لا حاجة للتخمين، أو لاستخدام المنظار، لمعاينة تفاقم «الإفساد الجنسي» الجاري منذ فترة للمجتمع اللبناني. فقصصُ هذا الوافد المستجدّ تشعرُ الكاتب، كما القارئ، بالقرف، وبالتحسّر أن يجري ذلك تحت يافطة الحريات وحقوق الإنسان، خداعاً وتزويراً!
أمّا الطريق الأقصر المستخدم لتحقيق الهدف الشرير ذاك فبات علنياً يتمثّل يومياً من خلال الضغط في أربعة خطوط متكاملة:
الأول، التمويل الغربي والأممي المالي المباشر للجمعيات المحلية أو المستوردة، وللأشخاص، وبعض الأحزاب والنوّاب، ربما، بهدف نشر ثقافة الانحلال الأخلاقي، والجنسي خصوصاً، في أشكاله الشيطانية المختلفة.
الثاني، التهويل على الحكومة اللبنانية والمؤسسات ذات الصلة بالتقديمات والقروض الغربية والدولية، وربط توفيرها واستمرارها بوقف كل ما يعيق حرية حركة «المثليين والمتحوّلين» العلنية وطلب حمايتهم بالقانون ومحاولة تعديل المادة 534 من قانون العقوبات اللبنانية التي تحظر الشذوذ الجنسي.
الثالث، مع الأسف، تساهل الكثير من وسائل الإعلام (والمرئي على وجه الخصوص) مع مواد إعلامية متقنة تروّج بطرائق خبيثة للانحلال الجنسي، وتسهّل إشهار أبطاله، ومروّجيه، وإدخاله في لا وعي المشاهد كأمرٍ عادي، دونما خجلٍ أو وجل، أو أدنى احترام للعائلة اللبنانية، ولثقافتنا الشرقية العربية، وللقوانين النافذة، قبل ذلك وبعده.
والرابع، أخيراً، وهو أمر محزن، تساهل (حتى لا نقول غير ذلك) الكثير من جمعيات «المجتمع المدني» ورموزه مع المخطط الشيطاني الدولي، على الأرجح، لتدمير ما تبقى في مجتمعنا من ثقافة محترمة، ومن إنسان لم تبقِ منه هذه الحضارة المادية الاستهلاكية وثقافة العولمة «الكلبية» المسيطرة إلا القليل. فنكاد لا نصدّق أن جمعيات مثل «المفكرة القانونية» أو «المركز الاستشاري» (برجيس الجميل) وسواهما يروّجان لتسهيل الانحلال الجنسي، بحجة حرية الإنسان و«الثقافة اللبنانية التعددية والقائمة على حرية الاختيار»!!!!
وبسبب من ذلك، وبتواطؤ رسمي لا يخفى على مراقب، لم يعد الفساد الأخلاقي نزوة جشعة هنا، أو حالة فردية هناك، مستهجنة ويعاقب عليها القانون. بات الفساد في ظل نظام العولمة الطاغي، ومراكزه المشبوهة، إفساداً، يجري القبول به بل والتشجيع عليه من قبل الشركات الدولية وممثليها المحليين. بات الفساد والإفساد في كل مجال نظاماً دولياً متكاملاً متسانداً، ثقافة جديدة في حقل الأعمال، و»صناعة» متقنة، رائجة، لها أربابها، وصنّاعها، ومحاموها، وإعلامها، والمستفيدون من فُتاتها أيضاً. فلا عجب أن ينال اللبنانيّون، في لحظة تأزم أحوالهم المادية والسياسية، الانهيار الأخلاقي الذي نشهده اليوم.
إلامَ أدّت الضغوط الأربعة تلك، وعلى العائلة اللبنانية قبل سواها؟
يجب الاعتراف، أن العائلة اللبنانية تشهد هذه الأيام، وتحت ضغوط اقتصادية واجتماعية وإعلامية لا تحتمل، مظاهر تراجعٍ كبير في تماسكها واحتفاظها بأدوارها المختلفة. العائلة اللبنانية عرضةٌ الآن لاختراقات وتداعيات لم تكن موجودة سابقاً، حتى في ذروة سنوات الحرب الأهلية (1975-1990).
الحرب الإعلامية والنفسية الشعواء التي تُشنّ على الأسرة أو العائلة اللبنانية اليوم أقوى من الحرب العسكرية أو الاقتصادية التي تعرضت لها في سنوات التأزم الأهلي.
وإذا قيل إنّها الأزمة الاقتصادية والمالية تخصيصاً، قلنا إنّ سنوات الحرب الأهلية شهدت من الأزمة تلك أصنافاً وأصنافاً، ومع ذلك لم تفقد الأسرة دورها أو فاعليتها الحاسمة في حياة الشريكين وأبنائهما.
ما الذي تغيّر إذن؟ وما الذي استجدّ من عناصر بدت أقوى من الأسرة؟
ما تغيّر في العالم باختصار هو أولاً المتغيّر المادي النفعي، الذي دخل منذ ثلاثة عقود، إذ حلّت مرحلة جديدة من الفردية القاتلة، والنفعية المطلقة، والأنانية الجشعة، وكسرِ المحرّمات على أنواعها. وثانياً، المتغيّر التقني والإعلامي الذي اخترق غرف نوم أطفالنا فسحَرَهم بصورٍ خادعة، وفصَلهم عن واقعهم، عن أسرتهم، بل فصل الأخ عن أخيه، والأخت عن أختها (نتفليكس نموذجاً واحداً بين آلاف التطبيقات). تلاعبَ التطورُ التقني المجنون بعقل المراهق، وأحياناً الطفل في سريره، فانفصل عن واقعه، صار أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع؛ بات يعيش شخصية غير شخصيته، يقضي نهاره وليله مع أصحاب غير موجودين وتحت سيطرة مراكز تأثير وتوجيه شيطانية خبيثة.
بعد المجتمع، تحطّمت العائلة الآن، النواة الصغرى التي كانت إلى وقت قريب الحضن الدّافئ لأفراد الأسرة وحصن الطفل الحصين على وجه الخصوص. انكسرت الآن صورة الوالد أمام أسرته، أمام أطفاله. لم يعد المثال لهم. بل ربما باتوا يخجلون به أمام رفاق وهميّين، وصور وهمية، يظنّون أنها حقيقية، فيعيشون أوهامها، ولا يجنون منها آخر الأمر غير التعاسة واليأس،وربما ما هو أخطر من ذلك. لم تعد الأم المثال لابنتها، وهذا أكثر خطورة. صارت قديمة، تقليدية، متأخرة: فهي لا تحمل في حقيبتها أحدث صرعات ال «أي فون»، ولا تصبغُ شعرها بثلاثة ألوان كما باربي، أو كما «الساحرات» التي تقدمها شاشات الموبايل والتطبيقات الخادعة.
ويزيد الطين بلّة في مجتمعنا وبلادنا نمط «المسؤول» الذي يراه أولادنا في وسائل الإعلام، فكثير من مواده خلاعي، فاسد، تكاد رائحته النتنة تخترق الشاشة إلى أنوفنا، أو طائفي مذهبي متزمت مُنفّر، أو غبي. والثلاثة تزيدُ في دفع أبنائنا بعيداً عن مجتمعهم وواقعهم، ويغدون أرضاً خصبة لكل شيطان خبيث متربصٍ بعائلاتنا وأولادنا الشرّ وينتظر الفرصة المؤاتية لينقض عليهم.
حتى المدارس تخلت عن واجباتها حيال أطفالنا: فهي إما فاشلة لا تعلّمهم ولا تربيهم ولا تثقفهم، أو هي ناجحة في تعليمهم العلوم واللغات، لكن من غير قاعدة أخلاقية أو وطنية، بل إن مدارس أجنبية معينة منتشرة لا تخفي تحريض طلابها على أسرهم وعلى قيم مجتمعهم الأخلاقية.
هذه صورة بسيطة لمجمل الضغوط التي تحاصر الأسرة في لبنان الآن ، وربما في غير لبنان من بلدان المنطقة. فأين الأسرة اللبنانية الشرقية من هذه الضغوط التي لا تقاوم. كيف تستطيع الأسرة في لبنان أن تواجه تحدي خسارة أبنائها اجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً فيما الأزمة لم تبقِ في أيدي الغالبية الساحقة من عائلاتنا الحد الأدنى من المقومات المادية والدعم الرسمي، في دولة استقال مسؤولوها من كل مسؤولية!
العائلة في لبنان تدفع الآن فاتورة الانهيار الأخلاقي الجاري، بعد الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي. وربما الآتي أعظم!
ونصل أخيراً تخصيصاً إلى ما أدهى من ذلك كلّه: إدخال ثقافة الانحلال الجنسي، وممارساته، إلى مجتمعنا اللبناني، بكل وسائل الإكراه والضغط غير المشروعة وغير المسبوقة.
أما الطريق الأقصر إلى ذلك فكان مزدوجاً:
استغلال الضائقة المالية الخانقة التي تتحكم بحياة اللبنانيين، من جهة، وتدمير العائلة في لبنان الحصن الأخير أمام انحراف الأفراد وشذوذهم في ما خصّ الحياة الجنسية والزواج عمّا هو طبيعي وشرعي في أخلاقنا وثقافتنا ومجتمعنا.
وبزعم المساعدة المالية، تقوم سفارات غربية وجهات دولية مشبوهة بتمويل سخي لكل الجمعيات (ميم عين، وسواها) التي تأخذ على عاتقها علانية العمل على إزالة العوائق القانونية أمام حركة الشاذّين والمنحرفين وما شابه من حثالة نتنة وأمام تجمعهم وتحوّلهم إلى النشاط العلني. وكان آخر الأنشطة المشبوهة تلك ما دعت إليه «الدولية للتربية» بإقامة ورشة تدريب في أحد فنادق بيروت «لتقبّل المدرسين المثليين في المدارس اللبنانية». وكافأت المنظمة كل رابطة حضرت بمبلغ 800 دولار، و40 دولار لكل فرد حضر الورشة.
كذلك أمكن لهؤلاء، بالضغط المادي والمعنوي، الوصول إلى بعض غاياتهم بإجبار قضاة ومحاكم (القاضي ربيع معلوف، محكمة المتن، 31-1-2017) على إصدار أحكام قضت بعدم اعتبار المثلية الجنسية والتحول الجنسي جرائم جزائية وإنما حقوق طبيعية. إنّ مراجعة بسيطة لميزانيات الجمعيات العاملة على تشريع الانحراف والشذوذ الجنسي في بلادنا تظهر أنّ ملايين الدولارات تصرف لها من منظمات مشبوهة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبسبب من الطمع والفساد نفسه، (على الأرجح) أعلن حزب لبناني يميني صغير إلى حملة «مناهضة أفعال الكراهية ضد المثليين». وبسببٍ من الإغراء المادي نفسه (على الأرجح) انضمّ قبل فترة قصيرة بعض النواب في البرلمان اللبناني إلى الحملة المنظمة المدعومة (بل المطلوبة) من الخارج الرامية إلى الدفاع عن حقوق المثليين والشاذّين جنسياً.
واشتركت «الجمعية اللبنانية للطب النفسي» في حملة الضغط تلك (وهل تستطيع غير ذلك؟) فأصدرت في وقت مبكر (11 تموز 2013) تقريراً طلبت فيه التوقف عن اعتبار المثلية مرضاً يتطلب العلاج». وكان لبنان بذلك أول دولة عربية تتوقف عن اعتبار المثلية مرضاً!
وكان آخر ما يُستغرب حقاً أن يكسر مجلس شورى الدولة في حزيران 2022 قرار وزير الداخلية القاضي مولوي»اعتبار تجمع المثليين بناء لدعوة من «ميم» و»المفكرة القانونية» تجمعاً غير شرعي».
أخيراً، لم تتورع الأمم المتحدة نفسها (وبسبب من التمويل المشبوه نفسه)عن إصدار بيان علني في 17 آيار 2021 يدعو إلى «مناهضة أفعال الكراهية ضد المثلية الجنسية» وضمان حماية الجماعات تلك.
غضُ النظرِ الرسمي ذاك جعل بيروت – مع الأسف – ثالث وجهة سياحة مطلوبة للمثليين على مستوى العالم، كما يقال! بل شجّع هؤلاء على إصدار مجلاّت ومنشورات إلكترونية ومنشورات، وإقامة تجمعات ومعارض علنية («فخر لبنان» – يا للعار) وسمح لهم بالمشاركة العلنية في انتفاضة 17 تشرين، وكان خطأ كبيراً ينضاف إلى أخطاء الانتفاضة الكثيرة.
وبعض الأعلام فتح الهواء والصورة لهؤلاء ليستخدموا في واحدة من إطلالاتهم مصطلحاً بل مطلباً في منتهى الوقاحة لغةً قبل المضمون، إذ طالبوا: «أن تكون منازل الشركاء المثليين، ومنازل الأزواج المغايرين « على السويّة نفسها لجهة المعاملة القانونية والخدمات! تخيّلوا مبلغ الوقاحة: الفارق عادي جداً بين زواج مناف للطبيعة، شاذ، أحد أشكال الرذيلة؛ وبين زواج طبيعي شرعي موثّق بالأنظمة الدّينية والاجتماعية! هو فقط حسب زعم هؤلاء الوقحين «زواج مغايرين»!
وآخر انتهاكات القانون دفاع بعض وسائل الإعلام ومثقفين عن عرض فيلم «باربي»، الذي يناقش مشكلة المثلية عند الأطفال، وكأنما أطفالنا لا مشاكل (تربوية وأمنية واجتماعية) لديهم غير المثلية!
وننوّه هنا بالموقف العلمي والأخلاقي الشجاع لمعالي وزير الثقافة، القاضي مرتضى. شكراً.
ماذا عن ردود أفعال سواد اللبنانيين الأعظم على حملة الضغط الشرسة من الجماعات المثلية ومحاميها؟
هناك لا مبالاة رسمية تكاد لا تصدّق، بل هي أقرب إلى الموافقة، لولا أن اخترقها قرار الوزير المولوي!
في مقابل اللامبالاة الرسمية تولّت المرجعيّات الدينية اللبنانيّة التنديد العلني بالنشاط المحموم للمثليين في بيروت. فكانت بيانات مندّدة من مشيخة عقل الموحدين الدروز ودار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وسواهم، محذرة من أي تعديل في قوانين الأحوال الشخصية بهدف تشريع أفعال الشذوذ والانحراف الجنسي. ومطلب المرجعيات ومعها كل اللبنانيين (السويّين) التمسك بالتطبيق الدقيق للقانون (وبخاصة المادة 534) التي تحظر هذا الشكل من العلاقة المضاد للطبيعة.
وتبقى مهمة التصدي للأفعال الشاذة تلك، «المخالفة للطبيعة»، (وفق القانون، كما وفق بيان البطريركية المارونية)، واجب جميع اللبنانيين المدركين مخاطر المثلية وسائر أشكال الشذوذ الجنسي على مجتمعنا، وعائلاتنا؛ وعلينا كبشر، إذا كنا لا نريد حقاً الهبوط إلى مستوى الحيوان، الذي لا يرضى بعض أنواعه العليا بالشذوذ الجنسي! حتى الحيوان نفسه لا يرتضي الإخلال بنظام الطبيعة.
إلى ذلك، يتصدى اللبنانيون يومياً، بالمقالات والبيانات والتجمعات، لنشاط أصحاب الشذوذ أولئك، ولا يتوانون عن إظهار فضائحهم وخطورتهم في آن معاً.
اخترت من مظاهر التصدي الإعلامي مقاطع من مقالة للكاتبة ألسي خوري في 2 آب 2023، تحت عنوان «لا للعبث بهوية أطفالنا . نرفض تشريع المثلية الجنسية في لبنان».
رأت الكاتبة أنّ مخاطر الشذوذ الجنسي صارت على الأبواب في لبنان، من المثلية الجنسية والتحول الجنسي إلى التلاعب بتسجيل جنس المولود. وهي ترى أنّ التطور ذاك هو تدمير ل«قدسية العائلة»، وأنّها حرب شرسة على اللبنانيين وقيمهم تريد أن تفرض على اللبنانيين بالإغراء المالي والتهويل الإعلامي ما لم تستطع الحرب العسكرية فرضها عليهم، من تفكيك للعائلة وللقيم التي يؤمن بها اللبنانيون. تضيف الكاتبة: «تتسلح هذه الحرب المشينة ضد المجتمع والقيم بالإعلام المرئي والمسموع والمكتوب لتضلّل أولادنا، هو هجوم مسلّح على فلذات أكبادنا لقلب المجتمع وتغيير القوانين». وتضيف: «الوقاحة في هذا الموضوع وصلت إلى حد تخييرنا بالمطالبة بحقوق أولادنا بعدم شطب كلمة أب وأم عن الهوية واستبدالها ب parent 1
و parent 2، وحتى العبث بتعريف الذكر والأنثى».
إنها حرب أخلاقية، تقول الكاتبة، «لتغيير أفكار أولادنا وهويتنا وثقافتنا وإيماننا وسط سكوت تام من الجهات المعنية».
تضيف: «لا لن نجعل من الباطل دستور حياتنا، وسندافع عن قيمنا ومبادئنا مهما كلّف الأمر… إذا لم تستحِ فافعل ما شئت، وإذا فعلت فلن تستطيع المجاهرة به علناً أمام أولادنا… إنّ الله أنزل العقاب عبر التاريخ بقومٍ آتوا الفاحشة حتى أبادهم عن بكرة أبيهم، وهو يُمهلُ ولا يهمل».
وتختم ألسي خوري: «انتبهوا لأولادكم على هواتفهم، أولادنا بخطر».
لا حاجة لأية إضافة إلى صرخة الأم تلك، المرتعبة بحق من شبح المخاطر التي يمثله ممارسو الشذوذ الجنسي (على أنواعه) ودعاته، ومحاموهم المرتشون، على عائلات اللبنانيين ومستقبل أولادهم.
إنّ عدم التساهل، بأي شكل من الأشكال، مع الممارسات والدعوات المشينة تلك هو حق اللبنانيين وواجبهم في آن معاً، ولا حلول وسط في المسألة هذه. فإمّا نكون مع كل ما هو طبيعي وحق وشرعي في وضوح الشمس، أو نكون مع ما هو خطأ وباطل وضلال وحرام وارتكاب الفاحشة.