الثلاثاء, نيسان 30, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, نيسان 30, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الزواج المدني المختلط

عقدُ الزواج الديني فيه تشريفٌ للرابطة الزوجية
وضمانةٌ للاستقرار العائلي وتكريمٌ للمرأة الزوجة

قانون الأحوال الشخصية للموحّدين الدروز متطوّرٌ وقريبٌ من القانون المدني في كثيرٍ من الجوانب، بل يزيد عليه، من حيث المساواة بين الزوجين وتوخّي العدالة بينهما

ينبغي لأي نقاش حول موضوع الزواج المدني أن ينطلق من قاعدة ثابتة هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالتعاليم والتشريعات المستودعة في الكتب السماوية، وبأن هذه التعاليم والتشريعات الربانيّة تهدف الى خير الإنسان بما تراعيه من حاجاته الروحية والجسدية وطبيعته الإنسانية وقوانين علاقته بالكون وبالمجتمع. أمّا التشريعات الوضعية، فمع توخّي الدقة أحياناً في وضعها، فإنها لا يمكن أن تكون كاملة لأن من وضعها لا يتَّصفُ بالكمال ولا يمكن أن يتنزه عن الجور والظلم والميول البشرية الذاتية.
لقد أبدع الله تعالى نظاماً للطبيعة وكافة المخلوقات وفصل هذا النظام في الكتب السماوية والشرائع وخصّ الإنسان بتشريف كبير عندما جعل منه غاية الله من هذا الوجود وخليفته في الأرض، لكنه ألزمه في المقابل بقواعد شرعية وسلوكية الهدف منها حمايته من نزوات الهوى ودسائس النفس الشيطانية وكذلك حماية المجتمع وإقامة العدل في الأرض. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل:90). ومن أهم أحكام التقوى والعدل التي شرعها الله هي تلك التي تنظم علاقات الأسرة وواجبات الأهل والأولاد وحقوق كل منهم وعلى رأس هذه العلاقات مسألة الزواج والعلاقة بين الرجل والمرأة.

مذهب الموحدين الدروز يركّز على ضرورة إشهار الزواج ورضا الولي كفريضة حفاظاً على العائلة والقيم الاجتماعية

لهذا السبب وبسبب أن الله تعالى وضع أحكاماً واضحة لكل المسائل المتعلقة بسلوك الإنسان ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾
(الأنعام: 38) فإنه لا يمكن لأيِّ تشريعٍ مدنيٍّ أن يحلَّ مكانَ التشريع الديني، كما أن عقدَ الزواج بصورة خاصة يحتاج إلى نوع من الصيانة الدينية، والزوجان يجب أن يشعرا بأن عقدهما ليس عقدَ شراكة حرة (العقد شريعة الطرفين) تُحدَّدُ فيه الحقوق والواجبات حسب المصالح والأهواء، بل هو إنعام من الله على بني آدم وضع له أسساً وأحكاماً. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم:21) ولهذا، فإن أي بحثَ أو تعديلٍ أو تشريع في هذا المجال يستوجب التعاطي مع المرجعيات الأساسية من قبل أبناء كلّ طائفة فلا يكون موضوعاً مفتوحاً لكل ذي هوى أو لأفراد متنوعي التوجّهات والمشارب. وهذا الحصر في شأن مؤسسة الزواج أسلمُ للمجتمع وللوطن، كما أن رجوعَ كلِّ مجموعةٍ أو طائفة إلى قوانينها الخاصة بالأحوال الشخصية هو أكثر ضمانةً للاستقرار العام وللاستمرار. ولا يضرُّ تنوعُ الأديانِ والمعتقدات، فكلُّها تركّزُ على خير الإنسان وسموّه وشرفه، وهل تنوُّعُ الأشجار في البستان يقلّلُ من قيمةِ الأثمار الزكية؟ وهل تنوُّعُ الزهورِ البهيةِ يُزعجُ النظرَ؟
– إن الانصهار الوطني لا يكون بالزواج المدني، بل بإلغاء أسباب الطائفية السياسية، ودمج الاحزاب السياسية لا العائلات، لتكون مصهراً حقيقياً لجميع أبناء الوطن من كل الطوائف، وإلغاء الفروقات بين المواطنين. وخير دليل على ذلك هو أن المجتمعات المدنيّة لم تسلَمْ من الحروب والفتن، فالزواج المدني لم يكن حلاًّ للنزاعات بين الناس، بل أدّى إلى تفكك الأُسر والنسيج المجتمعي. بل أن الرأي الغالب هو أن تشريعَ الزواج المدني لا يوجدُ حلاًّ وطنياً شاملاً يوحِّدُ اللبنانيين تحت قانونٍ مشترَك، بل يُضيف طائفة جديدة هي “طائفة الذين لا طائفة لهم”.
إن من لا يَقتنعُ بالزواج الديني لا يضرُّ الوطنَ بشيء إذا عقدَ زواجه خارجَ بلده، وهو حُرٌّ في اختياره ويتحمل مسؤولية اختياره. ولكن لا يجوز أن نعتبرَ ذلك ذريعةً لنجدَ له تشريعاً خاصاً في مواجهةِ التشريع الديني.

قانون الأحوال الشخصية للموحدين الدروز
للإضاءة على الموضوع من وجهة نظر الموحدين الدروز، لا بدّ من التأكيد على بعض النقاط في قانون الأحوال الشخصية للموحّدين الدروز:
-إن التشريعات وقوانين الأحوال الشخصية عند الموحدين ترتكز على التشريعات الإسلامية الأساسية وتتّجهُ الى كمالها وتمامها، أي الى العدل والخير العام وصيانة الإنسان والمجتمع.
-قانون الأحوال الشخصية للموحّدين الدروز متطوّرٌ وقريبٌ الى القانون المدني في كثيرٍ من الجوانب، بل يزيد عليه، من حيث المساواة بين الزوجين وتوخّي العدالة بينهما، وحريةُ الرأي والقبول، وضرورة توقيع العقد من الزوجين والشهود، وعدم حلّ العقد بالطلاق إلاّ بحكم القاضي، ومنع تعدّد الزوجات، وإعطاء الحق للزوجين بطلب فسخ العقد بالتراضي، وإعطاء الحق للقاضي بتحديد العطل والضرر إذا لم يرَ سبباً شرعياً للطلاق، وحرية الإيصاء…

الانصهار الوطني لا يكون بالزواج المدني، بل بإلغاء أسباب الطائفية السياسية وبنظام تربوي يعزز الانفتاح واحترام الآخر

كما أن هناك نقاطاً إضافية، يجب التأكيد عليها:
وجوب مباركة العقد وضرورة تعريف الزوجين بواجباتهما وحقوقهما وبأهمية زواجهما.
وجوب احترام التقاليد الاجتماعية المنسجمة مع القانون ومع العُرف السائد.
وجوب إشهار الزواج ووجود الشهود الثقات، تأكيداً على أهمية عقد الزواج وتكريماً للزوجين.
التركيز على رضى الولي كفريضة في زواج الموحدين، وفي هذا حفاظٌ على العائلة والقيم الاجتماعية، ويُحدّد ذلك بحسب سنِّ الزوج والزوجة، وبالإستناد الى العادات الاجتماعية المتّبعة.
منع الزواج من غير الطائفة، مع احترام الأديان وتعدُّدها: ﴿لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (سورة المائدة:48) واعتبار أن الزواج السليم يقضي بتقارب الزوجين سنَّاً وعقلاً وطباعاً وعاداتٍ، فكيف إذا اختلفا عقائدياً، وهذا ما ينعكسُ على الأولاد في المستقبل…
اعتبار الزواج تجانساً وتآلفاً في الأرواح، وهو نوعٌ من التوحُّد بين اثنين، إذا كان مبنياً على “الحبّ الحقيقي الذي هو مقياسُ كلِّ حلال، كما أن انعدامه مقياسُ كلِّ حرامٍ وضلال”، على حدِّ قول الشهيد كمال جنبلاط.
يجبُ أن يَسعى طالباً الزواج إلى هذا التجانس والتقارب، ولا يجوزُ الاستهانة بذلك، وفي ذلك بُعدُ نظرٍ وتفكرٌ بالمستقبل، حفاظاً على الاستمرارية، وتبصُّراً بالعواقب، لما ينتج عن الزواج من مفاعيل، خصوصاً في ما يخصُّ الأولاد الذين لا يجوز سلخهم عن دينهم، كما لا يجوز أخذهم الى هنا وهناك ممّا يؤدّي الى ضياعهم ويسبّب مشاكل اجتماعية ونفسية لهم.

الزواج من غير الطائفة
إنَّ التشدُّدَ في عدم الزواج من غير الطائفة عند الموحدين ساهم في إبقاء هذه الطائفة في لبنان وفي سورية وفي فلسطين والأردن، متماسكة الى حدٍّ كبير، محافظةً على أصولها العربية ودورها الوطنيِّ والقوميِّ والدينيِّ. وذلك لا يعني تعالياً على الآخرين أو انتقاصاً من أبناءِ الطوائف الأخرى، بل يعني السعي للمحافظة على وجود الموحدين الدروز كجماعة لها خصوصياتها ومنهاجها، ولأن التهاون في ذلك لا يفيد الآخر لكنه يصيب الطائفة بالضعف ويوهن أواصر التضامن بين أبنائها.
هناك تجاوزات ومخالفات فردية محصورة نوعاً ما، ولا تؤثر على المجتمع تأثيراً كبيراً، إنما تشريع ذلك والسماحُ به تحت شعار التقارب مع الآخرين فإنّه لا ينفعُ أحداً ويُسيء في الوقت نفسه الى الطائفة والى القيم التي تُمثلُها والموقع الوطني والقومي والديني الذي ما زالت تحافظُ عليه.

التعامل مع الحالات الخاصة
إن الحالات الخاصة موجودة في المجتمع، ولكن لا يمكن التشريع لها، بل على أصحابها تحمُّلُ المسؤولية بخروجهم عن التشريع الديني، علينا أن نوجِّهَ ونُرشدَ ونُحذِّر وندعو بمحبّةٍ كلَّ الشباب والأخوةِ والأخوات الى عدمِ تجاوزِ التشريع الديني والى مباركةِ عقودِ زواجهم، بعيداً عن أيِّ نزوةٍ عاطفية أو هوسٍ أو شعورٍ بالغبن والظلم، فالدينُ لا يظلُمُ بل يقودُ الى خيرِ الإنسانِ والمجتمع.
إن علينا أن نتعاطى مع الحالات الخاصة ومع المشاكل التي تعقبُ الزواج بالرعاية وخصوصاً في ما يتعلق بالمشاكل العائلية والاجتماعية والنفسية. هذا الموضوع قابلٌ للبحث والدراسة، أمّا البحثُ في استبدال التشريع الديني بتشريع مدني والعمل على وضع المسامير في نعشِ “التدخل الديني” كما يسميه بعض العلمانيين فهذا غير مقبول، لأن مكانة الدين يجب أن تبقى رحمةً بالناس وبالمجتمعات وبالبشرية، والدينُ بحدِّ ذاته حكمة ورحمةٌ منزلة من الله سبحانه وتعالى اتقاء لظلم البشر بعضهم لبعض..

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading