الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

إعلام الحرب والسلام؛ المسؤولية الاحترافية
التزوير والإنحياز والتقصير

أكثر ما يضغط على الإعلام في زمن الأزمات والنزاعات والحروب الميدانية، في فنون النقل والتغطية والتحليل والتصوير وأكثر الأمور دقة وتطلباً للإحترافية المهنية وتضلعاً من فنون الرصد والمتابعة والمقارنة والتدقيق، هو الإلتزام بالناموس وبأخلاقيات الإعلام وإتباع سلوكات الرصانة، ومراعاة مقومات الإتزان الخبري والتوازن التصويري، الأمر الذي يفرض على الإعلامي والوسيلة إتباع إستراتيجية عمل ظرفية متحركة تتناسب مع تطور وموقف كل حالة.

إن خاصية التكيّف اللحظوي مع متطلبات ومستلزمات البث المباشر والنقل الميداني في مسؤولية تحريك الكاميرا وكيفية تركيزها على زوايا دون أخرى من المشهد، تتطلب تخصصًا ودراية وحسًا إستباقيًا يتناسب مع الواقع، ويقاس مع مدى إنشغال المصور الإعلامي بأخلاقيات الكاميرا في زمن حرِجٍ دقيق، وكيفية الحفاظ على قيمة الصورة الخبرية ووجوب إتصافها بالحس المجتمعي من دون المس بكرامة الإنسان، فرداً أو جماعة، مع الحرص على حق المستعلم بالحصول على كامل زوايا المشهد من دون أي حذف أو تعديل أو تركيب أجزاء، بقصد التضليل والتشويه والكذب والإختلاق والتجاهل والتعمية والتضبيب (الضباب). من مثل ما يقترفه بعض الإعلام المسيس وغير المنتمي، من ممارسات قصدية أو عفوية تسيء إلى الإعلامي والمعلومة والمستعلم. وهذا ما يدخل في التصنيفات اللَّونية للإعلام، من الأسود والأبيض والأصفر والأحمر، وصولاً الى إعلام اللَّالَوْن الحائر تصنيفًا بين عدة معايير إعلامية متداخلة كالإنحياز والحياد والإلتزام واحترام الواقع.

إنّ القضية المهنية الأكثر إلحاحاً وحضورًا في زمن الأزمات، هي ناموس إدارة المعلومة وتقنية السيطرة على أجزائها وفنية تقديمها بصدقية وواقعية، مع تركيز على قيمتها الخبرية والدلالية، وتجاهل للخبر الضاغط والملتبس، والبقاء على حذر من نقل أو التعامل مع الشائعة الإختبارية التي تكون بمثابة فخ للإيقاع بالإعلامي والنيل من صدقية الوسيلة، والتي غالبًا ما تشيع في ظروف القلق والإضطرابات.

إن ضواغط الحالة الحربية تفرض على الصحافي التقيد بأخلاقيات المهنة وناموس العمل الإعلامي الميداني وغالبًا ما تؤثر على مهنية الإعلامي المبتدئ وغير ذي الخبرة، وبالتالي تتحول النقيصة المهنية إلى ضرر يلحق بالجمهور وينال من رصيد الوسيلة، ويصبح الخطأ خطيئة.

كما أن حق الإعلامي بالملكية الفكرية والفنية للصورة، يضعه بمواجهة الحقيقة وحمايتها وكيفية تحصينها وتقديم الإقناعات المرافقة لعناصرها، مع ما تتطلبه الفنية التحريرية من إتقان لصناعة العنوان الموضوعي والإختزالي، والعنوان الرقمي والعددي وأصول إستخدام النِسَبِ في الإخبار.

ويترافق مع ذلك، وجوب حرص الإعلامي الميداني على التأكُّد من مرجعية الخبر المنقول والتفريق بين المعلومات الأولية والمعلومات النهائية، مع مراعاة تأثيرات الوضع الأمني على مشاعر وأعصاب الإعلامي الميداني في أثناء النقل المباشر والذي يكون أمام الموازنة بين مردود الخبر على المؤسسة ومعنويات الناس، التي لا تقاس بحسب مردود الصورة الخبرية ولا بنتائج الفرصة التي أتاحتها له ظروف الميدان ارتكازاً على ثلاثية واقعية الميدان وأزمة الضمير العالمي ومأزومية القانون الدولي، تتكاثف التحديات التي تعترض مهام الإعلام الميداني في ساحات القتال وجبهات المواجهة، لتشكل مجموعة من الطروحات والأفكار التقويمية المساعدة على تظهير مشهديات الحرب بدقة تفاصيلها وكل أبعادها، ما يوفر للناقد المستعلم تكوين قدرة معرفية تمكنه من رسم أطر التقويم وتقديم الأفكار التي تسهم بإعداد مراسلين متخصصين بمواكبة الأحداث الحربية وتغطية مراحلها وتقديم قراءة هادئة لها بحرفية موصوفة ومسؤولية عالية.

إن مقاربة عقيدة الإعلام اللبناني في أزمنة الحروب هو موضوع شديد الإلتزام وعميق الإنتماء ويستجيب لمتطلبات المرحلة الميدانية المواكبة للتضحيات المُحْرَقَة، حيث البسالةُ تحكي، والدم يُؤرِّخُ الإستشهاد، والبطولةُ تفرضُ وضعيتها بعناد، لنقولَ: إنَّ إعلام ما قبل حرب لن يكون كما بعدها، على صعيد التعامل الإعلامي مع القضايا الوطنية في زمن النزاعات، حيث لا مكان للحياد في منطق الالتزام. وهذا ما يفرض تناول إعلام الحرب بكل فنونه، المباشرة والمدونة والمحللة والمصورة والموثقة، من مناظير مختلفة المستويات، ووِفقَ تحديداتٍ على مقاساتِ عقيدة الفكر الجهادي والنضال الإيماني والمقاومة الوطنية، وكرامة المقدسات وإلإفتداءات البطوليةِ المنسوجةِ راياتها بدفء الإيمان، والمتقويِّة رماحها بالقيم الروحية وسلوكات المواطنة الحقة.

في تقويم عملية النقل الميداني المباشر لإعلام الحرب تبرز إشكالات عدة على المستوى الإعلامي والأكاديمي والمهني، وأبرز توصيفات مُحْدَثة لمفاصل الحروب الإعلامية وفنونها، من نقليات الصورة الفيلمية المباشرة، إلى رصانة نشر الخبر وأصول التغطية المُحكمة الضبط على إيقاعات الميدان وبراعة التعليق، وصولاً إلى فن التحليل، الذي هو أبغض الحلال في إعصاراتِ القتل والذبح والقصف وتدمير البيوت على الرؤوس. إذاك يكون الكلام للصورة، ولها وحدها حقُ إصدارِ الحكمِ بإسم الإنسانية من على قوس محكمة القيم، مهما ضعفتِ العدالة وخفَّ منسوبُ العدلِ وإختفتْ نسبيةُ الإعتدال.


غالبًا ما تتحدد رزم ضحايا المجازر والإبادات، بأن الضحية الأولى، هو القانون الدولي ومعيارية تطبيقه، إذ يكون في بعض الأحيان أخرس من الصخر؛
والضحية الثانية، هي الضمير العالمي الرسمي، لا الشعبي، الميتُ من زمان، والساكتُ عن الحق ولمّا يزَلْ واقفاً على رأسه غرابٌ أدمسُ من قهر الظلم الأكبر وأعتمُ من ليلِ الجُرْم الأفجَر؛
وثالث الضحايا، هو الصمتُ الدولي الرسمي عن إجراماتِ القتل والقصف والسحل والتدمير والإبادة المجزرية بحق الإنسانية، وكأن المدن متروكةٌ للغُزاةِ، أو كأنها ساحاتٌ لإختبارات الأسلحة الإبادية.

مشهدياتُ دمٍ، وفصولُ حروبٍ تتوالى ولَيسَ من رادعٍ عن الشرّ، ولا من قائل بهدنة، ولا من نيَّةٍ لإسدال الستارة، للإعلان عن انتهاء فيلم الرعب الطويل، حيث الميدانُ واقعي، والضحايا حقيقيون، والركاماتُ تنطقُ، والاستشهاداتُ تُسجَّلُ في ديوان الذكرى للذكرى.

وأثبتت لغةُ الصورة وسلاحُ المشهد المباشر، إنهما الأبلغُ والأجرأُ والأفعلُ، في تكوين حالة التضامن الشعبي وصناعة الالتفاف المجتمعي العالمي حول إدانة بشاعات الحرب وتأكيد حق الشعوب بالحياة والسلام.
وسؤال المرحلة الذي يُطرح بإلحاح يتركز حول: أيُّ تفاضلية لإعلامٍ حرب الأقوى على الأضعفِ، سلاحاً ومقومات؟
تنسلُّ من هذا السؤال قضيةٌ محورية، هي في صلب تكوين إعلام القضايا والأزمات والنزاعات، ركيزتُها، هَلْ للإعلام اللبناني الرسمي، على إمكاناته الضئيلة، والإعلام الخاص رغم قدراته الواسعة، هل لهذا الإعلام عقيدة؟ وتجوُّزاً أقول؛ هل كان له عقيدة؟ الوضعُ الحالي يُظهرُ أن للإعلام اللبناني، بكل مؤسساته موقف معتبر نأمل أن يتطور إلى عقيدة إنسانية وقومية ووطنية تلتقي عفواً وبإرادةٍ طيبة على نصرة الحق جهراً وإدانة المعتدي صراحة، بلا تجميلات ولا محسناتٍ لفظية، مستخدمين مصطلحات تناسب المرحلة وتتوافق مع قاموس إعلام الحرب والإلتزام.

فالإعلام اللبناني منذ نشأته صحافياً وتأسسه إذاعيًا وتألقه تلفزيونيًا، أثبت أنه إعلامُ قيم ومواقف، وأنه قبل أي شيء هو إعلام لصيقٌ بالحرية، تظهيرًا لها تبشيراً بها ودفاعاً عنها.

وهذا موقفٌ مُقدَّرٌ وجهدٌ مُعتبَرٌ للمؤسسات الإعلامية وللإعلاميين اللبنانيين الذين يناضلون على خط النار ويستشهدون دفاعاً عن الحقيقة ويؤسسون لنهجٍ واضح من فنون «إعلام اللحظة الساخنة» بأعصاب هادئة وإندفاعية موصوفة مرتكزة على جرأة المشاركة الميدانية، وإحترام أساسيات «الموضوعية الواقعية»، ورصانة النقل الشارح، ودقة الملاحظة والابتعاد عن التنبوء القاتل للمعنى والمسيء لشرف المهنة.

وتقويمًا للاعلام الكلاسيكي المطبوع والإذاعي والتلفزيوني، فإن مَنْ يراقب للحالة ويتابع التطورات لا بد أن يحتكمَ إلى اصول صياغات الإعلام ووضوح خطه، والتعامل معه كمنظومة قيم خبرية ملتزمة ومتزنة، يُحكمُ لها تقديراً، ولا يُحكَمُ عليها جوراً. من دون إسقاط دور المواقع الإعلامية الالكترونية الجادة وذات الشخصية الحرة التي لها طبيعة مؤسساتية نظامية، فضلاً عن منصات التواصل والإعلام الإكتروني الشخصي، حيث كل فردٍ أصبح مُعلِماُ ومُعلّقاً وناشرَ رأي. وكلها قدرات إعلامية، تكاملت مهنيا ومادياً والتزامًا وطنيًا لتصوغَ إعلامًا لبنانيًا ذا «عقيدة إنسانية» ووطنية قاعدتها السيادة والحرية والكرامة. ما يثبت أن كرامة الإعلام من كرامة القضية التي يدافع عنها، وقيمته من قيمة العقيدة التي ينطق باسمها ويرفع بيرقها.

وإعلام الحرب اللبناني، وتحديدًا إعلام الجبهات ودور المراسلين، هي مهمة مهنية تنطبق عليها شروط ومواصفات المهمة العسكرية، من حيث دقة فنيّة التراسل وإتقان فنِّ التقاط اللحظة وتوظيف الكاميرا وإستصراح الشهود العيان الذين غالبًا ما يتحولون إلى شهداء عيان ينطقون ويلفظون ويوقعون محضر استشهادهم مباشرة على المحطات التلفزيونية والفضائيات، كأبلغ دليل على السَكْت الدولي وأدمَغِ إثبات لوقوع الجرم المُنّظَّم.

الإعلاميات والإعلاميون الشباب على الجبهات، كلهم مشروع شهداء، والخوف الدائم عليهم ينطلق مما عرفته في خلال عملي الصحفي كمراسل تجريبي لمرة يتيمة، من وجوب توفير التأهيل المهني والخبرات اللازمة والثقافة القتالية التي تمكن المراسل، على الجبهات وخطوط النار من معرفة أنواع الأسلحة المستخدمة ومفاعيلها وقدراتها تقريبياً، وبما يمكنه من تقديم معارف شارحة تساعد الجمهور على تبيُّنِ حقائق الأمور ومعرفة ما يجري من أحداث. إنها مواصفات المراسل الحربي، المتخصص والخبير والمتابع والمطلع، والذي تجتمع فيه قدراتُ فريق عملٍ كامل يوازن في المعرفة بين الثقافة التخصصية والخبرة المعرفية التي يكون اكتسبها في خلال خدمته ووظيفته.
فهل إعلاميونا المراسلون محميون أمنياً ومحصنون مهنياً ومزودون معرفياً بالمعاهدات والقوانين الدولية وبنود اتفاقات الهدنة وقراءة الخرائط الميدانية؟ وهل يعرفون حقوق المراسل الحربي وواجباته ومضامين المواثيق الناظمة لرسالتهم والمحددة لدورهم، بما يمكنهم من نجاح مهمتهم الميدانية والوقاية من الخطر، أم أنهم مغامرون اختباريون ومبادرون ومشاريع ضحايا؟

في التقويم التخصصي والمقارنة المهنية، فإن بعض المؤسسات الإعلامية الدولية تعتمد مراسلين حربيين من ذوي الخبرة والخدمة العسكرية، لأنهم الاقدر على توصيف حركة الميدان وتقديم معلومات حول مجريات المعارك وأنواع الأسلحة وتصنيفاتها، ما يضفي على العمل خبرة تخصصية وثقة موضوعية، هي اكثر ما يحتاجها المستعلم المتابع. وهذا واضح بين طواقم المحطات الدولية والمحلية. فالمحطات والفضائيات ووكالات الأنباء العالمية، يعتمدون الاحتراف الميداني العسكري لتشكيل فريق عمل التغطية مع لحظ كبير للقدرات المادية اللازمة، في حين أن إعلاميينا يعملون جاهدين، مكلِّفين انفسهم بإندفاعية مقدّرة للقيام بالمهمة بعزيمة وتضامن وطني صحيح، مسجلين خطوات مشكورة في صناعة السبق الإعلامي وتحقيق إنجازات في إعلام الجبهات.

إنّ الاحتكام إلى منطق الامور يحرضنا على تقدير الإعلاميين اللبنانيين على الجبهات، وشكر المؤسسات الاعلامية والصحافية، التي اثبتت بصراحة مشهودة أنه في زمن الشدة والأزمات، يكون صوتها واحدًا، وصورتها واحدة وشاشاتها واحدة وحبرها واحدًا.

إنه لبنان. إنه تراثنا الصحافي وناموسنا الوطني ومسارُ إعلامنا مع الحرية والموقف الجريء، ومسيرة الدفاع عن الحق، بإندفاعية رسولية مُثبتة، بالعلم والخبر والصورة، وبإتباع المعايير الخلقية لإستخدامات الصورة، مع تركيز على إنسانية الصورة ومحتوياتها، وإحترام كرامة الموت، وعدم انتهاك حرمات جثث الضحايا لتوظيفات لخدمات اللحظة الساخنة التي تفرض تقنيات استثمارها بعيداً عن الإساءة إلى ضحايا الحروب ومشهديات الميدان .!

إن إعلام الحرب يجب أن يتوافق بتقنيّاته وأهدافه مع التحضيرات الموازية لإعلام السلام. مع التأكيد أن إعلام السلام الذي يصنع (على البارد) يستوجب وضع مخططات استراتيجية، هي أصعب وأكثر دقة من إعدادات إعلام الحرب الذي يصنع (على الساخن) ويكون وليد اللحظة وأسير ضواغط الميدان ومحكومًا بظروف المعارك.

لعلَّ أصعب أنواع الإعلام دقةً وتطلباً للإحترافية وثقافة الحوار والبعد القيمي والإنساني، هو (إعلام السلام) الذي لم يتم وضع خارطة هندسية لبنائه وفق معايير محددة تتوافق وظروف النزاعات وحدة الأزمات وإشكالياتها المعلنة وتلك المسكوت عنها، بقصد تضليلي أو عن جهل مقصود، وعن قلة معرفة، أو لأن (إعلام السلام) زيائنه قليلون، ورعاته نادرون !

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي