نبذة تاريخية عن “الجامع الأنور” المعروف لاحقاً بـ“جامع الحاكم”
شُرع في بنـاء «جامع الخطبة» خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة، في ولاية الخليفة الإمام العزيز بالله (344-386 هـ./ 955-996 م.)، «فكان أوَّل من أسَّسهُ وخطب فيه وصلَّى بالنَّاس الجمعة» كما ذكر المقريزي. ويشير المسبحي إلى أنَّ أساس الجامع الجديد خُطَّ بالقاهرة في شهر رمضان سنة 380 ه. وحين سار الخليفة إلى الصَّلاة فيه بعد نحو عام، «كان بين يديه أكثر من ثلاثة آلاف مُصَلٍّ.
ثمَّ يردُ في أحداث العام 393 ه. /1002 م. أنَّ الخليفة الإمام الحاكم بأمر الله (386-411 ه./ 996-1020 م.) أمر «أن يتمَّ الجامع… وقدَّر له نفقة…». وفي سنة 401 هـ. «زيد في منارته وعُمل لها أركان طول كلّ ركن مائة ذراع. وفي سنة 403 ه. أمر الحاكم بعمل تقدير ما يحتاج إليه من الحصر والقناديل والسلاسل فكان تكسير ما ذرع للحصر ستة وثلاثين ألف ذراع…». وفي كتاب كريزويل «العمارة الإسلاميَّة في مصر، المجلد الأول» تفاصيل وافية عن الجامع والزيادات فيه، يخلص فيه إلى القول بأنَّ إتمامه كان في النصف الأول من العام 1013 م./ 403 ه. حيث تمَّ افتتاحه رسميّاً بإقامة صلاة الجمعة به (P. Walker). ويقول المقريزي في ذلك: «وأذِنَ في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن باتَ في الجامع الأزهر أن يمضوا إليه فمضوا وصار النَّاس طول ليلتهم يمشون من كلِّ واحد من الجامعَيْن إلى الآخَر بغير مانع لهُم ولا اعتراض… إلى الصبح، وصلَّى فيه الحاكم بأمر الله صلاة الجمعة…».
سُمِّي لاحقاً «الجامع الأنور»، وأُقِـرَّ به التَّدريس حيث «تحلَّق في الجامع الفقهاء الَّذين كانوا يتحلَّقون في جامع القاهرة يعني الجامع الأزهر» (عثمان: موسوعة العمارة الفاطمية). ولم يحمل اسم «جامع الحاكم» إلَّا بعد نهاية العهد الفاطمي. ويعتبرُه بول والكر (الباحث الشهير في التاريخ الفاطمي) جزءاً من منظومة «مؤسَّسات التعليم والعبادة» التي كانت موزَّعة في ردهات خاصَّة في «القصر الشرقي الكبير» (مجالس التأويل)، والمساجد، وأهمّها الأزهر والمقس والأقمر والجامع الجديد أي جامع الحاكم (الفقه والتفسير وعلوم القرآن وإقامة الصلاة)، ثمَّ دار العِلم التي سمِّيت دار الحكمة وغيرها (الفلسفة والعلُوم). وأشار إلى اهتمام لافت بالمساجد حيث كان يتمّ تزويدها بنسخ القرآن الكريم من كلِّ حجم «بعضها كُتِب كاملًا بالذَّهب».
وفي العام 703 ه. تعرَّض الجامع لأضرار كثيرة إثر زلزلةٍ ضربت أرضَ مصر والقاهرة وأعمالهما، فأمر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بإصلاح ما تهدَّم منه. وفي العام 827 ه. شهده المؤرِّخُ المقريزي عياناً فقال: «الجامع الآن متهدِّم». وفي زمن الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801 م.) استخدمهُ الغزاة حصناً. وظلَّ مُهمَلًا تُستغلُّ المساحات فيه لأغراضٍ شتَّى إلى ما بعد استقلال مصر. وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بذلَ زعيم طائفة «البهرة» جهوداً ومساعٍ لترميم المساجد التي تعود إلى العصر الفاطمي. و»البُهْرة» تفرَّعت من الاسماعيليَّة الذين لهم وجود عريق في بلاد الهند وما جاورها إذ ارتحل منهُم إليها الكثيرون بعد القضاء على الدولة الفاطميَّة من قبَل الأيوبيّين.
وقد أفلح «البُهرة» في زمن الرئيس السادات بالحصول على قرار رسميّ بالإشراف على مسجد الحاكم، وقاموا بترميمه بالشكل الذي نراه به اليوم (صحيفة «العرب»، 22 كانون الأول 2014: البُهرة في مصر.) وورد في التحقيق أنَّ طائفة البُهرة تعتبر صلاة المغرب يوم الخميس هي الصلاة المقدَّسة، وعند دخولها يُحاطُ مسجد الحاكم في القاهرة بستائر خضراء من جميع الاتجاهات، وتتوافدُ جموعُ المصلِّين على المسجد قبيْل الآذان.[Best_Wordpress_Gallery id=”17″ gal_title=”جامع الحاكم”]