رسالة الإسلام
تخطو «الضحى»، مع هذا العدد الثالث عشر، خطوة مهمة في باب جديد سيخصص للبحث في رسالة الإسلام الحق كما تمثلت عبر العصور والدهور منذ فجر الرسالة الخاتمة التي جاء بها الرسول العربي (ص) وحتى يومنا هذا. وقد زخر العصر المسمى بـ «فجر الإسلام» وما بعده بما لا يحصى من الأمثلة والحالات والرجالات الذين تمثلت فيهم روح الإسلام الحق، وظهرت عبرهم إلى البشر على اختلاف أقوامهم ولغاتهم ومعتقداتهم رسالة التسامح والمحبة والخير والرأفة والمعروف والخصال الشريفة، فانتشر الإسلام بسبب محتواه الإنساني الحضاري بين شعوب الأرض في وقت قصير وتحول إلى أعظم وأقوى الديانات على وجه البسيطة.
وقد بقي الإسلام على عظمته قروناً طوال بسبب السياسات الرشيدة والمتسامحة التي طبقتها الممالك الإسلامية منذ العصر الأموي وحتى نهاية السلطنة العثمانية في مطلع القرن العشرين. وساهمت الدولة العثمانية بصورة خاصة، وعلى مدى ما يقارب الخمسة قرون، في حفظ عالم الإسلام وقيمه وأرضه وشعوبه من هجمات الأمم المختلفة ولاسيما روسيا القيصرية والممالك الأوروبية التي لم تطق وجود دولة إسلامية عظمى أنهت الحكم البيزنطي ونشرت الإسلام إلى أنحاء واسعة من أوروبا الجنوبية والشرقية، وكادت في عهد السلطان محمد الفاتح أن تهدد روما نفسها، قلب العالم المسيحي.
ما هي الغاية من إدخال هذا الباب المهم في صلب معالجات «الضحى» واهتماماتها؟ أن الهدف بسيط وبديهي، وكان منذ انطلاقة «الضحى» من بين المواضيع التي ركزنا عليها، لكننا وجهنا اهتمامنا في مرحلة الانطلاق إلى الإرث الروحي لمتصوفة المسلمين وعلمائهم وشعرائهم كما ركزنا على الإرث الغني لشعراء مثل حافظ وسنائي والرومي ويونس امره وغيرهم، لكننا شهدنا بعد ذلك أحداثاً كبيرة من الثورات والحروب والفتن التي بدأت تهزّ العالم العربي والإسلامي، وكل هذه الأحداث تعود في مصدرها الأهم إلى ازدهار أفكار التعصب وكره الآخر والحقد وبلوغ أساليب العنف مستوبات لم يشهد التاريخ مثيلاً لها منذ هجمات المغول في أواخر عهد الدولة العباسية وفي زمن المماليك.
هذا الوضع يجعل للتركيز على ما أسميناه «رسالة الإسلام» أمراً أكثر إلحاحاً، وقد كان من أهم ميزات الدولة الإسلامية تأسيس إسلام التفاعل واحترام الأقليات والعقائد الدينية على اختلافها، وقد استوعب الأسلام في مكوناته الأساسية شريعتي موسى وعيسى (ع) وأظهر التقدير والاحترام لجميع الأنبياء }لا نفرق بين أحد من رسله{ واستفاد بذلك، عبر مراحل تطوره، من مساهمات كافة الجماعات والأعراق والقوميات، التي تمازجت في كنفه وتفاعلت وأثرى بعضها البعض الآخر، ولم يكن في تاريخ الإسلام أقلية أو جماعة مسالمة تخاف على نفسها، بل نمت كل تلك الجماعات وازدهرت وساهمت في نمو المجتمع الإسلامي وازدهاره.
خلافا لمذهب الوحدانية الدينية ورفض الاختلاف الذي طبقته الدولة البيزنطية ثم الكنيسة البابوية (وأدى إلى حروب بين المسيحيين امتد بعضها عقوداً طويلة وإلى الحروب الصليبية ومحاكم التنفتيش واضطهاد المسلمين واليهود)، فإن الإسلام تبنى منهج التسامح الديني والقومي والثقافي فحول كل تلك المكونات إلى قوة للدولة وليس خصماً لها أو خطراً عليها، وهذا ما يفسر حجم الإنجازات الضخمة التي تحققت على يد الشعوب والأعراق التي ضمّها الإسلام في مختلف أبواب العلوم والفلسفة والتشريع وتنظيم الدولة والكثير من الحقول.
إن أعداء العرب والمسلمين يعلمون ذلك حق العلم، لذلك قرروا أن هدم الإسلام لا يمكن أن يتم بالهجوم المباشر، على طريقة الحروب الصليبية، فقرروا العمل على تفتيت الإسلام عبر تمزيق المجتمعات الإسلامية وإلغاء تراث التسامح الذي كان المسلمون وعلى مرّ القرون رواده في العالم.
لذلك، ومن أجل الإسهام ولو بقسط بسيط في مواجهة هذه الأخطار ستعمل «الضحى» بكل ما أوتيت من أجل إبراز رسالة الإسلام الحق وتسليط الضوء على إسهاماته الكبيرة في مجال التفاعل الحضاري والتسامح واحترام العقل والإبداع. وستبدأ المجلة حول هذه المواضيع في المستقبل القريب حوارات وندوات تستهدف توفير إطار للتفاعل البناء وتعزيز أواصر التضامن والوحدة بين مكونات المجتمع ونخبته المفكِّرة.