السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الشاعر كبير

أوساط عديدة في الهند تعتبر أن مؤسسة طائفة السيخ غورو ناناك تأثر بقوة بأفكار كبير

اشتغل كبير بحياكة الألبسة قبل أن يتفرغ للتعليم والدعوة إلى الله

المزار الذي أقيم تكريما للشاعر كبير في العام 1521 في المكان الذي كان يجلس فيه لإلقاء أشعاره والاجتماع بالمحبين

لماذا تصارع يا كبير مع كبير

الشّاعــــــرُ الصّوفـــــــــيُّ الهنـــــــــديُّ «كَبيـــــــــر»

مَجَّدَ في شعره التّسامحَ والحُبَّ الإنسانيَّ
وندّدَ بالتَّعصّبِ والتَّدَيُّن الخالي من الرُّوح

أخذَ بـ «دين الحبِّ»هائماً في الأرضِ
فتدافعَ الألوفُ لسَماعِ قصائدهِ وتعاليمه

رفض الرَّهبانيَّة والانسحابَ من العالم
واعتبرَ الحكمةَ ثمرةَ التّسليمِ وطَهارة القلب

يحتلُّ الشّاعر الصّوفيُّ الهنديُّ العظيم “كَبير” (1440 م ـ 1518م) مكانةً رفيعةً في أدبيّات الشّعر الصّوفيّ العالميّ وقد زاد من شهرته والشّهر ة التي يتمتّع بها شعره وشخصيّته الفريدة التي جمعت بسبب نشأته وتطوّره الرّوحيّ أغنى ما في الرّوحانيّة الهندوسية البراهميّة وبين أرقى تعبيرات الشّعر الصّوفيّ الإسلاميّ، وقد اشتُهر “كبير” بإنشاده لأشعار الحبّ الإلهيّ والإنسانيّة الواحدة والتّسامح وأظهر في شعره وتعاليمه احتقاره للتعصّب ونقده لنوع التنسّك الطّقْسيّ الصّارم الذي كان سائدا بين ناسكي الهندوس الذين كانوا يتفنّنون في أعمال الإماتة وقهر الجسد والممارسات الشّديدة باعتبارها الطّريق إلى الحقيقة، ورفض “كَبير” الرّهبانيّة في السّلوك الرّوحيّ والعزلة عن العالم فعاش بنفسه بين النّاس وتزوّج مشدّداً على أنّ السّعيَ إلى الله والتحقّق الرّوحيّ ليس نتاج العمل الذي نقوم به مهما بل ونعمة وعطاء محض ومكافأة للقلب السليم وللتّسليم التامّ للمرشد وللمولى. وركز “كبير” كثيراً على قِيَم الحبّ الإلهيّ وطهارة القلب والبساطة والتّسامح وقبول الآخر.
بين كبير ويونس أمره
هناك أوجه شبه كثيرة بين قِصّة “كبير” وبين قِصّة الشّاعر الصّوفي التّركي الشّهير يونس أمره وأهم جوانب الشّبه هو في الغموض المحيط بحياة كلٍّ من الشاعرين إذ لم يعرف الشيء الكثيرعن حياة يونس أمره كما لم يعرف الكثير عن نشأة الشاعر الصّوفيّ “كبير” وقد نسجت حول حياته العديد من الرّوايات وإن كان معروفاً أنّه تربّى وسط أسرة من النّسّاجين المسلمين. وقد زادت رواية أنه عُثِر عليه من قبل نسّاج مسلم يدعى نيرو وزوجته نعمة، في ليهارتارا التي تقع في فاراناسي (بنارس) وكان كلٌّ من نيرو ونعمة فقيرين جدّاً وأمّيّين، فقاما بتبنّي الطفل وعلّماه صناعة النّسيج. لكنّ غموض ظروف النّشأة ليس وجه الشّبه الوحيد بين “كبير” ويونس فالاثنان كانا من أعلام شعر الحبّ الإنسانيّ الذي يتجاوز الفوارق والتّعريفات والشّكليّة في الدّين وقد ذهب كلاهما إلى حدّ التّعبير عن بعض التمرّد على القوالب والتّعريفات الجامدة. أمّا وجه الشّبه الأهمّ فهو أنّ شهرة يونس أمره ودين الحبّ الذي سلكه وجعل منه ديدنه وأسلوب حياته تحوّل إلى أساس للكثير من القصائد التي نظمها محبّوه في الأزمنة التّالية ونسبوها إلى الشّاعر وقد حصل الأمر نفسه لـ ”كبير” الذي قام بعض تلامذته بعده بنظم أشعار مستوحاة من فلسفة الحبّ والتّسامح التي بشّر بها ونسبوها إليه أيضا. يحتلُّ الشّاعر الصّوفيُّ الهنديُّ العظيم “كَبير” (1440 م ـ 1518م) مكانةً رفيعةً في أدبيّات الشّعر الصّوفيّ العالميّ وقد زاد من شهرته والشّهر ة التي يتمتّع بها شعره وشخصيّته الفريدة التي جمعت بسبب نشأته وتطوّره الرّوحيّ أغنى ما في الرّوحانيّة الهندوسية البراهميّة وبين أرقى تعبيرات الشّعر الصّوفيّ الإسلاميّ، وقد اشتُهر “كبير” بإنشاده لأشعار الحبّ الإلهيّ والإنسانيّة الواحدة والتّسامح وأظهر في شعره وتعاليمه احتقاره للتعصّب ونقده لنوع التنسّك الطّقْسيّ الصّارم الذي كان سائدا بين ناسكي الهندوس الذين كانوا يتفنّنون في أعمال الإماتة وقهر الجسد والممارسات الشّديدة باعتبارها الطّريق إلى الحقيقة، ورفض “كَبير” الرّهبانيّة في السّلوك الرّوحيّ والعزلة عن العالم فعاش بنفسه بين النّاس وتزوّج مشدّداً على أنّ السّعيَ إلى الله والتحقّق الرّوحيّ ليس نتاج العمل الذي نقوم به مهما بل ونعمة وعطاء محض ومكافأة للقلب السليم وللتّسليم التامّ للمرشد وللمولى. وركز “كبير” كثيراً على قِيَم الحبّ الإلهيّ وطهارة القلب والبساطة والتّسامح وقبول الآخر.
بين كبير ويونس أمره
هناك أوجه شبه كثيرة بين قِصّة “كبير” وبين قِصّة الشّاعر الصّوفي التّركي الشّهير يونس أمره وأهم جوانب الشّبه هو في الغموض المحيط بحياة كلٍّ من الشاعرين إذ لم يعرف الشيء الكثيرعن حياة يونس أمره كما لم يعرف الكثير عن نشأة الشاعر الصّوفيّ “كبير” وقد نسجت حول حياته العديد من الرّوايات وإن كان معروفاً أنّه تربّى وسط أسرة من النّسّاجين المسلمين. وقد زادت رواية أنه عُثِر عليه من قبل نسّاج مسلم يدعى نيرو وزوجته نعمة، في ليهارتارا التي تقع في فاراناسي (بنارس) وكان كلٌّ من نيرو ونعمة فقيرين جدّاً وأمّيّين، فقاما بتبنّي الطفل وعلّماه صناعة النّسيج. لكنّ غموض ظروف النّشأة ليس وجه الشّبه الوحيد بين “كبير” ويونس فالاثنان كانا من أعلام شعر الحبّ الإنسانيّ الذي يتجاوز الفوارق والتّعريفات والشّكليّة في الدّين وقد ذهب كلاهما إلى حدّ التّعبير عن بعض التمرّد على القوالب والتّعريفات الجامدة. أمّا وجه الشّبه الأهمّ فهو أنّ شهرة يونس أمره ودين الحبّ الذي سلكه وجعل منه ديدنه وأسلوب حياته تحوّل إلى أساس للكثير من القصائد التي نظمها محبّوه في الأزمنة التّالية ونسبوها إلى الشّاعر وقد حصل الأمر نفسه لـ ”كبير” الذي قام بعض تلامذته بعده بنظم أشعار مستوحاة من فلسفة الحبّ والتّسامح التي بشّر بها ونسبوها إليه أيضا.

لماذا تصارع يا كبير مع كبير
لماذا تصارع يا كبير مع كبير

مريدا للحكيم راماناندا
رغم تنشئته الإسلاميّة فقد قُيِّض لـ”كبير” أن يسلك طريق التّصوّف والنّسك منذ نعومة أظفاره على يد الحكيم الهندوسيّ الشّهير “راماناندا”، ويُعتَقد أنّ عائلة “كبير” كانت تعيش في المكان الذي عاش فيه الحكيم وأنّ “كبير” سلك على يد معلّمه وهولا يزال طفلاً يافعاً.
وتشير المصادر إلى أنّ “راماناندا” اطّلع على الإرث الشّعري المشبوب بالحبّ الإلهيّ لمتصوّفة كبار مثل العطّار وسعدي والرّومي والشّيرازي وقد مارست هذه المدارس الشّعرية مع ما حملته من مشاعر راقية من العشق الإلهي والوَجْد الصوفي تأثيراً قوياً على الفكر الرّوحيّ الهنديّ في تلك الفترة، وقد بلغ من تعلّق “رامانندا” بالشعر الصّوفيّ الإسلاميّ حدّ الطّموح إلى إيجاد مصالحة بين هذا الشّعر القائم على الوَجْد والفناء في الله وفكرة الله المتعالي عن كل وصف وبين النّظام التأمّلي الزّهديّ العميق لتوحيد الفيدانتا الهندوسيّة، وقد وجد الحكيم في تلميذه “كبير” الرّجل الذي يمثل في حياته ذاتها (كمسلم النشأة وفيدانتي التّعليم) ومفاهيمه هذا المزج الطّبيعيّ بين الرّوحانيّتين الهندوسيّة والإسلاميّة فقام بتنشئته وفق هذه النظرة الجامعة، وكان لتعليمه ولا شكّ الأثر الأوّل في تكوين شخصيّة “كبير” وطريقه الرّوحيّ ثم شعره وتعاليمه في مرحلة لاحقة. لكن وبخلاف أتباع الفيدانتا الأوائل، فإنّ “كبير” رفض نظام الطّوائف أو الطّبقات Casts الهندوسيّ الذي يربط بين الفرد والطائفة الاجتماعيّة التي وُلِدَ فيها إلى الأبد ويحتقر طبقة المنبوذين كما رفض عبادة الأوثان المتداخلة مع الممارسات والطقوس الدّينية الهندوسيّ .
ويظهر التمازج بين الرّوحانيّة الهنديّة والتّصوّف الإسلاميّ واضحاً في شعر “كبير”من خلال المفردات الصّوفيّة الإسلاميّة وكذلك المفردات الفلسفية الهندوسيّة التي يستخدمها مثل البراهمان (الله) والكارما (وهي أعمال الشخص التي تتراكم وتحكم مساره) وتقمص الرّوح re-incarnation كما استعار “كبير” من التّوحيد الهنديّ (الفيدانتا) مبدأ الأتمان أو الروح الأعلى والسّاهاجا والعشق الإلهيّ (بهاكتي) لكنه عارض في الوقت نفسه وبشدة التعصّب في كلٍّ من الهندوسيّة والإسلام. وبسبب عدم حصوله على تعليم وبسبب تربيته البسيطة فقد كانت لغته الهنديّة تميل إلى العاميّة، والصراحة، والرِّقة على النحو نفسه الذي تتّصف به فلسفته، وكان “كبير” (الذي كان أيضا موسيقيّاً ماهراً) يبدأ عادة بإطلاق عبارات لاذعة لصدم مستمعيه وكان يتبع ذلك بإلقاء أعذب قصائد الحب الصوفي.
يتمتع “كبير” بشهرةٍ واسعة في الهند منذ خمسة قرون، ليس باعتباره شاعرا فحسب بل باعتباره حكيماً ورمزاً روحيّاً أيضاُ يبلغ عدد أتباعه اليوم نحو تسعة ملايين، معظمهم يوجد في ولاية تشاتيسغار وسط الهند حيث وُلد وعاش الجزء الأكبر من حياته، وفي مدينة مجاهر بشمال البلاد وحيث توفي أيضا عن عمر 78 عاماً.
ونظرا إلى شموليّة فكره وإنسانيّته فقد قامت جماعة السيخ التي تتبع بدورها مذهبا توفيقيا متفرعا عن الهندوسية بدمج بعض النصوص المنسوبة إلى “كبير” بالكتاب المقدّس لمذهبهم، واعتبر مؤسّس هذا المذهب، غورو ناناك، نفسه تلميذا لـ”كبير”.
وما نعرفه عن “كبير” أيضاً هو أنه تخلّى تدريجياً عن مهنة النّسج وانطلق في التّبشير بطريق السّير إلى الله وبالحبّ الإلهيّ فتحوّل حانوته إلى مكان تجمّعٍ وصلاة وتعليم. وبما أنه كان يكره التّعصب الدّينيّ فقد كان يهزأ بالمتزمّتين بغض النظر عن انتمائهم، وهو ألَّف معظم أشعاره في الحب الإلهيّ والتّسامح والزّهد وتمجيد المرشد والفناء في الله. وبالنظر لحياة الفقر والسياحة وفي الأرض التي كان يعيشها فقد اعتبره بعض الناس أوّل الأمر مجنونًا، إلا أنّهم عادوا ليروا فيه شخصاً متنوّرا قبل أن تُسبّب حرّيته الفكرية وصراحته في نقد المعتقد الشعبيّ مشاكل جدّية، إذ سيندّد خصومه بتعاليمه أمام الإمبراطور سيكاندر الذي سيضطهده ثم يحكم عليه بالإعدام فيُضطرّ إلى مغادرة بنارس.

آثاره الشعرية
برغم الإرث الشعريّ الغزير الذي خلفه فإنّ “كبير” لم يكتب في حياته سطراً واحداً بل اكتفى بإلقاء تعليمه وأقواله وأناشيده (أو قصائده) شفهيّاً أمام مستمعيه كما أنّه لم يعطِ لنفسه دور المرشد الرّوحيّ ولم يتّخذ مريدين. لكن محبّيه والمستمعين إليه كانوا يتوافدون بالمئات ويتابعونه في كل مكان يحلّ فيه. ووفقا للمؤرّخة شارلوت فودفيل فإن أشعار “كبير” تمّ خطّها وحفظها على يد أتباعه أثناء استماعهم إليه، وهي كُتبت بلهجة الأفادي المستخدمة آنذاك في شمال الهند ويتخلّلها الكثير من الكلمات العربيّة والفارسية.
وأشهر دواوين “كبير” هو ديوان “بيجاك” (وهي كلمة تعني “بذرة” و”مفتاح” في آن واحد) الذي جمع نصوصه بجفان داس عام 1600م وتُرجم إلى لغات عديدة بينها التّرجمة البنغاليّة وهي التي اعتمدها الشّاعر طاغور لنقل مائة نصّ منها إلى اللّغة الإنجليزيّة. وفي مطلع القرن العشرين نقل الفيلسوف الفرنسيّ أندريه جيد عن ترجمة طاغور 22 نصّاً إلى الفرنسيّة قبل أن تُقدِم الكاتبة الفرنسيّة هنرييت ميرابو تورانس على ترجمة الدّيوان كاملاً عام 1922.

مفارقة
عاش “كبير” حياة سياحة في الأرض ولم يتّخذ مقرّاً ثابتاً حتى سنين متأخّرة من حياته، وأدّى تجواله والشعبيّة الكبيرة التي كانت تكتسبها أشعاره إلى تحوّله إلى رمز للتّسامح والمحبّة والانعتاق الرّوحيّ، وتحوّل في نظر الملايين إلى قِدّيس وكثُر أتباعه ومحبّوه وتوافد إليه الألوف حيثما حلّ وأينما جلس، لكن كما يحصل للكثير من أقطاب المحبّة والتّسامح الدّينيّ فإنّ الكثير من الذين اتّبعوه لم يدركوا حقيقة رسالته ولم يهتمّوا بالتزام المبادئ التي علّمها بقدر اهتمامهم بتقديسه والتعصّب له، وقد ظهرت هذه المفارقة بين تعليم أهل الله وبين سلوك الأتباع جليّة بعد وفاته إذ تعارك تلاميذه وبعض الأمراء على جثمانه وإرثه، فتمّ في مرحلة أولى تشييد ضريحٍ له في مدينة مجاهر يتردّد عليه المسلمون والهندوس ليكون هذا الضّريح تجسيداً لمبادئ التّعايش والتوادِّ الهندوسيّ الإسلاميّ، لكن لم يطل الأمر حتى اندلعت صدامات بين الفريقين حول الضّريح وإدارته اضطرّ الهندوس على أثرها إلى تشييد ضريحٍ آخر له إلى جانب الأوّل.
ربما على سبيل الإدانة لهذا الاختلاف حول شاعر جسّد في حياته وشعره المحبّة والتّسامح فقد ظهرت بعد موته حكاية باتت رائجة في أوساط محبّيه ومحبّي شعره وهي رواية قد لا تكون قد حصلت فعلاً لكنّها باتت تمثّل أبلغ صورة عن الأسلوب الذي كان “كبير” سيحلّ به الخلاف حول جسده وتذكاراته.
تقول الحكاية أنّه عند وفاة “كبير” اختصم أتباعه من المسلمين والهندوس في طريقة دفنه: المسلمون قالوا يُدفن على الطريقة الإسلاميّة، والهندوس قالوا يُحرَق جثمانه وفق الطّقوس الهندوسيّة. وفيما هم يختصمون، ظهر لهم “كبير” وطلب منهم أن يفتحوا النّعش، وعندما فعلوا ذلك وجدوا مكان الجثمان كومة كبيرة من الأزهار، فاقتسموها بينهم. المسلمون دفنوا نصفها والهندوس أحرقوا النّصف الباقي.
وفي الجزء التّالي من هذا المقال نعرض لمختارات من شعر “كبير” كما نقلها عن الفرنسيّة إلى العربية الشّاعر الليبيّ عاشور الطّويبيّ.

من قصائدِ شاعرِ الحُبِّ الصّوفيِّ «كَبير»

اشتغل كبير بحياكة الألبسة قبل أن يتفرغ للتعليم والدعوة إلى الله
اشتغل كبير بحياكة الألبسة قبل أن يتفرغ للتعليم والدعوة إلى الله

1
يا عبدُ، تطلبُني أينَ؟
أنظرْ! أنا بجانبِك.
لا في معبد
ولا في جامعٍ أنا
لا في كعبةٍ
ولا في كايلاش1 أنا
لا في طقوس
واحتفالاتٍ أنا،
لا في يوغا
و لا في زهدٍ أنا.
لو كنتَ باحثاً حقيقيّاً،

ستراني
حالاً في لحظة
ستقابلني. يقول “كبير”، “يا فلان!
الإله نَفَسُ كلِّ نَفَسْ.”

2
يا صديقي!
ليكن هو مُرادُك
وأنت حيٌّ،
اعلمْ
وأنت حيٌّ،
افهم
وأنت حيٌّ:
لأنّ الخلاصَ فرضٌ
إنْ لم تكسرْ قيودَكَ
وأنت حيٌّ،
أيُّ أملٍ للنّجاة
من الموت؟
لا شيءَ سوى حُلُمٍ فارغْ،
على الرّوح أن تتّحِدَ مَعهْ
لأنّها غادرت الجسد:
إذا اُكْتِشفَ الآن،
اُكْتِشفَ لاحقاً.
إذا فَشِلنا،
ليس لنا سوى الذّهابِ للإقامة
في مدينة المَوْت.
إذا اتّحدتَ الآن،
ستحصلُ عليها فيما بعدْ.
استحمَّ في الحقيقة،
اعرفِ المرشدَ الحقيقيَّ،
ثقْ بالاسمِ
الحقيقيِّ!
يقول “كبير”: “ إنها روحُ البحث التي تُعين؛
أنا عبدُ هذه الرّوحْ”.

3
لا تذهبْ إلى حديقةِ الأزهارْ!
لا تذهبْ إلى هناكَ يا صَديقي!
حديقة الأزهارِ في داخلِك
خذْ مِقعدكَ فوقَ ألفِ بَتَلَةٍ لزهرةِ لوتُسْ،
و حدِّقْ
في الجمالِ اللّانهائيِّ.

4
يا أخي قلْ لي، كيفَ يمكنُني التخلّي عن وهمِ المايا2؟
لمّا تخلّيتُ عن علائق الأسباب، بقيتُ أشدّ قميصي عليّ
لمّا تخلّيتُ عن شدّ قميصي، بقيتُ أُغطّي جسدي في طيّاتِهْ.
ولمّا تخلّيتُ عن العاطفةِ، بقي الغضبُ؛
ولمّا تخلّيتُ عن الغضبِ، بقي الطّمعُ؛
ولمّا هُزمَ الطّمعُ، بقي الكبرياء و الصّلف؛
ولمّا انفصلَ العقلُ وأبعدَ المايا، بقي متشبّتاً بالرّسالةْ.
يقول “كبير”: “استمعْ لي، عزيزي فُلان!
من النّادرِ أن يجدَ المرءُ الطريقَ الحقيقيَّ.”

5
القمرُ يسطعُ في جسدي، لكنّ عينيّ العمياوَتَينِ لا تستطيعانِ رؤيتَهْ:
القمرُ في وجودي، وكذلكَ الشّمس.
فيّ طبلِ الأبديّةِ الذي لم يضْعُف صوتُهُ؛ لكن أذنيَّ الصُّمِّ لا تستطيعان
سماعَهْ.
طالما بقيتْ دعوى الإنسانِ: هذا “أنا” و هذا “لي”
فإنّهُ لا قيمة لأعمالِه
وعندما يموت كلُّ الحبِّ لـلـ “أنا” و للــ “لي” يكتملُ عملُ المولى.
ولا هدفَ للعملِ سوى بلوغِ المعرِفة
وحين تأتي المعرفةُ، يوضعُ العملُ بعيداً.

من أجلِ الثّمرةِ تتفتّحُ الزّهرةْ
حين تأتي الثّمرةُ تذبُلُ الزّهرة.
المسكُ في الظّبيِ، لكنّهُ لا يبحثُ عنهُ في داخلِهْ:
فهو يجوبُ البراري بحثاً عن العشب.

6
عندما يظهرُ نفسُه بنفسِهْ
يأتي المولى إلى عالمِ الظّاهر
فيصبح ممكنا أن نشاهدَه
كما البذرةُ في النّباتْ،
كما الظلُّ في الشّجرة،
كما الفراغ في السّماء،
كما أشكالُ اللّانهائيِّ في الفراغ
لذا مِن وراء اللّانهائيِّ، يأتي اللّانهائيُّ
ومنَ اللّانهائيِّ يمتدّ النّهائيُّ.

الكائنُ موجودٌ في الله واللهُ موجودٌ في الكائن:
مُختلفانِ هما على الدّوام، مُتّحدان هما على الدّوام.
هو ذاتُه الشّجرةُ والبِذرةُ والكائناتُ المِجهريّة
هو ذاتُه الزّهرة والثّمرة، والظّلُّ.
هو ذاتُه الشّمس والضّوءُ، واللّطيفُ.
هو ذاتُه الخالقُ، وهو سرابُ الوجودِ الظّاهرْ
هو ذاتُه الأشكالُ المتعدّدةُ والفضاءُ اللّانهائيُّ
هو النَفَسُ وهو الكلمةُ وهو المَعنى.
هو ذاتُه الحدُّ واللّاحدُّ وهو وراءَ المحدودِ واللامحدودْ
هو الطّاهرُ، وهو العقلُ الجوهريُّ في الخالقِ والمخلوقْ

الرّوحُ السّاميةُ تُرى في داخل الرّوحْ،
النقطةُ تُرى في داخل الروح السامية،
و في داخل النّقطةِ، يُرى الانعكاس مرة ثانية.
“كبير” مبارك إذ أُعطيَ هذه الرؤية المتسامية!
7
في داخل هذا الوعاء التّرابي أكواخٌ وبساتينْ،
وفي الدّاخلِ خالقُ كلِّ شيء
في داخل هذا الوعاء البحار السّبعة والنّجوم التي لا تُحصى.
في الداخل المحكّ وعيّاري الجواهر
وفي داخل هذا الوعاءِ، الصّوتُ الأبديُّ، و الينبوعُ المتدفّقُ إلى أعلى.
“كبيرٌ” يقول: “استمعْ لي، يا صديقي! في الدّاخلِ حبيبي و مولايْ”

8
آهٍ، كيف يمكنُني أن أعبّرَ عن الكلمةِ الخفيّة تلكْ؟
آهٍ، كيف يمكنُني القولُ هو لا يشبه هذا، وهو لا يشبه ذاك؟
لو قلتُ إنّه في داخلي، يخجلُ الكونُ:
لو قلتُ هو بدوني، فهذا باطلْ.
هو يجعلُ عالمَ الباطنِ وعالمَ الظّاهر واحداً لا يتجزّأ
الوعي واللّاوعي، كلاهما بساط لقدميه.
هو ليس ظاهراً ولا خفيّاً، هو ليس مُعلنا ولا غيرَ مُعلن:
لا توجد كلماتٌ يمكن أن تُخبرَ عنه.

9
إليكَ يا حبيبي اجتذبتَني!
كنتُ نائما في حُجرَتي، وأنت أيقظتَني.
ضربتني بسوطك!
كنتُ غارقا في أعماق بحرِ هذا العالم،
وأنت أنقذتني: حضنتني بذراعيك!
كلمةٌ واحدةٌ فقط لا ثانيَ لها-
وجعلتَني أمزّق كلَّ قيودي!
“كبيرُ” يقول: “أنتَ جعلتَ قلبكَ وقلبي واحدا”

أوساط عديدة في الهند تعتبر أن مؤسسة طائفة السيخ غورو ناناك تأثر بقوة بأفكار كبير
أوساط عديدة في الهند تعتبر أن مؤسسة طائفة السيخ غورو ناناك تأثر بقوة بأفكار كبير

10
لعبتُ ليلَ نهارَ مع رفاقي،
وأنا الآنَ في خوفٍ عظيم.
قصرُ مولاي في أعلى عليّين، قلبي يرتعد لأصعدَ دَرَجَهْ
واجبٌ عليّ ألّا أكون خجولاً، إذا رغبتُ في الاستمتاع بمحبّته.
على قلبي أن يلتصقَ بمحبوبي، عليَّ أن أخلعَ حجابي،
عليَّ أن ألاقيه بكلّ كياني
على عينيّ أن تستعرضا حفلَ قناديلِ الحبّ.
“كبيرٌ” يقول: “استمع لي، يا صديقي: هو يفهم المحبّين
إذا كنتَ لا تشعرُ بالشّوقِ إلى حبيبك،
لا جدوى أن تزيّن جسدك،
لا جدوى من وضع المراهم على جَفنيك.”

11
يا بَجعةُ، أخبريني قِصَّتَك القديمة.
يا بَجَعةُ، من أيّة أرض تجيئين؟
إلى أيّ شاطئ ستطيرين؟
يا بَجَعةُ، أين سترتاحين، وعمَّ تبحثين؟
يا بَجَعةُ،
هذا الصباحُ أيضاً،
يستيقظُ،
ينهضُ،
يتبعُني!
هناك أرضٌ
لا شكَّ فيها
و لا أسًى:
لا خوفَ من الموت.
و غاباتُ الرّبيع في ازهرار،
الرّائحةُ العَطِرَةُ “أنا”
وُلِدْتُ فوقَ الرّيح:
هناكَ
نَحلةُ القلبِِ مغمورةٌ عميقاً،
لا تشتهي
متعةً أخرى.

المزار الذي أقيم تكريما للشاعر كبير في العام 1521 في المكان الذي كان يجلس فيه لإلقاء أشعاره والاجتماع بالمحبين
المزار الذي أقيم تكريما للشاعر كبير في العام 1521 في المكان الذي كان يجلس فيه لإلقاء أشعاره والاجتماع بالمحبين

12
مولايَ الذي لم يَلِدْ ولم يولدْ، من الذي يخدمُك؟
كلّ نصير يَهَبُ عبادتَهُ إلى إلهٍ مِن خَلقه:
يقوم بعبادتهِ كلَّ يومٍ-لا أحد يطلبه،
الكاملُ: الرّبُّ المولى غيرُ قابل للانقسام.
هم يؤمنون بعشرةٍ من تجلياتِ الرّبوبية؛ لكنْ لا يوجدُ تجلٍّ
يمكن أن يكون الرّوحُ اللانهائيُّ، لأنّه سيتعذبُ بنتائجِ أعمالِهْ
الواحدُ العليُّ، غيرُ هذا.
اليوغيُّ والنّاسكُ والزّاهدُ، يجادلون بعضَهم بعضا:
“كبيرٌ” يقول: “يا أخي، من رأى نورَ العِشقِ، فإنّهُ نَجا.”

13
النهرُ وأمواجُه زَبَد
ما الفرقُ بينَ النّهرِ وأمواجِهْ؟
عندما ترتفعُ الموجةُ، فهي الماء؛
وعندما تتراجعُ، فهي الماءُ مرّةً أخرى
قل لي، سيدي،
أين هو الفرقُ؟
لأنها سُمِّيَتْ موجةْ،
لن يُنظَرَ لها كماء؟
في داخل المُطلَقِ المُتَسامي
تمُّر العوالمُ كحبّاتِ سُبْحةْ:
انظرْ إلى تلك السّبْحَةْ
بعينيِّ الحِكمة.

14
بين قطبيِّ الوعيِ واللّاوعيِ،
صَنَع العقل أرجوحةً:
تُعلّق عليها كلّ الكائنات وكلّ العوالمْ،
ولا تفقد الأرجوحةُ حركتها أبدا:
ملايينُ من الكائناتْ:
الشّمسُ و القمرُ في فلكيْهما هناك:
ملايينُ السنينَ تمرُّ،
والأرجوحةُ في حركةٍ دائمة.
الكلّ يتأرجحُ!
السذماءُ
والأرض
والهواء
والماءْ،
والمولى ذاتُهُ
يأخذُ شكلاً منظورا
معاينةُ هذه العجيبةِ
جعلتْ من “كبيرٍ” خادما

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي