الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

أبو حيَّان التّوحيديّ

إن خير تعريف به وأقربه إلى حقيقته الشخصية، والأدبية ما ذكره مؤلف كتاب: «أبو حيان التوحيديّ»: سيرته – آثاره. الدكتور عبد الرزاق محي الدين، في زحمة عشرات، لا بل، مئات المقالات والدراسات الكبيرة الأثر التي تناولت أعماله القلميّة المختلفة في مَدْحٍ أو نقدٍ حفلت بها مجامع الأدب، والفلسفة، والتأريخ في عصره، وقد كان اختلاف المؤرّخين فيه وفي تقديره من أقوى الحوافز على تبيّن وجه الحق في أدبه، وسيرته. وقديماً قيل: «من عظمة الرجل أن يختلف الرأي فيه» إنّه في ما صَوّر المؤرخون من ناحية العنصر، فارسيٌّ أو عربيّ، ومن حيث الموطن، بغداديّ، أو شيرازي، ومن حيث العقيدة، مؤمن مصدِّق، أو زنديقٌ مُلحد، ومن حيث الرواية، وضّاعٌ مُختلق، ومن حيث الطريقة، صوفيّ عارف ومن حيث معارفه، فيلسوف، ومتكلّم، وفقيه، ومُحدّثٌ، ونحويّ، وشاعرٌ، وناثرٌ، وبمثل ذلك جرى الخلاف في عام مولده ووفاته. ويرجح أنه وُلِدَ عام 310 للهجرة، وتوفي عام 410 للهجرة، وهو تاريخ غير مثبت.

أصله ووطنه

يقول الدكتور «زكي مبارك» في النثر الفنّي: إنّ «أبا حيّان» كان فارسيّ الأصل، وقال «السندوبي»: ما من شك في أنه فارسيُّ الأصل. وقال «محمّد كرد علي»: هو عربيٌّ، وما كان يعرف الفارسية. ووردت عبارةٌ في «معجم الأدباء» «لياقوت الحموي» يُشْتَمُّ منها أنه كان فارسي الأصل، فقد قال ياقوت: «فهو شيخ الصوفية، وفيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، ومحقّق الكلام، ومتكلّم المحققين، وإمام البلغاء، وعُمدةٌ لبني ساسان» ولكن أبا حيّان نفسه لم يُشر فيما عُثِرَ عليه من مؤلفاته أنّه كان فارسي الأصل، وفي هذه الحالة ليس بإمكاننا إلَّا أن نستعين بالقرائن، ونستنطق السّمات، فربما باستطاعتنا منها أن نستنتج أنه عربيٌّ أو فارسي، فاسمه، وكُنيته ولقبُهُ واسمُ أبيه، وجَدِّه توحي بعروبته، فهو ما يُشبه الإجماع، وكما قال «كرد علي»: عدم معرفته للغة الفارسية على طول إقامته في فارس، وتردده عليها، يرجح أنّه عربي».

معالم سيرته

طفولة أبي حيّان كانت عجباً في حياة الأطفال، وإحساسَه المُرهَف الرقيق، وأعصابَهُ المتوفزة المتوترة، وغريزة التطلّع فيه إلى كل شيءٍ حوله، وحبُّ المشاركة في كلِّ ما يرى، ويسمع، وتسجيلهُ كل ما يقول أو يقال تنامت معه حَدَّ بلوغ الشباب والنضوج الفكري، عاماً بعد عام، مُعَيِّناً أساتذته الذين درس عليهم، وشيوخه الذين روى عنهم، والكتب التي قرأها، والمؤلفات التي ألفها، والأعمال التي شغلها، في هذه الفترة من حياته. اتصل بقادة الرأي من رجال القرن الرابع، فقابس، وجادل، وناقش، وروى، وسجّل، ونقد، وعَقَّبَ، وهجا، ومَدَح، وطلع على الناس بـ «البصائر والذخائر»، و«مثالب الوزيرين»، و«الصداقة والصديق» و«الإمتاع والمؤانسة» وأخريات من مؤلفاته.

تكوينه وهيئته

كان في ما يبدو من مظاهر نشاطه العلمي، وتنقلاته الكثيرة، وامتداد عمره حتى بلغ المائة أو يزيد، أنه عاش صحيح البنية قويَّ المزاج، فقد حجّ في غير استطاعةٍ، ماشياً من العراق إلى الحجاز، مع مجموعة من المتصوّفة. أمّا سِمتُهُ وهيئته، فقد كان في ما يوصف، صوفي السمْت والهيئة، رثّ اللباس نابي المظهر، ما سبَّب حرمانَهُ من بلوغ حقّه، وزُهْدِ الأعاظم فيه وإيثارهم سواه عليه.

ملكاتُهُ وأخلاقُهُ

كان الرجل مزّوداً بكفايات يكفي أهونُها لبلوغ حَظٍّ من حياة كريمةٍ، رافهةٍ، وكان مَنْ دونَهُ منزلةً، ينعم بالجاه والمال والسلطان على حين عاش هو في فَقرٍ وتسكّعٍ واستجداء. فقد كان كاتباً أدنى ما يُقال فيه إنّه من طبقة «ابن العميد» و«ابن عَبَّاد»، و«أبي إسحاق الصابئ»، و«ابن سعدان»، و«عبد العزيز بن يوسف» وقد بلغ أكثرُ هؤلاء رُتبة الوزارة ولمّا يبلغ هو منزلة كاتب في ديوان.

حرفته

كان «أبو حيَّان» حسن الخط، عارفاً بفنونِه، وأنواعه. أَلَّفَ فيه رسالةً قَيِّمةً، ربما عُدَّتْ من أقدمِ ما أُلِّف في العربية، وزاد على جَودَةِ الخط وتزيينه وزخرفته، ضبطُ النسخ وسلامتُهُ مما يُدخلُهُ الورّاقون من تصحيف وتحريف.
عقيدته

قال أبو فرج الجوزي: زنادقةُ الإسلام ثلاثة: «ابن الراوندي»، و«أبو حيَّان التوحيديّ»، و«أبو العلاء المعري «وأشدهم على الإسلام «أبو حيّان» لأنه جْمَجم ولم يُصرِّح» وقد جاء في مراجع ومصنفات معروفة، الكتاب «لسان الميزان» «لابن حَجر العسقلاني» قال «ابن النجار» له أي «لأبي حيّان» المصنفاتُ الحسنة «كالبصائر» وغيرها، و «كان فقيراً، صابراً متديّناً، صحيح العقيدة» وجاء في كتاب «شيرازنامه» «لأحمد بن أبي الخير، وهو من رجال القرن السابع: هو الإمام المُوَحِّد العالم المتفرد، الجامع للمعارف والعلوم، لا نظير له في المكاشفات الإلهية، والبحث في التوحيد.

واقع عقيدته

كان «أبو حيّان» حنيفاً مسلماً، ما ندَّ عن شيء من أصول الإسلام العامة، وتهمتُهُ بالإلحاد فَنَحْنُ في غنىً عن التدليل على ذلك، مُحيلين القارئ إلى ما انطوت عليه مؤلفاته من روحٍ إسلاميٍّ قويّ.

مروياته ومقتبساته

أكثر «أبو حيان» في مؤلفاتِهِ الرواية عن غيره، وأغلب ما ورد من آراءٍ في اللغة، والأدب، والفلسفةِ، والفِقْهِ، عزاهُ إلى أساتذتِهِ ومعاصريه. شهدَ الناقدون، ومؤرّخو الأدب، هذا الإكثار في الرواية، مع وحدة الأسلوب وطريقة العرض على الأغلب، فاتهموا الرجل باصطناع الآراء ونسبتها إلى غيره، إمّا تخفُّفاً من أوزارها، وإمّا رفعاً لشأنها، بنسبتها إلى مُحدِّثٍ أو فيلسوف ذي شأن، أمّا عن أسلوبه فقد شبَّهه أقاي ميرزا محمَّد خان القزويني بأسلوب الجاحظ بقوله: أنْ لا كبير فرق بين أسلوبَيّ الرجلين، فأسلوب أبي حيَّان عينُ أسلوب الجاحظ، في سلاسة الإنشاء، والسهولة وعدم التكلُّف والميل إلى البَسْط والإطناب، فهو خطيبُ المسلمين، وشيخ المتكلمين، ومُدْرَهُ المتقدمين والمتأخرين.

ثقافته

كان النسخ عُدَّتَهُ في التحصيل، فهو منبع ثروةٍ لغويةٍ وإخباريةٍ ضخمة، جَمَعَ منها مؤلفهُ «البصائر والذخائر»، وسواه من المؤلفات. وُهِبَ الرجلُ حافظةً قويةً، وذاكرةً مدهشةً، إلى صبر وجَلَد على تسجيل ما يحفظ، كان عصرُه أحفل العصور الإسلامية برجال العلم، وكان أساتذتُهُ خير هؤلاء الرجال في كل فنٍ من فنون الثقافة، إذا عرفنا ذلك أدركنا السرّ الذي جعل من «أبي حيَّان» دائرة معارف جيله وكتّاب عصره. وعلَّلَ «ابن حجر» تلقيبه «بالتوحيدي» إلى أن «المعتزلة» يسمون أنفسهم بأهل التوحيد، على اعتبار أن أبا حيّان لدى بعض الدارسين في عصره كان ضمناً على غرار الجاحظ من المعتزلة بما يعني أنه من أهل التوحيد، المعتزلة.

الفلسفة

وصفه «ياقوت» بأنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، تعاقب على نعته بذلك جلُّ مؤرخيه، ومع ذلك فلم يترجم له في ما وقفنا عليه من تلك الكتب التي تجرَّدَت لتاريخ الفلاسفة أمثال «تاريخ الحكماء» و»منتخب صِوان الحكمة» و»تتمة صوان الحكمة» «وتتمة التتمة» و»عيون الأنباء» على حين ترجمت هذه الكتب لمن هو دونه آثاراً في هذا الفن فتجاهُلهم له لا يعني حتماً عدم انتظامِهِ في مسلكهم في ما يقدرون بل في ما نقدِّر، إلى تناسي التاريخ الفلسفي له، كما تناساه وتجاهله جُلُّ التاريخ الأدبي. ولن ندخل في تفصيل آرائه الكثيرة في الفلسفة، وتضاعيف مفاهيمها العميقة في هذا البحث، بل سَنُلمعُ باختصار إلى نظره في الفلسفة، كما في نظر أستاذه «أبي سليمان المنطقي» بقوله: هي صناعةٌ لا بُدَّ أن تنتهي بصاحبها إلى «التوحيد» فإن انتهت بأحدٍ إلى غير هذا فمرجعُهُ إلى فساد في طريق الدراسة الفلسفية، ولذلك كان كثير الشكّ في سلامة ما ترجم عن اليونانية من نصوص تدعو إلى الجحود أو الوثنية. موضوع الفلسفة هو العالم بأسره، عدا هذا الذي يتصل بأمور الدين. فعلى من يريد الفلسفة أن يُعرض بنظره عن الديانات، ومن يُريد الدين فعليه أن يُعرض بعنايته عن الفلسفة، وليتحلَّ بهما متفرقين في مكانين مختلفين.

الحج العقلي إذا ضاق القضاء عن الحج الشرعي

لم يُشهَد في تصوف «أبي حيان» ما يُشعر بعدم المبالاة، بأصول الإسلام، ولا الفكرة التي تتلخص بالقول: إنّ من عَرَف الحقيقة سقطت عنه الشريعة، أما الاستهانة بالحج خاصة، وهي الفكرة التي شاعت بين بعض متصوفة جيله، فيبعدها عنه، فالرجل حجَّ ماشياً على قدميه عام 350ه كما أسلفنا.

أبو حيان الأديب

الآن وقد ظهرت لنا معالم من سيرة الرجل، ومنابعُ ثقافتِهِ ومصادرُها، وأثر هذه المنابع، وما كان لها من أثر فيه وتأثر به، يصحُّ أن نتجِهَ إلى أسلوبه الأدبي، وعملِهِ الفَنّيّ وما أدخله على هذه المادةِ من ضروبِ الصَقل والتزيين والتظليل والتلوين حتى تستوي على لسانه أو قلمهِ مقالةً فنيةً، وأسلوباً رفيعاً للأداء.

رأي المحدثين من الدارسين

رأي آدم متز
وأوّل من تنبَّه منهم إلى خطر «أبي حيَّان» في عالم البلاغة، المستشرق «آدم متز» في كتابه «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع عشر» فشهد وهو يرصد آثار التطور في النثر العربي مكانة «أبي حيان» منه، فاستصدر حكماَ جريئاً بإبلاغه مرتبة الأستاذية لكتَّاب ذلك العصر جميعاً، ولم يخش أن يعدّه أعظم كتَّاب النثر العربي على الإطلاق.

دراسة الدكتور زكي مبارك
وعقد مؤلفُ «النثر الفني» دراسةً مستقلّةً «لأبي حيان». في كتابه فوضعه في طليعة كتَّاب الآراء والمذاهب في القرن الرابع الهجري، وحين تكلم عن الأساليب رأى فيه كاتباً يُؤثر الازدواج، ويسجع من حين إلى آخر، كما كان يفعل «الجاحظ» الذي ارتضاه إماماً في حياته الأدبية، والعقلية، ذاهباً إلى أن نثر «أبي حيان» من أبلغ النماذج في اللغة العربية ومن أروع آيات البيان.

كما عدّهُ «محمّد كرد علي» من أمراء البيان العربي. نظر إلى فنِّه الأدبيّ فَعَدَّهُ من أعاظمِ المُنشئين والمؤلّفين في الأدب، ورأى أن رسالة «الصداقة والصديق» تمثلت فيها أفكار أربعة قرون، ورأى في تصويره الإبداعي ما تقف عنده العقول حائرةً، وإذ آضت اللغة على يديه مرِنةً مرونة العجين في يد المصور الحاذق.

رأي أحمد أمين
قال أحمد أمين، وهو يفحص أساليب النثر في القرن الرابع الهجري مستعرضاً أعلامه، أمثال «الصابئ» و»ابن العميد»، و»ابن عبَّاد»، و»عبد العزيز يوسف»، وكان يرى «أبا حيان» من نوع آخر، فكتابته يُعنى فيها بالموضوع كما يُعنى بالشكل، هو غزير العقل، واسع العلم، حسن الصياغة، جيد السبك، وبحق لقبوه بـ «الجاحظ» الثاني. وكانت كتب الجاحظ أغزر مصادر كتابه «البصائر والذخائر» فيما صرّح به في مقدمته، وتجاوز إعجابه به حدّ أن ألَّف كتاباً خاصاً به أسماه «تقريض الجاحظ» وهي خطوة لم يحدثنا التاريخ أن أحداً ألّف في الجاحظ كتاباً قبله، ولقد أطراه في مؤلفاته جميعاً ولكن الذي ينبغي أن يقال إنصافاً للرجل إنه لم يقف بمدرسة «الجاحظ» حيث تركها مؤسسها، وإنما أمدها بمعين من عبقريته وفنِّه بما رفع من قواعدها.

قال إسعاف النشاشيبي: «لو أقام كل عربي تمثالاً في بيته «لأبي حيّان» كفاءً على جميل ما أسدى للأمة العربية في مؤلفاته الأدبية» لما كان هناك إسراف في التقدير، ورعاية الفضل لأهله.

«الحق لا يصير حقاً بكثرة معتقديه، ولا يصير باطلاً بقلة منتحليه» على ما هو معروف، احتُفِلَ بألفية «أبي حيّان التوحيدي» في القاهرة في شهر آب 1994، واقتصر على ندوات وإعادة طبع ثلاثةٍ من كتبه، إلى تكريس مجلة «أدب ونقد» المصرية عدداً من أعدادها للمناسبة، مع عدد من الكتاب الكبار بينهم عبد الرحمن البدوي، فهل يستحق الرجل الدعوة إلى «سنة التوحيدي» هذا الرجل الذي اسمه اليوم على كل شفة ولسان مات مغموراً، وبقي قرابة نصف قرن لا ترجمة شخصية له في أي من المصنّفات، وهو الذي تضج كتبه بالحياة. وكلماتُهُ بالوخزات، وشكاواه بالصرخات التي هي زبدة علمه، لا بل زبدةُ عصر بأكمله… هذه بعض إضاءات منَّا على شخصيته الفريدة، وأعماله العبقرية، ما يصح أن يدرج في قائمة الأدباء الخالدين، مع الجاحظ خصوصاً أنهما كانا معاً قطبي فصاحةٍ وبلاغةٍ على مدى العصور.


مراجع البحث:

– ياقوت الحموي، معجم الأدباء.
– الدكتور “زكي مبارك” النثر الفني.
– “محمّد كرد علي” أمراء البيان.
– شيرازنامة “أحمد بن أبي الخير زركوب”.
– تاريخ الحكماء للقفطي.
– طبقات الشافعية للسبكي
– لسان الميزان ج6.

– وفيات الأعيان ج1.
– البصائر والذخائر.
– دائرة المعارف الإسلامية – مرجيليوث.
– آدم متز “حضارة الإسلام”.
– الملل والنحل للشهرستاني.
– كشف الظنون.
– أحمد أمين “ظهر الإسلام.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي