«اللّغة قدرةٌ ذهنيةٌ مكتسبةٌ، يمثّلها نسق، يتكوّن من رموز منطوقة، يتواصل بها أفراد مجتمع ما»1. وهي تنطوي في طبيعتها على الحقائق التالية2:
-
- إنّها مجموع المعارف اللُّغوية، بما فيها المعاني والمفردات والأصوات والقواعد التي تنتظمها جميعاً. تتولد وتنمو في ذهن الفرد ناطق اللّغة أو مستعملها فتمكّنه من إنتاج عبارات لغته كلاماً أو كتابةً، كما تمكّنه من فهم مضامين ما ينتجه أفراد مجموعته من هذه العبارات، وبذلك تُوجِدُ الصّلة بين فكره وأفكار الآخرين، وتتداخل في تكوين هذه القدرة عواملُ فيزيولوجية، تتمثّل في تركيب الأذن، والجهاز العصبي، والمخ والجهاز الصوتي لدى الإنسان.
- إنّ هذه القدرة تُكتسب ولا تُولَد مع الإنسان، وإنّما يولد ولديه الاستعداد الفِطري لاكتسابها، ويدفعه في العادة شعوره بالانتماء إلى مجموعته البشريّة، نفسيَّاً واجتماعيّاً وحضاريّاً، ورغبتُه في التعايش وتبادل المنافع والمصالح بينه وبين أفراد هذه المجموعة.
- تتمثّل هذه القدرة المكتسبة بطبيعتها في نسق مُتّفق، أو مُتعارَف عليه بين أفراد ما يُسمّى الجماعة اللّغوية، أو الجماعة الناطقة بلغةٍ ما. وتدخل في تكوين هذا النسق في العادة وحدات أو أنساق أخرى متفرّقة يرتبط بعضها ببعض وهي:
أ) النّسق الصّوتي: وهو الذي يحدّد نطق الكلمات أو أجزاء الكلمات، وفق الأنماط المقبولة أو المتعارف عليها لدى الجماعة اللّغوية.
ب) النسق الدَّلالي: ويعني ترتيب الوحدات المعنويّة وفق سماتها الدلاليّة المعروفة أو المقبولة في اللغة.
ج) النسق الإعرابي أو النّحوي: ويعني ترتيب كلمات الجملة أو الجُمل في أشكالها المقرّرة في اللغة.
د) النّسق الصّرفي: وهو النّسق الذي تُعالَج فيه بُنى الكلمات وأنواعها وتصريفاتها أو اشتقاقاتها.
هـ) النسق المُعجمي: ويقصد به مجموع المفردات اللّغوية المتاحة للتعبير عن المعاني والمواقف المختلفة في إطار اللغة.
أهميّة اللغة وأنواعها:
إنّها وسيلة الإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وأحاسيسه ومواقفه، وإرضاء غريزة الاجتماع لديه، وهي أيضاً وسيلته٣ إلى تنمية أفكاره وتجاربه، وإلى تهيئته للعطاء والإبداع والمشاركة في تحقيق حياةٍ مُتحضّرةٍ. ويزداد اكتسابه للمهارات والخبرات كلّما نمت لغته وتطورت وزادت علاقاته بالآخرين قوّةً واتّساعاً.
على الرّغم ممّا أسلفنا القول من أنّ اللّغة عبارة عن «رموز منطوقة أو كما عرّفها بعض العلماء «أصوات٤ يُعَبِّر بها كلّ قوم عن أغراضهم» فإنّ لِلُّغة بمفهومها العام مدلولاً أوسع من ذلك، إنّها وسيلة للتفاهم والتواصل والتعبير عن العواطف والأفكار العامة، لا يحدد مدلولها بالكلمات والعبارات، التي تصطلح على معانيها أو دلالاتها أمّة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات، إذ إنّها تشتمل على كلّ ما يمكن أن يعبر به الإنسان عن فكرة أو انفعال أو موقف أو رغبة معيَّنة، فالصورة لغة، والأشكال المرسومة لغة، والحركات الجسميّة لغة. إنّ كلّ أعضاء الحواس يمكن استعمالها في خلق لغة، فهناك لغة الشمّ ولغة اللّمس، ولغة البصر ولغة السمع، وهناك لغة كلّما قام شخصان فأضافا معنىً من المعاني إلى فعل من الأفعال بطريق الاتفاق، وأحدثا هذا الحدث بقصد التفاهم بينهما. فعِطرٌ يُنشر على ثوب، أو منديل أحمر أو أخضر يطلّ من جيب سُترة أو ضغطة على اليد يطول أمدها قليلاً، أو كثيراً، كلّ هذه تُكَوَّنُ عناصر من لغة، ما دام هناك شخصان قد اتّفقا على استعمال هذه العلامات في تبادل أمر أو رأي٥.