الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الشاعر القروي

رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)

شاعر الثورة السورية الكبرى

كان مجاهداً بالشعر اللاذع ضد الانتداب الفرنسي
وخلّد بقصائده الرائعة ملامح الموحدين الدروز

عاف التجارة والمال وكرّس حياته وشعره
لاستنهاض العرب للوحدة وقتال المستعمر

إعتبر نفسه مسيحياً ومسلماً وأوصى
بالصلاة على جثمانه من شيخ وكاهن

منع الفرنسيون قصائده فتداولها الناس سراً
وحرموه من جنسيته ومن حق العودة إلى الوطن

يعتبر رشيد سليم الخوري اللبناني المولد الشاعر الأول للقضية العربية وقد منحها كل حياته جهاداً وأدباً وشعراً سواء في وطنه سوريا ولبنان أم في المهجر البرازيلي،وقد كتب القروي بصورة خاصة في حب الأوطان وحب الأرض وأنشد الطبيعة وسحرها كما عبّر عن مواجده وحياته الصعبة وحنينه للوطن في أعذب شعر وأكثر القصائد استثارة للمشاعر ، لكن أكثر ما جعل اسم الشاعر القروي يطير في الآفاق ويصبح رمزاً لمرحلة بكاملها كان ولا شك شعره الوطني المناهض للإستعمار الفرنسي والداعي للوحدة العربية. وبسبب كرهه للإستعمار تلقف الشاعر أحداث الثورة السورية الكبرى في العام 1925 باعتزاز وحماس منقطع النظير، ورغم اغترابه في البرازيل فقد تمكن القروي دوماً من أن يلتقط مغازي تلك الثورة الرائدة ولحظاتها المصيرية وأن يعيش انتصاراتها وآلامها وأن يخلدها في قصائد هي غاية في البلاغة والقوة والحرارة حتى اعتبر رشيد سليم الخوري بحق شاعر الثورة السورية بلا منازع وراعيها وسندها وداعيتها في الوطن والمغتربات.
رغم دوره الكبير في تخليد الثورة السورية الكبرى وفي الكفاح الوطني ضد المستعمر الفرنسي، فإن أجيالاً بكاملها من الشباب اللبنانيين ربما لم يقرأوا عن الشاعر القروي ربما بسبب إهماله المقصود من البرامج المدرسية ولم يطلعوا بالتالي على قصائده الرائعة خصوصاً تلك التي سطّر فيها أعظم المدائح في المقاتلين الدروز الأبطال وفي قائدهم سلطان باشا الأطرش، وقد كتب القروي بحماس وإعجاب ومحبة عن الموحدين الدروز وأكبر تضحياتهم وكتب بدهشة واعتزاز عن بسالتهم واحتقارهم للموت وإنجازاتهم العظيمة في وجه فرنسا التي كانت ثاني أكبر قوة عظمى في العالم آنذاك. لذلك، ومن أجل سدّ هذا النقص تعرض مجلة «الضحى» في ما يلي سيرة موجزة للشاعر الكبير رشيد سليم الخوري وسنعرض بعدها لأهم القصائد التي نظّمها في الثورة السورية وأبطالها وقائدها سلطان.

سيرة نضالية حافلة
ولد رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) عام 1887 في قرية البربارة الواقعة بالقرب من مدينة جبيل التاريخية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في لبنان، وتلقى تعليمه في بيروت وطرابلس وزحلة وسوق الغرب، واشتغل بعدها في التدريس مدة سبع سنوات. عاش الشاعر الشاب أواخر القرن التاسع عشر ونظم الشعر وهو شاب، وبسبب ذلك كان من بين الألقاب التي أطلقت عليه لقب «شاعر القرنين»، لكن الشاعر القروي عاش في تلك الفترة الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد، وكانت حركة الهجرة إلى الأميركيتين قد تسارعت فكانت البواخر ترسو في ميناء بيروت لتنقل المهاجرين من فقراء لبنان وسورية إلى المغتربات في القارات البعيدة، ويبدو أن الشاعر اعتبر أن لا مستقبل له في وطنه فقرر الهجرة إلى البرازيل.
وفي ديوانه الشعري الكبير يصف الشاعر القروي تلك الفترة من حياته فيقول إنه أبحر برفقة أخيه قيصر (سمي في ما بعد «الشاعر المدني» في معارضة لتسمية أخيه)عام 1913 متجهاً إلى البرازيل، وذلك بعد تلقيه دعوة من عمه «اسكندر» القبطان في الجيش البرازيلي مرفق معها المال اللازم للرحلة وكان ذلك قبل سنة من اندلاع الحرب العالمية الأولى وما ستجره من مآس ومجاعات على شعب لبنان.
وصل رشيد سليم الخوري البرازيل سنة 1913 وبدأ كغيره من المهاجرين في تجارة «الكشّة» وهي صندوق يحوي بضائع مختلفة لأغراض المنازل وحاول التجارة في ريو دي جانيرو ثم انتقل إلى ساو باولو لكن التوفيق لم يحالفه فتنقل عندها بين مهن مختلفة منها التعليم في المدارس وفي البيوت ثم في تمثيل بعض المحلات والصناعات في الولايات المتحدة، لكن حياته بقيت عموماً حياة ضنك وعيش كفاف.
وقد يكون أحد أسباب فشل القروي في التجارة أنه شاعر مبدع ومثقف حساس ومتحمس جداً للقضية العربية، فكان لا يترك مناسبة أو تجمعاً للمغتربين دون أن ينبري مستخدماً شعره القوي في الدفاع عن القضية العربية. أخيراً استقر المقام به في مدينة «صنبول» التي كانت مركزاً للثقافة المهجرية في البرازيل، وقد صدرت فيها صحف عربية وأنشئت أندية وأقيمت الحفلات الخيرية والوطنية ومما لا شك فيه أن الشاعر القروي انشغل عن التجارة وجمع المال باعتلاء المنابر للدفاع عن القضية العربية وإلقاء القصائد وجمع التبرعات للمجاهدين في الوطن نتيجة تعلقه الشديد بالعروبة وكرهه للانتداب الفرنسي.
إتهمه بعض المغتربين اللبنانيين بالتنكر لوطنه بسبب ميوله العربية، وعندما اندلعت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش سنة 1925 وبدأت أنباء انتصارات المقاتلين الدروز تصل إلى المهاجر التهبت حماسة الشاعر القروي الذي نظم أجمل قصائده في مدحها ومدح أبطالها وفي هجاء المستعمر الفرنسي. وقد كان لشعره المتفجر كرامة وكرهاً للمستعمر أثر هائل بحيث أخاف سلطة الانتداب وكانت قصائده النارية تقرأ في السر ويتم تداولها نسخاً بين الناس في ظل الحكم الفرنسي لأن العثور على شعر القروي في يد أي مواطن لبناني أو سوري كان يعتبر جريمة عقوبتها السجن.
أخيراً وبعد أن تعاظمت شهرة الشاعر القروي وتأثيره قررت السلطة المنتدبة ربما بتحريض من بعض الجهات المحلية حرمانه من الجنسية السورية واللبنانية ومن الحق في العودة إلى وطنه، وقد سقطت تلك العقوبة مع استقلال سورية في العام 1943 لكن الشاعر القروي بقي في المهجر متابعاً نشاطه الثقافي في «العصبة الأندلسية» وإنتاجه الشعري إلى أن تحققت الوحدة بين مصر وسوريا في ظل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان لذلك الحدث وقع كبير على الشاعر الذي شهد حلمه بالوحدة العربية يتحقق بين اثنتين من أكبر دول العالم العربي فقرر لذلك العودة إلى سورية ليعيش مرحلة الوحدة ويشارك فيها وكان عندها قد تجاوز السبعين من عمره، وتحققت للقروي أيضاً فرصة اللقاء بسلطان باشا الأطرش البطل العربي الذي طالما نظم القصائد الحماسية في مدحه ومدح رجاله المجاهدين من بني معروف.
عاد القروي الى وطنه بعد خمس وأربعين سنة في يوليو 1958 وأقام في قريته البربارة، ثم عاد أخيراً الى البرازيل وبقي يتردد بين المهجر وبلده لبنان الذي أحبه إلى أن توفاه الله عام 1984 عن عمر قارب
الـ 97 عاماً.
أصدر القروي سبعة دواوين شعرية منها الرشيديات والقرويات والأعاصير واللاميات الثلاث. ثم جمع شعره كله في ديوان كبير سماه «ديوان القروي» ظهر عام 1952م في 926 صفحة من القطع الكبير. وله كتاب بإسم «أدب اللامبالاة» أدب الشماتة والعقوق بـ 32 صفحة من الحجم الصغير، طبعه في سان باولو عام 1957.

الشاعر القروي
الشاعر القروي

وصيته الفريدة
تعتبر الوصية التي اختتم بها الشاعر القروي حياته الحافلة من أبرز الآثار التي تركها وعكست رؤيته الإنسانية الجامعة وتعريفه لنفسه باعتباره ليس مسيحياً فقط بل مسيحياً ومؤمناً بالإسلام وكان هذا في نظر الكثيرين موقف غير مسبوق خصوصاً في لبنان المنقسم طائفياً.
ومما جاء في وصية الشاعر القروي أنه طلب فيها أن يصلي على جثمانه شيخ وكاهن، وأن تقتصر مراسم الجنازة على تلاوة فاتحة القرآن الكريم والصلاة المسيحية، كما طلب أن ينصب على قبره شاهد خشبي متين في رأسه صليب وهلال متعانقان كرمز لتآخي الديانتين الإسلامية والمسيحية في المشرق العربي وعلى سبيل التأكيد من قبل الشاعر على أن المسيحية والإسلام في نظره كلاهما دين سماوي يدعو إلى رب واحد وإلى قيم الإيمان والمحبة والمعروف وأنه لا يجوز أبداً الفصل بينهما بالفرقة والتناحر.

آثار القصف الفرنسي للأحياء الشرقية القديمة في دمشق
آثار القصف الفرنسي للأحياء الشرقية القديمة في دمشق

الشاعر الناسك
اشتهر عن الشاعر القروي أنه رفض حب امرأة انكليزية تدعى مود وأجابها في بيت شعر جاء فيه:
«حــــرام علي هـــــــواك
وفي وطني صيحة للجهاد!
وقد أعجبه نضال المهاتما غاندي في الهند ودعوته إلى مقاطعة البضائع الانكليزية فقرر أن يحرّم على نفسه لبس الجوخ الانكليزي بعد أن غدرت بريطانيا بالعرب.
ورفض شراء منزل له في البرازيل وقال: إن أمنيتي بعد هذه السن التي بلغتها هي قبر في وطني لا مقر في غربتي.
وعندما اشتدت حاجته إلى المال باع أعز ما يملك: عوده وكتبه. واعتذر عن قبول حـوالة مالية بقيمة 200 جنيه مصري من الشيخ الباقـــوري، وزير الأوقاف المصري، ثم طبع كراساً يحتوي على ثلاث قصائد هي اللاميات الثلاث ورصد ريعها لنصرة فلسطين.

قصائد في مدح الثورة السورية وأبطالها

قضية أدهم خنجر
خرقت السلطة الفرنسية أهم الأعراف العربية في إجارة الملهوف واعتقلوا أدهم خنجر وهو ثائر لبناني جنوبي كان الفرنسيون يلاحقونه لاشتراكه في محاولة قتل الجنرال غورو. كان هذا الثائر قد أتى مستجيراً بسلطان في بلدته القريا عام 1922، وقبل أن يصل إلى دارة سلطان عرفه في شارع البلدة أحد الجنود اللبنانيين في القريا الذين كانوا مكلفين بمراقبة تحرّكات سلطان، وكان الأخير يومها غائباً عن القريّا في زيارة لقرية أم الرمان عند أحد رفاق جهاده حمد البربور.
تم اعتقال أدهم خنجر في غياب سلطان عن داره، ونقله الفرنسيون سريعاً إلى السويداء، ولما عاد سلطان إلى القريا وعلم بالأمر هبّ مع نفر من رجاله وزحفوا على السويداء لإنقاذ الضيف، ضيفه، ومما جاء في ديوان القروي ص 308، في وصف موقف سلطان من ذلك الحدث، أن الصحف الغربية وصفت بإعجاب عظيم زحف سلطان الأطرش برجاله إلى السويداء لإنقاذ الأسير الذي قبضت عليه السلطة الفرنسية خارقة حرمة الضيافة العربية المشهورة، وإلتقاء البطل العربي ( سلطان ) والتنك ( الدبابة) وهجومه عليها تحت وابل الرصاص وتعطيلها بعد قتل قبطانها ومعاونه بحد السيف. وهنا قصيدة الشاعر القروي حول تلك الحادثة»

تنفيذ جكم الإعدام بعدد من مجاهدي الثورة في ساحة المرجة في دمشق سنة 1926
تنفيذ جكم الإعدام بعدد من مجاهدي الثورة في ساحة المرجة في دمشق سنة 1926

سلطان والانتصار لأدهم خنجر
خففت لنجدة العــــــــاني سريعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا غضــــــــوبـــــــــــــــاً لـــــــــــــــو رآك الليـــــــــــــــث ريعــــــــــــــــــــا
وحولك من بني معروف جمــــــــــــــــــــــــــــــــعٌ بهـــــــــــــــم ــ وبدونهـــــــــــــــم ــ تفني الجموعــــــــــــــــــا
كأنـــــــــــك قـــائدٌ منــهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم هضــــــــابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً تَبِعْـــــــــــــــنَ إلـــــــــــــــى الـــــــــــــــوغى جبلاً منيعـــــــــــا
تَخِذتَهمـــــــــــو لــــــــــــــــدى الجُلّى سيوفــــــــــــــــــــــــــــــــا لهـــــــــــــــا لعـــــــــــــــنَ الـــفرنســـــــــــــــــيّ الـــــــــــــــدروعـــــــــــــــــــــا
وأيُّ دريئــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ تَعصــــــــــــــــــــــــــى حُسامــــــــاً تـــــــــــــــعـــــــــــــــوّدَ فـــــــــــــــي يمينــــــــــــــــــــكَ أن يطيعــــــــــــــــــــــــا
ألم يلبــــــــــــــــــــــــــس عــــــــــــــــِداك التنــكَ درعــــــــاً فَسَلْهـــــــــــــــم هـــــــــــــــل وقى لهـــــــــــــــمُ ضلوعــــــــــــــا
أغرت عليه تلقـــــــــــــــــى النـــــــــــــــــــارَ بــــــــــــــــــــــــرداً ويـــــــــــــــرميهـــــــــــــــــــا الـــــــــــــــذي يرمـــــــــــــــي هَلوعــــــــــــــا
فطاشت عنك جازعــــــــةً ولو لــــــــــــــــــــم تهـــــــــــــــشّ لهـــــــــــــــا لحاولـــــــــــــــــــت الـــــــــرجــوعـــــــــــــــا
ومُذْ هطَلَ الرصاص عليكَ سحّاً كـــــــــــــــوسمِـــــــــــــــيٍّ جليــــــــــــــــــتَ بــــــــــــــــــــــه ربيعــــــــــــــــــــــا
زعقتَ بمثل فرخِ النسر طِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرفٍ يُجَـــــــــــــــنّ إذا رأى سهــــــــــــــــــــلاً وسيعـــــــــــــــــــــــــــــــا
يحنّ إلـــــــــــى الوغـــــــــــــــــــــــــــــــــــى تحنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانَ أمٍّ بحضـــــــــــــــن غريبـــــــــــــــةٍ تركــــــــت رضيعـــــــــــــــا
فطــــــــــــــــار لهـــــــــــا كأنّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك مستـــــقـــــــــــــــــــــــــــلّ جوانـــــــــــــــحَ شاعـــــــــــــــرٍ ذكـــــــــــــــر الربوعــــــــــــــــــــــــــــا
ولما صرت من مُهَــــــــــــــــــــــــجِ الأعــــــــــــــــــــــــادي بحيـــــــــــــــث تذيـــــــــــــــقهـــــا السّـــــــــــــــمَ النقيعـــــــــــــــــــــــا
وثبتَ إلى سنــــــــــــــــــــــــــــــــام التنك وثبــــــــــــــــــــــــــــاً عجيبــــــــــــــــــاً علّـــــــــــــــمَ النســـــــــــــــر الوقوعــــــــــــــــــــــــا
وكهربت البطاحَ بحــــــــــــــــــــــــدّ عَضــــــــــــــــْب بهرتَ بــه العـــــــــــــــدى فهَـــــــــــــــوَوْا ركوعـــــــــــــــا
كــــــــأنّ به إلى الأفرنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك جوعــــــــــــــــــــــــــــاً وسيفُكَ مثلُ ضيفكَ لــــــن يجوعـــــــــــــــا
تكفّــــــــــــــــــــــــــــــــــل للثرى بــــــــــــــــالخصــــــــــــــــــــــــــــب لمّـــــــــــا هفـــــــــــــــا برقــــــــــــــــــاً فــــــــــــأمـــــــــــــــطرهـــــــــــــــم نجيعــــــــــــــــــــا
وفجّــــــر للدمــــــــــــــــــــــاء بهـــــــــــــــــــــــــــــــم عيونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً تجـــــــــــــــاري مـــــــــــــــن عيونهـــــــــــــــمُ الــــدموعــــــــــــــــــا
فخرّ الجند فوق التنــــــــــــــــــــــــك صرعى وخـــــــــــــــرّ التنـــــــــــــــكُ تحتهمــــــــو صريعـــــــــــــــــــــــــــــــــــا
فيالكِ غـــــارةٌ لـــــــــــــــو لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم تذعهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أعـــــــــــــــاديـــــــــــــــنـــــــــــــــــا لكـــــــــــــــذّبنــــــــــــــــــــا المذيـــــــعـــــــــــــــــــــــــــــــــا
ويا لكَ « أطرشــــاً» لمّا دُعينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا لثــــــــــــــــــــــأرٍ كـــــــــــــــانَ أسمعنــــــا جميعــــــــــــــــــا!!

هذا العنفوان الشعري لدى القروي هو انطباع لتلك البطولات التي سطّرها بنو معروف في جهادهم عام 1925م، من أجل الاستقلال في سوريا ولبنان، تلك الحقيقة التاريخية التي يشهد بها الدكتور عمر فروخ، وتلك المعارك التي ألهمت الشاعر القروي قصيدته المشهورة بعنوان«الاستقلال حق لاهبة» ومما جاء فيها:

إن ضاع حقّك لم يضع حقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــّان لـــــــــــــــك في نجاد السيف حقٌّ ثـــــــــــــــــانِ
ما مات حقّ فتىً له زَندٌ، لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه كـــــــــــــــفٌّ لهــــــــــــــــــا سيــــــــــــــــــفٌ لـــــــــــــــه حـــــــــــــــــــــدّان
فابعث سيوف الهند من أغمادها تبعث بهـــــــــــــــا الموتـــــــــــــــى مـــــــــن الأكفــــــــــــــان
مازال هذا العلـــــج يحسب أننــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بـــــــــــــــقـــــــــــــــــــرٌ تُـــــــــــــــدِرّ عـــــــــــــــليـــــــــــــــــــــــه بـــــــــــــــالألبـــــــــــــــــــــان
حتى استفاق على الزئير وجلدُهُ كالطِّمـــــــــــــــرِ تحت مخالـــــــــــــــب المُـــــــــــــــرّان
من قمح حورانَ أراد وليمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةً فأتــــــــــاه ســــمُّ المـــــــــــــــــوت مـــــــــــــــن حـــــــــــــــوران
صاح: المروءة يافرنجُ» فليس لــــــــــــــي فـــــــــــــــي صـــــــــدّ غـــــــــارات الــــدروز يـدان
عهدي بهم في السلم حملانـــاً فَوا رُعبـــــــــــــــاهُ بـــــعدهمـــــــــــــــو مـــــــــــــــن الحُمــــــــــــــــــلان
لِله منظـرُهم إذا هزجـــــوا وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد هـــــــــــــــزّوا الـــــــــــــــرمـــــاح لـــــــــــــــغارةٍ وطـــــــــــــــعـــــــــــــــــانِ
يلقَوْنَ« مِتْرَليوزَنا» بصدورهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ويكـــــــــــــــافحون «التنكَ» بــــــالأبــــــــــــــــــدانِ
متهافتين على الردى وشعارهـــــــــــــــــــــــم اليــــومَ أفضــــــــلُ مـــــــــــــــن غَـــــــــــــــدٍ يـــــــــــــــا فـــــــــــــــــانِ
ونساؤهم لو تشهدون نســــاءَهــــــــــــــــــــــم في الحرب حاملةً على الشجعـانِ
كالمـــــــاءِ أعذبُ ما يكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون وإنّهُ لَأشدُّ مـــــــــــــــا يسطو علـــــــــــــــى النيــــــــــــــــــرانِ
ينفخنَ في أشبالهـــــنّ حماســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةً تَثِــــــــبُ الصـــــــــــدورُ لهـــــــــــا مـــــــــــن الغليــــــــــــان
فكأنّهم لبَســوا بهـــــــــــــــنّ جوانحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً طـــــــــــاروا بهـــــــــــا للحـــــــــــــــربِ كــــالعُقــــــــــــــــــــــــــــــــــانِ

ولكن القروي وقد ذكر بطولات بني معروف الموحّدين فهو لن ينسى أن يشيد بقائدهم الذي يتركه للقارئ لُغزاً يفاجئنا به فيبوح بسرّ اسمه في آخر القصيدة حيث يقول:

ولئن نسيتُ فلستُ أنسى بينهــــــــــــــم رجلَ الرجـــــــــــــــــالِ وفارسَ الفرســــــــــــــــان
وحُلاحلَ الحربِ الذي يغشى الوغى ووراءَهُ نَـــــــــــــــفَـــــــــــــــــــرٌ مـــــــــــــــن الـــــــــــــــفتيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانِ
فكأنّهـــــم منـــــه مكـــــــــــــــانَ قنــــــاتِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه وكـــــــــــــــأنـــــــــــــــه منهــــــــــــــــــــم مكـــــــــــــــانُ سِنـــــــــــــــــــــــــــــــــان
يرمي بهم قلب الوطيس كأنهـــــــــــــــــــــــــــــــــم حِمَمُ الحمـــــــام قُــــــــذفـــــــــــــــنَ مـــــــن بُركــــــــــــــــــانِ
يُفني الرّجالَ بأحدَبٍ ومُقَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوّمٍ ضدّيـــــــــــــــن فـــــــــــــــي اللبـــــــــــــــاتِ يـــــــــــــــلتقيـــــــــــــــــــــــــان
ويكادُ يفترسُ العدوَّ جـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوادُه فكــــــــــأنّـــــــــــــــهُ أسَـــــــــــــــدٌ علـــــــــــــــى ســـــــــرحـــــــــــــــان

قد كُفيتُ به سؤالَ النـــــــــــــــــــــــــــــــــاسِ من تعني وهل أعني سوى سلطان؟!!

ويعتب الشاعر القروي على لبنان ويهيب باللبنانيين أن يثوروا وهو يرى الجواب الشافي للاحتلال الفرنسي في تلك الثورة السورية الكبرى. يقول القروي:

لبنانُ يا لبنانُ بل ما ضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرّنــــــي لـــــــــــــــو قلـــتُ يـــــــــــــــا بلـــــداً بـــــــــــــــلا ســـــــكـــــــــــــــانِ
خفَضَتْ جبالك شامخاتِ رؤوسها بــــــــــــــالعارِ واندكّـــــــــــــــت إلـــــــــــــــى الأركـــــــــــــــــــانِ
تشكــــــــــــــــــــــو من الأديانِ تتّهمُ السّــــوي ولَأنـــــــــــــــتَ أنـــــــــــــــتَ الـــــــــــــــعبـــــــــــــــدُ للأديـــــــــــــــــــــــانِ
إن كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان للدين الدروز تعصّبـــوا أرِنــــــــــــا التعصّـــــــــــــــبَ أنـــــــــــــــتَ للأوطـــــــــــــــــــان
حورانُ هبّ إلى الحسام كأنّمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا هو وحدَهُ العــــاني وأنــــــــتَ الـــــــهاني؟
أين التراثُ تراثُ أبطال الحمـــــــــــــــــــــــــــــــــى أيـــــــــــــن البقيّــــــــــــــــةُ مـــــــــــــن بنـــــــــــــي غسّـــــــــــــانِ؟

الملك-فيصل-الأول-عند-إعلان-الحكومة-العربية-في-سورية
الملك-فيصل-الأول-عند-إعلان-الحكومة-العربية-في-سورية

بطل الصحراء
بطــــــــــــلَ الشـــــامِ عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــودةً لبــــــــــــــــــــــــــــلادِكْ تَصلــــــــــــحُ الشــــــــــــامُ مَوْطِنــــــــــــاً لمــــــــــــعــــــــــــــــــــــادِك
عُطّلَت ساحَةُ الجهادِ من الآسادِ لمـــــــــــــــــــــّا انــــــــــــــــــــــزويــــــــــــــــــــــــتَ مــــــــــــــــــــــــع آســـــــــــــــــــــــــــــــادِكْ
وجلا العزّ عن رُبى جنّةِ الخُلـــــــــــــــــــــــــــدِ فــــــــــــآبــــــــــــت صحــــــــــــراء بعــــــــــــد بِـــــــــــــعــــــــــــــــادِك

بلبل الشعر خلّ عنك الخيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالا تتمنّــــــــــــــــــــــــى عــــــــــــلــــــــــــى الــــــــــــزمــــــــــــان المحــــــــــــــــالا
أيَّ نصــــــــــــرٍ ترجـــــــــــــوهُ أيَّ فَخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارٍ لبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلادٍ تــــــــــــــــــــــــــــــــــــجــــــــــــــــــــوِّعُ الأبطـــــــــــــــــــــــــــــــــــالا
أوَ لــــــــــــم نبــــــــــــذلِ النفـــــوس فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداءً عــــــــــــن لئــــــــــــامٍ لا يبــــــــــــذلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون المــــــالا؟

صارِعِ التّنْكَ، سَرِّ عنكَ فخَلفَ البحرِ جُنْدٌ للحــــــــقِّ مــــــــــــن أجنـــــــــــــــادِكْ
لا يَضِركَ العُبدانُ ما دمتَ حُــــــــــــــــــــــرّاً قــد جعلْــــــــــــتَ الأحرارَ مــــــــــــن عُبّــادِك
قد أردتَ استقلالَ شعبِكَ لكــــــــــــــنَّ مُــــــــــــــــــــــــرادَ الأيّــــــــــــــــــــــــــــــــامِ غــــــــــــيـــــــــــــــــــــرُ مُــــــــــــــــــــــــــرادِكْ
أيُّهـــــــــــــــــــــا المُبعَــــــــــــدُ المُـــــــــــــــــــزَوّدُ عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــِـــــــــــــــزّاً أيــــــــــــن للمتـــــــــــــــرَفــــــــــــينَ فضــــلَــــــــــــــــــــــــــــــــــةُ زادِك؟
يــــــــا شريداً عن البـــــلادِ طريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداً أنــــــــــــــت فــــــــــــي كــــــــــــلّ معبــدٍ مــــــــــــن بــلادك
كـلّ مافي أقلامنا من مضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاءٍ مستــمــــــــــــدٌّ مــــــــــــن مرهَفــــــــــــــاتِ حِــــــدادك
كلّ سبقٍ في شعرِنا وانتصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارٌ هــــــــــــو مــــــــــــن ملهمـــــــــــــات خيــــــــــــلِ طرادكْ
كل ما في صدورنا من لهيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبٍ هــــــــــــو إضـــــــــــــــرامُ وَرْيُــــــــــــهُ مــــــــــــن زنــــــــــــــــــــــــادِك
كلُّ مـــــــــا في هُتافِنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا من دَوِيٍّ هــــــــــــو تــــــــــــرجيـــــــــــــــعُ نبضـــةٍ مــــــــــــن فــــــــــــؤادِك
كلُّ مــــــــــــــــــــــــا في آثارنا من خلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــودٍ هــــــــــــو تــــــــــــاريــــــــــــخُ ساعةٍ مــــــــــــن جــهـــادك
كــلُّ أمجادنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بناتُــــــــــــكَ يــــــــــــــــــــــــــــــــــا من قــــــــــــد أضفــــــــــــتَ المنفـى إلى أمجادِك
أيّهــــــــــــا المُنجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدُ المحاويــــــــــــجَ عارٌ أن نُصِــــــــــــمَّ الأسمــــــــــــاعَ عــــــــــــن إنجــــــــــادك
لو فرشنـــــــــــا لك الجفونَ مهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاداً وجعلنــــــــــــا الأهـدابَ حشوَ وِسادِك
ما جزيناكَ ساعةً مــــن ليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالٍ بِــــــــــــتَّ عنّــــــــــــا علــــــــــــى حِــــرابِ سُهـــادِك
كلُّ حُرٍّ فداكَ يا فاديَ الشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامِ وأولادُه فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدى أولادك

لمن المآدب
(عندما يصبح الخبز أغلى من الذهب)
لم ينس سلطان باشا الأطرش جميل الشاعر القروي، ولا جميل أولئك الوطنيين الغيورين الذين ساندوا الثوار في المنفى، وقد جاء في كتاب«أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش 1925 ــ 1927 (ص312»)، مايلي:«غير أن إخواناً لنا في الوطن والمهجر لم ينسوا أثناء تلك الضائقة الشديدة التي مرّت بنا، بل كانوا يتحمّلون المشاق في جمع الإعانات لحسابنا وإيصالها إلى مضاربنا ( أي الخيام التي كان الثوّار يأوون إليها)، بالإضافة إلى مواجهتهم للمؤامرات التي كانت تستهدف التضييق علينا … ولكن مع اهتمامهم الشديد بنا، وزيارة العديد منهم لنا، فقد كان شبح المجاعة يطل علينا بين حين وآخر، فنضطر إلى التهام أوراق النبات ريثما تصل الإعاشة إلينا من عمان وبعض المدن الأخرى. وفيما كنا نواجه أمثال هذه الأزمة الحادة، وإذا بالسادة: شكري القوّتلي والحاج عثمان الشرباتي والحاج أديب خير وعادل العظمة يصلون إلى منازلنا ويقدّمون إلينا الإعانات المجموعة بإسم الثورة «صُرّة» من الليرات الذهبية. فلم يتمالك الأمير عادل أرسلان نفسه من الانفعال، فتناول قبضة منها ونثرها أمامهم، وخاطبهم بحدّة قائلاً:
« إن هذا الذهب كلّه لايساوي رغيفاً واحداً ينقذ حياة الذين يتضوّرون جوعاً منذ أيام، وخصوصاً النسوة المرضعات والأطفال، أرجعوه معكم لأننا لسنا بحاجة إليه في هذه الصحراء! ».

شاعر الثورة يلبّي النداء
في عام 1934 أقامت الجالية العربية في مدينة بيونس ايرس عاصمة الأرجنتين مأدبة سخية له ولرفيقه الياس فرحات، واغتنم الشاعر الفرصة لإلقاء قصيدة حماسية استنفر بها مشاعر المدعوّين لمساعدة أطفال الثوار الجياع والعطاشى في منافي نجد من أرض المملكة العربية السعودية، بعيداً عن أوطانهم. ولما انتهى من القصيدة ألقى بريال على المائدة وأتبعه رفيقه فرحات بمثله فهطلت الأوراق المالية من كل صوب واجتمع للمنكوبين مبلغ غير زهيد.
يقول القروي في تلك القصيدة التي حملت عنوان:

لمن المآدب
لِمَنِ المآدبُ حولها الأضيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــافُ وعـــلامَ هــــــــــــذا البــــــــــــذلُ والإســــــــــــــــــــــــرافُ
وَمَنِ الملوكُ الفاتحون بأرضـــــــــــــــــــــــــــــــــكم يُسعــــــــــــى عليهــــــــــــم بــــــــــــالطّلا ويُطـــــــــــــــــــافُ
يا عُصبَةً الخُلُقِ الكريمِ وإنّهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا لَشهــــــــــــادَةٌ يقضــــــــــــي بــــــــــــهــــــــــــا الإنصــــــــــــــافُ
عبَثاً تحاول كفَّ كفّكَ عن نـــــــــــــدىً إنّ الــــــــــــكـــــــــــــــريمَ مُبَــــــــــــــــــــــــذّرٌ مِـــــــــــــتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلافُ
القانعيــــــن مــــــــــــن الحيــــــــــــــاة ببُلغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــَةٍ هذي الجفــــــــــــانُ تحفُّهــــــــــــــــــــــــنَّ صِحــــــــــــافُ
ألطائـــــرَينِ غِناهمـــا بغِناهمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا تــــــــــــلقــــــــــــى فــــــــــــراخٌ حــــــــــــتفُهــــــــــــا وخِـــــــــــــــرافُ
خَلُّوا المطـــاعِمَ للذينَ قلوبــهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ورؤوسهــــــــــــم ونــــــــــــفوسهــــــــــــم أجـــــــــــــــوافُ
واللهِ ما ظفــــِرَتْ يدايَ بلقمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ إلاّ عــــــــــــــــرانــــــــــــيَ خاطــــــــــــرٌ رجّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــافُ
وتمثّلت لي في المضارب صِبيَـــــــــــــةٌ خُمــــــــــــصُ البطــــــــــــونِ كــــــــــــأنّهــــــــــــم أطيــافُ
لهمُ الصّحارى والمجاعَةُ والصّدى ولنـــــــا النــــــــــــدى والخمــــــــــــرُ والأريــــــــــــــــــــــــافُ
أشبالُ من نثرَ الكتائبَ سيفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــُــهُ السباســــــــــــبَ رُمحُــــــــــــه الــــــــــــرّعّــــــــــــــــــــــــــــــافُ
أنجــالُ من كانت تروحُ وتغتــــــــــــــــــــــــــــــدي كالنمــلِ حــــــــــــولَ خِوانــــــــــــه الأضيــــــــــــافُ
أطفال سلطانٍ تجوعُ وطالــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمــــــا شبعــــــــــــــــت بفضــــــــــــل فطــــــــــــــــــــورهِ الآلافُ
حَلِفٌ عليـــــكم لا يذاقُ طعامُكـــــــــم والحــــــــــــــــــــــــرُّ لــــــــــــم تُنقَـــــض لــــــــــــهُ أحـــــــــــــــــــــلافُ
وَقْـــــــــفٌ لأبطالِ الجهـــــــــادِ عشاؤكــــــــــــــــــم وأعيــــــــــــذكـــــم أن تؤكــــــــــــــــــــــــلَ الأوقـــــــــــــــــــــــافُ
نِعـــــــــمَ الزكـــــــــاة عــــــــــــــــــن الرفــــــــــــــــــاهِ ضـــــــــريبةٌ ليسَت تُحِــــــــــــسُّ بحملــهــــــــــــا الأكتــــــــــــــافُ
سلمانُ قم وافتحْ جرابَكَ للنّــــــــــــــدى فــــــــــــعلــــى يــــــــــــــــديــــــــــــكَ يُقَــــــــــــدَّمُ الإسعـــــــــــــــــافُ

في عيد الفطر
اغتنم الشاعر القروي بعد ذلك مناسبة مأدبة أقيمت احتفاء بعيد الفطر فذكّر الصائمين رمضان بصيام الزعيم الوطني الهندي، غاندي؛ ذلك الصيام الإحتجاجي الذي مارسه معترضاً على احتلال البريطانيين لبلاده، فأخاف الإنكليز، يقول القروي في قصيدته المعنونة بـ

عيد الفطر
صياماً إلى أن يفطرَ السيفُ بالدّمِ وصبراً إلى أن يصدح الحقّ يافمي
أفِطرٌ وأحرار الحمى في مجاعـــــــــــةٍ وعيدٌ وأبطــــــــــــال الجهــــــــــــادِ بمـــــــــأتمِ ؟!
بلادك قدّمــــــــــها على كلّ ملـــــــــّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ ومن أجلها أفطِر ومن أجلهــــا صُمِ
أُكَرّمُ هذا العيدَ تكـــريمَ شاعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرٍ يتيــــــــــــهُ بــــــــــــآيــــــــــــاتِ النّبـــــــــيّ المــــــــــــُعظّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمِ
ولكنّني أصبــــــو إلى عيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ أُمّـــــــــــةٍ مُحرّرةِ الأعناقِ مـــــــــــن رِقِّ أعجمي
إلى عَلَمٍ من نسجِ عيسى وأحمدٍ و»آمنةٌ» في ظلّهِ أُختُ «مريــــمِ»
هَبوني َعيداً يجعلُ العُرْبَ أُمـــــــــــــــــــــــــــــــــــّةً وسيروا بجثماني على ديـــــــنِ بَرهمِ
فقد مَزّقت هذي المذاهبُ شملَنا وقد حَطّمتنا بــــــــــــــــــــــــين نـــــــــابٍ ومَنســــــمِ
سلامٌ على كُــــــفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــْرٍ يوَحّــــــــــــــــــــــدُ بيننا وأهلاً وسهــــلاً بعــــــــــــدهُ بــــــــــــجهنّــــــــــــــــمِ!!

وفي الحفلة التأبينية التي أُقيمت تكريماً للدكتور المجاهد خليل سعادة سنة 1934 أرّخ الشاعر الحدث بهذه الأبيات:
علـــــــــــــى جَــــدَثِ البطولــــــةِ قــــف حزينــــــــاً وحــــيِّ شهيـــــــــدهـــــــــــا والــــــــــــعيـــــنُ ثَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرَّهْ
فـــــــــــكـــــــــــــم لِـــــــــــيَـــــــراعِـــــــــــــهِ زأراتِ لــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــــــــــــثٍ صـــــــــــداهــــــــــــــــــــــا رنّ فــــــــــــــــــــــــــي أذن المــجــــــرّه
نـــــــــــطـــــــــــاســـــــــــــــــــــــــــــــــــــيٌّ أديـــــــــــبٌ عــــــــــــــــــــــــاش حرّاً ومات لـــكـــــــي تـــــــــــعيــشَ الـــــــــــشــامُ حُــرّه
يمـــــــــــين الحــــــــــــــــــــــقّ فـــــــــــي ســـــــــــفر المعـــــــالـــــــــــــــــــــــــــــي بــــــــــــــــــــــدع مــــــــــــــــــــــؤرّخيه تــــــــــــــــــــــخـــــــــــــطّ ذكــــــــــره

وهاهو الشاعر في قصيدته أبا الأحرار التي يخاطب فيها الدكتور سعادة الذي توفّي على أثر صومٍ اختياري طويل، وهو يهدّد الفرنسيين المحتلّين للشام بفرسان الجبل، يقول:
ألا قـــــــــــل للّــــــــــذيــــــــــــــــن طــــــــــــــــــــــغـــوا رويـــــــــــــــــــــــــــــــــداً فــــــــــــــــــــــلِلْأيّــــــــامِ والـــــــــــدّوَلِ انــــــــــــــــــــــقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلابُ
سنـــــــــقـــــــــــتلـــــكــــــــــــــــــــــم ونحييــكـــــــــــــــــــــــــم إلــــــى أنْ يُــــــــــمَزّقَ عــــــــــــــــــــــن عيونِكــــــــــــــــــــــمُ الحجـــــــابُ
وكـــــــــــم كـــــــــــفٍّ يـــــــــــطيــــــرُ بـــــــــــهــــــــــــــــــــــــا صــــــــــوابٌ وأخرى يُستَــــــــــــــعادُ بـــــــــــهـــــــــــا الصــــــــــــــوابُ
غَــــــــــــــــــــــداةَ نــــــــــــــــــــــروّعُ الــــــــــــــــــــــدنيـــــــــــــــــا بِـــــــــــــــــــــــــــــــــجِـــــــــــنٍّ علــــــى صَــــــهَـــــــواتِـــــــــــهـــــــــــا شبــــّوا وشابـــــوا
إذ اهـــــــــــبّــــــــــــــــــــــوا إلــــــــــــــــــــــى الغـــــاراتِ غارت وِهاداً تحتَ زَحـــــــــــــفِهمُ الهضـــــــــــــــــــــابُ
وللتــــــــــــــــــــــاريــــــــــــــــــــــخِ رُجعـــــــــــى ثـــــــــــمّ يـــــــــــطـــــــــمــــــــــــو ويــــــــــــــــــــــجتـــــازُ العُبــــــابَ لنـــــــــــــــــــــــــــــــــا عُبــــــــــــــــــابُ
ويـــــــــــجرفـــــــــــكـــــــــــم مـــــــــــن الصـــــحـــــراء سَيْــلٌ لـه في شاطئ الشام» اضطرابُ»
لقـد طال الحســـــــــــابُ وعـــــــــــــــــــــــــــــن قريـــــــبٍ يُـــــــــــصَـــــــفّــــــــــــــــــَى بــــــــــــــــــــــالمـــــهـــــــــــنّــــــــــــــــــــــدةِ الحســـــــابُ

هذا هو رشيد سليم الخوري، الشاعر القروي، شاعر الثورة السورية الكبرى الوفي، والصوت الصادح بدور بني معروف في ميادينها…
وبعد هذا فليس غريباً أن يتلطّف الأمير شكيب أرسلان بعد أن تأثر بشعر القروي فقال مُقَرضاً إيّاه بقصيدة طويلة وردت على هامش ديوان القروي ص482، نقتطف منها:
قـــــــــــل للقصــــــــائـــــــــــــــــــــــد كــــــــــلّـــهـنّ تـــــــــــــــــــــــــــــــــذلّلــــــــــــــــــــــــي لــــــلشـــــــاعر القــــرويّ وســـــــــــــــــــــط المحــــــفلِ
وتَـــــــــــوَسّـــــــــــدي الغبــــــــــــــــــــــراءَ عنــــــــدَ قريضهِ وضعـــي جبــاهَكِ في مكـــــانِ الأرجُـلِ
مـــــــــــن قــــــــــــــــــــــالَ إنّي قــــــــــــد رأيــــــتُ نظيــــــــــــــــــــرَهُ بــــــــــــــــــــــجميـــع أمّـــــــــــةِ يــــــــــــــــــعـربٍ لــــم يــــــــــــــــــــــعـــدلِ
حِكَـــــــــــمٌ كمــــــــــــا انفلق الصبـــاح وحجّــةٌ أضحت تقول لطلعةِ الشمـــس اخجلي
مـــــــــــا زلتُ أنشدها وبي من سحرهــا مثــــل الغـــرامِ يهيجُ فـــي قلـــــــــــبِ الخـــــلي

ومما جاء في ديوانه (ص897) أنه رأى في المنام أنه التقى سلطان الأطرش ولم يخاطبه بلقبه (الباشا)، بل وقيل إنّ أحدهم نبّهه إلى ذلك أثناء لقاء الشاعر بسلطان القائد العام للثورة نفسه، فما كان من الشاعر إلاّ أن أنشده هذين البيتين،
سلطــــــــــــــــــــــانُ يــــــــــــــــــــــاسيــــــفَ الحمـــــــــــــــــــــــــــــــــى المســـــــــــــــــــــــــــــــــلولِ والسّــــــــــــــــــــــهمِ المُراشـــــــــــــــــــــــــــــــــا
عِــــــــــــــــــــــش للـــــــــــجهـــــــــــادِ وذكـــــــــــرك الميمــــــــــــــــــــــونُ للتــــــــــــــــــــــــــــــــاريـــــــــــــــــــــــــــــــــخِ عـــــــــــــــــــــــــــــــــاشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
حاشــــــــــــــــــــــا لِمثلــــــــــــــــــــــي أن يُصَغّــــــــــــــــــــــرَ مــــــــــــــــــــــن مقــــــــــــــــــــــامــــــــــــــــــــــكَ ألــــــــــــــــــــــفُ حـــــــــــاشــــــــــــــــــــــا
إن كنــــــــــــــــــــــتَ سلطــــــــــــــــــــــانــــــــــــــــــــــاً فكيفَ يـــــــــــجـــــــــــوزُ أن أدعـــــــــــوكَ بـــــــــــاشــــــــــــــــــــــــا؟!

الشاعر القروي في زيارة سلطان باشا الاطرش
الشاعر القروي في زيارة سلطان باشا الاطرش

 

مواجهة طريفة بين الشاعر القروي وسلطان باشا
من القصص التي دارت بين القروي وسلطان باشا الأطرش قبل وفاتهما بعدة شهور، وكان الإثنان قد تجاوزا التسعين…
قال القروي: يا سلطان أنا أرسلت لك قصيدة كذا عام 1925 وقصيدة كذا عام 26 وأرسلت لك مجموعة من القصائد وأنتم مع إخوانكم الثوار في صحراء نَجْد في المنفى ولم يردني أي جواب.
أجاب الباشا: كانت تصلني قصائد ويقرأها الشباب ومعظمها أصبح يدرس في مدارس الوطن، ما عدا تلك القصيدة التي كسرت بها خاطر الإنكليزية سامحك الله.
هنا تساءل الحضور عن القصة فكانت إشارة إلى لقاء الشاعر القروي مع الحسناء مود البريطانية التي أعجبت به، فتخلص منها معتذراً بسبب ما يفعله أهلها بأهله من مظالم . وقال يومها شعراً:
ولو لم تكوني فرنجيـــــة
لكنت سعادتي قبل ســـعاد
ولكن حرام علــي الهوى
وفي أمتي صيحة للجهـــاد
هنا علّق الباشا بتحبب وقال: «أما كان يمكن أن ترضيها بالتي هي أحسن ونحن هنا نكفيك واجب مقارعة أهلها المستعمرين في ديارنا» فضحك الجميع.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading