الخميس, أيار 2, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, أيار 2, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الاسلام واخلاقيات الحرب

“بلغ الخليفة عمر أن بعض جنوده يؤمِّنون الفارسي حتى إذا سلّم إليهم قتلوه فغضب غضباً شديداً و أقسم ليقطــــعن عنق من يفـــعل ذلك من جنــود المســـلمين”
“كان الرسول (ص) يكره اسم «حرب» وهو بدَّل أسماء أبناء الإمام علي (ر) عندما كان يسميهم بذلك الاســـم فأصبحوا حسن وحسين ومحسن”
“غوستاف لوبون: الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم “

تفرّد الإسلام في أخلاقيات الحروب
إن نسي العالم فكيف ينسى المسلمون؟

القرآن الكريم ذكر السلم مائة وأربعين مرة
ولم يذكر كلمة الحرب سوى ست مرات

غوستاف لوبون
غوستاف لوبون

المفكِّر الفرنسي غوستاف لوبون
الإسلام انتشر بالدعوة وجاذبية مبادئه وليس بالسيف بدليل إسلام الشعوب التي قهرت العرب مثل الترك والمغول

بسبب حالة الجهل التي انتشرت في بعض أوساط المسلمين وانفلات الحبل على غاربه تفرقاً واقتتالاً وابتداعاً في الدين ما لم ينزل الله به سلطان كاد الأعداء يحققون أمراً سعوا إليه عبر الأزمان دون أن يفلحوا وهو تشويه صورة الدين الحنيف وطمس حقيقته كرسالة للحق والعدل والرحمة وقد جعلوا من بعض حالات التطرف والأعمال الغاشمة قميص عثمان يتوسلونها للتأليب على الدين القويم والافتئات عليه وعلى تاريخه المجيد الذي لا يضاهيه تاريخ في التسامح والرحمة والسلوك الإنساني.. في هذا العرض الموجز تذكير بحضارةالإسلام وعظمته في نظرته للحرب وأخلاقياتها وهو ما يعارض بالكلية الأعمال الوحشية التي يقوم بها اليوم بعض أدعياء الإسلام ومن تسلل بينهم من جهات يحركها أعداء الأمة المتربصين بها الدوائر. ويتضمن المقال شرحاً لمفهوم الإسلام الصحيح للعلاقة مع الشعوب والأمم المخالفة، وهي نظرة مستوحاة من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال وأفعال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وفي كل ذلك تاريخ ناصع ما أحوجنا إلى قراءة فصوله والتعلم منه لعلنا نستذكر عظمة ديننا وحضارتنا الإسلامية السمحاء ونكشف القناع عن القوى الشيطانية التي تريد بالعرب والمسلمين وتمهد ربما لشن حرب شاملة على الإسلام لا تستهدف ثرواتهم وأوطانهم ومجتمعاتهم فحسب بل تستهدف في الوقت نفسه صورة الإسلام وثقة المسلمين بأنفسهم ونظرة العالم إليهم.
إنَّ حُسْنَ الخُلُق، ولين الجانب، والرحمة بالضعيف، والتسامح مع الجار والقريب تفعله كل أُمَّة في أوقات السّلْـمِ مهما أوغلت في الهمجية، ولكن حُسْن المعاملة في الحرب، ولين الجانب مع الأعداء، والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والتسامح مع المغلوبين، لا تستطيع كل أُمَّة أن تفعله، ولا يستطيع كل قائد حربي أن يتَّصِفَ به. إن رؤية الدم تُثِيرُ الدم، والعداء يؤجِّج نيرانَ الحقدِ والغضب، ونشوة النصر تُسْكِرُ الفاتحين فتوقعهم في حمى التشفِّي والإنتقام وانعدام الرحمة.
لقد شرع الدين الإسلامي الحنيف لكل شي ولم يترك وجهاً من وجوه الحياة إلا وحدد لها أحكامها وكانت للحرب وأصولها وللتعامل مع الخصوم في الحرب والسلم نصيب كبير من النصوص الشرعية، فاهتم القرآن الكريم والرسول (ص) وأصحابه بوضع قواعد وأخلاقيات لا سابق لها في حضارتيها ورقيّها للحرب، أي إن
الإسلام لم يترك الحرب دون قيود أو قانون، وإنما وضع لها ضوابط تحدُّ ممَّا يُصَاحبها من انفلات للغرائز الحيوانية في المقاتلين وجعل الحروب بذلك مضبوطة بالأخلاق ولا تُسَيِّرُهَا الشهوات، كما جعلها ضدَّ الطغاة والمعتدين لا ضدَّ البرآء والمسالمين.

اجتاح المغول العالم الإسلامي لكن قوة الإسلام جعلتهم يتحولون إليه ويقاتلون تحت رايته في ما بعد
اجتاح المغول العالم الإسلامي لكن قوة الإسلام جعلتهم يتحولون إليه ويقاتلون تحت رايته في ما بعدله

قواعد الحرب في الإسلام
وتتمثَّل أبرز هذه القيود الأخلاقية التي وضعها الإسلام على الحرب بما يلي:
1. عدم قتل النساء والشيوخ والأطفال فكان رسول الله (ص) يوصي قادة الجند بالتقوى ومراقبة الله ليدفعهم إلى الالتزام بأخلاق الحروب، ومن ذلك أنه (ص) يأمرهم بتجنُّب قتل الولدان، فيروي بُرَيْدَةُ فيقول: كان رسول الله (ص) إذا أمَّر أميراً على جيشٍ أو سريَّةٍ أوصاه في خاصَّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، وكان مما يقوله.«وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا». وفي رواية أبي داود: يقول رسول الله (ص) «وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً، وَلاَ صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَة.»
2. عدم قتال العُبَّاد فكان رسول الله (ص) إذا بعث جيوشه يقول لهم: «لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ» وكانت وصيته (ص) للجيش المتجه إلى مؤتة «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ ‏تَغُلُّوا، ‏وَلاَ ‏تَغْدِرُوا، ‏‏وَلاَ ‏تُـمَثِّلوا، ‏وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا، أَوِ امْرَأَةً، وَلا كَبِيرًا فَانِيًا، وَلا مُنْعَزِلاً بِصَوْمَعَةٍ».
3. عدم الغدر: فكان النبي يوَدِّع السرايا موصِياً إياهم«وَلاَ ‏تَغْدِرُوا» ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع أخوانهم المسلمين، بل كانت مع عدوٍّ يكيد لهم، ويجمع لهم، وهم ذاهبون لحربه! وقد وصلت أهمية هذا الأمر عند رسول الله أنه تبرَّأ من الغادرين، ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافراً، فقد قال النبي (ص) «مَنْ أَمَّن رَجُلاً عَلَى دَمّهِ فَقَتَلَهُ، فَأنَا بَرِيءٌ مِنَ القَاتِل، وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ كَافِرًا» وقد ترسَّخت قيمة الوفاء في نفوس الصحابة حتى إن عمر بن الخطاب (ر) بلغه في ولايته أنَّ أحد المجاهدين قال لمحارب من الفرس: لا تَخَفْ. ثم قتله، فكتب إلى قائد الجيش: «إنه بلغني أنَّ رجالاً منكم يَطْلُبُونَ العِلْـجَ (الكافر)، حتى إذا اشتدَّ في الجبل وامتنع، يقول له: «لا تَخَف».فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغنِّي أن أحدًا فعل ذلك إلاَّ قطعتُ عنقه!»
4. عدم الإفساد في الأرض فلم تكن حروب المسلمين حروب تخريبٍ كالحروب المعاصرة، التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان المسلمون يحرصون أشدَّ الحرص على الحفاظ على العمران في كل مكان، ولو كان في بلاد أعدائهم، وظهر ذلك واضحاً في كلمات أبي بكر الصديق (ر) عندما وصَّى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، ومما جاء في تلك الوصية «وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ» . وهو شمول عظيم لكل أمر حميد، وجاء أيضاً في وصيته للجند «لا تُغْرِقُنَّ نَخْلاً وَلا تَحْرِقُنَّهَا، وَلا تَعْقِرُوا بَهِيمَةً، وَلا شَجَرَةً تُثْمِرُ، وَلا تَهْدِمُوا بَيْعَةً». وهذه تفصيلات تُوَضِّح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض لكي لا يظن قائد الجيش أن عداوة القوم تُبيح الفساد.
5. الإنفاق على الأسير: إن الإنفاق على الأسير ومساعدته واجب يُثَاب عليه المسلمُ، وذلك بحكم ضَعْفِ الأسير وانقطاعه عن أهله وقومه، وشِدَّة حاجته للمساعدة، وقد قرن القرآن الكريم بِرَّهُ بِبِرِّ اليتامى والمساكين، فقال في وصف المؤمنين: }وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا{ (الإنسان:8)
6. عدم التمثيل بالميت: فقد نهى رسول الله (ص) عن المُثْلَة (أي التمثيل في القتلى) فروى عبد الله بن زيد (ر) قال «نهَى النَّبِيُّ (ص)عَنِ النُّهْبَى، وَالمُثْلَة،. وقال عمران بن الحصين : «كَانَ النَّبِيُّ (ص) يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنِ المُثْلَةِ» ورغم ما حدث في غزوة أُحُد من تمثيل المشركين بحمزة عمِّ الرسول، فإنه لم يُغيِّر مبدأه، بل إنه (ص) هدَّد المسلمين تهديداً خطيراً إن قاموا بالتمثيل بأجساد قتلى الأعداء، فقال «َأشدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلاَلَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْـمُمَثِّلِينَ» ولم تَرِدْ في تاريخ رسول الله حادثةٌ واحدة تقول بأن المسلمين مثَّلوا بأَحَدٍ من أعدائهم.
هذه هي أخلاق الحروب عند المسلمين.. تلك التي لا تُلْغِي الشرف في الخصومة، أو العدل في المعاملة، ولا الإنسانية في القتال أو ما بعد القتال. وقد صرَّح (ص) بهذا الأمر حين قال: «‏إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق».

العلاقة مع غير المسلمين
يدل الخطاب القرآني دلالةً واضحةً على أنَّ القاعدة في التعامل مع غير المسلمين هي تقديم السلام على الحرب، واختيار التفاهم لا التصارع، ومن أدلة ذلك أنَّ القرآن الكريم أورد كلمة السلم بمشتقاتها مائة وأربعين مرة، في حين ذُكِرَت كلمة الحرب بمشتقاتها ست مرات فقط!!
ويرى الشيخ محمود شلتوت أن السلم هو الحالة الأصلية التي تهيئ للتعاون والتعارف وإشاعة الخير بين الناس عامة، وإذا احتفظ غير المسلمين بحالة السلم، فهم والمسلمون في نظر الإسلام أخوان في الإنسانية.
ويرى شيخ الأزهر السابق جاد الحق -رحمه الله- أنه من الواجب على المسلمين أن يقيموا علاقات المودة والمحبة مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، والشعوب غير المسلمة نزولاً عند هذه الأخوة الإنسانية، منطلقاً من الآية الكريمة }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا{ (الحجرات: 13)، فتَعَدُد هذه الشعوب ليس للخصومة والهدم، وإنما هو دعوة من الله تعالى للتعارف والتوادّ والتحابّ.
ويشهد لهذه الآراء العديد من الآيات التي أمرت بالسَّلْم مع غير المسلمين إن أبدى هؤلاء الاستعداد والميل للصلح والسلام؛ فيقول الله تعالى: }وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا{ (الأنفال: 61) وهذه الآية الكريمة من كتاب الله عز وجل تبرهن بشكل قاطع على حب المسلمين وإيثارهم لجانب السلم على الحرب.
قال السدي وابن زيد: «معنى الآية: إن دعوك إلى الصلح فأجبهم» والآية التالية لهذه الآية تؤكد حرص الإسلام على تحقيق السلام، فلو أن الأعداء أظهروا السلم، وأبطنوا الخيانة، فلا عليك من نياتهم الفاسدة، واجنح للسلم قال الله تعالى: }وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين{( الأنفال: 62) أي أن الله يتولى كفايتك وحياطتك.
ولهذا كله كان رسول الله (ص) يعتبر السلام من الأمور التي على المسلم أن يحرص عليها ويسأل الله أن يرزقه إياها، وكان يدعو فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
كما كان (ص) يكره كلمة حرب ولا يحب أن يسمعها وفي الحديث عنه (ص) «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، ‏وَأَصْدَقُهَا: ‏حَارِثٌ ‏وَهَمَّامٌ، ‏وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّة»
وكان الرسول (ص) يُغيّر اسم مَن اسمه «حرب» إلى اسم آخر أحسن وأجمل، وعلى سبيل المثال كان الإمام علي (ر) يسمي ولده «حرب» فيبدله الرسول بإسم آخر حتى صار لعلي (ر) ثلاثة بنين هم حسن وحسين ومحسن وقد اختار الرسول (ص) لهم أسماءهم لأنه لم يكن يحب أن يسمي علي (ر) أياً من أولاده «حرب».

صلاح الدين الأيوبي كان مثالا على سماحة الإسلام في الحرب
صلاح الدين الأيوبي كان مثالا على سماحة الإسلام في الحرب

الحرب.. آخر الدواء
كان الرسول (ص) يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول لهم مربياً: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ.» فالمسلم بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسنة النبي (ص) يكره القتل والدماء، ومن ثَمّ فهو لا يبدأ أحداً بقتال، بل إنه يسعى بصدق لتجنب القتال وسفك الدماء..
ومع أن أهداف القتال في الإسلام كلها نبيلة إلا أن رسول الله (ص) لم يكن متحمساً أبدًا لحرب الناس، ولا مشتاقاً لقتلهم، وذلك على الرغم من بدئهم للعدوان، وعداوتهم الظاهرة للمسلمين، وكان من أظهر الدلالات على ذلك أنه كان يدعوهم إلى الإسلام قبل القتال، ولا ينبغي أن يفهم أحدٌ أنه يفعل ذلك ابتداءً، فيبدو وكأنه إكراه على اعتناق الإسلام، فقد كان رسول الله (ص) يفعل ذلك عند تعين القتال فعلاً، فإذا حضر الفريقان إلى أرض القتال جعل للفريق المعادي فرصة أخيرة لتجنب إراقة الدماء، وهذه من أبلغ صور الرحمة، لأن الفريق المعادي مستباح الدم في الميدان، والعفو عنه غير متوقع، كما إن الرسول (ص) كان يفعل ذلك والقوة في يد العدو هو تحت رحمته.
قال ابن القيم في «زاد المعاد» تحت عنوان: الدعوة قبل القتال: «وكان عليه الصلاة والسلام يأمر أمير سريته أن يدعو عدوَّه قبل القتال إما إلى الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيء نصيب أو بذل الجزية، فإن هم أجابوا إليه قبل منهم وإلا استعان بالله وقاتلهم.
وهذا الخُلق الرائع من إنشاء الإسلام الذي لم يستبح الغدر بأحد قبل إعلامه، فجعل الدعوة قبل القتال لازمةً، وتلك قمة لم تسمُ إليها أمة قبل الإسلام أو بعده. فما زال أهل الأمم الأخرى يعتبرون كل الوسائل في الحرب مشروعة لتحقيق النصر على العدو بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والقنابل النووية التي قتلت الملايين في الحروب العالمية والغدر وتدمير الاقتصاد والمدن على أهلها واستحلال الحرمات، بينما لم يقاتل النبي (ص) قوماً قط إلا بعد أن دعاهم إلى الله تعالى.
وعندما أرسل النبي (ص) عليّاً بن أبي طالب (ر) إلى خيبر أوصاه قائلاً: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ ‏حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ‏ ‏حُمْرُ النَّعَمِ»، فالرسول (ص) في هذا الموقف -وهو القائد المقبل على معركة كان من المفترض أن يلهب حماسة جنده، ولكنه راح على النقيض يهدّئ من حماسة علي (ر) ويأمره ومن معه بالهدوء والرويَّة، كما هو واضح في قوله (ص) «انْفُذْ عَلَى رِسْلِك» أي اذهب وكن متروياً.

عظمة الإسلام لن تبدل حقيقتهاأعمال جهلة العصر
عظمة الإسلام لن تبدل حقيقتهاأعمال جهلة العصر

علاقات الإسلام الدولية
إن الأصل في علاقة دولة الإسلام مع غيرها من الدول هو الدعوة أي عرض الإسلام عرضاً صحيحاً يقيم الحجة ويقطع العذر، هذا أصل العلاقة التي ينبني عليها السلم أو الحرب في الإسلام .
وقد كان «أهل الذمة» معصومي الدم والمال، وإن عقدوا عهد هدنة مدةً لا حرب فيها، كانوا «أهل عهد»، وإن أبوا إلا حرب الإسلام ورفضوا الانصياع لأمر الله تعالى وصدوا عن سبيله، فهم «أهل حرب» .
وليس غريباً على الإسلام أن تكون له أخلاقيات في الحرب وإن لم يعرفها أعداؤه … لإنه دين الله الذي جعل الأخلاق أصلاً من أصوله ومنهاج حياة. ولم تكن القوة هي العامل المهم في انتشار الإسلام إلى أقاصي الأرض كما زعم بعض المستشرقين، فقد ترك العربُ المغلوبين أحراراً في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلامَ واتخذوا العربية لغة لهم، فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل . فقد انتشر الإسلام في ربوع العالم واعتنقته الشعوب طواعية لا عن إكراه، شهد بذلك الموافق والمخالف، يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه «حضارة العرب» وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في مطلع عهده:
«لقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذاً بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند – التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل – ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليوناً فيها، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط، وها هو عدد مسلميها يزيد اليوم على عشرين مليوناً. . ويقول الكاتب في موضع آخر :«فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم» ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول : «وكان عرب إسبانيا – عدا تسامحهم العظيم – يتصفون بالفروسية المثالية، فكانوا يرحمون الضعفاء، ويرفقون بالمغلوبين، ويقفون عند شروطهم، وما إلى ذلك من الخصال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوروبا منهم في ما بعد.
وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: «العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود – الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها – سمح لهم جميعاً دون أي عائق بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أوليس هذا منتهى التسامح ؟ أين يروي التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الإسبان واضطهاد اليهود، إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا بأنفسهم في شؤون تلك الشعوب الداخلية، فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب فيقول: إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة وهم لا يستخدمون معنا أي عنف »
فهذا هو الإسلام، وتلك حضارته في واقع التاريخ، وفي كلام مخالفيه
شهـــــــــــــد الأنــــــــام بفضله حتى العــــــــدا والفضــــــــل مـــــا شهــــــــدت بــــــــه الأعـــــــــداء
لقد نهى الإسلام بشدة عن قتل النساء والأطفال والشيوخ ومن لا يقاتل من المدنيين، بل ويرتفع الإسلام بالمسلم إلى ذروة الإنسانية حين يأمره بأن يعمل على توفير الأمن للمشرك الخائف وحمايته وإيصاله إلى بلده ومأمنه }وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ{(التوبة 6)
كما نهى عن الغدر بالأعداء حتى ولو كان المسلم يخشى خيانتهم }وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ{ فلا يَأْخذ العدو على غرة قبل أن ينبذ إليه على سواء فلا يغدر بعهدٍ عقده مع المسلمين.
إن جميع الحروب في الإسلام لم تكن لإسالة الدماء أو لحب القتل أو للهدم أو الدمار، وفي تاريخ كل تلك الحروب المدونة تفاصيلها بدقة لم تغتصب امرأة ولا أهين رجل بغير وجه حق، ولا انتهكت حرمة فتاة ولا عبث بذوات الخدور، ولم تُدمر الديار ولم يُرتكب عار أو شنار، ولم تُزهق النفوس البريئة، ولا ضرب حجر في غير موضعه فأصاب آلاف الأبرياء ؛ ولم تكن للفاتحين المسلمين سجون يعذب فيها أحد بألوان العذاب ..وهذا صلاح الدين الأيوبي يوم فتح القدس وقد أمَّن أهلها على دورهم وأرواحهم، وأمر بالبحث عن طفل ضاع من أمه – فهي تبكي بكاء مراً – حتى أحضره إليها وطمأن قلبها.
ملكنــــــــــــا فكـــــــــان العفــــو منـــــــــا سجيــــــــــــة فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فلا عجبـــــــــًا هـــــــــذا التفـــــــــاوت بيننــــــــــــــــــــــــــا فكــــــــــل إنـــــــــاء بـــــــــالذي فـيــــــــــــــــــه ينضــــــــــــــــــــــــــــــح

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading