المؤسسة الصحية في عيــن وزيـــن
استثمــارات ضخمــة والتحــدي الأول
استعــادة الثقــة وكســب رهــان الجــودة
د. زهير العماد:
النواقــص قائمــة لكننــا حققنــا قفــزات كبيــرة
نرحّــب بالنصــح البنّــاء والتجريــح يضــرّ الجميــع
في سنة 1978 وُضِع حجر الأساس للمؤسسة الصحية للطائفة الدرزية في أرض مطلة وموقع جميل على تلال عين وزين. كان الحدث بالنسبة للكثيرين منعطفاً حاسماً في تاريخ منطقة الشوف والعناية الصحية في الجبل عموماً. وقد كان غياب مستشفى مجهزاً تقنياً وطبياً وبشرياً في المنطقة قد تحول إلى شذوذ بديهي عن بقية المناطق والجماعات اللبنانية التي يحظى كل منها بمستشفى أو مستشفيات عدة ترعى خصوصاً فقراء المناطق إلى جانب المرضى المقتدرين أو المتمتعين بغطاء صحي خاص أو حكومي.
لم يكن مفاجئاً لذلك أن يستقبل قيام المؤسسة الصحية بترحيب شامل وبآمال عريضة، وأن يكون الخبر قد أدخل الطمأنينة إلى قلوب سكان الجبل بصورة عامة. لكن قيام المؤسسة فعلياً وشروعها في تقديم الخدمات الصحية في مطلع الثمانينات سرعان ما كشف عن أن المنطقة لم تكن مجهّزة كما يجب للتعامل مع التعقيد التقني والخدماتي والإداري لمؤسسة صحية متقدمة وحديثة، واتضح للجميع بسرعة أن المستشفى ليس المعدات ولا الغرف ولا العناصر المادية، بل هو نظام متكامل لتوصيل أفضل الخدمات الطبية والصحية يلعب فيه الفريق الطبي والإداري والتمريضي والإدارة اليومية لمختلف الأقسام أدواراً متكاملة ومتلازمة في سياقه. وقد تبين أيضاً أن هذه الخبرات والمهارات لا يمكن تجميعها فجأة بل يجب أن تكون جزءاً من ثقافة إنجاز وخدمة طويلة وأن تكون عناصرها قائمة وجاهزة للعمل بانتظام منذ اليوم الأول لقيام صرح بحجم المؤسسة الصحية.
بالطبع أدى عدم التنبه أو عدم إمكانية تلبية كل هذه الشروط بصورة مسبقة إلى حال أشبه بالتعلم في الميدان، أو التعلم بالتجربة وبالخطأ، وهذا طريق خطر في مهنة الطب كما سيوافق الجميع، وقد نجم عنه سلسلة من الارتباكات والأخطاء التي جاءت مناقضة للتوقعات المرتفعة التي كانت لدى الناس، والذين كانوا يقارنون المؤسسة ومنذ اليوم الأول بمثيلاتها من المؤسسات العريقة والمتقدمة، والناس يمكن أن تعذر أو تمهل في أي شيء إلا في موضوع الصحة والأمن الصحي، ولهذا فقد كان الرأي العام قاسياً في تقييمه لبواكير التجربة وارتسمت من جراء تلك الأحكام الأولية صورة سلبية كانت تتغذى يومياً بمختلف الأخبار الصحيحة أو المضخّمة أو حتى غير الصحيحة عمّا يحصل في المؤسسة الصحية.
كانت تلك فترة صعبة بل دقيقة ولا شك، وقد كان على المؤسسة والعاملين فيها التعلم بسرعة ومعالجة النواقص والثغرات التي تظهر في الممارسة، وهو ما كان يتم بالفعل يوماً بعد يوم وقد مرّت المؤسسة منذ تلك الفترة بمراحل متتالية من التطور والتقدم ومعالجة النواقص أوصلتها إلى ما هي عليه الآن كمؤسسة متكاملة ومتقدمة للرعاية الصحية ورعاية المسنين. لكن المؤسسة ورغم النجاحات التي أحرزتها والتحسّن المطرد في الخدمات الطبية التي تقدمها تشعر أكثر فأكثر أن الجمهور لم ينصفها بسبب قوة الصورة السلبية التي ما زال يتداول بها الكثيرون.
في هذا التحقيق الذي أعدّته “الضحى” عن تجربة المؤسسة وآفاقها محاولة موضوعية لإجراء تقييم منصف وصريح للتجربة بعيداً عن الشائعات والقيل والقال الذي بات الكثير منه يؤذي المؤسسة وجهودها وينعكس بالتالي على قدرتها على أداء الأدوار العديدة المتوقعة منها. تناول التحقيق التعرّف عن قرب على واقع التجربة الحالي ومراحل التطور التي مرّت بها المؤسسة ومشاريع المستقبل، كما تضمن مواجهة مسؤولين، وعلى رأسهم مدير عام المستشفى الدكتور زهير العماد، والشيخ علي عبد اللطيف أمين الصندوق في مجلس أمناء المستشفى، بالأسئلة الصريحة وبالهموم التي يتداولها الناس حول مؤسستهم الصحية وما يتوقعونه منها.
مستشفى عين وزين
يُعتبر مستشفى عين وزين حالياً مركز الإحالة للنسبة الأكبر من الحالات المرضية في كل مناطق الجبل، فمن يحتاج الى عناية قلبية أو علاج كيميائي أو غسيل كلى أو عناية فائقة حتى لحديثي الولادة يقصد “عين وزين”. ويقسّم المستشفى الى 12 دائرة ويتناوب عليه نحو مئتي طبيب من كافة الاختصاصات، وفيه احتكاك سنوي مع ما لا يقل عن 50 ألف مريض، بينهم 10 آلاف يدخلون المستشفى و20 ألفاً في العيادات الخارجية، وهناك ما بين 2500 و3000 جلسة علاج كيميائي، و800 جلسة غسيل كلى، ومعدل 100 جراحة قلب مفتوح، بالاضافة الى ما بين 200 و300 قسطرة قلب، علماً أن 40 % من المرضى عمرهم أكثر من 70 سنة، وهذا عامل مؤثر على مدة الإقامة في المستشفى، فمعدل إقامة المسن غير معدل إقامة الشباب وحديثي الولادة.
يعمل في مستشفى عين وزين 450 موظفاً منهم 100 أجانب، ويتألف الجهاز الاداري من 6 مدراء، وهناك 40 دائرة وقسماً، ولكل دائرة رئيس طبي وهي تعمل وفق نظام عمل واضح، وفي كل أسبوع يعقد كل قسم اجتماعاً لدراسة الحالات قيد المعالجة. وإضافة إلى الأقسام، هناك لجان عدة منها ما يُعنى بموضوع الأوبئة مع فريق عمل مختص، وهناك لجان للجودة، وأخرى لدراسة الحالات الطبية المعقدة، فضلاً عن لجنة تقييم الممارسة الطبية والتدقيق بحالات الوفاة خصوصاً تلك التي تتطلب تفسيراً.
على الرغم من هذه الإنجازات، فإن النقطة الملحة التي أردنا البدء بها هي السؤال عن مستوى الخدمة الطبية، وما يقال بين الناس عن تدنيها في المؤسسة بالمقارنة مع المستشفيات الأخرى المعروفة في لبنان.
يجيب الدكتور العماد على ذلك بالقول:” أنا كل يوم أسأل نفسي هذا السؤال، لماذا الناس غير ممنونين، لماذا الحديث يتركز دوماً على السلبيات والكلام الذي يثبط العزائم؟ الناس توقعاتها عالية جداً وتعتقد أن كل مريض يدخل المستشفى يجب أن يخرج صحيحاً معافى في اليوم التالي، وهذه صورة غير واقعية بالطبع لأن بعض المرضى يدخلون العلاج وهم في حالة متقدمة من المرض، وبعضهم الآخر قد يكون يعاني من اشتراكات وتعقيدات قد لا تكون ظاهرة في البداية، وعلى العموم نحن مثل المستشفيات الباقية لدينا أطباء أكفاء وذوو خبرة، كما أنه أصبح لدينا أحدث التجهيزات والتقنيات وهذه نضعها في تصرف المواطنين ممن يطلبون العناية الصحية في مؤسستنا، وهذا مدعاة فخر واعتزاز لنا، بل أقول إن من حظنا أن تكون لدينا مؤسسة على هذه الدرجة من المهنية والتجهيز ولكن عملنا في المؤسسة يجب أن يقابله تفهم أفضل من الجمهور ووعي مجتمعي أكبر.
“عين وزين” مستشفى فئة أولى
الضحى: ما هو تصنيف المستشفى اليوم بين المستشفيات اللبنانية، وهل حصلتم على شهادات الجودة نتيجة للجهود المبذولة لتحسين الأداء ومستوى الخدمات؟
د. العماد: في سنة 2000 بدأت وزارة الصحة تطبيق نظام اعتماد المستشفيات Accreditation كشرط للتعاقد مع المؤسسات الصحية ضمن مشروع تأهيل القطاع. ومنذ ذلك الوقت ومستشفى عين وزين مصنف بين مستشفيات الفئة الأولى في لبنان (فئة “أ”)، ويتم التقييم وفق معايير معتمدة من قبل الوزارة يتعلّق قسم منها بإدارة المستشفى لكن يؤخذ في الاعتبار أيضاً عناصر أساسية مثل آليات العمل ونوعية الخدمات الطبية والتمريضية والفندقية ومستوى المعدات والبناء ومعايير السلامة العامة ومعايير الأداء الطبي وملاءمة أعداد الموظفين ومدى تلاؤم أعداد الممرضين مع عدد الأسرّة والتطوير الداخلي وآليات الضبط الداخلي (مالياً وطبياً)، ويتم التأكد من وجود لجان تدرس حالات الأخطاء الطبية وحالات الإلتهابات والأوبئة الناتجة عن العمل الطبي الداخلي، بالإضافة إلى معايير سلامة المواد الطبية وتطابقها مع المعايير المعتمدة.
وأود الإشارة هنا إلى أن المستشفى ومنذ سنة 2005 حتى الآن يحصل على شهادة الـ ISO، والتي كانت تعرف بـ ISO 9001/2001 وأصبحت الآن ISO 9001/2008.
فضلاً عن ذلك، يخضع المستشفى لعمليات تقييم دورية ذاتية واختيارية عدة بما في ذلك تدقيق شامل تقوم به شركة ألمانية كل سنة لضبط العمل الداخلي، وهذا التدقيق كما قلت ليس إلزامياً ولكن يعتمده المستشفى بهدف التحسين المستمر للأداء.
لماذا تتجنّب الفئة الميسورة
طرق باب المؤسسة الصحية؟تبلغ الميزانية السنوية للمؤسسة الصحية للطائفة الدرزية نحو 20 مليار ليرة (13.3 مليون دولار) وهي تدفع شهرياً نحو 450 مليون ليرة على الرواتب والمصاريف الإدارية ونحو 100 مليون ليرة للضمان الاجتماعي. لكن الملفت هو أن نحو 97 % من مداخيل المستشفى تأتي من فئة الدرجة الثالثة (ضمان اجتماعي ووزارة الصحة) بالمقارنة مع 40 % في مستشفيات بيروت، فيما لا يزيد الدخل الناجم عن مرضى الفئتين الثانية والأولى على 3 % في المؤسسة الصحية في عين وزين مقارنة مع 60 % في مستشفيات بيروت، ويعتبر غياب أي دخل حقيقي للمؤسسة من مرضى الفئتين الثانية والأولى سبباً في ضعف مصادر دخل المؤسسة، كما أنه مؤشر واضح على تردد المرضى ذوي الإمكانات المالية عن طرق باب المؤسسة، وذلك بسبب تشوش صورتها في ذهن الكثيرين واستمرار تأثير الصورة السلبية الموروثة عن الماضي على موقف قطاع كبير من زبائن القطاع الصحي من المؤسسة.
الأطباء بين طلب المال وقسم أبقراط
الضحى: لكن هل تحول جهود المؤسسة الصحية وإدارتها دون حصول أخطاء من قبل الأطباء أو دون سيطرة الروح المادية على بعضهم؟ واقع الأمر أن التبدلات الاجتماعية والقيمية تخلق اليوم سباقاً على كسب المال تراجعت بسببه القيم الإنسانية وقيم الضمير المهني واحترام حقوق الآخرين ليس في مهنة الطب وحدها بل في مختلف المهن، وبالطبع فإن الضحية الأولى لهذا التراجع هو المريض وأسرته.
د. العماد: المبدأ والتفكير الإنساني لم يتراجعا، لكن تراجعت امكانية الطبيب أن يعطي من ذاته، فالأطباء هم جزء من المجتمع ويعانون فيه، وهم يعملون في حياة الناس وصحتهم، وفي الوقت نفسه عندهم تحديات معيشية في ظل هذه الظروف، وفي كثير من الأحيان لا يقبضون بدلات أتعابهم قبل ستة أشهر. لكن هل يعني ذلك أن لا يقوم الطبيب بواجبه الإنساني؟ بالتأكيد لا. على الطبيب أن يواظب على الخدمة بصبر لأنه مسؤول عن صحة الناس وهذه هي المهنة التي اختارها ولا بدّ من الالتزام بمبادئها في جميع الظروف.
الضحى: ما هو موقف المستشفى من حالات الطوارئ التي قد ترد عليه؟
د. العماد: لا يتم رفض أي مريض في المؤسسة لسبب مالي، كما أن هناك مساعدات اجتماعية تقدّم للمرضى المحتاجين، وهي تعطى كمساعدات على فواتير وزارة الصحة والضمان الاجتماعي بعد درس طلب المريض من قبل مُساعدة اجتماعية مختصة، ويكون الحسم حسب التصنيف وتزيد نسبته في حال الدخول المتكرر. أما المريض الفقير فيتم تطبيبه 100 % على حساب وزارة الصحة.
مركز رعاية المسنين؟
يعتبر مركز رعاية المسنين في مستشفى عين وزين إضافة مهمة جداً لهذا الصرح الطبي، وجاء قيامه أصلاً مؤشراً على تبدل المفاهيم والعلاقات الاجتماعية داخل الأسر اللبنانية وحتى داخل الجبل، وهو تبدل نشأ أيضاً عن انفراط عقد الأسرة الموسعة وهيمنة الأسرة المنفردة المؤلفة من الزوجين والأولاد. وقد أحدث هذا التبدل فجوة مهمة في رعاية المسنين الذين قد يجدون أنفسهم وقد تركوا لمصيرهم في المنزل الأبوي أو في ظروف هجرة الأولاد وزواج البنات وفراغ المنزل من أشخاص يمكنهم أن يأخذوا على عاتقهم رعاية المسن. وبالطبع يزداد الأمر تعقيداً عندما يصاب المسن بأمراض الشيخوخة مثل الخرف أو أمراض باركنسون أو غيرها من الأمراض المُقعِدة، وهي حالات تجعل من العناية بالمسن أمراً صعباً إلا على شخص متفرغ تماماً ولديه في الوقت نفسه الخبرة والتدريب اللازمان للتعامل مع تلك الحالات.
مضاعفات الصورة السلبية
3 % فقط من مرضى الفئتين الأولى والثانية يختارون المؤسسة الصحية في مقابل 60 % لمستشفيات لبنان
مضاعفات غياب الحس الاجتماعي
60% من أهالــي نزلاء مــركز رعايـــة المسنين لا يدفعون المساهمة الشهرية المترتبة عليهم
الضحى سألت الدكتور العماد: ما هو سبب اللغط القوي حول خدمات مركز رعاية المسنين وشكوى الكثيرين من رفض قبول أهلهم؟
د. العماد: الجدل القائم حول مركز رعاية المسنين والطلب الكبير على غرفه المحدودة هما أحد الأسباب التي ساهمت في حالات التذمر أو النقد الموجه للمؤسسة من قبل البعض. لكن الناس لا تدرك ربما أن طاقة المركز على الاستيعاب تتجاوز اليوم الطلب المتزايد على خدماته، وأن موارد المركز المتاحة ليست بلا حدود. ولا بدّ من الإشارة إلى أن المؤسسة الصحية تغطي عجزاً مالياً في المركز لا يقل عن 20 إلى 30 ألف دولار شهرياً، وذلك بهدف إبقائه قائماً، وأن مركز رعاية المسنين يحتاج في طاقته الحالية إلى 350 ألف دولار كنفقات سنوية في وقت لا يزيد الدخل المحقق على 120 مليون ليرة، أي 80 ألف دولار.
لكن إحدى المفارقات الملفتة في مركز رعاية المسنين هي أن هناك 40 شخصاً من أصل 60 مقيمين حالياً في المركز لا يدفعون بدل إقامتهم ولا تتخذ أي تدابير بحقهم، مما يؤكد سيادة منطق الغلبة وفرض الأمر الواقع، وهو منطق يحرم المركز من الموارد ويجعله غير قادر على تلبية المزيد من الطلبات لإدخال مسنين قد يكونون في حاجة أمس وأكثر إلحاحاً للعناية. فمن المسؤول عن استمرار هذا الوضع؟
خدمات التمريض
الضحى: ما هو وضع خدمة التمريض في المؤسسة ومستوى الكفاءة والتدريب لدى الممرضات؟
د. العماد: هناك نقص في الكفاءة نعمل على سده، لأن العنصر البشري هو أهم رأس مال. وفي المؤسسة المعدل الوسطي لعمر الممرضات هو 27 سنة، أي أن الجسم التمريضي شاب في الغالب، وهو في حاجة إلى التدريب، ولهذا وبسبب الحاجة للتعويض عن نقص الممرضين ذوي الخبرات الطويلة فإن المؤسسة تركّز بصورة كبيرة على التدريب، وهي من أكثر المؤسسات التي تجري دورات تدريبية لموظفيها، فهناك أكثر من 6 أيام تدريب لكل ممرض أو ممرضة في السنة، فيما المعدل في فرنسا 3 أيام.
الضحى: هل تعتقدون أن فريق التمريض في المؤسسة كافٍ في ضوء عدد الغرف والمرضى الذين يستقبلهم المستشفى يومياً؟
د. العماد: من الناحية النظرية، المستشفى ملتزم بتوفير ما يكفي من الممرضين وفقاً لمعايير موضوعية تتعلق بعدد الأسرة والحالات الطبية، لكن المشكلة ليست في العدد بل في عدم كفاية الخبرات الموجودة وعدد سنين الخبرة المتوافرة لأفراد الجهاز التمريضي. ومن المعروف عالمياً أن معدل بقاء الممرضين والممرضات في المهنة أقل منه في الوظائف الأخرى لأن هذه المهنة بطبيعتها تتطلب جهداً وتخلق ضغوطاً كثيرة على العاملين، وهذا على الرغم من الحوافز المادية والاجتماعية والسكنية الموفَّرة للجهاز التمريضي. لكن النتيجة البديهية لهذا الوضع هو أن جهاز التمريض يحتاج إلى تدريب مستمر وإلى تجديد وإعادة تأهيل دائمين، لأن معدل الاستمرارية في عمل الممرضين قصير. أضف إلى ذلك أن مهنة التمريض أصابها ما أصاب المهن الباقية وهي أن النظرة إليها على أنها مهنة للعيش مع تراجع الحوافز الكافية للعطاء والتعامل مع التمريض كخدمة وترقية للنفس. ولهذا السبب ربما فإننا ندرس خفض دوام العمل وبدأنا تنظيم 3 نوبات عمل لتخفيف الضغط عن الممرضات، كما أننا نهتم الآن بموضوع التواصل ونعترف بوجود مشكلة في هذا المجال نسعى لحلّها عبر تخفيف التحكّم المباشر من قبل المسؤولين. أما في ما يخص التواصل مع الناس فنحن بدأنا أيضاً تنظيم دورات تدريبية على مهارات التواصل والتعامل مع المريض لكافة الموظفين.
الخدمات والبرامج التعليمية
تتولى المؤسسة الصحية في عين وزين دوراً تعليمياً مهماً يتمثل في توفير الاختصاصات والشهادات التالية:
1. برنامج شهادة الاختصاص في طب الشيخوخة، وهي تتطلب سنة تخصص بعد إنجاز ثلاث سنوات من التخصص في الأمراض الداخلية بعد إجازة الطب العام.
2. برنامج شهادة الاختصاص في الأمراض الداخلية.
3. تدريب للتخصص في الأمراض الداخلية وطب الشيخوخة.
4. تعليم مادة طب الشيخوخة مع تدريب عملي خلال الدراسة لنيل شهادة الطب العام.
علي عبد اللطيف: استراتيجية للتسويق
تعمل المؤسسة وفق استراتيجية يحدّدها مجلس أمنائها المؤلف من رئيس وأحد عشر عضواً، وتوضع على المدى البعيد حسب الحاجات، وبنظرة تطويرية للوصول بالمؤسسة الى مرحلة متقدمة من الخدمات الطبية.
يقول عضو مجلس الأمناء الشيخ علي عبد اللطيف إن المؤسسة نموذج خاص من التجارب القليلة الناجحة ويقصدها مرضى من الجنوب (صيدا وضواحيها)، البقاع، بيروت وضواحيها، والجبل الساحلي كله، ولكن نسبة القطاع التأميني الخاص فيها قليلة جداً.
ويشير إلى أن المؤسسة وضعت مشروعاً متكاملاً لتحديث المستشفى القديم كون عمره تخطى الـ 25 سنة، وسيتم في مرحلة تالية استكمال تطوير الأقسام وتوسيع أبنية المستشفى بالإضافة إلى استكمال الجزء المكمّل لمستشفى المسنين ومركز رعاية المسنين، علماً أن تكلفة المشروع تصل الى نحو 12 مليون دولار، وأن العمل بتنفيذه سيبدأ من هذه السنة.
ويعتبر أن هناك نقصاً في تسويق المستشفى، فهو غير معروف كما يجب، معترفاً أن ذلك كان خطأ القيمين عليه، اذ يجب أن يكون هناك تسويق مبني على التوعية وخلق المعرفة عند الناس، لذا أنشأ المستشفى أقساماً للإعلام والعلاقات العامة بهدف التواصل مع الجمهور وتحسين أساليب التسويق المستند إلى المعلومات.
المؤسسة الصحية والأخطاء الطبية
أحد الأعباء التي تثقل على صورة المؤسسة الصحية الشائعات والقيل والقال الذي يتناول حوادث الإهمال أو الأخطاء الطبية التي تنجم عنها حالات وفاة أو تفاقم لحالة المريض. وعلى الرغم من أن الكثير من الأنباء المتداولة غير دقيق وغالباً ما يتم تضخيمه، فقد رأت “الضحى” التوجه إلى الدكتور العماد بطلب توضيح هذه المسألة وسألته: أليس صحيحاً أن نسبة الأخطاء الطبية في مستشفى عين وزين عالية؟\
د. العماد: الأخطاء الطبية تحصل في كل المستشفيات، وهي باتت جزءاً من تركيبة قطاع الإستشفاء حتى في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ الرقابة واختيار الطاقم الطبي الكفوء لا بدّ من أن يحدا من وقوع تلك الأخطاء. الأخطاء الطبية التي هي على أنواع جسيمة والتي يكتنفها الإهمال الفادح أو الخطأ المهني هي قليلة في المستشفى، وهناك الأخطاء الناتجة عن قلة الاهتمام أو الاحتراز، وفي حال حصول أي خطأ طبي تعمّم الإدارة الحالة على كل الأطباء بهدف التصويب.
الضحى: ما الذي يحصل للطبيب المتهم بالتقصير أو ارتكاب خطأ طبي فادح؟
ردة الفعل على الأخطاء الطبية تبدلت وهي تقرر اليوم وفقاً لمعايير موضوعة من قبل وزارة الصحة والجهات الضامنة. وبناء على المقاربة الحديثة المتبعة، فإن الجواب على الخطأ الطبي لم يعد يتمثل في طرد الطبيب أو فصله، بل في اتخاذ الإجراءات العملية والإجرائية التي تحول دون حصول الخطأ ثانية. أما في ما يخص رفع دعوى على الطبيب فهذا حق للأهل ويعود لهم، لكن المهم هو أن غايتنا في المستشفى هي إزالة الظروف التي قد تتسبب بحصول أخطاء طبية والتقليل من تلك الأخطاء والتعلّم الفوري منها.
الضحى: حصلت حالات تفشي لإلتهابات في بعض أقسام المستشفى، فما هو ردكم؟
د. العماد: معدل الإلتهابات في المؤسسة هو من أدنى المعدلات في مستشفيات لبنان. وذلك بسبب إدخال أفضل أساليب الوقاية والتعقيم في مختلف الأقسام والأجنحة والإصرار على النظافة الشخصية والتحوُّط الطبي من قبل جميع العاملين. وقد حصل في إحدى المراحل أن قويت الإلتهابات في المستشفى فتمّ تعليق العمل في القسم وتغيير مكان غرف العزل وحصرها في مكان واحد، لأن المعدات معقمة ونقل الميكروبات يحصل عادة بواسطة الجسم البشري الطبي، إذا لم تكن لديه تقنيات وإجراءات التعقيم والوقاية الكافية.
الضحى: هناك أمثلة عن تفاقم حالات مرضية أو حصول اشتراكات ومضاعفات؟
د. العماد: لا يوجد مستشفى لا تحصل فيه هذه الأمور ضمن حدود قليلة لأن أجسام المرضى تختلف، وهناك حساسيات متزايدة تجاه لائحة طويلة من العقاقير أو العلاجات أو حتى الإجراءات الطبية. ولهذا، فإن من المكابرة القول إن المضاعفات أو الاشتراكات هي صفر بل من غير الواقعي أن نأمل في خفضها إلى الصفر، فهذا مستحيل ولكن نطمح أن تبقى في الحدود الدنيا عبر الدراسة المستفيضة لحالة المريض والمتابعة عن قرب والاحتياط دوماً لحصول مثل تلك الحالات.
الضحى: كيف تتابعون الأداء الطبي للمستشفى؟
د. العماد: نحن نطلب من جميع المرضى الذين يدخلون المستشفى ملء استمارة تقييم للخدمة الطبية، وهناك فريق مختص من 4 أشخاص يحلّل هذه الاستمارات ويقيّمها لتشكّل مؤشراً بالنسبة للإدارة، هذا بالإضافة إلى تسجيل الملاحظات الشفوية ودرسها. وأنا شخصياً على استعداد لتلقي أي شكوى سواء مباشرة أو عبر صناديق الشكاوى الموزّعة في أرجاء المستشفى.
أما كيف تتم إدارة هذه الأمور؟ فمن خلال إدارة الجودة في المؤسسة، وهناك اللجنة المركزية للجودة وهي مؤلفة من مدراء المؤسسة بالإضافة الى رئيسين اثنين لدوائر طبية. وفي دائرة الجودة 4 اختصاصيين مجازين إجازات عليا يديرون الجودة في العمل على الأرض، وهناك فريق مؤلّف من 10 إلى 12 مدققاً داخلياً يشرفون على أعمال الدوائر في كل قسم ممثل للجودة.