سيّدتي المُواطنة… سيّدي المواطن، رسالتي إليكما
الطّلاقُ آفة!
الطّلاق – مساوِئُه ونتائجه الوخيمة يا أسفي، ويا لوعتي، على الوضع المأساوي الذي وصل إليه بلدنا حول موضوع الطّلاق، وأصبح في الآونة الأخيرة، ظاهرة عامّة في مجتمعنا تدعو إلى القلق والارتياب، وهو يزداد انتشاراً في وطننا الحبيب لبنان. الطّلاق هو أبغض الحلال، لما يترتّب عليه من آثار سلبيّة، تُفكّك الأسرة، وتزيد العداوة والبغضاء، وتؤثّر سلباً على الأطفال بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والخلُقية والمساوئ التي قد تؤدي إلى الاضطرابات النفسيّة وصولاً إلى السلوك المُنحرف.
فاذا كان الطلاق له سلبيّات ومساوئ على الكبار فما بالُك على الصّغار والمراهقين الذين يحتاجون في كلِّ مراحل العمر إلى القدوة والتكاتف من أهلهم والسّهر والتّربية الخلُقية والقيم المثاليّة من الأب والأمّ، لمواجهة هذا الوقت العصيب، الذي كثُرت فيه الفتن والظواهر المُخِلّة بالآداب والمبادئ الشريفة والصّفات العالية؟! وفي جميع الحالات، فإنَّ الطَّلاق يمثّل تدميراً لحياة الوالدين والأبناء معاً، وبالنتيجة يمثّل تدميراً للمجتمع وللوطن بأكمله الذي يبدأ بالعائلة أوَّلاً. إنَّ تنظيم الأسرة والتكوين الجيد لهذه المؤسّسة، قد نال اهتمام المفكّرين ورجال الدّين وعلماء النفس والاجتماع، حيث نجد فصولاً واسعة تُعنى بتنظيم العلاقات الزوجيّة وسعادة العائلة ونجاحها، لكي يقدّموا ما يخدم استمراريّة الأسرة لتكون منطلقاً لمجتمع فاضل وناجح، فلا نجاح ولا فضائل إلّا بالترابط الأُسري الذي يكوّن نسيج المجتمع، فإذا تفكّك هذا النسيج، أصبح آفة خطرة مُقلقة على الأطفال، تؤدي بهم إلى اضطرابات خطيرة، منها عدم الثّقة بالوالدين، والانحلال السلوكي، والشعور بالكراهية تجاه الآخرين: العدوانية والتخلُّف الدّراسي وزيادة الأمراض النفسيّة، هذا بالإضافة إلى الانعكاس السلبي الذي يطرأ على الرّجل والمرأة؛ فالرّجل قد يصاب ببعض الآثار النفسيّة السيّئة بعد الطلاق: منها الاكتئاب والانعزال واليأس والإحباط، وفقدان التوازن الاجتماعي، نتيجة فقدان الاستقرار الأُسري، ويشعر بأنّه رجل غير مرغوب فيه، بل ومشكوك به، ويثبت هذا الأمر، عندما يقرّر الزواج بامرأة أُخرى.
أمّا المرأة، فالطلاق يسبّب لها مشكلات أكثر من الرجل، خاصّة إذا كانت صغيرة السّن ولديها الأولاد، فتعود إلى أهلها ذليلة مُحطّمة، شاردة، تعيسة، بشأن أبنائها وبحياتها الفارغة، كما أنَّ المجتمع يزيد من أحزان المرأة المُطَلّقة بالنظرة السيئة التي يفرضها عليها، خاصة في مجتمعنا الشرقي فتصبح مشكوكاً
في سلوكها وأخلاقها، ويصمونها بالعار والفشل لأنّنا نعيش في مجتمع، كثُرت فيه النّفوس السيّئة والنوايا الحقيرة، هذا بالإضافة إلى التّقصير الذي يطرأ على رعاية أولادها.
نداءٌ كبيرٌ تملَؤهُ الحسرة والألم، أتوجّه به إليكم أيها الأزواج، لِتَعَوا بأنَّ المؤسَّسة الزوجية مقدسة – الزواج مقدّس – يجب الحفاظ عليه بأمانة وإخلاص، فلا تدعوه يتحطم ويُدَمَّر على جدار الإغفال والتهرُّب من المسؤولية. قدَّسه اللّه وقدَّسه الأنبياء والرُّسل، وقدّسته الملائكة: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة…».
أتوجّه إليكم يا أبنائي ويا أولادي، وخاصّة أتوجّه إليكِ يا أُختي، المرأة بنصائحي لكِ ولكلّ الأزواج الذين يفكّرون بالطّلاق: أعطي لنفسك الفرصة للتفكير والمحاولات لإنقاذ زواجكِ من الفشل والانهيار، ومن أجل أطفالك ومن أجلكِ أيضاً، ولعلّ أكثر هذه النصائح: هي ضرورة تغيير الأسلوب في معالجة الخلافات الزوجية التي هي نتيجة تراكم العديد من الأسباب الاجتماعية والعاطفية التي يدفع ثمنها الأطفال.


فيا أختي المرأة: أعطي الفرصة لنفسك لتسوية خلافاتكِ، فما من مشكلة إلّا ولها حلّ مُجْدٍ، أمّا الطلاق فهو حلٌّ مقيتٌ ومُميتٌ. عالجي مشاكلَك في ساعة صفاء وهدوء مع الشَّريك ولتكن عبر مناقشة هادئة مع الموسيقى الهادئة الناعمة، بعيداً عن الاتّهامات وإلقاء أسباب الخلافات على الطّرف الآخر وليكن الحوار مناقشة بنّاءة، بعيدة عن المجادلات العقيمة. مناقشة تستحضر الماضي والحاضر والمستقبل، تتجنّبان تكرار أخطاء الماضي، وليكن حديثكما من القلب إلى القلب، من الحبّ الذي جمعكما والذي يجب أن يبقى بين الأسرة الواحدة التي حَلُم بها الزّوجان، وليعترف كلّ شريك بأخطائه تجاه شريكه والالتزام بتفاديه، ممّا يعطي الأمل لحياة زوجية ناجحة سعيدة منتصرة وبالتالي لمجتمع منتصر، وبهذا فإنَّ الأطفال سيقطفون ثمار هذه السعادة، ويكتسبون من الوالدين الشجاعة لمواجهة المشاكل التي سيصادفونها في المستقبل، ويكتسبون في الوقت نفسه حبَّ الحياة.
فيا أختي المرأة: يا سرَّ استمراريّة الوجود، يا عهداً من اللّه لبني البشر، أطلَّيت على الدنيا، لتجسّدي الهُوِّيّة الإنسانية كاملة، يا زوجة ويا أُمّاً ويا رفيقة مثالية: فإنسانية الإنسان (امرأة + رجل) خلقك اللّه تعالى، لتؤدِّي الرسالة والغاية المثلى التي اؤتمنت عليهما، وحاشا اللّه تعالى أن يخلق إنساناً بدون غاية: أنتِ تصنعين الرجال وتعمّرين الأوطان، ومن أحضانك تولد النّساء الفاضلات والرجال الأفاضل… تجاوزي السلبيات إلى الجوهر المُطلَق، أنتِ ينبوع عذب من الثقافة والصّدق والتربية لأولادك، ليَسْموا في مُندرجات الرّقي الرّوحي: فإنسانيتك، شعاع شمس تختزنه ذاكرة الأجيال، تُرَبِّين الولد ليكون له الغد الواعد، والولد هاجسك الوحيد: «يتعلّم الطفل في السنوات الخمس الأولى من حياته أكثر ممّا يستطيع أن يتعلَّمه في كل حياته» ومن هو المسؤول يا تُرى عن هذه التّربية؟؟ أليست الأمُّ والأمُّ فقط!!
أُمٌّ شموليّة، أمٌّ مثاليّة. اشعري بالودِّ تجاه جميع الناس، خاصّة تجاه زوجك وأولادك. عليك بمعرفة اللّه، «بالإيمان باللّه، بالتوحيد فكماله» «خَلَقْتُ الوجودَ كُلَّه لأجلكم، وخلقتَكم لتعرفوني وتعبدوني» اندمجي في الحقيقة، استشعري نصائحها، استرشدي بمعارفها، فَتُقرِّبك إلى خالقك، حيث تجدين الراحة والطمأنينة في قلبك وعقلك ونفسك، والبُعد عن الموبقات والمعاصي، فتزيدك محبّةً ورقّة ورحمة وإنسانيّة ودِعةً ورضًا وصبراً وطمأنينة. عليكِ بالمحبّة لأنّ المحبّة شعورٌ مع الوحدة الكلّية ومع الحقيقة الكونيَّة ومع الواحد الأحد، في حين أنَّ البعض هو نتيجة الأنانية، ونتيجة «الأنا» الفرديّة التي تتحكَّم بالسلبيّات وتسير بصاحبها إلى أسفل الدرجات ولا فرق بين إنسان وإنسان، إلّا بذلك الخير الذي يمنحه للآخرين وبذلك النّفع للّذين صدق منهم اللِّسان، وابتعدوا عن الحرام، وأطاعوا من وجبت طاعته واهتدَوْا بهديه. السيّد المسيح الذي عانى الكثير من الآلام واستقبل الموت بالابتسامة والمحبّة قال: «هي هذه الهُويّة التي هي حقيقة الكون، ومعنى الوجود وغاية كلّ موجود». فيدرك الإنسان نفسه على حقيقتها ويسير على المسلك الشريف وبالمحبّة تتّحِدُ البشريّة لتصلَ إلى اللّه».
هو دور الأمومة: الأمُّ شعاعٌ من محبَّة، والمحبَّة نارٌ بإرادتك توقدينها وبإرادتك تطفئينها. المحبّة هي الصّلة المتينة التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان وبالزّوج أيضاً. أحبّي اللّه عبر مخلوقاته، وهذا ما يوصلنا إلى السعادة التي هي جَنّة اللّه في خلقه، وبمحبّتنا نرتقي إلى ذات اللّه وروحه لأنَّنا جزء من اللّه. «ليس المهم أن نحبَّ، بل أن نتأكّد من أن محبّتنا قد أَودعت صداها في من نحبّ». رجوعٌ من المذمومات إلى المحمودات: بدل الجهل العلم، بدل النِّسيان الذِّكر، بدل المعصية الطّاعة، السّعي إلى الحقّ، إلى العدل، إلى المعاملة الصالحة، السبيل إلى الصدق، إلى صفاء القلب، إلى نقاء النيّة (وإنَّما الأعمالُ بالنيّات) السبيل إلى البعد عن الحقد والحسد والنميمة والضّغينة. المحبة ترفع عنَّا سلبَ الحياة وعذابها ومعاناتها. وكلّ أمٍّ هي نتيجة لصلاة المحبّة والوعي الذي أقامه اللّه في محرابه. وعليكِ أن تقتدي بالأولياء والمُرسلين: أليس الأجدر بكِ أن تسيري على خُطاهم؟؟ أتمنّى عليك يا أُختي المرأة أن تتضمّخ حياتك بالصّفاء، عبر المحبة الإلهية لتنعمي بالسّلام والاطمئنان «الدين عند اللّه المحبّة» لأنّكِ التزمتِ الصدق والأمانة، وحملت في شخصك كلَّ المثاليّات وسرتِ على بركة اللّه، «تأتمرين بأوامره وهو التوحيد، وتنهين عن المُنكر» توجِّهين أولادك نحو السبيل القويم، وتغرسين في قلوبهم ونفوسهم الأخلاق والمثل العليا. أنت مثال الأمِّ والزوجة الصالحة، أرادك اللّه مثالاً بالخلُق الكريم وأصبحت لزوجك خيرَ رفيق عمر، قدوة بالصّلاح والمعرفة والعلم، تمسّكت بالجوهر المُطلَق الكامن في أعماق أعماقِك، وسِرتِ بخطوات ثابتة في معارج الرقيّ الروحيّ والسعادة الدائمة، وانفتاح قلبك الكبير على كلّ جوانب الحياة.
ملكوت اللّه في داخلك، فلا تدعيه يُدَمَّرُ ويُحَطَّمُ في علاقتك السلبيّة مع مَن تحبِّين وخاصة مع أهل بيتك. وعليك بمعرفة نفسك: « فمن عرف نفسه عرف ربّه». عيشي المحبّة، وبالمحبّة تعمر البيوت والمجتمعات والأوطان. ارفعي وجهك إلى اللّه وعوذي به..، بتزكية قلبك من الموبقات والمعاصي، تستعينين بالواحد الحق، ليرزقك قوّة في بصيرتك، فتتسع بها نفسك، وتقوّي بها لسانك في اتّباع الخير والبعد عن الشر، ويستولي عليك شعور إلى معرفة الحق. «وما كان اللّه ليضيّعَ إيمانك. إنّ اللّه بالناس لرؤوفٌ رحيم»: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «من يعمل مثقال ذرة خيراً يرَه، ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يرَه» «من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها» في هذا الجوّ السامي من الإيمان والتعقُّل، أصبحت تنمو على جنبات قدس الأقداس أزاهير المحبة الصافية ويفوح عبق البنفسج والياسمين والنرجس، في قلب ملؤه الطهارة والإخلاص ليهتدي بجوهر العقل السامي، الذي تسكنه نفسٌ فُضلى، تحقَّقت وتجوهرت بالمثاليّات التي بعثها لكِ اللّه. لتشكريه على نِعَمه وفضله عليكِ، بأن أعطاك الوعي وإشراقة العقل ونشوة النفس. تنظرين بعين العقل فترَين الكون مُفعَماً بالحياة فيستولي عليك شعور بالحبّ السامي الأكيد. وكلُّ ما تصبو إليه الأمُّ في حياتها من سعادة وفرح واطمئنان داخلي نحو عائلتها. فالحبُّ هو معرفة الحقّ، والحقّ إنّما هو الحب الحقيقيّ «نحن أقوياء بوجود اللّه لأنّك آمنت باللّه وبالروح وبالصلاة» (آينشتاين).
ويا أخي الرّجل: لن أطيل عليك الكلام، كما أطلته على أختي المرأة وباختصار كلِّي: باركَها اللّه والملائكة والرُّسل، وباركها الإنجيل والقرآن وباركها الصحابي عمر: «أصابت امرأة وأخطأ عمر» باركها الإمام السيّد عبد الله التنوخي(ق) ألم يأمر بفتح المدارس للفتيات قبل الفتيان؟ ألم يأمر بتعليمهنَّ وتهذيبهنَّ وتثقيفهنّ ولأنّه يعلم علم اليقين أنَّ الأمَّ هي الرُّكنُ الركين والأسُّ المتين في عملية بناء الأوطان المبنيّة على التقوى والفضيلة والأخلاق العالية والمثاليات، وعلى أكتافها تقوم العملية التربويّة التثقيفيّة؟
هذِّبــــــوا خُلُقَـــــها وزّكـــــــوا نُهــــاهــــــا
وارفــعــــــــوا قـدرَهـــــــا ولا تهملوهــــــا
هــــي بنـــــــتٌ لكــــــــــم وأُخـــــــتٌ وزوجٌ
وهــــــي أُمٌّ يطيـــــب فيـهــــــــا بنوهـــــــا
فمــــــا التأنيث لاســـــم الشمس عيبٌ
ولا التَّــــذكــــيــــــــرُ فــخــــــرٌ لـلــهـــــلال
وعندما رحل الإمام السيّد (ق) إلى دمشق لأسباب لا مجال لذكرها في هذا السياق، ومكث فيها اثنتي عشرة سنة، وعندما ألحّ عليه قومه بالعودة إلى موطنه عبيه كان جوابه: «سأعود ضمن شرطين اثنين هما «بناء المساجد والخلوات وتعليم الفتيات» وما القصد من هذه الشروط؟؟ هي لمعرفة اللّه سبحانه وتعالى والتقرُّب إليه، «وبالإيمان باللّه والتوحيد بكماله» وبالعبادة والصلاة وبتعليم الفتيات وقد ذكرت سابقاً. أعطني أُمًّا صالحة، أعطِكَ وطناً صالحاً.
أخي الرّجل: الأمُّ المثقَّفة، هي أمٌّ صالحة، وهي التي تسير بأولادها في مُندرجات الرّقي الرّوحي والثقافي والحضاري وتقوم بكلِّ واجباتها. قبل دخول الولد إلى المدرسة هي شريكتك حقّاً في الإنسانية، هي في الجهاد على قدم المساواة مع زوجها، بل في الطليعة، هي مظهر العفاف والعزّة والرفعة. أرادها اللّه لتكون الأمُّ المباركة والصالحة. فمسؤولية المرأة، ديمومة ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل، ابتدعها اللّه نصف المجتمع وشريكة الحياة وأُنسها وبهجتها «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودَّة ورحمة» الأمُّ هي كلمة اللّه على الأرض «وجه أمي وجهُ أُمَّتي» كما يقول جبران، وعندما قال: «الأمُّ هي كلُّ شيء في هذه الحياة» فهي التّعزية في الحزن، والرَّجاء في اليأس والقوَّة في الضَّعف، فالذي يفقدُ أُمّاً، (يعني بالموت)، يفقد صدراً يسند إليه رأسه ويداً «تباركه وعيناً تحرسه»، فالموت والولادة هما من صنع اللّه: «كذا حَكَمَ كذا قضى ولا مرّد لقضائه» الإمام التّنوخي(ق) ويا نعم المصير. فماذا لو كانت من صُنع البشر؟؟ ويا بئس المصير!! دور الأُم هو الاهتمام بالعائلة أوّلاً، والعائلة هي رمز الوطن، فإلى تعاون مع شريك العمر، وليعملا معاً، من أجل أمومة ناجحة مُنتصرة وبالتالي مجتمع منتصر، ليتكامل الدّور مع الرجل نضالاً ومحبّة وإنسانية. عليكَ أيّها الرجل بحمايتها من العنف الأُسَري والدفاع عنها وحمايتها من كلِّ أذى، لأنّها جزء من كيانك وشخصيّتك. حاجتنا إلى النهضة العربيّة من خلال العُنصرين معاً المرأة والرجل، قِيَم ثقافية، اجتماعية، تربويّة، أثبتت المرأة أنّها جديرة بالمساواة بنوابغ الرجال، هي شريكتك حقاً في الإنسانيّة، وقد شبّه أحد الفلاسفة المجتمع بـ «طائر ذي جناحين، أوّلهما المرأة وثانيهما الرَّجل، فإذا كان الجناحان قويين أمكن لهذا الطائر التَّحليق عالياً في أجواء الفضاء، وإذا كُسِر أحدهما شُلَّت حركة الطائر وبقي مكانه لا يقوى على الحراك. المرأة باستطاعتها أن تحكم وأن تفعل كلَّ شيء، فلديها قدراتها وكلمتها المُحِقّة، المرأة داعية من دعاة التقوى والشّرف الرّفيع. هذا العنصر الفعّال، هذا التراث الإنساني الكامل للمجتمع، بأبعاده، وبصيرورته وبمكانته، يؤكد أنَّ المرأة هي وراء هذا التَّخطيط والتنسيق والتنظيم، بالتواصل والتفاعل والتكامل، بين الماضي والحاضر والمستقبل، لهذا المجتمع القائم على العنصرين معاً، المُشبَع بروح العطاء والمحبة والسعادة الأبدية الدائمة والبعد عن الغضب والحِقد والنميمة، بل بسعادتكم الدائمة، لأنَّكما أصبحتما «أقوياء بوجود اللّه» تؤمنان به وبالروح وبالصلاة قرباناً له وتوسُّلاً إليه وعملاً بمشيئته.
وأخيراً، أتوجّه إليكما أيُّها الرجل والمرأة آملةً إدراك مخاطر الطّلاق وانعكاساتها على العائلة وعلى المجتمع بأسره والاهتمام الأكيد من الأب والأم في سبيل وحدتكما لتحصلا على عائلة متماسكة ملتزمة بقدسيّة الأمومة والأبوّة. بهذه الصفات يا أخي الرَّجل تكون قد وصلت إلى سعادة زوجيّة دائمة، وأخلاق وصفات نبيلة، كصاحب خلق رفيع، فلا غضب ولا ذنوب ولا آثام، ولا مجال للشرّ. لك البُشرى إذ تعلم وتعمل (وتقرّبوا إليه بالعلم والعمل) وتحصيلهما هو الكمال الحقيقي، وهما مطلبان يقرّبان إلى العناية الإلهية واللّه العليّ العظيم هو العون والمساعد «ولا يخَف أحدكم إلّا ذنبه ولا يرجُ إلّا ربّه»، بهذه الصِّفات أيضاً تتوصلان إلى الاستقرار الدائم الذي هو حاجة مُلحّة لحياتكما: إيماني الصادق باللّه جعلني أقترب من اطمئنان النفس وهو السبيل إلى البُعد عن السيِّئات والإتيان بالحسنات (القشيري) وتنقلب حياتكما «نبراساً منيراً وشعاعاً أصيلاً، تتسلَّمه الأجيال الصاعدة وثيقة قوميّة حيّة ودستوراً أكيداً وتراثاً إنسانيّاً وطابَعاً عصريّاً وثورة رائدة اجتماعية حضارية ثقافيّة، بلغت أشد الأثر وتركت بصماتها أصالة دينيّة تربوية وأصالة أخلاقية إلى يوم الدين.
وإني إذ أتوجَّه إلى رجال الدِّين الأجلَّاء، لأقول لهم: كثِّفوا محاضراتكم وندواتكم وتوجيهاتكم ولقاءاتكم مع هذا الجيل الجديد لعلّهم يتَّعِظون.