الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كورونا واللّقاح: مَن يهزم الآخر!

يبدو أنّ التحديثات حول تطوير لقاحات ضد «كوفيد – 19» تحدث بشكل شبه يومي، حالياً، حيث تتطلّع أفضل العقول الطبيّة والعلمية حول العالم إلى وضع حد لوباء فيروس كورونا المستجد. وقد اتّضحت معالم أهم خمسة لقاحات للفيروس التي تم تجهيزها أو من المرجّح أن تكون جاهزة عاجلاً وليس آجلاً.
لقاح «فايزر – بيونتيك»: لقاح فايزر يتكوّن من جسيمات نانوية دهنية تحيط بشريط من الحامض النّووي الرّيبي المسمّى «الرنا المرسال» (mRNA) الذي استخلصه العلماء من الفيروس، حسب الدراسة التي نُشرت في سبتمبر (أيلول) الماضي في دورية «لانسيت» الطبية. ويتم حقن اللقاح في جرعتين بفاصل 3 أسابيع. وبعد حقنة تنقل الكبسولة الدهنية حمولتها إلى داخل خلايا الجسم، وهذا ما يحفزها على تكوين بروتين «سبايك»، وهو ما يساعد الجهاز المناعي في التعرف على فيروس كورونا ومن ثم مهاجمته.

ويُعَدُّ لقاح فايزر تقنية حديثة لم تُستخدم سابقاً مع البشر، حيث يتم حقن الشفرة الجينية أو الرنا المرسال (mRNA) الذي يحمل المعلومات لإنتاج البروتينات الموجودة على سطح الفيروس، وهي نتوءات «بروتين سبايك» التي بواسطتها يلتصق الفيروس عادة بالمستقبلات على سطح الخلية البشرية.
يعمل لقاح فايزر بشكل جيد في الأشخاص الأكبر سناً والأكثر ضعفاً، إلا أنّ المشكلة الرئيسية التي يتعين على شركة فايزر التغلب عليها تتمثل في كيفية تخزين لقاحها وتوزيعه، إذ يجب الاحتفاظ باللقاح في درجة حرارة تصل إلى 70 درجة مئوية تحت الصفر، وسوف يتحلل في غضون خمسة أيام تقريباً في درجات حرارة التبريد العادية. في المملكة المتحدة توجد المجمّدات ذات درجة الحرارة المنخفضة للغاية في الغالب بالمستشفيات أو مرافق الجامعة وليس في عيادات الأطباء التقليدية. وهذا يجعل توزيع لقاح فايزر على الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض أكثر صعوبة.

لقاح «موديرنا»:

لا يشير لقاح شركة موديرنا الأميركية إلى عودة مُحتملة إلى الحياة الطبيعية فحسب، بل يشير أيضاً إلى اختراق طبي. ويعتمد لقاح موديرنا أيضاً على نفس تقنية فايزر أي «الرنا المرسال» (mRNA)، حيث تَستخدم الخلايا هذه المعلومات الجينية، لإنتاج جزء من الفيروس الذي يسبب «كوفيد – 19» والذي بدوره يحفز الاستجابة المناعية. يقول بيتر أوبنشو أستاذ الطب التجريبي في إمبريال كوليدج لندن وعضو اتحاد علم المناعة لفيروس كورونا في المملكة المتحدة: «إنها في الحقيقة مجرد إشارة كيميائية توجّه الخلية إلى صنع البروتين. إنّها مسألة كيمياء واضحة». الفوائد المحتملة للقاحات «mRNA» مثل لقاحات موديرنا عظيمة. يمكن أن تكون أسرع في الإنتاج وأكثر فاعلية من اللقاحات النموذجية ويمكن إعادة صياغتها بسهولة إذا تحور الفيروس. وتدَّعي «موديرنا» أيضاً أنّ لقاحها يمكن أن يظل ثابتاً عند درجتين إلى ثماني درجات مئوية وهي درجة حرارة الثلاجة الطبية ولمدة 30 يوماً. ويضيف أوبنشو: «إنها تقنية مرنة جداً وسريعة جداً تفتح حقاً مجالاً جديداً بالكامل لتطوير اللقاح، ويمكنك إعادة صياغة نفس التكنولوجيا لصنع لقاح ضد العديد من الأمراض الأخرى التي نرغب في الحصول على لقاح لها». وفي 4 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، قالت «موديرنا» إن لقاحها لديه القدرة على منح مناعة طويلة المدى. ووفقاً لدراسة أجراها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، فقد احتفظ المشاركون في مرحلة تجريبية سابقة للقاح المرتقب بمستويات عالية من الأجسام المضادة المعادلة لمدة ثلاثة أشهر بعد التطعيم الأول، حسب تقرير لموقع «ماركيت ووتش».

لقاح «أكسفورد – أسترا زينيكا»:

لقاح أكسفورد هو شراكة بين جامعة أكسفورد وشركة أسترا زينيكا البريطانية – السويدية للأدوية ومقرها في كمبردج في بريطانيا. واللقاح عبارة عن فيروس غدّي معدل وراثياً يتسبب عادة في نزلات البرد لدى الشمبانزي، ولكن تم تعديله لحمل المخططات الخاصة بجزء من فيروس كورونا المعروف باسم بروتين «سبايك». وعندما يدخل اللقاح إلى الجسم فإنّه يستخدم هذا الرمز الجيني لإنتاج البروتين السطحي للفيروس التاجي، ما يؤدي إلى استجابة تهيئ الجهاز المناعي لمحاربة الفيروس التاجي في حالة الإصابة. ويُعَد اللقاح حالياً أرخص أنواع اللقاحات في الإنتاج ويمكن تخزينه في درجة حرارة قياسية تتراوح بين درجتين وثماني درجات مئوية في الثلاجات الموجودة في معظم المستشفيات. وتمت إحالة اللقاح بالفعل إلى الهيئة التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة، وهي وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية (MHRA) للموافقة عليه.

اللقاح الروسي «سبوتنيك 5»:

المُرَشّح الأوّل في روسيا للقاح «كوفيد – 19» هو Gam-COVID-Vac أو سبوتنيك «Sputnik V»، كما أطلقت عليه حكومة البلاد، وقد شرعت السلطات في حملة التطعيم به هذا الأسبوع. فقد اتخذ مُطَوِّرو اللقاح مركز Gamaleya الذي تديره الدولة الروسية نهجاً مشابهاً لباحثي أكسفورد في إنشاء لقاح سبوتنيك. وكشف الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الروسي المباشر كيريل ديمترييف أن اللقاح الروسي ضد فيروس كورونا المستجد يختلف عن غيره من اللقاحات التي يتم تطويرها، لأنه مستند إلى ناقلات فيروسات غُدَّانية بشرية بدلاً من استخدام ناقلات الفيروسات الغُدِّيَّة من الشمبانزي، كما الحال في «أسترا زنيكا»، ما يجعله أكثر أماناً. وقال الباحث كيريل ديمترييف: «ما هو مهم بشأن ناقلات الفيروسات الغُدَّانية البشرية هذه هو أنها تأتي من فيروس بشري نموذجي وتمت دراستها منذ عقود، وهي مختلفة جداً عن تقنيات mRNA أو ناقلات الفيروسات الغُدّانية لدى القرود، التي لم تتم دراستها بشكل مكثّف». وأضاف: «إذن ناقلات الفيروسات الغُدّانِية البشرية تمت دراستها منذ عقود وعلى أساسها طوّرت روسيا لقاحاً ضد إيبولا منذ 6 أعوام، وعملنا على تطوير لقاح ضد فيروس (متلازمة الشرق الأوسط للالتهاب الرئوي( ميرس MERS ، منذ عامين، كما أننا استخدمنا منصّات تمت الموافقة عليها بالفعل في روسيا، وتم إثبات سلامتها واستخدمناها ضد كورونا». وأوضح ديمترييف أنه تم استخدام فيروس إنفلونزا نموذجي يسمى الفيروس الغُدّاني لديه جزء من بروتين «سبايك»، الذي يغلّف فيروس كورونا. وأضاف: إنّ اللقاح الروسي لا يحمل فيروس كورونا نفسه، بل يحمل جزءاً من بروتين سبايك، قائلاً: «نحن نعطي اللقاح بجرعتين من أجل تعزيز المناعة. الجرعة الثانية تعزّز المناعة بنحو 6 مرات أكثر مقارنة بالجرعة الأولى، وما شهدناه هو أنه ما من أعراض جانبية شديدة لدى من تلقوا اللقاح، بل تكونت لديهم نسبة عالية من الأجسام المضادة، ما يفسر بأن اللقاح مستند إلى فيروس بشري شائع وقد عدّلناه بطريقة تمنع تكاثره».

اللقاح الصيني كانسينو (CanSino Biologics):

لقاح «كوفيد – 19» الذي تمت تسميته «Ad5-nCoV»، والذي ابتكرته شركة CanSino Biologics الصينية كان أوّل لقاح حصل على الموافقة لاستخدامه لدى البشر، بعد أن وجدت تجارب المرحلة الثانية من اللقاح المعتمد على الفيروس الغُدِّي أنه آمن للاستخدام على البشر. وفي 25 يونيو (حزيران) 2020 تمت الموافقة للاستخدام العسكري لمدة عام واحد، وفي الأيام الأخيرة تم منح CanSino أول براءة اختراع للقاح «كوفيد – 19» في الصين.
ولقاح «الفيروس المعطّل» يعتمد على أخذ عَيِّنة من الفيروس يتم عزلها من مريض ثم يتم قتل الفيروس باستخدام مادة كيميائية. ويشتمل اللقاح على الفيروس المعطّل ممزوجاً بهيدروكسيد الألومنيوم، وهو مادة مساعدة لأنه من المعروف أنها تعزّز الاستجابات المناعية. وهذه التقنية قديمة تم استخدامها في لقاحات أخرى، وهو ما يميزها عن اللقاحات الأخرى لفيروس كورونا المستجد التي دخلت مرحلة التجارب السريرية، حيث يوجد حالياً 42 لقاحاً في مرحلة التجارب؛ منها لقاحات الفيروس المعطل مع لقاحات تستخدم تقنيات بلازميد الحامض النووي والفيروس الغدي والحامض النووي الريبي والبروتينات الفرعية والجسيمات الشبيهة بالفيروس.
العِلم يقود العالم، وَوَهمُ المعرفة أشد خطراً من الجهل.
الجدل والحَيْرة لا تزال عند الكثير من الناس حول اللقاحات. هناك مَن يعارض التطعيم خوفاً من مضاعفات، وآخرون ينتظرون وصول اللقاح لكي يأخذوا الطّعم. المفهوم الخاطئ يؤدي إلى تبعات على الشخص وعلى الذين يقتدون به.
اللقاحات أنواع بحسب آلية عملها وتحضيرها.
النوع الأول؛ التقليدي مثل اللقاح الروسي والصيني ولقاح أوكسفورد-استرازينيك.
والنوع الثاني MRNA والذي يعتمده لقاح فايزر بايون تك/ولقاح موديرنا.
وهناك لقاحات أُخرى قيدَ التّطوير.


كورونا واللقاحات

 

مُتّعِبٌ أحياناً النقاش حول ضرورة أخذ اللقاح أم لا؛ وخاصة مع أشخاص ذوي مستوى مُعيّن مِن العِلّم والثقافة.
في النهاية على المرء أن يُحَكِّم عقله ويأخذ قراره، ويتحمّل نتيجة هذا القرار.

لا يوجد علاج حتى الساعة للكوفيد، إنّما لقاح / للوقاية أو لتخفيف الضرر / بعكس الجراثيم الميكروبية حيث الكثير من الأدوية ولا لقاحات. الفيروسات لدينا لها أكثر لقاحات وليست أدوية للعلاج إلّا عدد قليل جداً منها. وهي كالجراثيم تراكم مناعة وتتطور عندما مناعة الجسم تهاجمها. لذلك نرى أنه يوجد سباق بين فعالية المضادات الحيوية للجراثيم، وبين تأقّلم الجراثيم على المضادات. ولذلك لا يوجد تقريباً مضادات حيوية فعاّلة عمرها عشرات السنين.

واخيراً في الثمانينيات كان معدّل الكريات البيض الطبيعي عند الانسان ٦ – ٨ آلاف، وعندما تصعد إلى رقم عشرة آلاف أو ١٢ ألف جميع الأطباء يقولون هناك التهاب حاد. اليوم جميع المختبرات تعطيك معدل ١٠ – ١١ ألف هو معدّل طبيعي للكريات البيض المسؤولة عن المناعة ومهاجمة الجراثيم.
تتغيّر المناعة باستمرار بتغيّر البيئة وما يأكله ويشربه ويتنفسه الإنسان.

اللقاح الصيني يعتمد الطريقة التقليدية / إعطاء جزء من فيروس ميت / ولقاح اوكسفورد استرازينيكا الذي يعتمد فيروس ميت معدّل جينياً.
لا شك هناك تناقض حول المنفعة الطبية والأمان الذي يوفره اللقاح والمخاطر التي يصورها الفريق المقابل.
هناك نوعان من اللقاحات في العالم للفيروسات بحسب آلية تحضير وعمل اللقاح مع جهاز المناعة لكي يصبح هذا الجهاز في حالة استعداد /قتالية/ عندما يهجم الفيروس.
النوع الكلاسيكي الأول يعتمده اللقاح الروسي والصيني ولقاح أوكسفورد استرا زينيكا. هو يعتمد على إعطاء جزء ميت من الفيروس أو فيروس محوّل جينياً ميت إلى الجسم. يتعرف جهاز المناعة وخاصة الخلايا التائية T cells التي تُفَبرك أجسام مضادة لهذا الشبيه للفيروس، وعندما يأتي الفيروس تكون هذه المضادات جاهزة لمواجهته. / استنفار جهاز المناعة/.
هذه الطريقة تم اعتمادها منذ عشرات السنين لجميع اللقاحات الفيروسية للأمراض السابقة / الإنفلوانزا، السارس، الإيبولا، الحصبة وغيرها.

الطريقة الثانية المثيرة للجدل، هي الحديثة، والتي تعتمد على تقنية استئصال جزء من بروتين أحدي الهلاليات التاجي Spikes، والتي تلتصق على سطح الخلية. هذا اللقاح عندما يدخل إلى الخلية يدخل إلى cytoplasm الجسم الداخلي / وليس إلى نواة الخلية حيث الكود الجيني /، وتبدأ الخلية بصنع فيروس شبيه من هذا البروتين. عندها تستنفر الخلايا التائية ضد هذه الفيروسات التي تم صنعها والتي تاجها يلتصق حصراً على السطح الخارجي للخلية والتي تحوي بالتحديد مستقبلات ACE2/ وهي موجودة في الأنف ومجرى الدمع وأعلى القصبة الهوائية ومجاري التنفس والكلى والقلب والشرايين/.
وهذا ما يفسّر إصابة هذه الاعضاء أوّلاً، لأنّ الفيروس المصنّع لا يدخل إلى نواة الخلية، ولا يمكنه أن يؤثر على جينات الإنسان.
طريقة تصنيع الفيروس بهذه التقنية سريعة جداً / أسرع بكثير من الطريقة التقليدية وأرخص.جميع الشركات التي اعتمدت التقنية الحديثة أجرت المرحلة الثالثة على المتطوعين حوالي ٣٥ – ٤٠الف متطوع لكل لقاح. خلال هذه المدة القصيرة / عدة أشهر لم تظهر مضاعفات جدّية على المتطوعين تمنع استمرار التجارب، وهذه المضاعفات نفسها التي يحدثها اللقاح القديم.
لا توجد دراسة حول المدى البعيد للأعراض الجانبية للقاح كونه لم يمر الوقت الكافي لذلك.
جميع البلدان التي تمت فيها تجارب المرحلة الثالثة ٣٥ بلداً كانت لها نفس الأعراض الجانبية / حساسية عند البعض، وجع رأس، وجع عضلات، ارتفاع بسيط في الحرارة وبعض الإعياء / والذي استمر لأيام قليلة.
تمت دراسة الأمان لهذا اللقاح في أوروبا، وبعض البلدان الإفريقية، والأميركية والآسيوية وخاصة الهند.
وتم تقييم المخاطر للفترة القصيرة بالمتدنية.
لذلك أجازت المؤسسات الدولية العلمية ومنظمة الصحة العالمية استعماله الطارئ Emergency approved وذلك لتقليل الخسائر في الأرواح ولاحتواء الجائحة.
هذا الفيروس المتحوّر /٢٣ عنصراً من هلالية الفيروس / حتى الآن نظرياً لا تخفف من فعالية الفيروس كون البروتين يتم أخذه من داخل السبايك.
وبحسب مدير شركة BioNteck شاهين / بإمكان تعديل اللقاح خلال ستة أسابيع عن طريق أخذ الجزء المتغير من الفيروس واستعماله كلقاح.

حتى البارحة تم تلقيح مليون أميركي وتم رصد بعض المضاعفات عند حوالي ١٧ ما لقي حساسية أو وجع رأس، شخص واحد أدخل المستشفى بسبب إعياء مع حرارة. /من المليون/. ولذلك تم أخذ قرار بإعطاء أفضلية اللقاح للجيش الأميركي، والطواقم الطبية والمسؤولين الراغبين بذلك.

لا شك، هناك حملة إعلامية في أميركا وأوروبا متخوفين من هذا النوع من تقنية اللقاحات.
ولكن الثابت أنّ اللقاح لا يمكن أن يُحدث تغييراً وراثياً كما ذكرت ولا يوجد لديه على المدى القصير مضاعفات غير محسوبة ومذكورة، ولا يوجد معرفة عن الوقت الذي يؤمّن المناعة ضد الفيروس.
عذراً على الإطالة، ولكن في باب الصحة في الضحى سيكون هناك مجال أكثر للتوسّع.

إن الذي يخاف من لقاحات الطريقة الحديثة بإمكانه أخذ لقاحات الطريقة الكلاسيكية.
باختصار شديد، الدم يتكون من خلايا /كريات حمر وبيضاء وصفائح دموية/ وسائل البلازما.
البلازما تحتوي على أجسام المناعة المضادة للفيروس والتي تنتجها أنواع الخلايا البيضاء بأنواعها. كريات الدم الحمراء غير معنية بالموضوع مطلقاً.
لذلك إذا أعطيت دماً كامل التأثير يبقى في البلازما التي تحتوي على الأجسام المضادة التي تنتجها بالتحديد الخلايا التائية وهي جزء من الخلايا اللمفاوية.
/B cells/ هي العُقد اللمفاوية التي تتضخم عند الالتهابات ويمكن إذا كانت سطحية أن يدّسها الشخص / في الرقبة تحت الإبط وغيره /.

صديقي العلم يقود العالم المنظمات مثل FDA and EMA
سنوياً ترفض إعطاء الرخصة لمئات الأدوية وتسحب من الأسواق سنوياً مئات أخرى بالرغم من اعتراض شركات الأدوية العملاقة. وبالإمكان الاشتراك والدخول على المواقع العالمية لـ pharmacovigilance لتبيان صحة ما أقول. وهذه التوصيات ملزمة لجميع الدول ووزارات الصحة أكانت رأسمالية أو اشتراكية.

تحتوي اللقاحات على شُدف صغيرة جداً من الكائن الحي المسبب للمرض أو على المخطط الأولي لتكوين شُدف صغيرة جداً. وتحتوي أيضاً على مكوّنات أخرى للحفاظ على مأمونية اللقاحات ونجاعتها. وتُدرَج هذه المكوّنات الأخيرة في معظم اللقاحات وتُستخدم منذ عقود في مليارات الجرعات اللقاحية.
ولكل مكوّن من المكوّنات اللقاحية غرض محدد وهو يخضع للاختبار في عملية التصنيع. وتُختبر المكوّنات بأجمعها للتأكد من مأمونيتها.

المستضد

تحتوي كل اللقاحات على مكوّن نشط (المستضد) يولّد استجابة مناعية أو على المخطط الأولي لتكوين المكوّن النشط. وقد يكون المستضد جزءاً صغيراً من الكائن الحي المسبب للمرض مثل البروتين أو السكر، أو قد يكون الكائن الحي بأكمله في شكله المُوَهّن أو المُعَطّل.

المواد الحافظة

تحول المواد الحافظة دون تلوث اللقاح بعد فتح القارورة التي تحويه في حال استخدامه لتطعيم أكثر من شخص واحد. ولا يحتوي بعض اللقاحات على مواد حافظة نظراً إلى حفظ هذه اللقاحات في قوارير ذات جرعة واحدة والتخلص منها بعد إعطاء الجرعة الوحيدة. ومادة ثنائي فينوكسي إيثانول هي أكثر المواد الحافظة شيوعاً وقد استُخدمت لسنوات عديدة في عدد من اللقاحات وتُستعمل في طائفة من منتجات رعاية الطفل وتعتبر مادة مأمونة لاستخدامها في اللقاحات لأنها قليلة السُّمِّية لدى الإنسان.

المواد المُثبّتة

تمنع المُثبِّتات من حدوث تفاعلات كيميائية داخل اللقاح وتحول دون التصاق مكوّنات اللقاح بقارورة اللقاح.
ويمكن أن تكون المثبتات من السكريات (اللاكتوز والسكروز)، والأحماض الأمينية (الغليسين)، والهلام، والبروتينات (الألبومين البشري المأشوب المشتق من الخميرة).

المواد الفاعلة بالسطح

تحافظ المواد الفاعلة بالسطح على الامتزاج الجيد لجميع مكوّنات اللقاح. وتحول دون ترسّب العناصر الموجودة في الشكل السائل للقاح وتكتلها. وغالباً ما تُستخدم أيضاً في الأغذية مثل البوظة (الآيس كريم).

المواد المتبقية

البقايا هي كميات قليلة جداً من مختلف المستحضرات المستخدمة أثناء تصنيع اللقاحات أو إنتاجها ولا تشكل مكوّنات نشطة في اللقاح المكتمل إعداده. وتختلف هذه المستحضرات حسب عملية التصنيع المستخدمة وقد تشمل بروتينات البيض أو الخميرة أو المضادات الحيوية. والكميات المتبقية من هذه المستحضرات التي قد توجد في لقاح ما هي قليلة جداً لدرجة أنها تُقاس كأجزاء في المليون أو أجزاء في المليار.

المواد المُخَفِّفَة

المادة المخفّفة هي سائل يُستخدم لتخفيف لقاح كي يبلغ مستوى التركيز الصحيح قُبيل استخدامه. والمادة المخففة الأكثر استخداماً هي الماء المعقم.

المواد المساعدة

يحتوي بعض اللقاحات أيضاً على مواد مساعدة. وتُحسِّن المادة المساعدة الاستجابة المناعية للقاح، أحياناً من خلال الاحتفاظ باللقاح في موضع الحقن لفترة أطول قليلاً أو من خلال تحفيز الخلايا المناعية الموضعية.
وقد تكون المادة المساعدة كمية قليلة جداً من أملاح الألومنيوم (مثل فوسفات الألومنيوم أو هيدروكسيد الألومنيوم أو كبريتات البوتاسيوم والألومنيوم). وثبت أن الألومنيوم لا يسبب أي مشاكل صحية في الأمد الطويل ويبتلع الإنسان الألومنيوم بانتظام عن طريق الأكل والشرب.

كيف تُطوَّر اللقاحات؟

يُستخدم معظم اللقاحات منذ عقود ويطعَّم بها ملايين الأشخاص سنوياً بأمان. وعلى غرار جميع الأدوية، يجب أن يخضع كل لقاح لاختبارات مكثفة وصارمة لضمان مأمونيته قبل إمكانية بدء استخدامه في برنامج تطعيمي خاص ببلد ما.

ويجب أن يخضع كل لقاح قيد التطوير في المقام الأول لعمليات فحص وتقييم ترمي إلى تحديد المستضد الذي ينبغي استخدامه لتوليد الاستجابة المناعية. وتُنفَّذ هذه المرحلة قبل السريرية دون اختبار على الإنسان. ويُختبر اللقاح التجريبي أولاً على الحيوانات لتقييم مأمونيته وقدرته على الوقاية من المرض.
وإذا ولّد اللقاح الاستجابة المناعية المنشودة، فإنه يُختبَر بعد ذلك في إطار تجارب سريرية بشرية على ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى
يُعطى اللقاح لعدد صغير من المتطوعين لتقييم مأمونيته وتأكيد توليده للاستجابة المناعية وتحديد الجرعة المناسبة. وعموماً، تُختبر اللقاحات في هذه المرحلة لدى متطوعين من الشباب البالغين والمتمتعين بصحة جيدة.

المرحلة الثانية
يُعطى اللقاح بعد ذلك لعدة مئات من المتطوعين لمواصلة تقييم مأمونيته وقدرته على توليد الاستجابة المناعية. ويتمتع المشاركون في هذه المرحلة من الاختبار بخصائص مماثلة (مثل السن والجنس) لخصائص الأشخاص الذين يستهدفهم اللقاح. وتُجرى عادة تجارب متعددة في هذه المرحلة لتقييم مختلف الفئات العمرية ومختلف تركيبات اللقاح. وتُدرج عادة مجموعة من الأشخاص غير المطعَّمين باللقاح في هذه المرحلة كمجموعة للمقارنة من أجل تحديد ما إذا كانت التغييرات الطارئة في مجموعة الأشخاص المطعّمين تُعزى إلى اللقاح أو ما إذا حدثت بالصدفة.

المرحلة الثالثة
يُعطى اللقاح في هذه المرحلة لآلاف المتطوعين، ويُقارن بمجموعة مماثلة من الأشخاص الذين لم يطعَّموا باللقاح لكنهم تلقَّوْا مُنتَجاً مستخدماً كأساس للمقارنة، لتحديد مدى نجاعة اللقاح ضد المرض الذي يستهدف الوقاية منه ولدراسة مأمونيته لدى مجموعة أكبر بكثير من الأشخاص. وتُجرى التجارب في ظل المرحلة الثالثة في معظم الأحيان على نطاق عدة بلدان وعدة مواقع داخل بلد معين لضمان انطباق نتائج أداء اللقاح على عدة فئات سكانية مختلفة.

وأثناء التجارب التي تُجرى في المرحلتين الثانية والثالثة، تُخفى على المتطوعين والعلماء الذين يجرون الدراسة المعلومات عن أي المتطوعين تلقى اللقاح قيد الاختبار أو المنتج المستخدم كأساس للمقارنة. ويُسمى هذا التدبير «التَّعمية» وهو تدبير ضروري لضمان عدم تأثر المتطوعين والعلماء في تقييمهم للمأمونية أو النجاعة بمعرفة من تلقى أي منتَج. وبعد انتهاء التجربة والحصول على جميع النتائج، تُكشَف للمتطوعين والعلماء الذين أجروا التجربة المعلومات عن هوِّية من تلقى اللقاح ومن تلقى المنتج المستخدم كأساس للمقارنة.
وعندما تتوافر نتائج جميع هذه التجارب السريرية، يلزم اتخاذ سلسلة من الخطوات، بما في ذلك إجراء عمليات لاستعراض النجاعة والمأمونية من أجل الحصول على الموافقة التنظيمية وموافقة سياسات الصحة العامة. ويستعرض المسؤولون في كل بلد عن كثب بيانات الدراسة ويقررون التصريح أو عدم التصريح باستخدام اللقاح. ويجب أن تثبت مأمونية اللقاح ونجاعته لدى شريحة واسعة من السكان قبل الموافقة عليه وبدء استخدامه في إطار برنامج وطني للتمنيع. ويحدَّد مستوى عال للغاية لمعياري مأمونية اللقاحات ونجاعتها علماً بأن اللقاحات تُعطى لأشخاص متمتعين بخلاف ذلك بصحة جيدة وغير مصابين بالمرض المعني تحديداً.

وتُجرى عمليات رصد إضافية باستمرار بعد بدء استخدام اللقاح. وتوجد نظم لرصد مأمونية جميع اللقاحات ونجاعتها. ويمكّن ذلك العلماء من تتبع تأثير اللقاحات ومأمونيتها حتى عند استخدامها لدى عدد كبير من الأشخاص، على مدى فترة زمنية طويلة. وتُستخدم هذه البيانات لتعديل السياسات الخاصة باستخدام اللقاحات بهدف تحسين تأثيرها على وجه أمثل وتسمح أيضاً بتتبع اللقاح بأمان طوال فترة استخدامه.
وعندما يُستخدم اللقاح، يجب رصده باستمرار للتأكد من أنه لا يزال مأموناً.

مختارات

نحن محاطون بالجراثيم، سواء في البيئة التي نعيش فيها أو في أجسامنا. وعندما يكون الشخص حسّاساً ويواجه كائنًا حياً ضارًا، فقد يؤدي ذلك إلى المرض والموت.

وتتوفر لدى الجسم سبل عديدة للدفاع عن نفسه ضد العوامل الممرضة (الكائنات الحية المسببة للأمراض). ويعمل كل من الجلد والمخاط والأهداب (الشعر المجهري الذي ينقل الحُطام بعيداً عن الرئتين) كحواجز مادية تمنع العوامل المُمرضة من دخول الجسم في المقام الأول.
وعندما يُصاب الجسم بعامل مُمرض، يفعّل الجسم دفاعاته، التي يُطلق عليها الجهاز المناعي، فتُهاجَم العوامل الممرضة وتُدمَّر أو تُدحر.

استجابة الجسم الطبيعية

العامل الممرض هو جرثومة أو فيروس أو طُفيلي أو فُطر يمكن أن يسبب المرض داخل الجسم. ويتكوّن كل عامل مُمرض من عدة أجزاء فرعية، عادة ما تكون مرتبطة تحديداً بذلك العامل الممرض وبالمرض الذي يسببه. ويسمى الجزء الفرعي من العامل الممرض الذي يتسبّب في تكوين الأجسام المضادة (الأضداد) بالمستضد. وتشكل الأضداد التي تُنتَج استجابةً لمستضد العامل الممرض جزءاً مهمّاً من الجهاز المناعي. وتُعتبر الأضداد بمثابة جنود في النظام الدفاعي لجسمك. ويُدرَّب كل ضدّ أو جندي في نظامنا على التعرف على مستضد معيّن. ولدينا الآلاف من الأضداد المختلفة في أجسامنا. وعندما يتعرض جسم الإنسان للمستضد لأوّل مرة، فإن استجابة الجهاز المناعي لذلك المستضد وإنتاجه لأضداد خاصة به يستغرقان بعض الوقت.

وفي الأثناء، يكون الشخص عرضة للإصابة بالمرض.
وتعمل الأضداد الخاصة بالمستضد، بمجرد إنتاجها، مع بقية عناصر الجهاز المناعي على تدمير العامل الممرض ووقف المرض. وبشكل عام، فإن أضداد عامل ممرض معين لا تحمي من عامل ممرض آخر إلّا إذا كان العاملان الممرضان متشابهين تمامًا، مثل أبناء العمومة. وبمجرد أن ينتج الجسم أضداداً أثناء استجابته الأولية للمستضد، فإنه يكوّن أيضًا خلايا ذاكرة منتجة للأضداد تظل حيّة حتى بعد تغلّب الأضداد على العامل الممرض. وإذا تعرّض الجسم لنفس العامل الممرض مرة أخرى، فإن استجابة الأضداد ستكون أسرع بكثير وأكثر فعالية من المرة الأولى لأن خلايا الذاكرة تكون جاهزة لإطلاق الأضداد المناوئة لذلك المستضد.

ويعني ذلك أنه إذا تعرض الشخص للعامل الممرض الخطير في المستقبل، فإن جهازه المناعي سيكون قادرًا على التصدي له فوراً، وبالتالي سيحمي الشخص من المرض.

كيف تساعد اللقاحات؟

نتحتوي اللقاحات على أجزاء مُوَهّنة أو معطلة من كائن حي معين (مستضد) تؤدي إلى استجابة مناعية داخل الجسم. وتحتوي اللقاحات الحديثة على المخطط الأولي لإنتاج المستضدات بدلاً من المستضد نفسه. وبغض النظر عمّا إذا كان اللقاح يتكون من المستضد نفسه أو من المخطط الأولي الذي يتيح للجسم إنتاج المستضد، فإن هذه النسخة الموهّنة لن تسبّب المرض للشخص الذي يتلقى اللقاح، ولكنها ستدفع جهاز المناعة إلى الاستجابة قدر الإمكان كما لو كانت استجابته الأولى للعامل الممرض الفعلي.

المناعة المجتمعية

عندما يتلقّى شخص ما التطعيم، فإن من المحتمل جداً أن يتمتع بالحماية ضد المرض المستهدف. ولكن، لا يمكن تطعيم الجميع. فقد يتعذّر على الأشخاص المصابين باعتلالات صحية كامنة تسببت في إضعاف جهازهم المناعي (مثل السرطان أو فيروس العوز المناعي البشري) أو الذين يعانون من حساسية شديدة لبعض مكونات اللقاحات تلقّي التطعيم بلقاحات معينة ولا يزال من الممكن حماية هؤلاء الأشخاص إذا كانوا يعيشون بين أشخاص آخرين تلقّوا التطعيم. وعندما يتلقّى عدد كبير من أفراد المجتمع المحلّي التطعيم، فإنه سيصعب على العامل الممرض الانتشار لأن معظم الأفراد الذين يتعرضّون له يتمتعون بالمناعة. وهكذا، فإنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتلقّون التطعيم، قلّ احتمال تعرّض الأشخاص الذين تتعذّر حمايتهم باللقاحات لخطر العوامل الممرضة الضارة. ويُطلق على ذلك المناعة المجتمعية، أو ما يُعرف عموماً بمناعة القطيع.

ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لا يتعذّر تطعيمهم فحسب، وإنما أيضا قد يكونون أكثر عرضة للأمراض التي نتلقّى التطعيم ضدها. ولا يوجد لقاح واحد يوفر حماية بنسبة 100%، كما أن المناعة المجتمعية لا توفر الحماية الكاملة للأشخاص الذين لا يمكن تطعيمهم بشكل مأمون. ولكن، من خلال المناعة الجماعية، سيتمتع هؤلاء الأشخاص بقدر كبير من الحماية بفضل تطعيم الأشخاص الذين من حولهم.
إنّ التطعيم لا يحميك وحدك، وإنما يحمي أيضاً أفراد المجتمع المحلّي الذين يتعذّر تطعيمهم. فلا تتردد في تلقّي التطعيم إذا تسنّى لك ذلك.
وتتطلب بعض اللقاحات جرعات متعددة، تُعطى بفترة زمنية فاصلة قدرها أسابيع أو أشهر. وفي بعض الأحيان، يُعَدُّ ذلك ضروريا لإتاحة إنتاج أضداد طويلة العمر وتكوين خلايا الذاكرة. وعلى هذا النحو، يُدرَّب الجسم على مكافحة الكائن الحي المحدد المسبّب المرض من خلال تكوين ذاكرة خاصة بالعامل الممرض بهدف مكافحته بسرعة في حال التعرّض له مستقبلاً.
وعلى مر التاريخ، تمكّن الإنسان من استحداث لقاحات ضد عدد من الأمراض المهددة للحياة، بما فيها التهاب السحايا والتيتانوس والحصبة وشلل الأطفال.

وفي أوائل القرن العشرين، كان شلل الأطفال مرضاً عالمياً، حيث تسبب في إصابة مئات الآلاف من الأشخاص بالشلل كل عام. وبحلول عام 1950، استُحدث لقاحان فعالان ضد هذا المرض. غير أن التطعيم في بعض مناطق العالم، ولا سيما في أفريقيا، ما زال غير شائع بما يكفي لوقف انتشار شلل الأطفال. وفي ثمانينيّات القرن الماضي، بدأ بذل جهود عالمية موحدة من أجل استئصال شلل الأطفال من على وجه الأرض. وعلى مدى سنوات وعقود عديدة، انتشر التطعيم ضد شلل الأطفال في جميع القارات، من خلال زيارات التمنيع الروتيني وحملات التطعيم الجماعي. وقد جرى تطعيم ملايين الأشخاص، معظمهم من الأطفال، وفي آب/ أغسطس 2020، تم الإشهاد على خلو القارة الأفريقية من شلل الأطفال، لتلتحق هكذا بجميع المناطق الأخرى من العالم التي تمكّنت من استئصال شلل الأطفال، باستثناء باكستان وأفغانستان.


لقاحات كوفيد 19 المستجد (كورونا)
وفق نتائج المرحلة الثالثة:
المصدر نوع اللقاح عدد الجرعات الفاعلية
أسترا زينيكا جامعة أكسفورد    viral vector 2 90%
مودرنا – الولايات المتحدة mRna 2 94.5%
       بفايزر- بيونتك mRna 2 95%
     سبوتنيك – روسيا    viral vector 2 91%
  جونسون أند جونسون   viral vector
5×10
1×10

1
2

91%
    سينوفاك – الصين     inactivated submit 2 86%

شيخ المكارم الشيخ أبو مؤيّد سلمان عامر

الشيخ أبو مؤيد سلمان عامر ، شيخ قرية المتونة في عصره، رجل نبيل من أسرة معروفيّة كريمة؛ ولد عام 1871، وقد عُرِف بكرمه وتواضُعه ومحبّته للنّاس وترفُّعه عن المظاهر الدّنيويّة الزّائفة كما تميّز بتسامُحِه وِبَذلِه حتّى في سنوات الشِّحِّ والجفاف، ونقص محاصيل الأرض إلى درجة أنْ لقَّبه أهلُ زمانه بـ «السّلطان حسن»(1) و «شيخ الشباب» إذ كان بيته مقصداً للضّيوف والمُحتاجين.

هو شيخ قرية المتونه في فترة أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، (تقع المتونة الأولى على مسافة نحو ثلاثين كيلومتراً شمال مدينة السويداء على الحافة اليسرى لوادي اللوى الذي يصدر من سفوح المرتفعات الشمالية لجبل حوران ويصب في سهلة براق جنوب شرق دمشق التي كانت عبارة عن بحيرة في مطلع الألف الأول للميلاد) ولم تَزل مضافته ومقعدها إلى اليوم تحافظ على ألَقِها القديم، فهي مبنيّة فوق عقد من الرّيش تم بناؤه على أيدي بنّائين مَهَرة جرى استقدامهم من ظهور الشّوير في لبنان ويعود بناؤها لأكثر من مئة عام.

كَرَمٌ في موضع الاختبار!

كان الشَّيخ سلمان يملك مساحات واسعة من الأراضي ونحو ألف رأس من الأغنام والماعز وغيرها، وفي أواخر الرّبيع عندما تكون مواليدها من الخِراف والجِداء قد نَمَت وكبرت فإنّه يبيع نِصف تلك المواليد لتأمين حاجات دارته من موادّ غذائيّة وغيرها، أمّا ذكور تلك المواليد فلا يبيعُها، بل هو يستبقيها كذبائح إلى حين يأتيه الأضياف، وذات مرّة قال له الخَوْلي الموكل بالإشراف على أرزاقه: هل من العدل أن تأخذ لِبَيْتِك النّصف وتبقي النّصف الآخر للضّيوف؟

أجابه الشَّيخ: وماذا أفعل لك إن كنتُ لا أُجيد القسمة!
وبهذا ذاع صيت الشّيخ سلمان عامر بين الحَضَر والبوادي، وفي ذات يوم دخل إلى دارته بدويٌّ مُتواضع المظهر رَثُّ الثّياب، فرحّب به الشّيخ واستقبله في مضافته باحترام جَمّ تميّز به بنو معروف، وأمرَ أحد رجاله أنْ «أَوْلِموا للضّيف»، فقال الرّجل مُستَهيناً بمظهر الضّيف «كمان هذا بَدّو ذَبيحة؟»، أجابه الشّيخ بلهجة قاطعة: «اِذبحوا خَروف ولا تتأخّروا بالزّاد». دخل الشّيخ المضافة وجلس إلى جانب الضّيف يلاطفه ويسأله عن أحواله دون أن يطلب منه التعريف عن اسمه أو عشيرته..

كانت بساطة مظهر الضيف ورثاثة ثيابه قد لفتت انتباه الشيخ، فقال له:
ــ يا ضَيف إن كُنتَ بحاجة إلى حلال (أي المواشي من أغنام وماعز) أعطيناك وإن كنت بحاجة إلى المال ساعدناك، قُلْ ولا تَخْجل.
أجاب الرّجل: «لا يا طويل العمر، إنَّما أنا عابر سبيل أردت أن أرتاح عندكم بعض الوقت».
ولم يمضِ وقت طويل حتّى كان المنسف بالذبيحة المطبوخة أمام الضّيف.
بعد أن تناول الضّيف طعامه قال:
ــ يا شَيخ أنت لم تسألني عَمّن أكون وَتَكَرّمت وتكلّفت.
قال الشّيخ: «يا ضيف؛ نحن ما تعوّدنا نسأل ضيفنا قبل ثلاثة أيام، وأنت شرّفتنا اليوم، فأهلاً وسهلاً بك».
قال البَدوي، «يا شيخ أبو مؤيّد؛ أنا شيخ من قبيلة اِعْنِزِة، لكن جئتك كما تراني، لأختبر سمعتك وكَرَمَك (كانت مثل هذه الأساليب في اختبار كَرَم الرّجال دارجة في مجتمعات القبائل والبوادي في ذلك الزمن) وعِزّ لله إنّك تستأهل لَقَبَك: شيخ الشّباب؛ وارتجل من فطرته يقول:
دارٍ تْجـــود بْزادهـــــا للضّيـف
بعطر الخزامى والهيل مْخَضَّبٍ بابَهْ
شيخٍ كريم ومقعدَهْ بْكَرَم مسقوفْ
في جَـنّة الفــــردوس يلـــقى ثَوابَـــهْ
ثمّ أضاف: يا شيخ سلمان: أنت كريم والله يحب كلّ كريم، ثمّ ودّعه حامداً شاكراً حُسن الضِّيافة.

وبالشيخ سلمان عامر اشتُهِرَت قرية المتونة في بَوادي البِلاد وحواضرِها، فكان إذا حَلَّ رجل من أهلها في مكان ما ويسأله النّاس من أي مكان هو، فيقول من المتونة، فيقولون له: والنّعم؛ بلد الشيخ أبو مؤيّد سلمان عامر! جَلّاب الضّيوف، اَلسّلطان حسن، راعي (أي صاحب) مِسحاب(2) ابن عامر…، وعلى هذا فإنّهم يزيدون من تكريمه لما له من أيادٍ سابقة وسمعة طيّبة لديهم.

المتونة محطّة للقوافل العابرة

في ذلك الزّمان من القرن التّاسع عشر ومطلع القرن العشرين كانت قوافل الجمال والخيول والدّواب وسيلة النقل للمُتاجرة بين البوادي والأرياف من جهة و دمشق، عاصمة ولاية الشام؛ من جهة أُخرى، ولمّا كانت تلك القرية تقع على خطّ القوافل بين قُرى الجبل إلى الجنوب منها وحتى بادية الأردنّ وبين العاصمة، وبسبب من وجود مَنْهَل ماء كبير فيها هو مطخ القريَة بأبعاده 60متراً بطول 90 وعمق بضعة أمتار فقد كانت تحطُّ فيها القوافل طلباً للماء والرّاحة، وإلى دارة الشّيخ العامري ومضافته كان يُعَرِّجُ الرّجال فيبيتون ويولَمُ لهم بلا مِنّة ولا حساب، وقد ينقطع الطّريق بهم أيّاماً بسبب ثلوج الشّتاء، حتى دُعِيَت مضافة الشّيخ سلمان عامر بـ: مِسْحاب ابن رشيد، وهذا كان أمير نجد قبل أن يقضي على إمارتها آل سعود وتصبح نَجْد جزءاً من المملكة العربيّة السّعوديّة وقد اشتُهر ابن رشيد بِكَرَمه.

مضافة بمثابة نجمة الصُّبح

ذات ليلة من أيّام الشّيخ سلمان عامر وكان قد صعد بُعَيْد منتصف اللّيل إلى مضافته يتفقّد ضيفاً ينام فيها، فوجده قد أطفأ مِصباح الكاز، فأعاد إضاءته ونبّه الضّيف ألّا يطفئ النّور ثانية فالنّور مقصود في اللّيالي لعابري السبيل الذين يطلبون المأوى أو الرّاحة أو الطعام …
وهكذا أنشد أحد شعراء زمنه يقول فيه:
ديـــوانـــك نَجْمِ الصّبحْ
مْشَرَّعْ أبوابهْ للصُّبحْ
كَوكَبْ عالي عا صَرِحْ
مِهْبـاجو ينـادي علينا
وقد لقّبه النَّاس حينها بـ: شَيخ نجمة الصُّبح.

مضافة الشيخ ابو مؤيد في قرية المتونة الملقبة في زمانها بنجمة الصبح قبل نحو مئة عام من زمننا هذا

السّلطان حَسن مَلْفى نازحي مجاعة السّفر برلك عام 1914

في تلك الأيام العصيبة من أيام الحرب العالميّة الأولى لجأ الكثيرون ممن أصابتهم المجاعة في لبنان إلى جبل الدّروز وكانت حِصّة دار الشّيخ سلمان حصّة كبيرة من النّازحين من رجال ونساء نزلوا ضيوفاً في دارته ومقعده، وكان الشّيخ يواسي أضيافه ويُرَحّب بهم ويقدّم لهم واجبات الضّيافة والتكريم كمألوف عادته وبوجه مُشرق يخفف معاناتهم…

ذات يوم كان الشّيخ في مضافته وعنده زُوّار من القرية، وضيوف وافدون من لبنان ترافقهم أُسرهم، وكانوا يشعرون بالضّيق لطول إقامتهم، ولم يلبث أن قَدِمَ ثلاثة رجال من ديار الأردنّ وبعد مضي بعض الوقت جرى تقديم منسف عليه ذبيحة، وكان الشّيخ يرحّب بهم: «تفضّلوا على ما قسم الله» فقال أحد الضّيوف مُتَعَجّباً: «ماشاء الله ياشيخ زادك جاهز غبّ الطّلب!
فأردف أحد الجُلساء في المقعد «من أجل هذا لقّبوه بالسّلطان حسن».

ومن مآثره في تلك الأيام العصيبة أن وصلت جماعة من مهاجري السفر برلك الجوعى القادمين إلى أطراف المتونة وكان الوقت صيفاً، فنزلوا على بيادر القرية وأخذوا يأكلون بِنَهَم من حبوب الجلبان المكومة على أرض البيدر، وغيرها من الحصائد، فرآهم رجل من أهل المتونة ونهاهم عن ذلك لكونها تضرُّ بهم، ومن ثمّ سار بهم إلى دارة الشيخ العامري الذي شكره بدوره، واستقبل القادمين كضيوف مُرَحّب بهم وقدّم لهم الطعام وأكرمهم إلى أن عبرت تلك المرحلة العسيرة من حياة الناس آنذاك.

تواضُع الكريم

ومن تواضعه انّه كان يستقبل الزُّوَّار والأضياف ببشاشته المعهودة في كل يوم وحدث أن قَدِمَ إليه رجل من قرية مجاورة. بعد تناول القهوة أحبّ الرّجل أن يدعو الشّيخ العامري لزيارته في قريته إذ للشيخ أيادٍ سالفة وفضل سابق. قَبِلَ الشّيخ الدّعوة….
في اليوم التالي ذهب الشّيخ ملبِّياً دعوة الزّيارة برفقة أصحاب له، وبالفعل رحّب المُضيف بالشّيخ ومن معه بكلّ حفاوة واحترام، وقدّم لهم ما تيسّر لديه من الزّاد، وبعد الزيارة عادوا الى المتونة شاكرين مُضيفَهم. في طريق العودة قال أحدهم للشّيخ سلمان: «أشوف مُضيفنا لم يَقُم بواجب الضِّيافة بشكل يليق بكم»، فأجابه الشّيخ «مَهْلُكَ يا أخي، هذه قدرته وإمكانيّته، أنا أشعر بأنني مُقَصِّر إن قدّمت لِضَيفي جَزوراً (أي جَمَلاً ذَبيحة)، وعندما أكون ضَيفاً فإنّي أشعر بالرّضا حتى لو قَدَّم لي مُضيفي رأساً من البصل، فالمادّيّات لاتهمّني.

الله لن ينسى أولادي من بعدي!

في سنوات الأربعينيّات من القرن العشرين مرّت سنوات عجاف على قرى وادي اللّوى وهي سلسلة من قرى بني معروف إلى الشّمال من مدينة شهبا، والمتونة واحدة منها، إذ قد شحّت الأمطار وهلك الزرع وجفّ الضّرع، وساءت أحوال النّاس المعيشيّة، وأخذوا يغادرون الدّيار إلى دمشق ولبنان وغيرها طلباً للعمل والرّزق. لكن الشّيخ أبا مؤيد بقي على دَيْدَنِه من الكَرم فقال له أحد أقاربه مرّةً: يا شيخ أَلَا تترك لأولادك شيئاً من بعدك؟

فأجابه قائلاً: أنا أُقَدّم واجبي لضيوف الله، ومن خيرِ الله، أمّا أولادي؛ فإنَّ الله لن ينساهم من بعدي، وكما رَزَقني فهو سيرزقهم بقدر ما يستحقون، وإنّما يثبت الرّجال بمواقفهم في الظّروف الصّعبة…

وممّا يجدر ذكره أنّ عدد من يحملون الإجازات الجامعيّة اليوم من مختلف الاختصاصات العلميّة من أحفاد هذا الرّجل الكريم.يبلغ أربعة وعشرين جامعيّاً من الذكور والإناث في يومنا هذا

وفاته والاحتفاء به

تُوُفِّيَ ذلك الرّجل الكريم عام 1954 عن ثلاثة وثمانين عاماً قضاها في حياة نبيلة تميّزت بالكَرَم والتّواضع والسّماحة ورجاحة العقل، وقد قال فيه الشّاعر فَوْزي حمشو واصفاً كرمه يقول:

سلمان أبو مؤيد يا أسخى السّلاطيــــن
بكلّ الوفا والجُود والطِّيب مَطْـراك(3)
بـــدار السّويــدا كُنت عَـوْدِ السَّـــخِييِّن
ويــــا ما جِياع تْجمّعوا دوم بِحماك(4)
دار الكَرَم دارك وصِيتك غــــدا ويـن
تشـهد إلك طيب الفعايــل ما نِنساك
زادك وبَـــذْلَك للمناسف بَقُـوا سْــنيـن
تِعْبوا المناسف وانت مــا كَلّْ يمناك(5)
سُلطان حسن سَمّوك من قبل والحين
والكُلّ يشـــهد لك وزادت عطـــاياك
وفيه قال الشاعر مُؤَبِّناً:
أيا راحلاً هل نلقى بعدك باذِلاً
إذا ما اسْتَبَدَّ القَحْطُ والرُّزْءُ هائلُ(6)
فَمَقْعـدُكَ الميمونُ مـا زالَ شامِخاً
شُموخَ القُليبِ بالمكارم حافلُ(7)
فَيَــدْفَــأُ مَقـــرُوْرٌ وَيَمْتـــَنُّ طارِقٌ
وَيَهْدَأُ مَـكْرُوبٌ وًيَفْرَحُ سـائلُ(8)
فَهَلْ ضَمَّتِ الأكفانُ خَيْراً مِنِ امْرِئٍ
أقـــامَ على ما شـيّدَتْهُ الأوائِل
بِصَبْــرٍ وَإيــْمانٍ وَعَـــزْمٍ وَحِكْمَـــةٍ
وَمَنْ كان هذا دربُه لايُطاوَلُ
فَمـــا عابَــــهُ إلّا ســماحـــةُ كَفِّــــهِ
وَزَيَّنَهُ التَّوحيدُ بالقلبِ ماثِـــلُ
وهـاهم بنوك الصِّيدُ قد سار رَكْبُهُمْ
تَبارَوْا على ما كان قلبُكَ آمِلُ


المراجع

1- السّلطان حسن: هو كبير قادة بني هلال المشهرين في التاريخ وقد اشتُهر بِكَرَمه…
2- بيت من الشَّعر متعدّد الأعمدة وهذا كناية على كرم صاحبه.
3- مَطْراك: ذكرك. ويشبّهونه بالسلطان حسن لكرمه وجوده
4- عَوْد السّخييِّن: أي كبير الكُرماء، والعَود: المهمّ في جماعته وقومه.(مصطلح بدوي).
5- كناية عن كرمه
6- الرّزء: المصاب الجَلل.
7- القليب: تل شاهق مشرف على جبل العرب من جهة الغرب.
8- المقرور: الذي أنهكه البرد. والمكروب: المصاب بهمٍّ كبير.

المئويَّة وأصول بناء الدولة

دخلنا العام الأول بعد المائة لِما سُمِّي ولادة «لبنان الكبير». سبق تلك الولادة ورافـقها وواكبها بعد ذلك الكثير من المواقف المتباينة في السياسةِ والأفكار والمقاربات التي جسَّدتها شرائح اجتماعية جمعتها الخارطة التي رسمتها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في أطُر دُول عدَّة كما هو معروف. وبعد قرنٍ ونيف من تلك الولادة بات يمكننا القول بأن «الشعب اللبناني» قدَّم لنفسه وللعالَم صيغة «وطن قابل للعيش»، بل وللتقدُّم والإزدهار، استحقَّ بها نيْل الاستقلال.

تلك الصيغة، بأبسط التعابير، كناية عن «اتّفاق مبادئ». ويمكن لكلِّ لبناني في وقـتـنا الراهن أن يقرأ تلك المبادئ، ويتعمَّق بدلالاتها ما شاء له التعمُّق في أبعادها النظريَّة/السياسيَّة والفكريَّة، في مقدِّمات الدّستور الَّذي يُعتبَر في كلِّ دولة تحترمُ أوليات الحقوق المدنيَّة، الضامن التشريعي (القانوني) لاحترام شعبها وحقوقه الأساسيَّة في المواطنة والحرّية والعيش الكريم.

بدا أنَّ رجالًا من لبنان وجدوا الفسحة المشترَكَة لبناء وطن جامع. كان ذلك عملًا سياسيّاً رفيع الشأن، قائماً على الفهم والتـفهُّم المشتركَيْن، وعلى إرادة جميلة في المحافظة على أساس العيْش المشترك، معاً، بل والاتفاق على مفاهيم من شأن الالتزام بها وطنيّاً أن تعزِّز التقدُّم نحو صورة لبنان بكلِّ إمكاناتها. هكذا كان لبنان من المؤسّسين في هيئة الأمم، في الجامعة العربيَّة، في اتّفاقـيَّات دوليَّة شتَّى مرتبطة بمؤسَّسات أمميَّة هادفة إلى تعزيز كرامة «المواطن» بوصفه إنساناً حائزاً على إمكانات الإرتـقاء بكلِّ ما وُهِب من خيرات.

بات لدينا مؤشِّر دالّ على أنَّ كلَّما كانت درجة الالتزام بإرادة المضيّ قدُماً في عمليَّة البناء الوطني، انعكس ذلك في ثمرات الإزدهار وشبك النسيج الإجتماعي والقيام بدورٍ لافـت في مجالات السياسة والعلاقات الدولية والثقافة إلخ استحقَّ عليه لبنان صفة «وطن الرِّسالة»… ومن جهة مضاددة، كان تزعزُع تلك الإرادة، والانحراف عن مبادئها نحو أوهام مشاريع متطرّفة وفئويَّة ومغمَّسة بالتعصُّب الطائفي، سبيلًا رأينا مآلاته تفضي إلى نزاعات وحروب ومراوحة في التردّي، والانكشاف بشكلٍ مريع إزاء العدوّ الصهيوني المتربِّص البارع في تحويل الإنقسامات الوطنية إلى كوارث هدَّامة.

وندخل الآن في العام الأول بعد المائة لولادة لبنان الكبير ونحن في الدرَك السفل من شتات الإرادة الوطنيَّة التي باتت «إرادات» متنازعة أوقعت البلاد في التعطيل القاتل لآليَّات عمل المؤسَّسات الدستوريَّة (الحكوميَّة)، والإنهيار الإقتصادي والمالي، والفشل المخيف في الاتفاق على سياسةٍ خارجيَّة وطنيَّة متماسكة، والإخفاق في درء المخاطر كما تبدَّى في تفشّي وباء الكورونا وانكشف إثر الإنفجار المريب الذي دمَّر مرفأ بيروت وأحياء آمنة طالما مثَّلت الوجه الحضاري والثقافي والحيويّ للمدينة.
دون ان ننسى هموم وطننا في الصراع العربي الإسرائيلي.

مفاد القول إنَّ لبنان بحاجةٍ لرجالِ دولة يحملون في رؤوسهم عِبَر التاريخ، وفي ضمائرهم أمانة لبنان الوطن الجامع، وفي وجدانهم آلام الشعب وطموحاته وأمنه في أرض الآباء والأجداد، وفي عقولهم كفاءات الاجتهاد والمبادرات المثمرة والأفكار التي تجترح الحلول في كلِّ مجال.

التوحيد والفكر الديمقراطي

دخلنا اليوم في عالم الموضة السياسية، وولِجنا الفكر الديمقراطي، نحن شعوبَ السمع والطاعة. فالسياسات القمعية التي مورست ضدّنا كشعب على مرّ العصور، حشرتنا في حالة انسلاخية، انفصلنا فيها عن إرادتنا ومشيئتنا، بل عن ذواتنا، وتعلمنا أن نقول ونفعل ما يريده منّا أهل الحكم، لا ما نريده نحن. الأمر الذي أورثنا إرادة هلامية ومشيئة زئبقية، نكيّفهما حسب المطلوب، بعيدا عن قناعاتنا الفردية. ولقد حصرنا قدوتنا في شخص «بطرس» الرسول، لحظة إنكاره لمسيحه، وفي العالم الفلكي المشهور «غاليلو»، عندما تراجع عن الحقيقة خوفا من الإعدام، ورمى في سلّة المهملات قوله بكروية الأرض ودورانها، وفي الفرنسي «فولتير»، عندما استجاب لأموال الطغيان، وانشغل عن مبادئه.

نحن شعوب السمع والطاعة، الذين استسلمنا لمرض التعوُّد المزمن وتجمُّد الضمير، فاستسغنا ما لا يستسيغه حرٌّ عاقل، تماما كحال «نيرون»، الذي قال عندما اضطر في بداية حكمه لتوقيع حكم الإعدام بحقّ أحد المجرمين: «ليتني ما عرفت الكتابة»، لكنّه بعد أن أودع ضميره في ثلاّجة السلطة، أزهق روح أمِّه، وأحرق «روما».

ومع أنّنا التزمنا بكلّ هذه الملوِّثات، لم نأخذ بوصيَّة «إمرسن» في قوله: «تذكَّر غيرك.. فإنَّ العواطف معدية»، لأنَّ عدوى التعلُّم من الغير لم تصلنا حقيقة، بل وصلتنا على شكل موضة تقليد الغير، فدخلنا عصر الديمقراطية لا بدافع ذاتي، بل بفعل السيولة، متأرجحين على ظهر تيارات عالمية، جرفتنا دون إرادتنا.

يجب علينا الاعتراف بأنَّ ثمّ فارقا كبيرا، بين العقل العربيّ والعقل البريطانيّ مثلا، فالأوّل، قد أدمن الاضطهاد والظلم، وما زال محتفظا في ذهنه بشبح السيّاف «مسعود»، بينما الثاني قد بنى قبل حوالي تسعة قرون، ما يسمى العهد العظيم، الذي كان يقطعه الملك على نفسه عند تولّيه الملك، بقوله: «إذا لم نقم بتصحيح ما عساه يقع من مخالفة (أيَّة مخالفة على الإطلاق).. فمن حقِّ جميع الناس بالمملكة أن يحجزوا، ويضيِّقوا علينا بكلِّ الوسائل الممكنة. وذلك بمصادرة جميع قصورنا وأرضنا وسائر ممتلكاتنا، حتَّى يتمُّ تصحيح ما وقع من مخالفة»! نعم؛ ذلك ما كان يقسم به الملك البريطاني، قبل أن يحمل تاج المملكة فوق رأسه، وصولجان الحكم بين يديه.
وقبل الدخول في تفاصيل الديمقراطية، يجب التأكيد على أنّ الديمقراطية إلى جانب كونها فكرا نظريّا، فهي سلوك عمليٌّ، وتربية مدرسية. ويبدو من غير المعقول أن يتعلَّم الإنسان الديمقراطية من الكتب النظرية وحدها، بل هو بحاجة إلى تربية ذات طابع ديمقراطي خاصّ، تؤهِّله لممارسة احترام الغير والتعاون معه. فالشخص اللّبنانيّ مثلا يسبقنا كسوريين في الحقل الديمقراطي، لأنَّه سبقنا حوالي نصف قرن من الزمان في ممارسة الديمقراطية عمليا، وهذا ما لمسته شخصيا أثناء جولاتي في المهجر، حيث يقف الموحِّدون السوريون متخوِّفين من التعاون، وبعيدين عن المشاركة في التجمُّعات والجمعيَّات، التي هي حكر تقريبا على إخواننا اللّبنانيين.

صحيح أنَّ الناس ينقسمون تحت مظلَّة الحكم غير الديمقراطي في شيطانين اثنين؛ شيطانٍ أخرس، خائفٍ من قول كلمة الحقّ، وشيطانٍ ناطقٍ يزخرف الباطل ويدافع عن غرور الطاغية، ومن غير الممكن أن يحمل هذان الشيطانان لواء التعاون والديمقراطية، إلّا بعد تأهيل طويل، يخضعهما إلى برنامج تربويّ جديد.

تعود الديمقراطية في أصل تسميتها إلى اليونانية، وهي مؤلفة من مقطعين اثنين؛ الأول، «ديموس»، ومعناه «الشعب»، والثاني، «كراتوس»، ومعناه السيادة؛ أي بما يعني «سيادة الشعب». والديمقراطية منذ نشأتها مثلَّثة الرؤوس؛ سياسية، واجتماعية، واقتصادية، ولسوف نقتصر البحث هنا على ذكر الاجتماعية منها، لأنّ السياسية والاقتصادية يتم بحثهما من خلال بنية كيان سياسي معيّن، والتوحيد لم يكن كذلك في يوم من الأيام، إنّما هو ينظّم المجتمع بإرساء القواعد الأخلاقية اللازمة. ومع أنّنا سوف نرى طبيعة اقتصادية لبعض هذه القواعد، مثل إلغاء نظام الرقّ، لكنَّ التوحيد عالجها من حيث طبيعتها اللاأخلاقية الظالمة، والتي تقف سدّا منيعا في طريق تطبيق المبدأ التوحيديّ الأساس؛ «مبدأ التخيير».

والديمقراطية تستند في طبيعتها إلى حكم العقل والمنطق، باعتبارها أفضل أسلوب من أساليب أنظمة الحكم، أخذت بالحسبان التجربة الإنسانية التاريخية، وهدفت في غايتها إلى تحقيق العدالة بشكل عام. وليس العقل والعدل، اللّذان استندت الديمقراطية إليهما، سوى ركنين اثنين رئيسين، يقوم عليهما الفكر التوحيدي عامّة. فالتوحيد باختصار هو مذهب العقل والعدل، وهو يعتمد اعتمادا كليّا على هذين الركنين. يمكن تأكيد إيمان التوحيد بالعقلانية والعدالة من خلال حديث العقل، الذي  جاء على لسان الرسول (ص) بقوله: «عندما خلق الله العقل، قال له: أقبل فأقبل. ثمّ قال له: أدبر فأدبر. ثمّ دعاه وقال له: إذهب، فأنت لعبادي سلطان، وعليهم شهيد. إيّاك أسأل، وإيّاك أعطي، وبك أحاسب».

وإنّني إذ أتحدّث هنا عن الجانب التوحيديّ الديمقراطي، فإنّي أتحدّث من واقع ما ورد عن الديمقراطية المطلوبة داخل المجتمع التوحيدي، باعتباره مجتمع القيم العقلانية والحقائق البرهانية، الذي يُتوقّع أن يسود في نهاية المطاف، بسيادة العقل جميع سكّان المعمورة.

كما أنّني عندما أتحدّث عن العقل في الفكر التوحيدي، أقصد العقل الكليَّ الروحانيَّ، غير المكوَّن من مادّة، لأنّ ما هو من مادّة فإلى فساد. ذلك العقل بمعناه التجريدي، الذي يمتدُّ في النفوس البشريّة، على شكل عقل روحانيّ جزئيّ. وعليه فالتوحيد من خلال كتبه وتراثه، يقوم على قاعدتي العقل والعدل.

نظر التوحيد إلى العدل والعقل كمفهومين مترادفين، باعتبار العدل، نتيجة طبيعية للعقل. وكلٌّ منهما مؤيِّد للآخر، فمرَّة الأوَّل يقطع، والثاني يوجب، ومرّة أخرى العدل والعقل كلاهما يوجبان، ومرّة ثالثة يتّحد كلٌّ من العقل والعدل في فروض التوحيد، وهي آداب الدين، التي تتقدّم مكانتها على الدين، في أساس الفكر التوحيدي.

وإقامة العدل هي بحدّ ذاتها غاية من غايات كشف التوحيد، وهدفا من نشره بين الناس. ومن ذلك وصف الموحّدين بأنّهم أهل العدل، لأنّ العدل صفة أهل العقل بالضرورة، وبأنّهم أهل الألفة والاتّفاق.

كذلك ومن هذا المنطلق أيضا ارتبط قيام الحقّ والعدل، وهما تعبيران مترادفان، بقيام العقل؛ إذ كلّ ما هو خارج عن نظام العقل، فهو خارج بالضرورة عن العدل.
وأخيرا فإنّ العقل هو المؤهَّل الوحيد لإقامة العدل، وحمل سيفه المعنوي.

وجدير بالذّكر أنّ الفكر التوحيدي، كرّس في تعاليمه عددا من القواعد الديمقراطية الأساسية، أوجزها على الشكل التالي:

أ- إحلال السلام الاجتماعي، وعدم حضّ الموحّدين عمليّا على القتال، فإنّه على الرغم من المحن التي مرّ بها الموحِّدون، كما لم تمرّ طائفة في مثلها على مدى التاريخ، فإنّما المطلوب من الموحّدين الصبر على المحن، باعتبارها امتحانا لأنفسهم، ومحكّا للتفاضل بينهم. ومن خلال هذه القاعدة أرسى التوحيد قاعدة مهمّة، هي قاعدة التسامح مع الغير، وذلك انطلاقا من سببين اثنين: الأوّل، احترام رأي الآخرين، الذين لم يقبلوا الدخول في التوحيد، والثاني، انكفاء الدعوة التوحيدية إلى السّتر، فأصبحت دعوة مغلقة غير تبشيرية، لا تزاحم الدعوات الأخرى في تعبئة التابعين والمريدين.

ب- اعتماد التوحيد على مبدأ التخيير، باعتباره قاعدة من قواعد عدالة الحساب، أي أنّ الحجّة لا تقوم بالعدل على البرية جمعاء، إلّا بعد تطبيق مبدأ التخيير.
ولقد انبثق عن التزام التوحيد بمبدأ التخيير، مناداته بحرية الأديان، وربّما كان أوّل المنادين بهذه الحرّية، وأوّل من قاوم إجبار الناس على ولوج دين الأكثرية الأقوى، فآمن بأنّ الفكر الديني يجب أن يُعرض على الناس أوّلا، ولهم بعد ذلك اعتناقه أو رفضه مختارين، اعتمادا على القاعدة التوحيدية التالية: ليس في الدين إكراه ولا إجبار، إنّما هو عرض على الأمم واختيار.

ت- ساوى التوحيد بين جميع أتباعه، وجعل أفضلهم من ساوى نفسه بالآخرين.

ث- ساوى التوحيد بين المرأة والرجل، باعتبار النفس البشرية جوهرا، لا يجوز فيه التذكير والتأنيث، وكذلك ساوى التوحيد بين الرجل والمرأة في الحقوق الزوجية.

ج- لم يعترف التوحيد بنظام الرقّ والعبوديّة، وأمر بإلغائه، لأنّه مجاف لمبدأ التخيير والعدل.

ح- أنكر التوحيد نظام الخلافة الفاطمية الذرّي الوراثي، ومن بعده كلّ نظام وراثي، وهذا ما كرّسه الشعار التوحيدي المطروح في أوائل خطوات الدعوة نحو الكشف، وهو: يحكمنا أعلمنا. فالحكم قد نحا نحوا جديدا بالمفهوم التوحيدي، حيث أصبحت الأولوية في الحكم للشخص الأقرب من العلم والمعرفة، بعد أن كان للشخص الأقرب نسبا للإمام.

الوباءُ تحت مُجْهِر القانون

تواجه البشرية اليوم فيروساً قاتلاً هو فيروس كورونا أو ما يُعرف بـ (Covid-19) بعد أن كان أوّل ظهور له في مدينة ووهان الصينية. وأصبح العالم بأجمعه تحت رحمة هذا الفيروس الغامض، والذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية صفة»جائحة» نظراً لإنتشاره السريع، عابراً بذلك كافة الحدود التي عرفها الإنسان، حاصداً آلاف الأرواح بسبب سرعة انتشاره وتعدد طرق الإصابة به وسهولتها. إذ يمكن أن ينتقل الوباء نتيجة السعال، أو العطس، أو المصافحة، كما يمكن أن ينتقل ايضاً عن طريق ملامسة شيء لمسه المصاب ثم لمس الفم، أو الأنف، أو العين.

لذا، ونظراً لخطورته، عمدت مختلف دول العالم إلى اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير الوقائية لمحاصرته بهدف التقليل من الإصابة به ولعل أبرزها «العزل الصّحي» للذين ثبتت إصابتهم مخبرياً أو يُشتبه بحملهم له.

ولعل السؤال القانوني الذي يطرح نفسه بشكل صارخ في هذا الإطار هو:
المسؤولية القانونية وخاصة الجنائية لحاملي هذا الفيروس في حال تسببهم بنقل الوباء للغير إمّا عمداً أو خطأً بسبب الإهمال والتقصير؟!!

تكمن الإجابة على هذه الإشكالية القانونية المهمة في المادة /604/ من قانون العقوبات اللبناني حيث نصت على ما يلي:
«من تسبب عن قلّة احتراز أو إهمال أو عدم مراعاة للقوانين أو الأنظمة في انتشار مرض وبائي من أمراض الإنسان عُوقب بغرامة تتراوح بين خمس وعشرين ومئتي ليرة، وإذا أقدم الفاعل على فعله وهو عالم بالأمر من غير أن يقصد موت أحد عُوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلاً عن الغرامة» كذلك، نص الفصل الرابع من قانون الأمراض المعدية الصادر بتاريخ 31-12-1957 على تجريم وملاحقة كل من يُهمل الإخبار عن أي مرض من الأمراض الانتقالية، وكل من يُخالف أو يُعرقل تدابير العزل وسائر التدابير الوقائية. وأجاز لوزارة الصحة ملاحقة المخالفين أمام القضاء، ونص على إنزال عقوبات تتراوح بين الحبس والغرامة بحق مرتكبي هذه الجرائم.

إلّا أن هذه الأحكام قد يتعذر تطبيقها في الوضع الراهن بسبب عدم تعديل لائحة الأمراض الإنتقالية الواردة حصراً في نص المادة /6/ من هذا القانون لأن فيروس كورونا غير مشمول بها لعلة عدم وجوده سنة 1957. غير أن المادة /11/ من القانون ذاته نصت على أنه يحق لوزير الصحة العامة بناءً على اقتراح المدير العام أن يصدر قراراً بإجراء التعديل اللازم على لائحة الأمراض الانتقالية المبينة في القانون وعلى لائحة الأمراض المتوجب عزل المصابين بها الواردة في المادة/6/ منه.

ومع الإقرار بمسؤولية مؤسسات المجتمع والدولة، إلّا أن ذلك لا يعفي من تحمل المسؤولية الفردية روحاً ثقافية وسلوكاً واقعياً، فهناك نمط من التفكير عقيم، يتمثل في التهرب من المسؤولية الفردية والاختباء خلف المسؤولية العامة، فترى انتظاراً لحلول جماعية فوقية تمليها القيادات العليا وهو ما يُغرق الفرد في المنطق التبريري ويجسد عمق القصور في إدراك المسؤولية الفردية.

كما تزخر بذلك النصوص الشرعية، وعند التأمل في قوله تعالى:
«إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم» نجد أن سُنّة التغيير ناتجة عن الفعل البشري في ممارسة أقصى طاقاته الذهنية والعملية. فالآية عامة في كل إنسان يريد التغيير وبالتالي فهي تعبر عن قانون إنساني مجرد لا يُعفي أحداً من تحمل المسؤولية. فالتوازن بين الحرية والمسؤولية في أزمة كورونا يتجسد في أن نعمة الحرية في السلوك الفردي أو الجماعي لا تعفي الإنسان من تحمل مسؤولية الوقاية والعلاج من هذه الجائحة تجاه النفس والغير، إذ إن حرية الفرد تنتهي عند بداية حريّة الآخرين، وأنه مهما تميز الإنسان بالخصوصية في السلوك الفردي إلّا أنه مُؤاخذ في تحمل المسؤولية عن الأثر المتعدي لها دنيوياً أمام القانون وأخرويّاً أمام الله تعالى.

التّحليلُ النفسيُّ للوَهَنُ الأخلاقيُّ في مجتمعنا

ممّا لا شكّ فيه عبر العصور، لطائفة الموحّدين الدروز ميزة «أصالة، محبّة، نضال، وتفانٍ».

مع تطوّر الزمن، والانفتاح، أُدخل على المبادئ الانصهار بالتخلّي عن العادات التي تربّى عليها السلف القديم، وذلك بالـتمدّن في اللباس والعلم الجامعي للمرأة لتكون بجانب إخوانها في المجتمع.
لكن خروج شريحة ٍلا بأس بها من تلك العادات، أدخلت طابع الغرور، والحقد لدرجة تغييب العقل عن اللاعب الكومبارس «الأنا، اللاوعي، الغريزة» ليحتل المرتبة الأولى الآمر المتحكّم بالمشاعر والأحاسيس لتلبية اللذات المدمّرة للإنسانية…
وهنا العجب، من خلال السلوك والتصرّف، لكأننا في مستنقعٍ موحل خالٍ من الشِّيَم. لذلك نرى انحراف المجتمع المدني المعروفي النقيض للسّلف.

فالمجتمع انبثق من أهلٍ وتربية، لكنّه مخالف كُليّاً…
فالنفس الأمّارة التي لا تهدأ ولا ترتوي تريد المزيد المزيد شراهة لها فقط…
ومع ذلك، فإنّ تلك الفئة، الشريحة النسبية تأتي من مجتمع سعيد فيه تجسّدت المحبة والطيبة والثقافة والعيش الرغيد، لم يحرمهم من حقوقهم إطلاقاً..
فكم نحن بحاجة إلى ندوات تثقيفية توحيدّية لترويض «الأنا الباطني» لتهذيبه، ولردعه من التعدّي على حقوق الآخرين عمداً وملتبساً.

لتلك الحالة شغب ما في باطن الروح التدميري للغير.
من أهم حالات العصيان «التمرّد النفسي»، ووجود عيّنة فيا للعجب، الكل يهتم ويساعد كي لا يُحرم من أبسط الحقوق، … لكن ردّة فعل الفرد المهووس أتت معاكسة كليًّا…فهو يعيش في روبصة المحروم، وهو في نعيم النعيم ينعم بكل خيرات وجاه، ومال لا معارض ولا ممانع..

عكس ما يدلّ سلوكه المبطّن الذي يخرج عن المكبوت في أعماقه مخزون الحقد التدميريّ، «كقنبلة موقوتة تنفجر أسىً، وأذى للمشار إليه في عقله الباطن» (كأنّه مجرم يريد التخلص منه بأبشع الوسائل..

يدخل بمديح ومحبّة كلصٍّ يريد الهجوم على طريدته…
يجعلك في حَيْرة من أمره لأفعاله وسلوكه… عيناه تكشفان المستور، ووجنتاه كتاب غامض لمن يقرأه بين السطور..
والحيلة فطنة ودمية للصيد الوفير…
الحقد، الوهن الأخلاقي لعيّنة في مجتمع طائفة الموحّدين الدروز «مخالف للنهج الإنسانيّ، وهو مرض عُضال فتّاك، لا بدّ من البحث لردع هؤلاء المزيّفيين المجبولون بالكذب والخدعة والرياء والتزوير…

هنا دور الأهل، إنْ كان الأهل من الصالحين.
إن نفسية الفرد طبع غلب التطبّع، وهو من الصعب التعايش بودّ وإخاء. أمام. نقيض الإنسانية.
فترى الحاقد منفتح على كل الجبهات يُخفي من أفعاله… مؤسَّس بشكل وهمي على النصب والاحتيال، بارع في هذا المجال.

السؤال التالي:
«هل هو جنون العظمة، أم تسلّط وكبرياء تدميري للآخر…!!!
ومدمّر للذات، ذاته أوّلا..
كونه الجاني، الحاقد والغيّور، يعيش بسعادة بلا حدود… لا يهدأ باله إلّا بالأذيّة.

هل النفس البشرية تشرد عند حصولها على مباهج الدنيا !!!.
هل الأنا الطاغي للشر والشرور في حلقة تنويم العقل، وتفخيخ الجهل بزمن تفتّحت براعم الحرير والياسمين
على كل المعمورة
على أرض المعمورة.

الحضارةُ والأخلاق

تعرّض الإسلام، في صورته الظاهرة، في السنوات القليلة الماضية إلى سوء فَهم شديد هبّت رياحُه من مصدرين أساسيّين:
1- التشويه العنصري (الاستعلائي) الذي صدر بغير وسيلة وصورة من بضعة مراكز غربية إعلامية بحقّ الإسلام والمسلمين – بغضِّ النظر عن مدى تمثيل تلك المراكز المتجنّية المُتحاملة على الإسلام لروح الثقافة الغربية التي لا ينكر أهميتها غير المتعصب والجاهل – وكانت ذروة التشويه ذاك؛ الطريقة المقيتة المُنَفّرة التي أبرز بها بعض الإعلام الغربي رسوم الكاريكاتير المسيئة التي تناولت النبي محمّد (عليه الصلاة والسلام)، وردود الأفعال الغاضبة التي تلت ذلك.

2- الطريقة الانفعالية التي ردّ بها بعض المسلمين على التشويه العنصري أعلاه. فقد تحوّلت بعض ردود الأفعال تلك، وبخاصة ما اتّصل منها بإراقة بعض الشبّان اليائسين المهاجرين إلى أوروبا للدماء وقطع الرؤوس ومهاجمة الأبرياء في الكنائس، إلى مادة جديدة لهجوم ظالم لا على هؤلاء حصراً، وإنّما على المسلمين بعامّة، بل على الإسلام نفسه باعتباره «حضارة انفصالية» تعيق اندماج المهاجرين إلى أوروبا مع مجتمعاتهم الجديدة، وتعيق اندماج المسلمين عموماً بالمدنية، في وجهها المعاصر على الأقل.

بين هذين التشويهين، الأفعال المسيئة المُستنكَرة وردود الأفعال المُستنكَرة أيضاً، أين يقف العقل الإسلامي الرصين الهاديء الواثق من درجة سماح دينه العظيم. يمكن لمن يرغب العودة إلى بيانات مفتي الديار السعودية الذي افتى بوأد أيّة فتنة قد تنشأ عن ذلك، وعدم جوازها، وأنّ ما جرى لا يعود عن كونة عمل قِلَّة طائشة، وكان ذلك منتهى العقل. كذلك لا بدَّ من العودة إلى الأزهر الشريف، باعتباره مرجعية شديدة الحرص والمسؤولية، إلى مرجعيات إسلامية أُخرى في مدارسهم كافة. وضعت المرجعيات الإسلامية تلك، وسواها شرقاً وغرباً، وفي غير بيان وموقف، الأمور في نصابها الصحيح، وأعادت التذكير بالقاعدة المعاصرة للتفاهم الإسلامي المسيحي المتبادَل والتي ظهرت قبل عام تقريباً في ما سمّي بوثيقة أبو ظبي التاريخية التي وقّعها بابا رومة وشيخ الأزهر.

في هذه المقالة لا نتناول الحدث الخطير الذي جرى قبل وقت قصير، بل هي محاولة بالعودة إلى كيفية معالجة الأمير شكيب أرسلان قبل مئة سنة تقريباً للمسألة تلك، بل تأسيسه لكل نقاش مُتبادَل، وردُّه تحديداً لا على المتحاملين على الإسلام بعامّة فحسب (وقد كانوا دائما موجودين وسيبقَوْن كذلك ولأسباب أكثرها مشبوه وربما دخيل على المسيحية والإسلام معاً)، وإنما دعوته قبل مئة عام (وكان ذلك جديداً تماماً يومذاك ) لوقف المقارنات المتسرعة بين هذا الدين وذاك، بل لإخراج الدين من هذا النقاش على وجه الإطلاق. لقد كان الأمير شكيب في ذاك، وكما في أمور كثيرة أخرى، مُنْصفاً، موضوعيّاً، ومتنوّراً معاصراً أكثر بكثير من بعض مدّعي التنوير والمعاصرة اليوم.

عالج الأمير شكيب المسألة في أكثر من عمل له، وبخاصة في الكُتَيّب الذي غدا إنجيل الحركات الإسلامية لمئة عام، عَنيت به كتابه «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرُهم»، وهو في الأصل رسالته إلى أهل جاوة في إندونيسيا سنة 1925 جواباً على سؤال منهم في مسألة التقدّم والتأخير وموقع الدين منها، وقد أعيد طباعة الكتاب أكثر من سبعين مرّة (إقرأ عرضاً مفصلاً لجواب الأمير في كتابي «الأمير شكيب أرسلان، مقدَّمات الفكر السياسي»، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1989).

سأعرض في هذه المقالة رد الأمير المتقدم استناداً إلى عمل آخر له وهي مقالته بعنوان (مدنية الإسلام)، من كتاب «حاضر العالم الإسلامي» للوثروب ستودارد، ترجمة عجاج نويهض (مع مُقدَّمة من الأمير شكيب كان حجمها ضعفي الكتاب الأصلي (ص 117- 127) – وكانت طبعته الأولى سنة 1925، ثم توالت طبعاته لاحقاً، ومنها الطبعة الثالثة الصادرة سنة 1973 والتي استندت إليها المقالة هذه.

يبدأ الأمير مقالته، بل بحثه، بإثبات بطلان دعاوى من يزعم أنه لم يكن للإسلام من حضارة أو مدنيّة، فيقول:
«مدنية الإسلام قضية لا تقبل المماحكة إذ ليس من أمّة في أوروبة سواء الألمان أو الفرنسيين أو الإنكليز أو الطليان إلخ، إلّا وعندهم تآليف لا تحصى في «مدنية الإسلام»؛ فلو لم يكن للإسلام مدنية حقيقية سامية راقية مطبوعة بطابعه، مبنية على كتابه وسنّته، ما كان علماء أوروبة حتى الذين عُرفوا منهم بالتحامل على الإسلام يكثرون من ذكر المدنية الإسلامية ومن سرد تواريخها ومن المقابلة بينها وبين غيرها من المدنيات، ومن تبيين الخصائص التي انفردت بها.» (حاضر العالم الإسلامي، الجزء الثالث، 119).

ويسهب شكيب في عدّ مظاهر مدنية الإسلام وتجلّياتها، فإذا بغداد «قد بلغت في دور المنصور والرشيد والمأمون من احتفاء العمارة واستبحار الحضارة وتناهي الترف والثروة ما لم تبلغه مدينة قبلها ولا بعدها إلى هذا العصر، حتى كان أهلها يبلغون مليونين ونصف مليون من السكّان، وكانت البصرة في الدرجة الثانية عنها وكان أهلها نحو نصف مليون. وكانت دمشق والقاهرة وحلب وأصفهان وحواضر أخرى كثيرة من بلاد الإسلام أمثلة تامة، وأقيسة بعيدة في استبحار العمران، وتطاول البنيان، ورفاهة السكان وانتشار العلم والعرفان، وتآثل الفنون المتهدلة الأفنان.» (119)

ولم تكن القيروان وفاس وتلمسان ومراكش في المغرب بأقل من ذلك. أما قرطبة، والكلام لشكيب، فلم يكن يدانيها في أوروبة مُدانٍ، وكان عدد سكانها نحو مليون ونصف مليون نسمة، وكان فيها سبعمئة جامع عدا المسجد الأعظم الذي كان يسع حسب المهندسين الأسبنيول خمسين ألف مُصَلٍّ في الداخل و30 ألف مصلٍّ في الصحن «يسعهم هذا المسجد العجيب ثمانون ألفاً من المصلين» ويضيف:
«ولما ذهبنا إلى آثار قصر الزهراء، رأيناها آثار مدينة لا آثار قصر واحد، وعلمنا أنها تمتد على مسافة تسعمائة متر طولاً في ثمانمائة متر عرضاً… وقال لي المهندسون الموكلون بالحفر على آثارها: إنهم يرجون الإتيان على كشفها كلّها من الآن إلى خمسين سنة. وحسبك أنّ غرناطة التي كانت حاضرة مملكة صغيرة في آخر أمر المسلمين في الأندلس لم يكن في أوروبا في القرن الخامس عشر بلدة تضاهيها ولا تدانيها، وكان فيها عندما سقطت في أيدي الأسبانيول نصف مليون نسمة…. وحمراء غرناطة لا تزال يتيمة الدهر إلى اليوم.» (119-120).

يسخّف الأمير شكيب دعاوى المُكابرين «حُسّاد المدنية الإسلامية» الجاحدين فضل الإسلام في قيام المدنيات شرقاً وغرباً، وما تركته من آثار ماديّة وعقلية وروحية لا تزال تبهر المؤرخ المنصف والتي سمحت بسيادة عربية تامة شرقاً وغرباً «لثلاثة قرون أو أربعة». لكن السيادة تلك ما لبثت، برأيه، أن تراجعت «فذهبت ريحهم وولى السلطان الأكبر الذي كان لهم»، ولذلك أسبابه الموضوعيّة والنفسية، ولا علاقة لذلك بالدين، من قريب أو بعيد.

وبالمعيار نفسه، يرى شكيب أن ميزان التقدّم المادي يميل منذ حين وإلى الآن لصالح الحضارة الغربية، لا الحضارة بل الحضارات الإسلامية، ولكن السبب في ذلك ليس الدين، ولا هو الميزان في التقدّم والتأخر الماديين، يقول:
« نحن لا ننكر تأثير الدين في المدنية ولكننا لا نسلّم بأنه يصحّ أن يكون لها ميزاناً، وذلك لأنه كثيراً ما يضعف تأثير الدين في الأمم فتَتَفلَّت من قيوده وتفسد أخلاقها وتنهار أوضاعها، فيكون فساد الأخلاق هو علّة السقوط، ولا يكون الدين هو المسؤول: وكثيراً ما تطرأ عوامل خارجية غير مُنْتظرة فتتغلّب على ما أثلته الشرائع من حضارة وتزلزل أركانها وقد تهدمها من بوانيها، ولا يكون القصور في الشريعة. فتأخُّر المسلمين في القرون الأخيرة لم يكن من الشريعة بل من الجهل بالشريعة، أو من عدم إجراء أحكامها كما ينبغي. ولمّا كانت الشريعة جارية على حقها كان الإسلام عظيماً عزيزاً.» (118)

أما بعض سياسيي الغرب ومؤرِّخيه المتحاملين المُنكرين مدنيّة الإسلام فلا يستحقون من شكيب غير الشفقة وتنبيههم إلى ما هم عليه من الإنكار وعدم النّصفة؛ وليسوا جميعاً كذلك، بل بينهم الموضوعي والمنصف أيضاً، يقول:
« وكم حرر المؤرخون الأوروبيون تحت عنوان «مدنية الإسلام» كتباً قيّمة ومجاميع صور تأخذ بالأبصار. وإن أشد مؤرخي الإفرنجة تحاملاً على الإسلام لا يتعدى أن يحاول التصغير من شأن مدنيته….. فقصارى هذه الفئة أن ينكروا كون المسلمين قد ابتكروا علوماً وسبقوا إلى نظريات صارت خاصة بهم، وغايتهم أن يقولوا إنّ المسلمين لم يزيدوا على أن نقلوا وأذاعوا وكانوا واسطة بين المشرق والمغرب. وهذا القول مردود عند المحققين الذين يعرفون للمسلمين علوماً ابتكروها وحقائق كشفوها وآراء سبقوا إليها، فضلاً عمّا زادوا عليه وأكملوه، وما نشروا ونقلوه، ومن استرقَ شيئاً وقد استرقّه فقد استحقّه.» (120)

لكنَّ شكيباً، المؤرخ الموضوعي المنصف لا تأخذه نعرة عصبية، ولا تدوّخه لحظة غرور وفخار قومية، فإذا به يسرع الخطى إلى صياغة قاعدة تليق لا بالتاريخ فقط، بل بفلسفة التاريخ، وتاريخ الحضارات – وقد سبق فيها غارودي وغيره ممّن أنصفوا الحضارة العربية والإسلامية – فينتهي من نصّه الدقيق الهادئ إلى خلاصة تاريخية، فيقول:
«وبعد، فلم نعلم مدنية واحدة من مدنيات الأرض إلاّ وهي رشح مدنيات سابقة، وآثار آراء اشتركت بها سلائل البشرية، ومجموع نتائج عقول مختلفة الأصول، ومحصول ثمرات ألباب متباينة الأجناس.» (120)

نكتفي الآن، ولنا عَوْدٌ إلى الموضوع لاحقاً، بهذه الخلاصة التاريخية الساطعة التي لا ينكر صدقيتها وشمولها إلّا العنصري المتعصب المُكابر الذي يضع أوهامه، بل مرضه، بديلاً للحقائق الموضوعيّة التي تقدمها صفحات التاريخ لكل ذي بصر وبصيرة، ولكل عالم منهجه في طرائق العلم، ومستنده في تناول الوقائع، لا أوهام زمن الاستكبار والإقصاء والاستعلاء: زمن لا قاعدة علمية، ويجب أن نكون قد تجاوزناه – لكنّه يطلّ من جديد مع الأسف في طيّات خطاب شعبوي عنصري مقيت، لكنّه أقلّوي حتى الآن، والحمد لله.

ولنا في مقالة لاحقة إن شاء الله عرضٌ لتحليل الأمير شكيب العميق لموقع الدين، كل دين، في صعود الحضارات وأفولها.

قراءة نقدية في تاريخ الجمهورية الأولى

يبدو هذا المقال وكأنه خارج السياق الزمني الذي يفترض ان يتم التركيز فيه على ما جرى ويجري في مسار الجمهورية الثانية، ولكن العودة، برأيي، الى قراءة نقدية لمسار الجمهورية الاولى، يساعد في فهم التحديات والتداعيات التي ادخلت الجمهورية الحالية في مأزق يعبر عن عدم القدرة على انتاج حلول لمختلف المشاكل التي تواجه اللبنانيين.

يصنف النظام السياسي في لبنان من بين الانظمة التوافقية او انظمة المشاركة، التي تعطي الطوائف او المجموعات الثقافية او الاثنية حقوقاً في التمثيل السياسي يضمنها الدستور والاعراف. وتترافق هذه الحقوق مع نصوص تحدد بدقة آليات اتخاذ القرار في المؤسسات الدستورية، بشكل يمنع طغيان فئة على اخرى كما يمنع تعطل المؤسسات.

يتميز النظام التوافقي أيضًا بأنه «نظام النخبة» التي تتمتع بثقافة التسوية والقدرة على تسويقها إن عقدت لدى جمهور الطوائف او المجموعات، ويذهب البعض الى تشبيه دور النخبة في النظام التوافقي، بالدور الذي يلعبه «القفل» في قنطرة العقد، فإذا تداعى القفل، تتداعى معه القنطرة بأكملها والأمثلة على ذلك كثيرة في الجمهورية الاولى والثانية. وتركز النظرية التوافقية منذ عقود على عوامل الاستقرار في هذه الانظمة والتي تفترض توازنً ديمغرافياً مقبولاً وكذلك توازن اجتماعي- اقتصادي يمنع تركز الثروة في ايدي احدى المجموعات الطائفية او الثقافية او بيد قلة من المجموعة ذاتها، كما تفترض الوحدة في وجه التهديدات الخارجية.

غير أن بعض الدول مثل لوكسمبورغ اتفقت فيها النخب على آليات متقدمة لضمان الاستقرار ومنها اعتماد دبلوماسية القمة اي مأسسة الحوار بين النخب الاساسية وتسويق اي تسوية يتم الاتفاق عليها، وعدم إدخال القضاء والاجهزة الامنية في لعبة موازين القوى وترك الحكومة تحكم بمجرد تأليفها وحصولها على ثقة المجلس النيابي.

في المقابل فإن خصوصية هذا النوع من الأنظمة، لم تكن حائلاً أمام تكريس مبادئ دستورية تعتمدها الانظمة والديمقراطيات الاخرى وهذا ينطبق على لبنان، مثل الفصل بين السلطات الدستورية واستقلالية القضاء واعتبار الشعب مصدر السلطات، كما لم يمنع من تكريس مبادى وقيماً مثل حكم القانون وتحمل المسؤولية والمحاسبة والشفافية وقيام ادارة عامة تعتمد حيادية الخدمة العامة، كما تعتمد الكفاءة المعيار الاساسي في تولي الوظائف العامة. ولا تخرج الانظمة التوافقية عن فكرة العقد الاجتماعي وفقاً لمفهوم توماس هوبس وجان لوك، وإن يكن لهذا العقد خصوصيات معينة، حيث تحل الطوائف او المجموعات الثقافية كطرف في هذا العقد بديلًا من المواطن، ولا تسلم هذه الطوائف كما في التجربة اللبنانية بكافة الصلاحيات للدولة ومؤسساتها مقابل الحماية التي يفترض بالدولة تأمينها سنداً لفكرة العقد الاجتماعي.

وبالعودة الى التجربة اللبنانية منذ الاستقلال نرى أن النظام السياسي اللبناني مزج بين بعض مبادئ الديمقراطية التوافقية والنظام البرلماني، وتكرست فيه بعض الاعراف التي حافظت على التنوع في رئاسة مؤسساته الدستورية، كما تكرست فيه امتيازات لإحدى الطوائف في المواقع الدستورية والادارية والعسكرية، قيل انها اعطيت كضمانة للوجود المسيحي في لبنان الكبير بعد انضمام الاقضية الاربعة وغالبيتهم من المسلمين.
في المقابل، قام ميثاقه الوطني غير المكتوب على تناقضات تعكس الخلاف على هوية لبنان وموقعه وانتمائه الى محيطه العربي الطبيعي، كما ان العقد الاجتماعي الذي بني عليه الميثاق الوطني عام ١٩٤٣ كان عقدًا سياسيًا بامتياز، وذلك بعد أن قبل المسلمون السنة بالمشاركة في النظام، مقابل التخلي عن مطلب الوحدة، كما قبل المسيحيون بطريقة ملتبسة فكرة لبنان ذو وجه عربي. والعقد ايضاً، كان عقداً اجتماعيًا، بمعنى انه لاقى موافقة النخب المدينية والتجارية السنية والمسيحية، مع ارجحية للقوى الاقتصادية المسيحية لاسيما في قطاع المصارف وفي الصناعة والخدمات والوكالات الحصرية. هذا العقد بأطرافه المدينية التي تمتلك الجزء الاكبر من الثروة الوطنية لم يجد ارضية تفاهم مع فكرة لبنان الكبير التي قامت على ضم الاقضية الاربعة من الأطراف، والتي كان من المفترض ان يشملها العقد، كي تندمج مع اقتصاد المركز في بيروت والقسم الشمالي من جبل لبنان ليتشكل اقتصاد وطني، يساهم في الاندماج الاجتماعي لدولة لبنان الكبير، ويخفف من حدة الانقسامات الطائفية، ويتيح تطوير نموذج سياسي يجمع بين المنافسة السياسية والمواطنة وايجاد الاليات الدستورية لطمأنة الطوائف . لكن هذا الامر لم يحصل، ولم تمتلك النخبة السياسية المدينية الشجاعة والرؤية الحكيمة في تطوير هذا العقد، الذي بقي قاصرًا عن استيعاب الاطراف وتحولاتها الاجتماعية ومتطلبات نموها، من خلال السياسات التي ركزت على تطوير المركز واهملت الاطراف، ومن خلال نظام ضريبة غير عادل ساهم في تقويض فكرة التعاضد الاجتماعي، وساهم بانتاج فوارق اجتماعية هائلة حتى في قلب نقاط المركز الذي غلب عليه طابع تركيز الثروة بايدي قلة. لكن فؤاد شهاب الاتي الى رئاسة الجمهورية من المؤسسة العسكرية، وبعد ثورة ١٩٥٨ التي تختزن ما يكفي من الابعاد الاجتماعية والاقتصادية، حاول بالتعاون مع كمال جنبلاط وبيار الجميل التخفيف من حدة التحالف المديني والتجاري وعبئه الكبير على مناطق الاطراف وعلى الاستقرار، فانتهج السياسات التي اعطت الاطراف بعض الفرص في الكهرباء ومياه الشفة والطرق ونشر التعليم الثانوي -من خلال الدور الذي لعبه كمال جنبلاط في وزارة التربية – بعد ان اظهرت بعثة ايرفيد حجم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي حيث سيطر ١٪ على نصف الثروة الوطنية الامر الذي وضع قيام طبقة وسطى قبل الصلاحات الشهابية امراً مستحيلا. كما حاول فؤاد شهاب أن يصالح الديمقراطية التوافقية في لبنان مع فكرة دولة القانون والمؤسسات لذلك انشىء التفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، وقد شكلت هذه الخطوة المحاولة الاولى الجدية في بناء حكم القانون.

نجحت المرحلة الشهابية في ارساء بعض قواعد الاستقرار للديمقراطية التوافقية من خلال اعطاء اهمية للسياسات الاجتماعية والتربوية وبناء الخطوات الاولى لاندماج الاطراف. كما نجحت لاول مرة، في ارساء سياسة خارجية تأخذ بعين الاعتبار تحديات صعود المد القومي مع جمال عبد الناصر والتعاطف الداخلي القائم ومتطلبات الحفاظ على السيادة اللبنانية والحفاظ على التوازنات المحلية المعقدة.

ولكن التحولات الاقليمية المتمثلة بانتكاسة حزيران في العام ١٩٦٧ والتي تلاها فوز الحلف الثلاثي في الانتخابات النيابية والذي وصفه غسان تويني انه «طليعة دولة النصارى»، هذا الحلف المتخاصم مع التجربة الشهابية غيّر في موازين القوى في الساحة المسيحية ومهّد لنهاية الشهابية.

ولا شك في أن قيام اتفاق القاهرة في العام ١٩٦٩ وتعاظم مشكلة الوجود الفلسطيني بعد ايلول الاسود في الاردن وتحول الجنوب الى ساحة مواجهة مع العدو الاسرائيلي وصعود دور الامام موسى الصدر وبداية مأسسة حركة المحرومين سيغير في موازين القوى في مناطق الاطراف لاسيما ذات الغالبية الشيعية .

إن التشوهات التي رافقت تلك المرحلة ادت الى انقسامات سياسية ووطنية حادة ولم تكن فيها الخلافات فقط على الامتيازات والسياسات وميزان القوى الذي حكم تسوية ١٩٤٣، بل على موقع لبنان ودوره في الصراع العربي الاسرائيلي وعلاقته في محيطه العربي ودور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ، واظهرت طبيعة الانقسامات في تلك المرحلة مدى التفكك وعدم القدرة على صياغة قيم مشتركة تحمي الديمقراطية التوافقية الناشئة في محيط تحكمه انظمة دكتاتورية وعسكرية، والانقسام الوطني والسياسي حمل معه الانقسامات ذات البعدين الاجتماعي والاقتصادي وذلك بين بيروت واطرافها من احزمة البؤس، وبين المدن بشكل عام والاطراف وبين المناطق والطوائف، وعبرت حركة كمال جنبلاط السياسية وقيادته للنضال المطلبي عن هذا الواقع المرير ، كما عبرت حركة المحرومين بزعامة الامام موسى الصدر عن مشروعها السياسي بعنوان التهميش والحرمان فيما مضمونه الحقيقي هو الاعلان عن التحول الكبير في الاجتماع -السياسي الشيعي كمقدمة للبحث عن دور اكبر للطائفة الشيعية في النظام السياسي ،في الوقت الذي فشلت فيه كل محاولات النخب الشيعية من العائلات التقليدية البقاعية على وجه الخصوص في ايجاد القواسم المشتركة مع القوى المتحكمة بموارد المركز لتأمين متطلبات نمو البقاع الشمالي ذي الاكثرية الشيعية واندماجه الفعلي بالدولة المركزية، وفي الوقت الذي خسر فيه الجنوب بعد اقفال الحدود مع فلسطين المحتلة اهم الاسواق التي كانت جزءا من تنمية اقتصاده ،فاندثرت اقطاب اقتصادية محلية مثل بنت جبيل التي كانت تستقطب استثمارات كبيرة وتؤمن فرص عمل هائلة ، وكذلك مرجعيون والخيام فضلاً عن خسارة مئات العمال من حاصبيا لفرص عملهم في حيفا ويافا ودون ان تؤمن الدولة اي بديل آخر ، وفي الوقت الذي تخلفت فيه الدولة بعد احتلال اسرائيل لمزارع شبعا في سنة ١٩٦٧ عن سداد اي تعويضات لاهالي مزارع شبعا عن مئات البيوت التي تدمرت وخسارة الاملاك الزراعية التي كانت تشكل موردًا مهماً لسكان المنطقة . في هذا الوقت ، تحول الجنوب بعد اتفاق القاهرة في العام ١٩٦٩ بغالبيته الشيعية ساحة مواجهة غابت فيه الدولة ايضاً عن اي خطط تدعم صمود الجنوبيين، على غرار ما كان يطالب به كمال جنبلاط على الاقل ،انشاء الملاجىء لحماية السكان المدنيين من الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة.

في المقابل تمكن كمال جنبلاط من توحيد اليسار والاتفاق على رؤية وطنية لاصلاح النظام سياسيًا وإداريًا واقتصاديًا من خلال البرنامج المرحلي للاحزاب والحركة الوطنية، ولكن للاسف العناد الذي واجهه كمال جنبلاط من الجهة المقابلة برفض الاصلاح والتخلي عن الامتيازات والرهان على الخارج، قوض كل الآمال بايجاد تسوية سياسية تمهد لتحديث النظام السياسي في لبنان.

شكل اغتيال كمال جنبلاط في العام ١٩٧٧ ضربة كبيرة للمشروع الوطني الذي كان يمثله، الامر الذي سيفتح الطريق امام الانهيارات الوطنية اللاحقة. ولا شك في أن رهان بعض الاطراف اللبنانية على الخارج، والتغيير في ميزان القوى الاقليمي بعد اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي، شكل عاملًا حاسمًا في تعميق الانقسام الوطني وانهيار الثقة بين الطوائف، ووضع لبنان امام تحديات جديدة وباتت كل طائفة تبحث عن حماية اقليمية او دولية. وقد ادت هذه الرهانات الى اضعاف سيادة لبنان وتقويض الثقة بالدولة المفترض انها المؤسسة الوحيدة التي تقع عليها مسؤولية حماية الناس والطوائف، وتحول لبنان الى ساحة حرب دامت خمسة عشر عاماً، اختلطت فيها الابعاد الداخلية والاقليمية والدولية. وشكل الحزام الامني الذي اقامته اسرائيل في جنوب لبنان واعتداءاتها المتكررة واحتلالها العاصمة بيروت في حزيران من العام ١٩٨٢ واجزاء من جبل لبنان أصعب التحديات على وحدة البلاد وسلامة اراضيها.
تمكن التحالف الذي اقامه وليد جنبلاط ونبيه بري بدعم سوري من اسقاط اتفاق السابع عشر من ايار، وتمكن وليد جنبلاط من تأمين طريق المقاومة الى الجنوب وإعادة فتح طريق الشام الى بيروت. واتساءل، كم كانت التداعيات السياسية كبيرة على سوريا ولبنان لولا هذا الانجاز الجيو-ستراتيجي الكبير الذي حققه وليد جنبلاط ومعه شرائح وطنية متعددة. لكن للأسف بقي النظر الى هذا الانجاز من زوايا ضيقة ودون اعطائه البعد الاستراتيجي الذي يستحق، وجاءت التطورات الاقليمية خصوصاً مع استمرار احتلال اسرائيل لجنوب لبنان ، ومغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، وفشل كل محاولات ايجاد تسوية سياسية لإعادة ترتيب اوراق النظام وتوازناته ، فسقط الاتفاق الثلاثي ودخل النظام السياسي في مرحلة دقيقة، حيث انشطر القرار بين حكومتين متناقضتين في الاهداف والممارسة الامر الذي عرض وحدة الدولة ومؤسساتها لأخطر الامتحانات والتداعيات. وقد تبين لاحقاً ان احد الاهداف الرئيسية لحكومة ميشال عون العسكرية كان التشبث والامساك بالسلطة، وتعطيل اي مبادرة عربية او دولية لعقد مؤتمر وطني لإصلاح النظام، ما لم تكن على جدول اعمال التسوية انتخابه لرئاسة الجمهورية، مما وضع البلاد امام تحديات اتساع دائرة العنف من خلال إعلان الحروب المتعددة والتي اعلنها في سياق تحقيق هذا الهدف.
انتهت الحرب اللبنانية التي دامت خمسة عشر عاماً في مرحلة تحول في المسار الدولي، حيث نشأ تفاهم اميركي سعودي وسوري ادى الى انعقاد مؤتمر الطائف، طبعًا بعد ان جرت بعض التحولات في ميزان القوى الداخلي، لاسيما بعد معركة سوق الغرب في ١٣ آب ١٩٨٩، التي أسهمت في إعادة بعض التوازن إلى ميزان القوى المحلي، مجرد تصحيح صغير في جبل أزمات كان يعلو يومياً.

خلاصة:

لعل من اهم استنتاجات مرحلة الجمهورية الاولى هي أن النخبة التي قادت هذه الجمهورية من الاستقلال وحتى مرحلة الدخول السوري، استطاعت ان تجد ارضية للتسوية في بعض المسائل التي تتعلق بآليات النظام وتشغيل مؤسساته الدستورية بطريقة مقبولة، لاسيما في مجلسي النواب والوزراء، وتمكنت هذه النخبة من تطوير اعراف حافظت على الحد الادنى من الشراكة الاسلامية المسيحية، ومن الاحترام والتسامح المتبادل الامر الذي مكن المجالس النيابية من ان تقوم بدورها التشريعي ومراقبة عمل الحكومة وبرزت كتل نيابية هامة في هذا المجال، كما تمكنت حكومات عديدة، من تأمين الخدمات الاساسية وتطوير المناخ الاستثماري الذي ساعد في الكثير من الاستثمار في الاقتصاد الوطني. وحافظت هذه النخبة على اعراف مثل حرية الصحافة وسيادة القانون وحرية التعبير وحماية الملكية وغيرها من الاعراف، وكان لهذه النخبة الكثير من المواقف ذات الابعاد الوطنية وكانت على مستوى من الالمام الواسع بتاريخ لبنان الحديث والتحولات التي حصلت على الصعد كافة لقيام دولة لبنان الكبير ومرتكزاتها السياسية والايديولوجية.

استطاعت هذه النخبة بناء ادارة حديثة مع قيام اجهزة رقابة ادت دورها بفعالية، وكان على رأسها اداريون مميزون، وتمكن مجلس الخدمة المدنية من اجتذاب كفاءات ادارية هامة من خلال الامتحانات التي اعتمدت الكفاية سبيلًا لتولي الخدمة العامة. كما استطاعت آليات النظام في ذلك الوقت من تأمين الخدمات الاساسية، لاسيما الكهرباء حيث كانت مؤسسة كهرباء لبنان من اهم المؤسسات الحكومية في دول الشرق الاوسط. واستطاعت مرافق مهمة مثل المرفأ والمطار من القيام بدورهما الاقتصادي الكبير، وشكلت شركة طيران الشرق الاوسط وما تزال علامة مميزة في تاريخ لبنان ، وتمكن مصرف لبنان من انتهاج سياسة نقدية حافظت على قيمة مميزة للعملة الوطنية تجاه العملات الصعبة مما عزز القيمة الشرائية للمواطنين.

وفي الاطار السياسي ، تمكنت هذه النخبة من ابعاد لبنان عن كأس الوحدة المصرية والسورية واستيعاب انعكاسات حصولها وانفصالها، وتولى المسؤوليات في وزارة الخارجية في حكومات متعددة ، شخصيات دبلوماسية عريقة، استطاعت قيادة سياسة لبنان الخارجية ببراعة، ومارست مهامها الديبلوماسية بحرفية عالية، مكنت لبنان من تعزيز انفتاحه الدولي وتقوية اواصره مع العالم العربي، لاسيما دول الخليج التي وفرت اسواقها آلاف فرص العمل للبنانيين وحققت استثماراتها في لبنان نموًا كبيراً للاقتصاد الوطني.

برز من بين النخبة في الجمهورية الاولى ايضاً رجال دولة مثل كمال جنبلاط وريمون اده وفؤاد شهاب وموريس الجميّل والياس سركيس وحسين الحسيني ورشيد كرامي وفيليب تقلا وغيرهم، ممن عرفوا كيف يخاطبون الناس ويجعلون الخيارات اكثر عقلانية. في هذه الجمهورية، قامت الجامعة اللبنانية التي كانت احدى ثمرات نضال كمال جنبلاط ومعه احزاب اليسار، والتي حققت لاحقاً توازناً وطنيًا كبيراً في عملية تطور الاجتماع السياسي اللبناني وساهمت في خلق طبقة وسطى . كما تمكن اكاديميون كبار في الجامعتين الاميركية واليسوعية من جعل لبنان جامعة للنخب العربية.

تمكن القطاع الخاص في لبنان في تلك الفترة ان يلعب الدور الاساسي في الاقتصاد اللبناني الذي بلغ مستوى هائل من النمو في مرحلة الخمسينات، وحافظ لبنان لعقود على ميزان تجاري مقبول من خلال قدرة القطاع الصناعي على الانتاج القابل للتصدير ومن خلال السياحة واستطاع رجال الاعمال تطوير ميزات تفاضلية في الصحة والمصارف والخدمات الاخرى حيث غدا لبنان ايضاً مستشفى العرب.

باختصار، تمكن لبنان في تلك المرحلة من بناء ثقة عربية ودولية جذبت اليه استثمارات متعددة ساعدت في تطوير وظيفته الاقتصادية خصوصاً بعد قرار المقاطعة العربية، الذي فتح الطريق لمرفئ بيروت كي يلعب دورًا هامًا في تجارة الترانزيت.

اما الدروس المريرة المستقاة من تلك التجربة فهي، أن النخبة التي ورثت تفاهمات الميثاق الوطني، لم تتمكن من ادراك اهمية السياسات الاجتماعية والاقتصادية في عملية الاندماج الاجتماعي وتكوين عناصر الاستقرار للنظام حيث بقيت مناطق الاطراف كالبقاع والجنوب وعكار الغارقة في الفقر معزولة عن الاقتصاد الوطني، كما لم يتمكن بعض من هذه النخبة، من ادراك تداعيات الاستقواء بالخارج للوقوف في وجه محاولات تطوير وإصلاح النظام، الامر الذي تسبب بانهيار الثقة واستجلب الى جانب اسباب اخرى مقدمات انهيار النظام السياسي المستقل إلى حد كبير.

ولا شك في أن اعقد التداعيات على الجمهورية الاولى كان في قيام ونشأة الكيان الصهوني وفي مواجهة سياساته العدوانية واطماعه في المياه اللبنانية، ومحاولاته المستمرة في ضرب التجربة اللبنانية التي تشكل نقيضًا لهذا الكيان. وفي المقابل، لم تتمكن الدولة من صياغة استراتيجية وطنية للتعامل مع هذه التحديات نظراً للانقسام الوطني حول هوية لبنان وموقعه من الصراع العربي الاسرائيلي وميثاقه الوطني الملتبس الذي قام على نفيين «لا للشرق ولا للغرب». وتعاملت النخبة اليمينية مع هذه التداعيات بخبث انطلق من احقاد عنصرية، رغم الدور الذي لعبه الرأسمال الفلسطيني القادم والعمالة الفلسطينية في انعاش الاقتصاد اللبناني، وبقيت هذه النخبة تنظر الى اللاجئين الفلسطينيين كمصدر خطر على التركيبة اللبنانية، الامر الذي ادى الى حرمانهم من ابسط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وجعل من المخيمات احزمة بؤس وحرمان وقنابل موقوتة.

وعلى الضفة الأخرى، ساهم رهان اليسار على منظمة التحرير الفلسطينية في تكوين ميزان قوى داخلي لصالح تغيير النظام في خلق تداعيات على صعيد العلاقات بين مكونات النظام، وربما ساهم ايضاً بتصعيد جولات العنف المتكررة، وقد فتح الطريق لمنظمة التحرير بالاضافة الى عوامل اخرى الى ان تصبح دولة ضمن الدولة. كما ان تحول لبنان الى ساحة مواجهة برعاية سورية، كانت له تداعياته على دور لبنان في المنطقة وكلفته الانسانية والاقتصادية والسياسية، فضلًا عن التداعيات التي عانى منها اهل الجنوب في مرحلة الوجود الفلسطيني، ولاحقًا في مرحلة الاحتلال الاسرائيلي المباشر.

أختم لأقول آسفاً ان التاريخ قد اعاد نفسه في الجمهورية الثانية في المحطات البائسة من الجمهورية الاولى، من خلال إنعاش تحالف الاقليات ليضع لبنان مجددًا امام تحد وجودي، كما عادت محاولات الاستقواء بالخارج لتعديل ميزان القوى الداخلي، وعادت مقايضة السيادة الوطنية بالمناصب والكراسي والنفوذ الداخلي، في الوقت الذي يتشكل فيه مشهد جيوسياسي معقد في المنطقة قد يطيح في لحظة معينة بالكيان واسسه. وبدل ان تستقى الدروس من الذين يحتلون ارفع المناصب في الدولة، قاموا وسنداً للرهان على تحالف الاقليات وتحت شعار تحقيق التمثيل المتوازن بالضغط لاقرار قانون انتخاب يستجيب لهذا التحالف، الامر الذي ادى الى اخلال كبير في التوازنات الوطنية وضاعف من حدة الانقسامات المذهبية والطائفية، واقفل كل فرص التغيير على الشباب اللبناني .

اعتقد انه على الرغم من الخلل الكبير في ميزان القوى المحلي، وعلى الرغم من عدم نضوج الظروف لقيام اي تكتل يحمل مشروعاً للتغيير الحقيقي حتى الآن. ومع ذلك فتجديد الآمال وعدم الوقوع في اليأس يقضي بالقول، انه حان الوقت لمشروع سياسي متماسك اساسه استعادة الدولة لسيادتها على سياستها الدفاعية والخارجية، وارساء تفاهم وطني لعقد اجتماعي جديد، يقوم على الحياد الايجابي وبناء اقتصاد وطني منتج وتوزيع عادل للثروة، وقانون انتخاب يعيد الثقة الى جيل الشباب بامكانية التغيير.

أَهمُّ أحداث السّنة المُنصرمة، 2020

1- كان الحدث الأبرز سنة 2020 في العالم بأسره هو الانتشار السريع لفيروس كورونا (كوفيد المستجد 19)، وكان بدأ في كانون أول 2019 في مقاطعة ووهان الصينية، ومنها غزا بلدان الكوكب قاطبة، تاركاً حتى مطلع العام الجديد تسعين مليون إصابة، ومليوني ضحيّة، ولم يكن لبنان وبلدان عربية عدة بمنأى عن ذلك، بل إن أرقام الإصابات والوفيات سجّلت نهاية العام المنصرم أرقاماً قياسية في لبنان تجاوزت الـ 2000 يومياً.

2- في نيسان 2020 صنّفت منظمة الصحّة العالمية WHO فيروس كورونا باعتباره «جائحة عالمية خطيرة»، وجرى اعتباره كذلك، نظراً لما تسبب به من إصابات ووفيات وشلل في قطاعات الاقتصاد العالمي وتراجع خطير في معدلات النمو وإغلاقات وبطالة وإقفال الجامعات والمدارس لأشهر عدة.

3- وكان الحدث المقابل الإيجابي توصُّل شركات عدة بدءاً من كانون أول 2020 إلى إنتاج لقاح مضاد للكورونا من مصادر عدة يقول أصحابها إنّها ناجعة بنسبة تفوق 90%؛ وقد أجيزت من عدد كبير من البلدان وجرى البدء باستخدامها في الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا وبلدان عربية عدة.

4- في شهر أيار اشتعلت شوارع مدن أميركية عدّة بتظاهرات يومية عنيفة احتجاجاً على مقتل رجل من أصول إفريقية جورج فلويد (46 عاماً) على أيدي رجال الشرطة وبطريقة بشعة وذلك في مدينة مينابوليس في ولاية مينوسوتا الأمريكية وكان شعار الاحتجاجات «أرواح السود مهمّة أيضاً»، أقيل بعدها 4 ضباط شرطة متّهمين بعملية القتل.

5- في شهر تموز أعلنت إثيوبيا اكتمال المرحلة الأولى من عملية ملء «سد النهضة» على منابع النيل في إثيوبيا ما استتبع احتجاجات شديدة من مصر، لما للنيل من أهمية مطلقة لحياة المصريين وإنتاجهم الزراعي، وبدأت بعدها جولات مفاوضات لاحتواء الموقف وعدم الوصول إلى التصادم العسكري.

6- في شهر آب (الرابع من أب) حدث انفجار مئات أطنان نيترات الأمونيوم المخزنة منذ سبع سنوات على نحو مشبوه في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. دمّر الانفجار الهائل (الذي عُدّ الثالث من نوعه بعد الحرب العالمية الثانية) منشآت المرفأ وأجزاء من العاصمة بيروت وتسبب بمقتل 200 شخص وجرح 6000 آخرين، وقد تلا ذلك زيارة الرئيس ماكرون للبنان لتقديم ما يلزم من مساعدات. ولا يزال التحقيق بعد 5 أشهر عاجزاً عن جلاء أسباب ما حدث.

7- في تشرين أول 2020 اندلعت في لبنان وسوريا مئات الحرائق أتت على آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية.

8- في تشرين الثاني 2020 فاز جوزف بايدن على دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الرئاسية.

9- إستقالة حكومة الرئيس حسّان دياب بعد أيام من إنفجار 4 آب، ثم مراوحة لأسابيع، وبعدها مشاورات نيابية وتكليف سعد الحريري مهمة تشكيل الحكومة العتيدة. ولكن العام المنصرم أقفل على 14 لقاء بين الرئيسين الحريري وعون من دون إعلان الحكومة الجديدة.

10- استمرت في العام المنصرم وقائع انتفاضة 17 تشرين أول الشعبية، احتجاجاً على تردِّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن من دون أن يتاح لها أن تؤتي النتائج المرجوّة منها.

11- ويبقى الحدث الأكثر خطورة المستمر والمنتقل كما يبدو للعام الجديد هو الانهيار الكارثي في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، من 1515 ليرة إلى حدود 12000 ليرة (اليوم)، ما تسبب بانهيار مداخيل أكثرية اللبنانيين، وارتفاع جنوني في الاسعار دون رقيب أو حسيب، بالترافق مع حجب المصارف لودائع زبائنها بالعملات الأجنبية، من غير وجه حق، مدمرة سمعة القطاع المصرفي اللبناني وودائع الزبائن في آن معاً.

هذا غيض من فيض، نأمل أن يتبدّل كلّه في العام الجديد، بإذنه تعالى، لما فيه مصلحة اللبنانيين والعرب والبشرية بأسرها.

جــبران وإيمانُه بالقدَر

كان والد جبران خليل بن مخايل بن أسعد بن يوسف بن جبران أشقر البشرة أزرق العينين، قوي البُنية، يملك مزرعة مرجحين قرب الهرمل.

لما بلغ هذا الرجل السابعة والثلاثين من العمر تزوّج أرملة تبلغ السابعة والعشرين تدعى كاملة رحمه. تُوِّجَ هذا الزواج بولادة الأديب جبران خليل جبران ثم شقيقتاه مريانا وسلطانة. غير أن الأب خليل كان يفضل بطرس ابن زوجته من زوجها الأوّل على فلذة كبده جبران، ليس لشيء وإنّما لكون بطرس يطيع زوج أمه ويساعده في حرث الأرض وخدمتها على عكس أديبنا جبران إذ يفضّل جُلّ أوقاته في التصوير والرّسم والأحلام. أمّا أمه كاملة فكانت سمراء رشيقة ذكية جداً وجذّابة، وُلِدت في بْشرِّي وماتت في بوسطن.

جبران خليل جبران

تزوجت في صباها ابن عمها حنّا عبدالسلام رحمه فأنجبت منه ولدها بطرس وعند وفاته عادت إلى لبنان لتتزوج من يوسف سلامة جعجع، لكن هذا الزواج لم يعمّر طويلاً (أقل من شهر)، ويوماً وهي تشتري من دكان للعقاقير مرهماً لأصبعها المجروح التقت بزوجها الأخير خليل جبران وهو يدخّن سيجارته فأعجبتها أناقته وتبادلا النظرات كون الأخير قد عشقتها أذناه قبل عينيه لأنه سمع صوتها يوماً وهي تغني في أحد أعياد القرية.

هذا الإعجاب المتبادل انتهى وتكلّل بزواج خليل وكاملة، هذا الزواج وصفته كاملة «بصرعة غرام». هذان الشخصان ساهما بقسط وفير وكبير في تكوين أديبنا الكبير جبران أخلاقيّاً وأدبيّاً ونفسيّاً، حيث قال الأديب جبران لعشيقته مَيّ زيادة في إحدى رسائله: ورثت عن أمي تسعين بالمئة من أخلاقي وميولي، وإنني أذكر قولها لي مرة وقد كنت في العشرين من العمر:
– «لو دخلتُ الدّير لكان أفضل لي وللناس».
– «ولو دخَلتِ الدير لما جئت أنا»، أجابها جبران.
– «أنت مُقدّر يا بني في هذه الحياة»، أجابته والدته.
– «نعم ولكن قد اخترتك أمّاً قبل أن أجيء بزمن بعيد»، عقّب جبران.
– «لو لم تجئ لبقيتَ ملاكاً في السماء».
– عقّب جبران: «ولم أزل ملاكاً».
فتبسّمت والدته وقالت: «أين جوانحُكَ؟»
أجاب جبران بعد أن وضع يدها على كتفيه قائلاً: «هنا». قالت: «إنها مُتَكسّرة».
ومن هذه الكلمة غُزِلت ونُسِجَت حكاية الأجنحة المُتَكسرة لجبران خليل جبران.

“من لم يهزّه الرّبيع وأزهاره والعودُ وأوتارهُ فهو فاسدُ المزاجِ وليس له علاج.”

الإمام الغزالــــي

يقول الأديب ميخائيل نعيمة عن صديقه جبران في كتابه الذي يحمل اسمه: «كان جبران يلعب خلف البيت عندما رأى رجلاً غريباً يسوق بغلاً عليه (قربتان) وينادي (زيت حلو) أي زيت زيتون، فأطلّت من باب بيتها عجوز في يدها سبحة طويلة وسألت الرجل أن يذيقها زيته، ففعل. وبعد جدال عنيف اتّفقت وإيّاه على السّعر ثم دخلت البيت وعادت بزجاجة فارغة وقالت لبائع الزيت أن يكيل لها ثلاثة أواق. لكن عندما سألته عن دينه وأجابها إنه مسيحيّ ومذهبه أرثوذكسي أدارت في الحال ظهرها عنه وعادت بزجاجتها الفارغة إلى بيتها وأقفلت الباب وراءها بعنف وهي ترسم علامة الصليب وتتمتم بكلمات مبهمة. بعد قليل كان جبران بجانب أمه يسألها:
– «ما هو ديننا يا أمي..؟».
– «نحن موارنة يا بُنَي».
– «ومن هم الروم؟».
– «هم نصارى مثلنا».
– «ولماذا اسمهم روم واسمنا موارنة؟».
– «عليك أن تسأل الخوري يا بُني فهو ينبؤك أفضل مني».
– «وهل يخنقنا الرب إذا اشترينا زيتاً من رجل روم؟».
– «كلّا يا بني..».
يستخلص جبران في قوله عن الحقّ شعراً:
وَالحَقّ لِلعَزم وَالأَرواحُ إِن قويت
سادت وَإِن ضعفت حَلَّت بِها الغِيَرُ
وقوله في العلم:
وأفضلُ العلم حلــمٌ إن ظَفرتَ بهِ
وسرت ما بيـن أبنـاء الكرى سخروا
وفي السعادة:
وما السعادةُ في الدنيا سوى شبَحٍ
يُرجى فإن صار جسماً ملَّهُ البشرُ
وفي الموت:
والموت في الأرض لابن الأرض خاتمة
وللأثيريِّ فهو البـدء والظّـــفرُ

رَوَيت هذه الرواية وكنّا في جلسة عند معالي وزير الثقافة في حينه الأستاذ طارق متري، فضحك ملء فمه ثم استدرك وقال: «كيف لو كان درزياً أو شيعياً أو سُنياً».
آنذاك تصدى للقول أحد الحاضرين وقال: «حدثني جدِّي يوماً عن قصة مشابهة بها ومماثلة لقصة الأديب جبران إذ قال: «ونحن في طريقنا لزيارة أقارب لنا في احدى قرى كسروان، تشاء الصدف أن نصادف رجلان يتعاونان على تحميل دابة حملاً من القش كانت قد تعثّرت به وسقط عن ظهرها. وبعدما أعادا الحمل على ظهرها كما كان سابقاً سأله من كان يُساعده قائلاً: «الآن وقد فرغنا من مساعدتك لكن نسيت أن أسألك ما هو دينك؟» أجابه صاحب الدابة: «ديني مسيحي ومذهب ارثوذكسي».
تغيّرت ملامح وجه السائل ثم أدار ظهره نحو سائله وقال: «يا ريتني كنت أساعد درزيّاً أفضل بكثير».

معالي الوزير ألقى برأسه فوق وسادة كرسيه من الضحك ثم أدار بوجهه نحوي وقال:» أرجو أن لا تغضب يا أستاذ غالب».
قلت: «كيف سأغضب وقد فضلنا صاحبنا نحن الدروز على أبناء دينه من الأرثوذكس فشكراً وألف شكر».

غير أن صاحب الرواية نهض لتوّه بعدما تأكد من مذهبي دون أن يستأذن أحداً وكأنه ارتكب جُرماً أو أفصح عن سرّ كبير.
(حدثت عام 2006م)

أصدق صورة عن لبنان الماضي الجميل..

نزل الأديب المصري الكبير طه حسين في الثلاثينيّات في أحد فنادق الجبل وأصرّ أن يحضر حفلة زجل لفرقة شحرور الوادي التي سمع كثيراً عنها. وحضر وتعرّف على الفرقة (معروف أنّ طه حسين العلماني العبقري كان ضريراً)..

العميد طه حسين

افتتح الحفل الشحرور فقال:
أهلا وسهلا بطه حْسَين
وربي عْطاني ها العَيْنتَين
العين الوحدة بتكفيني
خذلك عين وخلي عين.
فقال علي الحاج:
أهلا وسهلا بطه حْسَين
لازم لك عَينين تْنين ..
تكرم شحرور الوادي
منّي عَين ومنّك عين.
فقال إميل روحانا:
لا تقبل يا طه حسين
تاخذ من كل واحد عين
بقدمْ لكْ جَوْز عيوني
هدية لا قرضة ولا دَين.

ثم ختم طانيوس عبدو..
مش لا زم لو طه حْسَين
عين ولا أكثر من عين
الله اختصو بعين العقل
بيقشع فيها عالميلين.

أعجب كثيراً طه حسين بهذا الإبداع وشكرهم كثيراً وحمل معه إلى مصر صورة لبنان الماضي الجميل.

الادارة المتكاملة لآفات الزيتون

الأفة: هي كلُّ كائنٍ حيٍّ، يُلحق ضرراً مباشراً أو غير مباشر بالإنسان، مثل: الفيروسات – البكتيريا – الفطريات – النباتات الطفيلية العشبية – الديدان الثعبانية – العناكب – الحشرات – بعض الفقاريات.
المُبيد: هو أية مادة كيميائية منفردة أو أي خليط من مجموعة مواد تكون الغاية منها الوقاية من أي آفة أو القضاء عليها أو تخفيض نسبة تواجدها، ناقلات الأمراض للإنسان، أو للحيوان، أو للنبات.

– إلا أنّ هذه المبيدات قضت على نسبة عالية جدًّا من الحشرات والفطريات والبكتيريا النافعة.
– وفي غياب الرقابة الدقيقة والتقيد بالأسس العلمية الصحية المنظمة لهذا الاستخدام، وعدم المعرفة بطرق وأساليب الاستخدام الأمثل للمبيدات وطرق الوقاية من أضرارها يؤدي إلى: تلوث البيئة – الأرض – الثمار – النبات بشكل عام – مياه الينابيع والخزانات الجوفية – الحشرات والحيوانات والطيور النافعة.

المبيدات واخطارها:

يقول الدكتور جابر الدهماني، أستاذ أمراض ووقاية النبات في كلية الأغذية والزراعة في جامعة الإمارات: «إن المبيدات الزراعية عبارة عن مادة أو خليط من مواد تستخدم في الزراعة لغرض معالجة الإصابة بالآفات الزراعية لكن جميعها تحتوي على مواد كيميائية سامة.»
وقد قَدَّرت منظمة الصحة العالمية وبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، أن هناك ثلاثة ملايين عامل زراعي في البلدان النامية يتعرضون سنوياً إلى حالات تسمم شديدة، منهم ثمانية عشر ألفا يلقَوْن حتفهم. كما أن التعرض للمبيدات الزراعية يؤدي إلى تطور الأمراض المرتبطة بالأورام الخبيثة، مثل – السرطانات، بالإضافة إلى تهيج الجهاز العصبي، واضطرابات أخرى تؤدي للوفاة، حتى عند المستهلكين الذين قد يتناولون المبيدات الزراعية التي نمت داخل الخضراوات والفواكه.

لمحة تاريخية:

في أوائل القرن الماضي، كانت الحكومات تشجع على استعمال المبيدات لأنها اعتبرتها مظهراً من مظاهر الزراعة الحديثة. سنة 1957، اقتُرح مفهوم الإدارة المتكاملة للآفات لأول مرة في لبنان.
المفهوم في ذلك الوقت كان «كافح فقط عندما تتجاوز الآفة عتبة الضرر الاقتصادي» لكن لم يكن مفهوم استعمال المبيدات الزراعية السامة متلازماً مع مفهوم عتبة الضرر الاقتصادي.
أمّا في السنوات القليلة الماضية ونتيجة للدورات والمدارس الزراعية، فقد تطورت قليلاً مفاهيم استخدامات الإدارة المتكاملة للآفات الزراعية.

تعريف الإدارة المتكاملة للآفات:

هي مقاربة مستدامة لإدارة الآفات الزراعية عبر دمج الوسائل البيولوجية، الزراعية، الفيزيائية والكيميائية بطريقة تخفض المخاطر الاقتصادية، الصحية والبيئية إلى الحد الأدنى.

تعريفها حسب منظمة الاغذية والزراعة العالمية

الإدارة المتكاملة تكون بالأخذ بعين الاعتبار وبشكل دقيق كل التقنيات المتاحة لمراقبة الآفة والتعديل اللاحق من خلال إدخال طرق مناسبة للحيلولة دون ازدياد معدل وانتشار الآفات الضارة ولابقاء المعالجة بالمبيدات في مستويات تبرر وتخفف الأخطار المُحدِقة بالإنسان وبالبيئة.
مراقبة الآفات: الخطوة الأساسية الأولى في الإدارة المتكاملة للآفات من خلال معرفة أوقات ظهور الآفة وتكاثرها ومراحل تطورها بالإضافة إلى معرفة أطوارها من بيضة حتى حشرة كاملة وما هو الطور الذي يسبب الضرر ومكان بياتها الشتوي.

مقارنة:

الادارة التقليدية في الإقتصاد:
مزيد من التكاليف، ومزيد من الترسبات الكيميائية السامة، ومزيد من تلوث البيئة بجميع عناصرها: الهواء، التربة، المياه… ومزيد من قتل وتخفيض أعداد الأعداء الطبيعية المفيدة التي تتطفل وتأكل الآفات الضارة.

الادارة المتكاملة للآفات في الإقتصاد:
تحسين إدارة المحصول، وتخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الربح.
بيئة نظيفة نوعاً ما من خلال: تقليل استعمال المبيدات وتخفيض نسبة السموم، السماح للأعداء الحيوية بالتكاثر والاستيطان في البساتين.
العامل الاجتماعي من خلال: التحفيز على العمل التعاوني، بناء المجموعات، شبكة العمل، مهارات الاتصال، التعليم، العوامل الصحية، التوظيف، إلخ…).

يجب التحوّل من ممارسة تعتمد أكثر على المبيدات إلى ممارسة تعتمد أكثر على طرق الزراعة الطبيعية وصولاً إلى العضويّة ….
يجب على المؤسسات الرسمية إرشاد وتحفيز المزارعين على استعمال كل التقنيات المتاحة لإنتاج محصول زراعي ذي ترسّبات منخفضة للمبيدات الكيميائية السامة إلى أدنى مستوياتها وضمن المعدل العالمي عن طريق إدارة الآفات على هذا المحصول مع المحافظة على التوازن الموجود في عناصر البيئة المتمثلة بالحشرات – الأمراض المفيدة – الإنسان – التربة والمياه..

أهم مضار الآفات على المزروعات:
  • تسبب خسارة كبيرة للمزارع بشكل مباشر وغير مباشر.
    1. خسارة بسبب النقص في الإنتاج
    2. خسارة بسبب تدهور النوعية (اي يصبح الإنتاج عير قابل
      للتسويق).
    3. تشكل أحد أسباب ارتفاع كلفة الإنتاج من خلال المكافحة المتواصلة، التعريب والتوضيب والتسويق
  • المكافحة الخاطئة تسبب أضرراً جسيمة للإنسان وللبيئة بشكل عام بالإضافة الى ارتفاع كلفة الإنتاج.
الأضرار المباشرة وغير المباشرة لآفات الزيتون:

– الثمار المصابة غير قابلة للكبيس والتخليل من جراء إصابتها بذبابة الزيتون، مرض تعفّن الثمار وعثة الزيتون
– الثمار غير قابلة للتسويق
– إنخفاض في كمية الثمار والزيت بسبب ضعف الأشجار لإصابتها بآفات: عين الطاووس، حفّار الساق، ذبابة الزيتون ونيرون الزيتون
– ضياع جزء من الانتاج بسبب تساقط الثمار على الأرض أو تلف جزء من الثمار بسبب الإصابة بذبابة وعثة الزيتون، مرض تعفّن الثمار، نيرون الزيتون
– انخفاض في نوعية الزيت وارتفاع درجة الحموضة ورقم البيروكسيد (التزنخ) عندما تصاب الثمار بذبابة الزيتون ومرض تعفّن الثمار أثناء القطاف إذا ما قُطفت بوسائل تقليدية مثل العصا (المفراط) أو عند تجميع الثمار في الحقل أو المنزل لعدّة أيام وخاصة في أكياس بالإضافة إلى تأخّر عملية العصر في المعصرة…
– تدهور النوعية المذاقية للزيت «سوء الطعم والرائحة».

أما أهم الأمراض التي تصيب الزيتون هي:
مرض عين الطاووس

  • يسبب هذا المرض فطر Spilocea Oleaginae أو Cycloconium Oleaginae يصيب هذا المرض اصناف الزيتون الحساسة ويسبب أضراراً فادحة وخسائر كبيرة في بعض المناطق اللبنانية خاصة الرطبة منها.
  • يصيب بشكل أساسي أوراق الزيتون (الجهة العليا من الأوراق) وقد يصيب الثمار عند اشتداد الإصابة خاصة في انتشار المرض في أواخر الصيف وفصل الخريف.
  • يظهر المرض على شكل بقع دائرية على الأوراق تبدأ سوداء ثم تتحول تدريجيا مع تقدم المرض لتصبح صفراء اللون وتتساقط.
  • يعيش الفطر ويتكاثر على أوراق اشجار الزيتون لعدة أشهر وفقط عدة أيام على الأوراق المتساقطة ليدخل في مرحلة سبات.
  • الزراعة الكثيفة لأشجار الزيتون والتقليم الخاطئ لها يساعدان على انتشار المرض بوتيرة أسرع في حال توفر الماء والظروف الطبيعية الملائمة لذلك.
  • ينتقل مرض عين الطاووس بوسطة مياه الأمطار.

الإصابة
تحدث الإصابة بفطر عين الطاووس عندما تبقى الورقة مغطاة بالماء لعدة ساعات. أما درجات الحرارة المثلى لتكاثر هذا المرض هي بين 10 و25 درجة مئوية وعندما تصبح الحرارة أقل من 10 درجات وأكثر من 25 درجة تسبب توقف انتشار المرض.

الأضرار التي تحدث خلال إصابة الأشجار بمرض عين الطاووس هي:

  • تساقط الاوراق المصابة بكثافة.
  • عدم تكون براعم ونمو الازهار.
  • تساقط وتشوه الثمار.
  • ضعف عام للشجرة بحيث تتعرى من أوراقها.
  • ضعف الانتاج من ثمار وزيت.

المكافحة

يكافح الفطر الذي يسبب مرض عين الطاووس باستعمال المركبات النحاسية (الجنزارة)، حيث يتم رشّ الشجرة بشكل كامل في حالة الاصابة الخفيفة:
في فصل الربيع وبعد ظهور الطرد الحديثة (يحمي الأوراق الجديدة).
في آخر الصيف – أول الخريف لإدخال الأشجار مرحلة الراحة خلال فصل الشتاء نظيفة من المرض.

أما في حالة الإصابة الشديدة

  • ترش أشجار الزيتون في بداية فصل الربيع قبل استعادة نشاط الشجرة وتفتح براعمها (يؤدي الى سقوط الأوراق المريضة).
  • تكرّر الرشة في الربيع بعد ظهور الطرد ليتم حماية الأوراق الجديدة.
  • ويتم الرش في آخر الصيف – أول الخريف.

مرض ذبول الزيتون
مرض ذبول الزيتون.
  • فطر يدخل الى الشجرة من خلال جروح على الجذور وينتشر في الخشب، يؤدي الى انسداد الأوعية الناقلة للعصارة.
  • لون قشرة الأفرع ليلكي – بني.
  • الاصابة تظهر بشكلين من العوارض.

الاضرار

  •  ذبول ويباس الأوراق والافرع والأغصان جزئياً او كلياً، الاوراق يابسة وتبقى معلقة على الفروع لتتساقط في فصل الشتاء المقبل.
  • يباس الفروع والأغصان وفي النهاية موت الشجرة بالكامل.

الوقاية

  • عدم زراعة الخضروات بين أشجار الزيتون.
  • استخدام نصوب سليمة موثوقة ومعروفة المصدر.
  • تطهير وتعقيم معدات التقليم بعد كل استعمال.
  • الفلاحة السطحية لتهوئة التربة.
  • عدم إضافة السماد العضوي الأخضر وإضافته بعد التخمير.

مرض سل الزيتون

مرض بكتيري يسبّبه (Pseudomonas Svastanoi) يؤدي الى ظهور أورام سرطانية خشنة وغير متجانسة على الاغصان. فترة الإصابة من الخريف حتى الربيع.

الاضرار

  • ضعف عام في الشجرة والإنتاج.
  • تدهور في نوعية الزيت عند الإصابة الشديدة.

الوقاية

  • عدم استعمال العصا في القطاف تجنبا من جرح الفروع ونقل المرض الى فروع وأشجار أخرى.
  • تعقيم أدوات التقليم.
  • قطع الأفرع والاغصان تحت الاصابة بحوالي 20 سم وحرقها مباشرة .

الوقاية والمكافحة:

  • تستخدم مادة نحاسية (الجنزارة) بعد تقليم الأفرع والأغصان المصابة، وبعد كل عملية قد تؤدي الى جرح الشجرة.

أما أهم حشرات الزيتون فهي:

عثة الزيتون (Prays Oleae)

لعثة الزيتون ثلاثة أجيال هي: جيل الزهر، جيل الثمار، وجيل الورق.

عوارض الإصابة

  • جيل الزهر: تنسج عثة الزيتون خيوطاً على العناقيد الزهرية.
  • جيل الثمار: تتلف بذور الثمار وتؤدي الى سقوطها.
  • جيل الأوراق: عند الإصابة بعثة الزيتون الى التفاف الأوراق.

الاضرار

  • أضرار من حيث كمية الإنتاج: تؤدي الى تساقط الثمار الصغيرة خلال شهر حزيران، وتساقط الثمار الكبيرة في أيلول.
  • أضرار من حيث نوعية الإنتاج: أثناء عملية القطاف وتجميع الثمار المتساقطة والجافة فيؤدي ذلك الى تخفيض نوعية الزيتون وبالتالي تخفيض أسعاره.
  • كما تؤدي الثمار المتساقطة والجافة الى تدهور في نوعية الزيت.

الوقاية والمكافحة

  • التقليم الصحيح لتعريض الأشجار الى التهوئة والشمس.
  • مراقبة ظهور حشرة عثة الزيتون وخاصة جيل الأزهار والثمار.
  • استخدام مصائد فورمونية لتحديد أعداد فرشات العثة.
  • المكافحة البيولوجية: Bacillus Thuringiensis.

 في النهاية نلجأ الى استخدام خلطة عضوية تتكون من المقادير- لزوم 20 ليتر ماء (تنكة):

  1. راحتان من رماد الحطب توضع في وعاء من الماء ويضاف إليها القليل من برش صابون الزيت البلدي ثم تحرك لعدة مرات حتى تصبح مثل الصفوة.
  2. في اليوم الثاني موعد الرش: يضاف الى محلول الرماد والصابون عصير قبضة من الصعتر والخزامة والقصعين ونوع واحد من النعناع أو حوالي 70 غرام من مقطرات هذه الأنواع.
  3. فليفلة حارة: عصير فليفلة حارة 100 غرام أو نقيع الحار.
  4. خل: 70 غرام من خل التفاح البلدي..
  5. في حال وجود أمراض فطرية أو بكتيرية، يستحسن إضافة 60 غرام جنزارة و50 غرام كبريت مكروني على ان لا تزيد درجات الحرارة على 30 درجة.
  6. تخلط جميعها وتصفى جيدا وتعبأ في المرشة وترش مباشرة.

 

نيرون الزيتون  (Phloeotribus Scarabaeoides)

تحدث الإصابة بحشرة نيرون الزيتون في مرحلتين الأولى من منتصف شهر شباط حتى أواخر شهر ايار حسب الارتفاع عن سطح البحر، والثانية خلال شهري أيلول وتشرين الأول. يهاجم نيرون الزيتون الأشجار الضعيفة والمريضة التي تصبح قليلة الرطوبة وتميل الى الجفاف.

أعراض الإصابة

ثقوب على قاعدة الفروع المنتجة وتؤدي الى خروج نشارة الخشب، أما في حالة الإصابة الشديدة تنتقل الى الأغصان ثم الى كل أجزاء الشجرة فوق سطح الأرض وبالتالي يؤدي ذلك الى يبسها.

أضرار النيرون على نوعية الثمار

  • جفاف بعض الثمار
  • تدهور في النوعية المذاقية للزيت

الوقاية والمكافحة

  • في مرحلة التقليم (أواخر فصل الشتاء وأوائل الربيع) أوعند ظهور الإصابة.
  • التقليم الجيد للأشجار وترك الأغصان المقطوعة في الحقل لتجف قليلا وتصبح المرغوبة من حشرة النيرون.
  • نقلها خارجاً أو حرقها بعد فترة من الوقت او عند ظهور أثار الحشرات.

ذبابة الزيتون (Bactrocera Oleae)

 

  • لها عدّة أجيال في السنة تصل الى خمسة حسب الظروف المناخية.
  • تقضي فصل الشتاء بطَور العذراء في التربة.
  • تنشط في بداية الصيف بعد خروج أعداد كبيرة من الحشرات الكاملة.
  • تضع الإناث البيض داخل نسيج الثمرة بوساطة آلة وضع البيض.
  • تفقس البيوض وتتغذى على لب الثمرة.

دورة الحياة

  • تسقط اليرقات بعد اكتمال نموّها إلى التربة وتتحوّل إلى عذارى. يفقس البيض بعد (2 – 15) يوم وذلك حسب الظروف البيئية وتتوقف عن وضع البيض إذا قلت الحرارة عن 10 درجات مئوية.
  • اليرقات: يكتمل نموها بعد 10 أيام وحتى 4 أسابيع حسب الظروف المناخية فتطول شتاءً وتقل صيفاً. ثم تتحوّل الى خادرة (شرنقة) في التربة على عمق (2 – 5) سم ويكتمل نموها بعد (8 – 30) يوماً حسب الظروف البيئية. الحرارة المثلى لهذه الذبابة وتكاثرها هي بين (10 و25) درجة مئوية. تتواجد الحشرة طوال العام لأن برد الشتاء غير كاف للقضاء عليها.
  • تكون فترة الاصابة من حزيران حتى نهاية الموسم، تتكاثر اثناء الجو المعتدل وتتوقف عن وضع البيض في المناطق التي تزيد فيها الحرارة على 30 درجة. تبدأ بإصابة الثمار بعد ان تصبح بذرة الزيتون خشبية. كل انثى تضع حوالي 200 بيضة. تبدأ الإناث بوضع البيض بعد (4-5) أيام من خروجها من التربة.

أضرار ذبابة الزيتون

  • ثمار زيتون المائدة غير صالحة للتخليل أو الكبيس
  • التسبب بالإصابة بأمراض وحشرات أخرى
  • نقص في كمية الثمار المنتجة
  • نقص في كمية الزيت في الثمار
  • تدهور في النوعية المذاقية – الحسية للزيت
  • ارتفاع في درجة الحموضة ورقم البيروكسيد (التزنخ)

المكافحة البيولوجية

مصائد غذائية جاذبة يوضع فيها مواد جاذبة تتغذى عليها الذبابة. المواد هي التالية:

  • هيدروليزات البروتيين يخلط مع الماء بنسبة 5%.
  • كربونات الأمونيوم.
  • سردين يخلط أيضا مع الماء بنسبة كل علبة سردين الى نصف ليتر من الماء وتوزع على ثلاث الى أربع مصائد.

الاجراءات الوقائية
يمكن التقليل من أضرار هذه الحشرة باتباع ما يلي:

  • الاهتمام بالتقليم المناسب والصحيح لكل شجرة، يحد من إصابتها بالآفات.
  • إزالة الحشائش الضارة والتي تمثل ملجأ جيداً للآفات.
  • تجنب وضع أسمدة حيوانية خضراء ونفايات عضوية رطبة لأن رائحتها الكريهة تجذب الذباب.
  • حراثة الأرض يؤدي الى ظهور الشرانق والتهامها من قبل بعض الحشرات والطيور والحيوانات.

العدد 34-35