الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الجوفيّة حازم ناصر النّجم

اجتماع المجاهدين في العام 1925 استعدادا لمعركة المزرعة ضد الجيش الفرنسي – الجوفيات لعبت دوما دورا أساسيا في رفع المعنويات وبث الحماسة فس المقات

الرجل داخل الحلقة دوره أساسي في إشعال الحماس في مجموعةالجوفية

العرضة السعودية تشبه في العديد من وجوهها الجوفية في جبل العرب

سلطان باشا وفريق من مقاتليه في صحراء الأردن

فرقة شعبية للجوفية تؤدي رقصتها في مدينة السويداء

الجَوْفِيّةُ في جَبل العرب

فـــــنُّ التّفاخـــــرِ وشَحْــــــذِ الهِمَــــــــم

معظمُ شعراءِ السّلف في الجبل ومن عاصرَهم
يكرهون إقحامَ الغَزَلِ في الجَوْفيّة أو يرفضونَه تماماً

في سياق تتبّعنا لنشأة الشّعر العامّيّ في جبل العرب وحركة تطوّره تستوقفنا مجموعة عناصر مهمّة في هذا الفولكلور الواسع، وقد قدّمنا في السّابق دراسة حول كيفية تحوّل لغة هذا الفولكلور في معظمها من الصّيغة اللّبنانية أو القرويّة المحلّيّة إلى الصّيغة البدويّة التي هي لغة المحيط الذي يضمّ المتمايزين في لوحة جغرافيّة واحدة ..
ومن أهمّ هذه العناصر التي نتناولها في هذا المقال “الجوفيّة” التي أخذت مساحة غير قليلة في الفولكلور قياساً إلى النّماذج الأخرى. فما هي الجوفيّة؟ومن أين جاءت تسميتُها ؟ وكيف تطوّرت خلال أكثر من قرنٍ من الزّمن في جبل العرب؟

الجوفيّة هي نموذج غنائيّ جماعيّ تندرج تحته عدّة أوزان شعريّة وعدّة ألحان، وهذا النّموذج مخصّص للأشعار الحماسيّة التي تصلح للغناء، ولا أقول إنّ كلَّ القصائد الحماسيّة تصلح للغناء بصيغة الجوفيّة وألحانها، فنحن نلمس من خلال القصائد الجوفيّة بكافة أنماطها أنّها مُختصرة، لا تتعدّى العَشَرةَ أبيات في غالبيتها العظمى، بل وإنّ أشهرها لم يتعدَّ الخمسة أبيات، وهي أيضاً تحمل الزّخم اللُّغَويّ الرّشيق والمتتابع، والذي ينضح بالحماس والتحدّي والفروسيّة وما إلى ذلك من مقوّمات القصائد الحربيّة ونلمس أيضاً أنّ معظم هذه الجوفيّات ارتبطت بالحدث أو المعركة التي قيلت فيها القصيدة، أي هي “قول على فعل”.
وقد دأبت العرب منذ القِدَم على استخدام هذا الأسلوب “الإعلاميّ” وهذا الفنّ الحماسيّ في كل وقائعها، فنجدهم يطلقون الأهازيج الحماسيّة أو الأراجيز قبيل معاركهم، ومنها ما يكون إلقاءً للشّعر ومنها ما يكون مُغنّى بشكل جماعيّ، وهذا الغناء رافقه إيقاع الطّبول والدّفوف بغية إثارة حماس المقاتلين، وزرع الرّعب في قلوب الخصم، ونلمس في تاريخ الشّعر العربي أيضاً قصائدَ نُظمت إثرَ الانتصارات السّاحقة التي عُرفت بوقائع وأيّام العرب، وكان لهذه القصائد دورٌ تاريخي في نقل ملامح بعض المعارك بل وتوثيق بعضها بشكلٍ كامل وهذا ما نجده في معظم (جوفيّات) جبل العرب من دورٍ تحفيزيّ وتوثيقيّ وإعلاميّ.
وقبل الخوض في الأمثلة لابدّ من البحث في سبب تسمية هذا النّموذج بالجوفيّة وفي منبعه الأساس.
كلمة “جوفيّة” مصدرها “الجَوْف” وهي منطقة في شبه الجزيرة العربيّة تحدّها الأردنّ من جهة الشّمال الغربيّ، ومن الجَنوب منطقة حائل وتبوك، ومن الشّمال والشّرق منطقة الحدود الشّمالية للسعوديّة، وكان لأهالي منطقة الجوف علاقات تجارة ورعي ماشية مع سكان جبل العرب، ومن خلال هذه العلاقات والاحتكاك الثّقافي الذي رافقها انتقل هذا النّموذج من الفنّ الغنائيّ الشعبيّ من الجوف إلى الجبل كما انتقل إلى سهل حوران والبادية الأردنية وعُرفَ بالاسم ذاته (جوفيّة)، وهو في الجوف (أو الجزيرة العربية بشكلٍ عام) معروف باسم (العَرْضَة)، ومع انتقاله إلى جبل العرب تغيّرت بعض معطياته الفنيّة وبالأحرى تطوّر هذا النموذج مع الزّمن، وفي الواقع فقد لعبت الجوفيّة دور وسيلة النّقل التي وثّقت الكثير من الأحداث التّاريخيّة والأسماء التي غيّبها ليل الزّمن، وهذه الأسماء تنوّعت ما بين قادة وجنود أبطال، وحتى نساء، كان لهنَّ دور مميّز في إثارة حماس المقاتلين أو المشاركة في المعارك، وأكثر ما وردَ توثيق أسماء هؤلاء النّسوة في صيغة “الاعتزاء” أو العزوة كما تسميها العامة وهذه الصّيغة تُعْتَبرُ جزءاً من الموروث البدويّ الشعبيّ، والمقصود بالاعتزاء اللّقب الذي دأبت العامة على إلحاقه بعائلة ما أو قبيلة أو حتى أفراد فيقولون “أخو نَوْضَة” وهي عزوة مسلط الرّعُوْجي أحد فرسان قبيلة العمارات، أو “أخو سميّة” وهي عزوة سلطان باشا الأطرش، أو “أخوة شيخة” وهي عزوة آل عامر في الجبل،.وهذه الأسماء جاءت من منطق الفخر بالنّسوة اللائي لعبنَ دوراً بارزاً وحماسيّاً في مسيرة الفرسان، وكان للشّعر العامّي وعلى رأسه الجوفيّة الفضل في توثيق هذه الألقاب ودلالتها. ومثال ذلك : بيت من جوفيّة لاسماعيل العبد الله في مدح أحد شيوخ الرّوله :
أخــــــــــو عَــــــــــذرا يـــــــــا صَـــــــــليــــــف العيالــــــي يــــــــــا زَبـــــــون مْدَهّنــــــــــــــات الجَديـــــــــــــــــــــلـــــــة
صليف العيالي: أي هوقائدٌ يتبعه رجال أشدّاء، زَبون : بفتح أولها تعني المُدافع الذي يذود عن الحمى ، مدهّنات الجديلة : كناية عن النّساء اللواتي يُعطّرنَ جدائلهن.
وأيضاً بيت من جوفيّة لثاني عرابي في مدح سلطان باشا الأطرش وذِكر معركة المزرعة الشّهيرة :
أخـــــــــــــــــــو سْميّــــــــــــة قــــــــــــايد الكِــــــــــــــــــــــــــــــــــــلِّ بـــــــــــــــــالمزرعــــــــــــــــــــــــــــــة عِلقـــــــــــــــت حْــــــــــروبَــــــــــهْ

الكلّ: تُلفظ “الكِلة” لتوافق القافية والوزن والموسيقى الداخليّة في الجوفيّة ذاتها

الرجل داخل الحلقة دوره أساسي في إشعال الحماس في مجموعةالجوفية
الرجل داخل الحلقة دوره أساسي في إشعال الحماس في مجموعةالجوفية

شكل وأسلوب الجوفيّة
الجوفيّة كنموذج غنائيّ جماعيّ لها شكلها وأسلوبها الخاصّان بها وهي تعتمد على الغناء المتناوب من قبل مجموعة من الرّجال حصراً ــ فهذا الغناء خاص بالرّجال دون النّساء ــ فترى مجموعة من الرّجال يشكّلون حلقة دائرية ليس لها عدد محدّد، ومن ثم يبدأ قِلّة منهم بغناء قسيم واحد من بيت الشّعر المطلوب كأن يبدأوا بالإنشاد مثلا:
هيه يــــــــــا اللي راكبين عْلَى اْلسَّلايــــــــــلْ
فيقوم باقي الرّجال في الحلقة بترديد هذا القسيم على اللحن ذاته ومن ثم تتكرّر هذه العمليّة بالتّناوب مرتين أو ثلاثة للقسيم الواحد ومن ثم تنتقل المجموعة التي بدأت الغناء إلى القسيم الثاني:
فوق ضُمّر يَمِّ طربــــــــــــــــــــا نَــــــــــــــــــــــــــــــاحِّرينـــــــــــــــــــــــهْ
وتستمر هذه العملية والانتقال من بيت إلى بيت حتى آخر القصيدة، ويرافق هذه الأبيات المُغنَّاة مجموعة حركات جماعيّة وفرديّة، فالحركة الجماعيّة متوافقة من قِبَل جميع المشاركين في الحلقة وهي عبارة عن انحناءة بسيطة إلى الأمام وانثناء في الرّكبتين يكون بسيطاً أيضاً ويحقق حركة توافقيّة بين أعلى الجسم وأسفله، لكن قد يصل الحماس بالبعض إلى ثني الجسم بكامله إلى حد ملامسة الأرض بالرّكبتين، وترافق هذه الحركة صَفْقِ الأكف في إيقاع واحد، وهذا الصَّفق يتسارع أو يتباطأ حسب تفاعل المجموعة وإيقاع الغناء.
وفي شكلٍ آخر لحلقة الجوفيّة – وهو المعتمد غالباً- تدور المجموعة ببطء باتّجاه اليمين أي بعكس عقارب السّاعة، أمّا الحركات الفرديّة فهي عبارة عن رقصة خاصّة يؤدّيها شخص بمفرده عندما يفترق عن الحلقة ليصبح داخلها، فيقوم عندها بأداء حركات حماسيّة يشجّع من خلالها جزءاً من رجال هذه الحلقة، ويتخلّل هذا الأداء الجماعي دخول شخصين يؤدّيان رقصة من نوع آخر تتوافق مع اللّحن المطروح، وهي تتطلّب رشاقة وإتقاناً فترى الشّخصين يتمايلان بشكل متوافق مع حركة الأيدي المصفِّقة التي تمتد وتنثني في تناغم مع حركة الجسد وغالباً ما يكون السّيْف حاضراً في هذه الرّقصة الفرديّة، مع الإشارة إلى أنّ الجوفيّة لها تنسيق آخر أيضاً وهو غير متداول حالياً في الجبل إلّا عند الفرِق الشّعبيّة، وهذا التّنسيق يعتمد على صَفّين متقابلين من الرّجال فيقوم صفٌّ منهما بالغناء والصّفّ الآخر يقوم بالرّد على المُغنّين القدوة

وسيلة للتعبئة الحربية
بالعودة إلى نشأة الجوفيّة في جبل العرب وقدوم هذا النموذج الحماسيّ من منطقة الجوف، فنحنُ أمام مسألة تاريخيّة مهمّة في واقع أمر هذه الجماعات التي جاءت إلى جبل العرب من لبنان وغيره وأثبتت وجودها ودافعت عن استقرارها بكل ما أوتيت من عزمٍ وفكر.
إنّ تقليد الجوفيّة يُعدّ أحد أركان هذا الدّفاع عن الوجود من المنظور الثقافيّ، فهذه الجماعات فُرِضت عليها حالة التأهّب الدّائم، ما يمكن أن نسمّيها “حالة التعبئة والاستنفار” فهي ضمن محيطها الصّحراويّ الجديد معرّضة للخطر في كلّ آن، وهذا الوضع أفرز بطبيعة الحال طقوساً للتّكتّل الجماعيّ وللوحدة المعنويّة في صفوفها ، وقد مرَّ معنا سابقاً كيف استطاعت هذه الجماعات أن تأخذ لغة المحيط المجتمعيّ الشّعريّة لتساجله فيها، وهذا الأمر لم يكن وقفاً على المواجهة الصداميّة بل كان أيضاً وسيلة للتقرّب من بعض عناصر هذا المحيط وبالسّلاح اللّغوي ذاته ، وهو الذي يشكل لُحمة المجتمع العربيّ الجامعة من حضر وبدو ..
والجوفيّة أخذت شكلها في الفولكلور الشّعبي الذي أصبحَ جُزءاً من حياة سكّان الجبل واستمرّت فيما بعد مُدوّية في أفراحهم ومناسباتهم الوطنيّة (أي في حالة الاستقرار والأمان) وأيضاً في المآتم الخاصّة بالشّهداء والأبطال فهم يعتبرون مأتم الشهيد أو البطل عرساً وطنيّاً .

آداب وطقوس الجوفيّة
من طقوس الجوفيّة وآدابها أنّه في مناسبات الفرح التي تُدعى إليها القرى تكثر الجوفيّات أثناء قدوم الوفود المشاركة، وما يثير الدّهشة في هذه الجموع التي تهزج التنظيمُ العفوي الذي أصبحَ عادةً متبّعة، فالجماعة التي تصل أولاً تدخل المناسبة هازِجةً بجوفيّة، ويستقبلها أصحاب المناسبة بالترحيب والرّد على الجوفيّة بجوفيّة مقابلة، ومن ثمّ ينتظم الجميع في حلقة واحدة، ويشتركون بجوفيّة واحدة…
وعندما يأتي وفد آخر ــ يهزج بجوفيّةٍ أخرى ــ تُنهي الجماعة الأولى جوفيّتها فوراً وتبدأ بالرّد على الجوفيّة القادمة إلى أن يندمج الوفدان وهكذا حتى تتكامل الوفود المدعوّة وذلك خلال فترة وجيزة، ومن ثم تبدأ المناسبة بكامل فولكلورها المتنوّع. وتُعتبر الجوفيّة المرافقة للوفد المشارك تحيّةً ومباركة لأصحاب المناسبة.
أيضاً نجد في أعراس الجبل ظاهرة التّحدّي (بالجوفيّة) بين أهالي القرى فكلّ قرية تتفاخر بما تحفظه من الجوفيّات النادرة أو الجديدة، وللجوفيّة في هذه الأجواء ما للضّيافة من قِيَم، فالوفد القادم من خارج القرية له الأولوية في المشاركة ويُرَد على تحيّتهِ (جوفيّته) بمثلها.
وقد أصبحت القصائد التي تُغنّى بأسلوب الجوفيّة معروفة بهذا الاسم حتى وإن لم تُغَنّى؛ أي عندما يُطلب من الشاعر إلقاء هذه الأبيات يُقال: أسمِعنا جوفيّة كذا .. وفي المناسبات المشار إليها وعندما تَهِمُّ مجموعة ما باختيار جوفيّة يَطلبُ أحدُ أفرادِها غناء جوفيّة بعينها فيقول مثلاً: (بحر) أي هو يريد جوفيّة (يا الله ويا اللي حاجزٍ موج البحر) أو يقول: (شوشة) أي يريد جوفيّة (يحلالي حمرا تحت ناثر الشوشة) ــ أي هو الفارس الشاب الفتيّ الذي يمتطي فرساً حمراء اللون، والناثر مقدّمة شعر رأسه ــ وهكذا، فتراهم يأخذون اسم الجوفيّة من قافية صدر بيتها الأول، وهذه الجوفيّات محفوظة عن ظهر قلب من قبل كلّ أفراد المجموعة بطبيعة الحال؛ فعندما يريدون الانتقال إلى الشّطر الثاني في خِضمّ الأهزوجة والأصوات الرّجولية والحماس يلمّحون بكلمة من الشّطر الجديد فتنتقل المجموعة بشكل عفوي إلى هذا الشّطر وهكذا حتى نهاية الجوفيّة .

اجتماع المجاهدين في العام 1925 استعدادا لمعركة المزرعة ضد الجيش الفرنسي - الجوفيات لعبت دوما دورا أساسيا في رفع المعنويات وبث الحماسة فس المقات
اجتماع المجاهدين في العام 1925 استعدادا لمعركة المزرعة ضد الجيش الفرنسي – الجوفيات لعبت دوما دورا أساسيا في رفع المعنويات وبث الحماسة فس المقات

أمثلة عن الجوفيّات في جبل العرب
لابدّ من التّنويه إلى أنّ بعض الجوفيّات نقلها واستخدمها أهلُ جبل العرب عن البدو كما هي بكلماتها وألحانها وربما زادوا عليها أبياتاً خاصّة بهم، ومن هذه المنظومة نورد بعض الأمثلة التي لم يزل أصحابها مجهولين إلى الآن :
كـــــــــــــلِّ مــــــــــــــــــا نــــــــــاضِ بــــــــــرقٍ ورعّــــــــــــــادِ شيوخنــــــــا فــــــــوق ذَروات يتلونــه
ربَّــــــــعَ الجيش مــــــــِن رِعيَ الاجــــــــوادِ كــــــــلِّ قَفْرهْ وِمْن العشب يــــــــــــــــرعونه
هَنَــــــــــــــــو مــــــــَن قــــــــلَّـط الصّــبــــــــح روّادِ بَيْــــــــــــــــــــــــرق العـــــــــزِّ يمشي على هونــــــــــه
ناض البرق: أي لمع، فوق ذروات: أي على إبلٍ قويّة، يتلونه: إشارة إلى تتبع البدو للمطر، ربّع: أي أقام في المرعى. الجيش: كناية عن مجموعة الإبل. من رعي الأجواد: يشير إلى رعاية أصحاب الإبل لإبلهم وحمايتها من الغزاة، هنو: كلمة تستخدم بمعنى غبط الآخر أي هنيئاً له، قلّط الصّبح روّاد: بمعنى مشى صباحاً ليرود المكان أي ليستطلعه قبيل وصول قومه .
وأيضاً هذه الجوفيّة :
حـــــــــيّ قُـــــــبٍّ لفـــــــــــــــــــــت بــــــــــــــــــــــــالعيــــالـــي فــــــــــــــــــَزْعِــــــــــــةَ المِــــــــــــــــــــــــطِــلْبــــــــــــــين الــــــــــــــــــــــرَّعـــايـــــــــا
هَنَـــوْ مَـــــــــــــــــــــن نــــــَـطّ روس الطـــــــــــــوالي واشْرَف علــــــــى البيوت القصـــايـــــــــا
يــــــــــوم حاطـــــــــــــــــــوا بــــــهـــــــــــــــــــــــــم بــــــالمفــالي خـــالط الطَرش عَــــــــــــــــــــــــــــــــــــجّ السبـــــايـــــــــا
يــــــا عشيـــري تــــــرى العمـــــــــــــر غــــــالي نــــــــــــرخصـــه عنــــــــــــد ســــــــــــــــــــــوق المنايــــــــــا
القُب: الخيل الضامرة، فزعة المطلبين الرعايا: إشارة إلى إغاثة طالبي المعونة والفزعة عند العامة: النّجدة؛ نطّ روس الطوالِ: أي ارتقى الأماكن المرتفعة، بالمفالي: المفالي: الأرض والمراعي المحيطة بالقوم، الطّرش: الماعز والغنم والمواشي (عامّيّة)، عجّ السبايا : الغبار الذي تحدثه الخيل في الغارة .

ومن الجوفيّات البدويّة التي أضاف إليها أهل الجبل أبياتاً خاصّة بهم جوفيّة مشهورة لعبيد الرشيد أمير حايل في نجد الملقّب بـ (أخو نُورة) ومن أبياتها الأساسية:
مِــــــــــــــــــــــــــــــــــــن قــفـــــارٍ لـحـايــــــــــــــــــل نشرنــــــــــــا واعتلينـــــا ظهـــــــــــــــــــــور النّجايــــــــــــب
نطْلبـــــــــــــــــــــــــــــــك لا تخيّــب ســـفـــــــــــــــــرنــــــــــــا نستجيـرك يــــــــــــا مْدير الهبايـــــــــــــب
مــــــــــــــــــــع مضيــق الشَّعيب انحدرنــــــــــــا تقـــــــل مــــــزنٍ حَدَته السحــايـــــــــــــب
حايل: مدينة جبليّه في نجد كانت عاصمة آل الرشيد قضى على نفوذهم آل سعود، نشرنا : بمعنى انتشرنا وانطلقنا هذه الأرض، النّجايب : الخيل والإبل الأصيلة، نطلبك: نرجوك وهو دعاء لله عز وجل، الشعيب: الوادي او المنفرج في الأرض، مزنٍ حَدته السحايب: المطر الغزير الذي جاء به السحاب .
أما عند أهل الجبل فهي تغنّى بروايةٍ أخرى مع إضافة أبيات عليها:
مـــــــــــــــن قفا روض حايـــــــــــــــــل نشرنـــــــــــــــا واعتلينا ظهــــــــــــــــــــــــور النّجــــايــــــــــــب
نَـــــــــــــــطْلبـــَك لا تغيّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب سَعَدنـــــــــــــا نستجيرك يـــــــــــــــا مْدِيْر الهبايــــــــــــب
تــــــــــــــــــايـــــــــــــــه الشور ويـــــــــــــاللي تحاربنــــــا مَــــــــــــن حاربنا يذوق العطايــــــــــــب
أما الجوفيّات التي نظمها أهل الجبل فنختار أمثلة من أشهرها:
ــ أبيات من جوفيّة لثاني عرابي قيلت قبيل معركة الكفر الشهيرة (تموز 1925) وأثناء توافد بيارق الثوار إلى منطقة (العَيّن) التي كانت مكان التعبئة لخوض معركة الكفر آنذاك:
يــــــــــــــــا راكبَ اللي لو مَشَـت ما تندَرَكْ تِحِثّ حـــالَه وْ لا تحتاجِ ســوقــــــــها
مَوْرَدِها عُرمان و عــــــا جال البُــــرَكْ خيّالها ســبــــــــــع المْـزَمْجِــــــــــــــــــر فــوقــــــــــــها
جُوك الزّغابهْ يــــــــــــــــــــا رينو دوّر هـَـلَك في مــرجة العيّن انتصب سوقــها
سـُرْبَة مَلَـــــــــــح يوم اللّـــزايــــــــــــم تذهِلَك سَـــلّ السيوف تْقول لَمـــــــــْع بروقـــــــــها
ما تندرَك: لا يمكن إدراكها لسرعتها الفائقة، تحثّ حالَه ولا تحتاج سوقها: إشارة إلى أصالتها وطواعيتها العفويّة، موردها: أي مكان وِردها الماء ويريد المكان المُراد إيصال الرّسالة إليه وهو قرية عرمان، الزّغابة: صفة لازمت فرسان بلدة صلخد تشبيهاً لهم بالأبطال الزغبيين في تغريبة بني هلال، رينو (Renaud) الكابتن الفرنسي وكيل الكابتن كاربيه Carbillet حاكم الجبل آنذاك، دوّرْ هَلك: أي ارحل إلى أهلك، مرجة العيّن: بتشديد الياء هي مكان اجتماع الثّوار، سُرْبة ملح: أي جماعة قرية ملح من الثوّار.

العرضة السعودية تشبه في العديد من وجوهها الجوفية في جبل العرب =
العرضة السعودية تشبه في العديد من وجوهها الجوفية في جبل العرب =

جوفيّة من ثلاثة أبيات لجاد الله سلام
هيه يا اللي راكبين على السّــــــــــــــــلايل فوق ضُمَّر يـــــــــــمّ طَرْبـــــــــا نــــــــــــــــــاحـــرينهْ
سَلّمــــــــــــــــوا عَ ربوعنا وقـــــــــــــــــــــــــولوا لهايـــل بـــــــــالسـّــويدا ثــــــــــــــــــارنـــا حِنّــــــــــــــــــا خذينـــاْ
وامس ابـــــــــو صيــّاح دنّـــــــــى للّرحــــــــــــايل ســـــــــال دمّهْ خالط اسواق المدينــةْ
هيه : تستخدم للنّداء، السّلايل : الخيل الأصيلة، ضُمّر : الخيل الضّامرة السّريعة، يمّ طربا: أي: نحو طربا وهي بلدة الشاعر، ناحرينا: قاصدين، هايل: ابن عم الشاعر، حِنّا: أي نحن .

ومن جوفيّة لفارس حسن في مدح سلطان باشا الأطرش:
يــــــــا بــــــــاشا واظهَــــــــــــــر سَعَدنــــــــــــــــــــــــا مِـــــــــــــــــن طَــــــــبِّ عِلمَك علينـــــــــــــــــا
بــــــــالسّما يقصــــــــــــــــــــــف رَعَدنــــــــــــــــــــــــا بْـــــــــــــــــــــحُمر البيارق مشينــــــــــــــــــــــــــا
الجيــــــــــــــــــــــــــــــش تــــــــــــــــــــــــاه بْعَــدَدنــــــــــــــــــــــــا وحـــــــــول القـريّــــــــــــــــا حَـدَينــــــــــــــــــــــــــا
مِن طبّ عِلمك علينا : يريد عندما وصل نداؤك أو طلبك لنا، حَوْل القريّا حدينا: أي قمنا بغناء الحُداء على سبيل الاستجابة والتلبية..
والجوفيّات في الجبل تكاد لا تُحصى، ومن المُلفت للنّظر أنّ بعض هذه الجوفيّات أصبحت تُنسَب إلى بعض القرى كصفة ملازمة لها فيقال: (جوفيّة أهل حبران أو جوفيّة أهل حوط أو جوفيّة أهل أم الرمان.) وذلك لأنهم يعتمدون في غالب الأحيان جوفيّة محددة أثناء مشاركتهم في مناسبة خارج البلدة، فيدخلون هذه المناسبة وهم يهزجون بها وقد تكون من أشعار القرية أو لا.

مسار تطوّر الجوفيّة
لم تنقل لنا الحافظة الشّعبية أيّة قصيدة جوفيّة قيلت في المراحل الأولى من توطّن الدّروز في الجبل سوى أنّ القصائد (الشّروقية) وقصائد (الحُداء) والقصائد (الهلاليّة) كان لها حضور مميّز في عمليّة شحذ الهمم والاستنفار، وهذه يمكن اعتبارها الإرهاصات الأولى للشّعر (الشعبي) في الجبل، ولابدّ أنّ بعض هذه النّماذج وعلى رأسها الحداء استخدِمَ بشكلٍ مغنّى لأنّنا نعلم أنّ الأهازيج كانت حاضرة في مرحلة الاستعداد للحرب وفي مرحلة ما بعد الانتصار، وما وصلَ إلينا بشكل موثّق ومتداول بعض(جوفيّات) نهاية النّصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبشكلٍ كثيف وأوسع (جوفيّات) مطلع القرن العشرين. ولو أعدنا النّظر في مراحل تطوّر الشعر في الجبل فسنجدها متمثّلة بثلاث محطات رئيسة:
• المرحلة الأولى من الاستقرار في الجبل والمتمثّلة بمقارعة القبائل البدويّة أو التّحالف معها.
• المرحلة الثّانية المتمثّلة بمحاربة الاحتلال العثماني والتي تخلّلتها الحرب ضد ابراهيم باشا المصري.
• المرحلة الثالثة في مقارعة الاستعمار الفرنسي.
ومن الملفِت أنّنا لم نجد في قصائد الجوفيّات التي وصلتنا من تلك المراحل أي قصيدة جوفيّة غزليّة، وهذا الأمر يمكن اعتباره نتيجة طبيعيّة لحالة التأهّب والقتال الدّائم والتي لم تكن لتسمح بإدخال المعاني الغزليّة الرقيقة في فن الجوفيّة الحماسي بطبيعيته، وبالنّظر إلى الحِقبة الزمنيّة التي استمرّت فيها هذه الحال الفنّية الخاصّة فهي تمتدّ -حسب تقديرنا- من مطلع القرن التّاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين أي نحو مِئة عام تقريباً، ولكنّنا نجد في خواتيم هذه المرحلة بدايةً لتسرّب القصائد الغزليّة إلى نموذج الجوفيّة وذلك من خلال قصيدة لمصطفى العبد لله قيلت على الأرجح في نهايات القرن التاسع عشر وجاء فيها :
والضّحـــــــــــــــى نطّيــــــــت انــــــــــــا المِسْتظلّي راسِ رجـــــمٍ بِهـــــــــــــا لَفــــــــــــــــــــــــــــــع الهبايـــــــــب
يـــــــــا علــــــــــــــــــي يـــــــــا بُعــــــــــــــــــد ديـــــــــران خِــــــــــــــلّي دون خِلّــــــــــــــــي بـــــــــَرَّكــــــــــــــــــــــنَّ النجايـــــــــــــب
يـــــــــا علـــــــــــــــــــــــــي يـــــــــا بكــــــــــــــــــرْتينٍ غَــــــــــــدن لــي حَدّرن عالســــوق راحــــن جلايب
يـــــــــا علــــــــــــــــــي هَـــــــــــــــــــــرج الحبيّب يِســــــــــــــــــــَلّي ســـَـلاّني هَرْجـُــكم يابو الذّوايــــب
حالــفٍ مــــــــــــــــا زِلّ عـــــــــن موقـــــــــَفٍ لــــــــــــــــــــــــــــــــــــي لو حَسرت الرّاس واضحيتِ شايب
فالشاعر هنا يشكو من بعد ديار الأحبّة، وهو يقسم يميناً أنه لن يتخلّى عن موقفه من الحبيب حتى وإن شاب شعره …
وفيما بعد هذه المرحلة بدأت القصائد الغزليّة تأخذ دورها في الجوفيّة، ذلك أنّ استخدام الجوفيّة في الأعراس مع الفنون الأخرى من (هُوْليَّة ودلعونة وقصيدة فن وغيرها) أصبحَ بحاجة إلى التّجديد، ونعزو هذه الحاجة إلى سببٍ رئيس وهو حالة الاستقرار والأمان التي سادت بعد استقلال الجبل عام 1946 أو لنقُل بعد سنوات من الاستقلال ومرحلة السّلم والاستقرار الاجتماعي، فإنّ الشعراء وأصحاب الفنون باتوا بحاجة إلى نظمٍ ومعنًى جديد يعكس تبدل نمط الحياة والظّروف، وهم وجدوا في الغزل ضالّتهم فانتشرت مجموعة جوفيّات غزلية في الجبل، مع الإشارة إلى أن معظم شعراء السّلف ومن عاصرهم لا يحبّذون إقحام الغَزَل في الجوفيّة بل إنّ الكثير منهم يرفضونه رفضاً قاطعاً إنّما بات هذا الفنّ متداوَلاً في الأعراس وهو يتمتّع برقيٍ في معناه ومبناه على كلّ حال.

العزف على الربابة أصبح عنصرا من عناصر الجوفية في الجبل
العزف على الربابة أصبح عنصرا من عناصر الجوفية في الجبل

بعض الأوزان المعتمدة في الجوفيّة
الجوفيّة كما تبيّن لنا نموذج وليست وزناً محدّداً، وقد أخذ سكّان الجبل غالبية هذه الأوزان من البدو وهم في الواقع اعتبروها ألحاناً أو ما يسمّونه (لَهواً) أي نموذجاً غنائيّاً ولم يعتنوا باسم البحر الخاص بالقصيدة أو بجوازاته وما إلى ذلك حتى مرحلة متأخّرة من تاريخ هذه النّماذج، ونشير هنا إلى بعض الأوزان المستخدمة في الجوفيّة ومنها: الرّجز ومثاله أبيات من جوفيّة لصالح عمار الشاعر الشعبي للثّورة السورية الكبرى، يقول:
يـــــــــــــا الله ويــــــــــــــا اللي حاجـــــزٍ موج البحر يـــــا خالقي يـــــا اللي دعــــــــــــــانــــــــــا تِســـمـــــــــــــعِ
تجعــــل سَـــعَدنـــــــــا عاليــــــــــــــاً فوق البشــــر قيـــــــــدومنــــا يشبـه شَبيب التُّبّـــــــعي
لَ صار حنّا نجوم وسلــــطان القـمر باربعْ طًعش نيسان يومِ انْ يطلعِ
غربِ السّجن بالمزرعة شرقي بُصُـــر دم الفـــرنســـي بــــــــــــــــالمواطــــــي مَنْـــــــــــــــــقَعِ
كــــــــــــــم فارسٍ منّـــا على الخصـــم انحدر مثل الصــّـواعق مـــــــــــــــــــع بــــــــــــــــــــــــــــروقٍ تشلعِ
ومن هذه الأوزان أيضاً: الهجيني الطّويل ( الموافق لبحر الرَّمَل ) ومثاله أبيات من جوفيّة للمجاهد زيد الأطرش :
من هضابٍ شاد اهـــــــــــــــــَلْنا فوق مِنّهْ موطنــــــــــاً للعــــزّ موفـــور الكـــــــــــــــــرامَهْ
مـــــــــــــــــــن جبل حــــــــــــوران بِيَعــرُب تِكَنّى يا المْشَكِّك دونك وشـاح الوســـامهْ
أبعَثـــــــــــَه منِّـــــــــــــــي تحيّــــــــــــــاتٍ ومِنّـــــا بالأصالة والنّيــــابة عْنَ النّشــامهْ
ربعنــــــــــــــــــــــا درع الوطن من يـوم كُنّــــــا ان قادنــــا سلطان نشفي لهْ مرامه
أبعثــــــــــــــــه لجيـــــــــــــــــــــــــوش تــــــــــــــدفع عن وطنّـــا عاديــــاتٍ من دَهَــرْنا بــــــــــــــــــالحســـامهْ
وأبيات لعيسى عصفور وهي من وزن المسحوب ( الشروقي ) :
لي ديرةٍ تَذْرِي علـى كــــــــــــــلْ ملـهوف نــــــــــــوِّخ وريِّـــــــــضْ لا تهــــــــــــــــــاب الرّزايـــــــــــا
حِنّا بها يا مَسْنَدي عيال معــروف الغُلمـْـــــــة الـــــــــــــــــــــلـي يرعبــــــــــــــــــــــــــون المـنايـــــــــا
كم سُربةٍ للصَدّ مــــــــــا تعرف الخوف حـــــــــــــامـــوا عليـها مْرَقّـعــــــــــــين العَبايــــــــــا
والمجال يقصر هنا عن ذكر كلّ الأوزان التي دخلت في مجال الجوفيّة فقد استحدث بعض الشعراء أوزاناً جديدة من خلال اختزال البحور أو إردافها بتفعيلة أو أكثر كما رأينا في جوفيّة (ذلول وياللي نشدّه) ومن هذه النماذج (نمط من الهجيني) كما يسمّى في الجزيرة العربية اشتهرت قصيدة لشاعرٍ اسمه (الصغيّر) شاعر القصيم من أبياتها :
نحمـــــــد الله جميــــله شــــيخنـــا صار منّا
نـــــــــــــــــــافـلٍ كـلّ جيــله من ســــــــــلايل مهنّـــا
هيه يـــــــــا بو جديــــله فــــــــوق متنـــه تِثنّـى
الرـــــــــّدي لا تجي له ذاك مـــــا هوب منّا

الجوفيّة الآن في الجبل
لابدّ أن التطوّر لعبَ دوراً مهمّاً في تغيير شكل الجوفيّة وطقوسها، ذلك أنّ بعض الآلات الموسيقية باتت ترافق الجوفيّة مثل الرّبابة ( في السّهرات التراثيّة ضمن المضافة وقد لعبت الرّبابة دوراً مهمّاً في الحفاظ على جزء كبير من الجوفيّات التي كادت أن تندثر ) والدَّف أو الطبلة (وهذا ما تنفر منه الذائقة السليمة) والعود وبعض الآلات الموسيقية الكهربائيّة التي أخرجت الجوفيّة بشكل أغنية حديثة مسجّلة في استديو، وقد دخل الصّوت النّسائي في بعض هذه التسجيلات، وأصبحت الجوفيّة الأصيلة مقتصرة على بعض القرى في الجبل وبعض الفرق الشّعبية التي أنقذت ما تبقّى من هذا الإرث الفنّي التاريخي وعلى رأس هذه الفرق ( فرقة العاديات ) التي تعمل على إحياء كافة الفنون الشعبيّة في جبل العرب.

فرقة شعبية للجوفية تؤدي رقصتها في مدينة السويداء
فرقة شعبية للجوفية تؤدي رقصتها في مدينة السويداء

تمثيليّة “السّحجة” في فن الجوفية
نزال وهياج وأسر وصلح وتهليل وشماتة

تعتبر تمثيلية “السحجة” ركنا أساسيا من فن الجوفية في جبل العرب وكما يتضح من مجرياتها فإنها مستوحاة من الحرب والقتال الحماسي وأسر العدو ثم فكّ الأسرى بالمناشدة أو الحيلة.. وتبدأ التمثيلية قُبيل إنهاء القصيدة الجوفيّة عندما يأتي أوان ما يدعونه “ربط الحاشية” كتكملة لِلّوحة الفنّية الفولكلورية للعرس وهذه “التمثيلية الشعبية النمطية تبدأ عادة بتمثيل معركة بين فارسين ينفصلان عن حلقة الجوفية إلى داخلها ويشرعان في مبارزة وهمية بالسيف أو بالعصا، وعلى وقع هذا النزال تتصاعد حماسة الحلقة فيشارك به الجميع في ما يسمى “السحجة” وهي قيام أفراد الحلقة بالتجاوب مع معركة الفارسين بصفق الأيدي بقوة مع إصدار نبرة صوت (الدّحيو) بحيث يتشكّل من مجموع هذه الأصوات صوت واحد راعب وتصبح الرقصة كلها مثل رقصة حرب..
وبعد أن يتعب المتبارزان من النزال والتهييج يتوقّف السّحج وما يرافقه من صخب فيقوم واحد أو أكثر ممّن هم في دائرة السّاحجين بالدّخول بين عنصري الحاشية فيمسكان بهمها تمثيلاً لعملية الأسر، وعندها تنتقل الجوفيّة إلى نموذج آخر بقصيدةٍ ولحْنٍ مخالفين غرضهما هذه المرة مناشدة الآسر فك أسر رهينتيه..
هكذا وبعد كل بيت من الإنشاد يردّد المتحلّقون لازمة لاتتغيّر هي:
هلا …هلا بك يا هلا وانت حليــــــــــــــــفي يـــــــــــــــــــــاولـــد1
ويتضمن الإنشاد الجماعي في هذه المرحلة عروضاً كلاميّة لدفع “الفِديَة” ونوعها من جمال وغنم وخيول ومال من ليرات فضّيًة وذهبيّة عثمانيّة وإنكليزيّة وغيرها لآسر المتبارزين (اللّذين كانا يهيّجان الجوفية بالرّقص العنيف داخل حلقة الساحجين) كي يطلق سراحهما وهو بدوره يرفض كلّ المغريات المادّية إلى أن يذعن بعد عروض طريفة في نهاية المطاف ويقبل بإطلاق سراح الأسير (الحاشي).
ويفترض أن يكون من ربط (أي أسر) الحاشي فارساً تناسى المنشدون أو هم نسَوْا ذكره والثّناء على فروسيّته أو كرمه فقام بربط الحاشي وهكذا فالمنشدون يسعون لاسترضائه بالسّؤال الملحّ نشيداً كقولهم:
وفي تلك اللحظات تدخل التَّمثيليّة مرحلة جديدة إذ ينقلب المنشدون الذين بالغوا بتقديم العروض المُغرية من الأعطيات للآسر الذي أطلق سراح الحاشي فيعلنون أنهم توصّلوا إلى غايتهم بالمخادعة والحيلة ولن يدفعوا لآسرهم شيئاً حتى ولا ليرة ولا (مِصّريّة)، ممّا كانوا قد وعدوا به هازئين. ويُبلغونه ذلك بالإنشاد المغنّى كأن يقولوا إثر تحرّر الحاشية وعودتهم متباهين واثقي الخُطى إلى رفاقهم في الحلقة مثلاً:
يا مِيْةْ حَيّا الله بالحاشي والـْ جـانـــــــــا يتــخطّم ماشـي
خَذِينا الحاشي بَلا شـي والله ما تشوف المصريّه!!

1. – يقصدون بـ “الولد” الشاب القوي البأس في لهجتهم المحلّيّة

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي