الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

نحن والسرطان

نحن والسرطان

لم يحصل في التاريخ الحديث أن بلغ السرطان
درجة الانتشار الفظيعة التي نشهدها الآن

الحلقة المفقودة ما زالت في التركيز على العلاجات
دون وجود أي سياسات وطنية للوقاية من المرض

من حق المريض أن يعرف مخاطر وتكلفة العلاج الكيماوي
ولا بد من التشجيع على استخدام العلاجات البديلة والجديدة

أطباء السرطان يرفضون العلاج بالكيمو إن أصيبوا
فلماذا إذن يستمرون في تقديمه لمرضاهم

«سرّ النجاح في أي تجارة هي أن تكتشف الحيلة التي تجعل من زبونك زبونا لمدى الحياة»
(مثل أميركي)

اللبنانيون محاصرون بالسرطان، المرض الذي لم يكن الناس يستسيغون تسميته أو كانوا يعتقدون أنه يحدث فقط للآخرين يقترب كل يوم من البيوت ويخترق الأسر وينشر الخوف في كل مكان. وهناك أكثر من دليل إحصائي وعياني يؤكد أن حالات السرطان في تزايد وإن احتمال الإصابة به بات أعلى بالنسبة للفرد كما إنه بات يظهر في مختلف الأعمار.
مع ذلك فإن السرطان في حدّ ذاته ليس هو العدو، بل العدو الحقيقي هو الجهل به وبالعوامل التي تسببه، كما إنه شبكة الاستنزاف الطبي والصيدلاني الذي يقع فيها المريض بمجرد إبلاغه بالمرض. مع العلم الأكيد أن العلاجات المقدمة حتى الآن وأهمها العلاج الكيماوي أو الإشعاعي ليس فقط أثبتا فشلهما في معظم حالات المرض المستعصية بل إن الدراسات العلمية باتت تؤكد أنهما يتسببان غالباً في تنشيط السرطان ويساعدان على انتشاره هذا إضافة إلى نتائجهما المدمرة على جهاز المناعة وعلى الحياة الطبيعية للمريض.
إن المأساة الكبرى لمرضى السرطان ليست في مرضهم بل في استمرار المؤسسة الطبية بتقديم علاج فاشل وباهظ التكلفة ومدمر للحياة إسمه الكيمو وهذا رغم الإدانة المتزايدة لهذا الأسلوب من أوساط علمية وطبية، ورغم التقدم الكبير الذي حصل في فهم أسباب ظاهرة السرطان ودور العناصر الطبيعية والغذائية وبعض الفيتامينات والمكملات الغذائية في توفير علاجات أكثر فعالية واقل تكلفة، ولا تحمل آثاراً جانبية على جسم المريض وعلى حياته الطبيعية، وكذلك رغم التقدم الذي حصل في ميدان الطب ولاسيما في تطوير مقاربات بديلة للكيمو وللعلاج الإشعاعي والتقدم الحاصل في مجال تطوير أدوية للسرطان «موجهة» أي أنها تصيب الخلايا الخبيثة دون الخلايا السليمة.
لقد تمّ تطوير نظام الكيمو انطلاقاً من غاز الخردل وغيره من الغازات السامة التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى وتوافر منها مخزونات هائلة أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد اكتشفت القيادات العسكرية بالصدفة تأثير الغازات السامة في تقليص حجم بعض الأورام، وأجريت بعد ذلك تجارب عدة أفضت إلى تبني منوعات من الغاز السام بعد تعديل تركيبته في تصنيع أدوية السرطان وتمّ ذلك ابتداء من خمسينات القرن الماضي، ورغم التطور الهائل في العلوم الطبية فقد استمر المرضى منذ سبعين عاماً يتلقون نفس الفئة من الأدوية السامة دون تطوير يذكر وبقي التركيز على محاولة «تسميم» الخلايا السرطانية عبر أدوية تبين أن نجاحها الأول هو في تسميم الخلايا الصحيحة والسليمة وأنها على العكس قد تسهم في أكثر الأحيان في تنشيط الخلايا السرطانية.
إن الحلقة المفقودة في مواجهة السرطان هي في استمرار التركيز على العلاج بعد أن تكون المصيبة قد وقعت دون وجود أي اهتمام لا من المؤسسة الطبية ولا من الدولة بتزويد العامة بفهم أفضل للمرض وتطوير ثقافة صحية عامة تنقل التركيز من العلاج إلى الوقاية أولاً. وبالنسبة لملايين الأصحاء الذين لا يعانون اليوم من المرض فإن المسؤولية الأولى هي أخذ السرطان على محمل الجد وعدم التوهم بأنه يحدث للآخرين فقط وبالتالي تطبيق سياسات وقاية وأنظمة حياة وتغذية تبعد احتمال الإصابة، لأن الأولى هو دفع الضرر قبل حصوله فذلك أسهل واقل تكلفة بكثير. ونحن نتوجه من على منبر «الضحى» بنداء إلى معالي وزير الصحة لإطلاق حملات وطنية للتوعية في سبيل اجتناب مرض السرطان والوقاية منه وتنظيم أسبوع وطني سنوي يستقطب أبرز الدارسين وخبراء الصحة العامة والبيئة والتغذية ولا يقتصر بالتالي على الأطباء، بل ينبغي في اعتقادنا إدخال مادة الصحة العامة إلى المقررات المدرسية وتوعية الجيل الناشئ بالمخاطر الحديثة التي باتت تتهدد الصحة ومن بينها العوامل المسببة لمرض السرطان.
في انتظار ذلك النوع من المبادرات وبسبب أهمية الموضوع وما نراه يومياً من لوعة المرضى وذويهم وحالة القنوط التي تنتشر في كل بيت يسقط عليه المرض فقد رأينا أن نعدّ هذا الملف الأولي على سبيل توفير منطلق لفهم المرض وسبل مواجهته بل والتغلب عليه عبر الاستفادة من المروحة الواسعة من الخيارات العلمية المجربة والمتزايدة ومن التطور الكبير في أبحاث السرطان والتي باتت تتجاوز بأشواط العلاج التقليدي المسيطر حتى الآن. وقد بات مؤكدا أن السرطان يجب أن لا يخيفنا وأن الأمر يمكن أن يكون في يدنا، لكن علينا أولاً أن نتزود بالمعرفة والأمل وأن لا نسقط في دوامة الخوف وشلل الإرادة فنستسلم للعلاجات التقليدية الوحيدة المعروضة علينا والتي ثبت أن ضررها أكثر بكثير من منفعتها وأنها لا تقدم شفاء للمريض بل تهدم صحته وتستنزف ماله خصوصاً مع الارتفاع الهائل في أثمان تلك العلاجات المزعومة.
إننا نرحب بتلقي المساهمات من القرّاء ومن الباحثين والأطباء ونعلن أن هدفنا هو إثارة نقاش صحي حول هذا الموضوع الحيوي وبناء قاعدة معارف عامة وتبادل تجارب تعين الذين قد يتعرضون للمرض وتحافظ على معنوياتهم وتوفر لهم سبل الاختيار والإبقاء على أمرهم بيدهم ونحن نؤكد على حق المريض بأن يعلم وأن يطلع على كل المخاطر التي تكتنف العلاج الكيماوي مثلاً وحقه في أن يعرف النسب الحقيقية للنجاح وأن يفهم طريقة تسعير الخدمات والأدوية وأن يعرف أيضاً أن هناك في الطب الحديث نفسه خيارات بدأ العمل بها وهي أقل ضرراً فضلاً عن خيارات البدائل الطبيعية التي يتم دوماً طمسها لكونها رخيصة الثمن ولا يمكن تسجيل حقوق وبراءات بشأنها، فهي لذلك لا تدر الأرباح على الشركات الصانعة التي سيطرت على قطاع الصحة والدواء في العالم.

” “الضحى” تطلق الدعوة إلى تنظيم أسبوع سنوي للسرطان للتوعية بطرق الوقاية ودور التغذية والعلاجات الجديدة

ما هو السرطان؟
السرطان كغيره من الأمراض هو مؤشر على حصول خلل أساسي في نظام العمل الطبيعي للجسم وبصورة خاصة في نظام المناعة وقدرة الجسم على تنظيم دفاعاته بالصورة المعتادة، وهناك حسب ما يشير العلم الحديث خلايا سرطانية نائمة أو خلايا قابلة للتحول إلى سرطانية في جسم كل إنسان والذي يقرر ما إذا كانت تلك الخلايا ستتحول إلى أورام خبيثة هو مجموعة كبيرة من العوامل الغذائية والنفسية والبيئية. والأرجح أن مرض السرطان لم يكن معروفاً لدى الأقدمين وقد أجريت أبحاث استغرقت ثلاثين عاماً على ألوف من المومياءات والهياكل العظمية والرفات البشرية في عدد كبير من الحضارات القديمة وكانت النتيجة أنه لم يعثر على أثر لمرض السرطان فيها بإستثناء حالات معدودة، وقد دفعت تلك النتائج الباحثين للتأكيد على أن مرض السرطان مرض حدث مع الحضارة وهو إحدى نتائجها وليس مقدراً في بيولوجيا الإنسان وليس بالتالي لعنة على البشرية.
حتى لو سلّمنا بأن بعض أنواع السرطان وجدت في الماضي فإن الأكيد هو أنه لم يحصل في تاريخ البشر أن بلغ السرطان درجة الانتشار التي نشهدها الآن، وعلى سبيل المثال فإن 30% من الأميركيين سيصابون بأحد أعراض السرطان في مرحلة ما من حياتهم، وهذه نسبة مخيفة ربما لم نبلغها بعد في لبنان، لكن ما لم يتم الوعي بالعوامل المسببة للمرض وتطوير ثقافة وقاية حقيقية فإن حالات السرطان هي مؤكداً في ازدياد.
لقد أهملت المؤسسة الطبية لسنوات طويلة أسباب السرطان لتركز فقط على ترويج العلاجات الفظيعة التي تم طرحها وهي العلاج الكيماوي أو بالأشعة أو بجراحات الاستئصال. لكن في تلك الأثناء كان العلم نفسه وآلاف الأبحاث التي تصدر كل عام تميط اللثام عن المسببات المباشرة في نظام حياتنا المعاصر لمرض السرطان ولغيره من الأمراض التي لا تقل خطورة مثل الألزهايمر أو أمراض القلب والشرايين وأمراض جهاز المناعة وغيرها.

المسببات
لقد بتنا نعلم مثلاً أن قسماً كبيرا من الـ 80,000 من المنتجات والعناصر الكيميائية التي قامت الصناعة بإنتاجها خلال القرن الماضي يؤدي الاحتكاك بها إلى تحولات في الجينات البشرية تتسبب بالسرطان، والكثير من تلك العناصر مثل الـ BPA والـ Phthalate وغيرهما الموجودة في معظم أواني البلاستيك وفي عبوات المياه البلاستيكية يقلد وظائف الأستروجين وهي لذلك تتسبب في السرطان. وهذه العناصر الكيميائية موجودة بنسب هائلة في الأطعمة التي نتناولها وفي الهواء الذي نتنفسه وفي المياه التي نشربها وفي عدد لا يحصى من المنتجات الصناعية التي نستخدمها في منازلنا مثل المنظفات والشامبو والمواد الحافظة والكيماويات العطرية والكثير من مواد التجميل.
وهناك الإشعاعات التي نتلقاها من بعض الأجهزة مثل أجهزة الفحص بأشعة أكس أو أجهزة السبر المغناطيسي CT scan وغيرها من الفحوص بالأشعة مثل الماموغرام وهناك موجات المايكروويف من أجهزة الخليوي ومن «الوايفاي» ومن هوائيات محطات الخليوي التي ثبت أنها تسبب السرطان وهي موجودة بين البيوت وعلى أسطح البنايات في كل مكان، وفي لبنان هناك أسباب إضافية ناجمة عن فوضى استخدام الهورمونات في الخضار على أنواعها وفي تربية الدواجن والحيوانات اللاحمة ومونوغلوتومات الصوديوم MSG والمحليات الصناعية ولا سيما الأسبرتايم Aspartame في معظم المشروبات والعديد من الأطعمة فضلاً عن استخدام المبيدات الكيماوية (الممنوعة دولياً أحياناً) من دون مراعاة شروط الاستخدام مثل عدم إنزال الفاكهة أو الخضار إلى السوق قبل انقضاء مدة التحريم الخاصة بكل مبيد كيميائي، واللائحة طويلة وكل هذه العوامل أثبت العلم أنها تتسبب بالسرطان أو تساعد على انتشاره لأنها تتدخل في عمل الجسم وفي وظائف جهاز المناعة.

كيمو-على-أنواعه
كيمو-على-أنواعه

الدكتور طوني ليشع
الدكتور طوني ليشع هو خريج كلية الطب في جامعة مكغيل McGill في مونتريال- كندا شغل منصب رئيس قسم الطب الداخلي وامراض القلب في معهد مونتريال لأمراض القلب،عضو الجمعية الأميركية لطب تنقية الدم Chelation Therapy اختصاصي في طب الـ EECP ، عضو الأكاديمية الأميركية لمقاومة الشيخوخة، رئيس الجمعية اللبنانية للطب الوقائي، ومدير مركز مقاومة الشيخوخة والطب الإحيائي في جونية – لبنان. له مؤلفات طبية عدة بالعربية والإنكليزية.

إلى ما سبق، يجب أن نضيف التغيرات الكبيرة في النظام الغذائي والذي تمّ بسببه التحوّل بصورة كبيرة نحو السكريات وخصوصاً فركتوز الذرة العالي الحلاوة المنتج من شراب الذرة والموجود في معظم الأطعمة المعلبة والمشروبات والحلويات، وقد أصبح ثابتاً أن أي نظام غذائي غني بالفركتوز والسكريات يعتبر عاملاً منشطاً لتطور الخلايا السرطانية لأن السكر يشجع على توالد الخمائر Yeast والالتهابات Inflammations مولداً بذلك بيئة مثالية لنمو السرطان، ولهذا السبب فإن نظاماً غذائياً يقوم على اجتناب السكريات تماماً والإكثار من الخضار والدهون الصحية والبروتين، بات يعتبر مكوناً أساسياً من أي برنامج لمساعدة المريض على اجتناب السرطان. وعلى مكافحته ومنع تطوره في حال الإصابة.

خلايا-في-رئة-سليمة--إلى-اليسار--وخلايا-رئة-مصابة-بالسرطان--
خلايا-في-رئة-سليمة–إلى-اليسار–وخلايا-رئة-مصابة-بالسرطان–

طب السرطان متأخر خمسين سنة
لكن رغم هذه الحقائق العلمية ورغم تزايد عدد الأبحاث التي تربط بين السرطان وبين عدد من المسببات الغذائية أو البيئية التي تحيط بنا بل وتحاصر حياتنا فإن القطاع الطبي في العالم عموماً وفي لبنان لم يتطور إطلاقاً ليستوعب تلك الحقائق ولم يطور أساليبه وفشل بصورة كبيرة في التكيّف لإدخال الحقائق العلمية الجديدة في استراتيجيات مكافحة السرطان. فالحل الأول الذي يفرض على أي مريض تبينت إصابته بالسرطان هو العلاج الكيماوي Chemotherapy وذلك دون أي نظر إلى ما يمكن أن يساهم في تقوية مناعة المريض أو ما يمكن للمريض نفسه أن يقوم به للمساعدة في مكافحة المرض من خطوات غذائية أو علاجات رديفة. وأكثر أطباء السرطان تمّ تكوينهم علمياً وتدريبهم طبياً لكي تكون مهمتهم هي فقط تسويق العلاج الكيميائي أو العلاجات المكلفة الأخرى مثل العلاج الإشعاعي أو الجراحات.
لا يمكن في الحقيقة الفصل بين ما يجري في أروقة المستشفيات تجاه مرضى السرطان وبين ما حدث لمهنة الطب والصناعة الدوائية عموماً على مدى العقود الماضية. فقد شهدنا سيطرة تامة للعامل التجاري على القطاع الطبي وغياب البعد الإنساني الذي كان الناس يتوسمونه في أطباء الأجيال السابقة، وتحول الطب إلى مهنة تجارية الهدف منها تحقيق أعلى قدر من المداخيل التي يمكن أن تمول طموح الطبيب الاقتصادي والمعيشي. وقد لا يكون هناك ضير في أن يسعى الطبيب لتحصيل مستوى معيشي لائق، لكن المشكلة تطرح عندما لا يعود هذا الطبيب مهتماً إلا بتحصيل المال بأي وسيلة ولو على حساب صحة المريض. هناك اليوم آلاف العمليات التي تجري في المستشفيات دون أن يكون المريض في حاجة إليها وقد تضاعفت عشرات المرات عمليات الـ CT scan رغم خطرها في التسبب بالسرطان وكذلك فحوصات الـ MRI من الفحوصات المكلفة التي باتت مصدر دخل أساسياً للمستشفيات وللطبيب وهناك العمولات على ترويج الأدوية والإغراءات المقدمة من شركات الدواء للأطباء على شكل سفرات سياحية ودعوات إلى مؤتمرات وغير ذلك في مقابل ترويج أدوية معينة جديدة أو متداولة. لكن المثل الأول على التواطؤ بين صناعة الدواء والمؤسسة الطبية نجده في العلاج الكيميائي لمرضى السرطان.

كيف يمكن لعلاج سام يحدث هذه المفاعيل أن يستمر استخدامه رغم فشله
كيف يمكن لعلاج سام يحدث هذه المفاعيل أن يستمر استخدامه رغم فشله

 

تجارة الـ Chemo
فالذي لا يعرفه مريض السرطان وربما أغلب الناس هو أن الطبيب المعالج يتقاضى ربحاً كبيراً على كل حقنة Chemo يحقنها في جسمه وهذا الأمر لا يصرّح به الطبيب طبعاً وغير معروف للمصاب الذي يعتقد أن العلاج جزء من إجراءات المستشفى، بل يمكن القول إن طبيب السرطان لا يحقق دخله كطبيب من شفاء أي مريض (ولا يوجد لدى أي من أطباء السرطان سجل يمكن أن يباهي به في نسبة الشفاء) ولكن دخله الحقيقي يأتي من بيع أدوية السرطان الفاشلة والمدمرة للمرضى!!
في الولايات المتحدة نشرت إحصاءات تشير إلى أن متوسط الدخل السنوي لطبيب السرطان يزيد على 235,000 دولار وأن أكثر من نصف هذا الدخل وربما الثلثين يأتي من «بيع» حقن الكيمو إلى المرضى وضخها في أجسادهم.
لذلك، فإن على مريض السرطان أن يعلم أن الطبيب المعالج سيعرض عليه الكيمو ليس لأنه الأسلوب المناسب لشفائه بل لأن هذا الأخير يتقاضى ربحاً كبيراً من شركة الأدوية على تسويقه. وقد يكون أحد الأسئلة التي يمكن أن يطرحها من المريض على الطبيب المعالج هو: ما هي حالات الشفاء التي تمكنت من إنجازها في معالجة السرطان؟ أليست وظيفة الطبيب شفاء المريض؟ أليس عمله في الطب قائماً على ادعاء القدرة على شفاء المرضى؟؟
إن سجل الشفاء بأسلوب الكيمو تقريباً غير موجود وما نعلمه أن المريض يبدأ العلاج في وضع صحي عادي رغم السرطان لكن حاله تبدأ في التدهور بعد تلقي العلاج بسنة أو سنتين أو ربما أكثر إلى أن يصل إلى حال محزنة قبل أن يلقى حتفه في حالة من الانهيار الصحي والنفسي والذهني التام..

أخطر من السرطان
المشكلة هنا هي الانطباع الشائع بأن المريض تسوء حاله بسبب تطور المرض وعدم تجاوب جسمه بالتالي مع العلاج، لكن ما لا يعرفه أغلب الناس هو أن السبب الأول في تدهور حالة المريض هو علاج الكيمو نفسه وليس المرض الأصلي. لذلك بات من الممكن القول إن مريض السرطان يموت عادة من العلاج وليس من المرض وذلك للأسباب التالية:
• إن العلاج الكيميائي ذو سموم عالية وهو يؤدي إلى تسميم بعض خلايا السرطان لكنه في المقابل يؤدي إلى تسميم الجسم والخلايا الصحيحة ويؤدي بفعل ذلك إلى تدمير جهاز المناعة.
• إن العلاج الكيميائي لا يتمكن غالباً من قتل الخلايا السرطانية كلها ولاسيما «الخلايا الجذعية» (أنظر الموضوع: محاولة في فهم السرطان)،التي تعتبر هي المولدة للخلايا الأخرى، لهذا فهو لا يتمكن من استئصال الأصل السرطاني للورم بل فقط يؤثر على جزء منه وغالباً ما يتسبب في انتشاره لاحقاً.
• إن علاج الكيمو بسبب هدمه لجهاز المناعة يساعد على انتشار سرطانات ثانوية أخرى في أنحاء الجسم، وهذا العامل هو في أساس ظاهرة الانتشار المفاجئ للسرطان في أعضاء عدة من جسم المريض بعد سنوات من العلاج بالكيمو وهو ما يمهد عادة للمرحلة النهائية والمميتة من المرض.

” العناصر المسببة للسرطان موجودة في آلاف المنتجات الكيماوية وفي الأطعمة والمياه التي نتناولها وفي الهواء الذي نتنفسه وفي عدد لا يحصى من المنتجــــات المستخدمة منزلياً  “

الكيمو ليس علاجاً
إن الغالبية الكبيرة من الدراسات بما في ذلك تلك الصادرة عن المؤسسات الطبية أو الصيدلانية تؤكد إن الكيمو ليس علاجاً للسرطان. إن الرسم البياني المرفق يقدّم أدلة دامغة على تلك الحقيقة، إن مصدر الأرقام المذكورة هو أحد أبرز مراكز أبحاث السرطان في أستراليا على الفعالية الضعيفة وأحياناً المعدومة للعلاج بالكيمو في شفاء معظم حالات السرطان المعروفة
ذلك أن الدراسة التي قامت بها مجموعة من مراكز الأبحاث والهيئات العلمية بقيادة مركز أبحاث السرطان لشمال مدينة سدني في أستراليا استهدفت معرفة فعالية العلاج الكيميائي في «مد عمر» المصاب بالسرطان لمدة خمس سنوات وليس تحقيق الشفاء الكامل. وقد استغرق إعداد الدراسة 14عاماً وتناولت 154,971 مصاباً بالسرطان في الولايات المتحدة وأستراليا كما شملت الدراسة بحث تأثير العلاج الكيميائي في 22 نوعاً من السرطانات ونشرت نتائج البحث في مجلة أبحاث السرطان وهي أبرز دورية للأبحاث السرطانية في أستراليا في كانون الأول 2004.
وقد جاءت النتيجة الإجمالية صادمة فعلاً إذ لم ينتج عن العلاج الكيميائي سوى نسبة «نجاح» لم تتجاوز 2.3% لمجموع الحالات بينما كانت النسبة صفراً في عدد كبير من الحالات المعروفة مثل سرطانات البنكرياس والمثانة والكلي والرحم والجلد والعظم والبنكرياس وغيرها. ويجب التذكير مجدداً بأن المقصود بـ «النجاح» هنا ليس شفاء المريض بل ما سمته الدراسة «مد عمر المريض خمس سنوات» وهذا التعبير ملتبس لأنه يفترض أن مد عمر المريض يعود إلى الكيمو ولا يعطي أي فضل لدور جهاز المناعة نفسه، ولم يقم مركز الأبحاث الاسترالي بدراسة لاحقة لمعرفة كم من الأشخاص الذين بقوا على قيد الحياة خمس سنوات بعد إصابتهم بالسرطان كانوا قد شفيوا منه وكم منهم تمكّن من أن يعيش 10 سنوات مثلا بعد العلاج وما هي «نوعية الحياة» التي تمتع بها بعد ذلك؟ فالمعروف أن التأثير السلبي للعلاج الكيميائي يبدأ بالظهور بعد عدة سنوات من تلقي العلاج وهو غالباً ما يأخذ شكل حالة من انهيار قوة الجسد وترد في عمل الجهاز العصبي وضعف في التركيز وأنواع سرطان ثانوية وانتشار أسرع للمرض ووصوله إلى مرحلته النهائية Metastasis حيث لا يعود ينفع فيه أي شيء. وينعكس العلاج الكيميائي بتأثيرات خطرة على عمل القلب والأوردة وعلى عدد من الأعضاء مثل الكلى والعظام. وإذا أخذنا في الاعتبار معدل الانتكاس في حالات السرطان وتأثير العلاج الكيميائي في إضعاف بل تدمير جهاز المناعة وتدمير الحياة الطبيعية، فإن نسبة النجاح البسيطة المحققة قد تصبح أقرب إلى الصفر لو تمت متابعة حالة المرضى بضع سنوات أخرى إضافية بعد العلاج.

“أكثر أطباء السرطان تم تكوينهم علميا وتدريبهم لتسويق العلاج الكيميائي وهم لا يظهرون أي اهتمام بدور الغذاء والمناعة والعلاجات الرديفــــــة”

الدكتور أيبل يدين الكيمو
في مطلع التسعينات من القرن الماضي شن طبيب ألماني مشهور هو الدكتور أولريخ إيبل حملة عنيفة على المؤسسة الطبية بسبب إصرارها على الاستمرار في استخدام الكيمو رغم عدم وجود أي أدلة على فعاليته، مشيراً إلى أن علاج الكيمو لم يحمل أي منفعة في 80% من الحالات وأنه في جميع تلك الحالات كان بلا أي قيمة تذكر . المهم هو أن الدكتور إيبل أدلى برأيه بعد أن قام بمسح شامل استغرق سنوات طويلة وتضمن سؤال نحو 350 من مؤسسات العناية بالسرطان في ألمانيا أن تزوده بالنتائج التي حققتها.
يجب هنا الإشارة إلى أن أطباء معارضين للكيمو مثل رالف دبليو موس يشيرون إلى أن الكيمو أثبت بعض الفعالية في حالات مثل اللوكيميا اللمفوسيتية الحادة Acute Iymphocytic leukemia ومرض هودجكنز Hodgkin’s disease ونوع معين من سرطان الخصيتين وأنواع أخرى نادرة الحدوث من المرض لكن كل هذه الحالات لا تمثل حسب رأي موس أكثر من 2 أو 4% من جميع الحالات السرطانية مما يعني أن نحو 96 أو 98% من الحالات مثل سرطان الثدي والقولون والرئة والبنكرياس والكبد وغيرها فشل فيها الكيمو في تقديم أي علاج للمريض.

علاجات تسبب السرطان!!
إن المأزق الحقيقي الذي يواجه العلاجات التقليدية للسرطان ليس فقط في أنها ليست علاجاً للمرض ولا وسيلة للشفاء منه بل إنها وحسب ما كشفت جملة من الدراسات المهمة تتسبب بالسرطان، والمدهش أن هذه الدراسات موجودة ومعروفة منذ سنوات طويلة لكن صدورها لم يبدل إطلاقاً في أساليب العلاج، إذ يستمر ضخ السم المزدوج للكيمو أو للعلاج الإشعاعي في أجساد المرضى في تجاهل تام لتلك الدراسات. وكانت المجلة ذات السمعة العلمية The New England Journal of Medicine نشرت في عددها الصادر في 10 كانون الثاني 2002 دراسة أظهرت أن تجارب استخدام الكيمو في علاج مرض سرطان الرئة المتقدم لم تساهم في إطالة عمر المريض أكثر من شهرين. وأضافت المجلة القول: إنه بينما حققت بعض أدوية الكيمو بعض التقدم فإن ما قد يبدو نجاحا في التجارب الأولية داخل المختبر غالباً ما يفضي إلى خيبة أمل عند تطبيق الدواء الجديد على عدد أوسع من مرضى السرطان إذ تنخفض نسبة النجاح عندها إلى أقل من النصف.
إن المشكلة الأساسية حسب المجلة هي أن الكيمو والعلاج الإشعاعي يتسببان في خلق خلايا جذعية للسرطان، مما يعني أنهما في الوقت الذي يسعيان فيه لمعالجة السرطان فإنهما عملياً يتسببان به، إذ إن خلايا السرطان الجذعية تعمل على توليد خلايا سرطانية جديدة وهي في الوقت نفسه مقاومة للكيمو والأشعة ربما لأنها بسبب طبيعتها الجذعية قادرة على ترميم الجينات المتضررة والتخلص من سموم العلاج.

خلايا-سرطانية-في-البنكرياس
خلايا-سرطانية-في-البنكرياس

” ما لا يعرفه المريض هو أن الطبيب المعالج يتقاضى ربحاً كبيراً على كل حقنة Chemo وان له بالتالي مصلحة أساسية في استمرار العلاج المكلف إلى أطول وقت ممكن  “

أطباء السرطان يرفضون الكيمو!!
إحدى المفارقات اللافتة والتي باتت متداولة بين الأوساط المشككة بفعالية العلاج الكيميائي هي الاستفتاء الذي أجراه باحثون في مركز Mcgill للسرطان في مونتريال كندا قبل سنوات وتناول 118 طبيباً من المتخصصين في السرطان وأحد الأسئلة التي وجهت إلى الأطباء كان إذا كان أحدهم يقبل بالخضوع إلى العلاج الكيميائي في حال يتبين له أنه مصاب بمرض السرطان. وكانت المفاجأة أن 75% من الذين أجابوا على الاستفتاء قالوا إنهم لن يقبلوا بالخضوع للعلاج الكيميائي أو بإخضاع أفراد أسرهم له لأنه «غير فعال كعلاج» ولأنه «سام جداً لجسم الإنسان»..
بالطبع جاءت نتيجة الاستفتاء لتؤكد ما أصبح معروفاً في الأوساط الطبية والعلمية وهو أن العلاج الكيميائي لا يشفي السرطان ولا يطيل عمر المريض بل على العكس هو يؤدي إلى تدمير جهاز المناعة وغالباً إلى تقصير عمر المصاب، لكن الأمر المدهش كان أن يأتي تأكيد تلك المعلومة من الأطباء أنفسهم الذين يدفعون المرضى بالسرطان دفعاً لتقلي العلاج الكيميائي. وبالطبع يمكن لأي مصاب بهذا المرض أن يسأل نفسه: إذا كان الطبيب المعالج للمرض لا يقبل في أكثر الحالات بالخضوع لهذا العلاج المدمر فلماذا يستمر في وصفه لمرضاه؟ وأي ثقة يمكن أن تبقى للمرضى بالمؤسسة الطبية وبجدوى الخضوع لمثل تلك العلاجات؟
السبب الحقيقي هو جني المال رغم علمهم بعدم فعالية العلاج، ونحن نفكر أحياناً كيف يمكن لطبيب السرطان أن ينظر مباشرة في عيون مريضه دون أن يرف له جفن وهو يعلم أنه يعطيه سما لن يفلح في علاجه بل قد يعجل في أجله؟؟ وغالباً ما يجري إيهام المريض بأن هناك احتمالاً بنسبة 50% مثلاً بأن ينجح الكيمو لذلك يتعلق المريض بنسبة الـ 50% وهي نسبة مضللة ويعلم الطبيب أنها غير صحيحة، ثم وعندما يتبين للمريض أن النجاح بعيد المنال فإنه مع ذلك يستمر في استخدام الكيمو وتطول مدته والمهم أن الطبيب يحصل على العمولة السخية. وهناك بعض المرضى الذين تمكنوا من علاج مرضهم بسبب مساعدة وسائل طبيعية وأنظمة غذاء أجبروا على متابعة العلاج الكيميائي الذي يسمى في تلك الحال «علاجاً وقائياً» Maintenance Chemotherapy أي أنه ضروري «للحؤول دون ظهور المرض مجدداً». وهذه فكرة عجيبة تعني أن كل من يصاب بالسرطان سيصبح زبوناً للطبيب المستفيد من بيع الكيمو طالما هو على قيد الحياة، مع العلم أن الهدف المفترض هو إعطاء فرصة للمريض لكي يشفى ولكي تكون له بعد الشفاء حياة طبيعية. وبالطبع فإن النتيجة المحتومة لاستمرار العلاج هي تدمير ما تبقى من جهاز المناعة وهو ما يوازي حكماً الموت البطيء لكنه موت مربح طالما ان تسجيل فواتير العلاج وأخذ العمولات من بيع الأدوية الباهظة الثمن.

خلايا-سرطانية-في-الدم
خلايا-سرطانية-في-الدم

أرقام مخيفة
يعتبر مرض السرطان بين أهم أسباب الوفاة في العالم وقد مات بسببه في العام 2012 نحو 8.2 ملايين إنسان. والسرطان من الأمراض الأكثر نمواً في العالم، إذ يتوقع ان ترتفع حالات الإصابة بالمرض من 14 مليوناً في العام 2012 إلى 22 مليون إصابة سنوية في العقدين المقبلين. أما السرطانات الرئيسية المتسببة بالوفيات فهي سرطان الرئة وسرطان الكبد والمعدة والقولون وسرطان الثدي لدى النساء. ويعتبر التدخين أكبر العوامل المسببة للمرض إذ إن 20% من الوفيات تعود إلى سرطان الرئة ويشكل المدخنون 70% من مجمل الوفيات بسرطان الرئة. وأكثر من 60% من حالات السرطان الجديدة تظهر الآن في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية كما إن 70% من حالات الوفاة بسبب السرطان تحصل في تلك المناطق.

ما العمل؟
ليس هدف هذا المقال إعطاء أجوبة، بقدر ما هو إثارة أسئلة مشروعة تحتاج إلى جواب، ولا بدّ للجواب أن يأتي من المختصين، ولحسن الحظ فإن هناك عدداً كبيراً من الأطباء والعلماء الذين أدانوا العلاجات التقليدية باعتبارها فاشلة ومدمرة ولا تأتي بأي خير للمصاب وإن كانت تدر الأرباح الهائلة على شركات صنع الأدوية والجسم الطبي ومؤسسات العناية. ويكفي هنا التذكير بأن أطباء السرطان أنفسهم يرفضون بأكثريتهم الساحقة الخضوع للكيمو في حال تعرضهم أو أحد أفراد أسرتهم للسرطان. لكن هل يعني ذلك أن يتمكن المريض من أخذ العبرة وأن يرفض بدوره أن يخضع للكيمو؟ الأمر ليس بهذه السهولة في الوقت الحاضر لأن المؤسسة الطبية بكل ثقلها ما زالت تدعم استخدام الكيمو وقد لا توجد الشجاعة أو الثقة لدى المريض الخائف لرفض استخدام الكيمو لأنه يشعر بالضعف والخوف وهو يميل لأن «يتعلق بحبال الهواء» كما يقال، وهذه الحالة النفسية، وعدم الوعي بالنتائج الوخيمة للكيمو، هما اللتان تقودانه غالباً إلى القبول به أو بالأشعة. لكن هل وصل الوضع الى هذه المرحلة من اليأس ؟ إطلاقاً فالأكيد أن مجموعة كبيرة من العلاجات الرديفة والبديلة بدأت تفرض نفسها في مجال علاج السرطان وهذا هو موضوع الفصل التالي من هذه المقالة.

أطباء معترضون

«إن فكرتهم عن الأبحاث العلمية هي النظر في ما إذا كان إعطاء المـــريض جرعتين من الســمّ أفضل من إعطائه ثلاث جرعات»

الدكتور غلن وارنر
أحد أشهر أطباء العلاجات البديلة
للسرطان في الولايات المتحدة

كيف-يدفع-مريض-السرطان-دفعا-للخصوع-إلى-الكيمو---كاريكاتور
كيف-يدفع-مريض-السرطان-دفعا-للخصوع-إلى-الكيمو—كاريكاتور

لاقى استخدام العلاج الكيميائي أو الإشعاعي على الدوام معارضة شديدة من عدد كبير من الأطباء النزيهين الذين لم يترددوا في التعبير بصراحة عن إدانتهم لهذه العلاجات والاستمرار في إعطائها للمرضى رغم ثبوت فشلها، وقد أصبح الهدف الوحيد من الحفاظ عليها هو الاستثمارات الكبيرة التي وضعتها الشركات في تطوير أدوية السرطان وحاجة تلك الشركات الى تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح من الإستمرار في بيعها.
قبل أعوام نشر الدكتور حون دايموند مقالاً دحض فيه الادعاءات القائلة بأن العلاج الكيميائي أثبت فعاليته في علاج سرطان الغدد اللمفاوية (مرض هودجكنز) كاشفاً أن المرضى الذين تلقوا العلاج زاد بنسبة 14 ضعفاً احتمال إصابتهم بسرطان الدم (لوكيميا) كما زاد بنسبة 6 أضعاف احتمال إصابتهم بسرطان العظم أو المفاصل أو الأغشية الطرية (المعدة والجهاز الهضمي).
وكان أحد أشهر أطباء السرطان في الولايات المتحدة وهو الدكتور غلن وارنر قرر التحول إلى العلاجات البديلة في محاولة شفاء السرطان وحقق نجاحاً كبيراً في ذلك. وقد أدلى بالرأي التالي في شأن العلاج الكيميائي إذ قال:»إن لدينا صناعة بمليارات الدولارات منهمكة في قتل الناس يميناً وشمالاً لمجرد تحقيق الأرباح المالية، إن فكرتهم عن الأبحاث العلمية هي النظر في ما إذا كان إعطاء المريض جرعتين من السم أفضل من إعطائه ثلاث جرعات».
ويقول الدكتور آلن نيكسون الرئيس السابق للجمعية الكيميائية الأميركية :«كخبير كيميائي يقوم بتحليل البيانات والمعطيات فإنه من غير المفهوم البتة بالنسبة لي كيف يستمر الأطباء في تجاهل الأدلة القاطعة التي تؤكد أن العلاج الكيميائي يسبب ضرراً يفوق بكثير منفعته المزعومة» بينما يقول الدكتور تشارلز مايذ الخبير الفرنسي في أمراض السرطان: «لو حصل أن أصبت بمرض السرطان فإنني لن أقبل أبدا الذهاب إلى أحد مراكز علاج السرطان إذ وحده المريض الذي يبقى بعيداً عن تلك المراكز يملك فرصة حقيقية للبقاء على قيد الحياة».
أما الدكتور آلن لفين فقال:إن معظم مرضى السرطان في هذا البلد (الولايات المتحدة) يموتون من علاج الكيمو وليس من السرطان. وما نعرفه هو أن الكيمو لا يقتل سرطان الثدي أو القولون أو الرئتين، إلا أن الأطباء لا يزالون يصفون الكيمو لعلاج تلك السرطانات. وفي كتابه «متى يتوقف القتل» كشف المؤلف ديك ريتشارد عن أن عمليات تشريح لعدد من مرضى السرطان الذين توفوا أظهرت أنهم ماتوا من تأثير العلاجات التي تلقوها قبل أن يتمكن المرض منهم.
الدكتور بيتر غليدن أحد أشهر أطباء أميركا يستغرب أيضاً الاستمرار في إخضاع مرضى السرطان لعلاج الكيمو الذي فشل في «97% من الحالات» ويقول غليدن إن المشكلة هي أن السرطان مرض معقد ومتعدد الأسباب ويحتاج بالتالي إلى مقاربة متكاملة بينما يقتصر الكيمو على التعامل مع كل أنماط السرطان بأسلوب واحد وهو التركيز على أعراض المرض لا غير. مضيفاً القول: السبب الوحيد هو أن الكيمو مربح لصناعة الدواء وللأطباء الذين يصفونه. وحسب غليدن فإنه لو طرحت شركة «جنرال موتورز» سيارة تنفجر أو تحترق في 97% من الحالات فهل كان سيوجد إنسان عاقل واحد يشتريها؟؟»
الدكتور روبرت أتكنز صاحب نظام التغذية المشهور بإسمه The Atkins Diet علّق ذات يوم على موضوع السرطان بالقول:هناك علاجات عديدة للسرطان لكن لا أحد يريدها لأنها لا تعد بأرباح، وكان يقصد بذلك العلاجات الطبيعية الفعالة والتي لا تكلف الكثير ولا تحقق الأرباح للشركات المهتمة فقط بتسويق الأدوية الباهظة الثمن وهي أدوية غير فعالة لكنها تحقق للشركات أرباحاً هائلة سنوياً.

محاولة لفهم السرطان

الخلايا-الجذعية-للسرطان-غالبا-ما-تنجو-من-العلاج-بل-وتكتسب-مقاومة-ضد-الكيمو
الخلايا-الجذعية-للسرطان-غالبا-ما-تنجو-من-العلاج-بل-وتكتسب-مقاومة-ضد-الكيمو

ولمـــاذا فشلت العلاجـــات التقليديـــة

أعنقـــد جازماً أننا بدأنا نبتعد عن علاج الكيمــو ونقترب أكثر نحــو العلاجـات الجزيئيــة Molecular الموجــهة بــدقة لخــلايا المرض»
(د. مارتن تالمان، رئيس قسم اللوكيميا في مركز سلون كترينغ للسرطان)

أدت الإكتشافات العلمية التي حصلت في السنوات الأخيرة إلى تبديل جذري في النظر إلى السرطان وإلى فهم أفضل بكثير لطبيعته ولكيفية نشوئه، وفي الوقت نفسه للكيفية التي تتعامل بها خلايا السرطان مع العلاجات التقليدية الرائجة ولاسيما العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة.
نتيجة لتلك الأبحاث تبيّن أن السرطان ليس مجرد توالد عشوائي لبعض خلايا الجسم بل هو عبارة عن مجموعات منظمة للغاية وقادرة على بناء شبكة الأوعية الدموية التي تمدّها بالدم angiogenesis كما أنها قادرة على أن تدافع عن نفسها من خلال إسكات أو تعطيل الجينات المقاومة للسرطان في نظام المناعة وهي تفرز أنزيمات خاصة تسمح لها بالإنتقال بحرية في الجسم كما تساعدها على البقاء في بيئة مفتقرة للأوكسيجين وعالية الحموضة، كما إن خلايا السرطان تعلمت كيف تنزع عن غلافها اللاقطات receptors التي تسمح للكريات البيضاء باكتشافها ومهاجمتها. بسبب تلك الاكتشافات فقد بات ينظر إلى السرطان ليس كنمو عشوائي بل كتشوه تطوري أو تحوّلي mutationalله قوانينه واستراتيجيته.
لكن الحقيقة الأهم التي كشفت عنها الأبحاث العلمية هي الدور الذي تلعبه الخلايا الجذعية Cancer stem cells في نمو المرض، وقد أصبح مؤكداً أن الأورام السرطانية تحتوي على عدد كبير من الخلايا الحميدة التي لم تتحول إلى سرطانية، بينما يعتبر الجزء الأخطر منها متمثلاً بـتلك «الخلايا الجذعية» السرطانية والتي هي التي تتسبب بتوالد جميع أنواع الخلايا الموجودة في ذلك النوع من الورم السرطاني، لذلك فإن من المهم أن يتمكن العلاج من إستهداف تلك الخلايا الجذعية ليس فقط لأنها السبب الأهم في انتشار السرطان Metastasis بل هي أيضا السبب الأول في انتكاسة المريض وتدهور حالته بعد الخضوع للعلاج.
ونظراً الى أن الأورام السرطانية ليست مجرد نتيجة لخلايا متحولة Mutant تقوم بنسخ نفسها بل هي مركبات معقدة من مجموعات متنوعة من الخلايا التي لكل منها خصائصها، فإن مرض السرطان لا يمكن اعتباره مرضاً واحداً، فلكل حالة سرطانية خصائصها التي يجب فهمها من أجل تصميم العلاج المناسب، لكننا نجد أن العلاجات التقليدية ما زالت ومنذ عشرات السنين لا تميز بين سرطان وآخر بل تعامل كل السرطانات بنفس الأسلوب وهذا هو السبب الأول في فشلها.
إن إحدى الخصائص الأساسية للخلايا الجذعية المسؤولة عن توالد وانتشار السرطان هي أنها تتمتع بمقاومة شديدة للعلاج، وسبب ذلك هي أنها غالباً ما تكون مختبئة في مجموع خلايا الورم السرطاني وهناك على سبيل المثال خلية سرطان جذعية واحدة في كل 10,000 خلية عادية ضمن السرطان المستهدف، ما يجعل من الصعب تدمير تلك الخلايا (وهي العدو الحقيقي) دون تدمير أكثرية الخلايا المكونة للورم.
وبصورة عامة، فإن العلاجات التقليدية بالأشعة أو العلاج الكيميائي تستهدف الخلايا العادية التي تمثل جسم الورم، وهذه الخلايا لا يمكنها توليد خلايا جديدة على عكس الخلايا الجذعية غير المحددة.
إن وجود الخلايا الجذعية في أصل انتشار وتوالد خلايا السرطان هو الذي يفسر لماذا فشلت العلاجات التقليدية حتى الآن في معالجة أصل المرض وليس مظاهره السطحية، وفي أكثر الحالات فإن الجولة الأولى من العلاج بالكيمياء لا تتوصل أبداً إلى قتل جميع الخلايا السرطانية بل إلى قسم منها وهذا يدعى في طب السرطان «القتل الجزئي»، عندها فإن الهدف يكون في استخدام جرعات متكررة من العلاج الكيميائي أو الإشعاعي (عادة ست جولات) بهدف خفض الخلايا السرطانية إلى الصفر من دون قتل المريض.
لكن ما يحصل هو أن العلاج ينجح عملياً في قتل الخلايا الأقل خطورة وهي المسماة «الخلايا البنات» الأمر الذي يزيد معدل الخلايا الجذعية إلى الخلايا الباقية، وتشبه تلك الحالة ما يحصل عند استخدام المضادات الحيوية لمعالجة التهاب بكتيري معين، إذ إن الدواء قد يقتل 99.9% من البكتيريا لكن نسبة الـ 0.1% التي تنجو من أثر المضاد الحيوي تكون عندها قد طورت مناعة ضد ذلك المضاد مما يسمح لها بالعودة ومهاجمة الجسم بل والتكاثر بصورة أسرع ملحقة الهزيمة بالدواء، وقد يتسبب ذلك في بعض الحالات بتسمم بكتيري يقتل المريض. والمشكلة كما نعلم هي أن المضاد الحيوي يقتل أيضاً البكتيريا النافعة التي تساعد الجسم على مقاومة البكتيريا الضارة والتي يمكنها أن تقضي على الهجوم باستخدام مناعة الجسم الطبيعية. كذلك الأمر في العلاج الكيماوي فإنه برغم ما يبدو من أنه أدى إلى خفض حجم الورم فإنه وبسبب تنشيطه للخلايا الجذعية الخطرة وزيادة عددها بالنسبة لخلايا الورم الحميدة (الخلايا البنات) فإنه يؤدي إلى جعل السرطان أكثر خبثاً وهجومية وخطورة.
وبينما يسعى الكيمو الى قتل الخلايا السرطانية فإن سمومه تقتل أيضاً العديد من خلايا الجسم الحية والشابة وهي تصيب مثلاً الشعر والفم وجدار الأمعاء والأطراف كما تصيب بصورة خاصة الكريات البيضاء وهي مهمة للغاية لجهاز المناعة. وينظر أطباء السرطان إلى هذه الأضرار باعتبارها «ثمناً مؤقتاً» في مقابل الغاية المستهدفة، وهي قتل خلايا السرطان، لكن في 98% من الحالات فإن خلايا السرطان ليس فقط لا تُقتل بل تعود بصورة أقوى لتقتل الجسم الذي يكون بات ضحية سهلة لها بسبب انهيار جهاز المناعة والحماية الطبيعية.
إن الأمر نفسه يحصل أيضاً عند استخدام العلاج بالأشعة، إذ لا يتم القضاء على مجموع الخلايا الجذعية في الورم، مما يترك قسماً منها لكي يتوالد من جديد، بل إن العلاج بالأشعة ينشط الخلايا الجذعية ويؤدي إلى انتشار المرض بدل تقليص نطاقه. ففي دراسة نشرت في العام 2014 في مجلة «الخلايا الجذعية» أظهر البحث أن استخدام الأشعة لمعالجة سرطان الثدي أدى إلى إعادة برمجة الخلايا الأقل سرطانية (أي غير المشكلة في ورم) لتصبح أكثر نشاطاً وتتحول إلى سرطانية.

الخلايا-الجذعية-للسرطان--(باللون-الأخضر-الفاتح)-صورة-بالميكروسكوب
الخلايا-الجذعية-للسرطان–(باللون-الأخضر-الفاتح)-صورة-بالميكروسكوب

العالم يستعد للتخلي عن الكيمو
إن هناك اليوم كمية هائلة من الدراسات والآراء العلمية التي تعتبر أن الكيمو والعلاج الإشعاعي فشلا في تحقيق نتائج ملموسة في مجال علاج السرطان وأنهما على العكس يؤديان إلى وفاة المريض في مدة أقصر لأن العلاج الإشعاعي أو الكيميائي لا يصيب الخلايا الجذعية للورم بل على العكس يشجعها على النمو والانتشار الأمر الذي يؤدي إلى نتائج عكسية وينتهي بقتل المريض نتيجة الانتشار السرطاني والآثار المدمرة على جهاز المناعة للعلاجات الكيميائية والإشعاعية. ولهذا السبب خرجت مقالات عدة في الصحف والمجلات الدولية تحمل عناوين تشير إلى «نهاية الكيمو» أو تطرح السؤال: هل أشرف العالم فعلاً على نهاية عصر الكيمو؟
بل إن الانتقادات للعلاج بالكيمو أو بالأشعة أصبحت واسعة وشاملة حتى داخل الوسط الطبي إلى درجة بدأت تحرج الصناعة الدوائية وتدفعها دفعاً باتجاه البحث عن أدوية للسرطان يمكنها مهاجمة الخلايا السرطانية لكن من دون إلحاق الأذى بخلايا الجسم السليمة وهذا ما يسمى molecularly-targeted cancer drugs . وقد قطعت بعض الشركات الصانعة الرئيسية أشواطاً مهمة في الأبحاث الجارية على الجيل الجديد من أدوية السرطان وقامت إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA في العام 2011 بالموافقة على تسويق منتجين من أدوية السرطان الجديدة «الموجهة» في وقت تعمل الشركات الأخرى المنافسة على تطوير أدوية مماثلة. وقد توقعت إحدى شركات الأبحاث المتخصصة في سوق الدواء أن ترتفع نسبة الجيل الجديد من أدوية السرطان إلى 50% من المجموعة بحلول العام 2018.

خيارات بديلة أو رديفة
للكيمو والعلاج الإشعاعي

العقدة-الصفراء-هي-العنصر-الطبيعي-الأول-الذي-يساعد-في-علاج-السرطان
العقدة-الصفراء-هي-العنصر-الطبيعي-الأول-الذي-يساعد-في-علاج-السرطان

عصير البصل على الريق والكركم ومنبتات بذور البروكولي
والفيتامين D بعض أهم العناصر الفعالة في مكافحة السرطان

علاجات ازدادت شعبيتها
العلاج بالأوكسيجين والعلاج بالتسخين الموضعي Hyperthermia والعلاج ببيكاربونات الصوديوم والعلاج بالصوم وبنظام الغذاء الكيتوجيني

اول ما يجب ان نفهمه بشأن السرطان هو انه ليس حكماً بالموت ولا يجب الخوف منه بقدر ما ينبغي السعي لتفهمه ، وأهم شيء هو أن لا يفقد المريض ثقته بالله وبنفسه وأن يأخذ الوقت الكافي لكي يكوّن معرفة حقيقية بحالته، فالمعرفة هنا هي أهم سلاح والجهل والخوف هو طريق الضياع والوقوع في طاحونة صناعة السرطان التي لا ترحم.
من أجل ذلك، فإن النصيحة المقدمة من أطباء التقنيات البديلة هي أن لا يقبل المريض بالخضوع الفوري إلى علاج الكيمو أو العلاج الإشعاعي وهو ما سيحاول الطبيب على الأرجح دفعه إليه. وليطمئن، فإن السرطان من دون علاج الكيمو يأخذ وقتاً أطول بكثير ليتطور ومريض السرطان يمكنه متابعة حياته والتمتع بها بصورة أفضل في ما لو اجتنب الكيمو الذي يمثل طريقاً انحدارياً لا عودة منه في حال السقوط فيه. و ينطبق ذلك بصورة خاصة على حالات السرطان الابتدائية عندما تكون الأورام محلية ومحصورة، وهناك عشرات بل مئات القصص التي نشرتها وسائل الإعلام لمرضى سرطان رفضوا الكيمو لصالح علاجات بديلة طبيعية وتمكنوا عن طريق ذلك من السيطرة على المرض والتخلص منه بنجاح. وهناك عشرات من مواقع الإنترنت العلمية والطبية التي يمكن الاطلاع عليها، ولا بدّ أن نحمد الله لوجود الإنترنت لأنها كسرت حصار المعلومات وستار الغموض الذي كان محيطاً من قبل بمهنة الطب وتجارة الدواء. وقد كان الناس في الماضي في جهل تام وينظرون إلى الطب كما لو كان منزهاً عن أي غلط وإلى الدواء كأنه منقذ الحياة. أما الآن وبفضل عشرات المواقع التي يديرها أطباء مشهورون وعلماء نزيهون فقد بات ممكناً لأي شخص على قدر من الثقافة أن يطلع على الوجه الآخر للطب التقليدي ولصناعة الأدوية وأن يتعرف على وجهة نظر الطب الطبيعي والعلاجات البديلة للأدوية المصنعة والكيميائية، وعندما يكتسب المرء الثقافة اللازمة فإنه سيصبح أكثر حرية في الاختيار وبهذا المعنى فإن المعرفة تصبح فعلاً هي المنقذ وهي، بعد الله تعالى، المانح للقوة والصحة والحياة.
ورغم سيطرة 11 أو 12 شركة على سوق الدواء في العالم فقد بقي هناك أطباء ذوو ضمائر حية وعلماء أفذاذ تمسكوا برسالة مهنة الطب في شفاء الناس وعبروا عن اعتراضهم على الصناعات الدوائية الكيميائية وكرسوا حياتهم للتأكيد على أفضلية العناصر العلاجية الطبيعية والشفاء الذاتي وعلى نشر الأبحاث العلمية التي تثبت وجهة نظرهم وتؤكد المخاطر الكبيرة التي تحملها الكثير من الأدوية الصناعية. إنهم أطباء مشهورون ويعرفون أسرار الجسد وسبل شفاء الأمراض عبر تعزيز مناعة الجسد الإنساني الذي خلقه الله تعالى “في أحسن تقويم” ويشدد هؤلاء العلماء على أن الطبيعة تزخر بالعناصر والعلاجات التي تفوق في فعاليتها أضعافا الكثير من الأدوية الصيدلانية، لكن من دون الآثار الجانبية للأدوية الصناعية. ولا بدّ من التذكير بأن جسم الإنسان آلة عجيبة وهبة ربانية مُعجِزة وهو مبرمج لشفاء نفسه من العلل إذا ترك يعمل بصورة طبيعية وتمت مساعدته بالعناصر الملائمة الغذائية أو الكثير من العناصر العلاجية الموجودة في الطبيعة والتي ثبت أنها فعالة في مكافحة السرطان دون أن يكون لها الآثار الجانبية المخيفة للأسلوب التقليدي.

عناصر طبيعية تكافح السرطان
إن عشرات الأبحاث العلمية أصبحت متوافرة اليوم ومنشورة في المجلات الطبية والعلمية وكل تلك الأبحاث تشير إلى عدد من العناصر الغذائية التي يمكنها (بالتضافر مع نظام غذائي محدد) أن تكافح الخلايا الجذعية للسرطان دون التسبب بآثار جانبية ضارة للجسم. ومن هذه العناصر خصوصاً العقدة الصفراء أو الكركم والتي تصدر كل يوم دراسات تبين فوائده العظيمة في مكافحة السرطان بجميع أنواعه، وهناك مادة الكورستين الموجودة في البصل والتي أثبتت فعاليتها في قتل السرطان ويمكن الإفادة من هذه المادة عن طريق شرب عصير بصلة (يفضل أن تكون مزروعة عضوياً أي من دون سماد كيماوي) في كوب وتناوله على الريق (مخففاً بالماء) دون تناول أي طعام لمدة ساعة. وهناك مادة السلفورافان الموجودة في منبتات بذور البروكولي والجنيستين والبيبرين (البهار الأسود) والذي ينصح طبيب السرطان الأميركي المشهور برجنسكي بتناوله مع العقدة الصفراء (الكركم) لزيادة امتصاص الجسم لمادة “الكركمين” وبالتالي فعالية الأخير في مقاومة السرطان.

الدكتور-الإيطالي-سيمونسيني-أثبت-أن-حقن-الخلايا-السرطانية-بمادة-بيكاربونات-الصوديوم-يؤدي-إلى-قتلها
الدكتور-الإيطالي-سيمونسيني-أثبت-أن-حقن-الخلايا-السرطانية-بمادة-بيكاربونات-الصوديوم-يؤدي-إلى-قتلها

علاجات أثبتت فعاليتها
أحد أشهر الأطباء الأميركيين ويدعى راسل بلايلوك كتب وحاضر وأعطى عشرات المقابلات التلفزيونية لشرح نظريته القائلة بأن مرض السرطان هو عارض يتعلق باختلال نظام الغذاء Metabolic syndrome. واعتبرت تلك النظرية ثورية فعلاً في فهم السرطان، إذ ركزت على أن مرض السرطان بدأ يظهر بسبب عدد من العادات الغذائية أبرزها تحول المجتمع من استخدام الدهون لإنتاج الطاقة الجسدية إلى السكريات إضافة إلى استخدام مواد صناعية مثل المنكهات الصناعية ولاسيما SMG والأسبرتايم وغيرها. ولهذا السبب فإن الدكتور بلايلوك يشدد على أن علاج السرطان يجب أن يقوم على التزام نظام غذائي صارم يستهدف “تجويع” خلايا السرطان وقتلها عن طريق حرمانها من الوقود الذي تعيش عليه. ويعتبر عدد كبير من الأطباء والعلماء أن هيمنة السكر على نظام الغذاء الحديث هو -مع أسباب أخرى بيئية- أحد أهم أسباب تفشي السرطان. وبسبب تلك النظرية يجري التركيز على أهمية إعطاء المريض نظام غذاء لا يحتوي على الكاربوهايدرات مثل النظام الكيتوجيني ketogenic diet . وقد ثبت في الأبحاث الطبية أن دخول المريض فترة صيام معينة كان يؤدي إلى زيادة فعالية العلاج الكيميائي نفسه ، وقد تبنى بعض المرضى أسلوب الصيام القاسي Starvation diet لتجويع خلايا السرطان وقتلها عن طريق حرمانها من الحراريات التي تعيش عليها.
1. معجزة الكركم الطبيعية
لكن أحد أهم العناصر الغذائية التي يثبت كل يوم فعاليتها في مكافحة السرطان هو الكركم أو العقدة الصفراء التي يعتبرها أطباء الطب الطبيعي أهم علاج للسرطان كما يعتبرون تناولها بانتظام أهم وسيلة للوقاية من المرض. ونظراً إلى أن الجسم لا يمكنه امتصاص مادة الكركمين Curcumin الفعّالة في الكركم فقد جرت تجارب عدة انتهت بتوجيه نصائح بغلي الكركم في الماء لمدة 10 دقائق بهدف استخلاص المادة الفعالة منه وتسهيل امتصاص قسم منها (نحو 12%) من قبل خلايا الجسم, كما وجهت نصائح بمزج الكركم بالدهون مثل السمن أو الزبدة لأن الكركم يذوب في الدهون. وفي خط مواز نجحت صناعة الأدوية الطبيعية في تطوير مستخلص الكركم Curcumin extract بصورة تجعله سهل الامتصاص من قبل الجسم الأمر الذي يسهل الإفادة منه بصورة كبيرة.
علينا مع الأسف أن نلاحظ أن الكركم المباع في السوق مغشوش في قسم كبير منه ونحن ننصح بشراء جذور الكركم المجففة إذا وجدت أو استقدامها من أسواق الخليج حيث توجد جاليات هندية وآسيوية ثم طحن الجذور في أي مطحنة حبوب للحصول على الكركم الأصلي، وعلامة الكركم الحقيقي أن مسحوقه يذوب في الماء الغالي بسهولة بينما يتميز الكركم المباع محلياً بأنه يتحول إلى كتل لزجة ربما لأنه مخلوط بالطحين وبمواد ملونة.
2. الفيتامين D
من ضمن العناصر الغذائية التي تأكدت فائدتها في مقاومة السرطان الفيتامين D ولهذا الفيتامين الذي يمكن الحصول عليه من الجلوس في الشمس فوائد عدة في الوقاية من أمراض عديدة منها أمراض القلب والسكري، لكن هذا الفيتامين الأساسي يعتبر العدو رقم واحد للسرطان وقد تأكد وجود صلة بين نقص الفيتامين D وبين السرطان في أكثر من 200 دراسة علمية وأكثر من 2500 بحث مختبري حول نفس الموضوع ونظراً إلى أن الناس لا تجلس اليوم في الشمس ولا تخرج إلى الحقول كما في السابق فإن الحصول على الفيتامين D ممكن من خلال مكمل غذائي تحت إسم D3 ويشدّد خبراء الغذاء على هذا النوع من الفيتامين D وليس الفيتامين D2 باعتباره الأكثر امتصاصااًمن الجسم والأكثر فعالية لتعزيز جهاز المناعة.
3. العلاج بالأوكسيجين
أصبح مؤكدا أن أحد أهم مسببات السرطان هو نقص الأوكسيجين في خلايا الجسم لأسباب عديدة أهمها نمط الحياة السريع والمتوتر والذي يجعل الناس تتنفس بسرعة وبغير انتظام ولا يمكن تنظيم التنفس إلا في حال الانخراط بأعمال جسدية كما كان يفعل أجدادنا، فالجسم عندما يبذل الجهد يدفع الرئتين إلى الاتساع واستنشاق الهواء بقوة، لكن الجسم الخامل وراء المكتب أو على الكنبة في مقابل التلفزيون لا يساعد على التنفس السليم والكامل، ونحن نتحدث هنا عن غير المدخنين، أما المدخن فإنه يقضي تدريجياً على نسيج الرئتين الاسفنجي عبر طبقة القطران التي تتكاثف فوقه وتقلص قدرته على امتصاص الأوكسيجين. إن نقص الأوكسيجين في الخلايا يترجم بتحول فيزيولوجي يساعد في نمو السرطان لأن السكر الذي يصل خلايا الجسم عبر الدم يحتاج إلى الأوكسيجين لكي تتم عملية أكسدته وحرقه وتحويله إلى طاقة، وفي حال نقص الأوكسيجين فإن عملية التأكسد لا تتم بالكامل مما يؤدي إلى تخمر السكر Fermentation وهذه هي البيئة المثلى لنشوء الخلايا السرطانية.
يذكر أن اكتشاف العلاقة بين نقص الأوكسيجين والسرطان يعود الفضل فيه إلى العالم الأميركي الشهير أوتو وربرغ الذي أثبت هذا الأمر في أبحاث له في العام 1930 وجود علاقة مباشرة بين الأمرين، وقد اعتبر الاكتشاف من الأهمية بحيث استحق ووربرغ منحه جائزة نوبل للطب. وبسبب تلك الأبحاث بدأ الطب الطبيعي يعتمد تقنية دفع الأوكسيجين إلى الخلايا المصابة لتسريع عملية التأكسد وبالتالي حرمان الخلايا السرطانية من البيئة المساعدة على النمو وبالتالي محاصرتها وتجويعها مما يسمح لجهاز المناعة نفسه بتدميرها..
4. بيكاربونات الصوديوم والبوتاسيوم
أحدث الدكتور الإيطالي توليو سيمونسيني ضجة كبيرة في إيطاليا عندما تمكن من معالجة مرضى السرطان عبر حقن الأورام الداخلية بمادة بيكربونات الصودا بينما استخدم صبغة اليود للسرطانات الخارجية ، واعتبر العلماء أن طريقة سيمونسيني هي تطبيق لمبدأ أهمية الأوكسيجين وتخفيف البيئة الحمضية في منطقة السرطان. فمادة بيكاربونات الصودا تزيد من إمداد ثاني أوكسيد الكربون وتحدث بالتالي ردّ فعل مباشر يدعو الجسم لاستدعاء المزيد من الأوكسيجين إلى المناطق المصابة ، كما إن هذا العلاج الطبيعي يقوم على زيادة الخاصية القلوية لعنصر الـ PH في الجسم إلى أعلى من المعدل الصحيح وهو 7.4 وهو ما يحرم الخلايا السرطانية من مناخ التخمر الذي يتوقف عليه نموها. ونحن لن نطيل في استعراض كل هذه البدائل ونترك للقارئ المهتم أن يقوم بنفسه بمزيد من الأبحاث لتكوين فكرة أدق وأشمل عن هذه العلاجات.

العلاج-بالأوزون-أحد-وسائل-العلاج-البديلة-للسرطان-وليس-لها-آثار-جانبية
العلاج-بالأوزون-أحد-وسائل-العلاج-البديلة-للسرطان-وليس-لها-آثار-جانبية
مع-تزايد-الأدلة-على-فشل-العلاجات-التقليدية-بدأت-شركات-الأدوية-السعي-لتطوير-علاجات-موجهة-تصيب-السرطان-دون-أن-تؤذي-الخلايا-السليمة
مع-تزايد-الأدلة-على-فشل-العلاجات-التقليدية-بدأت-شركات-الأدوية-السعي-لتطوير-علاجات-موجهة-تصيب-السرطان-دون-أن-تؤذي-الخلايا-السليمة

العلاج بالتسخين Hyperthermia
يعتبر العلاج بالتسخين الموضعي أحد أهم التطورات التي شهدها علم السرطان وقد بات هذا العلاج معترفاً به حتى من المؤسسة الطبية التقليدية كعلاج مكمل أو رديف، إذ وجد أن تسخين المواضع المصابة إلى درجة حرارة قد تتراوح ما بين 41 و 45 درجة مئوية يساهم في “إذابة” الخلايا السرطانية ويرهقها فتصبح فريسة سهلة للعلاج التقليدي بالكيمو أو بالأشعة. ويلاحظ أن “صناعة السرطان” ونعني بها المصالح الكبيرة الموجودة خلف العلاجات التقليدية اضطرت للاعتراف بأهمية التسخين الحراري لكنها ما زالت تنظر إليه كمكمل للعلاجات التقليدية المستخدمة، لكن أوساطا علمية عديدة تسعى لتطوير أسلوب التسخين الحراري كأسلوب بديل من خلال الجمع بينه وبين أدوية غير سامة كما فعل الطبيب الاسترالي جون هولتس الذي جمع بين التسخين وبين ضخ دواء معطل للغلوكوز مثل glutathione أو cysteine تمتصه الخلايا السرطانية المسخنة الأمر الذي يعرضها لإرهاق شديد مع حرمانها من امتصاص السكر الحيوي لاستمرارها. وقد نجح هولتس في تحقيق نسب شفاء عالية الأمر الذي دفع بالمؤسسة الطبية أو ما يمكن تسميته مافيا الدواء إلى شنّ حملة شديدة على الدكتور هولتس ليس بسبب أسلوب التسخين الحراري بل بسبب استغنائه عن علاج الكيمو والأشعة لصالح أدوية جديدة مبتكرة لا تسبب مضاعفات جانبية وتعطى للخلايا السرطانية المسخنة وتساهم في قتلها. فكانت جريمته بالتالي أنه تجرأ على اقتراح الاستغناء عن الكيمو ورفضه العلاج الإشعاعي متحدياً صناعة تفوق قيمتها التريليون دولار سنوياً. لكن الأمر معقود الآن على المؤسسات الطبية في الصين واليابان التي طورت الأسلوب تحت إسم جديد هو ablatherm وهي تسعى لتطوير إمكان استخدامه بتقنيات جديدة (مثل الترددات الصوتية العالية Ultrasound) أو المايكروويف إضافة إلى أسلوب التسخين بالأشعة ما تحت الحمراء.
الأمر المؤكد أن استخدام التسخين الحراري بهدف تحسن فعالية الكيمو أو العلاج الإشعاعي بات أمراً مقبولاً حتى من قبل المؤسسة الطبية التقليدية حتى أن بلداً مثل هولندا أقرّ بالتقنية وبدأ بإدخالها في المستشفيات ومراكز علاج السرطان. وهناك من يطالب اليوم بأن يكون في كل مركز لعلاج السرطان وحدة للتسخين الحراري Hyperthermia نظراً إلى أن التقنية المذكورة تساعد كثيراً في تحسين فعالية الكيمو وأثبتت حسب دراسات عديدة نشرت في مجلة لانسيت Lancet الطبية المحترمة في مضاعفة موعد مد عمر المريض بل وشفائه في نحو 36% من بعض حالات السرطان.
لكن هل يجب أن نصل إلى السرطان لكي نبدأ القلق على حياتنا ونبدأ التفكير في العلاجات المتاحة، وغالباً ما تكون الكيمو والعلاج الإشعاعي لأن العلاجات الطبيعية ما زالت محاربة عموما وما زال عدد قليل من الأطباء المعروفين يمارسونها في بعض دول العالم؟
بدلاً من أن نمضي حياة عذاب مع السرطان والكيمو والأشعة أليس من الأفضل بذل مجهودات محدودة في تنظيم حياتنا وغذائنا وأسلوب عيشنا؟ وما الذي يمكننا فعلاً القيام به لإبعاد شبح السرطان؟ علماً أن ما نقوم به درءاً للسرطان هو نفسه الذي سيردأ عنا مختلف الأمراض المستعصية لأن الحياة الطبيعية السليمة تجلب الصحة والعافية والسعادة للعائلة كلها.

درهم وقاية

فـي الحرب على السرطان
لا يوجد علاج أفضل من الوقاية

تطبيق وقاية صحية شاملة لا يفيد فقط في اجتناب السرطان
بل في اجتناب كل الأمراض المستعصية التي تفتك بصحتنا

جميع-الأواني-البلاستيكية-تحتوي-على-مسببات-للسرطان-وذلك-بسبب-احتوائها-على-مادة-البيسفينال-إي-ولا-يجوز-وضع-الأطعمة-فيها
جميع-الأواني-البلاستيكية-تحتوي-على-مسببات-للسرطان-وذلك-بسبب-احتوائها-على-مادة-البيسفينال-إي-ولا-يجوز-وضع-الأطعمة-فيها

الملوثات الكيماوية المنزلية والتدخين والأطعمة المعلبة والهورمون في اللحوم والألبان والخضار ورواسب المبيدات الزراعية ونقص الأوكسيجين من أهم العوامل التي ينبغي اجتنابـــها بأي ثمن!!

الإقلاع التدخين وعن النشويات والسكريات والإكثار من الخضار البرية أو العضوية واستخدام الكركم بكثرة في الطعام من أهم وسائل الوقاية من السـرطان

يمكننا أن نفصل إلى ما لا نهاية في أهداف مافيا الدواء العالمية وأساليبها الملتوية وفي إهمال الأطباء وشجع الكثير منهم وتركيز المستشفيات نفسها على التقنيات الحديثة والأرباح دون رسالة الرعاية والعلاج المتكامل للمريض. لكن مع الأسف كل هذه الأمور قائمة وستبقى لمدة طويلة وسيكون من الصعب تبديلها. ولهذا السبب فإن مريض السرطان مهما كان مدركاً ومهماً سعى للحصول على أفضل علاج سيبقى ضعيفاً جداً في هذه المعادلة.
وبسبب سيطرة الأغراض التجارية على القطاع الصحي وتدني أخلاقيات مهنة الطب والدواء وتفشي الغش في القطاع الغذائي وتكاثر الملوثات البيئية الخ.. فقد أصبح كل منا في خطر ما لم يتحمل مسؤولية صحته وصحة أسرته، لذلك فإن الأمر الواحد الذي يحفظ لنا قوتنا
و أن نبقى أصحاء وأن نأخذ زمام السيطرة على صحتنا بأيدينا. لكن هذا الامر يتطلب تكوين ثقافة صحية عبر الاستفادة من مختلف المراجع المتوافرة ولاسيما على شبكة الإنترنت. إن الهدف من ذلك ليس الاستغناء عن الطبيب وهناك لحسن الحظ أطباء صادقون وذوو خبرة ومهارة حولنا، لكن الهدف من الثقافة الصحية أن تقل حاجتك إلى الطبيب وأن تعيش حياتك بعافية وأن تتجنب الأمراض الخطيرة التي باتت السبب الأول في موت الناس وفي مقدمها السرطان.
1. إن الهدف للثقافة الصحية ليس فقط الإلمام بالكثير من العلاجات الطبيعية التي قد تساعد كثيراً في علاج الأمراض بل وبالدرجة الأولى تطبيق مناهج وقاية صحية وتغذية سليمة تبتعد بالمرء عن كل تلك الأمراض، والأصل أن الإنسان يولد صحيحاً ويفترض أن يعيش بصحة جيدة طيلة حياته وهذه كانت حال أجدادنا كما نعلم جميعاً وكان أحدهم يموت “موتة ربه” كما كان يقال في البرية أو متكئاً على مسنده بعد يوم عمل.
في موضوع السرطان فقد بات واضحاً أن له مسببات عديدة كلها تقريباً نتاج الحضارة المعاصرة ولاسيما التلوث وأنظمة التغذية والدعة والابتعاد عن الطبيعة والكثير من منتجات الاستهلاك. لذلك وبدلا أن نخاف من السرطان أو نتوقع أن يصيبنا يوماً فإنه من الأفضل بكثير أن نقطع عليه الطريق من خلال الابتعاد عن كل ما يمكن أن يتسبب بحدوثه. ولا بدّ من القول إن تطبيق نظام وقاية صحية لا يفيد فقط في اجتناب مخاطر الإصابة بالسرطان، بل يفيد في اجتناب مختلف الأمراض المستعصية التي تفتك بصحتنا، كما إنه يعيننا على حماية صحة أطفالنا وتربيتهم تربية جسدية وعقلية سليمة تمكنهم من أن يحيوا حياتهم بأقل قدر من المنغصات الصحية في المستقبل.
في ما يلي وبناء على احدث الدراسات العلمية والصحية مجموعة من القواعد الصحية التي يمكن أن تعيننا على اجتناب السرطان وغيره من الأمراض المزمنة:

اكثر مواد التجميل تحتوي على عناصر مسببة للسرطان
اكثر مواد التجميل تحتوي على عناصر مسببة للسرطان

2. الانتباه إلى الملوثات المنزلية والتي نادراً ما ننتبه إليها وهي موجودة في المنظفات المنزلية وفي أواني “التيفال” المانعة لالتصاق الطعام وأواني الألومنيوم وقناني المياه البلاستيكية وأواني البلاستيك ومعطرات الهواء والصابون المعطر والكثير من مواد التجميل والعناية الشخصية. ومن المفضل استخدام أواني الفخار أو الستنليس والصابون البلدي ويمكن استخدام برش الصابون كبديل لسائل الجلي أو استخدام الخل ويجب اجتناب مزيلات الرائحة والتعرّق لأنها تتسبب بالسرطان خصوصاً سرطان الثدي عند النساء. إن خطورة منتجات التجميل هي أن الجسم يمتصها مباشرة عبر الجلد وبالتالي فإن العناصر المسببة للسرطان الموجودة في الكثير منها تدخل إلى الجسم عبر مجرى الدم.
3. الامتناع عن التدخين لأنه أول أسباب سرطان الرئة وغيره. وتشير الإحصاءات إلى أن 75% من المصابين بسرطان الرئة هم من المدخنين.
4. الامتناع عن تناول الأطعمة المعلبة والاستعانة عنها بالأطعمة الطازجة لأن الغلاف الداخلي لعبوات التعليب يحتوي على مادة البيسفنول BPA المسببة للسرطان، وقد كشف أحد الأبحاث التي أجراها معهد هارفارد للصحة العامة أن استهلاك أطعمة معلبة يمكن أن يزيد معدل الـ BPA في الجسم بنسبة 1000 في المئة في غضون خمسة أيام!!.
5. الامتناع عن تناول جميع الأطعمة التي أضيفت إليها مادة المونوصوديوم غلوتومايت MSG وهذه موجودة في أكثر أنواع رقائق البطاطا التي تباع للأطفال والكبار كما إنها تضاف أيضاً لبعض المكسرات المطيّبة وهي مادة تسبب السرطان وأمراض كثيرة منها الألزهايمر.
6. الامتناع عن استخدام المحلى الصناعي الأسبرتايم Aspartame المتداول تحت أسماء تجارية عديدة مثل كاندريل وغيرها لأن الدراسات العلمية تشك بقوة في أنه يمكن أن يتسبب في أنواع عدة من السرطان مثل اللوكيميا واللميفوما. بدلاً من ذلك يمكن استخدام محلى طبيعي مثل الستيفيا Stevia المستخرج من النبات وهو متوافر في الصيدليات. وبهذا المعنى يجب الحذر من كل ما يباع في السوق من شوكولا أو علكة أو غيرهما مكتوب عليها: “خال من السكر” لأنها محلاة غالباً بـ”الأسبرتايم” وكذلك يجب الامتناع كلياً عن تناول المرطبات الغازية المسوقة تحت شعار Diet أنها أيضاً محلاة بمادة الأسبرتايم الخطرة المسببة للسرطان.
7. الإكثار من تناول الخضار الطازجة والعضوية أي التي لم يدخل في إنتاجها أسمدة كيماوية أو هورمونات نمو. إن الخضار التي نشتريها من السوق هي الآن أحد مصادر السرطان لأن المزارعين يستخدمون هورمونات النمو في تسريع نموها أو في إعطائها لوناً زاهياً (كما في البندورة التي تكون خضراء فتتحول إلى حمراء بمجرد رشها بمحلول هورموني).
8. إن المبيدات المستخدمة في مكافحة الآفات الزراعية أو الأعشاب الطفيلية أكثرها مسبب للسرطان وحسب وكالة البيئة الأميركية الرسمية فإن 60% من المبيدات العشبية و90% من المبيدات الفطرية و30% من المبيدات الحشرية هي عناصر مسببة للسرطان. لذلك من المهم جداً عند رش المحاصيل لبس أقنعة واقية أو كمامات، وعدم استهلاك الخضار أو الفاكهة المعالجة قبل انقضاء فترة الأمان، ولكل مبيد مستخدم فترة سماح أو انتظار محددة وهذه قد تتراوح ما بين أسبوع و30 يوماً أو أكثر، ويحظر على المزارع أن يقطف محصوله وينزله إلى السوق قبل انقضاء فترة الأمان بعد آخر رشة بالمبيدات. لكن هذه المعلومات غالباً ما يتم تجاهلها بل إن المزارع لا يعلم عنها ولا يسأل عنها الصيدلية الزراعية، وهو لذلك قد يبدأ باستهلاك أو تسويق إنتاجه قبل انقضاء فترة الأمان مما يعرضه وأسرته كما يعرض الناس لخطر تلك المبيدات السرطانية في معظمها.

التلوث-المفزع-في-مدينة-بيروت-أحد-الأسباب-غير-المباشرة-لتزايد-حالات-السرطان-وأمراض-التنفس
التلوث-المفزع-في-مدينة-بيروت-أحد-الأسباب-غير-المباشرة-لتزايد-حالات-السرطان-وأمراض-التنفس
أكثر-المنظفات-الكيماوية-تحتوي-على-مركبات-مسببة-للسرطان
أكثر-المنظفات-الكيماوية-تحتوي-على-مركبات-مسببة-للسرطان

9. كذلك الأمر في اللحوم. وكلنا يعلم أن شركات تسمين العجول والأبقار ومربي الدواجن يستخدمون هورمونات النمو بصورة منهجية لتسريع نمو الحيوانات المعدة للسوق، فضلاً عن الاستخدام الكثيف للمضادات الحيوية وبعض المنتجات المعدلة جينياً مثل الصويا والذرة في العلف. وكل هذه العناصر تعتبر مسببة للسرطان أو مساعِدة على نموه.
10. إن المصدر الأهم والصحي للألبان في لبنان هو قطعان الماعز التي تسرح وتأخذ غذاءها من الطبيعة فأبحث عن حليب وألبان الماعز حتى لو كان عليك أن تقطع مسافة، كما يمكن للمقيم في الريف امتلاك بعض الماعز كمصدر للحليب في بيته، وفي حال عدم توافر منتجات الماعز فإننا ننصح ببعض أنواع أجبان الغنم والماعز المستوردة من أوروبا لأن أوروبا تطبق معايير صحية صارمة في إنتاج الأجبان، ولأن الأغنام والماعز إما أنها تعيش على الرعي في تلك البلدان وإما أنها تعطى أعلافاً مدروسة ولا تدخل فيها منتجات معدلة جينياً لأن أوروبا تمنع استيراد تلك المنتجات. وللذين يسكنون الريف ننصح بإقتناء دجاج بلدي يتم علفه بالحبوب الطبيعية كالقمح والخضار ومن الأفضل أن يسرح فيعطي عندها البيض البلدي الطبيعي والصحي كما إن لحم الدجاج البلدي صحي ومفيد جداً لأنه يعيش على الأعشاب وما يقتات به الدجاج في الحقول وحول البيت.
11. التخفيف من تناول البروتين الحيواني أو النباتي علماً أن الفرد لا يحتاج أكثر من 100 غرام من البروتين يومياً والمفضل أن تكون الكمية نصف ذلك.
12. تناول المنبتات من العدس والقمح والماش وحبة البركة وبعض الحبوب فالمنبتات تعتبر غذاء عظيماً محملاً بشتى أنواع الفيتامينات والأنزيمات ومضادات التأكسد.
13. التخفيف إلى حد كبير من النشويات والسكريات والحلوى والتي ثبت أنها تلعب دوراً كبيراً في تنشيط خلايا السرطان خصوصاً لدى الأشخاص الذين لا يقومون بجهد جسدي مثل تمارين اللياقة البدنية والمشي وغيرهما من النشاطات. إن خلايا السرطان تعيش على التخمرات في الجسم والسكر هو أحد أهم مصادر التخمرات وبالتالي فإنه يوفر الغذاء الأمثل للخلايا السرطانية.
14. إن أحد الأسباب المؤكدة لحصول التحولات السرطانية في الخلايا الصحيحة هو نقص الأوكسيجين وذلك نتيجة ضعف اللياقة البدنية والتنفس السريع أو التوتر مما يضعف كمية الأوكسيجين التي تصل إلى الخلايا عبر هيموغلوبين الدم. لذلك فإن إجراء تمارين التنفس العميق (البراناياما أو يوغا التنفس) والقيام بالتمارين الرياضية والمشي السريع وسلوك الطرق الجبلية والعمل في الأرض كلها تساعد على توسيع الرئتين وتحسن نوعية التنفس وبالتالي وصول الأوكسيجين إلى الخلايا.
هذه بعض نصائح الوقاية التي يمكن عرضها بالاستناد إلى الأبحاث العلمية والصحية الحديثة واللائحة ليست كاملة بالطبع، لكن نقول لكل فرد أن يقي نفسه وأسرته من مخاطر السرطان وغيره من أمراض العصر. عليك أن تتحمل مسؤولية نفسك وأن لا تكون متواكلا لأنك قد تفاجأ في أي وقت. عليك أن تحصل المعرفة لأن المعرفة تحرر والجهل يقتل، كما إن عليك أن تتشارك في ما تعرفه وعلى الناس أن يتعاونوا وأن يتبادلوا التجارب والمعلومات من أجل حماية أنفسهم لأننا نعيش فعلاً في عالم خطر ومع الأسف فإن الطب الحديث مع نجاحاته لا يهتم بمنع حصول الأمراض بل بالتعامل فقط عندما تحصل، وهناك من يقول إن شركات الأدوية لا مصلحة لها أبدا في شفاء الناس لأن عملها وازدهار أرباحها يقومان على تكاثر الأمراض وتزايد عدد المرضى

الخضار-العضوية-من-أهم-الأغذية-المكافحة-للسرطان
الخضار-العضوية-من-أهم-الأغذية-المكافحة-للسرطان

مؤتمر فيينا

متّحدون لمناهضة العنف بإسم الدين

مؤتمــــر فيينا العالمي يدعـــــو
إلى احترام التعددية والحريات

في سياق الحملة الدولية لمناهضة الغلو وأشكال العنف التي ترتكب بإسم الدين نظّم مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات لقاءً عالمياً في مقر المركز في العاصمة النمساوية فيينا شارك فيه المئات من الشخصيات الدينية والفكرية والثقافية بهدف الاتفاق على موقف موحد بين المشاركين، وانعقد اللقاء في 18 و19 تشرين الثاني تحت شعار:»متّحدون لمناهضة العنف بإسم الدين» وتلقت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز الدعوة للمشاركة في اللقاء وقد شارك في أعماله  كل من قاضي المذهب الشيخ غاندي مكارم و رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى الذي ألقى كلمة في المشاركين في الجلسة الثانية التي انعقدت تحت عنوان»دور المؤسسات الدينية والمجتمع المدني في بناء السلام» .
وفي البيان الختامي الذي أصدروه، أكّد المشاركون شجب الصراعات أينما وقعت، خاصة الأحداث المؤلمة والخطيرة التي تجري في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق وسوريا، كما أعلنوا رفضهم القاطع لكل أشكال العنف، ولاسيما التي ترتكب بإسم الدين، وبراءة الإسلام الحنيف مما يتعرض له المسلمون من تشويه لتعاليم دينهم وقيمهم، ودورهم الحضاري، وأعلن المنتدون إدانتهم لكل ما يتعرّض له المواطنون في العراق وسوريا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأكّد المشاركون في بيانهم الختامي على أن كلّ مكوّن ديني أو عرقي أو ثقافي أو لغوي في هذه البلدان هو عنصر أصيل في تاريخها وعامل في بناء مستقبلها بالشراكة الكاملة على أسس المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، ودعا البيان إلى الحفاظ على هذا التنوُّع في المجتمعات العربية، والذي يشكل إرثاً حضارياً وميزة ثقافية.
شجب الصراعات
وألقى رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى كلمة أعلن فيها عن دعم الموحدين الدروز لأهداف المؤتمر وشجبهم لاحتدامَ الصراعِات المذهبية والدينية والعرقية وطغيانَ العنف والتسلُّط السياسي او الكبت الاجتماعي.
النموذج اللبناني
وشدد الشيخ أبي المنى على النموذج المتقدم للتعايش بين الديانات والثقافات الذي يمثله لبنان والجبل خصوصاً، حيث يعيش المسيحيّون حياةً مشتركة مع أخوانهم ومواطنيهم المسلمين، وعلى الأخصّ الموحّدين الدروز، مؤكداً أنّ العنفَ والصدام ومحاولات الإلغاء والتهميش والتحجيم لا تُجدي، وأنّ التعاطي الإيجابي الواقعي والتوافق أجدى وأنفع، وأن التنوَّع الذي مَنَحنا إياه الخالقُ تعالى هو عاملُ غنىً للمجتمع، أراده اللهُ تعالى، بقوله: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ».
وأكد أبي المنى أنّ صيغةَ العيش المشترك تظلُّ السمةَ الأساسيةَ الأرقى في المجتمع التعدُّدي، وهي صيغةٌ ضامنة يجب الحفاظُ عليها وتحصينُها وتطويرها، وذلك لا يكون إلّا بالحوار وتبادل الخبرات، وتنمية روح الصداقة والمحبة وهو ما يأتي في صلب توجُّه طائفة المسلمين الموحدين الدروز، التي تجد نفسها في الموقع الوسطيّ اللاحم للكيان الوطني والضامن للعيش المشترَك.
وقال إنّ الدين، بنظرنا، ليس غايةً، بل هو وسيلةٌ لخدمة الإنسان ومساعدته لتحقيق إنسانيتِه، والتوحيدُ هو الطريقُ الأفضلُ لفَهم الذات وفَهم الآخر والمصالحة مع الله ومع الناس، وبالتالي لبناء السلام.
وأكد أنّ ما يحصل في كلٍّ من سوريا والعراق وغيرِهما من البلدان المجاورة يساهم في تعميق الهوة وتقوية المتاريسُ المذهبية والدينية فيما المطلوبُ هو تغذيةُ المؤمنينَ بالروحانية والعقلانية ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر واحترام حرية التعبير والمعتقد.

وقال إن الشرق الجامعِ للأديان التوحيدية كان دائماً هدفا أساسيٍّا في لعبةِ الأُمم، لذلك فإننا نجد أنفسَنا كالقابضِ على جمر التناقضات المتراكمة، فإمّا أن نُحوّلَ التنوّعَ نوراً يُضيء العالَم بأسره، وإمّا أن نُشعلَه ناراً تَحرقُ الجميع، لذلك فإننا نرى ما يراه المؤمنون المتنوّرون في كل مكان، من أنّ المجتمعاتِ المتنوِّعة، كمجتمعاتنا، والتي تضمّ المجموعات الدينية أو الإثنية القليلة العدد نسبياً، ونحن منها، لا يمكن أن ترتاحَ أو تطمئنَّ إلّا  باندماجها في ثقافةٍ وطنيةٍ موحِّدة وحضارةٍ جامعة، وفي ظلّ  جوٍّ من الحرية الدينية تعيش فيه خصوصياتِها وتقاليدَها، ويشعرُ فيه أبناؤها أنهم مواطنون متساوون، في دولة الخير والإصلاح، دولة المواطَنة الجامعة التي تحترم الدين وتتناغم معه بدل أن تعزله، فتستمدّ روحيتها من روحه، دولة ترعى الجميعَ في ظلّ ثقافة القانون وحكم العدالة.

مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران
دعوة إلى الاحترام المتبادل وإدانة التكفير

عقد المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية مؤتمره الدولي الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية بطهران بين 7 و9 كانون الثاني 2015 بحضور مئات الشخصيات الدينية والعلمية من إيران والعالم الإسلامي ولبت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز الدعوة للمشاركة في المناسبة ، فحضر عنها رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى والشيخ فاضل سليم. ألقى الشيخ أبي المنى كلمة في الجلسة العمومية الثانية للمؤتمر، أكد فيها دعم الموحدين الدروز لكل مظاهر الوحدة الإسلامية وعلاقات التسامح والتعاون بين المذاهب مشددا على رفض العنف وأشكال التطرف ونزعات التكفير؛ كما أجرى الشيخ أبي المنى عددا من المقابلات مع وسائل الإعلام الإيرانية والاسلامية. وعلى هامش المؤتمر، كما قام وفد مشيخة العقل بزيارات واتصالات تعارف ومجاملة شملت زيارة السيد جواد الشهرستاني في مدينة قمّ (ممثل السيد السيستاني، وصهره) للاطمئنان على صحته وتأكيد التواصل مع مؤسساته الثقافية.
تبنى المؤتمر لهذا العام شعارا لأعماله «لأمة الإسلامية الواحدة:التحديات والآليات» وكان قد افتتح المؤتمر الرئيس الإيراني الدكتور الشيخ حسن روحاني بكلمة جامعة شدد فيها على ضرورة تحقيق الوحدة والتلاحم بين ابناء الامة الاسلامية، موضحا اهمية التعريف بالاسلام الرحماني للمسلمين وغير المسلمين كدين يسر وحلم وليس كدين تطرف وعنف.
يهتم مؤتمر الوحدة الإسلامية بحكم رسالته بالتقريب بين المذاهب والجماعات الإسلامية وبصورة خاصة بالتقارب الشيعي السني باعتباره المرتكز الأهم المأمول لقيام الوحدة بين المسلمين وتوحيد مواقفهم إزاء التحديات التي تواجههم على اكثر من صعيد. وقد تم التأكيد مجددا من قبل المؤتمر على تقارب المذاهب الإسلامية التي تؤمن بأركان الإسلام وأصول الإيمان ، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة وعلى أن الاختلاف السياسي لا يجوز أن يستغل الاختلافات العقدية أو التاريخية أو الفقهية, كما أكدّ المؤتمر محافظته على هذه الروحية، بالحث على وجوب احترام المسلمين بعضهم لبعض، وترك البحث في الأمور الخلافية للعلماء والخبراء مؤكدا على عدم جواز الانتقاص من كرامة آل البيت الطاهرين أو أمهات المؤمنين أو الصحابة الكرام أو أئمة المسلمين، وعدم جواز استباحة المساجد ودور العبادة وكذلك الحسينيات والزوايا والمراقدن تحت أي مبرِّرٍ أو شعار. ونبه المؤتمر إلى خطورة انتشار السلوكيات المادية المنحرفة وحالة التقليد والتبعية للغرب والانبهار به.
ودعا المؤتمر العالم الاسلامي وشعوب المنطقة لتوحيد صفوفها في مواجهة حركات التطرف والتكفير ودعم إيجاد حلول سلمية للنزاعات في عدد من البلدان الإسلامية.

مؤتمر الازهر

مؤتمر الأزهر الشَّريف لمواجهة الغلو والتطرُّف

قيادات إسلاميَّة ومسيحيَّة من مائة وعشرين دولة
تصدر ميثاقاً حول التسامح الديني ومحاربة الإرهاب

وفد مشيخة العقل يقدم ورقة عمل ويلتقي الإمام الطيب

شيخ الأزهر الإمام الدكتور محمد أحمد الطيب
شيخ الأزهر الإمام الدكتور محمد أحمد الطيب

سجل الأزهر الشريف في مصر سابقة ريادية على مستوى التصدي للمفاهيم المنحرفة ودعوات الغلو ونشر الفتن بين الناس بإسم الدين وذلك بالدعوة إلى عقد لقاء تشاوري ضم قيادات دينية إسلامية ومسيحية ومفكرين من 124 بلداً في العالم، وذلك بهدف تكوين تقييم موحد لظواهر التطرف والغلو وإعلان موقف مشترك يدعم خيار التسامح والوسطية والتقارب بين الأديان والمذاهب ويدين التطرف والإرهاب. واعتبرت دعوة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور محمد أحمد الطيب إلى اللقاء العالمي مبادرة جريئة استهدفت تأكيد موقع الأزهر الشريف كمرجع إسلامي أول وكمبادر في إدارة حوار بناء بين الأديان والمذاهب يستهدف احتواء التوترات وإدانة ظواهر العنف والتطرف ورفض الآخر. وبدا واضحاً أن شيخ الأزهر ينظر بعين القلق الشديد لموقف بعض الحركات المتطرفة من المسيحيين في المنطقة والإعتداءات التي يتعرضون لها في عدد من الأماكن، وهي سوابق اعتبرها غريبة جداً عن الإسلام وعن تاريخ التسامح والتعايش الطويل الذي رعته كافة العهود الإسلامية بين مختلف مكونات المجتمع.وقد ظهرت بوادر هذا النوع من التوتر والإنشقاق داخل المجتمع المصري نفسه وبين بعض الأوساط الإسلامية الرجعية وبين الطائفة المسيحية التي تعتبر أكثر وجود مسيحي في العالم العربي بل في غرب آسيا.
دعوة من شيخ الأزهر إلى سماحة شيخ العقل
وُجِّهت الدعوةُ إلى ما ينيفُ على مائة دولة من مختلف أقطار العالم كما ذكرت التقارير، لمرجعيات لها جهودها «الطيِّبة في نشر السماحةِ والتعايُش بين أتباع الطوائف المختلفة»، وربَّما تكونُ هي المرَّة الأولى التي يدعوُ فيها «شيخُ الأزهر» المرجع الروحيّ الرسمي لطائفة الموحِّدين الدّروز سماحة شيخ العقل نعيم حسن إلى مؤتمر إسلاميّ أزهريّ مع طلب كتابةِ ملخَّصٍ مُركَّز حول إحدى تلك قضايا محاور المؤتمر ليُستفاد من ذلك في تحديدِ رؤية كاملة حولها».تندرجُ دعوةُ الأزهر الشّريف الاستثنائيَّة هذه في سياقٍ متجدِّدٍ وثيق الصِّلةِ بالدَّور الكبير الّذي وجد فيه هذا الصَّرحُ التاريخيّ العريق أنّه مهيَّأ له في رفع لواء «الوسطيَّة» في الإسلام بمواجهة كلّ ظواهر الغلوّ والتّطرُّف. وأُرفِقت الدَّعوةُ الكريمةُ بلائحة عناوين المحاور المطروحة للبحث، والتي تفرَّع منها مواضيع لتكون مادَّةً خاضعةً للدَّرس و«التأصيل»، حيث أُشير إلى اتّجاهٍ في غاية الأهمّية، وهو منحى «تصحيح المفاهيم»، والعودة بها إلى رحاب الإسلام السَّمح الَّذي هو، في كلِّ حال، النَّهج الأثيل الَّذي التزمَ به الأزهرُ عبر التّاريخ.
حضور واسع
افتتح شيخ الازهر الدكتور محمد أحمد الطيب جلسات المؤتمر صباح يوم الأربعاء في الثالث من شهر كانون الأوّل 4102 في القاهرة وتصدر الحضور غبطة البابا تواضروس الثاني، وبطريرك الكرازة المرقسيّة، ووفود مشاركة من السعودية والمغرب وإيران ووفد كبير من لبنان ترأسه سماحة مفتي الجمهوريّة اللبنانيَّة الشيخ عبد اللطيف دريان وضمّ مفتيي المناطق و الدكتور محمد السمّاك وممثّل المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى وبعض الشخصيّات الناشطة، والوفد الممثل لسماحة شيخ العقل الذي تألف من الشيخ غسان الحلبي وقاضي المذهب الشيخ غاندي مكارم والشيخ هادي العريضي رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي.

كلمة الإمام الطيِّب شيخ الأزهر
في كلمته الإفتتاحية البليغة دعا شيخ الأزهر الإمام الطيِّب إلى التوحُّدِ في مواجهةِ التطرُّف بكلِّ توجّهاته ومدارسه ذاكراً الخطر المطبق على بلادنا وشعوبنا وقد دهمها من داخلها وخارجها، «فإنك حيثما قلَّبت النَّظر في خريطة الشرق الأوسط فإنه يروِّعك هذا الوضع المأساوي ، والذي يعييك البحث فيه عن سبب منطقي واحد يبرِّرُ هذا التّدمير المتعمَّد الذي حاق بالأرواح والدّيار والإنسان، وراح يستهدفُ تفتيت أمَّة، وفناء حضارة، وزوال تاريخ».
وتحدَّثَ شيخُ الأزهر متسائلاً عن «هذه الصّورة الكريهة لدِيننا الحنيف التي طالما تمنّاها أعداءُ الإسلام وانتظروها، الأمر الّذي يدفع إلى البحث عن أسبابها خارج إطار الحديث عن المؤامرةِ التي لا شكّ أنَّ مسوِّغات الكلام عنها موجودةٌ بدليل غزو العراق بعد حملةٍ عُرفت باختلاق الأكاذيب وتلفيق العِلل، الأمر الّذي ينطبقُ أيضاً على ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن. وتطرّق إلى سببٍ يُسألُ عنهُ العرب وهو المراوحة في حالة الاقتتال التي تبقيهم في وضع الضعف والهزال، وتؤجِّجُ عندهم منهج الفرقة والتنازع والاختلاف». وتساءل «لماذا لا يكون لنا اتّحاد يشبه الاتحاد الأوروبي، مقدِّراً جهود الساعين إلى جمع الشَّمل. ثمَّ تحدَّث عن إساءة استخدام مفاهيم التكفير، والجهاد، والخلافة تاركاً للعلماء مهمَّة إعادة توضيح المفاهيم الحقيقية للدين الحنيف، ومستحضراً ما يجري في الأقصى والقدس للحثِّ على التضامن وتحقيق الوحدة الاسلاميَّة التي كانت وستبقى الهدف الأسمى للأزهر الشّريف.

البابا تواضروس : احترام التنوع
ثمَّ تكلَّم البابا تواضروس الثاني موضحاً بأنَّ مصر قدَّمت نموذجاً راقياً لحياة حضاريَّة تنبذ الإرهاب والتطرُّف، وأنَّ المسيحيَّة في تاريخها على أرض مصر نادت وما زالت تنادي بحقوق كثيرة أوَّلها أن الإنسان في أيِّ مجتمع هو النور الّذي ينير للآخَرين، كما نادت باحترام التنوُّع وبالحوار. ثمَ تعاقب على الكلام عديد من العلماء من المغرب والسعودية ونيجيريا وكوسوفا وعُمان، ومن لبنان تكلَّم المطران بولس مطر، وسماحة السيّد علي الأمين.
بعد ذلك، انعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان «تصحيح المفاهيم وتحريرها»، والجلسة الثانية بعنوان «الغلوّ والتطرُّف»، والجلسة الثالثة تحت عنوان «المواطنة والعيش المشترك»، قرأ فيها المشاركون بحوثَهم ومداخلاتهم، وبعضها كان له طابع أكاديمي، وبعضها تضمَّن محاولات رصينة في تحديد أسباب الإشكالات المطروحة واقتراحات عقلانيَّة ومسؤولة للخروج من واقع الأزمة إلى الأفق الحضاريّ المطلوب. وكان لباحثين أزهريّين صوتٌ له أصداء نهضويَّة عميقة، وتميُّزٌ في أصالةِ الطَّرح والمعالجَة، وغوصٌ مستنير في عمق المفاهيم بروحٍ إيمانيَّةٍ جامعة.
وكان لوفدِ مشيخة العقل مداخلة بعد الجلسة الثانية التي ترأّسها مفتي مصر الدكتور شوقي علام تحدَّث فيها ممثِّلُ سماحته حيث أوضحَ بأنَّ مشيخة العقل أرسلتْ ورقةَ بحثٍ وفق ما ورد عبر الدّعوة الكريمة التي تلقّتها ولخَّص موضوعها بإيجاز، وصولا إلى تقديم تحيات سماحة شيخ عقل الموحّدين الدروز إلى المؤتمر وإلى الإمام الأكبر للأزهر الشريف وعن فائق التّقدير والاحترام لدور الأزهر القيادي «في بلورة الفكر الإسلاميّ الوسطي السَّديد»، وفي مواجهة ما تتعرَّضُ له الساحة الإسلامية من أزمات، وما صدر عنه من وثائق أساسيَّة نخص بالذكر وثيقة الأزهر الشّريف لنبذ العنف، والوثيقة المتعلّقة بالحريّات الأساسيّة، وبالمقاربة العامَّة الواردة في وثائق أخرى عن «تحديد علاقة الدّولة بالدِّين إلخ. ..وكلُّها خطوات سديدة في درب نهضةٍ حضاريَّة تتجاوز بها الأمَّةُ إشكالاتها العالقة، شرط المضيّ قدُماً بروح التسامح والحوار والتأصيل الثقافيّ المرتكز على فسحة العقل المؤمن بهدْي الله تَعالى ونور رسالته موضحاً بأنّه كان للدعوةِ صدًى طيِّب في قلبه وقلوب أهلنا جميعاً، وهو يأمل أن يؤتى المؤتمر ثماره المرجوَّة لخير الأمَّة الإسلاميَّة جمعاء.

لقاء مع الإمام شيخ الأزهر
تتوَّجت الزيارة والمُشاركة في المؤتمر بلقاء وفد مشيخة العقل مع الإمام الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر الّذي كان يستقبل بعض الوفود في غرفة خاصّة خارج قاعة المؤتمر. وبعد ترحيبه بالوفد شاكراً له حضوره ومبلِّغاً إيّاه سلامه إلى سماحته، تحدَّث ممثّل المشيخة معبِّراً عن مدى الأثر الطيِّب الّذي تركه تلقّي الدعوة الكريمة من الأزهر الشَّريف، ليس فقط لدى صاحب السماحة، بل وأيضاً لدى أهلنا لما يعني لهم الأزهر، هذا الصّرح الاسلامي العريق، من حضور في الوجدان والذاكرة، وهو صرحٌ لطالما كان في طليعة الّذين ناضلوا وكافحوا على مرّ التاريخ من أجل عزّة الإسلام وصورته النهضويَّة والحضاريّة. ولفت إلى أنّه منذ أن تسلّمَ د. الطيّب هذا المقام تبدَّت في مواقفه وكلماته الرّوح النهضويَّة، وحمل لواء الإسلام النيِّر، وهذا المؤتمر اليوم هو التعبير القويّ عنها. ثمَّ قُدِّم له كتابان أحدهما يعبِّرُ عن المسلك الأخلاقي التوحيدي، وآخَر كتبه أمير البيان شكيب أرسلان تناول فيه أسباب تأخُّر الأمَّة الإسلامية.

الجلســــة الختاميّــــَة وبيان الازهــر العالمي
صباح يوم الخميس بتاريخ 3/12/2014 عُقدت الجلسة الرابعة تحت عنوان «الإرهاب ودور المؤسَّسات الدينيَّة في مكافحته» والتي ترأسها مفتي الجمهورية اللبنانية سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان، وبعد إنهاء المداخلات التي تكلَّم فيها البعضُ عن الأعمال الشنيعة المرتكبة في العراق، وفلسطين وغيرهما، وكذلك عن الجرائم المرتكبة بحق المسيحيّين، عُقِدت الجلسة الختاميَّة بعد نصف ساعة تقريباً واقتصرت على قراءة البيان الختامي الّذي تلاهُ وكيلُ الأزهر الدكتور عبّاس شومان، بعد التوافق على تسميته «بيان الأزهر العالمي»، والّذي تضمَّن بنوداً في إدانة العنف والإرهاب وأعمال الميليشيات، والتأكيد على أنَّ المسلمين والمسيحيّين في الشرق هم أخوة ينتمون إلى حضارةٍ واحدة، وأنّ العلاقات المشتركة هي علاقات تاريخيَّة وتجربة عيشٍ مشترَك ومُثمر وأن تهجير المسيحيّين وغيرهم هو جريمة مستنكَرة، وأن بعض المسؤولين في الغرب وإعلاميّيه يستثمرون هذه الجماعات المخالفة لصحيح الدِّين. كما تضمَّن دعوة إلى لقاء حواريّ عالميّ للتعاون على صناعة السّلام وإشاعة العدل في إطار احترام التعدُّد العقديِّ والمذهبيّ والاختلاف العنصريّ. كما أشار إلى عمليَّة «غسل الأدمغة» بتشويه المفاهيم التي يتعرَّضُ لها عددٌ من شباب الأمَّة. ودعا إلى تنظيم التعاون بين دول العالم العربي وتطوير آليّاته وطالب بقوّة في أن يتحمَّل العلماء والمراجع الدينيَّة في العالم العربي والاسلامي مسؤوليّاتهم أمام الله والتاريخ. كما أدان الإعتداءات الإرهابيَّة التي تقوم بها القوّات الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة وخاصَّة في القُدس الشَّريف.

بيان تاريخي من الأزهــر الشريــف
حــــــــــول التســــــامح الـدينــــــي

تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب كان وسيبقى مصدرَ غنى لها وللعالم
والإسلام هو دين السلام والوحدة والعدل والإحسان والأُخوةِ الإنسانيةِ

أصدر المشاركون بمؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب، المنعقد بالقاهرة في نهاية الجلسة الختامية بياناً شاملاً أعاد التأكيد على المضمون الإنساني والعالمي للإسلام معلناً البراءة التامة من كل أشكال التطرف والتمييز الجيني أو العنصري مندداً بغسل الأدمغة التي يتعرض لها بعض الشباب بإسم الدين لتحويلهم إلى أداة للقتل والإرهاب والفتن، وفي ما يلي أهم البنود التي تضمنها البيان:
أوَّلاً: إنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و»المليشيات» الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة – زوراً وبهتاناً – راياتٍ دينيةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكراً وعاصيةٌ سلوكا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ، إنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ – هي جرائمُ ضد الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلاً وموضوعاً، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيتِ، يُقدِّم للعالم صورةً مشوهةً كريهةً عن الإسلام.
من أجلِ ذلك فإنَّ هذه الجرائمَ لا تتعارَضُ مع صحيحِ الدِّين فحسب، ولكنَّها تُسيء إلى الدِّين الذي هو دين السلام والوحدة، ودِين العدل والإحسان والأُخوةِ الإنسانيةِ. إنَّ تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدرَ غنى لهم وللعالم.
ثانياً: المسلمون والمسيحيون في الشرقِ هم أخوةٌ، ينتمون معاً إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمةٍ واحدةٍ، عاشوا معاً على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العيشِ معاً في دولٍ وطنيةٍ سيِّدةٍ حُرةٍ، تُحقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعًا، وتحترمُ الحريَّات. وإن التعرُّضَ للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أسبابٍ دِينيَّةٍ هو خُروجٌ على صحيحِ الدِّينِ وتوجيهاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتنكرٌ لحقوقِ الوطنِ والمواطنِ.
ثالثاً: إنَّ تهجيرَ المسيحيين وغيرِهم من الجماعاتِ الدِّينيَّةِ والعِرقيَّةِ الأخرى جريمةٌ مُستَنكرةٌ، نُجمِع على إدانتِها؛ لذلك نُناشد أهلَنا المسيحيين التجذُّرَ في أوطانهم، حتى تزولَ موجةُ التطرُّفِ التي نُعاني منها جميعاً، كما نُناشِدُ دولَ العالم استبعادَ تسهيلِ الهجرةِ من جدولِ المُساعداتِ التي تُقدِّمُها إليهم؛ فالهجرةُ تُحقِّقُ أهدافَ قُوَى التهجيرِ العُدوانيَّةِ التي تستهدفُ ضربَ دولِنا الوطنيَّة وتمزيق مجتمعاتِنا الأهليَّة.
رابعاً: إنَّ بعضَ المسؤولين في الغرب وبعض مُفكِّريه وإعلاميِّيه يَستثمِرونَ هذه الجماعاتِ المُخالفةَ لصحيحِ الدِّينِ لتَقديمِ صُوَرٍ نمطيةٍ يَفتُرون فيها على الإسلامِ شِرعةً ومِنهاجا. ولمُواجهة هذه الظاهرةِ السلبيةِ يُطالب المؤتمرُ المنصِفين من مُفكِّري الغربِ ومُسؤولِيه تصحيحَ هذه الصُّوَرِ الشريرةِ وإعادة النظَرِ في المواقف السلبيَّة؛ حتى لا يُتَّهم الإسلامُ بما هو بَراء منه، وحتى لا يُحاكَم بأفعالِ جماعاتٍ يَرفُضها الدِّين رفضاً قاطعاً.
خامساً: يَدعو المؤتمرُ إلى لقاءٍ حواريٍّ عالميٍّ للتعاون على صِناعةِ السلامِ وإشاعةِ العدلِ في إطارِ احترامِ التعدُّدِ العقديِّ والمذهبيِّ والاختلافِ العُنصري.
سادساً: لقد تعرَّض عددٌ من شباب الأُمَّةِ ولا يَزالُ يَتعرَّضُ إلى عمليَّةِ «غسل الأدمغة» من خِلال الترويجِ لأفهامٍ مغلوطةٍ لنصوصِ القُرآن والسُّنَّة واجتهادات العُلمَاء، ومن هذه المفاهيمِ مفهومُ الجهاد، ومعناه الصحيح في الإسلام هو أنه ما كان دفاعاً عن النفس وردّاً للعدوان، وإعلانُه لا يكون إلا من ولي الأمر وليس متروكاً لأي فرد أو جماعة مهما كان شأنها.
سابعاً: دعوة دول العالم العربي إلى تنظيم تعاونها وإلى تطوير آليات هذا التعاون بما يحقق الاستقرار والأمن والازدهار.
ثامناً: يطالب المؤتمر بقوة العلماء والمراجع الدينية في العالم العربي والإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ في إطفاء كل الحرائق المذهبية والعرقية وبخاصة في البحرين والعراق واليمن وسوريا.
تاسعاً: إدانة الاعتداءات الإرهابية التي تقوم بها القوات الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في القدس الشريف، والتي تستهدف الإنسان الفلسطيني المسلم والمسيحي على حد سواء، كما تستهدف المساجد والكنائس وبخاصة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ويناشد المجتمعون المجتمع الدولي التدخل بفاعلية ومسؤولية لوضع حد لهذه الاعتداءات الآثمة وإحالة مرتكبيها إلى محكمتي العدل والجنايات الدوليتين.
عاشراً: إن المؤتمر يؤكد على أن الشرق بمسلميه ومسيحييه يرى أن مواجهة التطرف والغلو وأن التصدي للإرهاب أيا كان مصدره وأيا كانت أهدافه هو مسؤوليتُهم جميعاً.

معرض الكتاب

معرض بيروت العربي الدولي للكتاب
تظاهـرة للكتــاب المطبــوع في عصــر النشــر الإلكترونــي

حفلات توقيع ولقاءات والسياسيون خطفوا الأضواء
العالم العربي الأكثر تأخراً في إصدار الكتب والترجمات

إنتاج-غزير-فأين-القراء
إنتاج-غزير-فأين-القراء

معرض بيروت العربي الدولي للكتاب نظّم دورته الثامنة والخمسين في البيال في تظاهرة مناصرة للكتاب المطبوع تؤكد أنه ما زال موجوداً بيننا رغم ثورة المعلومات وتقنيات النشر الإلكتروني والكتب الإلكترونية وغيرها. لا يعني ذلك أن الكتاب في صحة جيدة، فهناك عوامل كثيرة تضافرت لتضعف من أهميته ومن اهتمام القرّاء أهمها بالتأكيد ثورة المعلومات والميديا والدور الخطير للصحافة المرئية – والآن الصحافة الإلكترونية- وقد احتلت شاشات الـ LED العريضة أو الكمبيوتر المحمول أو الآيباد مكان المكتبات في البيوت وأخذت الصوفا المريحة مكان الكرسي والمكتب واسترخى الناس في مقاعد النظارة وأهملوا تقليد التفكر والتأمل الهادئ في مجريات السياسة والأدب والحياة.

صمود قلعة ثقافية
يستمر معرض بيروت للكتاب بالطبع بسبب وجود جمهوره -المتناقص سنة بعد سنة- وربما بسبب صمود العديد من دور النشر في الميدان والتي لم تضعف معنوياتها بسبب تراجع إقبال القرّاء. إلى أي حد أثّر النشر الإلكتروني على النشر الورقي؟ أثر كثيراً ولاشك وهناك مجلات عريقة عدة قررت وقف طباعة نسختها الورقية والإكتفاء بنسختها الإلكترونية التي يمكن قراءتها Online وهذه الكلمة (أونلاين) هي اليوم الأكثر تردداً في العالم وهي تلخص حجم الثورة التي اجتاحت الكتاب والمعلومة الورقية. وقد أصدرت عدة شركات صانعة نسخاً مختلفة من الكتاب الإلكتروني وبعضها أعطى مواصفات الكتاب بحيث يتم «تصفحه» على طريقة الكتاب وبعض هذه الأجهزة تضم ما لا يعدّ ولا يحصى من المؤلفات الكلاسيكية ربما ما يمكن أن يملأ مكتبة أو دار كتب في جهاز لا يزيد وزنه على 300 غرام.
معرض بيروت للكتاب الذي افتتحه الرئيس تمام سلام بكلمة حيّا فيها الثقافة وصناعة الكتاب صامد في موقع الدفاع عن الكتاب المنشور الملموس الذي يمكن اصطحابه إلى أي مكان وتلمسه وتأمل صفحاته ليكون فعلاً خير جليس وليكون أيضاً رمزاً لاستمرار الأصالة في زمن الحداثة الزاحفة مثل تسونامي لا يتوقف. لكن الخطر على الكتاب لا يأتي فقط من ثورات التكنولوجيا بل هو يهجم الآن من باب الظلامية الزاحفة على أكثر من جبهة. أول القرارات التي اتخذتها بعض الجماعات التكفيرية كانت إلغاء الجامعات ودراسة التاريخ باعتبارها من تأثير عالم الكفر. ما الذي سيأتي بعد؟ كيف نتخيل ازدهار الكتاب من دون حرية التفكير والاعتقاد والتسامح مع الآخر المختلف؟

الكتاب في وجه الإرهاب
رئيسة اتحاد الناشرين سميرة عاصي لمحت الخطر في كلمة اعتبرت فيها الكتاب والكلمة سلاحاً ماضياً في مقاومة الإرهاب والمد الرجعي الزاحف، بينما أكّد رئيس النادي الثقافي العربي سميح البابا أن المعرض يتابع رسالته في ترويج الثقافة والإبداع بعيداً عن أي غايات تجارية. بعض الناشرين تحدثوا عن سرورهم لاستمرار المعرض في استقبال الإنتاج الجديد لكن كثيرين ألمحوا إلى أنهم تعرّضوا لخسائر كبيرة نتيجة الأوضاع العربية التي خلقت خطوط تماس وقطعت أواصر المنطقة وشردت الملايين بحيث أصبح الكتاب في آخر الاهتمامات أمام همّ الأمن وكسب الرزق بل ومجرد تأمين البقاء. وقد شاركت هذا العام كالمعتاد دور النشر من عدة دول في المعرض الذي يعتبر مقصداً لشركات التوزيع وشركات تسويق الكتاب في المنطقة قبل أن يكون سوقاً لقرّاء الكتب الجديدة، لكن الميزة الأهم في المعرض هي حفلات توقيع الإصدارات الجديدة التي تتحول أحياناً إلى حفلات استقبال مصغرة ولقاءات حميمة بين المؤلف وجمهوره مما يضفي على المناسبة جواً اجتماعياً ويوفّر مناسبة نادرة للقاء بالمؤلفين ومنهم شخصيات سياسية وفكرية.

كتب أثارت الاهتمام
من الكتب التي استقطبت الاهتمام هذا العام كتاب «حزب الله والدولة» للنائب حسن فضل الله (الطبعة الثانية للعام 2014) وكتاب «داعش وأخواتها» لمحمد علوش وكتاب «إسرائيل إلى الأقصى» للنائب غازي العريضي وكتاب «الحوثيون واليمن»، للدكتور سعود المولى.
من الكتب الدينية «إظهار العقيدة السنية بشرح العقيدة الطحاوية» تأليف الشيخ عبد الله الهرري وكتاب «وهل الدين الا الحب؟» للشيخ حسين الخشن، من مكتبة السيد محمد حسين فضل الله و كتاب «مركبات التفكير ومناهج البحث العلمي»، لزكي حسين جمعة وكتاب «سيكولوجية الجماهير»، غوستاف لو بون، ترجمة هاشم صالح. وفي الشعر، لفت كتاب «عليك اللهفة «للكاتبة أحلام مستغانمي، و«خربشات على جدران الزمان» لحسان خشفة و«صلاة لبداية الصقيع»، لعباس بيضون. ومن الروايات التي عرضت هذا العام «شخص آخر» لنيرمين الخنسا و «خلف العتمة» لسليم اللوزي و«برتقال مر» لبسمة الخطيب. وصدر في الأدب كتاب « قهوجيات» لغازي قهوجي و«انا الغريب هناك» لزاهر العريضي. وفي كتب السير والتراجم «بعدك على بالي»، لطلال شتوي و«السيد هاني فحص» لهاني فحص وكتاب «الست نظيرة جنبلاط» لكاتبه شوكت اشتي.
من كتب التاريخ والحضارات «العرب والتحديات الحضارية» لاحمد ابو ملحم وكتاب «تاريخ لبنان الحديث» لفواز طرابلسي (طبعة رابعة) وكتاب «تاريخ جبل عامل» لمحمد جابر آل صفا. وتضمّن المعرض أجنحة لكتب العلوم والطبخ وكتب الأطفال والكتب التراثية والتاريخية.

مؤلفون وقعوا كتبهم
«الضحى» لبت دعوات اربعة من المؤلفين الكرام الذين وقعوا كتبهم في هذا الموسم، هم الوزير غازي العريضي والقاضي غسان رباح والدكتور ناصر زيدان وعائلة الدكتور عباس أبو صالح.
النائب غازي العريضي وقّع كتابه الأخير بعنوان «إسرائيل الى الأقصى» في جناح الدار العربية للعلوم في حضور العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والعسكرية والإجتماعية، ويأتي هذا التوقيع بعد سلسلة من الكتب السياسية أهمها أخيراً «العرب بين التغيير والفوضى»، «عرب بلا قضية»، «فلسطين حق لن يموت»، و«ادارة الارهاب». كتاب «اسرائيل الى الأقصى» هو مجموعة مقالات في 278 صفحة من إصدار الدار العربية للعلوم -ناشرون.
الدكتور ناصر زيدان وقّع كتابه الجديد بعنوان «قضايا عربية ودولية ساخنة 2010- 2014 » في جناح الدار العربية للعلوم- ناشرون، في حضور شخصيات سياسية وثقافية واساتذة جامعيين ومُهتمين، يقع الكتاب في 320 صفحة، يتناول أهم الأحداث العربية والدولية ولاسيما منها الانتفاضات العربية، والصراع الدولي، خصوصاً حول أوكرانيا.
عائلة المغفور له الدكتور عباس بو صالح وقّعت كتاب «أبحاث في التاريخ السياسي والاجتماعي للموحدين الدروز»، قدّم الدكتور محمد شيا هذا العمل الأكاديمي الذي تدور أبحاثه حول دور الموحدين الدروز في حماية الثغور العربية والإسلامية في مواجهة الغزوات الخارجية ويوضح دورهم العربي والوطني في مجابهة مشاريع تجزئة المنطقة والسيطرة عليها، وتمسكهم بكيان لبنان المستقل من دون دمجه كلياً أو جزئياً، ومشاركة الدروز، خصوصاً في «معركة المالكية» التي أسفرت عن نصرٍ عسكريٍّ على الدولة الصهيونية «على الرغم من إمكانات الجيش المتواضعة»، وأهمية تمسك دروز فلسطين بأرضهم.
القاضي الدكتور غسان رباح، وفي حضور جمهور متنوع وقّع كتابه «في ثقافة القانون وقضايا المجتمع»، وهو مجموعة من ست وعشرين بحثاً ومشروع قانون في نحو 695 صفحة، تتناول قضايا حقوقية مختلفة كالمواطنة والأحداث والسجون والبيئة والمخدرات والنزاعات المسلحة والرشوة والتمييز العنصري والفساد وغيرها، منها ثلاثة أبحاث باللغة الإنكليزية.

مساهمات حرة

في مضافة الشيخ الهجري في قنوات

أنت في مضافة الشيخ الهجري في قنوات، فمن الجد الى الأب الى الحفيد،
الزمان نيسان 2008 يستقبلك أول ما يستقبلك فنجان القهوة المرّة الذي لا يتخطاه في جبل العرب فنجان آخر بطيبه وعطره، وما أجمل أن يتخطاك الشيخ الجليل بالخطو بهمته رغم السن فتكون تابعاً وما أحلى ان يسبقك بأفكاره وأنت واثق ومطمئن إلى رأيه.
لما عزمنا على إقامة ملتقى «السويداء الدولي الأول للنحت» كان لا بدّ من أن نحشد الناس لدعمه بسبب تكاليفه الكبيرة وضعف الإمكانات. يومها دعونا مجموعة من 18 من الفنانين أجانب وعرباً وسوريين وقصدنا يومها شيخ العقل المرحوم الشيخ أحمد الهجري. وفي الحقيقة كان أقصى ما نرجوه في ضمائرنا هو الحصول على مباركة الشيخ الجليل وتشجيعه وربما توجيهه ونصحه في الأمر وهو المطّلع على الأمور العامة.
دخلنا مضافة الشيخ وشربنا من قهوته وأفاض الشيخ الجليل كرماً، فعرضنا مرادنا وشرحنا ما نحن عاقدون العزم عليه فقال الشيخ: بارك الله بكم نحن بحاجة لمن هم مثلكم لنبني بلدنا، لكم منا كل الدعم والرعاية، وامتدت يد الشيخ أحمد الى سماعة الهاتف واتصل فوراً بالشيخ علي حميد ودعاه ولم يتأخر الرجل فقال له الشيخ كلاماً لا يزال يرنّ في أذني وقلبي وما معناه أنه من الواجب علينا أن ندعم المبادرات المحترمة، وقال عنا كلاماً جميلاً ولم يكذب الشيخ حميد وشريكه الأستاذ مازن زريفة الخبر فكانوا أول من تبرعوا لإقامة الملتقى، تبرع محب، مخلص لبلده وأهله.
ومضت الأيام، وذات مساء وبينما كان الفنانون يجتهدون في العمل على منحوتاتهم توقفت سيارة الشيخ أحمد الهجري ونزل وصحبه وكان يحمل إليهم المرطبات الشهية التي يتقنها أهل قنوات. لقد سبقنا هذا الرجل النبيل وقد كان واجب علينا أن نسبقه بالزيارة. توجّه إلى الفنانين واحداً واحداً، وقدّم لهم الضيافة ببشاشة ورضى ثم دعانا الى بيته فلبّينا دعوته بعد أيام فكان اللقاء طيباً مؤثراً تحدّث فيه الشيخ بجميل الكلام وحلو الترحيب بضيوف المحافظة من بلاد العالم وشكرهم على ما يبذلونه من جهد في إنتاج منحوتات جميلة وراقية تزين بلدنا. الفنان البولوني داريوش كوفالسكي كان مأخوذاً بهيبة الشيخ وسماحة قسماته فطلب منه أن يسمح له برسم صورة له وكان الفنان بارعاً في النحت وبارعاً في الرسم أيضاً، فقبل الشيخ الهجري بكل طيبة خاطر، وبعد قليل انتهى الفنان من الرسم وقدّم الصورة لشيخنا الذي تقبلها ببشاشة وشكره على أريحيته ثم أوعز الشيخ الى معاونيه بأن يحضروا له درع الطائفة ودعاه ليقدمه له، ولما وقفا وسلّم الشيخ الدرع للفنان البولوني دمعت عينا الفنان فرحاً وتأثراً.
بعد ذلك اللقاء الثاني مع المرحوم الشيخ أحمد الهجري استمر دعمه للملتقى وكان لموقفه المشجّع أثر في حصولنا على دعم من عدد كبير من المشجعين، لكننا كنا دوماً نستمد منه القوة والعزيمة وكان لموقفه الداعم للملتقى ولكلية الفنون بالسويداء الأثر الكبير في نجاحهما والتفاف الناس حولهما أسوة بالمشايخ الأفاضل، فلروح المرحوم الشيخ أحمد الهجري السلام نذكره بالخير كلما زرنا الملتقى ولأصدقائي في ادارة الملتقى الشكر، إذ لولاهم لما نجح هذا الحدث الفني ولما ترك آثاره الطيبة على محبي الفن وجمهوره في المحافظة.

سميح العوام – فنان تشكيلي ونحات

مجلة للرقي والمعرفة الصحيحة

حضرة رئيس تحرير مجلة «الضحى»
الاستاذ رشيد حسن المحترم

تحية واحتراماً،
بكل اعتزاز وتقدير أتقدّم منكم مهنئاً بعودة إصدار مجلة «الضحى» بحلتها الرصينة الراقية التي يتوخى القيمون عليها تعميم الفائدة في معالجة المواضيع المختارة الشيقة، كذلك أخص بالشكر أعضاء مجلس الأمناء في المجلة وسماحة شيخ عقل الطائفة الموقر وإدارة المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز لرعاية هذه المجلة الرائدة التي تتميز بالشموليّة والفرادة والعمق والتنوع.
لقد تابعت باستمرار مطالعة كافة المواضيع في مجلتكم الغراء منذ اصدار العدد الأول الجديد وحتّى العدد العاشر الأخير، وأيقنت انّ بنود شعار المجلة الثلاثة ( للنهضة- للأرض -–للمعرفة) هي عناوين ضخمة عولجت برويّة وفصاحة في اللغة ووضوح في المعنى والمبنى، الأمر الذي جعل القرّاء ينتظرون صدورها بشوق كلّ ثلاثة أشهر، وجعلتنا نؤمن بأنها في طليعة المجلات العربيّة الراقية.
نجحت المجلة في طرق المواضيع المبوبة بعناية ودقة وتسليط الضوء على بعض خفايا تاريخ الموحدين الدروز في المشرق العربي ونضالهم المشرّف في لبنان وسوريا وفلسطين ومنها كرم الضيافة وإغاثة الملهوف وحمايته والمروءة والبسالة النادرة في الدفاع والذود عن الارض والكرامة ضد القوى الكبرى كفرنسا والعثمانيين، وهذا قلما تتسع له كتب التاريخ في المدارس.
واذ تبنت مجلة «الضحى» تسطير بعض الحقائق والمواقف المعروفيّة ضد من حاولوا الاساءة والتزوير لتاريخ الدروز فهي في منأى عن العنصريّة والتلوين المذهبي والطائفي وانّ أفضل شاهد على ذلك هو اقبال القرّاء والمثقفين من جميع الطوائف على قراءة المجلة وسعة انتشارها.
ولا شك انّ التنوع في معالجة المواضيع بأمانة أغنى المجلة بالمعرفة الصحيحة وجعل القارئ لا يمل من قراءة المقالات الثقافيّة والأدبيّة والفلسفة وعلوم الطب والارشاد الزراعي والصحة والغذاء.
تحدثنا عن المضمون في إعداد المجلة. وهنا لا بدّ لنا من الاشارة أيضاً الى حسن ذوق القيمين على المجلة باعتماد طباعتها على الورق المصقول المتين والمزين بالألوان والرسوم التي تدعم حيثيات المواضيع اضافة الى تزيين الغلاف برسوم العباقرة والفلاسفة وأولياء الله الصالحين.
ما احوجنا اليوم الى وضع هذه المجلة بين أيدي القرّاء وطالبي المعرفة والثقافة وبخاصة ابناء الجيل الصاعد للاطلاع على كنوز المعرفة الصرفة والتاريخ المنصف ولتكون منذ اليوم مرجعاً متوفراً يسهل الحصول عليه من المكتبات وأن تكون مستقبلاً بعد كرّ السنوات مصادر جيدة للباحثين والساعين للإستزادة من المعرفة الصحيحة.

فؤاد سليم أبو رسلان
مدير المدرسة المنار – رأس المتن

سماء جبل العرب في التاريخ

حضرة رئيس تحرير الضحى الأستاذ رشيد حسن حفظه الله
سلاماً وتحية وبعد،
لقد تسنى لي الاطلاع على العدد العاشر من مجلة الضحى الغرَّاء كما اطلع عليها أيضاً وعلى مواضيعها القيِّمة الثقافية والروحية والتاريخية الرائعة العديد من الأصدقاء والأقرباء في قريتي (الرشيدة) وفي السويداء من جبل العرب.
زادكم الله عطاءً ومعرفة وأنار دربكم لما فيه خير للأمة والإنسانية جمعاء ولطائفة التوحيد أجمع.
وبهذه المناسبة فإنه يسرني أن أبعث إليكم بهذا الموضوع حول أسماء جبل العرب في التاريخ أرجو أن تكون فيه فائدة للقرّاء.

أسماء جبل العرب في التاريخ
1.  سمي بجبل (الباشان) في عهودِ الآراميين والكنعانيين والفينيقيين ومحافظة السويداء غنية بالآثار التاريخية الهامة التي تفصح عن تاريخها الحضاري الهام، كالحضارة الحثية والآشورية والبابلية، كما خضع هذا الجبل لحكم الأمويين والعباسيين والفاطميين والسلاجقة والأيوبيين والمماليك والأتراك والفرنسيين. واتخذت مملكة الغساسنة الشهيرة التي كانت في صراع دائم مع مملكة «المناذرة» في العراق موقعها في الجبل وكانت عاصمتها بلدة المجيمر جنوب عرى ولا تزال آثار العاصمة قائمة حتى اليوم لكنها مهملة لا يعرفها إلا القليل. ويروى أن الشاعر امرؤ القيس بن حجر الكندي مرّ بها أثناء رحلته إلى القيصر ليستنجده على بني أسد وليأخذ بثأر أبيه. أما أهم الأسماء التي أعطيت لجبل العرب من قبل مختلف الحضارات والممالك فهي:
2. جبل (تراخونيد) أو (أورانتيس) تسمية رومانية تعني بلاد المُغر.
3.  جبل (جيرانواي) تسمية آشورية أي الأرض المجوفة.
4. جبل (ترايهونيتد) تسمية إغريقية أي بلاد الحجارة.
5. جبل (الدانوس) تسمية رومانية أيضاً أي بلاد الخصب والمياه.
6. جبل (حوران) منذ العهد الجاهلي ثم الإسلامي وسمي السهل الغربي للجبل بسهل حوران وأعلى قمة فيه 1800 م عن سطح البحر (قمة أم حوران). ذكره جرير بشعره كما سيرد.
7. جبل (الريان) تسمية عربية قديمة لوفرة المياه والأشجار وخصوبة التربة وقد استمتع جرير الشاعر الأموي الشهير أثناء مروره بهذه المنطقة بالهواء العليل والمناظر الخلابة فأنشد قائلاً:
يا حبذا جبل الريان من جبـــلٍ وحبذا ساكن الريان من كـــان
هبَّت شملاً فذكرى ما ذكرتكمُ عند الصفاةِ التي شرقي حورانا
8.  جبل (بني هلال) حيث استوطنت به إحدى عشائر بني هلال بعد هجرتها من نجد واتخذت من مدينة (صلخد) قاعدة لها وبعدها هاجرت منه إلى المغرب العربي
9. (الضلع) تسمية عربية يتداولها أبناء العشائر الرحل في بلاد الشام والجزيرة العربية لأنه يشكل ضلعاً بين البادية والمعمورة.
10. (الطل) تسمية عربية قديمة يحفظها أبناء العشائر العربية إما لأنه يطل ويشرف على كافة الجهات أو لأن الندى أي الطل لا يفارقه إلا قليلاً.
11. جبل (الدروز) تسمية أحلها الفرنسيون محل تسمية جبل حوران بهدف الترويج لكيان درزي وهذا الكيان رفضه أهل الجبل رفضاً قاطعاً. ثم ورد القول لجرير:
12. أما آخر التسمية الحالية (جبل العرب) فقد ظهرت عام 1938 على لسان العلامة عجاج نويهض في حفل أقيم في سينما البتراء في عمّان بهدف توديع سلطان باشا والثوار الذين كانوا قد نزحوا إلى الأردن هرباً من الاضطهاد الفرنسي، وقد خاطب نويهض الحضور قائلاً:« أنتم عائدون إلى جبل الدروز، لا بل إلى جبل العرب, وكل ما سواها غير مقبول» .
وفي عام 1938م كان الأستاذ فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي (البرلمان) فقال في إحدى جلساته:« إن هذا الجبل كان وما زال موطناً للعرب كل العرب وحريٌّ بنا أن نسميه (جبل العرب) بدلاً من جبل الدروز» وقد تمّ تثبيت هذه التسمية بمرسوم جمهوري بعهد الوحدة السورية-المصرية عام 1958م.
مراجع: موسوعة السويداء الأولى، موسوعة جبل العرب الحديثة، بحوث في التاريخ العربي متعددة، عدد من المجلات الثقافية ( «الجبل»، «الحقيقة» إلخ).

إعداد: محمد جادو شجاع – الرشيدة، سورية

محاورات أفلاطون

محاورة لاكيس
عن الشجاعة العاقلة

سقــــراط:
الشّجاعــة ليســت عنــد الفرســان بل هــي مجالــدة الفقــر
والألم والخوف ومجاهــدة شهوات النّفــس وأهوائهــا

الشجاعــــة يجــــب أن تقتـــرن بالحكمــــة
وإلا تحوّلــــت إلى طيــــش يــــورّد المهــــالك

تدور محاورة لاكيس حول تعريف الشجاعة ويطرح الموضوع بسبب اهتمام اثنين من قواد الجيش السابقين بتدريب ولديهما على المهارة في الحرب والإثنان يشعران بالتقصير لأن كليهما ابنين لمحاربين معروفين في الجيش ولهما إسم وشهرة، وهما بالتالي يريدان أن يستمر الإرث العسكري المرموق في الأسرة ويخشيان من أن يندفع الشابان ولديهما إلى اللهو وما لا طائلة تحته في حال عدم دفعهما إلى تعلم مهنة المبارزة والقتال بالدروع، وقد كانت هذه سمة الجيوش الإغريقية في تلك الفترة.
يقرر الرجلان الصديقان التوجّه إلى إثنين من معارفهما من الذين لهم خبرة في الأمر وهما لاكيس ونيسياس لاستشارتهما في الأمر لكن الأخيرين ينصحانهما على الفور بالتوجّه إلى سقراط الذي كان قريباً منهما باعتباره الشخص الأفضل ليقدم النصحية ولاسيما وأن سقراط كان قد أبلى البلاء الحسن في الحروب التي شارك فيها مع مواطني مدينته.
يبدأ سقراط بالإعتذار عن الخوض في الموضوع مباشرة فهو يريد أن يسمع رأي لاكيس ونيسياس وهو يعتبر انه من اللائق أن يعطيا الكلام أولاً، وهذا هو دوماً أسلوب سقراط أي الإصغاء باهتمام أولاً وترك المحاورة تأخذ مجراها وتكشف عن الثغرات في منطق المتحاورين، وهو لذلك يبقى خلال المحاورة في موقع الحكم أو الناصح الذي يساعد على استخلاص الأسئلة اللازمة للتقدّم بالحوار، وهو قد يدخل لمساعدة المتحاورين على تصويب نقطة أو فكرة ولا يتدخل إلا بعد أن يكون تدخله أصبح مفيداً لبلورة النتائج وبعد أن يكون المتحاورون قد حققوا فعلاً تقدماً وباتوا قاب قوسين أو أدنى من بلوغ النتيجة.
يترك سقراط السؤال المباشر لوالدي الشابين وهما ليسيماكوس ومليسياس حول الفائدة من الخدمة العسكرية والتدريب على الحرب ويقرر طرح سؤال حول الهدف المقصود من الاهتمام بالتدريب العسكري في أولاد الصديقين، لأنه يجب أن نعرف أولاً الغاية من اي شيء.
سقراط: إنّي، يا ليسيماكوس سوف أعطيك رأيي في الموضوع الذي سألتني فيه، ولكن أرى أنّ الأدب يلزمني أن أسمع أوّلاً لهؤلاء الرّجال وأن أتعلّم منهم، فهم أكبر منّي سنّاً، وأكمل خبرة بالأمور. فإن بدا لي أنّ هناك ما يُزَادُ على ما قالوا، فسوف أبسطه لكم.
يفتح نيسياس حواراً غير موفق مع لاكيس، إذ سيتبين أن لكل منهما وجهة نظر متعارضة تماماً مع الآخر: نيسياس يرى من جهته أن الخدمة العسكرية تربي قيم الجدية وتوفّر للشاب القوة البدنية ومهارة القتال كما إن الزي المدرع للمقاتلين الأشداء يعطي الشاب قيافة ومظهراً جميلاً ومهيباً على الجبهة، كما إنه يعطيه فرصة الدفاع عن نفسه في حال تضعضع الجيش. ويعتقد نيسياس أنه يجب أن يلام مع غيره من الآباء لتركهم أولادهم في حال من الفراغ الذي يقودهم إلى حياة وادعة وربما إلى ضعف التربية والقيم النبيلة.
بعد هذه المرافعة ينبري لاكيس ليدحض وجهة نظر نيسياس مقدماً أمثلة عديدة على أن التدريب العسكري والعدة الكافية ليسا هما من يقرر النتيجة بل المواهب الشخصة وهو يعطي أمثلة على قواد أو عسكريين كانوا يبدون بمظهر مهيب في الحياة العادية لكنهم عندما جد الجد خيبوا الآمال بسبب ما ظهر منهم من انعدام المهارة في استخدام السلاح أو حتى الفرار من وجه الخصوم عند اشتداد وطيس المعركة.

” «كأنّك تجهل أنّ كلّ امرئ عرف سقراط واقترب منه لأجل الحديث سيجد نفسه وقد ساقه الكلام معه إلى أن يبوح إليه بأسرار نفسه، وبأســرار حياته اليوم، وحياته الماضية»!! “

نموذج للجندي الإغريقي من المتطوعين وهو مسلج برمج ودروع
نموذج للجندي الإغريقي من المتطوعين وهو مسلج برمج ودروع

من أجل الهدف التعليمي المنهجي في محاورات أفلاطون والجدلية السقراطية يبدأ الموضوع بوجهتي نظر متعارضتين تماماً، وبذلك يكون المسرح قد هيّئ لدراما الحوار التي يلعب فيها سقراط دوماً دور الحكم الذي يقود المحاورة بالصبر والتسلسل المنطقي إلى نهاية إيجابية. أفلاطون يظهر هنا أمراً أساسياً في محاوراته بانياً على الدور السقراطي وهو أن الحكمة ضرورية لتوضيح الحقيقة وأن الناس إذا تركوا لأنفسهم فإنهم سيبقون في حالة انقسام لأنهم لا يمتلكون الحكمة ولأنهم غالباً ما ينطلقون من حقائق ذهنية جزئية تتأثر بأهواء كل منهم، وبهذا نكون غالباً أمام مشهد من الأفكار المتصارعة والتي لا توجد وسيلة للفصل بينها وإحلال التوافق إلا عبر نهج الحكمة لأن الحكيم يرى ما لا يراه عامة الناس فهو يعلم بحقيقة نفوسهم كما إنه يرى الصورة العامة للمسألة بحدسه وبما أوتي من بصيرة.
بعد ظهور الخلاف بين « نيسياس» و«لاكيس» يتوجه والد أحد الشابين وهو «ليسيماكوس» بالطلب بحرارة من سقراط أن يشارك الجميع في الفصل في الخلاف، موحياً أنه لو كان لاكيس ونيسياس قد اتفقا فإن الحاجة كانت أقل ربما إلى التحكيم. هنا يتدخل سقراط رامياً أول سهم له في ميدان النقاش مستغرباً كيف يعول ليسيماكوس على أكثرية الأصوات لتبين ما هو الخيار الأفضل لإبنه، فالأكثرية ليست ضمانة بل لا بدّ من أن يكون الخيار في حد ذاته عاقلاً.
سقراط: واعجبي يا ليسيماكوس، أفأنت تريد اتباع الرّأي الّذي يكون عليه أكثر النّاس!؟ فلو أنّ الكلام كان يدور مثلاً في الرّياضة وفي أمر تعليمها لابنك، أفكنت ستستفتي أكثر النّاس أم أنّك ستطلب النصيحة ممن كان قد تعلّم الرّياضة على يد معلّم بارع؟
لم يكن سقراط بريئاً لأنه عن هذا الطريق سيسأل الجميع البحث عن من هو أهل لتدريب الفتيين وما ينبغي أن تكون مؤهلاته ، وهو سيتوصل ببراعة إلى إعادة الكرة إلى ملعب نيسياس ولاكيس لأنه لا يريد أن يعطي جواباً بل يريد للمحاورة أن تسير في طريقها .

“سقـــــراط: عجباً يا ليسيماكوس! أتريد اتبــاع الــرّأي الّــذي يكــون عليه أكثر النّاس أم عليــــك طلــــب النصيحــــة ممــــن تعلّم علــى يد معلّم بارع؟”

مشهد للحرب في أيام الأغريق - هل الشجاعة في الإقدام أم هي أحيالنا بالاتسحاب
مشهد للحرب في أيام الأغريق – هل الشجاعة في الإقدام أم هي أحيالنا بالاتسحاب

سقراط: قبل قليل يا ليسيماكوس كان لاكيس قد حضّك على ألاّ تدعني حتّى تحصل مني على الجواب الشافي بشأن موضوعنا، أمّا الآن فأنا من يحضّك على ألاّ تدع أبداً لاكيس ولا نيسياس حتّى تسألهما، وقل لهما بأن سقراط يقسم بأنّه لا دراية له البتّة بهذا الأمر، وأنّه لعاجز على أنّ يتبيّن أيّاً منهما كان محقاً في رأيه، لأنّه لا هو معلّم في هذا الفن، ولا كان تلميذاً لأحد من المعلّمين البارعين في هذه الأمور.
على أثر ذلك يقتنع ليسيماكوس برأي سقراط فيعود ليطلب من لاكيس ونيسياس أن يستلما الحوار مجدداً علهما يتوصلان معاً إلى النتيجة المرجوة. هنا يفطن نيسياس إلى مناورة سقراط ويأخذ على لاكيس سذاجته فهو لا يعرف سقراط على حقيقته ولا يعرف عن طريقته وأسلوبه البارعين واللذين يصفهما في هذه السطور:
نيسياس: أراك (يا لاكيس) كأنّك تجهل أنّ كلّ امرئ عرف سقراط واقترب منه لأجل الحديث في أيّ موضوع قد اختاره هو، فلا مناص من أن يجد نفسه وقد ساقه الكلام معه إلى أن يبوح إليه بأسرار نفسه، وبأسرار حياته الحاضرة وحياته الماضية!! ومتى بلغ به الحديث هذا المقام، فإن سقراط لن يطلقه أبداً حتّى يمحِّص كلّ ما كان سيقوله. وأنا اعتدت على طريقته تلك وأعلم حقّ العلم أنه لا مفرّ لأحد ولا لي أيضاً من أن يوقع به في سياق الحديث. فأنا أخشى الدنوّ من سقراط يا ليسيماكوس، وأنا لا أستغرب أن يبلوني، وإنّي لأعلم حق العلم بأنّه لن يجعل الحوار ينحصر بأمر الشابّين، بل هو سيحوله ليصبح حواراً عن أنفسنا نحن، لكنني لا أرى حرجاً البتّة في أن يسلك سقراط بحوارنا هذا كما يشاء.
يمثّل هذا المقطع على لسان نيسياس وصفاً رائعاً من قبل أفلاطون للأسلوب السقراطي الشهير في الحوار والذي يعتبر خاصية اشتهر بها الحكيم وبرز فيها جميع أقرانه السابقين واللاحقين.
بدوره، سيقبل لاكيس تحكيم سقراط خصوصاً وأنه عرف شجاعته عندما كانا معاً في الظروف الصعبة لمعركة ديليون.
لاكيس: أمّا سقراط، فلا أعلم ما سيقوله، لكنّه، كما قلت آنفاً، كان قد ظهر لي فضله من فعَاله وثبت عندي أنّه أهل للكلام الصادق.. وبسبب هذه الخصلة فيه فإنني سأسلّم نفسي له حتّى يمتحنني، ولن أجد غضاضة أبداً في أن أتعلّم منه (…) فهلا رضيت إذاً، يا سقراط في أن تعلّمني وأن تمحِّص أقوالي، وسأدلي لك بكل ما أعلمه. فلقد صرت معظَّماً في نفسي منذ ذلك اليوم الّذي ثبتّ فيه معي في ساحة الموت، حيث ظهر فضلك بأجلى صورة. فلتتكلّم كما يبدو لك، ولا تنحرج أبداً من تقدمنا في السن.
ستؤدي مناورة سقراط إلى أمر مهم وهو أن الحوار سيعود ليتركز بين نيسياس ولاكيس حيث يمثل سقراط دور المحرك الخفي فهو يقود الحوار بعد ذلك حتى نهايته من دون أن يكون عليه إبداء رأي قاطع إلا في الفقرات الأخيرة.
يقود سقراط الأطراف المتحاورة للإتفاق اولاً على أن الهدف مما ينشدونه من فكرة الخدمة العسكرية هو الفضيلة، لكن الفضيلة تعريف واسع جداً والمطلوب هو أن نعرف جانب الفضيلة الخاص بإستخدام السلاح وهو -كما اتفق الجميع: الشجاعة. هنا يعتقد المتحاورون أنهم اقتربوا من الهدف عندما يثير سقراط سؤالاً جوهرياً وهو: ما هي الشجاعة؟
يقترح لاكيس أن الشجاعة هي أن يثبت المحارب في موقعه في المعركة وأن لا يركن إلى الفرار. لكن سقراط يلاحظ أن تعريف لاكيس ينطبق على مشاة المحاربين بالتحديد بينما المطلوب إيجاد تعريف للشجاعة يمكن أن ينطبق على العمل العسكري عموماً بل على كافة نواحي الحياة وليس الحربية فقط، كما يلاحظ أن الشجاعة في المعركة قد تقتضي أحياناً عدم الثبات في الموقع وهناك قادة عسكريون يتقنون فن الانسحاب كتمهيد للهجوم، ثم يتابع باقتراح مفهوم أوسع للشجاعة:

أثينا والأكروبوليس ف الزمن الإغريقي
أثينا والأكروبوليس ف الزمن الإغريقي

عند كلّ محارب، بل ليس فقط عند كلّ محارب، بل عند كلّ إنسان ركب خطر البحر، أو بقي رابط الجأش في الفقر، وفي مهالك السّياسة، ولي أن أزيد أيضاً، شجاعة الّذين يصبرون على الألم والخوف، أو الّذين يجاهدون شهوات النّفس وأهواءها، أفلا توافقني يا لاكيس أنّ هؤلاء هم أيضاً لَشجعان؟
لاكيس: بل هؤلاء هم غاية في الشّجاعة.
ثم يعترف لاكيس بأن تعريفه غير دقيق ويستدرك فيضيف تعريفاً آخر هو أن الشجاعة تقتضي الحزم، لكن سقراط يسارع إلى تحدي التعريف الجديد:
سقراط: لكن أفلا ترى أنّه ليس كلّ حزم شجاعة؟ وأنّ الحزم حين يقترن بالرّشد إنّما يكون محموداً وحسناً وإذا اقترن الحزم بالطيش، فسيكون ضارّاً ومهلكاً.
لاكيس: إنّه سيكون ضارّاً ومهلكاً.
سقراط: وإذا كانت الشّجاعة محمودة، وهذا الضّرب من الحزم مذموم، فأنت إذًا تنكر أن يكون الحزم تعريفاً صالحاً للشّجاعة.
لاكيس: نعم أنكر ذلك.
بعد هذه المحاولات غيرالموفقة لتعريف معنى الشجاعة يقدم نيسياس اقتراحاً جديداً. فقد تذكر أنه سمع من سقراط مراراً أن المرء إنما يكون جيّداً على الدوام في الأشياء الّتي له علم بها، وسيّئاً في الأشياء الّتي يكون جاهلاً بها.
نيسياس: حينئذ فإن صحّ أنّ الرّجل الشّجاع هو جيّد، فهذا الرّجل هو عالم لا محالة.
لكن لاكيس يظهر فوراً أنه لا ترابط حقيقياً بين الأمرين، ويزيد سقراط على ذلك ملاحظة مازحة مفادها أن الحيوانات مثل الأسود أو الغزلان أو القردة جيدة في ما تعمل فهل يعني ذلك أن لديها العلم؟
يستمر سقراط في محاولة رد الأمور إلى أصولها، وستسنح الفرصة عندما يأتي نيسياس باقتراح جديد يعتقد أنه يفي بالغرض:.
نيسياس: الرّأي عندي يا لاكيس أنّه لا يمكن وصف أيّ بهيمة بالشّجاعة، بل إنّ هذا الوصف لمرفوع عن كلّ إنسان يركب المهالك لسفاهته، بل هذا عندي لَرَجُلٌ مجنون وطائش، أو ربما حسبت أنني سوف أعدّ الأحداث الصّغار شجعانا لكونهم لا يرهبون شيئاً لجهلهم بعواقب الأمور؟ بل عندي أن يكون المرء غير هياب، وأن يكون شجاعاً لأمرين مختلفين. لذلك فإنني أرى بأنّ الشّجاعة والنّظر في العواقب خصلتان لا توجدان إلاّ في قلّة قليلة من البشر، أمّا التهوّر، والجسارة، وقلّة الخشية للجهل بعواقب الأمور، فإنّما هي من خصال أكثر المخلوقات، لذلك فإن الأفعال التي وصفتها أنت أو التي يشير إليها العامة على أنها أعمال شجاعة إنّما أسمّيها بالأفعال المتهوّرة، أمّا الأفعال المتروّيّة فتلك، لعمري، ما أسمّيها بالشّجاعة.
يستمر الجدل بين نيسياس ولاكيس الذي يتابع البحث عن تناقضات في منطق زميله لكن سقراط يشعر أن الجميع اقتربوا أكثر من محاولة تعريف «الشجاعة العاقلة» كما سمعا أي الشجاعة المقرونة بالحكمة والرشاد وليس الطيش. لكنه يعود فيسأل:

سقراط: لننظر ما هي الأشياء الّتي تُخْشَى، وما هي الّتي لا تُخْشَى، ولنبحث عنها معاً. من المعلوم أنّ الأشياء الّتي تُخْشَى إنّما هي الأشياء الّتي تبعث الخشية في النّفس، والأشياء الّتي لا تُخْشَى، فهي الأشياء الّتي لا تبعث الخوف في النّفس. وبلا ريب، فليست الشّرور الماضية، ولا الشّرور الحاضرة هي التّى تخشى، وإنّما الشّرور الّتي نترقّبها، إذ إن حدّ الخشية هو ترقّب شرّ نازل. فهل نسمي الشّجاعة العلم بهذه الأمور الّتي تُخْشَى والتي لا تُخْشَى؟
نيسياس: إنّ العلم بهذه الأمور هو الّذي أسمّيه شجاعة.
سقراط: الشّجاعة ليست علم ما يخشى ولا يخشى فحسب، فهي مثل سائر العلوم لا تشتمل فقط على المعرفة بالشرّ المتوقّع، بل وأيضاً على المعرفة بالشرّ القائم والشرّ المنصرم، أي على المعرفة بالشرّ في عمومه. حِينَئِذٍ، فإنّ كلّ رجل علم بالخير كلّه، وعلم كيف هو، وكيف كان، وكيف سيكون، وعلم بالشرّ أيضاً في جميع أحواله، سيكون الرّجل الّذي حوى الفضيلة كلّها. ولا جرم أنّ كلّ رجل أُوتِيَ الهمّة في أن يحتاط لنفسه ممّا يخشى ولا يخشى من الآلهة أو النّاس، وأوتي السّداد فسيكون هو الرّجل الوافر الحكمة، والعدل والتّقوى.
نيسياس: ليس لدي أي اعتراض على ما قلت ياسقراط.

خلاصة
ينتهي سقراط إلى خلاصة مهمة وهي أن السلوك القويم أو الفضيلة تحتاج إلى أمرين مختلفين: المعرفة، ومن ضمنها القدرة على تمييز الحق من الباطل (أي ما يخشى منه وما لا يخشى منه) أما الأمر الثاني فهو العزيمة والإرادة في عمل المرء بما يعلم من سبل الفضيلة وبالتالي مقاومة هوى النفس. هذه المقاومة بدأ سقراط الحوار بأن أدرجها ضمن قائمة أعمال الشجاعة مع أمور عديدة لا تتطلب بالضرورة القوة الجسدية أو المهارة في الحرب. وعدّ سقراط العزم أو الحزم في التزام جانب الصواب من مظاهر الشجاعة فأقام بذلك رابطاً بين المعرفة وبين العزيمة التي هي جانب من صفة الشجاعة. على العكس من ذلك، فإن من لا يتمتع بقوة الإرادة أو الذي تضعف عزيمته أمام المغريات أو الأهواء فإنه يفشل في التزام جانب الفضيلة أو التزام ما يعلم جيداً أنه جانب الحق أو الصواب. بهذا يكون قد فشل في امتحان الشجاعة كما يعرفها سقراط أي كجزء لا يتجزأ من المعرفة. من ناحية أخرى لفت سقراط إلى أهمية أن تقترن الشجاعة بالحكمة وتقدير عواقب الأمور وإلا تحولت إلى طيش مهلك فأعاد الشجاعة من طريق آخر إلى المعرفة أو البصيرة العاقلة.

الحكيم-سقراط
الحكيم-سقراط

سقراط الحكيم المحارب

في محاورة أفلاطون «لاكيس» يلعب سقراط دوراً مركزياً ويقود الحوار تقريباً من أوله إلى آخره. ولأن الموضوع يتعلق بأهمية الخدمة العسكرية وبمفهوم الشجاعة فقد كان سقراط مؤهلاً فعلاً ليس فقط لأنه كان حكيم أثينا المشهور، وكان مقصداً للشباب وكل من يرغب في طلب العلم، بل لأنه هو نفسه كان مقاتلاً شجاعاً وقد خاض مع الأثينيين على الأقل ثلاث حروب أظهر فيها قمة الجسارة ورباطة الجأش وهدوء الأعصاب الأمر الذي مكّنه من إنقاذ الألوف من الأثينيين أثناء هزيمتهم العسكرية الموجعة في معركة ديليون سنة 424 قبل الميلاد، إذ تعاون سقراط مع محارب آخر هو لاكيس (وهو الذي سيظهر في المحاورة التي أعطيت اسمه) لتجميع الأثينيين بعد الهزيمة وساعد بذلك على تأمين انسحاب منظم وفر المزيد من الضحايا على الحملة، واستحق سقراط تكريم الأثينيين وتعظيمهم بسبب دوره البارز في تلك المعركة. وبعد سنتين وفي العام 422 ق.م. شارك سقراط في معركة أنفيبوليس التي هُزِم فيها الأثينيون أيضاً وكان هدفهم مناجم الذهب الغنية في تراسيا، وقد شارك سقراط كمواطن مع القوات غير النظامية Hoplites التي كانت عادة أقل تدريباً من الجنود وكانت عدتها الرماح والدروع. وكان عمر سقراط يومها قارب الـ 50 عاماً مما يعطي فكرة عن قوة بنيته إذ يتطلب لبس الدروع الحديدية والقتال بالرماح وجهاً لوجه مهارة وشجاعة وفوق ذلك لياقة بدنية. ولا تتوافر معلومات عن دور سقراط في هذه المعركة لكن ما ذكرته كتب التاريخ هو أن المواجهة كانت شرسة وقد قتل فيها 600 مواطن أثيني منهم الديماغوجي الشهير كليون والاستراتيجي الأسبارطي براسيدس.
وكانت أول حملة عسكرية شارك فيها سقراط هي حصار مدينة يوتيدياس في شبه جزيرة كالسيديا وهي مستعمرة تابعة لكورنث وذلك في العام 432 عندما كان في سن الأربعين. وذكرالمؤرخون أن شجاعته ومهارته في المعركة الفاصلة التي جرت في حزيران 1932 لفتتا الأنظار وقد قاتل سقراط بلا كلل وأنقذ حياة صديقه ألسيبياديس واستمر حصار يوتيدياس أربع سنوات من سنة 432 ق.م. إلى سنة 429 ق.م. يذكر أن سقراط جرح مراراً في تلك المعارك.

مرستي

مرستي بين الأمس واليوم

ثغرة مرستي طريق القوافل لها تاريخ طويل
مخفر عثماني وعواصف ثلجية تقطع الطريق

موقع مرستي الحصين جعلها ملجأ الزعماء في الشدائد
وطريق المسافرين والبضائع والثوار بين صيدا والشام

بحيرات جمع الأمطار أحيت زراعة الفاكهة
وتربية النحل تدرّ عسلاً طيباً ودخلاً إضافياً

مـرستي قرية من قرى الشوف في محافظة جبل لبنان، تقـع على هضبة متدرّجة في سفح جبل مـرسـتي وتجمعها حدود مشتركة مع معاصر الشوف والخريبة شمالاً، وبعذران غـرباً، وجباع الشوف جنوباً، وصغبين وعيـن زبدة في البقاع الغربي شرقاً. مناخها بارد في فصل الشتاء بسبب ارتفاعها ما بين 1250 و1300 م عن سطح البحر. وبسبب ذلك فإن شتاء القرية يتخلله تساقط الثلوج التي تكسو جبل مرستي بحلة بيضاء في فصل الشتاء وتأخذ القرية نصيبها أيضاً وقد تتسبب كثافة الثلج أحياناً في قطع الطرقات منها وإليها عدة أيام، لكن مناخ القرية معتدل في فصل الصيف بسبب ارتفاعها وكثافة الأشجار الحرجية وأشجار البساتين المثمرة. تقع مرستي ضمن قرى محميّة أرز الشوف، وهي تحتضن معالم وآثاراً تاريخية عدة لكن أبرز معالمها الحاضرة ساحتها ومبنى العين الذي يتوسطها ويرتفع فـوقه تمثال للمعلّم كمال جنبلاط، أُنشـئ في العام 1978.

نمو سكاني
في بـداية القرن السادس عشر، أجرت الدولة العثمانية إحصاء لسكان القرية لغرض جباية الضرائب، وقد بلـغ عـدد سكان القرية حسب ذلك الإحصاء 39 شخصاً من الذكور، من سن 15 سنة حتى 60 سنة، وهؤلاء هم المكلّفون بدفع الضرائب. ولـم تُحصَ النساء والشيوخ والأطفال. ومن خلال إحصاء أجرته مديرية الشوفين في عهد المتصرّفية سنة 1910م، كان عـدد سكان مرستي (232) نسمة، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، منهم 104 من الذكور و 111 من النساء و 17 شخصاً من المهاجرين إلى المغتربات الأميركية في الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين. بالطبع الأمر اللافت هو ما يبدو من ضآلة عدد سكان القرية في مراحل تاريخية غير بعيدة وربما كان ذلك بسبب تعمد بعض الأهالي ولا سيما الشبان منهم التغيب عن الإحصاء خوف التجنيد وفي الوقت نفسه لاجتناب الضرائب المرهقة. أمّـا الآن فيبـلغ عـدد سكان مرستي حوالي ألفي نسمـة وعـدد الناخبين حسب لوائح الشطب الصادرة عن وزارة الداخلية 1,137 ناخب. أمّـا عائلاتها فهي: الدبيسي، زيدان، بشنق، أبوعلي، الحلواني، كنعان، عبد القادر، عـزّام، حمـزة والقاضي.
تبعد مرستي عن العاصمة بيروت نحو 70 كلم ويمكن الوصول إليها عبر طريق الدامور-كفرحيم- دير القمر- بقعاتا الشوف مروراً بالمختارة وصعوداً نحو الخريبة فمرستي. ويمكن أيضاً سلوك طريق كفرحيم– بعقلين عبر ديردوريت ثم أخذ طريق بقعاتا المختارة الخريبة المبين آنفاً.

أصل التسمية
تعـود تسمية مرستي Mristi إلى اللغة الفينيقيّـة، وتعني نعجـة صغيرة (شاة) والنسبة إليها إرث من جذر (يرش)، يقابلها في العربية ورث. ورد هذا الإسم في التوراة سـفر ميخا، وهي مدينة النبي ميخا2. عرفت خلال حكم الإمارة التنوخية بإسم المريستة3، ممّـا يؤكد وجودها قرية آهلة بالسكان منـذ بـداية تواجد التنوخيين واستقرارهم في هذا الجبل وهي مـن قرى الشوف الأعلى وكان يطلق على هذه المنطقة الشوف الحيطي، وعلى منطقة الشوف: جبل الشوف، جبل الـدروز، بـلاد الـدروز، شـوف إبن معن، والشوف التابع صيـدا المحروسة. وخلال العصر الوسيط، وأثنـاء وجود الإفرنج الصليبيين واحتلالهم لبلادنا، كانت قرية مرستي وقرى عديدة في الشوف وجـزّين تابعة لقطاع الفرسان التوتونيين، الذين كانوا تابعين بدورهم إلى سـنيوريّـة صيدا4، وخلال العهـد الشهـابي العثمـاني كانت مرستي تابعـة لعهـدة آل جنبلاط.

ثغرة مرستي
شكلت قرية مرستي منذ القدم صلة وصل بين بلاد الشوف ووادي التّيـم، ومحطّة على طريق برية رئيسية كانت تنطلق من صيدا نحو الشوف وصولاً إلى البقاع ثم دمشق. وكانت تلك الطريق تمـرّ عبـر ممـرّ جبلي كان يسمى «ثغـرة مرسـتي» وهو منخفض منبسط على سطح جبل مرستي يشرف على سهل البقاع شرقاً، وعلى منطقة الشوف غرباً وتمـرّ في وسطه طريق المسافرين الرئيسية التي تنطلق من صيدا إلى دمشق عبر جبال الشوف ثم سهل البقاع. كان القوافـل والمارة والمكارون تتخذ الطريق نقطة استراحة من عناء السير بينما أقام العثمانيون فيها مركزاً عسكرياً لأغراض مراقبة حركة السفر ونقل البضائع وقد استمرّ المركز حتى نهاية عهد المتصرّفية. وعلى هذه الطريق نفسها كانت المارّة والمكارون والقوافل يتعرضون للعذاب والمعاناة أثناء العواصف الثلجية التي كانت تضرب المنطقة في فصل الشتاء. وكان أهالي مرستي في حال تأهب دائم لتلبية نـداءات الإستغاثة من المسافرين وكانوا غالباً ما يحضرونهم إلى منازلهم في القرية ويقدّمون لهم الطعام والتدفئة والمنامة والعلف لمواشيهم، وكان هؤلاء يمكثون في مرستي أياماً عديدة بانتظار انقشاع العاصفة وعودة الطريق إلى حال تسمح بمتابعة السير.
فـي سنة 1400م، سلك هـذه الطريق سلطان المماليك فـرج بن برقوق مـع حاشيته ومرافقيه، أثناء عودته من دمشـق إلى مصر. وفي سنة 1436م، سلكها أيضاً الأمير صالح بن يحيى التنوخي أثناء عودته من دمشق إلى عبيـه5.

طريق الثوار
وخـلال العهد العثماني كان أهالي الشوف وغيرهم يسلكون هذه الطريق إلى جبل حوران في سوريا ذهاباً وإياباً للهجرة وإحضار الحنطة وإرسال النجدات الحربية لسكان الجبل الذين كانوا عموماً من الذين هاجروا من لبنان وتربطهم بأهله علاقات قربى وعصبية، وبقيت هذه الطريق تستخدم من قبل المارة والمكارين، حتى بعـد الحـرب العالميّة الثانيـة.
في سنة 1958، عندما قاد الزعيم كمال جنبلاط إنتفاضة مسلّحة ضـد حكم رئيس الجمهورية كميل شمعون، كان الثّـوار يسلكون هذه الطريق إلى سوريا وقرية دير العشائر الحدودية، لإحضار الأسلحة والذخائر، كما سلكها مجاهدو الجبل الذين حضروا من سوريا لدعم أخوانهم والزعيم كمال جنبلاط في الانتفاضـة المسلحة.
وخلال العهد الشهابي العثماني، هاجرت أسر عديدة من لبنان إلى جبل حوران، واستقرّت هناك بصورة نهائية، وبـدأ حصول زواج بين هذه الأسـر وأقاربهم في لبنان. فكانوا يحضرون العروس من جبل حوران إلى ثغرة مرستي، ويكون أهل العريس بإنتظارهم في الثغرة، يمضون ساعات في الثغرة يرقصون الدبكة ويتناولون الطعام والحلويات، ثـم يعود كل إلى بلده. إستمر هذا التقليد لسنوات عديدة، وتوقّف مـع بداية الحرب العالمية الأولى.6

العيــن
العيــن

حـارات مـرسـتي
كانت قرية مرستي تتألّف من حارتين. «الحارة الفوقا» والتي تنتشر بيوتها حـول الساحة، وتمـرّ وسطها طريق المارة الرئيسية، مـن معاصر الشوف والخريبة إلى جباع الشوف ونيحا، وعلى العكس، و«الحارة التحتا» تحيط بيوتها بالساحة التحتا التي يطلق عليها (ساحة الجامع)، حيث كان يوجد جامع في هذه الساحة وهو أمر كان قائماً في العديد من القرى في ظل الحكم العثماني، وكان سلاطين بني عثمان المتمسكون بأهداب الشرع يحرصون على التزام رعاياهم فرائض الإسلام ولا سيما الصلاة وصلاة الجماعة وكانوا لذلك يحرصون على بناء الجوامع في القرى حتى النائية منها مثل مرستي. ففي سنة 1537م تلقى كل ولاة الدولة العثمانية أمراً صادراً عن السلطان العثماني يقضي بإلـزام كل قرية ببناء جامع، وإلتزام الولاة تأديـة صلاة الجمعة مع المؤمنين7.
أمّـا البيوت في مرستي، فقد بـدأ تطوّر بنائها في نهاية القرن التاسع عشر بسبب الهجرة وتحويل الأموال من المغتربين، وبقيـت أسطح المنازل ترابية نـظراً إلى صعوبة إيصال مواد البناء (الحديد والترابة) إليها. لكن منذ حصول زلزال سنة 1956، وبعـد أن وصلت طريق السيارات حينذاك إلى المرج الشرقي قرب مرستي، بـدأ تـرميم المنازل القديمة وبناء منازل بشكل هندسي حديث. وخلال العشرين سنـة الأخيرة، بــدأ تجميـل الأبنية وتلبيسها بالحجـر المنحـوت والمبـوّز، والقناطـر الحجـرية، والحـديد المطروق، وأسـطح القرميد..

الــزراعــة
كانت قرية مرستي كغيرها من قرى الجبل تعيش على الزراعة وعلى تربية دود القـزّ لإنتاج شرانـق الحرير، وتربيـة المواشي، وكان السكان بعد الانتهاء من الحصاد ومواسم الغلال يخزنون المـؤن وحطب التدفئة لفصل الشتاء والذي كما يستذكر العديد من المسنين كان يأتي أكثر قساوة من اليوم ربما بسبب التغير المناخي، وكانت الثلوج تضطر السكان لملازمة بيوتهم لأيام وأحياناً لأسابيع فكان لا بدّ بالتالي لكل منزل من أن يكون مجهزاً بالمؤن وحطب التدفئة وربما بصيدلية أعشاب صغيرة إتقاء للرشح ولمعالجة بعض الحالات البسيطة.
لكن الزراعة أهملت تدريجياً بسبب الإنتقال إلى العمل الوظيفي، في بعض المؤسسات الرسمية والخاصة، والمؤسسات العسكرية، وتعاطي بعض المهـن، واضطرّت أسـر عديدة من مرستي للنزوح إلى المدن، والهجرة إلى بلدان الإغتراب، بهدف كسب الرزق وتعليم الأولاد. وقد أصبحت الوظائف حالياً المـورد الأساسي لمعيشة الآهلين، مع العلم أنه لا يـزال هناك بعض المزارعين في مرستي يهتمّون بالزراعـة وإنتاج بعض الفواكه والخـضار. وخلال السنوات العشر الأخيرة حصل نوع من النهضة في النشاط الزراعي وعاد قسم من السكان إلى الاستثمار في استصلاح الأرض وبساتين الفاكهة، وقد شجعهم على ذلك إنشاء بحيرات مخصصة لتجميع مياه الأمطار في فصل الشتاء، وهذه المياه تستخدم في ريّ المزروعات خلال فصل الصيف وفق نظام تشارك معين. وقد استخدمت البحيرات أحياناً في نشاطات سياحية وبيئيّة مختلفة بما في ذلك مراقبة الحيوانات والطيور المحلية والعابرة. لكن رغم هذه الصحوة الزراعية، فإن إنتاج الأرض ما زال يمثل مصدر دخل إضافياً ولا يوجد في الحقيقة من هو معتمد كلياً في عيشه على العمل الزراعي كما كانت الحال من قبل. أمّـا زراعة القمح فقـد أهملت نهائياً، وأصبحت الأراضي السليخ أرضـاً بـوراً، ولـم يعـد من وجود للبيادر.
قــال أحــدهــم:
بيــــدركـــن كـل مـــــن زارو بيـــــرجــــع دوخـــــان حمـــــارو
صــار البيـدر بيـدر شــوك والمــــورج طـــــارو حـجـــــــــارو

بحيرات تجمع الأمطار أدت إلى تنشيط القطاع الزراعي
بحيرات تجمع الأمطار أدت إلى تنشيط القطاع الزراعي

العـلاقـات الإجتمـاعيّـة في مـرســتي
تميّـز أهالي مرستي خلال تاريخهم الطويل، بالرجولة والشجاعة وإغاثـة الملهوف وكـرم الضيافة، وكانت للضيافة بشكل خاص مكانة الصدارة في عادات السكان الذين كانوا حريصين على عقد أواصر الصداقة والتزاور مع أبناء القرى والبلدات القريبة والبعيدة. ونمت في مرستي علاقات بين العائلات. والجيرة كانت تتميز بالتعاضد والتعاون في أمور الحياة مثل «استقراض» الخبز أو «الدسـت» وهو الوعاء النحاسي الكبير المستخدم في الطبخ والطناجر والصدور النحاسية، وحتى الخميرة و«روبـة» اللبن كان يتم تبادلها أحياناً بين الناس الذين كانوا أشبه بأسرة واحدة.. وكان إذا تعرّض أحـد في القرية لمكروه أو مصيبـة يهب الجميع للإطمئنان عليه وعرض المساعدة والمواساة، كما إن مناسبات الأفراح والأتراح كانت تفرض المساهمة والتعاون من قبل الآخرين. هـذه المناسبات تجمع شمل الآهلين. وللمآتم كما هو معروف حرمتها وآدابها إذ يحرص الناس على مشاركة أهل الفقيد مصابهم مع غيرهم من أبناء القرى الذين قد يتوافدون من أماكن بعيدة لأداء واجب التعزية، ومازالت لهذه العادات التضامنية وظيفة أساسية في مجتمع الجبل هي تجديد روابط القربى والنسب وتأكيد اللحمة «العشائرية» بين بني معروف وهي لحمة تظهر في أحلى صورها في الملمات وعندما يلوح في الأفق أي خطر على الوجود أو تهديد للأرض والعرض.
ومن أشكال هذه الروابط التضامنية «العـونـة» وهي المساعدة الجماعية التي يسديها أهـالي مرستي لبعضهم بعضاً عندما يحتاج أي منهم للقيام بأعمال تتطلّب أيـادي كثيرة لإنجازها. وفي «العونـة» تتجلّى روح التعاون التي تفرضها عليهم الحياة الجبلية الزراعية. هـذه الأعمال، أورثت إطاراً فعالاً لتبادل الخدمـات والمساعدات والتضامن وحسـن الجوار. وهي من العادات المتأصّلة والمتوارثـة في مجتمعنا الجبلي.
لكن ورغم أجواء المودّة والتعاون فإن هناك دوماً في القرية ما قد يؤدي إلى تعكير الأجواء ولا يوجد في الحقيقة سبب لبروز النزاعات بين أهل القرية مثل الخلاف على الأرض العزيزة بالنسبة لأهل الجبل. والخلافات على الأراضي الزراعية قد تنشب بسهولة بسبب تداخل الأراضي وعدم وضوح تخومها، وقد ينشب الخلاف على سقاية المزروعات، أو بسبب الميراث، ولا ننسى خلافات الحَمَاة والكنّة التي قد تنتقل بسهولة إلى عائلتي الزوجين بسبب انتصار كل عائلة لأحد منهما. لكن كما إن في المدينة قوى أمنية وفرق تدخل فإن للقرية أيضاً فرقة التدخل الخاصة بها وهي لا تضم رجال أمن بل قد تضم بالدرجة الأولى المختار وبعض الوجهاء الذين لهم «مونة» وهؤلاء يلقون بثقلهم لتهدئة المشاعر والدعوة إلى التعقل ولعن الشيطان وهم غالباً ما يفلحون في عقد المصالحـة وإعادة مياه العشرة والقربى إلى مجاريها.
أمّـا الخلافات السياسية فهي متجذّرة بين السكان، وقد لا تظهر علناً لكنها كامنة غالباً مثل النار تحت الرماد يمكن لاي ريح مفاجئة أن توقدها، وقد كان أهالي مرستي كسائر أهالي قرى الجبل، منقسمين إلى حزبيتين، الحزبية القيسية والحزبية اليمنية. لكن معركة عين دارة سنة 1711م أدت إلى القضاء على الحزب اليمني فتشتت أنصاره وهاجر معظمهم إلى جبل الدروز في سوريا، وأنفرد القيسيون بزعامة آل شهاب بحكم الجبل. بعـد ذلـك، عمد الشهابيون ابتداء من عهد الأمير ملحم الشهابي (1729-1754م) إلى افتعال إنقسام جديد بين حزبيتين جديدتين هما الحزبية الجنبلاطية والحزبية اليزبكية، وكان هدفهم إضعاف شوكة الأمراء الدروز والحؤول دون اتحادهم فيخلو لهم بذلك حكم الجبل، وبالفعل انقسم سكان الجبل بين مؤيد للحزب الجنبلاطي ومؤيد للحزب اليزبكي وأطلقت على هذه الحزبيات إسم (الغرضيّة)، لكنها كانت ولاءات عشائرية وبعيدة كل البعد عـن رابطة الحزب بمفهومها الحديث.
كانت الغرضية تفعل فعلها بين السكان، في أجواء مشحونة بالميول السياسية، وكان يحصل تحـزّب بين العائلات والأفراد، بسبب مرشّح للإنتخابات ، ممّـا يؤدي إلى حصول شجار وتقاتل بالعصي والحجارة والسكاكين. وفي هذه الحالات فإن منطق القبيلة أو العشيرة يغلب على لحمة القرية التي تجد نفسها أحياناً منقسمة ومتناحرة حول أمور لا تغني ولا تسمن من جوع. لكن العصبية المتأصلة في أبناء الريف يظهرونها أحياناً في صورة ولاء سياسي وأحياناً في صورة ولاء حزبي أو ولاء لشخص. وإبن القرية معروف بميله للنكاية بجاره والتشفي منه عندما يحقق حزبه إنجازاً أو انتصاراً انتخابياً مثلاً وهـذا ما عبّـر عنه الأديب سعيد تقي الدين بقوله: (غريب كيف يتثقّف الواحـد منّا، ويدرس ويطالع ويغترب، ويخالط المتمدنين من البشر ثـمّ هـو إن إنكفأ إلى قريته، عـاد يمارس بين ربعه السلوك القروي بذهنية القـرن الماضي وعقلية العهد العثماني).8 واستمـرّ التحـزّب للجنبلاطية واليزبكيـة في مرستي حتى بـداية أحـداث سنة 1975.

بوسطة شاهين
في الماضي لم تكن هناك في مرستي طرقات ولا سيارات، كان أهالي القرية ينتقلون سيراً على الأقدام أو يستخدمون ظهور الحيوانات (الخيل والبغال والحمير) كوسائل للنقـل. وفي سنة 1920، إقتنى السيد شاهين عابد من المختارة سيارة «فورد أبو دعسـة» فكان الركاب يأتون من مرستي والقرى المجاورة، إلى المختارة ليستقلّوا السيارة إلى بيروت. وفي سنة 1935، استبدل السيد شاهين سيارته الفورد بحافلة لنقل الركاب كانت تسمى بلغة أهل القرية «البوسـطة».9 وكانت البوسطة تبيت في قرية باتر وتنقل الركاب من القرى التي كانت على خط سيرها إلى بيروت، وكان القادمون من مرستي ينتظرونها في عماّطور، ثم تمّ بعد ذلك تسيير حافلات ركاب أخرى من عماطور ونيحا وبعذران فأصبح أهالي مرستي يحضرون إلى بعذران أو الخريبة للإنتقال بالبوسطة إلى بيروت. وفي سنة 1965، إقتنى السادة زيدان أحمد زيدان وقاسم أحمد زيدان من مرستي، ونجيم نجيم من معاصر الشوف، بوسطة كانت تنقـل الركاب يوميّاً من مرستي والخريبة والمعاصر إلى بيروت وعلى العكس. واستمرت البوسطة في الخدمة لمدة عشر سنوات وتوقفت سنة 1975، بسبب انـدلاع الحرب الأهلية، أمّـا الآن فقد أصبح معظم السكان يملكون سياراتهم الخاصة وذهبت بالتالي أيام البوسطة ومسامراتها.

مزرعة الشاوية على مدخل مرستي
مزرعة الشاوية على مدخل مرستي

آلام الحـرب الأولى
وقعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وعانى أهالي مرستي وأهالي الشوف من هذه الحرب الشيء الكثير إذ قامت الدول الحليفة، ومنها بريطانيا وفرنسا، بحصار بحري على الشواطىء، ومنعت وصول المواد الغذائية المنقولة بحراً، وتوقف ورود الأموال المرسلة من المغتربين إلى ذويهم، الأمر الذي ضاعف من اشتداد الأزمة. كما فرضت السلطات العثمانية نظام التجنيد الإجباري (سفربرلك). وحددت رسم الإعفاء 44 ليرة ذهبية عثمانية. ومنع الأتراك نقل الحبوب لتوفيرها لجيوشهم، كما أقدمـوا على استبدال العملات الفضية والذهبية بالعملات الورقية. فهبطت قيمة النّقد وارتفعت الأسعار إرتفاعاً فاحشاً وأصبح يباع رطل الخبز بليرة ذهبية عثمانية. وفي ربيع سنة 1915، اجتاح الجراد منطقة الشوف، فأصاب مرستي من أضراره الشيء الكثير إذ التهمت أسرابه كل ما هو أخضر من الأشجار والنبات، وقضى على المواسم والغلال، فهاجرت عائلات عـديدة من مرستي إلى جبل الدروز في سوريا لتأمين معيشتها. وبعـد إنتهاء الحرب عـادت أسر إلى مرستي بينما استقر البقية في سوريا بصورة نهائية.

مـلجـأ الثـوّار والفـارّين
شكّلت قرية مرستي وشاويتها10 وجبلها موقعاً حصيناً وملاذاً للثوار والفارين من وجـه الحكام، كما إنها كانت ملجأ آمناً للمشايخ الجنبلاطية في الأحداث العصيبة، وحين تتـعذّر مقاومة الأمير الشهابي أو والي صيدا، سبب ذلك هو الموقع الحصين للقرية وإشرافها على معظم الشوفين واتصالها بقرى الخريبة والمعاصر فالباروك من جهـة، وبالخريبة بعذران حيث قصر آل جنبلاط، وعماطور حيث الثقل السياسي للجنبلاطيين. لذلك اضطرّ أولاد الشيخ قاسم جنبلاط سنة 1794، للإنسحاب إلى مرستي والتحصّن في شاويتها، عندما اشتدّ الضغط عليهم من أولاد الأمير يوسف الشهابي ومدبّرهم جرجس باز، ووالي صيدا أحمـد باشا الجزّار، في الصّراع الذي كان محتدماً بين القطبين الشهابيين، الأمير بشير قاسم الشهابي، وأولاد الأمير يوسف. وكانت مرستي المحطّة المتقدّمة لتصعّد وادي التيم والإختفاء فيـه، وكذلك الشيخ حسن جنبلاط عندما أخرجه الضغط الأمني والسياسي من منطقة الشوف كان جبل مرستي هذه المرّة أيضاً، ملاذاً آمنـاً له.
في عهد الإنتداب الفرنسي، وفي بداية عهد الإستقلال كان الثوّار يلجأون إلى مرستي للإختباء في منازلها وفي جبلها، هرباً من العساكر التي كانت تلاحقهم. أو للإستراحة من عناء السير أثناء ذهابهم إلى البقاع وسوريا والأردن وفلسطين، وأثناء عودتهم منها. وقـد عانى أهالي مرستي أشـدّ أنواع القهر والعذاب من قبل رجال الجندرمة، بسبب لجوء الثوار إليها، وأيوائهم وتقديم المساعدة لهم. وكان رجال الجندرمة يحضرون إلى مرستي في كل مـرّة مجموعات، ثلآثين أو اربعين عسكرياً يقومون بتفتيش المنازل وتوقيف الأشخاص ويفرضون على الآهلين غرامات مالية، وتقديم الطعام والمنامة لهم والعلف لخيولهم.

آثار القرية والينابيع
تـزخـر قريـة مرستي بالمعالم الأثرية والطبيعية منها: «عين الغابـة» و«عين التحتي» والسنديان الروماني و«عين ياقوتة» والمعصرة والجسر القديم والبرك الزراعية وتمثال للمعلّم كمال جنبلاط و«نبع جعيتي» الواقع على حدود الأراضي بين مرستي وجباع.

عيـن الغابـة: هي العين الرئيسية لقرية مرستي وكان أبناء القرية ينقلون منها الماء إلى منازلهم، للشرب والإستعمال المنزلي وسقاية المواشي، والفائض منها يجمع في صهريج يستخدم لري المزورعات. وتقسم مياه الري بين المزارعين كل بحسب ملكيته. وقد جـرى تجـديد بناء العين سنة 1812م، من قبل الشيخ بشير جنبلاط (1775-1825)، وأرّخ بناءها الشاعر نقولا الترك بأبيات شعرية محفورة على بلاطة ومثبتة داخل قنطرة العين، لم تزل موجودة حتّى تاريخـه. وفي سنة 1952، تمّ جـرّ مياه العين إلى ساحة القرية في مرستي وبناء خزّان مع مصبّ للمياه وقنطرة هندسية. ونظراً إلى عذوبة مياه هـذه العين وجمال موقعها، كان الأمير بشير الشهابي الثاني، والشيخ بشير جنبلاط، وبعد ذلك الشيخ سعيد جنبلاط، يقومون برحلات صيد إلى مرستي مع الأصدقاء والمرافقين، فتحمل الأسلحة والفرش وأدوات الطهي والضيافة، والخيام والشوادر والصواوين وتنصب قرب العين، (لم تزل المحلة يطلق عليها جلّ الصيوان)، يصطادون في كل مرّة مئات الطيور من أنواع الحجال وغيرها والحيوانات البريّة ويمضون في مرستي أيّاماً عديدة.
في أمسيات الربيع والصيف كانت الصبايا يذهبن إلى العين، حاملات الجرار الفخاريـة على أكتافهن لإحضار المياه، وهـنّ بأبهى زينتهن. وكان الشبّان يتابعون الصبايا وأحياناً يعجبون بإحداهن مما يـؤدّي إلى الخطوبة والـزّواج. ودروب العين في القرى اللبنانية لهـا شهرتها، تـروى عنها قصص وحكايات.
قال الشاعـر عبدالله العريضي:
وبـاقـة صبايـا بـلــيلـة القمــرة يحكـــــوا الحكــــايـا عـ طـــريــــــــق العـــين
وعـكتـافـهـن تتـغـنّـج الجــــــرّة وتـقــــــــــول الـلـــــــه يجـمــــــع القــلبــــــــين

” أين حقول القمح؟ ماذا حصل للبيادر؟
هجرة السكان إلى المدن أقفلت التكميلية  “

مرستي تحت الثلج
مرستي تحت الثلج

تاريخ مدرسة
كان تعليم الأولاد في الماضي يتـمّ في «مدرسة السنديانة» حيث يكلّف شخص يجيـد القراءة والكتابة بتعليم الأولاد القراءة والكتابة والحساب وحفظ بعض النصوص الدينية.
في سنة 1927، افتتـح أهالي مرستي مدرسة خاصة لتعليم أولادهم، وفي العام التالي صدر مرسوم عن حاكم لبنان الكبير، المفوض السامي الفرنسي،للترخيص لهذه المدرسة، نشر المرسوم في الجريدة الرسمية الرقم 2139 تاريخ 6/2/1928، كان الطلاب يجلسون على أرض الغرفة، وكل طالب يصطحب جلد خروف للجلوس عليه. كان يطلق على المدرّس لقب «معلّـم» شـأن كل صاحب مهنة في ذلك الحين. وكان «المعلم» يتقاضى أجره من أهالي الطلاب، ويتناول طعام الغداء والعشاء في منازل الأهالي يومياً ومداورة بالإضافة إلى هدايا من المؤونة، مثل التين المجفف والزبيب ودبس العنب والعسل وغير ذلك. ويعتبر متعلّماً، مـن كان يجيد القراءة والكتابة، ويعرف الأقلام الأربعة وهي: الجمع والطرح وحفظ جدول الضرب والقسمة. وكان بعض الرجال يتباهى بوضع أقلام الحبر في جيب السترة الأمامية كي تظهـر للعيـان.
في سنة 1948، أصبحت المدرسة (مدرسة رسميّة)، تابعة لوزارة التربية الوطنية. جهّزت بطاولات ومقاعد خشبية لجلوس التلامذة، ولوح أسود يكتب عليه بالطبشور، وطاولة وكرسي للمعلّم، الذي أصبح يطلق عليه لقب «الأستاذ».
في سنة 1960، إفتتحت جمعيّة رعاية الطفل، التي كانت ترأسها السيدة زهيّة سلمان مدرسة في مرستي لتعليم الأطفال عهد بإدارتها والتعليم فيها إلى الشيخة أم حكمت زرافه توفيق بشنق وكانت تعلّم الصبيان والبنات واستمرت في هذا العمل نحو عشرين سنة.
في سنة 1985، أصبحت مدرسة مرستي الرسمية مدرسة تكميلية، تمنح الشهادة المتوسطة (البريفيه)، بعـد أن تـمّ إنشاء بناء جديد، وتجهيزه بجميع المسلتزمات، والجهاز التعليمي اللازم. لكن هذه المدرسة أقفلت مؤخراً من قبل وزارة التربية، بسبب عدم وجود العدد الكافي من الطلاب، وبات الآهلون يرسلون أولادهم الى المدارس الرسمية والخاصّة في المختاره وبقعاتا وبعقلين وغيرها. سبب نهاية هذا الصرح التعليمي هو الهجرة ونزوح قسم كبير من الأهالي منذ ستينات القرن الماضي إلى بيروت طلباً للعمل وبالطبع فقد لجأ هؤلاء النازحون إلى تعليم أولادهم في المدن والكثير منهم ذهب إلى الجامعات وعاد إلى القرية بالإجازات الجامعية وبشهادات الماجستير والدكتوراه.
البــلـديّــة
أُنشئَت البلدية في مرستي سنة 1973، وبـدأت بتنفيذ بعض المشاريع الضرورية حسب ميزانيتها المتواضعة. وبما أن مرستي كانت تعاني من وجود الحفر الصحّية، خاصة القريبة من الطرقات العامة، قامت البلدية في سنة 1973، بتنفيذ أوّل خط للصرف الصحّي يمتـد من الساحة إلى أسفل القرية ويصبّ في قعر الوادي. لكـن أعمال البلدية توقّفت سنة 1976، بسبب إندلاع الحرب الأهلية.
وفي سنة 1983، تأسست الإدارة المدنية في الجبل، وعيّنت لجنة في مرستي قامت بتنفيذ أقسام من مشروع الصرف الصحي، بتمويل من الإدارة المدنية، وتبرعات جُمعت من أهالي مرستي.
في سنة 1998، وفي الدورات الإنتخابية البلدية التي تـلت، أنتخب الدكتور ناصر زيدان رئيساً للمجلس البلدي، ونائباً للرئيس الأستاذ صبحي الدبيسي، وبعده الشيخ غسّان الدبيسي. قامت البلدية بتنفيذ مشاريع عـديدة، ومنها الأقسام المتبقية من مشروع الصرف الصحي، وبعـد ذلك تـمّ إنشاء محطة تكريـر بتمويل من وكالة التنمية الأميركية، ووضعت المحطة باستلام مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان.
إن مجمـوع الأعمال والإصلاحات التي أنجزتها البلدية في مرستي، خـلال السنوات العشر الأخيرة، دفعت بقـريتنا إلى طريق التقدم، وقد أصبحت من القـرى النّـاميـة الراقيـة مـع العلم أن عـدد سكان مرستي في إزدياد، والتمـدد العمراني يزيـد من مساحة القرية سنة بعـد سنة، لذلك يطلب من المجلس البلدي مضاعفة الجهود لتلبيـة حاجـة الآهلين.
كـذلك إن مختار مرستي الشيخ نـزيـه بشـنق، يقـوم بالأعمال والخدمات المطلوبـة للآهليـن، بجهـد ونشاط، مـجّانـاً من دون أجــر.

اقتصاد منزلي
تتميز مرستي بإنتاج مـواد غذائية بلديّـة في المنازل، مثل الكشك والمربيّات والكومبوت والأعشاب والشّرابات والمقطّرات وغيرها، بالإضافة إلى إنتاج الفواكه والخضار وعسل النحل، للإستهلاك المحلّي والبيع في الأسواق.
إن محميّة أرز الشوف تعمل للحفاظ على أسلوب العيش الريفي بالتواصل مع المجتمع المحلّي. ولتعريف زائر المحميّة على تراث وتقاليد المجتمع الريفي اللبناني، من خلال تقديم تراثه الغذائي، قامت المحمية منذ سبع سنوات بإنشاء مشغل في مرستي لصناعة بعض المواد الغذائية الريفية، تـمّ تجهيزه بكافة المعدّات اللازمة، من طناجر وكركات ومنصّات ورفوف وطاولات، جميعها من مادة الستانلس. ووضعت قواعد لصنع المنتجات من خلال تدريب السيدات على استخدام المواد الأولية بمعايير ومكاييل موحّدة في عملية التحويل وذلك بتمويل من البنك الدولي، وتنفيذ مجلس الإنماء والإعمار. وتعرض المنتجات على مداخل المحميّة لبيعها.
ومـن المؤسسات المحـليّة في مرستي: الإتّحـاد النسائي التقدّمي، منظمة الشباب التقدمي، تجمّـع أبناء مرستي، فريق مرستي الرياضي، والمستوصف الصحي، وقد تمّ مؤخراً إطلاق التعاونية الزراعية والنـادي الريـاضي للبلدة.

الشيخ الفاضل عند أحمد كجك باشا

الشيخ الفاضل عند كجك أحمد
الشيخ الفاضل عند كجك أحمد

يروي مؤرخو الشيخ الفاضل محمد أبي هلال الذي عاصر الأمير فخر الدين الثاني ومنهم الشيخ أبو علي عبد الملك الشافعي الحلبي والمؤرخ عجاج نويهض في كتابه التنوخي هذه المأثرة عن هذا الشيخ الجليل الذي يحتل مكانة خاصة في ذاكرة الموحدين الدروز ومذكراتهم.
«عندما قَدِم كجك أحمد إلى بلادنا في حملته لمهاجمة الأمير فخر الدين المعني لم يفرّق هذا الطاغي بين الأمير وأتباعه المسالمين، بل عمد إلى إلحاق الضرر بالجميع ومن دون تفرقة. وبينما كان منشغلاً بحملة التنكيل بأبناء الجبل جاء من أخبره أنه يوجد شيخ ناسك متعبّد جليل الفضل والتقوى، يعيش في قرية شويا قرب حاصبيا ويُدعى الشيخ الفاضل وإذا اعتقلته فإن أتباعه يفدونه بالغالي والنفيس من مال وحلال فتحصل بذلك على المال الوفير.
كان الشيخ الفاضل في تلك الحقبة قد أصبح علماً روحياً وقدوة للأنام باعثاً لنهضة روحية حتى غدا المرجع الأول لشتى أبناء طائفة التوحيد، وأينما وجدوا من الجليل إلى الجولان إلى لبنان إلى جبل السماق مروراً بوادي التيم وصولاً إلى جبل لبنان كان توجههم إلى الشيخ الفاضل يعملون بوعظه وتعاليمه ويتناقلون الروايات والعبر عن زهده وتقواه ومسلكه الطاهر.
علم الشيخ الفاضل بنبأ الوشاية وبإحتمال القبض عليه من قبل قائد الحملة العثمانية فعمم حرماً على جميع أبناء التوحيد مفاده بالحرف الواحد «لو قدّر الله تعالى عليّ ووقعت بين يدي ذاك السفاح، فحرامٌ على من يدفع قرشاً أو مصريّة لأن الروح مقصّرٌ عنها أما الجسم فليفعل به ما يشاء وخلاصي بذلك».
أخذ كجك أحمد برأي الوشاة وأرسل عدداً من جنوده إلى قرية شويا لاعتقال الشيخ، وعند وصولهم إلى منزل شيخ القرية من عائلة انقرضت في ما بعد، أرسل هذا من أرشدهم إلى الكهف الذي يعيش فيه الشيخ وهو يقع جنوب البلدة لجهة بلدة الهبارية، ولتاريخه ما زال هذا الكهف مزاراً للموحدين.
وصل الجنود إلى الكهف الذي يقيم فيه الشيخ فوجدوه بمفرده مستغرقاً في صلاته وسكينته غير آبه بما يجري حوله، لم يبال هؤلاء الجنود بجلال الشيخ ولا بحرمة المكان وتوجهوا إليه بغطرسة القوي وأمروه أن يقدم لهم الطعام على اعتبار أنهم قادمون من مكان بعيد وقد بدأ الجوع ينهشهم. كان طلب الجنود على سبيل التعجيز لأن الشيخ كان وحيداً وقد افترضوا أنه لا يوجد لديه أي زاد يكفي لإطعام رهط من العساكر.
لكن الله عزّ وجل كان قد يسّر للشيخ الطاهر جماعة كبيرة من النحل اتخذت بيتها في سقف الكهف وكانت أقراص العسل التي بنتها كبيرة فعلاً وكانت تفيض عسلاً يقطر وينساب إلى أرض الكهف، وكان لدى الشيخ الفاضل قصعة يضعها على الأرض ليجمع فيها ما يتنزل من ذاك العسل وكان الشيخ يأكل منه أحياناً ويقول «لحلاله وليس للذته أو طيبه»، أي أن ما جعله يرغب في أكله هو أنه رزق حلال من الله تعالى وليس لإرضاء شهوة النفس بتناول العسل الشهي.
ردّ الشيخ على السلوك الفظ للجنود بأن وضع الصحن أمامهم وما تيسّر له من خبز كان يحتفظ به. استمر الجند في موقف الغطرسة وسخروا من ضيافة الشيخ وأمروه بأن يملأ الصحن بأكمله لأنهم كثر. لكن الشيخ أجابهم «كلوا يا أحبائي عندما يفرغ الصحن سنملؤه». بدأ الجند يأكلون من الصحن والصحن لا يفرغ من العسل كأن يداً لم تمتد إليه، بعد قليل تبدّلت حالهم وسيطر عليهم وجوم وأدركوا أنهم في حضرة أحد رجال الله فخاطبوه عندئذ قائلين: «يا شيخنا لا شك أنك ولي من أولياء الله، لكن الأوامر هي أن نأخذكم إلى الوالي في دمشق».
نهض الشيخ بتؤدة ومشى أمامهم من دون أن يبالي أو يعتريه أي وجل. أثناء الطريق طلب أحد الجنود من الشيخ أن يعظهم فاستجاب لطلبه وبدأ يشرح له «الفاتحة» ابتداءً بكلمة «الحمدُ» وبقي الشيخ الفاضل في شرح أول حرف من حروف سورة الفاتحة طيلة الطريق وكان لا يزال في شرح كلمة «الحمدُ» عند وصوله مع الجند إلى مجلس كجك أحمد في دمشق، علماً أن المسافة بين شويا ودمشق تستغرق أكثر من نصف نهار.
تقدّم أحد الجنود من الوالي ثم ركع وخفض رأسه وقال: «مولاي إقطع رأسي بدل رأس هذا الولي الطاهر لأنه في الحقيقة ليس رجلاً عادياً، فقد حصل معنا ما يشبه المعجزة فقد أكلنا جميعاً من صحن العسل ولم يفرغ من محتواه، كما إن الشيخ ابتدأ بشرح أول كلمة في سورة الفاتحة (الحمدُ) من بلدته شويا ولم يفرغ منها لتاريخ وصولنا إلى هنا».
إندهش الوالي أيّما اندهاش، ثم طلب من الشيخ الصفح والعفو عن سوقه بهذه الطريقة ثم أخلى سبيله وسمح له بالعودة إلى قريته.
ويكمّل المؤرخ عجاج نويهض سرده لتاريخ الشيخ فيقول: « إن الشيخ الفاضل ندم مرة في حياته، وذلك لبنائه مطحنة عند نهر الحاصباني، حيث اعتبر ذاك العمل تعلقاً بالدنيا وانشغالاً عن الآخرة. وهذه الطاحونة تقع في أرض قريتنا الفرديس عند مجرى نهر الحاصباني وتُعرف بإسم مطحنة الحسنة كون الشيخ الفاضل أوقف ريعها لخلوات وادي التيم، وقد روى أمامي صاحبها أنها كانت موقوفة من خلوة ينطا شمالاً إلى خلوة بلدة الماري جنوباً، وليس بزمن بعيد اشترى القسم الخاص بخلوات البياضة بعد أن كان والده قد اشترى الأقسام السابقة.
كما يروي عن لسان والده المرحوم الشيخ محمود سليقة أن القسم السفلي من البناء الداخلي للطاحونة حيث تصبّ المياه ليدار الدولاب الحديدي والذي بدوره يدير حجر الطاحونة أي ما يُعرف بلغة أصحاب المطاحن «بالبير» لم يزل لتاريخه من بناء ذلك الولي الطاهر.
ويكمل صاحب الطاحونة عن قدسيتها فيقول إن والده قد أوكل بها رجلاً من غير دينه كي يستغل مردودها ثم أوصاه أن لا يأكل لحم الخنزير أو يشرب الخمر أو يتعاطى المسكر في داخلها.
لكن الرجل المذكور وبعد مدة من الزمن خالف الوصية فذبح خنزيراً وتعاطى الخمر في المطحنة.
وذات يوم طلب الرجل إلى إبنه أن يصعد إلى أعلى المطحنة ويقطع الماء عن حجر الطاحونة كي يوقف دورانه، غير أن الصبي سقط في الماء من علو سبعة أمتار داخل الكوة التي يتساقط منها المياه على الدولاب الحديدي وعندما طافت المياه ودخلت إلى داخل المطحنة ركض البراك ونزل إلى داخل البير ليجد ولده متدلياً من الكوة، ثم أخرج الصبي وهو مغمى عليه. لكن بعد الاستغفار عادت الروح إلى الصبي وعاد الرجل إلى رشده ليرمي موبقاته في المياه متعظاً من كرامة صاحب المطحنة ثم أكمل توبته بوفاء النذر لخلوات البياضة وسواها من المزارات الروحية.

«أنت لا ظالم ولا عادل»

أنت لا ظالم ولا عادل
أنت لا ظالم ولا عادل

هذا ما أجاب به التقي النقي، العالم العابد، الناطق بالحق دفاعاً عن الكرامة والعرض والأرض صاحب السماحة شيخ عقل الموحدين في حينه الشيخ حسين ماضي الذي فاجأ جزار عكّا بإجاباته اليقينية وبصيرته وجرأته الفذّة. قبل تلك المواجهة بين الرجلين كان الأمير يوسف الشهابي قد تنصر سراً وهو أول من تنصر من أمراء السلالة الشهابية، وكان أن أراد الأمير إذلال الموحدين الدروز وعقالهم فقرر فرض ما سمي يومها «ضريبة الشاشية» على العقال الدروز. و«الشاشية» هي القماش الأبيض الذي يلفه العقال حول طربوش فينتج عن ذلك عمامة يتوجون بها رؤوسهم وهي العلامة المميزة للعقال الدروز عبر الأزمنة. وكان من خبث الأمير أو من أشار عليه بهذه المكيدة أنه لم يجرؤ على تسمية الضريبة بالضريبة على العمائم أو «اللفة» بلغة العقال فجعلها ضريبة على القماش الأبيض الذي يستخدم لإنتاج العمامة. وكان الأمير يعتقد أن الضريبة يمكن أن تحقق له أموالاً كثيرة لأن جميع الموحدين الرجال كانوا يعتمرونها ابتداءً من سن الخامس عشرة فكان يمكن أن تستحق بالتالي على معظم الرجال منهم.
ورداً على هذا السلوك الدنيء تداعى أعيان الدروز إلى اجتماع في نبع الصفا للبحث في كيفية مقاومة الضريبة وإسقاطها، وبعد التداول والتشاور قرّر المجتمعون رفع عريضة إلى الجزار وإرسالها مع وفد وفحواها يتضمن المطالبة بإلغاء تلك الضريبة المفروضة على المشايخ، وطرد الأمير يوسف من الإمارة لأسباب عديدة منها ارتداده عن الدين الحنيف وضعف شخصيته وقراراته أمام بعض أعوانه ومستشاريه والتلاعب بمصير البلاد والعباد.
وقبيل انفضاض ذاك الاجتماع حضر شيخ عقل الدروز آنذاك الشيخ حسين ماضي معتذراً عن التأخر لأسباب خارجة عن إرادته، وبعد أن عُرضت عليه مقررات الاجتماع، أبى إلا أن يكون هو الذي سيقابل الجزار ومهما تكون المحاذير.
عند وصوله إلى مقر الجزار في عكا، أذن له بالدخول على الوالي، فسلم عليه وقدّم له العريضة ثم أكمل شرح مضمونها بذاته مع تقديم الولاء والطاعة للباشا من قبل جميع الدروز وأعيانهم.
نظر الجزار مليّاً في العريضة ثم بادر الشيخ حسين ماضي قائلاً: طلباتكم مقضاة أيها الشيخ الجليل شرط أن تجيبني على سؤالي.
قال الشيخ: تفضل يا صاحب الأمر ما هو سؤالكم..؟
قال الجزار: ما رأيكم هل أنا ظالم أم عادل..؟ وهذا السؤال يُقال إنه كان يبادر به الداخلين عليه سواء كان احتجاجاً على بعض عمّاله أو لأي أسباب أخرى، وكان قراره المضمر التخلص منهم عبر إيجاد بعض الأسباب أو الحجج، بحيث يتم إيقاع القصاص بغض النظر عن جواب الرجل سلباً أم إيجاباً.
أجاب الشيخ حسين ماضي دون تردد وبكل رصانة ووقار: أيها الوالي الكريم. « أنت لا ظالم ولا عادل».
دُهش الجزار لهذه الإجابة ثم سأل الشيخ بعد إمعان طويل: كيف ذلك؟
قال الشيخ: حضرة الوالي، ما أنتم إلا عبدٌ بين يدي الخالق الديّان، وما هذه الجموع التي تأمرون بقتلها سوى أصحاب نفوس قد أشركت وكفرت بخالقها بعد أن ضلّت الطريق القويم وتعاليم الدين الحنيف، فاستحقت العقاب السماوي، وكان تنفيذ ذلك على أيديكم بأمر سريّ ذاتي من الخالق عزّ وجلّ.
زادت دهشة الجزار لبلاغة الجواب وحصافة الشيخ، ثم افترّ ثغره بعد أن هزّ برأسه مطولاً قائلاً:» يا شيخنا الجليل، لا شك أن إجابتكم هذه من عمق إيمانكم، فطلبكم مقضيّ ورغبتكم مطاعة… ثم أمر أحد غلمانه أن يقدّم هدية للشيخ عبارة عن كيس مليء بالنقود، أي ما يُعرف عند الملوك (بالسنيّة).
أجاب الشيخ بعد أن شكره على هذه الهدية القيّمة قائلاً: إنه لم يحمل المال طيلة حياته، وليس بحاجة إليه كونه لا يأكل إلا من كدّ ذراعه ومحصول رزقه وعرق جبينه. بعدها قدّم له عباءة صوفية.
شكر الشيخ البادرة الكريمة لكنه اعتذر عن قبولها بالقول: «لتاريخه لم أرتد فوق جسدي الفاني أي لباس إلا من حياكة نولي وربما أحد أتباعكم أحق بها منّي» .
ردّ الجزار بالقول: يا شيخنا لا أرضى إلا أن تقبل منّي هدية فهل تقبل هذا المصحف الكريم؟
سُرّ الشيخ لهذه الهدية الثمينة ثم قبّل المصحف ووضعه في صدره وقال: « ليس أثمن من هذه الهدية سوى العمل بموجبها» ثم انصرف حامداً شاكراً تصرف الجزار ومنته برفع ضريبة الشاشية، والشكر في قرارة نفسه لخالقه وعزّته. وقبل وصول الشيخ إلى الشوف عائداً عرف بخلع الأمير يوسف وتعيين الأمير بشير قاسم الشهابي مكانه مع إلغاء الضريبة وكأن شيئاً لم يكن من قبل.

الذهب امتحان الرّجال

الذهب امتحان الرجالa
الذهب امتحان الرجالa

ما دامت الأموال للتّرك جميعها فما بالُ متروكٍ به المرء يبخل
الإمام الحسين (ر)

الرجال ُ الرجال هم دُرر الزمان ومهما تعاقبت العقود والأعوام، باقون ماثلون قدوة بين الأنام.
هكذا كان مثل الشيخ أبو يوسف حسن جمّاز بين مجتمعه وعشيرته، كرماً ورجولةً وإقداماً.
من بعض مآثره روى أمامنا الشيخ قاسم خير الدين، وكنّا نتجاذب الأحاديث في حانوته، قال: تشاءُ الصدف أن يزور الشيخ حسن جمّاز صديقه الحاج محمد أفندي العبد الله في بلدته الخيام أوائل الثلاثينات.
أثناء تواجده عند مضيفه طرق الباب مساءً شابٌ من آل أبو جبل من بلدة مجدل شمس وقصده الضيافة والمنامة.
بعد السهر والتسامر حديثاً وضيافة، فرش الحاج لضيفيه في غرفة الضيافة وتركهما يخلدان للنّوم.
مع الصباح نهض الشاب وقصده الخروج باكراً، لكنه عندما فتّش جيوبه لم يعثر على ثلاث ليرات ذهبية كان قد أحضرها لأمر خاص به.
تمتم وهمهم وقطّب الحواجب، وأخذ يغدو ويروح في أرض الغرفة، بعد أن تفوّه بكلامٍ مبطّن غير معهود، وكأنه يوجّه الاتهام للشيخ النائم شريكه في غرفة الضيافة.
استفاق الشيخ على همهمته مندهشاً مستغرباً لما سمعته أذناه، ثم استفسره بالقول، ماذا تقصد يا بنيّ؟
أقصد، أنه كان بحوزتي ثلاث ليرات ذهبية، فأين هي؟ لقد فتّشت ثيابي، وقلّبت الفراش الذي أنام عليه وحتى البساط المفروش ولم أجدها.
قال الشيخ: هل أنت متأكد أن الليرات كانت في جيبك عند مجيئك إلى هنا وإخلادك للنوم؟
نعم .وحتى انني تحسّست موضعهم في جيبي قبل النوم.
إذاً لربما تقصدني بالتهمة؟!
سكت الشاب بعد أن قلّب راحتيه وقال: لربما كان صاحب المنزل أو أحد أفراد عائلته.
كأن صاعقة سقطت على الشيخ الذي صرخ بالشاب: إلى هنا وصلت وقاحتك، فهل جُننت؟ وهذا جزاء الضيافة والمنامة؟؟ ثم سأل الشاب الأرعن:
كم فقدت .. أفصح .. كم فقدت ؟؟
أجاب: ثلاث ليرات عصملية «أي عثمانية».
انتظرني حتى آتيك بهم، فأنا السارق وكفى…
خرج الشيخ إلى صديقه الحاج الذي كان جالساً في الجناح الآخر من المنزل وانزوى به قائلاً : إنني بحاجة إلى ليرتين ذهبيتين لأمر مهم وقريباً سأعيدهم لك إذا قدّر الله.
غاب الحاج قليلاً ثم حمل إلى الشيخ عشر ليرات بدل اثنتين وقال: خذها فإنني بغنى عنها.
شكر الشيخ ضيفه وأجابه: إنني بحاجة إلى ليرتين لا غير ..
عاد إلى الشاب وناوله الليرتين الذهبيتين مع ليرة ذهبية كانت بحوزته وقال: أعتقد أن حقك قد وصلك ومع هذا إذا كنت عائداً لبلدتك فسلّم على صديقنا الشيخ كنج أبو صالح، ورجائي الوحيد أن لا تخبره بما حدث…
هذا السلام المستغرب أثار حيرة الشاب وأخذت الأفكار تتسارع في مخيلته بين التصديق والتكذيب لما حدث، وكيف تحدّث مع رجل بهذا القدر، لكنه بقي على شكوكه وكان يخاطب نفسه:: «إذا لم يكن الشيخ قد أخذ الليرات فمن أين جلبهم؟؟ المهم أنني استعدت مالي!!
في طريق عودته، تذكّر أنه بعد خروجه من منزل أقاربه في بلدة الماري استظل فيء إحدى الأشجار قرب نبع (القرشة) بعد ان رفع رجليه فوق صخرة متواجدة هناك قصد الاستراحة من عناء السير.
لذا، قرر المرور بالمكان الذي استرخى عنده لعلّه يكون قد أساء الظن فيجد هناك ما فقده. فكّر بذلك لـ «قطع الشك» كما يقال إذ إنه كان على يقين بأنه تحسس الليرات الذهبية في جيبه قبل أن يخلد إلى النوم في بيت مضيفه.
لكن حدث أن وجد الشاب ليراته الذهبية على الأرض في المكان الذي قصده للإسترخاء وبدا أن النقود انزلقت من جيبه عندما رفع رجليه ليريحهما.
صعق الشاب وتمنى عندها فعلاً لو أن الأرض تنشق وتبتلعه في ظلماتها.
أنّب نفسه كثيراً وأحس بالفضيحة تزلزله وأدرك حجم الإثم الذي ارتكبه بحق ذلك الشيخ الجليل وبحق ضيفه.
قرّ رأيه على أن يذهب فوراً إلى منزل الشيخ كنج أبو صالح قبل الوصول إلى بيته، ثم دخل عليه وحيّاه قائلاً : يا شيخنا، لا أعرف من أين تأتي المهابط.. وكيف يجلب الإنسان لنفسه الذلة والإهانة وقلة الكرامة …
خير إن شاء الله، ما بك يا بني ؟ أجاب الشيخ كنج أبو صالح.
تنهّد الشاب وقال:
أولاً أبلغك السلام من صديقك الشيخ أبو يوسف حسن جمّاز، وفي الحقيقة لا أعلم كيف سأقابله لأعتذر منه، وحتى إذا سمح لي بأن ألثم حذاءه.
قال الشيخ: أفصح يا بني ما الذي جرى لك؟؟
هزّ الشاب برأسه بأسى وأخبره بما حدث له من الألف حتى الياء كما يقولون.
هوّن عليك. قال الشيخ كنج وإن تكن فعلتك كبيرة ولا يماثلها في الحقيقة إثم حتى أنني لم أسمع بمثلها حتى هذه الساعة. إذ كيف سمحت لنفسك بتخوين شيخ وقور مؤمن صادق، كالشيخ أبو يوسف، وكيف قبلت النقود منه قبل أن تتحقق من أنك أضعتهم فعلاً؟؟ إنه سوء حظ وقلة توفيق حقاً.
صدقت .. صدقت .. يا شيخي الكريم، لكن ما العمل وكيف يمكنني أن أكفّر عن هذا الفعل الشنيع؟؟ كيف سأقابله وليس بإستطاعتي المثول أمامه أو النظر إليه، وطلب الصفح منه وردّ الدراهم؟؟
تفكر الشيخ كنج ثم قال: إذهب إلى بلدته شويا فستجده قد عاد ليأخذ ما استدانه كي يعيدهم إلى صديقه لاعتقادي الكامل أنه قد أخذهم منه. إذهب على الفور ولا تتأخر وبلّغه سلامنا، وأخبره مفصلاً بما حدث معك، وقُل الصدق ولو فيه المشقة، ثم اعتذر إليه وقبّل يديه وجبهته وقل له هكذا أوصاني صديقك أبو كمال.
واعلم يا بني أن الرجال الكبار أمثاله إنما كبر مقامهم في عشيرتهم بسبب رجاحة عقلهم وسعة حلمهم. ثم ذكر له أن الشيخ المظلوم تبرع يوماً بخمس ليرات ذهبية لنازحين من أبناء منطقته إلى بلاد الجليل بعد ثورة الـ 25 رغم كونه مهجّراً ووضعه المادي صعباً للغاية وأبلغه أيضاً أنه دفن ولده سليم وشقيقه قاسم بيديه في أرض المعركة قرب مرجعيون خلال ثورة الخمس والعشرين، وعندما عاد إلى بيته مع رفاقه الثوار طلب إلى زوجته إحضار الطعام كي يأكل الجميع، قبل أن يخبرها أنه فقد فلذة الكبد وعينه اليمين.
بعد سماع كل هذه الأنباء والمآثر عن الشيخ توجه الشاب إلى بلدة شويا وهو يضطرب خجلاً وعند وصوله رمى بنفسه على قدمي الرجل محاولا أن يقبّل رجليه لكن الشيخ أبو يوسف ردعه مستهجناً قائلاً له:
استغفر الله، استغفر الله، هذا لا يجوز.
ثم قصّ الشاب له ما حدث معه وكيف أوصاه صديقه الشيخ أبو صالح بالعودة فوراً وتقديم الإعتذار قبل الدراهم آنذاك.
تبسّم الشيخ أبو يوسف وقال: إجلس يا بني، إجلس. سامحك الله وأبرأ ذمتك. ولتكن فعلتك كما يقول المثل «لكل نفس غفلة، ولكل فرس كبوة.»

أقوال في المروءة
وعلو الهمّة

أربعة تؤدي إلى أربعة :
1. الصمت إلى السلامة.
2. البــــر إلى الكرامــة.
3. الجــود إلى الســـيادة.
4. الشـــكر إلى الزيــادة.
أربعة تعرف بأربعة:
1. الكاتب بكتابـــه.
2. العالم بجوابــــه.
3. الحكيم بأفعالـــه.
4. الحليم باحتمالـه.
أربعة لا يخلو منها جاهل:
1. قــــول بلا معنـــــى.
2. فعــــل بلا جــــدوى.
3. خصومة بلا طائــل.
4. مناظرة بلا حاصـل.
أربعة من علامات اللئيم:
1. إفشاء الســــر.
2. اعتقاد الغــدر.
3. غيبة الأحرار.
4. إساءة الجوار.

لغز الحلاج

لغــــز الحــــلّاج

هل كان متعجلاً في البوح بالأسرار
أم مشى بإرادته إلى التضحية الكبرى؟

كان مثالاً ساطعاً على ما يمكن للحب الإلهي أن يصنعه في العاشق
وقد ذاق من كشوفات العشق ما أحرق في قلبه كل تعلق بالحياة

دافع الغزالي عن شطحاته باعتبارها «سكراً صوفياً»
وحذره الجنيد من البوح بالأسرار وتنبأ بصلبه

من أقواله
ما تمذهبت بمذهب أحد من الأئمة جملة
وإنما أخذت من كل مذهب أصعبه وأشدّه

«بلغ الحلاّج قمّة الكمال والبطولة كالنســـــر في طرفـــــة عيــن»

جلال الدين الرومي

دخل الحسين بن منصور الحلاج التاريخ الإسلامي كأشهر الصوفيين الذين قتلوا على يد الدولة والمؤسسة الدينية الرسمية، وقد تعرّض الحلاج لميتة شنيعة إذ قطعت أطرافه وحزّ رأسه وأنزل جثمانه عن منصة الصلب وأحرق وألقي رماده في نهر دجلة. وكان لميتة الحلاج بهذه الطريقة وقع عظيم في التاريخ الإسلامي بل الإرث الروحي العالمي، ثم أدى اكتشاف مفكر فرنسي يدعى لويس ماسينيون لشخصية الحلاّج في مطلع القرن العشرين الماضي، من ضمن اهتمامه بدراسة الإسلام، إلى افتتان تام من قبله بهذه الشخصية الغامضة والعبقرية، مما جعله يكرّس معظم حياته الأكاديمية للتنقيب في آثار الحلاج ومحاولة تكوين رواية دقيقة عن حياته وزمانه وتعاليمه مستعيناً ببحث حثيث في الآثار والمدونات الإسلامية، وساهم كتاب ماسينيون الذي أصدره بالفرنسية عام 1922 بعنوان «آلام الحلّاج» في اشتهار أمر هذا الصوفي بصورة غير مسبوقة وتحوّله إلى مادة غنية تلهم الشعراء والكتاب ومفكري الصوفية المعاصرين.
أظهر ماسينيون أن الحلاّج مات مظلوماً ونتيجة لبيئة الدسائس والصراعات الحادة للعقائد الإسلامية المختلفة في زمن الخليفة المقتدر. وقد دهش ماسينيون لحياة الحلاّج المضطربة وتعاليمه الجريئة ولمح فيها شبهاً كبيراً بحياة المسيح، إذ كان الحلاّج وعلى غير عادة الصوفية يخرج إلى الأسواق ملقياً دروسه بين العامة كما أنه الوحيد بين كبار الصوفية الذي استخدم القوى الخارقة والكرامات وأظهرها على الملأ، فكان حسب إبن الأثير يخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمدّ يده في الهواء فيجتمع فيها دراهم ضرب عليها «لا إله إلا الله» فينثرها على الناس -وكان يسميها «دراهم القدرة»- أو كان ينبئ الناس بأسرارهم ويخبرهم بما يأكلون في بيوتهم وما يدخرون. وبنى ماسينيون هنا مقارنة أيضاً بين الحلاج وشخصية عيسى بن مريم وما كان يجري على يديه من خوارق بين الناس بإذن ربه.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن أوساط الصوفية في كل الثقافات تزخر بقصص الكرامات، لكن أحد أهم آداب الصوفية هو تحريم إظهار تلك الكرامات لأنها تورث العجب وتقطع الطريق، وقد ربط بعض خصوم الحلاّج بين القدرات التي كان يظهرها وبين رحلته الطويلة إلى الهند والتي اختلط خلالها بكهان الهندوس وفقرائهم.
لكن سواء جلب الحلاّج معه تلك القدرات من رحلته إلى الهند أم اكتسبها من باب المجاهدات فإنه اعتبر مخالفاً لقواعد الصوفية بعرض تلك القوى للعامة ولأنه هتك بذلك أستار الحقيقة وعرّضها لسوء الفهم، كما سبّب الحرج والضيق لمشايخ زمانه من اهل الكتم والرصانة والبعد عن فضول العامة والشهرة.
ثم زاد الحلاّج على تلك السابقة تركه لتقليد الصوفية بمراعاة عقائد العامة والكتم وعدم التصريح بحقائق الاختبار الصوفي وأحواله بما يتجاوز التلميح أو حتى تجاهل السؤال كما فعل أبو حامد الغزالي عندما سئل عن حقيقة اختباره الصوفي فأجاب باقتضاب: «ظن خيراً ولا تسأل عن الخبرِ».
أخيراً فإن صخب الحلاج وتحركه الواسع بين الناس وأسفاره وحتى دخوله في الاختلافات السياسية التي كانت تدور في كواليس الدولة وفي بعض أمصارها ساهمت في استثارة الحاكم وقيام تحالف واسع من الخصوم ضده وابتعاد حتى رفاق الصوفية المشهورين مثل الجنيد وأبو بكر الشبلي وعمر المكي عنه وتنصلهم من بعض أقواله.
السؤال الكبير في قصة الحلاّج هو لماذا قرّر هذا الصوفي الجليل ذو المواهب والرؤى العرفانية واللغة الساحرة في قوة تعبيرها ومشاعر الحب المتدفق، أن يخرج عن تقليد الصوفية بالكتم فيبوح بأسرار وأحوال كانت حتماً دون طاقة العامة أو حتى المؤسسة الدينية على الفهم أو الاحتمال؟ هل كان أخرق فعلاً بمعنى أنه لم يكن يدرك تبعات عمله (وهذا مستبعد من رجل برجاحة عقله ومكانته الروحية وذكائه) أم أنه سعى بعلمه وإرادته لأن يكون مشروع شهيد؟ وفي جميع الحالات كيف نفهم الحلاّج وكيف نفهم مأساته؟ وهل سعت تلك المأساة وما رافقها من عذابات إليه أم أنه على ما يرجح سعى إليها؟ وما هو السر الذي أخذه معه على خشبة الصلب؟
هناك لا شك في ذلك سرّ كبير في حياة هذا الصوفي، بل إن حياته كلها من بدايتها وحتى نهايتها لغز كبير، وقد أغرق الحلاّج الناس في حيرة كبيرة عندما كان حياً ودفع بهم إلى حيرة أكبر بل إلى اندهاش وذهول بموته، وأكبر دليل على حياته اللغز هو الانقسام الكبير الذي قام حوله بين تقديسه من قبل أتباعه والدفاع عنه بل تعظيمه من قبل أعلام كبار مثل الغزالي وجلال الدين الرومي وبين اعتباره زنديقاً مارقاً من الدين من قبل بعض أوساط المؤسسة الدينية وعلماء كبار مثل إبن تيمية.

بعض الإشارات التي قد تساعد في فهم لغز الحلاج:

لويس ماسينيون في مصر
لويس ماسينيون في مصر

• مجاهداته القاسية جداً
روى ابن الأثير أن الحجاج قدم من خراسان إلى العراق وسار إلى مكّة فأقام فيها سنة في الحجر لا يستظل تحت سقف شتاء أو صيف وكان يصوم الدهر فإذا جاء العشاء أحضر له الخادم كوز ماء وقرص خبز فيشرب الماء ويعض من القرص ثلاث عضات من جوانبه ويترك الباقي، ولا يأكل شيئاً آخر النهار. وكان شيخ الصوفيين في مكة عبد الله المغربي يأخذ أصحابه إلى زيارة الحلاّج فلم يجده في الحجر وقيل قد صعد إلى جبل أبي قبيس، فصعد إليه فرآه على صخرة حافياً مكشوف الرأس والعرق يجري منه إلى الأرض. فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلمه وقال: هذا يتصبر ويتقوى على قضاء الله وسوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدرته. بعد ذلك روى أحد تلامذته أنه كان أحياناً لا ينام مضطجعاً بل واقفاً أو كان ينام القرفصاء لساعة واحدة.

• خصومته الشهيرة للنفس
اشتهر الحلاّج بخصومته الحادة لنفسه، وهو تقليد صوفي يعتبر النفس الأمارة أكبر قاطع للترقي الروحي لكن الحلاج ذهب في تلك الخصومة إلى شوط لم يبلغه أي من الصوفية لا من قبل ولا من بعد. فمن أقواله «إن النفس أخبث من سبعيني شيطان» وقد دخل بعد حجته الثالثة والأخيرة إلى مكة في مرحلة مختلفة تماماً عن مسيرته السابقة، إذ وصل بعدائه لأهواء النفس إلى دعوة الناس لقتلها -أي عملياً لقتله، ففي جواب على سؤال أحد المقربين منه قال إنه يسعى لـ «قتل هذه الملعونة» وقصد بذلك النفس الأمارة ثم أضاف:« ولكنني أغريهم على الحق، لأن عندي قتل هذه من الواجبات، وهم إذا تعصبوا لدينهم يؤجرون». وهذه المقولة سيعود إليها الحلاّج في ما بعد في أكثر من مناسبة وهي أنه من واجب الناس أن يقتلوه «تعصباً لدينهم» وأنهم بذلك يؤجرون. وكان في أوجّ تمرده وقبل فترة من سجنه تمهيداً لمحاكمته يمشي في أسواق بغداد صائحاً بالناس: «أيهــــا الـنـاس ، اعلموا أن الله قد أباح لكم دمي فاقتلوني، اقتلونــي تؤجروا وأسترح، اقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدين وأكتب أنا شهيداً»
وتحدّث أحد تلامذته أنه جاء يوماً لرؤية الحلاّج في داره فرآه في حال من الغيبة يناجي الله، فلما فطن إلى وجوده اعتدل وجلس وقال له اقترب ولا تخف ثم قال: يا بني إن بعض الناس يشهدون عليَّ بالكفر وبعضهم يشهدون لي بالولاية، والذين يشهدون عليَّ بالكفر أحب إليَّ من الذين يقرون بالولاية.
سألته، كيف يكون ذلك؟ أجاب: لأن الذين يشهدون لي بالولاية من حسن ظنهم بي، والذين يشهدون عليّ بالكفر يشهدون تعصُّباً لدينهم، ومن تعصب لدينه أحبُّ إلى الله ممن تعصب لأحد.
ثم قال لي: كيف أنت يا إبراهيم، حين تراني وقد صلبت وقتلت وأحرقت؟ وذلك أسعد يوم من عمري جميعه!

• استعداده وتقبله للبلاء
كان الحلاّج إذاً مطلعاً في سره على نهايته المرتقبة وكان مستعداً لها بل ومرتقباً لها كما لو كانت الخاتمة المحررة له من وهم وجوده. وبالطبع كثير من الدهريين يجدون صعوبة في فهم هذا القول لكن الحلاّج مثل الكثيرين من الصوفية كان يعتبر الموت خلاصاً من ربقة الجسد والنفس وبلوغ الأرب الأكمل، وفي أدبياته النثرية والشعرية أكثر من إشارة إلى أنه كان متألماً في بدنه وفي سجن الدنيا، وكان من شدة ولعه بالله تعالى يضيق صدره بأيامه ولا يقرّ له قرار فكان لذلك دائم الأسفار هائماً في الاقطار لا يكاد يحط رحاله في أرض حتى يعود فيوجه وجهه نحو أرض جديدة. أليس هو القائل:
«لو قطعتني بالبلاء إرباً إرباً ما ازددت إلا حباً حباً»
وفي إحدى مناجياته قوله:
«والخلق كلهم أحداث ينطقون عن حِدث، ثم إذا نطقتُ عن القِدم ينكرون عليّ ويشهدون بكفري، ويسعون إلى قتلي، وهم بذلك معذورون، وبكل ما يفعلون بي مأجورون».

” لم يتردد في إظهار الخوارق العجيبة كأن يرفع يده في الهواء ويعيدها وقد امتلأت دراهم ينثرها في الأسواق أو يخبر الناس بأسرارهم وأدق خواطرهم “

• توسّله لربّه
بل إن الحلاّج كان حتى في مناجياته يتوسل إلى ربه أن «أسألك أن لا تردني إليّ بعد أن اختطفتني مني، ولا تريني نفسك بعد أن حجبتها عني، وأكثر أعدائي في بلادك، والقائمين لقتلي من عبادك» فهنا الحلاج يبتهل لربه العزيز أن يكثر من أعدائه القائمين على قتله، وهذا كلام مدهش لأنه يعكس شعور رجل موله بالله تعالى ويستعجل اللقاء ورفع الغطاء والبلاء المنجي وسقوط الحجاب الجسماني.
فاعلموا أني شهيد ..
وفي مقطع شعري جميل يتنبأ الحلاّج بموته المرتقب شهيداً للحب الإلهي فهو يقول:
لا تـَلمنّــــــــــــي فاللـــــــــــــــوم منــــــــــّي بـــعيـــــــــــــــــــــــــــــــد وأَجِـــــــــــــــــــرْ ســــــــــــــــــــــيـّدي فإنـــــــــــــّي وحيــــــــــــــــــــــــد
إنّ فـــــــي الوعد وَعْـــدك الحقّ حقاً إنّ فــــــــي البدء بدء أمـــــــري شـــديــــــــــــــــد
مَـــــن أراد الكتـــــــاب هذا خطـــــــابــــــي فـــــــاقـــــــرأوا وأعلمـــــــــوا بأنّـــــــــــــــــي شـــهيـــــــــــــد
ثم وقبل يوم من تنفيذ الحكم بصلبه وقتله، بعث الحلاج برسالة بليغة إلى صديق له أعرب فيها عن فرح كبير وصفه بهذه الكلمات:
«دنا ميقات الانبعاث، وكوشف أبو الغيب بالغياث، فعلام الحزن والأمر هُيّىء وفيم القلق والصراط سويٌّ، فالله الله إخوان الصفاء مِن شكٍّ يتداخل الجوانح، ومن غشٍّ يتمالك الجوارح، الحبيب استزار حبيبه، والمريض أمّ طبيبَه، وفي غد يكون العرس فانتقبوا، تناولت صفات الصفات، ودنا الأجل للميقات، وفي غد تسفر سافرة المكتوم، وتبرز مخبّآت الصدور، وما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبِّه لهم.»

• نبوءة الجنيد
ذكر أن الحلاج افترق أخيراً على خلاف مع الجنيد الذي حاول نصحه بالإعتكاف والإعتدال في تعبيراته الشعرية التي باتت تميل نحو الشطح حاملة دعاوى جريئة لا يقبلها الشرع. ويبدو أن الجنيد ختم الجلسة بسؤال غريب للحلاّج قال فيه: أتدري أي خشبة ستفسدها؟ في ما بدا أنه نبوءة من مرشده بنهايته المرتقبة على منصة الصلب. وقد أجاب الحلاّج على ذلك بالقول: «عندما سأكون أنا على الخشبة ستكون أنت بين مشايخ الرسوم» أي أن الحلاّج تنبأ أيضاً أن أستاذه الجنيد سيأخذ في النهاية جانب الشرع ويتركه يواجه مصيره لا من قبيل الإساءة بل من قبيل الغيرة على طريق الصوفية بعد أن قرر الحلاّج التفرد بمواقف لا سبيل للتصوفية بمجاراتها.
في كل ما سبق نستنتج أن الحلاّج كان يتبع مصيراً مرسوماً وقد أنبأ هو به كما أنبأه به أستاذه، لكن ما لا يمكن لأحد أن يعلمه -وهذا هو أحد جوانب اللغز الحلاجي- هو هل كان الحلاّج يسعى بنفسه إلى ما حصل أم أنه كان ببساطة ينبئ بما قد كتب ويقبل به كتضحية كبرى في طريق العشق الإلهي والفناء التام بالله.
وقد أجاب شاعر الصوفية الأكبر جلال الدين الرومي على هذا السؤال بأسلوب التورية الرائع الذي اشتهر به إذ قال:
«بلغ الحلاّج قمّة الكمال والبطولة كالنســـــر في طرفـــــة عيــن ».

• خطاب لا ينسى
أما الحلاج نفسه فقد أجاب على السؤال بمشهده الذي لا ينسى على خشبة الصلب في مناجاة فريدة طلب فيها الصفح لقاتليه بكلمات فيها من الجلال والعظمة بقدر ما حملت من جمال التعبير والطهارة ورقة الشعور. من ما قاله:
«وهَؤَلاءَ عِبَادُكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِى
تَعَصُّباً لدِينكَ وتَقَرُّباً إليْكَ فاغْفرْ لَهُمْ !
فإنكَ لَوْ كَشَفْتَ لَهُمْ مَا كَشَفْتَ لِي لما فَعَلُوا ما فَعلُوا
ولَوْ سَتَرْتَ عَنِّي مَا سَترْتَ عَنْهُمْ لما لَقِيتُ مَا لَقِيتُ
فَلَكَ التَّقْديرُ فِيما تَفْعَلُ ولَكَ التَّقْدِيرُ فيِما تُرِيدُ»
ثم وجه الحلاج كلامه إلى جلاديه وإلى الجمهور الذي اجتمع على مشهد الصلب وتلا عليهم فعل الفرح بنبذ الوجود الشحماني والفناء السعيد بالله. ومما جاء في شعره:
اقــــتــــــــــلــونـي يــــــــــــــــا ثـــقـــــــــــاتــــــــــــــــي إنّ فــــــي قتــــْلـــــــــي حياتــــــــــي
وممـــــــــــــــــــاتـي فــــــــــي حياتـــــــــــــــي وحيــــاتـــــــــــي فـــــــــي ممـــــــاتــــــــــــــي
أنّ عندي محْو ذاتــــي مــــــــــــن أجّـــــــــــل المكــــــرمـــــــــات
وبقائــــــــــــــي في صفــاتـــــــــــــــي مـــــــــــــــن قبيــــــــــــــح السيّئـــــــــــــــات
سَئِمَتْ نفسـي حياتــــي فــــــــي الــــــرســوم البـــــاليـــــــــات
فاقتلـــونـــــــــي واحــرقــونــــــــــــي بــــــعظـــــــامـــــــــــــــــــي الفـــــــــانيــــــــــــــــات
ثـــــــــــــم مــــــــــــــــــــــــــــرّوا بـــــــرفـــــــــــــــــاتـــــــــــي فــــي القبـــــــور الدارسـات
تجـــــــــــــــــدوا ســـــــــرّ حبيبـــــــــــــــــي فــــــي طـــوايـــــــــــــــــا البـــــــاقيـــــــات
إننـــــــــــــــــــــــي شيـــــــــــــــــــــــــخ كبيــــــــــــــــــــــــر فـــــــــــي علـــــــــــوّ الدارجـــــــــــات
ثــــــــــــــــم إنـّي صـــــــرتُ طفــــلا في حجور المرضعــات
كان الحسين إبن منصور الحلاج مثالاً ساطعاً على ما يمكن للحب الإلهي أن يصنعه في العاشق، وقد ذاق من كشوفات العشق، حسب ما عبّر في شعره، ما أحرق في قلبه كل ذرة تعلق بالحياة الفانية، بل أدى ما ذاقه من أنوار الكشف والغيبة في الحقيقة إلى حال بات معها متضايقاً من وجوده المادي، وقد بات يرى فيه سجناً وعذاباً هان عنده عذاب الخلاص العنيف من الأسر الشحماني. وكان الحلاج في ذلك ولا شك فريداً وغريباً بل وصادماً. لقد كان طريق التصوف على الدوام شاقاً لا قبل بالثبات عليه إلا لأولي العزم من الصفوة المختارين، وقد شرح الحلاج مدى وعورة هذا الطريق بالقول في رسالة كتبها إلى أحدهم قال:
«عزّ من يقصد هذا الطريق، وقلّ ثم عزّ من القاصدين من يسلكه، ثم عزّ من السالكين من يصل إلى المقصود، ويظفر بالمطلوب، وهم الذين اصطفاهم الله معرفة ومحبّة، ومدّهم بتوفيقه وعظمته، ثم أوصلهم بفضله ورضوانه إلى جنته».

جلس في الحرم لسنة كاملة لا يبرح مكانه إلا لحاجة صائما قائما في الشمس الحارقة أو في برد الليل القارس
جلس في الحرم لسنة كاملة لا يبرح مكانه إلا لحاجة صائما قائما في الشمس الحارقة أو في برد الليل القارس

لكن الحلاج ليس وحيداً في هذا الطريق، فقد سار عليه من قبله كثيرون من أهل الصفوة وبلغوا ما بلغوه من ذرى العرفان عبر صنوف المجاهدات والمكابدات، لكن ما انفرد به الحلاج هو ولا شك إندفاعه في معراج الفناء بالله إلى حد القبول بالتضحية الكبرى وهي قتل النفس. لكن لا يضعه ذلك بالضرورة في منزلة أعلى من الجنيد أوالشبلي أو الرومي أو البسطامي أو غيرهم، فهو افترق عن صفوة القوم ليس بأسرار العرفان أو كشوفات الحقيقة بل بمنزلة البلاء وبما نفذ فيه من أمر القدرة لحكمة خفية، وهذه الحكمة جاهد كثيرون في محاولة فك لغزها لكنها ستبقى أمراً خفياً وجزءاً من سر الحلاج الذي سيبقى عند ربه على مرّ الدهور.
يجب القول أيضاً أن الحلاج رغم كل ما أثاره بعض الغلاة والمتعصبين ضده من اتهامات لا يختلف في تعليمه واختباره الصوفي عن عموم مشايخ الصوفية من حيث ورعهم وتقواهم والتزامهم القرآن والسنة وقيامهم بالفرائض والسنن وهذا المبدأ مقر في جميع الطرق وفي كل تعاليم الشيوخ. وها هو الحلاج نفسه يخبر:
«ما تمذهبت بمذهب أحد من الأئمة جملة، وإنما أخذت من كل مذهب أصعبه وأشدّه، وأنا الآن على ذلك، وما صلّيت صلاة فرض قط إلا اغتسلت أولاً، ثم توضأت لها، وها أنا ابن سبعين سنة وفي خمسين سنة صليت صلاة ألفي سنة كل صلاة قضاء لما قبلها»
أما الشطحات التي نطق بها في بعض تعابيره الشعرية أو بعض ما نقل عنه فإنها لم تكن مختلفة كثيراً عن بعض ما قاله أبو بكر الشبلي أو أبو يزيد البسطامي وغيرهما لكن الفارق أن الشبلي الذي تعرّض لخطر اتهامه بالزندقة تراجع عما نسب إليه وادعى الجنون بل إنه ذهب إلى المارستان (دارحفظ المجانين) لبعض الوقت للتأكيد على أنه قال ما قال في حال من فقدان الإدراك، بينما رفض الحلاج الاعتذار عن تلك الشطحات أو تبريرها. لهذا السبب قال الشبلي بعد مقتل الحلاج :أنا والحلاج أمر واحد لكن جنوني أنقذني وعقله قتله».
وقد دافع المتصوفة الذين جاءوا بعد الحلاج، بل وبعض علماء الدين عنه وعلى رأس هؤلاء الإمام أبو حامد الغزالي الذي لم يتردد في أخذ جانب الحلاج فكتب في كتابه «مشكاة الأنوار» أن شطحاته مثل قوله «أنا الحق» أو «ليس في الجبة إلا الله» وإن كانت تعابير ينبو السع عنها وعن ذكرها إلى أنها انبعثت من حال سكر سببه فرط الوجد والمحبة كمثل قول الحلاج:
أنا من أهوى ومن أهوى أنـــــا نحــــن روحان حللنــــا جسدا
فــــــــــــــــإذا أبصــــــــــــرتنــــــــــــي أبصــــــرتــــــــــــــــــــه وإذا ابصــــــــــــرتـــــــــــــــــــه أبصــــــــــرتنـــــــــــــــــــــــــــــا
وفي الحقيقة فإن أكثر الذين دافعوا عن شطحات الصوفية ردّوها غالباً إلى حال السكر التي قد تعتري الصوفي فينطق خلالها بأقوال هي من وارد عالم غيبي قد لا يمكن شرحها أو تفسيرها بعنصر المنطق أو العقل.
• الصحو والسكر
وقد شرح الحلاج بنفسه منابع تلك الشطحات عندما قال: «من أسكرته أنوار التوحيد حجبته عن عبارة التجريد، بل من أسكرته أنوار التوحيد نطق عن حقائق التوحيد، لأن السكران هو الذي ينطق بكل مكتوم» لكن ما هو المكتوم؟ إنه أنوار الحقائق اللدنية التي تنجلي للصدور لكن لا يكون لأي تعبير أو لغة القدرة على وصفها أو شرحها. وهذا ما قصده الحديث القدسي الذي حمل وعد الله جل وعلا لعباده الصالحين بـ «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» لأن الحقيقة ليس من صنف الخاطر البشري ولا يمكن تصورها أو وصفها، وهذا أصل ورطة الصوفي المنخطف بأنوار التحقيق والتوحيد عندما يسعى للتعبير عن اختبار لا ينتمي إلى عالم اللغة أو قاموس الأحاسيس البشرية.
لكن الحلاج كان شديد الوضوح في رفضه للحلولية إذ جاء في قول له:
«من ظن أن الألوهية تمتزج بالبشرية، أو البشرية تمتزج بالألوهية فقد كفر، فإن الله تفرّد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشـــبهونه بشـــــيء من الأشــــياء، وكيف يُتصور الشبه بين القديــــم والمحدث؟»
وليس هناك أوضح من هذا التأكيد على أنه لم يدع هذه الأمور وإن من الضروري بالتالي التفريق بين آرائه الصوفية في حال الصحو وبين بعض التعبيرات التي صدرت عنه في حال الغيبة عن نفسه والسكر الصوفي.
وهو في مكان آخر يصف التحقق الصوفي بأنه «الاستهلاك في حقائق الحق، والفناء عن جميع صفات الحق» وهذا الوصف يشترك فيه جميع الصوفية ومفاده أن العبد عبد والرب رب وأنه لا امتزاج ممكن بين القديم والمحدث. وللحلاج أدعية ومناجيات في غاية العذوبة يخاطب فيها ربه جل وعلا ويشكو تباريح الشوق التي تلهب كيانه فهو بكل بساطة عبد ثمل في الله.
وهناك عبارة جميلة يصف بها الفناء في الله (وليس الحلول المزعوم) يقول:
إذا اراد الله أن يوالي عبداً من عباده فتح عليه باب الذكر، ثم فتح عليه باب القرب، ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم يرفعه عن الحجب، فيرى الفردانية بالمشاهدة، ثم أدخله دار الفردانية، ثم كشف عن الكبرياء والجمال، فإذ رفع بصره على الجمال بقي بلا هو، فحينئذٍ صار العبد فانياً، وبالحق باقياً، فوقع في حفظه سبحانه، وبُرِّئ من دعوى نفسه».
هذه مقدمة موجزة ليس الهدف منها تقديم تحليل شامل للشخصية الملغزة والفريدة للحسين بن منصور الحلاج، فهذا الأمر يتطلب الكثير وهو موضوع واسع، لكن الهدف هو تقديم صورة حقيقية عن شخصيته بما يساعد على تذوق الأقوال والتعبيرات الشعرية الرائعة -التي سنورد مقتطفات وأمثلة منها- وفهمها في إطارها وسياقها، وربما أيضاً محاولة التأمل في بحورها العميقة. وهذه المقتطفات نعرضها في الجزء التالي.

مقام الحلاج
مقام الحلاج

الحسين بن منصور الحلاّج

الحلاّج هو الحسين بن منصور المولود عام 858 م. في قرية طور في الشمال الشرقي لمدينة البيضاء من مدن مقاطعة فارس بإيران ومن أبنائها العلامة النحوي سيبويه.
بعد ولادته انتقل والده بالأسرة من بلدته وتوجه إلى واسط في العراق، وهي مدينة بناها الحجاج الثقفي، وكانت تلك الناحية من العراق مشهورة بزراعة القطن وتصنيعه، وعمل والده في حلج القطن فسمي الحلاج وانتقلت الكنية إلى الحسين.
وروى ابن خلكان في وفيات الأعيان ان الحسين ابن منصور ساعد رجلاً من واسط – وهو قطان- في حلج قطنه وغاب الرجل عن محله لبعض الوقت وعندما عاد وجد كل قطنه محلوجاً وكان 24 ألف رطل فذهل وأطلق على الحسين، لقب الحلاّج فلازمته الكنية بعد ذلك.
وروى ابن كثير أن أهل الأهواز أطلقوا عليه هذه التسمية لأنه كان يكاشفهم بما في قلوبهم فسموه «حلاج الأسرار».
لفت الحسين ابن منصور إليه الأنظار منذ طفولته بذكائه المتوثب وروحه المنطلقة وحبه للعلم والمعرفة وقد حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره وتعمّق في معانيه واشتهر بعزيمة هائلة في ممارسة الرياضات والمجاهدات الروحية ولم يعرف اللهو في حياته وكان كثير الصلاة والتأمل والخلوة.
أمضى الحلاّج صباه متنقلاً بين كتاتيب واسط في العراق، ثم انتقل إلى تستر حيث درس على يد سهل ابن عبد الله التستريّ، ثم إلى البصرة لينشئ علاقة طيبة مع عمرو بن عثمان المكّي الصوفي. ثم ترك البصرة قاصداً بغداد حيث طلب صحبة الشيخ الجنيد. تعرف أيضاً على أبي بكر الشبلي فيكون قد درس على يد أربعة من كبار متصوفة الإسلام.
كان ظاهرة غريبة لفتت الناس وأصبح اسمه على كل شفة ولسان بسبب هيبته وأقواله وكراماته وقد كان يعاشر الأمراء والقواد كما كان يلبس أحياناً لباس الفقراء وينزل داعياً في الأسواق. أرتحل الى خراسان ومعه العشرات من الاتباع يدعو الناس الى حب الله عز وجل وقضى خمس سنوات من التجوال قبل ان يعود الى الاحواز، ثم عاد الى مكة المكرمة مرة اخرى مع 400 من اتباعه وعاود الاختلاء بنفسه معتصماً بقمة جبل ابي قبيس. بعد حجته الثانية خرج الى رحلته الكبرى في سبيل الدعوة الى تركستان والهند واعتنق الاسلام على يديه خلق كبير جداً. وصل السند وكشمير الى طرفان وعظم امره في بلاد ما وراء النهر والهند والصين فكانوا يكاتبونه من الهند ويلقبونه «المغيث « أما أهل الصين فقد أطلقوا عليه لقب «المعين».
كان جريئاً في مواقفه ومقالاته فقد انتقد بطانة الخليفة كما انتقد المعتزلة وأيد الحنابلة وهم أشد خصوم المعتزلة وانتقد دور بعض كبار الموظفين النصارى في قصر الخليفة ومنهم ابن النوبخت الذي سيلعب دوراً مهماً في الكيد له وترتيب قتله.
لكن اللاعب الأهم في قتل الحلاج كان الوزير حامد الذي تمكّن من حبسه لسبع سنوات في دار المقتدر وأمضى تلك المدة في محاولة ترتيب محاكة له تؤدي إلى اتهامه بالزندقة وتبرر قتله وقد فشل حامد معظم تلك المدة لأن عدداً من القضاة لم يجدوا دليل إدانة أو تحرجوا من ظلم الحجاج كما ثارت الناس في الشارع وحصل هرج ومرج. أخيراً تمكن الوزير حامد من تشكيل محكمة جديدة جمع فيها بعض ألد خصوم الحجاج واستصدر حكماً بالقتل بالاستناد إلى فتوى منسوبة إلى مذهبه بإمكان الاستعاضة عن الحج بالصوم وبإطعام وكسوة ثلاثين يتيماً ومنحهم صدقة، وتفرّق الناس.وكتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله ، وأبطأ المقتدر الجواب يومين فكتب له «إن ما جرى في المجلس قد شاع وانتشر ومتى لم يتبعه قتل الحلاج افتتن الناس به». وتدخل القائد مؤنس بنفوذه العسكري الكبير لدى الخليفة الذي رضخ وأعطى أخيراً الإشارة بقتل الحلاج. فسلّمه الوزير إلى صاحب الشّرطة، فضربه ألف سوط فما تأوّه، ثمّ قطع يده، ثم رجله ثم يده، ثمّ رجله، ثمّ قُتل وأُحرق بالنار، فلمّا صار رماداً أُلقي في دجلة، ونصب الرأس ببغداد، وأُرسل إلى خُراسان لأنّه كان له بها أصحاب.
وقتل الوزير حامد بن العباسي بعد ذلك أفظع قتلة وأوحشها بعد قتل الحلاج وقطعت يداه ورجلاه وأحرق داره .

التلبية
لبّيـــــــكَ لبّيـــــــــكَ يـــــــــــــا ســــــــــرّي و نجــــــــوائـــــــــــــــــــــــي لبّيــــك لبّيــــــك يــــــا قصــدي و معنائـــي
أدعــــــــــــوك بـــــلْ أنت تدعونـــي إليك فهـــــلْ نـــــــاديــــــــتُ إيّــــــــــاك أم ناجيــــــتَ إيّــــــــــــائـــــــــــــــي
يـــــا عين عين وجودي يـــا مدى هممي يــــــــــا منطقــــــــي و عباراتــــــي و إيمائــــــــــي
يـــا كـــــــــــلّ كـــلّي يــــا سمعــــــي و يـــــــا بصـــــــري يا جملتي و تباعيضي و أجزائي
يـــا كـــــــلّ كـلّـــــي و كـــــــــــلّ الكــــــــــــــــــــلّ مـــــــــلتبـــــــــــــــس و كــــــــــــــــل كـــــــلّــــــــك ملبـــــــوس بـمعنــــــــــــــائــــــــــــي
يـــا مــــــن به كـلفَــــتْ روحــــي فقد تلـــــفـــــت وجدا فصرتَ رهينا تحت أهوائـــــي
أبكي على شجني من فرقتي وطني طـــــوعاً و يسعدني بالنوح أعدائــــي
أدنــــــــــو فيبـــــعدنــــــــــــي خــــــــــــــوفــــــــي فــــــــيقـــلقــــــنــــــــــي شـــوق تمكّن في مكنون أحشائــي
فكيـــــــــــف أصنــــــع فـــــي حبّ كَــلِفْتُ بــــــــــــه مولاي قد ملّ من سقمي أطبّائـــــي
قـالـــــــــوا تـــــــــــــــداوَ بـــــــــــــــــــــــه منـــــــه فقــــلــــــــــت لـــــــــــهــــــــــــم يــــــــــا قوم هل يتداوى الداء بالداء؟!
حبّــــــــــــــي لمـــــــــــولاي أضنانـــــــي و أسقـمنـــــــي فكيف أشكــــــو إلى مولاي مولائـــــــــــــــــي

مجاهدة
إنــــــي ارتقيــــــــتُ إلــــــــى طودٍ بـــلا قـــــــــــــــــــــــــدمٍ له مــــــــــَراقٍ على غيري مصاعيــــــــــب
و خُضْتُ بحراً و لم يرسب به قدمي خاضَتْهُ روحي وقلبي منه مـــــرعـوب
حَصْبَــــــــــــاؤُه جـــــــوهرٌ لـــــــم تَدْنُ منـــــــــه يـــــدٌ لكـــــــــنــــــــــــه بِيَــــــــــدِ الأفــــهــــــــــام منهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوب
شــــــــربـــــــــــــــــتُ مـــــــــــن مائــــــــــــه رَيــــــــــــاً بغيـــــــر فـــــــم و الماء قد كان بالأفواه مشـــــــــــروب
لأن روحي قديماً فيه قدْ عطشـــــتْ و الجسم ما مسّــــَهُ من قبل تركيـــــب
إنـــــــــــــــــــي يـــتــيــــــــــــــــــمٌ و لـــــــــــــــي أبٌ أَلــــــــــــــوُذ بــــــــــــــــــــــه قلبـي لِغيْبَتــه،ِ ما عشـْـتُ، مكروب
أعمــــــــــى بَصيــــــــــــرٌ و إنــــــــــي أبْلَــــــــــه فَـــطِـــــــــــــــــــــنٌ و لــي كـــلام -إذا ما شئتُ- مقلـــوب
وفتيــــة عرفــــوا مــــــــا قـــــــــد عــــرفــــــت فَهْــــــمُ صَحْبِيَ ومن يُحْظ بالخيرات مصحوب
تعارفَــــــتْ فــــــي قديـــــــــــم الـــــــــــذّر أَنْفُســـــهـــــم فأشرقَتْ شمســــهم و الدهــر غربيـب

منازل الطريق
سكـــــــــــوتٌ ثـــــــــــــم صمــــــــــــتٌ ثــــــم خَـــــــــــــــــرْسُ و عِــــــــــــــــلْــــــــــمٌ ثــــــم وَجــــــــْدٌ ثــــــم رَمْـــــــــــــــــــــــس
و طـــــــــــــــــــــــــــــــيــــــــــنٌ ثــــــــــــــــم نـــــــــــــــــــــــــارٌ ثـــــــــــــــــــــم نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورٌ و بــــــــــــــــــــــــــــــــردٌ ثــــــم ظــــــــــــــــــــــــلّ ثــــــم شمـــــــــــــــس
و حَــــــــــــــــــــــــــــــــزْنٌ ثـــــــــــــــــــم سهـــل ثـــــــــــــــــــــم قَـــــــــــــــفْــــــــــــــــــــــــٌـر و نــــــــــــهــــــــــــــــــــــر ثــــــم بَــــــــــــــــحْـــــرٌ ثــــــم يَـــــبْـــــــــــــــــــــــــــــــس
و ســــــــــــــــــكر ثــــــــــــــــــم صَحْـــــــوٌ ثـــــــــــم شـــــــــــــــــوقٌ و قـــــــــــــــــرب ثــــــم وفــــــــــــــــــــــــــــــــر ثــــــم أُنْـــــــــــــــــــــــــــــــس
و قَبْــــــــــــــــــــضٌ ثــــــــــــــــــــم بـــــــــــــســــط ثــــــــــــم مَــحْـــــــــــــــــــــوٌ و فـــــــــــــــــــــرق ثــــــم جـــــــــــمـــــــــع ثــــــم طَـــمْــــــــــس
و أَخـــــــــــــــــــــــــْذٌ ثـــــــــــــــــــــم ردّ ثـــــــــــــــــــــــــم جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذبٌ و وصـــــف ثــــــم كشـــــــف ثــــــم لبـــــــــس
عــــــــــــبـــــــــــــــارات لأقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوامٍ تـــــــــــــــــســــــــــــــــاوتْ لـــــــــــــديـــــــــــهـــم هــــــــــــــذه الــــــــــــــــدنـيـــــــا و فِـــــــلْــــــــس
آلام العاشقين
والــلــه لـــــــــــــو حـــــــــلــــــــف الـــــــعــــــــشـــــــــــاق أنـــــــهــــــــم موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
قوم إذا هُجــــروا من بعد ما وصلــوا ماتوا، وإن عاد وصل بعده بعِثـــــــوا
أسرى المحبين صرعى فــــي ديالرهــــــم كفتية الكهـــــف لا يدرون كم لبثــــوا

أهل الأسرار
مَـــــــــــــن ســــــــارروه فأبــــــدى كــــلّا ستـــــــــــروا و لــــم يـــــراع اتّصـالاً كـــان غَشَّاشـــــا
إذا النفوس أذاعت سرّ ما علمـت فكـــل مـــــا حملت مــــــن عقلـــها حـــــــــــــاشــــــــــا
مــــــــــن لـــــــــــــــــم يصــــــــن ســــرّ مولاه و سيّـــــده لـــــــــــــم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
و عــــــــــــــاقبـــــــــــوه على مـــــــا كــان مــــن زَلَـــــَل و أبدلــــــوه مـــــــن الإينـــــــــــاس إيـــــــــحاشــا
هم أهل السرِّ و للأسرار قــــد خُلقــــــــوا لا يصبرون على مــــــــــــــــا كـــــان فحَّاشا
لا يقبـــــــــــــــلــــــــــون مذيــعـــــــــــاً في مجـــــــالسهـــــــم و لا يـــــحبّون سِتْراً كـــــــــــان وَشْواشـــــا
لا يصـــــطفــــــــــــون مذيعـــــــــاً بعْــــض سـرّهـــم حـــــــاشا جلالهــــــــم مــــــن ذلِكم حاشـــــــا
فَكُـــــــــــــنْ لــــهـــــــم و بهــــــــم فــــــي كــــــــــــــلّ نــــــــــــائبــــــــــةٍ إليهم مــــــــــا بقيــــــت الدهـــر هشَّاشـــــــا

الحب المستور
أشـــــــــار لــــــــــــــــــــحـــــــــــــــــظــــــي بـــــــــعــــــــــــــــــيــــــــن عــــــــــــــــــــــــــلـــِــم بــــــــــــــــخـــــــــالـــصٍ مــــــــــــــن خِفّـــــــــي فــــــهـــــــم
و لائــــــــــــــــــــــحٌ لاح فــــــــــــــــــــــــــــــــــي ضــــــــــــــــــــمــيــــــــــــــــــــــــــــــــــري أدقّ مــــــــــــــــــــن فـــــــــهــــــــــم وهـــــم وهمـي
و خضــتُ فـــــــــــــــــي لــــــــــــــجّ بــــــــــــحر فكـــــــــري أمُـــــــــــــــــــــــــــــــــــرُّ فــــــــــــــــيــــــه كــــــــــــمـــــــرّ ســــهــــــــــــــم
و طــــــــــــار قــــــلبــــــــــي بـــــــــــــــريــــــــــــــــــــــــــش شــــــــــــــــــــــــــــوق مركّـــــــــــــــب فــــــــــــي ريــــــــــــــاح عـــزمــــــــــــــي
إلــــــــــــى الـــــــــــــــــــــــــذي إن سُــئــــــلــــــــــــــــــتُ عـــــــــــــــنــــــــــه رمــــــــــــــــــــــــزت رمـــــــــــــزاً و لــــــــــــم اســـــــــــــمّ
حــــتّــــــــــى إذا جُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــزْتُ كــــــــــــــــــــــــــــل حــــــــــــــــــــــــــدّ فـــــــــــــــــــــــي فـــــــــلــــــوات الــدنّـــــــــو أَهْمِـــــــــــي
نــــــــظــــــــــــــــــــــرت إذ ذاك فــــــــــــــــــــــــي سَــــــــــــــــــــجَــــــــــــــــــالٍ فمــــــــا تجـــــــــــاوزتُ حــــــــــدّ رَسْمـــــــــــــي
أتــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــت مــســتـــســــــــــلـــمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا إلــــــــــيــــــــــه حبـــــــــــل قيــــــــادي بكــــــفّ ســـلْمــــــــي
قـــــــــــــــــــــــــــد وســـــــــــــــــــــــــــــم الحــــــــــــــــــــــــــــــــبّ فــــــــــــــــــــــــــــــــــؤادي بميــــــســـــــــــــم الشـــــــــــــــوق أي وشـــــــــــــــــــم
وغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب عنّــــــــــــي شـــهـــــــــــــــــود ذاتــــــــــــــــــــــــــــي بـــــالقــــــــرب حتّى نسيــتُ اسمــــــــي

الدليل
لـــــــــم يبــــق بينـــي و بـــين الحـــــقّ تِـبْــيَــانــــــــــــــــــي و لا دلــــيــــــــــــــــــــــــــــل بــــــــــآيـــــــــات وبــــــــــــــــــــــرهــــــــان
هـــــــــــــــــــــــذا تجـــــــــلّـــــــــــى طـــلـــــــــــــوع الحــــــقّ ِنـــائــــــــــــــــرةً قد أَزْهَـــرَتْ في تلاليــــــــها بســــــلطـان
لا يــعــــــرف الحــــــــــــــــــــــق إلا مــــــــــــــن يُـــــعــــرَّفــــــــــــــــــــــــــع لا يعرف القدمي المحدث الفانـــــــــي
لا يستـــــــدلُّ علـــــى الــــبـــــاري بصــــــنعــــتـــــــــــه رأيْتــــــــُمُُ حَدَثٌــــــــــــــاً يــــــُنْــــبـــــــــــِي بـــــــــــأزمـــــــان؟
كــــــــــــــان الــــــدلـــــــــــــيــل لـــــــــــــــــــــه مــنــــــــــــــــــــه إلــــــــيــــه بـــــــــــــه مِــــــــــــــن شــــــاهدِ الحـــــــــقّ تنزيــــــــــل فرقان
كـــــــــــــــان الـــــــــــــــدليـــــــل لــــــــــــــــــــــه مــــــــنــــــــــــــــــــه بـــــه ولــــــــــــــه حـــــــــــــقــًّا وجدنـــــــــــــا بـــــــــه علمــــــــــا بتبيان
هــــــذا وجودي و تصريحــــي و معتقدي هـــــــــــذا تــــــــــــــــــَوَحــــــــُّدُ تـــــــــوحـــــــيدي و إيمانــــــــــــي
هـــــــــــــــــــــذا عبـــــــــــــارة أهـــــــــــل الانـــــفـــــــــــــــراد بــــــــــــــــــــه ذوي المعـــــــارف في ســـرّ و إعلان
هــــــــذا وجـــــــــــودُ وجودِ الواجديــــــنَ لـــــــــه بني التجانـُـــــس ِأصحــــابي وخُلَّاني
غفلة
و أيّ أرض تـــــــــــــــــخـــلو مـنـــــــــــك حتّى تعــــــالــــــَوا يطــــــلبــــــونك فـــــــــــــي الســــــــمــــــاء
تــــــــــــراهم ينــــظــــــــرون إليـــــــــــــــك جـــــهـــــــــــراً وهـــــــــــــــم لا يـــــبصــــــرون مــــــــن العمــــــــــــــــــــاء

شوق
عــــــــــــــــــجبـــــــــــــــــــــتُ مــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــك و منـّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا مُــــــــــنــــــــْيـــــــــَةَ المــــــُتـَمَــــنّـِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
أدنـيــتـَنـــــــــــــــي مـــــــــــنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك حــــــــــــتـّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى ظــــــــنـــــــنـــــــــــــــتُ أنـــــــــــّــــــــــــــــك أنـــــّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
وغـــــــبــــــــــــــــــــــــــــــــتُ فــــــــــــــــــــــــــــــــــــي الــــــوجـــــــــــــــــــــد حتـّى أفــــــــنـــــــــــيــــتـــــــــنـَـــــــــــــــــــــــــــــــي بــــــــــــــــك عـــنــّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا نعمتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي فـــــــــــــــــــــــــــــــــي حيــاتــــــــــــــــــــــــي و راحـــــــــــتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي بــــــعـــــــــــــــــــــــــــــد دفــــــنــــــــــــــــــــــــــي
مــــــــــــــــــا لـــــــــــــــــــــــــــي بـــــغيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرك أنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــسٌ إذا كــــــنــــــــــــت خــــــوفـــــي وأمنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
يــــــــــــــــــــــا مــــــــــــــــن ريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاض مـــعــــانيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه قــــــــــــــــد حّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوت كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل فـــــــــــــــــــــــــــــنِّ
و إن تــــــــــــــمـــــــنــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــــــــْت شــــــــــــــــــــــــــيْـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا فــــــــــــــــأنــــــــــــــــــــــــــــــت كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلُّ الــــــــتــــــــمــــــنـّـــــــــــــــــــــــــــــــي

توبة
إلــــــــــــى كـــــــــــــم أنـــــــــت فــــــي بــــــــحــر الخطـــايــــــــا تـــــــــــــبــــــــارز مـــــــــــن يـــــــــــــــــــــــــراك و لا تــــــــــــــــــــــــــــراه
وســـمتـــــــُك سمــــــــــت ذي ورع وديـــــــــــــــــن و فعْـــــــــلــــــــــــــك فــــــــعـــــــــــــل مـــتـّــــــبـــــــــع هــــــــــــــــــــــــــــواه
فـيــــــــــــــا مـــــــــــــن بــــــــــــــات يــــــخلـــــــــو بـــــالمعــاصــــي وعـــــــــــيــــــــــــــن الــــــــلــــــه شـــــــــــــــاهــــــــــــــــــدة تـــــــــــــــــــــــــــراه
أتـــــــــطمــــــــــــــع أن تــــنـــــــــــــــــال الـــــــــــعــفـــــــــو مــــــــمّــــــــــــــــــــــن عصيتَ و أنت لم تطلب رضا
أتـــــــــــفــــــــــرح بـــــــــــــــــالــــــــذنــــــــــــــــوب وبـــــــــــــــــــالخطــــــــايـــــــــــــــا و تــــــــــــــــــنـــســـــــــــــــاه و لا أحـــــــــــــــــــــد ســــــــــــــــــواه
فــــــَتـــــــُبْ قـــــبــــــــل المــــــمـــــــــــــات وقــــــــبــــــــل يـــــــــــــــــــــــــوم يـــــــــــلاقــــي الـــعبـــــد مــــــــا كسـبـــــــت يــــــداه

استغفار
إذا دهـــــــــمَــــتـْـــــــــــــك خـــــــــيــــــــــــــــــول الـــــــــــــبـــــــــعــــــــــــــــــــــاد ونـــــــــــــــــادى الايـــــــــــــــــــــــاس بــــــــقطــــــع الـــــرجـا
فـــخُـــــــذْ فــــــــي شمالــــــك تـــــرس الخضــوع و شـــــــــــــــــُدّ اليمــــــــــــين بســــــــــــيف البكـــــــــــا
و نَــــــــــفْـــسَــــــك نَــــــفْــــــسَـــــــك كُـــــــــــــــــــــنْ خــــــــــــائـــــــفـا علـــــــــــــى حـــــــــــــذر مـــــــــن كـــــــــــميـــن الجــــــــفـا
فـــــــــــــــــــــــإن جـــــــــــــــاء الــهـــجــــــــــــر فـــــــــــي ظـــــــــلــــــــمــــــــة فـــــــســـــِرْ فــــــــــي مـــشــاعــــــــــــــل نــور لصفا
وقــــــــــــُلْ لــــــــلــــحبـــــيــــــــــــــــــــب تــــــــــــــــــــــــــــرى ذلـّــــــــــــــــــــــــــــــــتي فـــــــــــجـــُدْ لــــــــــــــــي بعفـــــــــــــــوك قبـــــل الـــــلـــــــــــقـــــــا
فـــــــــــَوَ الـــــــحُــــــــــبِّ لا تـــــنثنِـــــــــــــــي راجــــــــــــــــــــــــــــــــعـــــــاً عــــــــــــــــــــــــــــــن الحِــــــــــــــبِّ إلّا بِعـــَوْض ِالمــــــــــــــــــنـــا

التجلي
ســــــبـــــــحـــــــــــــــــــــــــــان مــــــــــن اظهـــــــــــــــــــــــــــــــــر ناسوتـُـــــــــه ســــــّــــــــــــــــــــــــــــــــر سنــــــــــــــــــــــا لاهوتِه الثــــــاقـــــــــــب
ثـــــــــــم بــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا في خـــلـقــــــــــــــــــــــــــه ظــــــــاهـــــــــــــــــــــــــــــراً فــــــــــــــــــــــــــــي صـــــورة الآكل و الشــــــــارب
حتــــــــــــــــــــــــــــــّى لــــقــــــــــــــــــــــــــد عَــــــــــــــايـَنَـــــــــــــــــــــــــــهُ خَـــلْقـــــــــــــــــــــــُه كــــــــلحْظِـــــة الحــــــــــــــــــــــــاجب بالحــــــاجـب
كتاب
كتبـــتُ ولـــــــم أكــــــــُتبْ إليـــــك و إنـّمـــــا كتبتُ إلى روحي بغــــير كـــــتــابِ
و ذلـــــــــــك أنّ الـــــــــروح لا فرق بينــــهــــا و بيــــن مُحِبـيِّهــــا بِفَصْلِ خطــــــابِ
و كــــــــلّ كتـــــابٍ صادر منـــــــــك وارد إلـيــــــــك بــــــلا ردّ الجـــــواب جــواب

رأيت ربي
رأَيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتُ ربّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي بــــــــــــعـــــــــــــــــــــــــــين قــــلبـــــــــــــــــــِي فــــــقلـــتُ مـــــــن أنـــــــــــــــــــــــت؟ قال أنــــــــــــــــــــــــت
فــــــــليــــــــــــــــــــــــــس للأيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن مــنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك أيــــــــــــــــــــــن و لـيــــــــــــــــــــــــــــــــس أيــــــــــــــــــن بـــــــحيـــثُ أنــــــــــــــــــــــــــت
و لـــــــيــــــــــس لــــلوهـــــــــــــــــــــــــــــــم مـــنـــــــــــــــــــــــــــــك وهــــــــــــــــــــــمٌ فــــيعـــــــــــــــــــــــــــــــــــلـــــم الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوهــم أيـــن أنـــــــــــــــــــــــــــــت
أنـــــــــــــــــــــــــــــــــــت الــــــــــــــــــــــذي حُــــــــــــــــــــــــزْتَ كـــــــــــــل أيـــــــن بــنـــــــــــــــــــــــــــــــحو لا أيـــــــــــــــــــنَ فـــــــــــــــــــــــــــأيـــــنَ أنــــــــــــــــــــــت
فــــــــــفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي بـــــقــــــــائــــــــــــــــــــــــــــــــــي ولا بـــــــــــــقائـــــــــــــــــــــــــــــي و فــــــــــي فــــــنــــــائي وجــــــــــــــــــــــــدت أنــــــــــــــــــــــت
أشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار ســــــــــرِّي إلــــيـــــــــــــــــــــــــــــك حتـــــــــــــــــــــــــــــى فنيـــــــــت عـنـــــــــــــــــي ودمـــــــــــــــــــــــــــــت أنــــــــــــــــــــــــت
أنـــــــــــــــــــــــــــــــت حيـــــــــــــاتي وسِـــــــــــــــــــــــــــــرُ قـــــلبــــــــــــــــــــــــــــــــــــي فــــــحيثـــــمــــــــــــــــــــــــــــا كنــــــــــت كنـــــت أنــــــــــــــــــــــــــت
أحــطــــــــــــــــــــــــــت علمــــــــــــــا بكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل شــــــــــــــــــــــــيء فــكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيء أراه أنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
فـــمُــــــــــــــــــــــن بــــــــــــــالعفـــــــــــــــــــــــــــــــــو يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا إلـــــــــــهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي فــــــليــــــــــــــــــــــــــــــــــس أرجــــــــو سواك أنــــــــــــــــــــــــــت

قريب بعيد
لـــــــــــــي حبيــــــــــــــــــــبٌ أزور فــــــــي الخـــــــــلـــــــــوات حــــــــاضر غائـــــــب عــــــن اللحــــــظــــات
مـــــــــــــــــــــــــــا تـــــــــــــــراني أصغــــــي إليه بسمــــــــــعــي كـــــي أعي مـــا يقــــول من كلمــات؟
كـــــلمــــــــــات مــــــــــــــــــن غــــــيـــــر شكـــــــــــل ولا نُـــــــقـ طٍ و لا مــــــــثـــــل نــــــــــغمــــــة الأصــــــــــــوات
فــــــــــكــــــــــــــأنّـــــــــي مــــــــــــــخاطــــــــــــــــب كنــــــت إيــــــــــــــــــــــــًّا ي علــــــــى خاطري بـــذاتي لــذاتــــــي
ظـــــــــــــــــــــــاهـــــــرٌ بـــــــاطــــــــــــــــنٌ قـــــــريـــــــــــــــــــب بــــــــــــعيـــــــــــــــــــــدٌ وهـــــــــو لـــــــــــم تحـــــــــوه رســــوم الصفـــــات
هــــــــــــــــو أدنـــــــــــــى مـــــــــن الضميــــر إلـــى الــوهـــــ ــــم ِو أخفى مـــــــن لائـــــــح الخطـــــــرات

سر السرائر
ســــــــــــــــرّ الســـــرائــــــــــــــــر مَطْـــــــــوِيٌّ بـــــــــــــــِاثـــــْبــــــــــــــــَات مـــــــن جـــــانب الأُفْق ِمن نور بـِطيَّات
فـــكيف والكــــيف معـــــــروف بظـــاهــره فـــــــالغيــــــب بـــــــاطنــــــه لـلذاتِ بـــالـــذات
تـــــَـــــــــــــاهَ الخــــــلائــــــــــــــقُ فــــي عميـــــاءَ مظـــــلمـــــة قصــــــــــــــــــــــدا و لـــــــــــــــــم يــــــــــــعرفـــــــــــــــــوا غيــــــــــــــــــــــر

الإشارات
بـــــــــالظنّ و الوهم نحـــــو الحقّ مطلبهــــم نــــــــحــــوَ الهــواء يناجون السمــاوات
و الــــــربّ بيـــنهــــــم فــــــــــي كـــــــــــــــــــــل منقـــــلـــــــــــــب مُحـــِلَّ حالاتهــــــم في كـــل ساعــات
و ما خلوا منه طرف عين لو علمـوا و مـــــــــــــــــا خــــــــلا منهــــم فــــــي كـــــــل أوقــــــــــات

كلمة سواء

ملك المودة والصفاء

اللبنانيون بكل فئاتهم سيذكرون الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود كصديق صدوق للبنان، رجل تفرّد بأخلاقه العربية الأصيلة وصدقه مع الجرأة والقوة في الحكم والقيام بأمانة الأمة والبلاد. صحف العالم كلها أبَّنته في صفحاتها الأولى مشدّدة على الدور الكبير الذي لعبه في نقل المملكة إلى عصر الحداثة والتقدّم الاقتصادي والإصلاح وترشيد الإدارة الحكومية. وفي خانة الإصلاحات التاريخية للملك عبد الله إنصافه للمرأة السعودية بإدخالها لأول مرة في مجلس الشورى وهو أعلى مؤسسة تمثيلية في البلاد يعضد الملك في رسم السياسات ويقترح ما يعتقد فائدته من قوانين وتشريعات.
إستكمل الملك الراحل مؤسسات الدولة السعودية فأنشأ المجلس الاقتصادي الأعلى وعزّز دور مؤسسات التنمية الاقتصادية واستحدث الجديد منها بهدف الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما اهتم اهتماماً خاصاً بالمناطق السعودية وبالتنمية المتوازنة في المملكة وركّز على الشباب وعلى التعليم، فأنشأ عشرات الجامعات ومراكز البحوث وأطلق الاستثمار السعودي الكثيف في الطاقة المتجدّدة ولاسيما الشمسية وعزّز سياسات إرسال الشباب السعوديين لنيل أعلى التخصصات العلمية والتقنية في الجامعات الدولية. في عهده، وصل الاقتصاد السعودي إلى درجة من النمو والتأثير العالمي حتمت دعوة المملكة السعودية لتكون دولة عضواً في مجموعة العشرين التي تمثّل أكبر اقتصادات العالم، فأصبحت المملكة بذلك مشاركة ولها كلمتها المسموعة في إدارة الوضع الاقتصادي والمالي في العالم.
إتبع المغفور له عبد الله بن عبد العزيز سياسة مصالحة بين دول الخليج ونجح في معالجة التباينات في ما بينها، الأمر الذي عزّز الوحدة الخليجية وقدرة مجلس التعاون الخليجي على ان يكون منسجماً في مواقفه من القضايا الإقليمية والدولية، كما اتبع سياسة دعم القضايا العربية فوقف إلى جانب لبنان في الملمات وخصوصاً بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري ثم قدّم دعماً كبيراً للبنان بعد حرب تموز سواء على شكل وديعة مالية بملياري دولار لدعم احتياط البنك المركزي أم على شكل مساهمات مباشرة في إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي ثم كانت هبة الثلاثة مليارات دولار للجيش والمؤسسات الأمنية شاهداً جديداً على حب الملك عبد الله وتقديره للبنان.
وكان للملك عبد الله موقف مشهود في دعم الدولة المصرية عندما قام مع دولة الإمارات العربية والكويت بتقديم مساعدات فورية بنحو 12 مليار دولار لمساعدة مصر على معالجة أوضاع مالية ملحة، مع الإعراب عن استعداد المملكة لتقديم المزيد في المستقبل في سبيل مساعدة مصر وشعبها على تجاوز الظروف الصعبة ومن قبيل التضامن العربي الذي يعتبر ان هناك مصيراً واحداً يربط بين العرب جميعاً وخصوصاً بين مصر ودول الخليج، وبين مصر والعرب جميعاً. هذه الأدوار المهمة والدعم السعودي الثابت لقضية فلسطين، جعلا من المملكة السعودية في عهد الملك عبد الله محور استقطاب وجمع وعامل مهم في قوة العرب وقدرتهم على مجابهة التحديات الكثيرة التي تواجه حاضرهم ومستقبلهم.
على صعيد خاص، فإن الموحدين الدروز في لبنان سيذكرون بالكثير من الوفاء والإمتنان روابط المودة والصداقة التي حافظ عليها الملك الراحل مع قادة الجماعة المعروفية العربية منذ أن كان قائداً للحرس الوطني، فقد كانت تربطه صداقة قوية بالشهيد كمال جنبلاط الذي كان أثناء زياراته للمملكة السعودية يزوره ويتبادل معه الرأي في شؤون لبنان والمنطقة، وقد استمرت علاقة المودة والتقارب عبر الزعيم وليد جنبلاط الذي يحتفظ بمودة خاصة للمملكة ويحرص كلما لزم الأمر على زيارتها والتشاور مع قادتها في الشؤون المصيرية التي تتعلق بلبنان والمنطقة.
وما بين الموحدين الدروز والمملكة السعودية في الأساس هو الانتماء العربي الواحد الأصيل، والموحدون الدروز كما هو معروف عرب أقحاح وفدوا في معظمهم من الجزيرة العربية ولعبوا تاريخياً دوراً حاسماً في حماية ثغور الدولة الإسلامية وحافظوا على هذا الدور لمدة زادت على الألف عام، وعضد الكثير من المثقفين والمفكرين والمهنيين من بني معروف المملكة عند قيامها وخدموها بإخلاص، وبصورة عامة يشعر الموحدون الدروز أنهم في قيمهم الإسلامية العربية المحافظة وتمسكم بأوامر الدين الحنيف ونواهيه إنما هم أقرب ما يكون في مجتمع اليوم إلى قيم وأخلاق أهل الجزيرة وقيم المجتمع السعودي بادية وحضراً.
رحمك الله أيها الملك الصالح الصديق نتذكرك بقلوب مسلمة لله تعالى، وندعوه سبحانه أن يضمك في فسيح جنانه، وأن يسدّد خطى خلفكم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في قيادة المملكة ونصرة فلسطين والعرب والمسلمين. وهو سميع الدعاء.

دروس من وزير شاب

سجّل وزير الصحة وائل أبو فاعور سابقة لافتة في القيام بالحكم وأمر الناس في لبنان. قرّر أن الدولة التي تكلف المواطنين أكثر من 85 % من ميزانية البلد السنوية لها وظائف وأعمال وأنها موجودة ويتقاضى موظفوها الرواتب والعلاوات ويتمتعون بالإجازات من أجل غرض معين.
في وزارة الصحة وجد الوزير أن الغرض من الوزارة هو حماية صحة المواطنين ثم وجد أن ذلك يقتضي التأكد من مطابقة غذائهم للحدّ الأدنى من مواصفات السلامة وخلوه من البكتيريات والفطريات السامة والأوساخ وغير ذلك مما قد تأنفه النفوس.
قرّر الوزير إذاً أن يرسل قواته من المراقبين إلى الجبهة، والجبهة هي السوق وألوف المطاعم والملاحم ومصانع الألبان والأجبان ومستودعات الأسماك واللحوم وإهراءات الحبوب وغيرها. ما وجده مراقبو الوزير وما اطلع عليه هو من خلال الجولات والتقارير يكاد يشيب له شعر الولدان فعلاً.. كشفت الحملة التي شنّها بلا هوادة عن واقع مخيف فاق بالفعل أسوأ التوقعات. كان الناس يعتقدون أن عدم التزام قواعد النظافة والصحة هو عيب في المؤسسات الصغيرة أو الهامشية التي لا تملك الحوافز للإتقان والعناية بالجودة ومواصفات السلامة وربما لا تمتلك الخبرة لذلك، لكن الناس فوجئت بأن أكبر المخالفين كانت لهم أسماء لماعة، ماركات تجارية منتشرة في طول البلاد وعرضها وهؤلاء المخالفون بسبب ضخامة شركاتهم وشبكاتهم قادرون بالتالي على التسبب بقدر من الضرر لصحة الناس أكبر بكثير مما يسببه بائع المناقيش أو سندويش البسطرما. ظهرت أزمة الغذاء باعتبارها واقعاً شاملاً وصناعة منفلتة من كل ضابط بل صناعة ومؤسسات تضع هي قوانينها ومواصفاتها من دون حسيب أو رقيب. أما المستهلك فعليه أن يبقى مطمئناً طالما أنه يشتري من مؤسسة لها إسم كبير وفروع ويافطات ملونة ومضاءة في الليالي.
دخل الوزير أبو فاعور منطقة محرمة بكل معنى الكلمة، منطقة مرصودة بالنفوذ وشبكات المصالح لكنه دخل مع ذلك ومن دون إستئذان، ولأنه يعرف قوة مافيا الغذاء فإن الوزير المقاتل قرّر بسرعة أن يخرج من ترسانة الدولة سلاح دمار شاملاً إسمه الإعلام، أو إعلام تسمية الأشياء بأسمائها، فبدأ يعلن على الملأ أسماء المؤسسات المخالفة وطبيعة كل مخالفة، وبث الوزير الرعب في أرباب الفساد وأوقظ في الوقت نفسه اهتمام الناس الذين ملّوا في الماضي البيانات والإدانات العمومية، فتحوّل هؤلاء إلى شركاء متطوعين في الحملة فكانوا يتابعون بيانات الوزير بمقاطعة فورية وعفوية لمنتجات الشركة المذنبة وتحوّل الناس بذلك إلى جيش جرار غير رسمي في حملة وزير الصحة.
لذلك، وبسبب الوزير أبو فاعور زادت ولا شك مبيعات حبوب تهدئة الأعصاب وأمضى كثيرون من المتاجرين بغذاء الناس ليالي بيضاء لم يذوقوا فيها طعم النوم، وقد كانوا على الأرجح، وحتى وقت قريب، يظنون أنفسهم من أصحاب الحصانات والإمتيازات فهم مؤسسات مهمة للاقتصاد ويجب بالتالي مراعاة مصالحهم. أما المواطن فدوره أن يقبل بالموجود والسلام.
قدّم وزير الصحة للجميع درساً مهماً لم يكن في الحسبان، وهو أن الدولة نائمة لكنها ليست ميتة. ولأنها نائمة فإنه من الممكن إيقاظها. تجار الغذاء ظنّوها ميتة أو أنهم يتصرفون في لبنان باعتبار أن الدولة ميتة أو باعتبار أنه ليست هناك دولة في الأصل. وفي أي مجتمع يدخل في روع العموم أن الدولة لا وجود لها فإن النتيجة هي ما رأيناه. الناس ببساطة سيأكلون بعضهم بعضاً، والتعبير الأصح أن الناس سيأكل القوي منهم (هنا التاجر والمتحكم بالغذاء) الضعيف وهو هنا المستهلك الأعزل. ولا توجد في لبنان كما اتضح، مناعة إلا لمن رحم ربي، أما الشركات الكبيرة فهي أول من يبدأ التفنُّن في الغش لأن عندها التكنولوجيا والخبرة أكثر من غيرها، ولا يمكن وصف الحالة المذهلة لتدهور غذاء اللبنانيين إلا بهذه الأسباب أي عدم وجود أي رادع خارجي وبالطبع عدم وجود رادع ذاتي يتعلق بالضمير المهني والإستقامة واستطابة الحلال.
الدولة اللبنانية ليست ميتة، وهي تملك، كما برهن وزير الصحة، أنياباً ومخالب ويمكن لأي وزارة أو ذراع من أذرعة الدولة إذا حزمت أمرها أن تعيد الناس إلى حظيرة القانون وقواعد الإنصاف والتوازن في لعبة الأخذ والعطاء. وما فعله أبو فاعور هو ببساطة أنه أوقظ الدولة النائمة وأمر المنتسبين إليها في وزارته بأن يتصرفوا كدولة أي كأصحاب سلطة وليس كمسلّط عليهم، وإذا بالدولة المتثاقلة المأكولة هيبتها تقفز على رجليها فجأة كمن مسته صدمة كهربائية وترفع السوط (وليس الصوت) وتلاحق وتسمي وتعاقب. مشهد أمتع الناس فعلاً وأراحهم، لكنه مشهد يأمل المواطن المثقل بالخيبات أن يتعمم في وزارات ومؤسسات حكومية أخرى، فلا يمرّ ما نشهده اليوم في وزارة الصحة، بعد لأي، كما يمر حلم ليلة الصيف.

فضل الله الاطرش

مآثر بطل من الثورة السورية الكبرى

فضل الله النجم الأطرش

المجاهد-فضل-الله-الأطرش
المجاهد-فضل-الله-الأطرش

قاتل الفرنسيين وهاجم قوافلهم واخترق حصونهم
وأسر ضباطـــــهم وهو جريح ينزف الدمــــــــاء

حطم قافلة إمداد الجنرال ميشو بزمرة من الرجال
فارتفعت المعنويات وكان النصر المدوي في المزرعة

مفاجأة سارة في اجتماع متوتر مع بدو الأردن
ولماذا ارتمى ضابط حملة الشيشكلي عليه شاكراً؟

«إن لله رجالاً إذا أرادوا أراد»
في التاريخ الحافل لجبل العرب في سوريا فصول بطولة ومآثر رجولة وشرف وحكمة أدهشت العالم وجذبت اهتمام المستشرقين وأثارت إعجاب ألدّ خصوم العشيرة المعروفية هناك ونعني بهم ضباط السلطة المنتدبة الفرنسية الذين قادوا حرباً حقيقية استهدفت إخضاع أهل الجبل وكسر عنفوانهم لكنهم فشلوا رغم ما تسببوا به من قوافل شهداء ودمار واسع وتجويع وتشريد ونفي. هؤلاء الضباط القساة الذين قاتلهم بنو معروف باستماتة وأوقعوا بهم هزائم منكرة تطور لديهم مع الوقت شعور إعجاب خفي واحترام لهؤلاء الرجال الأباة ولعنادهم ولاستهانتهم العجيبة بالموت، فكتب عدد من الضباط الفرنسيين في ما بعد شهادات عبروا فيها عن تلك المشاعر وإن كانت هذه اختلطت غالباً بشعور التفوق وعنجهية السيادة الأوروبية.
إحدى قصص البطولة التي سطعت خلال نضال أهل الجبل ضد الفرنسيين هي ولا شك قصة الفارس البطل فضل الله النجم الأطرش. قصة فيها الكثير من فصول الشجاعة المثيرة لكن فيها أيضاً مصادفات ومفاجآت تصلح في حد ذاتها أساساً لكتابة الرواية الدرامية. وهذه المصادفات ليست في الحقيقة مصادفات بل كرامات من الله تعالى لهؤلاء الأشاوس الذين أظهروا إيمانهم بالأفعال وقدموا صورة التسليم بمساكنة الموت وازدراء الجبن بكل مظاهره.
فضل الله نجم الأطرش، بطل من عرمان في جبل العرب قاتل الفرنسيين وصارعهم في مواقع كثيرة وهاجم قوافلهم منفرداً تقريباً واخترق حصونهم وأسر ضباطهم وهو جريح ينزف الدماء ويغالب شعور الإغماء، لكنه أيضاً رجل شهامة وشرف نصره الله ويسر له من المآثر ومظاهر التأييد ما جعل ألدّ أعدائه ينقلبون فجأة إلى محبين له مستعدين لبذل أي شيء تقديراً لخصاله وسمو أعماله.

فضل الله وجحيم معركة المزرعة
قبيل معركة المزرعة المظفرة وفي معركة شديدة جرت في عرى بين المجاهدين وبين القوات الفرنسية تمكّنت الحملة العسكرية الفرنسية بقيادة الجنرال ميشو من إلحاق هزيمة بالمجاهدين انتهت باحتلال بلدة عرى واتخاذها مركزاً عسكرياً ومنطلقاً لمحاولة فرض السيطرة على جبل العرب بكامله.
خلال تلك المعركة قتلت الفرس تحت المجاهد نسيب نصار من قرية سالة، وكان اسمها الدويرجية، ( نوع من خيول منسوبة إلى آل دويرج من ديار نجد في الأراضي السعودية)، وكان ثوار بني معروف يومها ينسحبون تحت النيران الغزيرة لحملة الجيش الفرنسي، وأثناء انسحابهم، شاهد فضل الله المجاهد كامل فرج الذي كان مرافقاً لزوج اخته نسيب نصار من قرية سالة، قال له: أين عمك يا كامل؟
قال كامل:«وقع هو والفرس على الجسر وراءنا، وما قدرنا نخلّصه تحت الضرب»، ومع أنّ ذلك الانسحاب يومها كان انسحاباً ممزوجاً بطعم الهزيمة، فقد انتفض فضل الله كمن لدغته أفعى، لوى عنان فرسه، وانطلق راجعاً باتجاه حملة الجيش المتقدمة التي كانت تلاحق الثوار، وكان ينشد وهو منطلق على ظهر فرسه «ما عند النّسيب إلاّ نسيبه»، كانت فرس نسيبه نسيب مصابة في صدرها برصاصات خمس، ونسيب هو زوج أخت فضل الله وقد تمكّن الأخير من الوصول إلى الرجل وإنقاذه وخلصه بذلك من ذل الوقوع في أسر مقدمة قوات الجيش الفرنسي الزاحفة وعاد به إلى حمى الثوار.
كان ذلك اليوم يوماً صعباً على ثوار بني معروف، فقد اضطروا الى التراجع بسبب القصف المدفعي وقصف الطيران الفرنسي، وزحف الدبابات بخطة حرب حديثة لا عهد لهم بها من قبل، فأسلحتهم كلها عبارة عن أسلحة فردية، وبعضهم كان يلتحق بميدان المعركة وهو يحمل السلاح الأبيض، بل والفؤوس، والعصي، أملاً في أن يغنم من العدو بارودة أو مسدّساً…
توزع الثوار عصر ذلك اليوم في القرى المتاخمة لجبهة الجيش الزاحف باتجاه الجبل، كان فضل الله وفريق من كبار المجاهدين منهم جاد الله سلاّم وأخوه هايل من قرية طربا، وحمزة درويش من الحريسة، ومحمد شرف من تيما، وفرحان زيتونة، وعبطان النجم من القريا، ومحمود أبو يحيى من شقّا، هؤلاء كان نصيبهم أن نزلوا ضيوفاً بُعيد عصر ذلك اليوم في قرية نجران في مضافة أبو فندي نايف نصر، ولما قدّم المضيف الطعام للمجاهدين، لم يتقدم لتناول شيء منه سوى شخص واحد، فقد كانت حلوق الرجال يومها ملأى بالتراب من غبار القصف وعجاج الخيل. وكان سلطان، قائد الثورة قد حلّ عصر ذلك النهار في قرية سليم، ذلك لأن أركان الثورة أصرّوا على أن يبعدوه عن خط المواجهة الأول حرصاً منهم على حياته.

مفاجأة عبر منظار عسكري
مع غروب الشمس صعد فضل الله وثلّة من المجاهدين فوق سطح مضافة مضيفهم، وأخذ ينظر من خلال منظاره الحربي ( لم يزل المنظار محفوظاً إلى يومنا هذا لدى حفيده، وراوي مآثره الشاب يوسف في بلدة ملح)، نظر غرباً، ومِنْ حوله استكشف المنطقة المحيطة به، كانت الطريق الممتدة من بصر الحرير إلى مخيم الجيش على عين المزرعة تبدو بوضوح في المنظار، وكانت الطريق ذاتها تمر أمام المضافة التي لجأوا إليها. فجأة رأى فضل الله الأطرش أعداداً لا حصر لها من البغال تنوء بأحمالها وهي تلحق بحملة ميشو الزاحفة للقضاء على الثوار.
لم يصدق عينيه. نظر مجدداً وحدق في المشهد أمامه وقد اعترته الدهشة لما رآه ونسي جوعه، اقترب من جاد الله وهايل سلاّم، حاملاً منظاره الحربي وكان يحدث نفسه بصوت عال ويخاطب في الوقت نفسه الرجال حوله: :« انظروا، يا الله ما هذا؟»
قال له جاد الله: ماذا ترى يا فضل الله؟
قال: «أرى ما لا يُعدّ من البغال بأحمالها تلحق بالحملة، لا بدّ أنها ذخيرة ولوازم الجيش، لو أغرنا عليها الآن لقطعنا ظهر ميشو، ها ها، يا النشامى»!
وهبط من على سطح المضافة وقد تبعه الآخرون.
في المضافة أخذ الرجال يتداولون الأمر على عجل، وكأن الوقت يداهمهم، كان أحد أبطال المجاهدين ممن خبروا الحروب السابقة لبني معروف جالساً متربّعاً بعد أن سدّ جوع ذلك النهار المرهق، وقد أحس بحركة غير عادية في المضافة. سأل: « شو، ما بكم؟
أجابه مجاهد كان نزل لتوه من سطح البناء: البغال الملحقة بالحملة قريبة منا، لو أغرنا عليها لقطعنا ظهر الجيش.
أجابه المجاهد القاعد:«يا أخي نحن مش بقدرة فرنسا، شفنا حالنا وشفناهم، اللي عامل بطل يروح يهجم عليهم ويقاتلهم، معهم جيش حديث وطيارات، ومدافع ودبابات، كلها بتضرب نار». صمت برهة، وخيم صمت ثقيل على الرجال، ثم أردف وكأنه يختصر العبرة:« لأوّل مرة منشوف صخر اللجاة يتحوّل علينا شظايا».
كان الرجل يشير إلى التقدم التقني الهائل للجيش الفرنسي وضخامة عدده وعديده في مقابل الثوار غير المنظمين وأسلحتهم الخفيفة، وكان مجاهدو الجبل مازالوا يستخدمون الخيل في الهجوم كما لو أن الحرب تدور بالسيوف بينما كانت النيران تنهال عليهم من استحكامات منيعة ومن أسلحة رشاشة أو مدافع أو طائرات وكان مؤدى حديثه أن الثورة عمل لا طائل منه وكل ما ينتج عنها هو فقد الرجال والممتلكات.
تحولت أنظار الحاضرين في مضافة نايف نصر من الرجال إلى فضل الله، وكانوا مترقبين لما سيقوله رداً على موقف المجاهد العتيق، وكان فضل الله أقرب الموجودين الى سلطان، وموضع ثقته وكان كل ما يقوله بالتالي يعبر عن موقف قائد الثورة.
لكن فضل الله لم يرد بالكلام، وأبى أن يرد على ما اعتبره موقفاً متخاذلاً. كان جوابه الفعلي أن رفع كفّيته من على رأسه، وثبّتها مع عقاله حول عنقه، وحمل بارودته وخرج ليواجه رتل الإمداد الفرنسي المتقدم عبر الطريق المارة من جانب القرية.
لحق به صديقه جاد الله سلاّم قائلاً: «لَوِينْ يا فضل الله؟»، لكن الرجل كان قد خرج من المضافة باتجاه رتل الإمداد.
في تلك اللحظة توجه المجتمعون في المضافة إلى المجاهد الكبير ولاموه على كلامه المثبط للهمم.
أما فضل الله فكان قد أخذ مكانه استعداداً لمواجهة الرتل، وكان يتابع باهتمام شديد حركة القافلة ويترصّد بين الصخور على جانب من الطريق التي لا بدّ أن يسلكها الرتل المدعّم بحراسة مشددة.
ما إن وصلوا إلى مسافة أمتار قليلة منه صاح بهم بصوت هادر:«ارموا سلاحكم وارفعوا أيديكم».
ردّ أحد الجنود بإطلاق النار في اتجاهه فهجم فضل الله عليه يريد أسره، وهو ما أثار الدهشة والخوف في نفس الجندي. في تلك اللحظة وصل جاد الله سلاّم وأوخوه هايل وقد رفضا أن يتركاه يواجه رتل العدو وحيداً. وكان آخرون من الثوار قد التحقوا بالثلاثة الأوائل، وتمكن الجمع من قطع خط سير الرتل بل وأسروا واحداً وعشرين جندياً معظمهم من المالاغاشي، وأربعين بغلاً محمّلة بالذخيرة والأدوية.
عاد المغيرون بغنائمهم وكان الليل قد خيم. وأمام مضافة أبو فندي نايف نصر، كان ذلك المجاهد الذي حذّر رفاقه من مجابهة فرنسا قد أصيب إصابة خفيفة في فخذه، قال لفضل الله في ما يشبه الاعتذار الخجول: «قرِّب مني، قرِّب. قسماً بالله، إني ما عرفت أنك صاحب رأي الهجوم على الحملة».
رفض فضل الله حجة الرجل وردّ عليه بالقول:«طول عمرك تقدم عذراً أقبح من ذنب، لا فرق بين فضل الله وغيره من بني معروف، كل عمرنا في هذه البلاد نقاتل العدو على مبدأ: «إنطح عند روحك»، ( أي دافع عن وجودك) وأرواحنا على أكفّنا».
تلك الليلة كان مجاهدو قرى المقرن الغربي من الجبل، وأولئك الرجال الذين سبق لهم أن توزعوا عصر ذلك النهار في قراه المتاخمة لخط سير الرتل الفرنسي البالغ طوله كيلومترات عديدة، قد استعذبوا تلك المبادرة الجريئة التي أقدم عليها رجال مضافة نايف نصر، فانقضوا على إمدادات جيش العدو واستولوا عليها، ووصلت البشارة عند منتصف الليل إلى سلطان في سليم، وقد نقلها إليه عبطان النجم وفرحان زيتونة.
استبشر سلطان ومن معه من أركان الثوار خيراً بالسيطرة على رتل إمداد العدو وكان إنجاز فضل الله ورفاقه سبباً مباشرة في صدور الأوامر من قائد الثورة بشن هجوم مباغت على الفرنسيين في فجر اليوم التالي، فكان يوم نصر المزرعة التاريخي الذي ضعضع خطط الفرنسيين الحربية وكسر معنوياتهم وعنجهيتهم.

” عرض الكابتن الفرنسي ساعته وخاتمه كبادرة شكر فانتفض فضل الله وأجابه: أنا عفوت وروح أســــيري أغلــــى عندي من كل شــيء “

دار-المجاهد--فضل-الله-الأطرش-في-ملح-بعد-انتقاله-من-عرمان
دار-المجاهد–فضل-الله-الأطرش-في-ملح-بعد-انتقاله-من-عرمان

فضل الله الجريح يأسر ضابطاً
في معركة عرى التي هزم فيها الثوار استشهد نسيب الأطرش شيخ بلدة صلخد المقرب من سلطان، وكان رجلاً من كبار ثوار بني معروف الذين يجمعون بين الفروسية والخبرة الفطرية بالشؤون السياسية والاجتماعية، وكان أكبر منه سناً، وكان سلطان يخاطبه احتراماً بكلمة «عمي» فهو إلى جانبه منذ انطلاقة الثورة وصاحب رأي يؤخذ به في الملمات.
في تلك المعركة ألقت الطائرات الفرنسية حمماً من القنابل على المجاهدين، فأصيب فضل الله بإحدى عشرة شظية، أشدّها كانت في خاصرته اليمنى، وقد جاءت هذه على آثار جرح قديم كان قد أصيب به قبل نحو اثني عشر عاماً في مواجهة مع البدو. كان جرح الخاصرة مؤلماً جداً وكان ينزف دماً باستمرار وكان بمثابة حفرة فاغرة في جسد البطل، لكن فضل الله قررالتجالد على جراحه والسعي في تلك اللحظة للانتقام من الفرنسيين، فعصب على الجرح بكوفيته واستعد للقيام بعمل ما.
قبل ذلك كان سلطان باشا الذي رآه مصاباً بجراح قد نصحه بأخذ قسط من الراحة في عرمان على ان يعود بعد تعافيه، لكن فضل الله رفض، إذ لم يكن هذا البطل يكره شيئاً مثل القعود والبعد عن مقارعة المحتل.
نادى رفيقه في الجهاد سليم الدبيسي، المجاهد الذي كان في معركة عرى يقاتل بالقرب منه، فأعطاه لجام فرسه قائلاً له:«عد بفرسي هذه إلى عرمان إن بقيتَ حيّاً» ثم تركه واتجه غرباً باتجاه مواقع الفرنسيين التي كانت تصب نيرانها على الثوار المتمترسين خلف الصخور في وضع دفاعي حرج».
دهش الدبيسي وهو يرى زعيم قريته مستميتاً للقتال وهو مثخن بالجراح، واعتبر سلوكه نوعاً من الانتحار العبثي. فناداه صائحاً به:
ـــ ما بك، أجننت يا رجل؟
إلتفت إليه فضل الله وقال:
ــ أنا بكامل عقلي، إفطن لما أقول، وأشار بيده: ذاك الشرق، وهذا الشمال، وهذا الجنوب، وهذا هو الغرب، وأدار ظهره لصاحبه، وانطلق ببندقيته، متسللاً بين أكوام من الحجارة والصخور متّجهاً غرباً، وهو يطلق النار باتجاه الجيش الفرنسي، لا يكترث لكل ما يواجهه من أخطار. في هذا الوقت اتجه سليم شرقاً مع جماعات الثوار المنسحبين إلى التلال المشرفة على قرية رساس ليمنعوا توغل الفرنسيين باتجاه المرتفعات التي تسهل سيطرتهم على الجبل.
تمكّن فضل الله بمناورته وإصراره على فِعْل شيء ما، من التغلغل في جبهة القوات الفرنسية، والتي كانت تربكها مقاومة الثوار ومدفعيتهم التي كانت عبارة عن ثلاثة مدافع غنموها من الفرنسيين.
استطاع فضل الله أن يتخفّى بحيث يرى ولا يُرى، تربّص في مكانه لا يتحرك، وعندما شاهد سيارة تاكسي سوداء ترفع العلم الفرنسي ومن خلفها سيارة جيب، كان الكابتن في التاكسي يجلس خلف السائق، اعتبر أن هذه فرصته لينتقم ويثأر لابن عمه نسيب، شدّ الأسد الجريح عقدة كوفيته فوق عقاله، وتركهم يتقدّمون إلى أن صارت المسافة بينه وبينهم نحو مترين، هبّ عندها في وجههم وكأنه مارد انبثق من بطن الأرض، وصاح بهم آمراً أن لا يبدي أي منهم حركة أو يقتل.
أُخذ السائق والضابط لهول المفاجأة غير المتوقعة، فهما كانا يظنان أنهما في أرض مسيطر عليها من قبل قواتهم، لم يبديا حركة، ومن سيارة الجيب خلفهما قفز جنديان اثنان لكنه كان أسرع منهما في المبادرة، فقتلهما قبل أن يتمكنا من إطلاق النار عليه، وصوّب على السائق الذي جمد وراء مقود سيارته، وكان فضل الله منذ مطلع شبابه قنّاصاً يصيد الطائر بالتسديد عليه إلى الخلف مستعيناً بانعكاس صورته أمامه في مرآة!، ولم يشأ أن يفرّط بما لديه من الطلقات، فكانت عيناه مركّزتين على صيده الثمين، وكان بإمكانه أن يقتلهما ويعتبر نفسه أخذ بثأر ابن عمه نسيب، واستوفى، لكن إلهاماً جعله يقرر الاحتفاظ بهما، وكان يرقب أدنى حركة تصدر من الرجلين في السيارة، وهنا رجاه السائق متحدثاً بالعربية:
ــ « دخيلك لا تقتلني، أنا سوري من حمص».
كان الكابتن في مقعده الخلفي يرتعد خوفاً، أمر فضل الله السائق:
« قل له أن يرمي مسدسه على أرضية السيارة وينزل يركب حدّك».
نفّذ الكابتن الفرنسي الأمر فأمر فضل الله السائق أن يرمي بمسدّسه هو الآخر على المقعد الخلفي ثم تقدم وجلس خلف السائق ومسدسه مصوّب على رأسيهما. وقد تناول بيسراه المسدسين ودسّهما في عبّه، وأمر السائق أن يناوله مفاتيح السيارة ورجع باتجاه الجيب، فوجد فيها ثلاث بنادق، تناولها مع ثلاث من جعب الذخيرة، ومطرات الماء، كانت إحداها ملطخة بالدماء وعيناه على صيده في التاكسي.
رجع إلى محله خلف الرجلين، ناول السائق مفتاح السيارة، وأمره بالتقدم شمالاً باتجاه قبر البكوات (وهي مدافن المشايخ الأطارشة من دار الإمارة في عرى)، وهو الذي يعرف المكان جيداً، كان ينوي ضرب الحاجز بمن معه من الرهينتين اللذين في السيارة، وكان الفرنسيون قد أقاموا موقعاً عسكرياً في المكان، اقتربت السيارة من الموقع، ورأى الحارس السيارة التي ترفع العلم الفرنسي فحيّاهم، وتراجع إلى الخلف مطمئناً، ومضى باتجاه دشم الخيرة، ولم يردّ الكابتن التحية.
على يمين السيارة كانت طريق ترابية تتجه شرقاً باتجاه قرية رساس، في تلك اللحظات الحرجة خطر ببال فضل الله أن يتجه برهائنه عبرها، وكان يلتفت بين حين وآخر إلى الخلف خيفة أن يتبعه العدو من جهة عرى.

” قال الكابتن الفرنسي ناصحاً: في سوريا لا يقاومنا أحد سواكم، وستقضي فرنسا أخيراً على ثورتكم، وحرام أن يقضى عليكم، فأنتم لا تســــتحقون الأذى “

كان-الجو-متوترا-وبدا-أن-البدو-لم-يكونوا-مرتاحين-لوجود-سلطان-ورفاقه-في-مورد-الماء
كان-الجو-متوترا-وبدا-أن-البدو-لم-يكونوا-مرتاحين-لوجود-سلطان-ورفاقه-في-مورد-الماء
مفاجأة في رساس
اقتربت السيارة من أراضي غرب رساس، كانت لم تزل ترفع العلم الفرنسي، شكّ الثوار بأمرها، فأخذوا يطلقون الرصاص عليها، خاف فضل على حياته وعلى حياة رهينتيه، أمرهما أن ينزلا وينبطحا أرضاً من جانب السائق عند باب السيارة، أما هو فنزل خلفهما، وانبطح أرضاً، وربط كوفيته السوداء بفوّهة بارودته، وأخذ يلوّح بها بين آونة وأخرى أثناء هجوم الثوار، ومع تواصل تلويحه لهم بالكوفية توقف إطلاق الرصاص، وسمع فضل الله الثوار المتقدمين نحوه يقولون لبعضهم:«لا تطلقوا النار، لقد سلّموا»!.
في تلك اللحظة؛ هبّ فضل الله واقفاً، ونزل الثوار عن خيولهم مذهولين، وأخذوا يقبّلونه وهم يقولون: أما ذهبت إلى عرمان؟، كيف صبرت على جراحك؟
أجابهم مازحاً: الباشا بسلامته يريد أن يبعثني إلى عرمان على ظهر الفرنسيين، ها هم قدموا لي «تاكسي وكابتن مرافق»!.
إتجه فضل الله بالسيارة والسائق والكابتن جنوباً بعد أن ودّع الثوار، ومن رساس انطلق بهم إلى القريا، ومنها باتجاه الجنوب، كان في طريقه إلى عرمان، ومقابل مزرعة نمرة، قبل مفرق بصرى صارت عيناه تقمّران (أي تغبّشان فلا يرى بوضوح)، وشعر بدوخة،  حدّث نفسه:»يا إمام الزمان، في الحرب سَلِمْت ولم أُقتل، والآن إن غبت عن الوعي فقد أصبح أسيرهما، فيتجهان بي إلى بصرى» وسلّم أمره.
في تلك اللحظة ظهر أمامه شابان يافعان أحدهما في السابعة عشر من عمره أو نحوها، والثاني لا يتجاوز الرابعة عشر، كان الفتى الصغير حافياً، وكانا يتجهان جنوباً أمر فضل الله السائق أن يتوقف عندهما، وناول الشاب الكبير بارودة مما غنمه، قائلاً له: راقبهما وترجّل من السيارة، ثم أردف: «هذا كابتن فرنسي أنا أسرته، لا تغفل عنهما، أنا جريح وأُحس بدوخة».
أمسك فضل الله مطرة الماء، لقف منها بعضه على وجهه، فَتَرَوْحَن وتمضمض، وحمد ربه وقال للشابين :
– إلى أين طريقكما ؟
– إلى عند عمتي إلى بكا.نحن من قرية جديّا من آل الحسين .
أركبهما فضل الله جانبه في السيارة إلى بكا ، وهناك ودّعهما بعد أن تناول بارودة مما غنمه وأهداها للشاب، وتابع المسير باتجاه عرمان.
مظاهرة إبتهاج ليلية في عرمان
كان الليل قد لفّ بلدات وقرى الجبل الثائرعندما أقبل ضوء السيارة إلى عرمان هب أهل عرمان للحدث المجهول، إذ لا ضوء سيارة في ذلك الزمن إلاَ لمسؤول فرنسي كبير، وما إن وصلت السيارة إلى ساحة عرمان، وعُلم من بداخلها، حتى حمله شباب عرمان مبتهجين، يروي فضل الله:«وحدا بي شباب عرمان، وغنّوا، لكن جراحي كانت تؤلمني وهي لمّا تزل تنزف وهم يحملونني غصباً عني معتزين بي».
كان سليم الدبيسي قد وصل مساء بفرس فضل الله إلى عرمان، ولكنه لم يجرؤ على أن يذهب إلى الشيخ نجم أخي فضل الله ليخبره بما أقدم عليه أخوه من مغامرة اقتحامه مواقع الجيش الفرنسي،  فأعطى الفرس لأخيه محمد الدبيسي، وطلب منه أن يوصلها لبيت نجم ويبلغه أن أخاه فضل الله يفداك(أي قتل)، لكن محمد تهيّب من إبلاغ نجم بمقتل أخيه، فتريّث وكان يريد جمع أقاربه ليذهبوا وفداً ويبلغوا الشيخ نجم باستشهاد فضل الله. غير أنه لما شاع نبأ عودة فضل الله حياً، وعلم محمد بالأمر، هجم على أخيه سليم الذي كان يغط في نومه متعَباً مغموماً من مجريات يومه في مواجهة الفرنسيين في رساس،  شده من شعره الطويل وقال له:
«الله لا يوفقك يا خريب البيت، كدت أن تورّطنا مع الشيخ نجم، قوم شوف فضل الله عاد سالماً وكسب سيارة، وجلب معه أسيرين».
هبّ سليم من نومه، ومشى كالممسوس تتناوبه حال من ذهول ودهشة وفرح بعودة صاحبه فضل الله سالماً، وانطلق إليه ليهنئه بعودته المظفّرة.
الكابتن جان؛ في سجن مضافة الشيخ
وضع فضل الله شخصين، حَرَساً على الكابتن الأسير، أحدهما أبو فوزي يوسف صيموعة، وأوصاهما أن يحذرا من هروبهما، وأن يحافظا على حياتهما من انتقام ما. قال لهما:» تناوبا على حراستهما، لا تناما قبل نومهما، واستيقظا قبلهما…
كان الكابتن وسائقه يعاملان كضيفين في مضافة الشيخ، وبقيا فيها مدة ثمانية وعشرين يوماً، ومنذ نزوله المضافة استخرج الكابتن حقيبة طبية من السيارة وأمر السائق أن يداوي جراح فضل الله، ويعتني بأمره.
بعد نحو خمسة وعشرين يوماً جاء الأمير حسن الأطرش ومعه أحد وجهاء عرمان من الثوار بتكليف من الصليب الأحمر، قال الأمير حسن لفضل الله:«أبلغنا الفرنسيون بأنْ سلِّمونا الكابتن إذا كان على قيد الحياة لنسلمكم الأمير حمد الأطرش ومعه بعض الأسرى من الثوار، ولديكم فرصة ثلاثة أيام لتبلغونا موافقتكم».
أحسّ الكابتن بارتياح عارم، إذ أدرك انه سيتم الإفراج عنه قريباً، وعاد الأمير حسن وصاحبه ليبلغوا الفرنسيين بأن الكابتن لم يزل حيّاً ويلقى أفضل معاملة.
كان الكابتن أثناء أيام أسره يراقب ما يجري في سجنه الحضاري، مضافة بني معروف، حيث تُجرى المناقشات في مسائل الناس العامة، وحيث يتم حل المشاكل والخلافات بين المواطنين، وبين المواطنين والبدو، فيترجم له السائق كل ما يجري أمامه، فيخبط الكابتن على ركبتيه ويقول « آه من فرنسا التي تحارب هؤلاء الناس المتحضرين».
قال الكابتن مرّة للحمصي: « أريد أن أنفرد بفضل الله خارج المضافة لوحدي فالمضافة دوماً ملأى بالزائرين ».
نزل الرجلان ومعهما المترجم إلى غرفة تقع تحت المضافة في الدار؛ جلسا على انفراد والمترجم الحمصي يترجم، قال الكابتن:«أنت عفوت عن روحي، ومن واجبي أن أقدّم لك ما أملك، ساعتي وخاتمي».
جفل فضل الله وقد فاجأه العرض، قال بإباء:«أنا عفوت، ولست بحاجة لساعتك وخاتمك، وروح أسيري عندي أغلى منهما».
لم يكن الكابتن يتوقع رفض فضل الله لعرضه وقد فوجئ بأنَفَة آسره ورفضه لما اعتبره مكسباً ماديّاً رخيصاً فردّ عليه بالقول:
«بما أنك عفوت عني، لك عندي موقف عظيم جداً، وسأرشدكم أنتم الدروز إلى طريق الخلاص، لكن أرجوك ألاّ تفهم بأنّني أخون بلدي، لئن أخذتم بنصيحتي فسوف تخلصون من ورطة محاربة دولة عظمى كفرنسا، ومن دون أن ترقى نصيحتي هذه إلى خيانة بلدي، فقبل أن تأسرني بمدة أحد عشر يوماً ، كنت أنا من جملة ضباط فرنسيين وبريطانيين وقّعنا على معاهدة لضبط الحدود السورية لصالح دولتينا.
ما المعنى
يعني هذا أن يتوقف وصول أي سلاح ومساعدات تأتي إليكم من الأردن وفلسطين. خلاص: هذه  ليست مزحة، بل اتفاق بين دولتين عظميين، فلا ذخيرة ولا بارودة ولا عواض لكم. في المقابل يحق لفرنسا بموجب ذلك الاتفاق أن تجلب إمدادات من كل المستعمرات التي تسيطر عليها في الشرق وفي الغرب، فمن أين يا دروز سيأتيكم الإمداد؟ وها نحن نقاتلكم بأبناء عمكم، المرتزقة،
( يقصد السكادرونات وهي قوات عسكرية من شباب الدروز الذين سلّم أهلوهم بالسيطرة الفرنسية على سورية). وأضاف: مطلبي الأخير منك أن تقسم لي يميناً بالشرف العسكري ثلاثاً، ألاّ تخبر بحديثي هذا شخصاً آخر غير سلطان، وأرجوك أن تطلب منه قَسَمَاً مثلّثاً وأن يعمل بنصيحتي». فوافقه فضل الله على طلبه.
كان الكابتن بين حين وآخر يرجو فضل الله ألاّ يفهمه خطأ، وإنما هو باح له بالإتفاقية كنوع من العرفان، ورد الجميل، قال:«إنني أقدم لك هذه النصيحة التي لا ترقى إلى درجة الخيانة، وها نحن في سوريا لا يقاومنا أحد سواكم، وستقضي فرنسا أخيراً على ثورتكم، وحرام أن يقضى عليكم، فأنتم لا تستحقون الأذى».
من الواضح أن الكابتن كان يحذّر بني معروف الذين احترمهم وينصحهم بالالتحاق بإمارة شرق الأردن، وهو الأمر الذي لم يقبل به سلطان، ولا غالبية بني معروف، وهم ظلوا على موقفهم من طرد الفرنسيين من سوريا إلى أن تحقق الاستقلال.
بعد أيام جاء رجال من قبل قيادة الثورة، وتسلّموا الكابتن الأسير من فضل الله، وقد ودع الكابتن فضل الله باكياً عرفاناً منه بجميله عليه، وخَيّرَ فضل الله السائق الحمصي السوري بين البقاء مع الثوار، أو الذهاب مع صاحبه الكابتن، فاختار البقاء مع الضابط الفرنسي.
وكان فضل الله في تلك الفترة قد شفي من جراحه إلى حد ما، وكان ينتظر بلهفة ليعود إلى صفوف الثوار.
وصاحت-المرأة-العجوز-مين-منكم-فضل-الله
وصاحت-المرأة-العجوز-مين-منكم-فضل-الله

فضل الله مع سلطان
عندما وصل فضل الله إلى سلطان، كانت عملية تبادل الأسرى قد تمت، ولكن سلطان هزأ من نصيحة الكابتن، وقال لفضل الله:
«قبل أيام طرقناهم، وخسّرناهم في عدة مواقع، نحن لن نذهب جنوباً ( يعني بذلك إلى الأردن)، وسنبقى على صدورهم ونقلق راحتهم إلى أن يخرجوا من بلادنا».
لكن سلطان اعترف في معرض الحديث بأن شيئاً ما تبدل في مجرى الثورة. قال لفضل الله: «ولك يا فضل الله، من أيام، لا عايد ( عايد هذا هو رجل بدوي كان يتاجر ببيع السلاح للثوار) ولا أحد من البدو الذين كانوا يأتون إلينا من ناحية فلسطين والأردن، ويبيعون لنا السلاح والذخيرة، ما عدنا شفنا أحداً منهم».
قال فضل الله: نحن بمعيتك يا باشا، سواء بقينا هنا، أو ذهبنا للأردن.

فضل الله في معركة قيصما
بعيد معركة الصوخر، انتقل الثوار إلى قيصما، أدرك نجم أخو فضل الله أن الفرنسيين الذين كانوا يتتبعون حركة الثوار علموا بانتقالهم إلى قيصما، تلك القرية التي تقع في الجانب الجنوبي الشرقي من الجبل، وخشي من أن يباغتهم العدو وهم غافلون، فما كان منه إلاّ أن كتب على ورقة صغيرة ما يلي:«قل نذير ولا نَبي منكم جمايل»، ( أي أنا أحذّركم دون منّة)، وطوى الورقة بحيث لا تثير شبهة في ما لو وقعت بيد أحد ما، وأعطاها لخادمه، وحفّظه كلماتها، وأوصاه: «اذهب إلى فضل الله في قيصما، وأعطه هذه الورقة، ولئن فقدتها فأبلغه الكلمات».
مع وصول الرسول والرسالة أدرك فضل الله سرّ التحذير، وأن الفرنسيين علموا بوجودهم، فأبلغ سلطان الذي قال له:«شو عرّفك؟».
ناوله الورقة وقال له:» هذه رسالة وردتني مع خادم دارنا، بعثها أخي نجم».
قال سلطان:«ما فهمت على أخيك نجم».
فأوضح له فضل الله أن العبارة مأخوذة من جوفية (نوع من الحداء النجدي من ديار الجوف)، وفيها :
يا راكبـاً من فوق طوع الراس حايــل
بَــكــــرَةً هـــي منـــوة الطـــــــــارش معنّـــــى
سلّموا عَ الساكنين قصور حايل
وان لفيتوا حْمُوْد ردوا العلم منّا
قُل نذيـــــر ولا نــبي منــكم جمايــــل
الهرب يا تايهــــين الشـــــور عنّـا
وبيّن فضل الله لسلطان أن هذه قصيدة نذارة قديمة من التراث البدوي، وأن نجم يريد من خلالها أن يبلغ الثوار أن الفرنسيين علموا بوجودهم في قيصما، وعليهم أن يهربوا من مواجهتهم، فهم في نظره لا قدرة لهم على مواجهتهم، ومن الواضح أن نجم في هذه الوصية ينتقد سلطان، ومن معه من الثوار، ويستخدم النعت الوارد في الحداء لوصفهم بفساد الرأي (تايهين الشور)!.
هنا، قال سلطان لفضل الله:«إذا كان أخوك نجم يريدنا أن نهرب، ما في هرب. إن إجوا بكرة، لنا ولهم الله، والتفت إلى من حوله من أركانه المقربين:« حسّنوا استقاماتكم (متاريسكم) على خشاع حمد (هي مواقع صخرية مشرفة على ما حولها من الأرض) والمستعان بالله».
يروي فضل الله:«مع بزوغ الضوء نهضت، أمسكت بمنظاري متوجّساً، فأبصرت اسكادرونات ( أي سرايا عسكرية تابعة للفرنسيين)، للوهلة الأولى، كان الثوار نائمين لكن بلباس الميدان، لحظتها كدت أعرقل خوفاً، لقفت ماء على وجهي من طاسة المضافة المطلة على ما حولها، فعدت رجلاً، وصحت بمن حولي منذراً إياهم، كان سلطان في موقع قريب منّا يصيح بالثوار الذين أخذوا كامل أهبتهم للمواجهة:
«عَ الخيل»، (أي أنه يريد من الثوار أن لا يطلقوا رصاصهم على الرجال بل على خيولهم، ذلك لأنه يعلم أن غالبية خيالة الإسكادرونات هم من أبناء الدروز الذين سلّموا بالحكم الفرنسي، وهو لا يريد أن تكون مذبحة فيهم».
بعد معركة قيصما كان الثوار منتشين بنصرهم، وقد أسروا ضابطاً فرنسياً هو الملازم «سيكر» وابتهج أهالي قرية قيصما بنصر الثوار، وبأسرهم الضابط الفرنسي، فأولموا لهم، ولما لم يكن من مضافة تتسع للعدد الكبير من المجاهدين، فقد قدموا لهم مناسف الطعام على سطوح المنازل.
كان سلطان يغسل يديه بعد الأكل، وهو في هَمّ نقص الذخيرة والسلاح لتوقف البدو الذين كانوا يمدون الثوار بما يلزمهم منها من فلسطين والأردن، التفت إلى فضل الله ودعاه أن يقترب منه، عندها قال له:
«رَح نرجع لرأي زلمتك ( يقصد أسيره الفرنسي الكابتن جان)، عَبِدَرّجنا تدريج، ( أي إنه تنبّأ بما نحن فيه)، بكرة (أي غداً) منعمل اجتماع بالدّبّاكية ( مغارة قديمة على مسافة نحو اثني عشر كيلومتراً شرق ملح، شرقي الجبل، في خلّة من الأرض تدعى«خلّة البراقية»)، ومن يرغب أن يسلّم لفرنسا من الثوار ويقبل بالعيش تحت البنديرة الفرنساوية ( يعني علم فرنسا) فهو حر، ومن يحب أن يبقى معنا وينتقل جنوباً للأراضي الأردنية فأهلاً وسهلاً.
بعد الغداء المتأخر على سطوح قرية قيصما هبّ رجلان من أهل قرية الهويّا القريبة من قيصما، هما أبونايف حسين العطا لله، وأبو حمد هلال البربور قائلين:
«نرجوكم يا باشا، قبل ما تروحوا بكرة ( أي غداً) إلى الدبّاكية غداكم أنتم والجميع عندنا في الهويا»، وأصرّ الرجلان على دعوتهما، فوعدهما.
أما فضل الله وأهل عرمان ( بلدته)، فقد غادروا إلى عرمان القريبة من قيصما إلى الغرب منها بعدة كيلومترات على أمل الحضور في اليوم التالي إلى الهويّا، في حين توجه سلطان والثوار الآخرون ليناموا في الهويّا، وبقي فريق آخر من الثوار في قيصما على أمل أن يحضروا في اليوم التالي إلى دعوة الغداء في الهويا.

كانت-مدفعية-الفرنسيين-وطائراتهم-تقصف-الثوار-بعنف
كانت-مدفعية-الفرنسيين-وطائراتهم-تقصف-الثوار-بعنف

” قال سلطان لفضل الله: سنأخذ برأي زلمتك (الكابتن جان) وسنرحل إلى الأردن ومن أراد العيش في ظل علم فرنســــا فالأمر يعود إليه  ”

ياديرتي مالك علينا لوم
في اليوم التالي توجه فضل الله إلى الهويّا مع فريق من ثوار عرمان منهم المجاهد نجيب رزق، وباتجاه الهويا عبروا من قرب خربة خضراء شرق عرمان، وفيما هم مقدمون إلى الهويّا على ظهور خيولهم طلع فضل الله بالحداء الذي مطلعه:
«ياديرتي مالك علينا لوم..لا تعتبي لومك على من خان»، والذي غنّته في ما بعد المطربة أسمهان، وكان نجيب رزق بصوته الجهوري ومن برفقتهم من فرسان عرمان يرددون الحداء من بعده.
كان الثوار قد توزعوا في الهويا بين مضافتي حسين العطا الله ومضافة هلال البربور، وكان سلطان وفريق من الثوار، ومنهم أخوه الفارس الشاعر زيد ضيوفاً في مضافة حسين العطا الله، وعلى صوت حداء فضل الله وفرسان عرمان «ياديرتي مالك علينا لوم» أطل زيد من شباك المضافة المشرف على القادمين وأشار بيده مستفهماً، أي من هو ناظم هذا الحداء؟ فأشار له فضل الله أنها له، وأنها ولدت الآن، أي اليوم. ويؤكد الشاب يوسف الأطرش، وهو حفيد المجاهد فضل الله أن هذا الحداء هو أصلاً لجده وإن تنازع عليه المتنازعون، وأن في مذكرات علياء المنذر والدة فريد وأسمهان ما يدعم حجّته.

فضل الله في العمري
(من يفعل الخيرَ لايعدم جوازيه
لايذهب العُـف بين الله والناسِ)
بنتيجة الاتفاقية التي وقعت بين بريطانيا وفرنسا تلك الاتفاقية التي كشف عنها الكابتن جان لفضل الله الأطرش، انقطعت الإمدادات التي كانت تصل للثوار، واضطر سلطان العنيد (كما وصفه الجنرال أندريا)، المصرّ على استقلال سوريا أن يلجأ إلى بادية الأردن ونجد في السعودية مع من رافقه من الثوار السوريين واللبنانيين الذين كان في طليعتهم الأمير عادل أرسلان وغيرهم.

اجتماع متوتر مع البدو
كان سلطان ومرافقوه مخيّمين في موقع العمري، وهو عبارة عن بئر ماء في البادية تتوارد إليها القبائل لإرواء مواشيها، ولما كانت هناك ثارات سابقة بين بعض تلك القبائل وبين بني معروف، بسبب التنازع التاريخي بين الحضر والأعراب، فإن العديد من رجال القبائل قلبوا كوفّياتهم التي يضعونها على رؤوسهم، وهذا كناية عن إظهار المجافاة والعداوة وعدم الرضا عن وجود الثوار في هذا الموقع الحيوي الذي يعتبرونه ماء خاصّاً بهم.
كان الثوار مسلّحين، والبدو كذلك، واحمرّت العيون من الجانبين، وهنا ارتأى أحد كبار زعماء قبيلة بني صخر أن يدعو الثوار للعشاء كمبادرة للتقارب ولتناسي الماضي، ولا بدّ أن الزعيم القبلي كان يقدر أن الثوار اضطروا إلى اللجوء إلى ذلك المكان بسبب وطنيتهم واضطهادهم من قبل عدو دخيل على بلاد العرب.
قَبِلَ الثوار الدعوة على حذر وترقّب لما سيحدث، كانت بواريدهم بأيديهم معمّرة، وجلسوا ( خَلف خلاف) أي ظهراً لظهر خوفاً من أن يباغتهم عدوٌّ ما من الخلف، وقد حضر عدد قليل من وجهاء البدو، وكانوا ملثّمين بحيث لا تبين من وجوههم إلاّ العيون!.
لكن خلف وقف يرحّب بالثوار، «يا هلا بكم، يا هلا بسلطان وفضل الله».
ما إن لفظ خلف اسم فضل الله حتّى انطلق صوتٌ مدوٍّ مديد لامرأة بدوية عجوز:«أخللللللف»
لم يعبأ خلف بنداء المرأة، وتوجه للثوّار يريد ترطيب الموقف الذي يسطر عليه الوجوم والجفاء، وقال:« يا النشامى، نريد الحديث» أي إنه يريد من يتكلّم منهم.
لكن من يتكلّم في هذا الموقف؟، وسلطان قائدهم، ولن يتكلّم أحد قبله، وسلطان رجل قليل الكلام، والموقف في نقطة ما منه على حافة من دم وهاوية مبهمة…
لم تنتظر المرأة جواباً من خلف، فقد دخلت مقعد الرجال الذين ضاق بهم فسطاط الشيخ خلف فجلسوا أمامه في الفناء الواسع الممتد على رمال البادية، تجاوزت العجوز الجالسين حتى وقفت في مواجهة خلف، قالت له بصوت مدوٍّ:«من هو فضل الله من الطرشان»؟
قال خلف:« ما بو غيره»، أي ليس من أحد بإسمه هنا سواه، كان خلف يريد أن يختصر الكلام معها، ويتخلص مما أقدمت عليه من تجرّؤٍ لم يدرك معه مقصدها.
قالت:« أهو فيد عرمان؟»، أي: أهو من عرمان؟.
قال خلف:«إي والله، هو فيد عرمان».
هنا، نفد صبر المرأة، فأزاحت أخاها من كتفه، ووقفت في مواجهة مَنْ في المقعد من الرجال، وصرخت بصوت يشوبه قدر كبير من جفاء البداوة وسجيتها:
ــ يا دروز، من هو فضل الله منكم؟.
وقف فضل الله الذي كان يجلس قريباً من سلطان، وقال:« علامك يا عجوز؟» أي: ماذا تريدين؟
هجمت عليه متخطّية الرجال، ويروي فضل الله أنه رعب في تلك اللحظات الحرجة، وما إن وصلت إليه حتى وضعت يدها على كتفه، وبيدها الأخرى وضعتها على قفا رأسه، وطبعت قبلات على جبهته وعلى شاربيه ثم ابتعدت منه خطوة، وقالت:
«وحياة محمد (هي تقسم بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم)، الغلام اللي فكّيت روحه يوم الباير (هنا تقصد أن فضل الله أنقذ حياة ابنها في موقعة الباير، والباير هذا اسم مكان في الصحراء)، هو وحيدي، مالي غيره، هو وحيّد على أربع بنيّات، وهو اليوم بيّات في البريّة مع البوش( أي الإبل)، وباكر( أي غداً) هو يجيْ ويحب على رأسك ( أي يقبّل رأسك)» .

من-مضافات-عرمان-القديمة
من-مضافات-عرمان-القديمة

البدو يكرمون فضل الله
من الواضح أن البدوية العجوز لم تنسَ جميلاً قديماً صنعه فضل الله مع ولدها قبل الثورة، إذ كان عدد من فرسان عرمان يتعقّبون غزواً بدويّاً أغار على مواشيهم وفرّ بها إلى الصحراء، وقد لحق الفرسان بهم، وبينما كان بعضهم يمسك بإبنها الشاب، من جدائل شعره، أقبل عليهم فضل الله، وأنقذ الشاب من أيديهم، وسمعهم الفتى وهم يقولون «هذا فضل الله أخو نجم»، فأدرك الفتى البدوي أنه اسم الرجل الذي أنقذ حياته. كانت فرسه قد قتلت تحته، فعجز عن الهرب، وقد تركه فضل الله يعود لأهله حيّاً، ولم يطلب من وراء ذلك مكسباً.
دهش الحاضرون لأمر العجوز وابنها، وأكبروا شهامة فضل الله ونبالته، وأخذ الحاضرون من البدو يطلقون النار في الهواء وحملوا فضل الله مبتهجين، ورحّب البدو الحاضرون بالثوار من جديد، وأفاضوا في الأيام التالية بالولائم والذبائح تكريماً لبني معروف وشيمهم العربية الأصيلة.
كان نهار بن جلباط ابناً لأحد زعماء عشيرة الزَّبْن، وهم شيوخ قبيلة بني صخر، هو نفسه الغلام الذي وقع بيد فرسان عرمان عندما كان في الخامسة عشر من عمره يوم وقعة الباير، لكنه اليوم أصبح شابّاً بالغاً في مطلع العشرينيات، هجم على فضل الله وأخذ يقبّل رأسه:
«أنت فكّيت رقبتي من عزرايل».
وهكذا أخذ الشاب نهار يتابع فضل الله كيفما اتجه، كما صار يدعوه بلقب «عمّي» تقرّباً منه، واعترافاً بفضله، ويأتي له وللثوار بجمال محمّلة زاداً وكثأ، ويجالسه كإبن بار بأبيه.

فضل الله وحملة الشيشكلي
كان ثوار بني معروف قد عادوا أعزاء بعد اثني عشر عاماً أمضوها في المنافي في بوادي الأردن، وصحراء نجد في السعودية، وقد ظلوا بالتعاون مع القوى الوطنية في داخل سوريا يشكلون ضغطاً اجتماعيّاً وسياسياً على سلطات الاحتلال الفرنسي إلى أن اعترفت باستقلال سورية ولبنان عام 1936، وعندما اجتمع الثوار في عمّان تمهيداً للعودة إلى سورية، أيد سلطان باشا تبديل تسمية «جبل الدروز» (كما كان يدعوه العثمانيون) بتسمية «جبل العرب»، لكن في العام 1954 عمد الضابط الانقلابي أديب الشيشكلي إلى مصادرة الحريات وفرض على البلاد حكماً دكتاتورياً مستبداً.
أرسل الشيشكلي قواته إلى جبل العرب بهدف اعتقال سلطان، ووأد الحركة الوطنية المطالبة بالديموقراطية في سوريا، واضطر سلطان لمغادرة سوريا، ولم يكن أمامه من خيار سوى اللجوء إلى الأراضي الأردنية، وتجنب المواجهة مع قوات الجيش السوري المرسلة لاعتقاله حقناً لدماء الجيش والمواطنين على السواء، ولكن القوات التي أرسلها الديكتاتور المستبد ارتكبت فظائع بحق مواطني السويداء.
كان فضل الله حينذاك مريضاً لا يقوى على مغادرة فراش مرضه، فوقع تحت رحمة جند الشيشكلي المكلّفين بالتنكيل ببني معروف، جاءه رقيب وهدده:«نقتلك أو تعطينا معلومات عن نشاطات سلطان وتحرّكاته».
قال له فضل الله:«من حقكم أن تفعلوا بنا ما تشاؤون، بل وأكثر من ذلك بكثير، فنحن من حررنا سوريا لتستلموها غنيمة باردة، لقد وصلت حوافر خيولنا في مقاتلة الفرنسيين إلى غوطة دمشق وراشيا وحمص وحماة وحلب، وهذا عملكم مكافأة لنا».
أجابه رقيب الشيشكلي معارضاً إياه:« أأنتم كنتم تدافعون عن تلك المناطق؟، لا والله، بل كنتم تدافعون عن الأبقار التي تحرثون عليها، أعطني اسم ثائر واحد من الغوطة إن كنت تعرفه. أنتم الدروز كل واحد منكم صار يعمل من نفسه ثائراً».
قال له فضل الله: اسمع يا بني وسجل عندك إذا كنت تريد أن تعرف حقيقة جهاد بني معروف، هذه أسماء بعض من عرفتهم من رفاق الجهاد في معارك غوطة الشام أيام الثورة التي تنكر جهدنا فيها، وها هم: «محمد المهايني وعبد الغني نجيب وحسن مقبعة وحسن الخراط وأبو عبدو الشيخ وشوكت العائدي وأولاد الأظن وخيرو اللبابيدي، وشخص من آل السمّان، غاب اسمه من بالي، والسمان هذا كان معه ابن عم له استشهد معنا في إحدى معارك الغوطة، دفناه تحت شجرة ضخمة، غرب ساقية ماء عليها جسر خشبي، كان أصلاً صندوق سيارة شحن، وكان ساعتها رصاص القوات الفرنسية ينصب علينا كالمطر، كان فريق منا يجهز المدفن، وآخرون يناوشون القوات الفرنسية، ولم نتركه في العراء للوحوش والطير…
لم يدع الرقيب فضل الله يكمل حديثه، وارتمى بصدره عليه يقبل رأسه وشاربيه وهو يقول:«سامحني يا عم، السمان هذا أبي، قسماً بالله لو قطعوا حنجرتي لن يؤذيكم أحد» .
هذه مختارات من وقائع ومواقف فضل الله النجم الأطرش البطولية، هي من تراث بني معروف الغني بالمآثر، ومن حق الرجل علينا أن ندوّن سيرته بأمانة لتكون مثالاً يقتدي به الأبناء والأحفاد.

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين

تحيَّة إلى الموحِّدين في شمال سوريا

قلوبنا اليوم هناك، في كفتين وفي معرَّة الإخوان وفي قلب لوزة وفي كلّ القرى الأبيَّة التي طالما عرفها الموحِّدون عبر تاريخهم المشرِّف جدًّا في ذلك الجبل المشرف على انطاكيا. قلوبنا مع أهلنا وأحبَّائنا الذين حملوا مثلنا تسمية خاطئة (دروز حلب) أصحاب النخوة والشَّرف والكرم والضيافة والإيثار الَّذين حوَّلوا بيوتهم وصدورهم إلى مضافات حضنوا فيها عشرات الآلاف من النَّازحين من جيرانهم، ولا غرو في ذلك، فلطالما عاش الموحِّدون هناك وفي كلِّ مكان في ظلّ مبادئ العروبة الأصيلة والإسلام السَّمح الحنيف الَّذي يتجلَّى في الأرض بتحقُّق إنساني أمثل، وبأخلاقٍ روحيَّة تقتدي بها الأمم، وبفضائل شريفة لا يقبلون عنها انزياحا.

قلوبنا معكم يا أهلنا في جبلٍ يعني لنا ولكم الكثير. يا من تتشبَّثون بالأرض التي تعرفون. فمن هناك حيث أقامت قبائل عربيَّة أصيلة قبل الفتح، وحين لبَّتْ نداء الإيمان، صقلوا أشرافُها وصناديدُها قلوبَهُم بمعاني الكتاب، ونفوسَهُم بالأعمال الطيِّبات التي تُرضي الله عزَّ وجلَّ، وسيوفَهُم دفاعًا عن الأمَّة وعزَّتها، فارتحل منهُم الكثير ليقيموا في ثغور ساحل بلاد الشَّام، ويقدِّموا التضحيات عبر مئات السنين دون انفكاك عن جذورهم ذودًا عن عزَّة الجمـــاعة والأمّـــَة.

اقـــرأوا التاريــــــخ، اقــــــرأوه جيـــِّدًا، اقــــــرأوه بإخــــــلاص فــــــي ضـــوء كلمـــة الحقّ ورسوله. هؤلاء في ألف عام لم يعتدوا على حرمةِ أخ لهُم في “الجماعة” أو في غيرها. هؤلاء أهـــل عفَّة ودِين وفضل وشهامة وتواضع، ما خانوا عهدًا، ولا طعـــنوا ظهـــرًا، ولا تواطأوا إلا مـــع الكـــرامة والـــمروءة.
اقرؤا التاريخ. اقرأوه عيانًا حاضرا أمام أعينكم. شاهدوا كم حملوا فوق طاقاتهم المادّيَّة المتواضعة من أحمال عجز عنها بلدٌ بأسره. انظروا في ضمائركم قبل بصائركم في ثمرات أخلاقهم، وولائهم للحقّ، وحفظهم الذِّمم، والتزامهم الإنساني الشَّريف بحدِّ تحريم الاعتداء على أحد، وامتثالهم مقاصد رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم في ما أودعه المسلمين من وصايا أثيلة بها قام الاسلامُ، وبها يبقى على مثاله النقيّ إلى يوم الدِّين، قال ص: “إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَليكُم دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم كَحُرمَةِ بَلَدِكُم هَذا.. اتَّقُوا اللهَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم.. الـمُسلمَ أخو الـمُسلم ، لا يَغُشُّهُ، ولا يَخُونُه ، ولا يَغْتَابُه ، ولا يَحُلُّ لَهُ دَمُهُ ، ولا شَيءٌ من مَالِهِ إِلاَّ بِطِيبِ نَفسِه…”

هؤلاء صامدون، صابرون، لا يريدون لبلدهم سوريا العزيزة إلا الخير، و لا لشعبها-وهم من صلبه- إلا الكرامة، ولا للأمَّة إلا أن يكفيها الله سبحانه وتعالى شرّ الاقتتال والتناحُر والعودة بإخلاص القلوب إلى نعمة التآلُف والوحدة. هؤلاء كانوا، كما أسلافهم، أوفياء، أنقياء القلب واليد والضمير والسَّريرة، ولا يستحقُّون من كلِّ مؤمن، ومن كلِّ أحد، إلا الاحترام والوفاء عينه.

يا أهلنا الأعزَّاء، أنتم في محلّ الاهتمام البالغ، والمتابعة الدقيقة، لكلِّ ما يستجدُّ في أوضاعكُم من أمور. إنَّنا في المجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدّروز ومشيخة العقل ، بكلّ ما يمثِّلون، مقدِّرين عاليًا صبركم وحكمتكم وحِلمكُم ، نحن نعلم أنّكم على خطى السلف الصالح سائرون، وبالمحافظة على حرمة الجار متمسكون، وبحبل الله نحن واياكم معتصمون، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يسدِّد تدبيركُم، ويثبِّت قلوبكم، ويكفّ عنكُم كلّ ضيْم، ويفرِّج عنكم كلّ همّ، ونسأله أن يجمعنا في طاعته ورضوانه ورحمته، إنَّه هو الحكيم الخبير.

العدد 11