أهميّة ثراء الحصيلة اللُّغوية:
إنّ ثراء الحصيلة اللُّغوية وتنوّع مستوياتها لدى الفرد، يجعله أكثر فَهماً لما ينطق أو يكتب ويوسع مدى فهمه للآخرين، ويدفعه إلى توثيق علاقاته بهم كما يحث الآخرين على تقوية علاقاتهم به، لأنّ الإنسان عادة مدفوع إلى إنشاء العلاقات مع من يفهمه أو يستطيع التخاطب معه بيسرٍ، ويمكن أن نُجمل النتائج الإيجابيّة التي تترتب على ثراء أو تنامي الحصيلة اللغوية بالتالي:
- زيادة الخبرات والتجارب والمعارف والمهارات التي يكتسبها الفرد تزيد من محصوله الفكري والثقافي والفني عامةً، فيتمكن من الاستمرار في التحصيل المعرفي وتزويد الفكر بالخبرات والمهارات والثقافات على اختلافها.
- انفتاح الشخصية على ما يحيط بها، وتنمية غريزة الاجتماع لديها، ونموّ روح الألفة والجرأة الأدبيّة والثقة بالنفس، فالإنسان الذي يقلُّ محصوله من ألفاظ اللغة وصيغها، يقلّ محصوله الفكري، وتقل قدرته على التعبير وعلى التواصل مع الآخرين والتكيف معهم ما يؤدي إلى الشعور بالنقص وعدم تقدير الذات.
- قدرته على فهم كثير ممّا يقرأ. إذ كلّما زادت نسبة فهم الفرد لما يقرأ كان اتجاهه إلى القراءة أكثر فأكثر6، فتتضاعف عنده الخبرات والمعارف والمهارات اللّغوية المكتسبة وتتنوع. الثروة اللَّفظية المُكتَسبة عن طريق ممارسة القراءة.
- تعين الفرد على فهم ما في التّراث من نتاج فكري وإبداعات أدبية، الأمر الذي يؤدي إلى بناء ثقافة ثابتة الأصول، ممتدّة الجذور، تبعث على التعلّق بهذا التراث ولغته، والاعتزاز بالأمة وتقوية روابط الانتماء إليها والإخلاص لها.
ويمكن القول في ضوء ما سبق إن لثراء الحصيلة اللغوية دوراً كبيراً في جعل الفرد فعّالاً في محيطه وبين أفراد مجتمعه أو أمّته، يمتلك زمام الأخذ والعطاء، والاستفادة والإفادة، والاكتساب والإبداع، والنفوذ والتوجيه، متهيّئاً للمشاركة في حضارة أمته والسير بها، نحو مستوى أفضل. إنّ القائد العسكري والزعيم السياسي والمُرشد الديني والموجه التربوي، والمصلح الاجتماعي والمعلّم وكلّ من يتولى قيادةً أو إدارةً7، محتاجون إلى البراعة في فن الإلقاء والتعبير ليتمكّنوا من إيضاح وجهات نظرهم وإبداء آرائهم وشرح الأهداف المُراد تحقيقها والأفكار المراد إيصالها بلغة بيِّنة وأساليب مقنعةٍ وعباراتٍ دقيقةٍ نفَّاذةٍ من أجل كسب الإقناع والتأثير والتفاعل بينهم وبين جمهورهم. ويقول علماء اللغة ورجال البلاغة والبيان العرب: «إنّ العقل رائد الرّوح، والعلم رائد العقل، والبيان ترجمان العلم» بل إنّ حياة العلم البيان. وقال أحدهم «ليس لِعيّي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء ولو حكّ بنافوخه عنان السماء»8 إنّ كثيراً ممّن ضعفت حصيلتهم من مفردات اللّغة وصعب عليهم التعبير بطلاقة أو عجزوا عن التأليف والإنتاج فيها تميل بهم العاطفة أو يدفعهم الجهل أحياناً فلا يقرّون بعجز قدراتهم أو ملكاتهم البيانية، ولا يعترفون بتقاعسهم عن الجِدِّ في اكتسابها، وإنّما ينسبون العجز والضعف إلى اللغة نفسها، فيتّهمونها بالضيق والفَقر، وينسبون مفرداتها إلى الثِّقَلِ والغرابة والوحشيّة، هذا بالإضافة إلى أولئك المُصابين بعقدة الضِّعَة والذين ينتابهم شعور وهميّ بالانتماء الفكري إلى مجتمعٍ غير مجتمعهم.