الخميس, نيسان 10, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 10, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الشيخ أسعد سويد إمام بلدة كفر حمام

الشيخ أسعد سويد

جادة في كفرحمام باسم الإمام أسعد سويد

صورة جامعة لبلدة كفرحمام

الشّيخ أسعد سُوَيد

أنقذَ كثيرين من عَسف المستعمر
وعزز المودّة بين طوائفِ المنطقة

اشتعلت شرارة الحرب العالميّة الثانية في منطقتيّ مرجعيون – حاصبيّا أوائل صيف عام 1941، وهاجم الجيش الإنكليزيّ جيش حكومة فيشي الفرنسيّة المتواجد في ثُكنتيّ مرجعيون والخيام فوق تلال قرى إبل السّقي والفرديس وراشيّا الفخّار ممّا حمل أهالي تلك البلدات إلى النزوح والابتعاد عن ساحات القتال درءاً للأخطار والدّمار .
نصيب منزل الشّيخ أسعد سويد في كفر حمام كان التجاء ثلاث عائلات: آل ظاهر من الخيام وآل الغريب وآل السيّار من بلدة راشيّا الفخار يرافقهم خوري من سوريا كان ضيفاً عند أقاربه في راشيّا …
اشتدّت ضراوة القتال وتطايرت القذائف يميناً وشمالاً حول بلدة كفر حمام. آنذاك بادر الشّيخ أسعد مع ضيوفه إلى الاحتماء بين الكهوف والمغاور خارج البلدة، وكان التجاؤهم إلى مغارة صغيرة لا تتسع لأكثر من ثلاثة رجال، عمل عندها الشّيخ إلى إدخال الخوري وأحد ضيوفه إلى داخلها والبقاء بذاته عند مدخلها..
استعظم الخوري ذلك وقال: لا يجوز يا شيخنا أن تعرّض نفسك للخطر لتقينا منه. أجاب الشّيخ: كُنْ مرتاح البال يا محترم فواجبنا أن نضحّي بأنفسنا ولا نُضحّي بضيوفنا.
ترك جيش حكومة فيشي الفرنسيّة بلدة راشيّا الفخار متقهقراً مخلّفاً العديد من الجرحى والقتلى وجُلّهم من الجنود الشّراكسة، ولكون الحرب كرّ وفرّ، فقد عاود الهجوم الفيشيّ من جديد بعد مدّة إلى راشيّا فتمكّن المهاجمون من استرجاعها ودحر الإنكليز خارجها.
هنا تسرّبت إشاعات لقيادة الجيش المذكور بأن أحد المواطنين في راشيّا خبّأ عدداً من الجنود الشّراكسة في أتون للفخّار كي يبعدهم عن أنظار الجيش الإنكليزي، لكنّه عمدَ بعد ذلك إلى إشعال النّار حيث لاقَوْا حتفهم جميعاً..
قائد الكتيبة الفرنسيّة، والتي خيّمت عند بيادر كفر حمام، وهو شركسيّ يُدعى (باكير) استدعى أهالي البلدة كي يسلّموا أربعين شابّاً من أبناء راشيّا الفخّار المختبئين عندهم، وقصده إلحاق الأذى بهم، انتقاماً لما سمع عن إحراق أبناء جلدته من جنوده، غير أنّ إجابة أبناء البلدة كانت: “إنّ جميع الشّباب والرّجال من بلدة راشيّا قد هربوا خارج كفر حمام ولا نعلم أماكن تواجدهم”. ورغم ذلك أصرّ باكير من قبيل الضّغط النّفسي على جلب نسائهم كي يحقّق في الأمر.
علم الشّيخ أسعد سويد بالموقف فذهب بنفسه إلى القائد المذكور وخاطبه بوقار ورجولة قائلاً : “أيها القائد الكريم، هل يسمحُ دينكم الإسلاميّ وشرفكم العسكريّ أن يؤخذ البريء بجُرم المذنب؟؟ أجابه الضّابط: لا، لكن نريد أن نعرف من قتل جنودنا وكيف كان قتلهم؟؟
قال الشّيخ: صدّقني وثِقْ بكلامي إنّ ما نُقل عن ذلك الرّجل من أهالي بلدته ليس إلا زُور وبهتان وربّما كره وانتقامٌ، وأبناء البلدة المذكورة قد أنكروا جميعهم هذه التّهمة وأقسموا اليمين المعظّم أنّهم أبرياء من دم أيّ جندي فرنسيّ سواء كان شركسيّاً أو مَغرِبيّاً أم سواء ذلك، والآية الكريمة تقول: “ ولا تزر وازرة وزر أخرى” (سورة الزّمر- الآية 7)،
بعد هذا الدّفاع الجريء أجاب القائد العسكريّ الشّركسيّ: لك ما تريد يا شيخنا وعليهم الأمان. نقلتُ هذه المأثرة من مذكّرات الشّيخ أسعد سُويد إلى إمام بلدتنا الفرديس الشّيخ أبو طاهر علي سليقا، وهو شيخ طاعن في السّن جاوز التّسعين من العمر في حينه، فقال: “هذا ليس بمستغرب عن ذاك الرجل الشّريف النّبيل، وقد لمست هذا بنفسي عندما حضر الشّيخ سويد في تموز 1967مأتم أحد شيوخ البيّاضة الكبار المرحوم الشّيخ أبو حسن علم الدّين ذياب وألقى كلمة تأبين أمام المشايخ والمشيّعين كان فيها الكثير من التقدير والاحترام للموحّدين الدّروز” إذ قال: “حضرات المشايخ الأفاضل، يا أهل العقل ويا أهل المعرفة، يا أهل الرّجولة، يا أهل الكرامة، يا أهل الحكمة، اسمحوا لي أن أبدأ كلمتي المتواضعة هذه بشعرٍ لأمير الشعراء شوقي عن الحكمة:
الكُتْبُ، والرسلُ، والأديانُ قاطبــــةٌ خزائنُ الحكمةِ الكبرى لداعيــها
محبــــــــــّةُ الله أصــلٌ في مراشـــدهـــا وخشـــيــــــــــــــــــة الله أُسٌّ في مبانيــــــــهـــا
وكـلّ خــيرٍ يُــــــــــلَقّــى في أوامــــــرها وكــلّ شــرٍّ يُوَقّــى في نواهيـها
والحقيقة والواقع يا ساداتنا المشايخ والمشيّعين الأكارم نقولها بكلّ خشوع واحترام أمام جثمان هذا الطّاهر والذي سمعنا عنه وعن أمثاله سكّان هذه المعابد المقدّسة والتي تزخر بالعلم والإيمان والمعرفة، وإنّنا وإيّاكم لمسلمين مؤمنين، نفاخر بديننا الإسلاميّ الحنيف، ومهما حاول البعض بثّ عوامل التّفرقة والتّباعد ونشر البغضاء بين المذاهب الإسلاميّة.

“قضاء حاصبيا هو المنطقة الأولى في لبنان من حيث تعدد طوائفه ومن حيث تعايشهم في المــــودّة على مدى الدهور”

الشيخ أسعد سويد
الشيخ أسعد سويد

وفي النّهاية، حقّاً وصدقاً إنّنا نفاخر بكم، وبمصداقيّتكم وتفانيكم ورجولتكم التي ليس من بعدها رجولة وإقدامٌ وشجاعة. والواقع إنّكم أسياف العروبة الحقّة وتُرسها ودرعها وقائدكم سلطان باشا الأطرش عاقد لواءها”
كان للشّيخ أسعد سويد مواقف شهامة وإغاثة للملهوفين شملت جميع الفئات مثل دروز راشيّا الفخار وآل الغريب الشّيعة من أبناء بلدة الخيام، بالإضافة إلى مواقفه الاجتماعيّة مع الجميع خصوصاً جيرانه أبناء الطائفة الدّرزية إذ كان مقرّراً ومُنصفاً وعاملاً نشيطاً للتّواصل والتوادّ معهم، وهذا ما نذكره له بالخير نحن أبناء منطقة حاصبيّا في وادي التّيم ذات العائلات الرّوحيّة المتعدّدة والمتماسكة، وفي بقعة جغرافيّة لا تتجاوز مساحتها مساحة مدينة كبرى كبيروت.
وهنا لا بدّ من استعراض تنوّع تلك القرى من حيث المذاهب والطّوائف، فمثلاً لنبدأ من بلدة الدلّافة، فسكّانها من الطّائفة الشّيعية تقابلها وتجاورها بلدة كوكبا من الطائفة المارونيّة. وتقابل كوكبا بلدة أبو قمحة من الطّائفة الأرثوذكسيّة، وتجاور بلدة أبو قمحة بلدة الفرديس من الطّائفة الدّرزية التّوحيديّة وتتلاصق الفرديس بيوتاً ومنازل مع بلدة الهبّاريّة السّنيّة شرقاً ومع بلدة راشيّا الفخّار جنوباً ذات الطّوائف المسيحيّة المتعدّدة. أمّا قاعدة القضاء حاصبيّا فإنّها البلدة الوحيدة في لبنان التي تتواجد فيها شتّى دور العبادة لشتى المذاهب والطّوائف، ففي داخلها سبعة كنائس للطّوائف المسيحيّة بأكملها، كذلك بقايا كنيس للطائفة الموسويّة، وجامع أثري بديع للطّائفة السّنّيّة، وأربع خلوات للطّائفة التّوحيديّة وهذا ما يزيد من اللُّحمة والمحبّة والتّواصل بين شتى أهل هذه المعابد والأديان. وهنا نعود بالذّاكرة إلى الحرب الأهليّة المشؤومة التي عصفت بلبنان منذ العام 1975 ولغاية 1989، والتي لم تجد من ينغمس في نيرانها وأحقادها من أهل حاصبيّا وقضائها، فالجميع بَقوا في قراهم وبلداتهم ولم يحصل أيّ تهجير طائفيّ أو مذهبيّ بل حصلت هجرات طوعيّة لأسباب معيشيّة لا غير، بل على العكس فإن البعض من أبناء راشيّا الفخّار وكوكبا وأبو قمحة من أخوتنا المسيحيّين بعدما عصفت واشتدّت رياح الحرب الطائفيّة في بيروت وضواحيها، وسواء ذلك كان نزوحهم إلى حاصبيّا وضواحيها ليركنوا ويرتاح بالهم مع أخوتهم وجيرانهم الدّروز، ومثال على ذلك التّرابط فقد توفي في حاصبيّا طبيب قضائها الدّكتور الأرثوذكسي رشيد حدّاد، وحيث إنّه لا يوجد موقف للطّائفة الأرثوذكسيّة آنذاك في البلدة عمد المشايخ من أبناء حاصبيّا لإقامة مأتم حاشد وحافل للفقيد في موقف مذهبهم الخاصّ.
لقد أكرم الله المرحوم الشيخ أحمد سويد بمجموعة من الأبناء كانت فريدة في نبوغها وثقافتها والإسهامات الكبيرة التي قدمتها للوطن فنجله الكبير محمّد كان قاضياً شرعياً، ونجله الثّاني طه أستاذاً تربويّاً في إحدى الجامعات، ونجله الثّالث أحمد النّائب المحامي والأديب الكبير، ونجله الرابع اللواء ياسين المؤرّخ وصاحب الخمسين مؤلّفاً في التّاريخ المدنيّ والعسكريّ، ونجله الخامس محمود رئيس مؤسّسة الدّراسات الفلسطينيّة في الشّرق الأوسط.
كما أكرمه الله بالتّقدير الواسع لسيرته العَطِرة من قبل أبناء بلدته ومن أهل المنطقة، وفي كفر حمام بالذّات بحث أهل البلدة عن سبيل لتكريم إمام بلدتهم وداعية الوئام والتّسامح الدّيني والاحترام المتبادل بين الدّيانات والمذاهب فقرّروا إطلاق اسمه على الشّارع الرّئيسي للبلدة وليس هذا بالكثير.

حاصبيّا- الفرديس

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي