي هي بيتُ الدّين ومسكنُه لا يُمكنُ أن تستقرَّ من دون تغذيتِها عِلماً وعملًا لا انفصال لأحدِهما عن الآخَر. وهذا هو جوهرُ المسؤوليَّةِ الرُّوحيَّة التي يحملها أمانةً كلُّ من التزمَ السلوكَ نهجاً توحيديّاً مثمراً. كان الشيخُ(ر) الفاضل يسألُ الله تعالى في دعائه الجليل «صحَّة الدّيانة» وهو الّذي أمضى عمره سائحاً في معارج الطاعات. هذا درسٌ عظيم علينا امتـثاله على الدوام. هذا أمرٌ جوهريٌّ لنا في كلِّ وقت. على الموحِّد أن يكون في عصرنا هذا، أي في يومنا هذا وفي كل يوم، شاهداً للفضيلةِ والاتّزان والخيْر والأخلاق الرَّفيعة والأدب الرّزين. عليْه أن يكتسبَ سمةَ الجُودة بقلبه وبروحِه وبصفاء داخله الأمين لتعاليم الكتاب الكريم. وليست مسألة جانبيَّة أن يشيرَ الأميرُ السيِّد قدّس الله روحه إلى أنَّ العائق يأتي «من قِـبَل العبْد» الذي لا يجب أن يرمي «سَوْطَ التأديب من يده» أراد تأديب نفسِه وتطهيرها من كلّ خيانة.

  قيل من أعظم الآفات ثلاثة: رؤية الخلق، ورؤية العمل ورؤية النفس، والواجب على العبد أن يغيب عن الثلاثة برؤيته خالقه تَعَالَى «ان تعبد الله كأنك تراه» هي المحبة لله وقال بعضهم من عبد على المحبة لا يحب ان يرى عمله سوى محبوبه وقال بعضهم: «من أحب أن يعرف بشيء من الخير او يذكر به فقد أشرك في عبادته».

  إنَّ الاجتماع على كلمة التوحيد هو أمرٌ جلل لا يليقُ به إلَّا زكاء العمل، أيْ المنقَّى من كلِّ دواخل طباع الخبْث عليه. نقولُ «الله يــثمر» والثمر الحقيقيّ الذي تسمو إليه نفوسُ الأجاويد هو رياضة النّفس بما أوتيَ لها من لطائف العقل ومعاني التَّوحيد، واتّحادُها به قلباً وقالباً أي علماً وعملًا كما هو سمتُ الشيوخ الثقات على الدوام. والثَّمر الحقيقي هو نعمة شعور النّفس بالرِّضى حين تُدركُ بكينونتها الجوانيَّة معنى السَّعادة والاغتباط الرُّوحي الذي يحقِّق أجمل ما في حقيقة الإنسان من معنى، وهو ائتناسُه بمن هو أحقّ بالوجود من كل موجود.


حواشي

1- (كل شهيق وزفير للإنسان) تمضي في تصرف وعمل بغير رضى الله.
2- نظرة العين للحظات أو ثوانٍ) والاعتبار (النظر في أحوال الدنيا كالموت والحياة والاتعاظ منها).

3- نطق أي كلام مهما كان قليلاً او كثيراً بغير ذكر الله ورضاه.
4- ﴿لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ (النساء 148)

إفطار جامع في دار طائفة الموحدين الدروز

اقامت مشيخة العقل والمجلس المذهبي لطائفة الموّحدين الدروز برئاسة سماحة شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن في دار الطائفة في بيروت، حفل إفطار جامع، لمناسبة حلول شهر الرحمة والغفران، وذلك غروب يوم السبت في ٢٥/٥/٢٠١٩ الموافق
فيه ٢٠ رمضان ١٤٤٠هـ.

  وشارك في الإفطار ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير شؤون المهجرين غسان عطالله، ورئيس مجلس النواب نبيه بري النائب أنور الخليل، ورئيس الحكومة سعد الحريري وزير الاعلام جمال الجرّاح. ومفتي الجمهورية اللبنانية المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط، والرئيسان السابقان حسين الحسيني، فؤاد السنيورة، وممثل الرئيس امين الجميل النائب السابق فادي الهبر، وممثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع النائب جورج عدوان، وممثل وزير الدفاع الياس أبو صعب وقائد الجيش جوزيف عون رئيس الأركان اللواء الركن امين العرم، ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل خليل حمادة. والنواب: نعمة طعمة، فريد البستاني، مروان حمادة، محمد الحجار، وفيصل الصايغ. والنائب السابق غازي العريضي. وممثلون عن قيادة حركة امل، والجماعة الاسلامية، وامين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر ووفد من القيادة. كما حضر سفراء مصر نزيه النجّاري، والمغرب محمد كرين، وعمان بدر بن محمد المنذري، والجزائر احمد بو زيان، والامارات حمد الشامسي، والسعودية وليد البخاري ممثلا بأحمد التيماني، والسفير البابوي المونسنيور جوزيف سبيتاري ممثلا بالمطران ايفان سانتوس.

كذلك شارك ممثلون عن رؤساء الطوائف والمرجعيات الروحية، حيث مثل المرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز فضيلة الشيخ امين الصايغ الشيخ اكرم الصايغ، البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الاب ايلي كيوان، ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان مفتي صور وجبل لبنان الشيخ حسن عبدالله، وبطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، المونسنيور جوزيف شانيه، وبطريرك الروم الارتوذكس يوحنا العاشر يازجي المطران كوستا كيّال، وبطريرك الأرمن الارتوذكس آرام الأول كيشيشيان المطران بارين مارتنيان، ومطران بيروت للروم الارتوذكس الياس عودة، ورئيس الكنيسة القبطية في لبنان الاب رويس الاورشليمي، ورئيس الطائفة الآشورية المتروبوليت مار ميليس زيّا المونسيور مترون كوليانا، ورئيس المجمع الأعلى للطائفة الانجيلية في سوريا ولبنان القس جوزيف قصّاب القس جوزيف مراد، وبطريرك الأرمن الكاثوليك ممثلا بالمطران جورج اسادوريان، امين عام دار الفتوى امين الكردي، وممثل العلاّمة السيد علي فضل الله الشيخ فؤاد خريس، ورئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا القاضي فيصل ناصر الدين وقضاة المذهب، ورؤساء لجان وأعضاء المجلس المذهبي ومدير عام المجلس مازن فياض، ومدير عام مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ نزيه رافع، ورئيس مؤسسة الاشراق الدكتور الشيخ وجدي الجردي. كما حضر الأمير عادل أرسلان، وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية، وحشد من الشخصيات والفاعليات السياسية والحزبية والروحية والاجتماعية والإعلامية، ومدراء عامون.
  استُهِلّ حفل الإفطار بآيات من الذِّكر الحكيم تلاها الشيخ بلال المُلّا، وتعريف من رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ الدكتور سامي ابي المنى، و أخيرآً كلمة في المناسبة من سماحة شيخ العقل نعيم حسن جاء فيها،

  «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيه المصطفى محمد سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيّبين. أُرحِّبُ أطْيب التّرحيب بكُم جميعاً، في هذه الفسحة الرمَضانيَّة الزكـيَّـةِ التي تجمعُنا على خبْزها وملحِها المباركَيْن باسم الله تعالى، الرَّحمن الرَّحيم. والصَّومُ، في مكنُون معناه، مَنسَكٌ يتقرَّبُ الإنسانُ بسَلكِه، مُكافحاً شرْطَهُ الجِسمانيّ سعياً إلى آفاق الرُّوح التي لا فِكاكَ لها حتماً عن مُثُـل الخيْر والعدْل والحكمة ومحاسن التدبير الرَّشيد العاقل. لقد ارتبط الصَّومُ في الإسلامِ بشهر رمضان المبارك ﴿الَّذي أُنزِل فيه القرآنُ هدًى للنَّاس﴾، وكان قد ارتبطَ في المسيحيَّة بالفِصْحِ، وكِلاهُما يعنِيانِ سبيلَ توبـةٍ وبذلٍ ورحمـةٍ وارتقاء. وبرَكةُ المعاني السامية تجمعُ اللبنانـيّين تحت سقف وطنِهم أينما التقُوا. نسأله تعالى في هذا الأيام المباركة ان يلهمَنا الى كلّ خير، وان يسدِّدَ خطانا في كلّ محمدة، وان ينير بصائرنا ويطهر قلوبنَا، وينقي نوايانا في طاعته.

  الحضور الكريم، لبنان، حين يكونُ حاضراً على سجيَّــتِه، يُخرجُنا من حدُودِ المكان إلى رحابِ فكرتِه الراقية، ويُعتِقُنا من قيودِ فـئويَّاتِنا لنكونَ معاً أساسَ مقوِّماتِ وطنٍ تجاوز عبر مئات السنين حقولَ الجمرِ والرَّماد نحو ائتلافِ ميثاقٍ اجْتماعيّ هو في الحقيقةِ فكرةٌ ضروريَّـةٌ لعالَمِ اليوم الَّذي تفكِّـكُهُ «الهويَّاتُ» المتنازعة، والانقسامات المتسارعة تحت وطأةِ صخبِ الشعبويَّات. عالَـمٌ تعودُ فيه نزعةُ إقامةِ «الأسْوار» العازلة التي هي، بالمناسبَةِ، النَّقيضُ الخالِص لِما علَّمَنا إيَّاهُ وطنُنا لبنان الَّذي، بالرُّغم من كلِّ شيء، وعلى مدى التَّاريخ، ما كاد يقومُ سورٌ بين أبنائه إلَّا وهدموه وحوَّلوه أنقاضاً بقوَّةِ إرادتِهم في «العيشِ معاً «، وبإيمانهم بالمشتركات الإنسانيَّة التي تشدُّ بعضُها بعضاً في ما يحفظونه من تراثِهم من قيـَم وثوابت وأقانيم ليس أقلّها الحرِّيـَّـة والعدْل والمشتركات الإنسانيَّة الـمُستَلهَمَة من الرِّسالات السماويَّة التي بها يؤمنُون، ومن إحساسهِم الحضاريّ المتطلِّع إلى دولةِ المواطنة والحقوق الأساسية والمساواة والخِيار الديموقراطي الحاضِن لكلِّ أبنائها. إنّنا اليوم في هذه المناسبة المباركة، نكرِّر تمسُّكَنا بثوابتنا التي هي في الوقت عينه ثوابت سلامة لبنان وتعزيز صمودِه ونهوضِه. إنَّ المبادئَ الدستوريَّةَ المتجدِّدة في الطائف، وروحَها الميثاقيَّةَ التي لم يكن دونها كيانٌ لبلدنا، هي قاعدة صلبة للحفاظِ على ميزتنا السياسيّة بل والحضاريّة في هذا المكان من العالَم، و لا نرى في الأفق المنظور بديلا عنها، بل نراها ضمانةً لجميع المخلصِين المتطلّعين إلى مستقبلٍ واثق لوطننا لبنان. إنَّنا، في هذه الدَّار داركم، لا نستشعرُ وطنيّاً إلا الأصداء التي تُردِّدها المواقف التي أُطلقت منها عبر السنين الماضية، ومع ما نادى به القادةُ الروحيون على الدوام. الموحدون الدروز ما كانوا يوماً إلَّا دعاة إلى وحدة لبنان عامةً ووحدة الجبل خاصةً، وإلى دعم الدولة القويَّة العادلة وجيشها الوطنيّ، وإلى تأكيد ثوابت العيش المشترك والمصير الواحد. مطلبُنا بناءُ الدَّولةِ بِـبُنيتِها القادرة على مواجهةِ تحدِّي العبور إلى كيانٍ سياسيّ مستقرٍّ بآليَّاته الدستوريَّة، وإلى قضاءٍ عادل، وصحافةٍ حرَّة مخلصةٍ لرسالة الحقيقة، الدولةُ التي تحرِّرنا من بوتقات الطائفيَّة السياسيَّة ومناوراتها الشعبويَّة التي لها أسوأ الأثر في بلدٍ كبلدِنا. والمحافظة على ثروة شبابنا، والمضيّ قدُماً بعزيمةٍ لا تهدأ من أجل تنظيم مسار الماليَّةِ العامة وانتظام إدارتها وخنق مكامن الفساد دون المسّ بحقوق المواطنين وجيوب الفقراء والموظفين، وأيضاً وقف الهدر ومكافحة الفساد ومنع السمسرات والصفقات والعمولات على حساب خزينة الدولة، وبضرائب متوازنة، وبطرق الأبواب الموصدة بوجه كل إصلاح حقيقي. وإنّ الاستفادة من الثروة النفطية يُشكِّل أملاً وإسهاماً أساسياً في الدفع نحو تقليص الفوارق في كثير من المجالات الاقتصادية والاجتماعية. ولا بُـدَّ من أخذِ مسألة الإنماء المتوازن بكلِّ جدِّيَّـة. إننا نطالب بتحويل وزارة المهجرين الى صندوق انماء الجبل. والمضيّ بمقاربةٍ عمليَّة مدروسةٍ بتطبيق اللامركزيَّة الإداريَّة. ويقينُنا أنَّ ديناميَّة العمل الحكومي والبرلماني برعاية الرئاسة الحكيمة تدفعُ إلى آفاقٍ إصلاحيَّة أساسيَّة، فالحرَكة الناشطة هي أساس الحياة، والمراوحة في مستنقع الأزمات لا تخدم مصلحة أحد. إننا ندعو الجميع إلى التعاضد لمجابهة كافَّة الأخطار، فمناعة الدولة تُحصَّن بمتانة نسيجِها الوطني، ولدينا الثقة بأنَّ الكلَّ قادر في لحظةٍ حاسمة على اجتراح قاعدة الحلول لاستعادة الثقة المحليَّة والدوليَّة باللبنانيين وبقدرتهم المشهودة على استقرار بلدهم.

  الحضور الكريم، يصادف لقاؤنا بكم اليوم ذكرى الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي، عيد المقاومة والتحرير، بما يعنيه هذا اليوم من تاريخ وطني يبعث على الفخر بما حققه اللبنانيون في دحر العدو الاسرائيلي الذي شكَّل محطَّة تاريخيَّة مضيئة في تاريخنا الحديث. وفي هذا الشهر الفضيل قلوبنا وعقولنا شاخصة نحو فلسطين. فلسطين التي تصدّت لكل المؤامرات ولا تزال. أقول إنّ الشعب الفلسطيني الصامد سيبقى بعونه تعالى حائلاً دون تجريد قضيته من بعدها السياسي والعربي والإسلامي. والقلق الأكبر هذه الأيام من التوتر الحاصل في المنطقة العربية، دعاؤنا أن يقف الجميع في فسحة النور، وأن تجمعهم إرادة فعل الاخوة والمحبة والتسامح التي من ثمارها الطيبة اللقاء والوقوف على ما يمليه الحق والخير والسلام. ونسأله تعالى أن يمنَّ علينا بلطائف رحمته، وجميل كرمه، وأن يحفظَ أمَّتنا ووطننا من كلِّ ضيْم، إنه هو الحليم الكريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.»

روحُ عالَمٍ بِلا روح

  لم يخطئ البعض حين قال قبل مئة وخمسين عاماً، أنّ الدين هو «روحُ عالمٍ بلا روح»، أو «قلبُ عالمٍ بلا قلب». كانت ومضة صحيحة، على نحو موضوعيّ وشاعري في آن، أظهرت أن للدين المكان الواسع الرّاسخ في هذا العالم، من دون افتعال أو اصطناع. كان الأمرُ تاريخياً دائماً كذلك، واستمر كذلك حتى زمننا نحن، حين ازدادت المعارف، وتنوعت الثقافات، وتشعبّت العلوم والصناعات في كل اتجاه، ولم يستطع واحد منها مع ذلك أن ينتزع من الدين مكانته العميقة الراسخة في قلوب البشر وعقولهم وضمائرهم.

  كان الله – جلّ جلاله – الخالق والمُدبّر لهذا الكون، في كلّ المراحل، هو المضمون الحقيقي لكلّ اختبار ديني، في كل الجماعات والحضارات، ولكن بمقدار استعدادها لقبول كلمة الله. ولا يخفى أنّ في الأمر حكمة عظيمة، إذ لا يخاطب الحق الناس إلّا بمقدار ما يعقلون ويفهمون ويدركون. هو لا يخاطبهم، ولا يُظهر صورته لهم، إلّا في المُستوى الذي هم فيه، أو بلغوه. ولأن معرفة الله، والإيمان به، هي: «من الأمور الغريزية التي في طبيعة الخليقة أجمع»، وفق تعبير إخوان الصفا، لذلك، عرفت الجماعات البشرية الله دائماً في مستوى معارفها ومداركها، وصولاً إلى المعرفة الأخيرة المتصفة بالتوحيد والتنزيه الكاملين، أي الحق في صورةٍ هي الأقرب للحق، وهو المضمون الأخير لأديان التّوحيد، وللاختبار التّوحيدي العِرفاني في ذروته الحكميّة والإشراقية.

  مُجملُ القول، أنّ ذلك، وبالمعنى المَعرفي العميق، هو ما تفعله مجلة الضّحى منذ عقود، وفي زمن صعب جداً. هي تحاول أن تبقي شُعلة الإيمان مُضاءة في زمن غير مُناسب، وفي عالم بات عقلُه في جَيبه، وخارطة طريقه في غرائزه. هي محاولة في إبقاء بوصلة البشر، وفي مجتمعنا على الأقل، مُتّجهةً الوِجْهة الصحيحة. محاولةٌ، رغم طوفان الشرّ والفساد الطاغي، في التّمسك بما تبقّى من خشبة خلاص: في الاختبار الدّيني عموماً، والاختبار العرفاني على وجه الخصوص؛ وترجمة ذلك في مسلك توحيدي أخلاقي إنساني يستمدّ مضمونه من شرع الله في كلّ دين، وفي كل زمان ومكان. وكما أن لا قيمة لعلم لا يتحوّل عملاً يفيد صاحبه، كما خَلْق الله جميعاً، كذلك لا معنى في إيمان لا يتحوّل علامة مُضيئة على الطريق تهدي صاحبها قبل كلّ شيء، إلاّ أنّها تتحوّل دليلاً أيضاً لكلِّ سالك وعابر في هذه الدنيا الفانية. أمّا مقدار نجاح ما نفعله، فمسألة ثانية، فيما الأولى النِّيّةُ الحسَنة المُتّجهة نحو الخير، ولا شيءَ غير الخير. ونستذكرُ هنا كلمة الإمام علي بن أبي طالب الثّاقبة: «لا تستوحشنّ طريق الحقّ ولو قلّ سالكوه».

  إنَّ قارئ هذا العدد، 28، من الضّحى سيجدُ كما نعتقد الكثير من الفِقرات والتّحقيقات التي تَصبّ مباشرة في مجرى فِكرةِ الضّحى الأصليّة وجوهرِ رسالتها التي ما انفكّت تحملُها وترفعُها رغم صعوبات الزّمان والمكان.

غيابُ القراءة… واغتيالُ العقل النّقدي الحُرّ!

  هذه ليست فكرة سقطت من عابر سبيل، أو مجرّد قول طيّب يتردّد دون سند علميّ موثوق. هي، على العكس تماماً، خلاصة ما انتهت إليه مئات البحوث العلميّة الأكاديميّة، في عشرات الجامعات ومراكز البحث العلمي المرموقة حول العالم. هناك الآن ما يقارب الإجماع على أنّ التطوّرات السريعة التي حدثت في قطاع «السوشيال ميديا» في العشرين سنة الماضية، على مستوى العالم، كما على المستوى المحلِّي الذي نعرفه جيداً، قد انتهت حتى الآن إلى نتيجتين خطيرتين مترابطتين: الأولى، تسارع التحوّل الكارثي الجاري منذ عقدين عن الكِتاب، والصّحافة الورقيّة، نحو الكتاب الإلكتروني والصحافة الإلكترونية، أي الموت الفعلي للكتُب والمجلّات الرّصينة، الثاني، التدهور السريع في الحاجة إلى العقل، والعقل النّقدي الحُر خصوصاً، والقبول دونما اعتراض بالإملاءات والتّنميط وفرض القِيَم والمعايير المُستوردة، والغريبة غالباً عن ثقافتنا وسُلّم قيمنا الاجتماعية والأخلاقية.

  في المسألة الأولى، يقول البحّاثة إنّ التحوّل عن الكتاب الورقي والصحافة الورقيّة إلى البديل الإلكتروني هو تحوّل عن الأصل إلى التقليد، وعن الماء العذب إلى الماء المقطّر والمُصَنّع والمُكَرّر الذي لا يشبه الأصل إلّا في اللون. لقد دمّرَ التحوّل ذاك فعل القراءة – وما فيه من متعة وشَغف وسعادة ومشاركة للنّصّ وللمؤلف – كما دمّر صناعة الكتاب والمكتبات العامَّة، فقضى في عشرين أو ثلاثين سنة على ما أنجزته البشرية في خمسة آلاف سنة على الأقل.

  يريد المُروّجون لهذا التحوّل، بل لتلك الجريمة التاريخية، أن يزرعوا فينا الوهم أنّ النّص هو المعلومات فقط ويمكن بالتالي نيلها بسرعة، بلمحة بصر، وبغير فعل القراءة الهادئة المُتَبصِّرة التي تعوّدناها منذ آلاف السنين. ويريد هؤلاء أن يحجبوا الأبعاد الأُخرى لفعل القراءة وبكل المعاني التي صَنعت عبر التاريخ المُتعلّم والمُثقف والمواطن الصالح والطّبقات الوسطى، فَصَنع الحضارة والثقافة وجعل الارتفاع عن مستوى الحواس وغرائزها أمراً مُتاحاً، مُمكناً، وجميلاً. لقد فات هؤلاء ما بات يؤكّده العلماء، بل الأطبّاء، في عشرات البحوث ومؤدّاه أنّه حين نتوقَّف عن القراءة تصاب فاعليات الدّماغ ونشاط التفكير في العقل بالكسل والانحطاط التدريجي ليصل أخيراً إلى ما يشبه الموت العقلي (رمزيّاً)، تماماً كما يحدث الموت الفعلي للجسد وأعضائه ووظائفه حين تتوقّف عضلات هذا الجسد عن كلّ حركة.

  صحيحٌ أنّ القراءة، حسب تعريف الموسوعات المتخصّصة، هي: «استقبال معلومات من الكاتب أو المُرسِل للرسالة، واستشعار المعنى المطلوب….»، لكنّها أيضاً وسيلة للتواصل مع الثقافات والحضارات الأُخرى. كما أنّ للقراءة، وبعد خمسة آلاف سنة من المُمارسة، عوائد أُخرى تُضاف إلى مجرّد فهم النص المكتوب واستشعار معناه. تلك هي وظيفة أوّلية «رسميّة» للقراءة، بينما هي تمتلك، إلى ذلك، فوائد أُخرى جَمّة وتُنتج عوائد في كلّ اتجاه لا تُقدَّر بثمن، على المستوى الفردي والنفسي والشخصي، كما على المستوى الاجتماعي والحضاري والإنساني. انتهت البحوث العلمية المتخصصة إلى أنّ للقراءة، على المُستوى الفردي والشخصي الفوائد الستّ التالية على الأقل، إضافة إلى الوظيفة الأوّلية للقراءة أي فَهم المكتوب. الفوائد الستّ هي كما يلي:

1- تقوية الوصلات العصبيّة وبخاصة لدى اليافعين فـ «القراءة من أكثر الأنشطة التي تُحَفّز الدماغ للقيام بمهامه وتطوّر القدرات الدماغية التواصلية والتحليليّة».
2- تعزيز التّركيز، ولا يخفى أنْ لا عملية تعلّم منتجة دون حدٍّ مقبول من التركيز، وهو ما يعمل عليه المدرّسون والمربّون دون هوادة. القراءة هنا تعزّز هذه المَلَكة، وتجعلها تلقائيّة في الذهن، يلجأ إليها العقل على نحو اعتيادي ودونما صعوبات أو مشقات تُذكر.
3- تنشيط الذاكرة. القراءة تقلّل حتماً وبعد مئات الاختبارات من وتيرة تباطؤ فاعليّة الذاكرة، وتحد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، فقد ثبت أنَّ «القرّاء المُصابين بمرض الزهايمر ظهرت عليهم الإصابة بالمرض في وقت متأخّر مقارنة بغيرهم من غير القرّاء».
4- مقاومة الاكتئاب والتوتُّر. تبيّن بعد تجارب ومراقبة أنّ القراءة تمنح صاحبها آفاقاً رحبة جديدة فتخرجه من سجن التوتّر وعادات الاكتئاب، وإلى ذلك «هي مقاومة للأمراض العصبيّة البسيطة مثل الصداع والأرق».
5- تحفيز الذّهن؛ من فوائد القراءة والمطالعة تحفيز عمليات الذّهن ووظائفه، إذ «يحتاج العقل إلى تحفيز دائم، وقد تختلف هذه المحفِّزات من شخص إلى آخر، ومن عقل إلى آخر، ولكن يبقى أنَّ القراءة هي من دون شك على رأس هذه المُحفِّزات».
6- فرصة إضافية للإبداع. تقدّم القراءة كفعل تقَنيّ، وكإطلالة على حقول شاسعة متنوّعة، باباً إضافياً للإبداع. هي تقترح موضوعات جديدة، مسارات جديدة، ودوافع لن تكون متاحة، أو حتى معروفة، دون فعل القراءة، واكتناه عادتها.

  وبسبب هذه الفوائد المُباشرة الشخصيّة، ركّز التربويّون، والحكومات في أنحاء العالم المُتقدِّم على تنمية فعل القراءة لدى الشباب والكبار، من خلال تخصيص أيام وبرامج وجوائز للقراءة. وركّزوا أكثر على ضرورة زرع عادات القراءة في شخصيّة الأطفال الآخذة بالنّمو واكتساب العادات المعرفية، لما في ذلك من نتائج خَيّرة على المستويات الأخلاقيّة والتربويّة والسيكولوجيّة. وعليه، يجب أن يدرك الآباء والأمّهات، أنّ تعوّدهم القراءة أمام أطفالهم، وإحاطة هؤلاء بالكتب والمجلات، وشرح أهميّتها، سيتركان آثاراً إيجابيّة مستقبليّة على توجّهات أطفالهم، وميولهم، وعاداتهم، وعلى نوع الأهداف التي يضعونها نُصب أعينهم. وليس غريباً بالتالي أن يتضمّن مقياس تَحَضُّر أية جماعة معدّلاً وسطيّاً بعدد الساعات التي يصرفها الفرد يوميّاً أو أسبوعيّاً في القراءة. ولا لزوم للقول، وقد بات معروفاً في الإحصاءات الدوليّة، أنّ معدلات القراءة في العالم العربي بعامة هو متدنٍّ جدّاً ولا يتناسب مع الدور البارز الذي لعبه العرب قديماً في الثقافة العالمية، ولا مع امتلاكهم حافزاً دينيّاً كي يقرأوا، ليس له مثيل، إذ إنَّ أول ما خاطب به جبريل محمَّد(ص) قال له: إقرأ.

  أمّا إذا أردنا التماس أسباب تدنّي معدّلات القراءة عموماً في العالم العربي، لوجدنا في طليعتها مستوى الأُميّة العالي الذي لا يزال مُهيمناً على النّساء في العالم العربي (أُميّة قراءة تبلغ الثّلثين)، كما على شرائح اجتماعيّة كثيرة في الأرياف والأطراف وبين الجماعات المُهَمّشة.

  يُضاف إلى السبب البنيوي أعلاه انتشار الاضطرابات وفقدان الأمان وحالات التّهجير والتسرّب المُبكر من المدرسة وعمالة الأطفال في معظم أجزاء العالم العربي، ما يجعل القراءة بما تعني الإقبال على الكتاب مطلباً ثانويّاً وفرعيّاً قياساً بما هو أكثر خطراً، ماديّاً ووجوديّاً.

  يُضاف إلى السّببين الكبيرين، أعلاه، المانعين لاكتساب عادة القراءة عند الفرد العربي، سبب ثالث بات ملموساً في مُعظم المجتمعات العربية، لدى الأطفال واليافعين على وجه الخصوص، كما لدى الكبار عموماً وهو التحوّل عن الكتاب الورقي والمطبوعة الورقية إلى شاشات مُضيئة مُسطّحة (أو مُقعّرة) تحت مسمّيات عدّة: من التلفزيون إلى الإنترنت وساعات البث طوال النهار والليل، وما يسمّى وسائط التواصل الاجتماعي (وهي غير اجتماعية كُليَّاً لأنَّها تُحيل الطفل واليافع إلى فرد شديد العزلة وأحياناً إلى فرد عدواني). الصورة هي التي تهيمن على هذه الشاشات الخادعة. والصورة المسطحة التي تُقدَّم للمشاهِد لا تحتاج في الغالب معرفةً أو علماً أو مهارة قراءة، بل سلسلة طويلة متداخلة من الصُّور والتطبيقات الخادعة، الوهميّة، والآسرة للطفل أو لليافع.

  السبب الأخير يضعنا مباشرة في المسألة الثانية وهي اجتياح ما يُسمَّى بـ «السوشيال ميديا» للعقل البشري، وتجريده فعليّاً من أهمّ ما حققه عبر التاريخ: حُرّيته وقدرته على الاختيار.

  هذا الدّفق غير العقلاني، وغير المعقول من الإقبال على الشاشات المُضيئة الرَّخيصة (عمداً وعن سابق تصوّر وتصميم) يكاد يُدَمّر أجيالنا الشابّة، بتدميره لملكة العقل الحُرّ والنقدي فينا. لقد بات البشر أشياء، لا ذواتاً، موضوعات تتلقّى، لا كائنات تفكّر، «روبوتات» تجري برمجتها بمئة طريقة، مباشرة وغير مباشرة، فتصبح ببَّغاوات بائسة تنطق بما لقّنها إياه مُصَمِّمو البرامج – تُجّار العولمة ومهندسو الشرّ في العالم؛ كائنات تتكلّم، ترتدي، تشتهي، تميل، تستسلم، وفق إرادة مُبرمجيها في الغُرَف المُغلقة. هوَ ذا ما يحدث حين يُحْرَم اليافع من القراءة المُمتعة والتفكير بحرّية لصالح دفق المَشاهِد والصُّور: ويظنّ وسط ذلك أنّه أمام خيارات في التطبيقات لا حدّ لها، بينما هي في الحقيقة تكثيرٌ أو تكرارٌ لخيار واحد إلزامي أمام اليافع، وحدّث بعد ذلك بما شئت عن الأضرار النفسيّة والاجتماعية وحتى الجسدية اللاحقة. وخير سند عمليّ لما نقوله لجوءُ أكثر من عالِم وتقَنيّ في مجال برامج اليوتيوب وتطبيقاته إلى منع أطفاله من استخدامها.

  هذا هو الواقع الأسود الذي لم تتمكن كلّ الدعايات الملوّنة من التَّغطية على لائحة الانحرافات الكارثيّة التي قاد إليها (وصولاً إلى حد طلب الانتحار من المُشاهِد وفق بعض التّطبيقات)؛ كما لم تتمكّن بالتأكيد من تغطية طبيعته الفاسدة والمؤذية، فرديّاً واجتماعيّاً، أخلاقياً ومدنياً، ولنا في مجتمعاتنا أكثر من شاهد على ما نقول (وقد دَلّت إحصائيّات حديثة إلى أنّ 46% من مُستخدمي الإنترنت في العالم العربي إنّما يفعلون ذلك لأجل التّرفيه لا أكثر!).
وحتى لا نُرمى بالغُلوّ والأحكامِ المُطلقة، نستدرك فنقول: إنّه ربّما نجد في تقنيّات التواصل والإعلام السائدة قدراً من الفائدة، الفرديّة والجمعية ولكن شرط أن يُحسنَ الآباءُ والأمّهات والمُربّون على وجه الخصوص، ضبط استخداماتها وحصرها بما هو نافعٌ وخَيّر.

  وبعد، فَلْنُداوِ الجهلَ بالمعرفة، والتأخُّرَ بالعلم، والتّهوّرَ بالحكمة، والمفاسدَ الكثيرة بطلب الخير والنّصح والرُّشد، من حكيم وراشد إذا توفّرا، ومن قراءة الكتاب أوّلاً وأخيراً: فهو خيرُ جليسٍ في جَمْعتنا، وأمتعُ أنيسٍ في وحدتنا. أمّا إذا سُئِلتَ عن فعلٍ فيه الخيرُ التّام والنأيُ عن كلّ شرّ فقلْ: القراءة.

وحدة الجبل، وحدة الوطن

  عاصر التـنوخيّون، أسلاف الموحِّدين الدّروز الأوائل، العبَّاسيّين والسَّلاجقة والفاطميّين والأيوبيّين والمماليك والعثمانيّين، وكانوا ولاة إمارة جبل لبنان. استطاعوا بحِكمتهم وحسِّهم السياسيّ الرَّفيع أن يكونوا عبر أكثر من سبعمائة عام على الأقلّ، حماة ثغور وموضع ثقة سلاطين وحكَّام كتبوا «المناشير» و»الكتُب» في تثبيت مواقعهم وإمْرتهم حتَّى باتت الإمارة تُعرف بـ «جبل الدروز» إلى زمن الشهابيّين كما هو معروف. حافظ التنوخيُّون الموحِّدون على «هويَّة» الأرض، وتمكَّنُوا بحنكةٍ بالغة، أن يجتازوا «محنة» تولية أمراء ترك وشركس على أجزاء كبيرة من جبل لبنان باعتبار أنَّ الأراضي التي يقيمون فيها ليست كلّها «مشاع السلطان»، وأنَّها بعهدتهم كوصايا من أجدادهِم وأسلافهِم الذين ما تخلَّفوا يوماً عن الِّدفاع عنها دفاعَ «المرابِطين» في وجهِ الغزاة وأعداء الأمَّة.

  وحافظَ المعنيُّون من بعدهم على «الأمانة»، بل ذهب الأميرُ فخر الدِّين مذهبَ القادة الكبار في تحصين الأرض، وتعزيز معنى الانتماء إلى المكان، وتوحيد الجيش في غير تمييز بين الطوائف. لُقِّب بالكبير، ليس على قاعدة التمرُّد على العثمانيين كما يحاول البعض من «المؤرّخين» المأخوذين بنزعة «العثمنة» تصويره بعيداً عن الصُّورة الشاملة، بل لأنَّه نافس ولاة طغاة، ولأنَّه استشعر بعمق معنى الحرِّيَّة الكامن في نفوس أهل الجبل كلّهم، بشكل يتجاوز قوقعات العصبيات الفئويَّة، والممارسات السلطويَّة لولاةٍ يشترون المناصب بالحيلة والمال المنهوب. وبات الأمير الكبير رمزاً وطنيّاً من حيث أنه زرع النواة الأولى لفكرة الوحدة الوطنيَّة التي حقَّقها بصورة شبه ملحميَّة في «الجبل».

  نحنُ في تلك الفسحةِ أدركنا هويّـتَـنا الحقيقـيَّـةَ كأبناء بلدٍ جمعتنا فيه أقدارُنا، وبرغم كلّ الصُّعوبات حقَّـقنا صيغةَ العَيش فيه، وظلَّلتنا إمارةُ الجبل عبر مئات السّنين فيما يُشبه استقلالاً ذاتيّاً، بنينا عبرهُ وطنًا جميلاً، وإمكانًا حضاريًّا، بل حُلمًا عشناهُ كان لبنان فيه درَّةَ الشَّرق، وأملَ النّهضةِ الموعودة التي أضاءَ أنوارَها كلُّ بَنيه، واستمرت فيما بعد في السياسة الوطنية الجامعة لمعالي الأستاذ وليد بك جنبلاط.

  قدرُنا أن ندخلَ أحياناً مصهرَ النَّار، لكنَّ قدرَنا أيضًا أن نجدِّد دائماً العهدَ، وأن نستلهمَ العبرةَ العظيمةَ التي يقدِّمُها لنا تاريخُنا، وجوهرها أنَّه بوحدتِنا، وإرادتِنا الجامعة، وميثاقِنا الوطنيّ، نصونُ لبنان، وندرأ عنهُ رياحَ الفتن والويلات. نعم، أن نعودَ إلى الله سبحانه وتعالى، وكلُّنا يقدِّسُه بإرثٍ هو من عين الحضارة الإنسانيَّةِ وينابيعِ خيرها. فكم من ردِّ فعلٍ على رزيئةٍ أصابتنا سمعنا صوتَ المؤذِّن وقرعَ الأجراس متلاحمَين. وكم من مناسبةٍ تجمعُ شملَ اللبنانيِّين في الأفراح والأتراح كلٌّ يحترمُ الآخرَ ويقدِّر الأصُول. البعض يقول خير لك أن تُحتَرم من أن تُحبّ، ونحن نقول في الجوهر والحقيقة هما مقاربتان لا تتناقضان. ذلك أنّ الاحترام الصحيح هو وليد المحبة العميقة. وإذا فُقدت المحبة فيجب ان يبقى الاحترام عنوان العلاقات الاجتماعية. ولمّا كانت محبة المؤمن بالله مصدرها في الحقيقة الرجاء وليس الخشية فقط لذلك فإننا نتوجه برجاءٍ إلى اللبنانيين جميعاً أقيموا على المحبة والتعاطف علاقاتكم وتحرروا من أحقادكم، فالخير لا يتأتى من رحمة ٍينعم بها انسان دون آخر، أو عبثٍ بنظام عام يجرّ إلى فوضى مدمّرة لا خير فيها ولا فائدة منها.

  رسالتنا لكم احفظوا وطننا يا أهل السياسة، لبنان القوي المعافى هو لبنان الموحد وهذه الوحدة لا تكون الا بشراكة وتعايش جميع مكوناته. لبنان لا يُحكم إلاّ بالتوافق ولا تبنى دولة ولا يعزز اقتصاد إلاّ بالإصلاح الحقيقي الجاد. ابعدوا التحالفات السياسية عن علاقاتنا الاجتماعية في الجبل. واحذروا الوقوع في مخططات تهدّد وطننا وسلامته واياكم والانجرار الى الفتن. تواضعوا بالكلمة الطيبة.

  أما على صعيد البيت الداخلي فلا بد من التلاقي، مجتمعنا أسرة واحدة، أخوة أو أبناء عم، مصاهرة، جيرة ورثناها عن آبائنا، بلدة واحدة، ما يضرّني يضرّك، وما يصيبني يصيبك، تربطنا رابطة الدّم الذي يقول المثل: «إنه لا يصير ماء». نمدّ يدنا للجميع دون استثناء، وداركم دار طائفة الموحّدين الدروز هي دار جامعة.

  نسألُ الله العليّ القدير أن يُلهمَنا إلى كلّ ما فيه الخيْر والفلاح، وأن يُنعم بظلال نعمتِه ورحمته وكرمه علينا جميعاً، إنه هو الكريم الحليم، السميع المجيب. 

أنشطة سماحة شيخ العقل، رئيس المجلس المذهبي

في باب أنشطة ومناسبات لعدد مجلة الضّحى (28)، تغطية لمجموعة من الأنشطة والاستقبالات والمناسبات والندوات المهمة والمتميزة المنعقدة طوال الشهور الثلاث السابقة.

يتضمن باب «أنشطة ومناسبات» لهذا العدد استقبالات سماحة شيخ العقل لعدد كبير من المبعوثين الأجانب والسفراء والقناصل، ولعدد من السادة الوزراء والنوّاب والمحافظين، والقضاة، والعلماء، ورؤساء ولممثلي هيئات دينية وخيرية وثقافية واجتماعية وتربوية ومهنية وسواها.

[Best_Wordpress_Gallery id=”19″ gal_title=”استقبالات سماحة الشيخ عدد 28″]

استقبالات سماحة شيخ العقل: هيئات دينية/قضاة
  1. كاهن رعية «سيدة الدر» في المختارة الاب عيد بو راشد تاريخ 21-5-2019.
استقبالات سماحة شيخ العقل: هيئات سياسة ومدنية
  1. عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون تاريخ 25-4-2019.
  2. وفد من جمعية «الجبل ماراثون» تاريخ 25-4-2019.
  3. عضو تكتل «لبنان القوي» النائب الدكتور فريد البستاني تاريخ 30-4-2019
  4. رئيس عمدة مؤسسات دار الايتام الإسلامية فاروق جبر، والمدير العام للمؤسسات الوزير السابق الدكتور خالد قبّاني، وأعضاء في مجلس العمدة تاريخ 30-4-2019.
  5. وكيل داخلية الشويفات – خلدة في الحزب التقدمي الاشتراكي مروان أبو فرج تاريخ 30-4-2019.
  6. عضو اللقاء الديموقراطي النائب هادي أبو الحسن تاريخ 14-5-2019.
  7. وفد من اسرة جريدة اللواء برئاسة رئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام تاريخ 14-5-2019.
  8. وفد من «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» تاريخ 21-5-2019
  9. رئيس الأركان في الجيش اللبناني اللواء الركن امين العرم تاريخ 21-5-2019.
  10. وزير الصحة العامة الدكتور جميل جبق (٢٠-٦-٢٠١٩).

العدد 28