شهادة أمير البيان بالشعر والشعر العاملي٥٧
ذخيرة من ذخائر مجلة العرفان والتي سطّرها أمير البيان بحق الشعر والأدب العاملي والتي تكشف عن جانب من «الثقافة العاملية»٥٨، وهي شهادة، ما من شاعر أو أديب كتب عن الشعر العربي قارب شعراء جبل عامل، إلا وطرحها كمصداق من مصاديقه، وممّا خَطَّته يراعة أمير البيان: «الشعرُ الذي أرسلتُه إليَّ بأنموذجاته أيها الأديب العربي يكفي في وصفه أنه: من عائلة «الشعر العاملي».
واللهُ يعلمُ؛ إنِّي ما زلتُ أقرأُ شعرَ العربِ في هذا العصرِ من مُنْجدٍ ومُتْهمِ، ومُعْرقٍ ومُشْئم، ومصريٍ ويماني، وشنقيطي وقيرواني، فلمْ أجدَ أصدقَ منْ قريض أبناءِ عاملةَ: صورةً للشعرِ العربي الصميم، ولا أخلصَ منهُ عِرقاً في نسبِ اللغةِ التي امتازت بها سعدُ وثقيفُ وسفلى هوزانُ وعليا تميم، ولقد أراني أشربُ ولا أرتوي، حتى إذا وقعتْ في يديَّ بعضُ قصائدٍ من نظمِ العامليينَ شَبِعَتْ كَبِدِي رَيّاً، وامتلأ دماغي بياناً عبقريا، وقلتُ: الآنَ قد وجدتُ تحتَ الألفاظِ معنىً سَرِيّاً، وكمْ يخيلُ لي أنِّي أسِيحُ من ذلكَ الفصيحِ في بَرٍ فسيحٍ، وأضربُ بينَ مرابعِ الآرامِ ومنابتِ الشِّيحِ، من رقةٍ تذوبُ معها الأنفسُ، وجزالةً تقفُ لها الشعورُ في الأرؤس [الرؤوس]، وأسلوبٍ يمثلُ لكَ من العربِ الماضينَ صفاءَ قرائحهم، وشفوفِ ألبابهم، وينفثُ في رَوْعِ الحاضرينَ لغةَ صيَّابتهم وفصاحةِ لُبابِهم، ويذكِّرُنا عَنْجَهِيةَ أولئكَ الفاتحينَ الذينَ تحدّرنا من أصلابهم.
نعم! هو الشِّعرُ الذي ينبغي أن يبقى في العربِ مرفوعاً شعارهُ، مضيئاً منارهُ، زاهراً نوّارهُ مهتزةً أوتارهُ، حتى لا تتنكرِ اللغةُ على أهلِهَا، ولا يَختلطُ هجينِها بفنيقِها ونكسِها بفحلِها، ولا يغرَّنكَ ما تقرأهُ من كلامِ بعضِ المتفرنجين، هُجن العربية من الإزراء بهذا القريض على أنه طريقة ماضية وخطة عافية، ونزعة لا تليق بهذا العصر عصر البخار والكهرباء، والطيارات المحلقة في السماء، وغير ذلك مما يسمونه بـ «الحياة» وهم أبعد الناس عن الحياة والحياء…».
ويعاود الأمير ليؤكد على شهادته المعلقة على صدر تاريخ الأدب العربي وهي مفخرة العاملييّن التي تصدرت دواوينهم ودراساتهم اللغوية والأدبية. فكتب برسالة إلى أنسبائه في بعقلين يقول فيها: «… نعم، إني معجب بأدب العاملييّن إعجاباً ليس فيه أدنى مبالغة، وما قلته عنهم يترجم ما في ضميري، لكنني كنت أودُّ أن يكون كلامي عن أدبهم العربي ونسبهم العريق في العربية في فصلٍ خاصٍ، هذا ما أرجو أن نفضي به إلى الأخ الفاضل صاحب مجلة العرفان بصورة خصوصية»٥٩.