يُضِيء أفلاطون على نظريّتِه في الحُبِّ ومستوياتِه في ثلاثِ محاورات هي «هيبياس الأكبر» (Hippias Major)، و «فايدروس» (Phaedrus)، و «المائدة» (Symposium) حيث يتبلور هذا المفهومُ بشكلٍ كبير. ففيما حاولت محاورةُ «هيبياس الأكبر» تعريفَ «الجَمال بنفسه» (Auto to Kalon) من دون صياغة مفهومٍ متكامل، فإنّ محاورة «فايدروس» تتحدَّث قبل الاستفاضة في فن البلاغة والخطاب عن الحُبِّ بكونه «الجنون المقدَّس» (Divine Madness) كوسيلةٍ تتفتَّحُ فيها للنفس أجنحةٌ تُحلِّق بها إلى العالَمِ الأعلى. ويُثار جنونُ الحُبِّ هذا لرؤية «الجَمال» في الأرضِ بما يُذكِّر بـ «الجَمال الكُلِّي». وبذلك يُشير أفلاطون في «فايدروس» إلى العلاقةِ بين الحُبِّ وما هو إِلَهي سرمدي، في حين أنّه في محاورة «المائدة» يُشير إلى الحُبِّ بكونه يرقَى بالنفس سُموّاً عبر حُبِّ الحكمةِ والسعادة على مَراقِي «سُلَّمِ الحُبِّ» إلى مِثَالِ الجَمالِ الأعلى.
تتَّسِم كلّ محاورةٍ أفلاطونية بثرائها وأبعادها الخاصة وصعوبة تفسيرها بالنسبة إلى الباحثين، ما لم تكن ثمة إحاطةٌ وشمول لأبعاد ورموز الفكر الأفلاطوني، وهذا ما ينطبق على محاورة «المائدة» (Συμπόσιον)، لا سيّما في تناولها لمفهومَي «الحُبّ» و «الجَمال». فالرُّقي في الحُبّ إلى عالَم الجَمال المِثالي إلى «الحُبّ الإِلهي» (Agape) إنّما يتوافق مع البُعد الميتافيزيقي للفكرِ الأفلاطوني كما يتبدَّى خصوصاً في محاورات «فيدون» (Phaedo) و «فايدروس» (Phaedrus) و «الجمهورية» (The Republic) فضلاً عن «المائدة» (Symposium). فالمفهومُ الأفلاطوني يُفرِّق ما بين «الحُبّ المادي» (Eros-ɛrɒs)، المشتَمِل على «الرغبة» (Epithumia)، و»الحُبّ الرُّوحي» (Philia-φιλία) المبني على السَّعِي إلى «الفضيلة» (Arête) و»الحكمة» (Sophia) و»الجَمال الأعلى».
الحُبِّ يرقَى بالنفس سُموّاً عبر حُبِّ الحكمةِ والسعادة على مَراقِي «سُلَّمِ الحُبِّ» إلى مِثَالِ الجَمالِ الأعلى. أفلاطون
«المائدة»… خطابٌ في «الحُبّ»
من أجل بلورة مفهومَي الحُبّ والجَمال، يجمع أفلاطون في هذه المحاورة كبارَ المفكِّرين والخطباء البارزين آنذاك في أثينا يتبارون في تعريف الحُبّ أو الثناء عليه. ومن ثمّ يضع الحقائقَ عن الحُبّ وأنواعه ودرجاته ورُقِّيه على لسانِ حكيمةٍ مُلهَمَة تُدعَى «ديوتيما» (Diotima) كانت قد أَطْلعَت سقراطَ عليها، وهي تعتبر الحُبَّ بكونه مَلاكاً روحانياً كبيراً «دايمون» (Daimon) كواسطةٍ بين العالم الإِلهي والبشر، لا سيّما في صورتِه الأرقى كحُبٍّ للحكمة (Philosophia)، الحكمة «بغايةِ جَمالها».
المحاورةُ تبدأ مع «أبولودوروس» (Apollodorus)، أحدِ أبرز تلامذة سقراط، الذي ينقل قصةً سمعها من تلميذٍ آخر يُدعى «أريستوديموس» (Aristodemus) عن مائدةٍ أُقِيمَت في منزل الكاتب التراجيدي «أغاثون» (Agathon) في أثينا كان حاضراً فيها، وكيف تَنادَى المشارِكون في «المائدة» من نُبلاء ومفكِّرين، بينهم الفيلسوف سقراط، للتباري في إلقاء خطابٍ عن الحُبّ والثناء عليه، وكيف نام الجميعُ قبل أنْ يُدرِكوا الصباح، فيما بَقِيَ سقراط يقِظاً لينهضَ ويُكمِل مشوارَه على دروب الحكمة.
«فايدروس»
الأرستقراطي الأثيني «فايدروس» (تحمل اسمه إحدى محاورات أفلاطون) كان أولَ الخطباء بين المشاركين في «المائدة»، فاعتبرَ أنّ الحُبَّ يُلهِم المُحبِّين نحو التحلِّي بالفضيلة، بل يُلهِمهُم الشجاعة والبطولة والتضحية وكذلك تحقيق النجاح المثير للفخر، ويمنعهم من أنْ يُقدِموا على أي فعلٍ يُشين صفاتهم كمُحبِّين بل يحدو بهم إلى تحقيق النجاح والشرف والمجد في عين محبوبه. فعلى سبيل المثال، إذا كان المُحِبُّ في معركة فلن يرضى بالذل والمهانة أمام مَنْ يُحِبّ كأنْ يفرّ من الصفوف أو يرمي سلاحه بل سيسعى إلى إثبات بطولته وشَرَفِه.
«بوسانياس»
من ثمّ يتحدَّث النبيلُ الأثيني «بوسانياس» (Pausanias) وهو يُقسِّم الحُبَّ إلى نوعَين، حِسّي عادي وآخر مقدَّس سماوي. الحُبّ الأول لِمَا هو ماديّ وجسديّ، أمّا الثاني لِمَا هو أرقى من الجسد والحواس. ويرى أيضاً أنّ الحُبَّ يحثُّ على الفضيلة في كلّ الخيارات. ويُعتبر خطابُ «بوسانياس» تمهيداً لِمَا سيقوله سقراط.
«إريكسيماخوس»
ألقى الخطابَ الثالث الطبيبُ الشهير «إريكسيماخوس» (Eryximachus)، حيث يتوسَّع بمفهوم الحُبّ ليتعدَّى نطاقه التقليدي إلى الطب والموسيقى والرياضة وتناغُم الطبيعة، إلخ.. وقد أكّد أهمية الحُبّ في الطب والمعالجة، فالسَّعي إلى الشفاء على سبيل المثال هو حُبٌّ، وكذلك شأن الدواء الشافي.
«أريستوفان»
أمّا الكاتبُ المسرحي الكوميدي «أريستوفان» (Aristophanes) فقد أخبرَ في خطابه قصةً «رمزيّة» مذهلة، عن أنّ البشر كانوا في البدء أزواجاً ملتَصِقين ظهراً إلى ظهر وقد انفصلوا، لذلك يبحث المُحِبُّ اليوم عن نصفِه الآخر في مَنْ أحبَّه!
«أغاثون»
الخطاب الخامس ألقَاه الكاتبُ والشاعرُ التراجيدي والمُضيفُ «أغاثون» (Agathon)، فكرَّر الفضائلَ التي يغرسِها فينا الحُبُّ، تلك التي تحدَّث عنها مَنْ سَبَقَه مِن الخطباء، مشدِّداً على السِّمَة الأخلاقية للحُبّ وما يُولِّده من شجاعةٍ وعدلٍ واعتدالٍ وحكمةٍ.
سقراط: حكمة «ديوتيما»
جاء أخيراً دورُ سقراط، فلخَّصَ جميعَ الخطابات وحلَّلَ خطابَ «أغاثون» وطرح عليه الأسئلة حول ماهية الحُبّ والجَمال ومن ثمّ استذكرَ ما سَمِعَه عن الحُبّ من حكيمةٍ تُدعَى «ديوتيما»، وكيف يكون الحُبُّ توقاً نحو الحكمة ومِثال الجَمال!
وهكذا بعدما رأى الحُبَّ كُلٌّ مِن رؤيته الخاصة، كحُبٍّ لكلِّ ما هو جميل بحسب قول «أغاثون» أو بحثاً عن النصف الآخر والاندماج معه في جسمٍ واحد وروحٍ واحدة كما في قول «أريستوفان»، على سبيل المِثال، يصل هذا المفهومُ إلى أعلى مراقيه مع سقراط، الذي يذكّر بحكمة «ديوتيما» التي تتحدَّث عن السَّعي إلى امتلاك الخير ومشاهدة الجَمال الأعلى!


تتحدّث «ديوتيما» (Diotima) عن «سُلَّم الحُبّ» (Ladder of Love) حيث ترتقي هذه الحكيمة، بحسب سقراط، بأنواعه من الحُبّ الجسدي إلى حُبّ الجَمال في كلّ تبدّياته في العالم المادي وصولاً إلى حُبِّ الرُّوح، وحُبِّ جَمال الرُّوح الأرقى من جَمال الجسد في تَسامٍ فوق كُلّ ما هو مادي، وصولاً إلى مشاهدة الجَمال بصورته المُثلى. وفي هذه المرحلة الأخيرة التي تتحدَّث عنها «ديوتيما»، يسمو المُحِبُّ إلى أعلى درجةِ (Epanabasmos) على «سُلَّم الحُبّ» (لم يتحدَّث أفلاطون عنه سوى في محاورة «المائدة»)، ارتقاءً إلى مشاهدة «الجَمال المُذهل» وتحقيق الهدف الأسمى من وراء الحُبّ والاستغراق فيه، وبذلك يكتسب صفات ملائكيّة، حينما ينبُت له جانحان يُحلِّقان بنفسه إلى الأعلى نحو الجَمال الأعظم، كما في «فايدروس».
ويستذكر سقراط في خطابِه حوارَه مع «ديوتيما» حول ماهية الحُبّ:
سقراط: إذاً، ما هو الحُبّ، هل هو خالد؟
ديوتيما: لا.
سقراط: ما هو إذاً؟
ديوتيما: إنّه ليس خالداً ولا فانياً، بل وسطاً بين الاثنين.
سقراط: ما هو الحُبُّ، يا «ديوتيما»؟
ديوتيما: إنّه روحٌ عظيمة تتوسَّط بين الإِلَهي والفاني.
سقراط: وما هي قوته؟
ديوتيما: إنّه ينقل الصّلوات إلى الإِلَه وينقلُ أوامرَه وإشاراتَه إلى البشر، إنّه الوسيط الذي يجسر الهوّة التي تفصل بينهما… ولا يتواصل الإِلهُ مع الإنسان إلَّا من خلال الحُبّ… والحكمة التي تفهم ذلك هي حكمةٌ روحيّة… إنّها ولادةٌ جديدة في الجَمال… حيث يُجنَى حصادٌ ذهبيٌ من الحكمة من غِمار بحر الحُبّ… ذلك هو الحُبُّ الذي يُفضِي إلى حُبّ الحكمة… وعندما يُحقِّق المُحِبُّ هذه الفضيلة يُحقِّق فيه ذلك الحُبّ المقدّس… حينما ينظر إلى الجَمال جهاراً فيشاهد الجَمالَ السماوي وجهاً لوجه.
«ديوتيما» وسُلَّم الحُبّ
إذاً، ترى «ديوتيما»، بحسب ما قاله سقراط، أنّ الحُبَّ هو عمليةُ رُقِي في إدراكنا لمفهومه وحقيقته كصعودنا في درجات سُلّم يسمو بنا إلى الأعلى، من حُبٍّ مادي حسّي إلى حُبٍّ عقلاني روحاني مَبنِي على الفضيلة والحكمة، وذلك بازدياد مستوى وعينا لِمَاهية الحُبّ في الحقيقة.
ديوتيما: كُلُّ مَنْ أُطْلِعَ على أسرارِ الحُبّ وعَرف جميعَ أوجه الجَمال تِباعاً، يقترب أخيراً إلى مكاشفةٍ نهائية. عندئذٍ يا سقراط تتبدَّى له رؤيا مذهلة هي عينُ الجَمال الذي طالما تاقَ إليه…
دلالات فيثاغورية دينية صوفية!
يتحدَّث الباحثون أنّ لسُّلَّمِ الحُبِّ دلالات دينية، حيث اعتمد أفلاطون على رسائل خفيّة فيثاغورية، ونقل فحواها «الصوفي» الرُّوحاني إلى النُّجَباء من تلامذته في إشارةٍ إلى غاية الرُّقي على سُلَّم الحُبّ إلى الجَمال الأبهى والأسمى والأمثل. وهو ما يُشير إليه الفيلسوف الألماني مارتن هيديغر (Martin Heidegger) بكونه «ما لم يُفْصَحْ عنه في المحاورات الأفلاطونية»، في إشارةٍ إلى التعاليم الأفلاطونية الرُّوحانية الصوفية الخاصة، لكنّ دلالته الفكريّة والرمزية تلوحُ لذوي البصيرة!
فهذا التسامي الصوفي الذي يتحدَّث عنه أفلاطون، على لسان شخصيات محاورته، إنّما يحثّ النفسَ على الارتقاء نحو جَمال أنقى وأصفى وأطهر من حُبّ الأجساد عبوراً بحُبّ الأرواح الجميلة ومن ثمّ المعرفة والفضائل والحكمة وصولاً إلى أرقى الدرجات وهو حُبّ سبحات الجَمال والجلال!
هذا ما يؤكّده الكاتب البريطاني سي. أس. لويس (C. S. Lewis) في كتابه «الأنواع الأربعة للحُبّ» (The Four Loves)، حيث يرى أنّ أفلاطون يحثُّ الإنسانَ على الارتقاء في «درجات سُلَّم الحُبّ» وصولاً إلى أرقاها، إلى الحُبّ الإِلَهي، حيث يكتشف الجَمالَ الحقيقي ومصدرَ كلِّ الوجود. فكلُّ حُبٍّ وكلّ نوعٍ من الحُبّ البشري، بحسب لويس، يرتقي من الحُبِّ المادي إلى الحُبِّ الرُّوحي إنّما هو تمهيدٌ لتحقيق هذه الغاية القصوى، أي ذلك الحُبّ الإِلَهي المقدَّس.


ويعتبر أفلاطون «الجَمال» (Kalon-καλόν) هدفاً أسمى للفلسفة، حيث يتعرَّف محبّو الحكمة على هذا الجَمال في تجربةٍ يُتمِّمون فيها حُبَّهم الحِكْموي العميق فيما يستحصلون على أرقى معرفة. وقد تناول أفلاطون «الجَمالَ» بصفته «مِثالاً» (Form) نرتقي إليه بالحُبّ في محاورات «فيدون»، و«فايدروس»، و«فيليبوس» (Philebus)، و«الجمهورية» (The Republic)، و«بارمينيدس» (Parmenides)، و«القوانين» (Laws)، و«أوثيديموس» (Euthydemus)، و«كراتيلوس» (Cratylus)، و«هيبياس الأكبر»، حيث هو مِثالٌ نصبو إليه بالتأمُّل الفلسفي.
الحُبُّ والخيرُ والجَمال!
يتحدّث أفلاطون عن «الجَمال» (Kalon-φιλία) بصفته مبدأً أخلاقياً يُتمِّم «الخيريّة»، بل ثمة عبارة في اليونانية هي «كالوس كاغاثوس» (Kalos K’agathos) تجمع «الجَمالَ» Kalon و»الخيرَ» Agathon في صياغةٍ واحدة «جميلٌ خيِّرٌ»، فالفضيلةُ تتَّسِم بالجَمال وكذلك الحكمة وهي الجَمال الأرقى.
وهذا الهدفُ الأسمى لـ «الجَمال» للارتقاء بالنفس إلى عالم المُثُل هو ما جعل أفلاطون يسبغ عليه الخيريّة والنتائج الخيِّرية في حين أنّه يُماثِل بين «الجَمال» و»الخير الأسمى» في أكثر من محاورة، من بينها «المائدة»، و»فيليبوس»، و»القوانين»، و»الجمهورية»، فيما ماثلَ أفلاطون بين «الخير الأسمى» و»نوس» (Nous) أو العقل الكوني، بما يربط بالتالي «مِثال الجَمال» مع «نوس» أيضاً!
سقراط: لا بأس (يا أغاثون)، لقد كان خطاباً جميلاً، لكن ثمة حقيقةً أخرى. أرى أنَّكَ خَلِصتَ إلى أنّ الخيرَ هو جميلٌ أيضاً، أليس كذلك؟
أغاثون: بلى، هذا صحيح.
سقراط: حسناً، إذا ما كان الحُبُّ يتوقُ إلى ما هو جميلٌ، وإذا كان الخيرُ والجَمالُ سيَّان، فإنّ الحُبَّ لا ريب يتوقُ أيضاً إلى ما هو خيرٌ.
أغاثون: تماماً كما قلتَ يا سقراط. إنّ حُجَّتَكَ دامغة.
الحُبُّ الأفلاطوني في حَرَمِ “الجَمالِ” العُلوي
إذاً، في قراءةٍ تحليلية لنصّ «المائدة»، فإنّ رؤية «الجَمال» المطلَق هي المكافأة القصوى للمُحِبّ الأفلاطوني التوّاق للحكمة (باليونانية: Philosophos، كما صاغها فيثاغورس) الذي يتعدَّى «أمور الحُبّ العادي» لكي يُحقِّق حالةً من «التفكُّر والتأمُّل في بحر الحُبّ الشاسِع»، وهو تأمُّلٌ تتولَّد بفضله لدى التوّاق الأفلاطوني للحكمة ومعرفة «الجَمال» أفكارٌ نبيلة في ظل حُبِّهِ الذي لا حدود له للحكمة – «تلك الأفكار المتولِّدة النبيلة التي تبلغ ذروتها في رؤية التوّاق الأفلاطوني للجَمال المُطلَق منفصِلاً وبسيطاً ودائماً وهو من دون نقصانٍ ولا زيادة، ومن دون تغييرٍ ومتعالٍ عن كلّ جَمال الأشياء المنبثقة والزائلة في آنٍ»، كما جاء في محاورة «المائدة» – وهذا الجَمال المُطلَق هو المصدر بل هو المَنْهَل لكلّ أنواع «الجَمالات» الزائلة الأخرى لدى كلّ الأشياء.
ففي محاورة تيماوس (Timaeus) يتحدَّث أفلاطون على لسان تيماوس عن أنّ العناصر الأربعة للطبيعة، الهواء والماء والنار والتراب، تتكوّن بدورها من عناصر هي تكتُّلات لجزيئيات ذات شكلٍ محدَّد ومنتظم وهي بالنسبة لأفلاطون «الأكثر جَمالاً» (Kallistos)، ويتألّف منها الكونُ «الأكثر جَمالاً».
لذا فإنّ العاشقَ الصوفي الأفلاطوني الصَّاعِد على سُلَّم الحُبّ، بدافعٍ من الحُبِّ الحقيقي، حُبِّ الحكمةِ، والحقِّ والخيرِ والجَمال، يُسعِفه هذا الحُبُّ للارتقاء فوق كلّ الجَمالات (Aesthetics) الأرضيّة «يبدأ من الجَمالات الدنيوية العادية ويتعالى صعوداً إلى الجَمال بعينه»، أي مِثال الجَمال المُطلَق، حتى تتسنَّى له رؤية ذلك الجَمال ويُدرِك عندها ما هي حقيقته، ولا تتأتَّى تلك المعرفة إلَّا حسب تعبير أفلاطون «برؤية الجَمال بعينِ العقلِ»، ذلك العقلِ الأرقى «نوس» (Nous) الذي يُمثِّله هذا الجَمالُ، وبذلك يُحقِّق التوّاقُ الأفلاطوني الراقي الفضيلةَ الحقَّة بمشاهدتِه عُشقاً لذلك الجَمالِ السماوي العُلوي في غمرةِ جلالِ الحُبِّ الإِلَهي. هذا هو «الحُبُّ الأفلاطوني»، ألم تسمعوا به!
المراجع
- Symposium by Plato, translator Benjamin Jowett (Project Gutenberg).
- Phaedrus by Plato, translator Benjamin Jowett (Project Gutenberg).
- Hippias Major by Plato, translator Benjamin Jowett (Project Gutenberg).
- Drew A. Hyland, Plato and the Question of Beauty (Indiana University Press – 2008).
- David R. Lloyd, Symmetry and Beauty in Plato (Trinity College, Dublin, Ireland).
- Laura Case, Human Love and Divine Love: The Platonic Matrix in C. S. Lewis (Western Kentucky University – 1975).
- C. S. Lewis, The Four Loves (New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1960).