شكّل تاريخ 21 شباط 2020 ـ أي تاريخ الإعلان عن أوّل إصابة بـ (وباء كورونا) في لبنان، حدثاً استثنائياً لمدارس العرفان، حيث عمدت مع بداية الوباء إلى بداية تحوّل من نوع آخر ، وهو التحوّل المُتقن والمتكامل نحو التعليم الرقمي، في حين كانت أكثرية المدارس في لبنان تعيش تخبطاً وضياعاً لا تُلام عليه في ظل المعوقات في البنى التحتية من كهرباء وضعف شبكة الأنترنت والاتصالات عامة، بالإضافة إلى المعوقات الاقتصادية التي تصيب لبنان جرّاء الانهيار المالي والاقتصادي.
فكيف استطاعت مدارس العرفان تخطّي هذه المعوقات؟
في الواقع إنّ مدارس العرفان وكعادتها تَخلق من الأزمات فرصة للإبداع والتميّز وتعمد إلى تشخيص أي إشكالية وتعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها. وهكذا حصل، حيث اختارت منصة الكترونية تتناسب مع كل الظروف، كونها تعمل بتقنية ال On Line والـ Off Line (حيث يمكن للطالب تنزيل الدروس على جهازه والاطلاع عليها ساعة يشاء دون الحاجة للربط مع شبكة الإنترنت)، بالإضافة إلى أنّ مدارس العرفان تخطت وكما سنرى لاحقاً كل الإشكاليات المتمثلة بالمعوقات النفسية لدى الطلاب والأهل بالإضافة إلى المعوقات التقنية وغيرها.
أمّا عن سبب اعتماد مدارس العرفان تقنية التعليم عن بعد بشكل أساسي طيلة الأزمة فتعود للأسباب التالية:
1) تَعتبر مدارس العرفان أنّ فتح المدارس بشكل كامل في ظل انتشار الوباء وعدم توفر اللقاح اللازم له، مخاطرة على سلامة الطلاب وأهاليهم وسلامة الموظفين والتربويين ومن خلالهم المجتمع ككل.
2) تعتبر مدارس العرفان أن الطالب أمانة لديها وبالتالي لا يمكنها التفريط بسلامته أو المراهنة على السيطرة على الوباء .
3) إلى ذلك والأهم؛ إنّ مدارس العرفان تعتبر أنّ التعليم عن بعد هو أسلوب تعليمي حديث، سوف يتطور ليصبح ملازماً للتعليم الحضوري من الآن فصاعداً.
وفي التعريف فإنّ التعليم عن بعد (أو التعليم من بعد، كما يُطلق عليه بعض الأكاديميين وأصحاب الاختصاص)، أسلوب حديث نوعاً ما في التربية والتعليم، يسمى باللغة الانكليزية (Distance Learning)، ويرتكز على اعتماد أسلوب نقل البرنامج التربوي أو التعليمي من موقع المدرسة، إلى أماكن جغرافية أخرى، وذلك بهدف إيصال المحتوى التعليمي للطالب الذي لا يستطيع تحت ظروف خاصة تلقّي البرامج التعليمية التقليدية.
والواقع أنه لا يوجد تعريف موّحد للتعليم أو التعلّم عن بعد، بحيث يمكن أن يطلق عليه مصطلح «التعليم عبر الأنترنت» أو «التعليم بواسطة الكمبيوتر» أو «التعليم الالكتروني»، حيث أنه تعليم يعتمد على الاستعانة بالأنترنت والمواد المقروءة و المصوّرة التي توفر المعلومات التي يحتاجها الطالب لإكمال واجباته أو لزيادة وتطوير معلوماته.
لمحة تاريخية
ظهر التعليم عن بعد، للمرة الأولى في القرن التاسع عشر، حيث عُرف بالتعليم بالمراسلة، وكان الهدف منه ربحيّاً بالمطلق اذ كانت تقوم المؤسسات التعليمية بتصميم المحتوى التعليمي اللازم تلبية لرغبة المتعّلم الذي لا يمكنه الانتظام في الصفوف الدراسية التي يتطلبها التعليم التقليدي، وقد انتشر هذا الاسلوب عام 1873 بين الأميركيين حيث كانت ترسل البرامج التعليمية للطلاب بواسطة البريد. استمر التعليم عن بعد على هذه الصورة حتى ستينيّات القرن الماضي، حيث ظهرت عملية مختلفة في بريطانيا استخدمت وسائل الإعلام المتوافرة (الإذاعة والتلفزيون) لايصال المحتوى التعليمي للراغبين، ثم أُنشئ «المجلس القومي للتعليم عن بعد» الذي تحوّل عام 1982 إلى «المجلس الدولي للتعليم عن بعد» والذي كان يلقى دعماً مالياً كبيراً من البنك الدولي للتنمية، واستخدمت بعضها الكتب وشرائط التسجيل والفيديوهات لتقدم شرحاً وافياً عن المناهج المطلوبة.
واستمر التعليم عن بعد في تطور مستمر، حتى تاريخنا هذا، حيث أصبح يرتكز على مبدأ أن الطالب لا بد أن يتحول من مُتَلقٍّ للمعلومة بأسلوب التلقين التقليدي إلى باحث عنها وليس هذا فقط، بل يصبح الطالب مبتكراً ومكتشفاً من خلال الأبحاث والدراسات التي تفتح له آفاقاً جديدة في التعلُّم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض الميزات التي اعتمدتها مدارس العرفان وأضفت قيمة مضافة على التعليم عن بعد :
1- من حيث تميّز التعليم عن بعد بالملاءمة كونه يناسب كافة الأفراد، ويتميز بالمرونة حيث يتيح للمتعلم المجال والمهارات وفقاً لرغبته. وكذلك يتميز بالتأثير والفعالية أكثر من النظام التقليدي بسبب وجود التقنيات.
2-قيام التعليم عن بعد بلعب دور فعال في رفع المستويات الثقافية والتعليمية والاجتماعية بين الأفراد.
3- العمل على سد النقص في الهيئات التعليمية والكوادر المؤهّلة أصحاب المهارات في مختلف المجالات.
4- التقليل من الفروقات الفردية بين المتعلمين، من خلال وضع المصادر التعليمية المتنوعة بين أيديهم ليرجعوا إليها ساعة يشاؤون.
5- العمل على فتح آفاق التطور، والارتقاء في التعليم.
6- توفير الوقت والجهد ويحفز الطالب على اكتساب مهارات إضافية.
7- التركيز على أهمية التعليم عن بعد في تطبيق الصف المعكوس في التعليم (Classe inversée).
بعد هذه الاطلالة على ماهية التعليم عن بعد، تاريخه، سلبياته وإيجابياته. كان لا بد من الحديث عن إطلالة مدارس العرفان، حيث أن إدارة مؤسسة العرفان التوحيدية كانت قد اتخذت قراراً جريئاً مع بداية الصيف الفائت بحصر التعليم أقلّه في الفصل الأول والثاني من العام الدراسي الحالي بأسلوب التعليم عن بعد، ولا شك أن الإدارة العامة للمؤسسة استطاعت استشراف المستقبل في ظل جائحة كورونا وصعوبة العودة إلى الصفوف الدراسية في ظل انتشار الوباء وازدياد أعداد الإصابات وأعداد الوفيات. وممّا لا شك فيه أن هذه التجربة رافقتها صعوبات عديدة استطاعت مدارس العرفان تخطيها ومنها:
1- من الناحية النفسية: وهي متعلقة كما ذكرنا سابقاً في عدم تقبل المجتمعات لهذا النوع من التعليم، والحالة النفسية لا تطال الطالب فقط بل تمتد لتطال الأهل والمدرسين على حد سواء. وقد استطاعت مدارس العرفان تخطي الموضوع النفسي من خلال لقاءات مع الطلاب والأهل لشرح الأسلوب الحديث في التعليم، ضمن إجراءات السلامة العامة والتباعد الاجتماعي، حيث تمكن أولياء الأمر من الاطلاع على طبيعة العطاء التربوي من خلال منصة العرفان الإلكترونية.
2- من الناحية الإدارية: فقد تمكنت مدارس العرفان من تطوير مهارات الإداريين للتعامل مع هذه الظاهرة الحديثة من خلال دورات ومحاضرات شبه دائمة.
3- من الناحية التقنية: وتمثلت بصعوبة تأمين الأجهزة الالكترونية اللازمة للتعليم عن بعد خاصة في ظل الظروف المادية الصعبة، فقد عمدت مدارس العرفان إلى اعتماد منصة الكترونية تعمل على الهاتف الذكي Application كما تعمل على الكمبيوتر Web، كما قامت العرفان بتنظيم دورات تقنية شبه دائمة للطاقم التربوي بهدف تطوير المهارات التقنية ما جعل الكوادر الإدارية والتربوية تتأقلم بسرعة قياسية مع طبيعة العمل الجديد.
4- من ناحية معوّقات البنى التحتية: وهي متمثلة في لبنان بصعوبة تأمين التيار الكهربائي وضعف شبكة الإنترنت وغيرها، وقد تمكنت العرفان من تخطّي هذه الصعوبات من خلال سهولة نقل المحتوى الرقمي للمواد والمناهج من المنصة إلى الطلاب الذين يمكنهم الاطلاع عليها دون الاتصال بشبكة الانترنت offline من خلال تنزيل المناهج على الكمبيوترات الخاصة بهم عبر ناقل البيانات التسلسلي usb بالإضافة إلى اعتماد العرفان في فروعها كافة فتح قاعات الكترونية مجهزة ومخصصة لمراجعات الأهل والطلاب (مساعدات تقنية، تأمين شبكة الإنترنت بشكل دائم ومجاني، برمجة الهواتف الذكية والحواسيب دون مقابل…) وذلك بشكل يومي ضمن دوامات العمل.
منصة العرفان الإلكترونية
اعتمدت مدارس العرفان منذ بداية الأزمة، منصة الكترونية متطورة تسمح للطلاب بالوصول إلى المحتوى الرقمي بشكل مَرِن وسهل، ولم تكتفِ بطبيعة المنصة ذاتها، بل عملت على تطويرها من خلال إضافة عدة خدمات ضمنها تسهّل العملية التربوية، لتكون العرفان قد أضفت قيمة مضافة على أنجح المنصات التربوية. أمّا بالنسبة للمحتوى الرقمي للمناهج، قد قامت الهيئة التعليمية كافة بتحضيره بشكل سمح بتحقيق الأهداف التربوية وتأمين الكفايات التي لم يتمكن الطلاب من الوصول إليها العام الفائت بسبب الاقفال العام الذي أصاب البلاد والمدارس.
وبالنسبة لتقنيات المنصة، فهي منصة متكاملة، لجهة تحميل الدروس والواجبات عليها، بالإضافة إلى اجراء الامتحانات أو التقويمات من خلالها بشكل آمن هذا فضلاً عن جوانبها اللوجستية الإدارية من تبليغات وغيرها.
في النهاية يمكننا القول، أنّ الأزمات الطارئة تنتج أحد أمرين:
الأول: الاستسلام والاعتراف بالفشل والضعف.
والثاني: إرادة المواجهة وتحقيق النجاح من خلال العمل الدؤوب والإصرار على التميّز. وهذا ما قامت به مؤسسة العرفان التي واجهت التحدي، أولاً بتحدي الذات وثانياً بتحدي الواقع، فكان النجاح حليفها، باعتماد استراتيجية مواجهة الأزمات بمعرفة الأسباب وتشخيصها، ثم العمل على إيجاد الحلول المناسبة لها.