الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الشيخ يوسف العيسمي

المجاهد يوسف العيسمي

رجل المهمات وسفير الثورة

أوفده القائد سلطان إلى مصر لاستنهاض التأييد للثورة
وفاوض السعوديين لتأمين إقامة الثوار في البر السعودي

سُرّ أمير الشعراء أحمد شوقي بزيارة المجاهد العيسمي
وقال له :«يستحق الدروز أن يُخَلّد التاريخ أعمالهم المجيدة»

إبراهيم العاقل

عرّف به المؤلّف والمؤرخ السوري أدهم آل جندي، صاحب كتاب «تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي» الصادر سنة1960 بما يلي:» هو المناضل المجاهد الوطني المعروف الشيخ يوسف حمد العيسمي، ولد في قرية امتان ورغم ما يملكه من أملاك واسعة يستثمرها بالأعمال الزراعية فإنها لم تشغله عن واجباته الوطنية، فقد اشتهر بالنضال والكفاح الوطني ضد الفرنسيين المستعمرين منذ وطأت أقدامهم البلاد.
ولما اندلعت نيران الثورة السورية كان من أركانها البارزين وخاض معاركها الوطنية ببطولة وإقدام. ومن السجايا التي امتاز بها هذا المجاهد الكبير أنه لم يستسلم بعد انتهاء الثورة بل آثر النزوح مع زعيمه سلطان باشا الأطرش حيث شاطره الحياة المرّة في وادي السرحان وكفاه شرفاً واعتزازاً أنه كان ولا يزال موضع ثقة القائد العام لما اتصف به من أمانة وإخلاص وتضحية، وقد كلّفه بمهام خاصة بالمجاهدين فسافر إلى مصر وفلسطين وقام بمهمته على أكمل وجه.
وفي عام 1937 عاد مع المجاهدين إلى وطنه وأسهم في الأعمال الشعبية وكان من المناوئين المعارضين لحكم الشيشكلي وتعرّض للملاحقة والتنكيل كغيره من المعارضين».
فمن هو المجاهد يوسف العيسمي؟ وما هي النضالات التي خاضها في معارك الثورة السورية الكبرى؟ وما هي طبيعة الدور الذي اضطلع به في تلك الأحداث التاريخية ثم في مرحلة الاستقلال؟

مهمة إلى مصر
بالنظر إلى تضييق الإنكليز والفرنسيين المتزايد على الثوار السوريين الذين اضطروا للجوء إلى الأردن في صيف1927 اتصل سلطان باشا الأطرش بالأمير علي بن محمد بطّاح معتمد الملك عبد العزيز آل سعود على «قريّات الملح» في وادي السرحان ( من أراضي المملكة العربية السعودية)، وكان سلطان في تلك الأيام الحرجة راغباً في أخذ موافقة الملك السعودي على لجوء الثوار إلى مملكته، لأنها بنظره دولة عربية لا يرتفع في سمائها علم دولة محتلة في ذلك الحين. يقول سلطان في ص 327 من كتاب «أحداث الثورة السورية الكبرى»، بأن الأمير السعودي ابن بطاح» وافانا برسالة جوابية، بعثها مع جراد بن ضبيعان الشراري، أبدى لنا رغبته في الاتصال بنا والتفاهم معنا، وكان طبيعياً أن نبحث عن مأمن لنا ولأفراد أسرنا في حمى الأسرة السعودية».
ولتجنّب المحذور، والإيغال بهم أكثر في الأراضي السعودية، يقول سلطان:«قررنا إيفاد يوسف العيسمي لمقابلة جلالة الملك عبد العزيز، وإعطائه الأدلة الثابتة على حيادنا واحترامنا لقوانين اللجوء السياسي وآدابه، فحاول الدخول إلى الحجاز عن طريق مصر» .
في مصر رفضت السلطات السعودية السماح له بدخول المملكة بدعوى أنه شخص غير مرغوب فيه، لكن العيسمي تابع نشاطه واتصالاته لحشد الدعم المصري للثورة والتقى بالعديد من قادة البلاد، لكنه اصطدم في بداية جولته بموقف غير ودي من الثورة من قبل الأمير عمر طوسون أحد الأمراء النافذين وعضو الاسرة المالكة في مصر. وكان ابن طوسون مثقفاً درس التاريخ والجغرافيا والزراعة والتأليف وعلم الآثار، وكان قلقاً من الهجمة الأوروبية على الدولة العثمانية، ويعتبر السلطنة مقر الخلافة الإسلامية المهدّد وكان نشطاً بالتالي في تأييدها وتأييد الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار الأوروبي، لذلك فقد بذل جهوداً كبيرة في جمع التبرعات لثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي، ضد الفرنسيين، لكنه لسبب ما كان يحمله في صدره من ضغينة ضدّ دروز الجبل فإنه – في موقف نمّ عن تناقض كبير- رفض دعم الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر نفسه ربما لكونها بقيادة سلطان باشا الأطرش والأسرة التي قاومت المصريين في السابق وقتلت الآلاف منهم أثناء الحملة المصرية على سوريا ولبنان، ولهذا السبب فقد وضع الأمير مؤلفاً بعنوان «محاربة الجنود المصرية للدروز في حوران» على سبيل التوثيق لتلك الفترة.
هنا تذكر الأحاديث المتداولة في الجبل أن مواجهة حصلت بين الأمير المصري والعيسمي بسبب كلام قاله عمر طوسون ضد الموحدين الدروز، وهو كلام استدعى رداً قاسياً من العيسمي مبعوث سلطان باشا إلى مصر. وتقول الروايات إن المواجهة حصلت أثناء مأدبة دعا إليها رئيس وزراء مصر مصطفى النحّاس باشا لتكريم العيسمي كممثل لسلطان باشا ولتكريم الثورة السورية، لكننا لم نجد مصادر تاريخية مستقلة توضح ملابسات حصول الحادثة، كما إن سلطان باشا الأطرش في مذكراته لم يشر إلى مواجهة بين الأمير والعيسمي وإن كان ذكر أن طوسون لم يتجاوب مع طلب العيسمي تقديم مصر مساعدات للثوار في نضالهم ضد المحتل الفرنسي. لكن مهما كانت حقيقة ما جرى فإن الرواية أريد بها إظهار قوة شخصية العيسمي وجرأته في الدفاع عن قضية الثورة السورية وكذلك حنكته الدبلوماسية والتي جعلت سلطان باشا يختاره للسفر إلى مصر وإلى المملكة السعودية.
يقول زيد سلمان النجم في ص 113 من كتابه» أحداث منسية وأبطال مجهولون»، إنّ العيسمي استغل وجوده آنذاك في مصر ليشرح للمسؤولين المصريين الظروف الصعبة التي يتعرّض لها الثوار في منفاهم الصحراوي في وادي السرحان، وكان يرافقه حينها الصحافيان اللبنانيان تيسير ذبيان، وعباس المصفي، ومن الزعماء المصريين الذين قابلهم في القاهرة مصطفى النحاس باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك، وأحمد زكي باشا، وعلي الطاهر، كما زار أمير الشعراء أحمد شوقي، ونقل إليه شكر القائد العام والثوار على قصيدته العصماء» نكبة دمشق»، وعلى إشادته بثوار بني معروف حيث يقول:
ومــــــــــــــــــــــــا كــــــــــــــــــــــــــــان الـــــــــــــــــــدروز قبيـــــــــــــــــــلَ شـــــــــــــــــــــرٍّ وإن أُخِــــــــــــــــــــــذوا بـــــما لـــــــــــــــــــم يستحقّــــــــــــــــــــــوا
ولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكـــــــــــــــــــن ذادةٌ وقُــــــــــــــــــــــــراةُ ضيــــــــــــــــــــفٍ كينبوع الصـــفـــــــــــــــا خشنـــــــــــــــــــوا ورقّـــــــــــــــــــوا
لهــــــــــــــــــــــــــم جبــــــــــــــــــــــــــــــلٌ أشـــــــــــــــمّ لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه شــعـــــــــــــافٌ مواردُ في السحاب الجــــــــــــــون بُلـــــــــــــــــــقُ
لــــــــــــــــــــــــــــــــكـــــــــــــــــــلّ لـــبـــــــــــــــــــوءةٍ ولــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكـــــــــــــــــــــلّ شــبـــــــــــــــــــلٍ نـــــــــــــضـــــــــــــــــــــالٌ دون غـــــــــــــــــــابتــــــــــــــــــــــه ورشـــــــــــــــــــقُ
كـــــــــــــــــــأنّ مـــــــــــــــــــن السّـمـــــــــــــــــــَواَلِ فيـــــــــــــــــــه شيئــــــــــــــــــــــــــــاً فـــــكـــــــــــــــــــلُّ جهاتـــــــــــــــــــه شــــــــــــــــرفٌ وخُلـــــــــــــــــــقُ
وقد سُرّ شوقي بزيارة العيسمي، وقال له: «يستحق الدروز، المدافعون عن وطنهم وشرف أمتهم، أن يهتم بهم الأدباء والمؤرّخون، وأن يُخَلّد التاريخ أعمالهم المجيدة».
ساهمت زيارة العيسمي الى مصر في شرح الأحوال الصعبة والمريرة التي يواجهها الثوار وقادتهم في المنفى الصحراوي في وادي السرحان، وقد تجاوب أحرار مصر فتنادوا إلى دعم المجاهدين وأرسلوا بتبرّعاتهم للثوار السوريين واللبنانيين، الذين كانوا برفقة سلطان عن طريق فلسطين، بواسطة الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس.
ومع أن السلطات السعودية لم تسمح للعيسمي بدخول المملكة عبر مصر لإتمام مهمته، إلاّ أنه اجتمع مع المجاهد شكري القوتلي الذي كان في القاهرة آنذاك، وقد بادر القوتلي على أثر ذلك بالسفر إلى السعودية، وفي هذا الصّدد، يقول سلطان باشا بأن القوتلي اجتمع بالملك عبد العزيز، والتمس منه «وقف الإجراءات المتخذة ضدّنا وعدم التضييق علينا وإعطاءنا حق اختيار المكان المناسب لسكننا في بلاده».
وهكذا، نجحت وفادة العيسمي إلى مصر، وكان للمجاهد شكري القوتلي فضل في إيصالها إلى غايتها.
في تلك الآونة أخذت البرقيات تتوالى على الملك عبد العزيز بن سعود، من سوريا، وعدد من الأقطار العربية، تأييداً لوساطة القوّتلي، ومن أبرز تلك البرقيات، برقية من هاشم الأتاسي، وقد ورد فيها:«إن معاملة سلطان الأطرش، القائد العام للثورة السورية، ورفاقه المجاهدين بالحسنى، لمن الواجبات التي تمليها علينا روابطنا الدينية والقومية، نأمل من جلالتكم أن تشملوهم برعايتكم، وأن تعملوا على حفظ حياتهم، وصيانة كرامتهم، ما داموا مستأمنين في رحاب بلادكم العامرة».

مصطفى النحاس باشا كان متعاطفا مع الثورة السورية
مصطفى النحاس باشا كان متعاطفا مع الثورة .السورية

من هم آل العيسمي؟
يتحدر المجاهد يوسف العيسمي من عائلة كريمة هاجرت من جنوب لبنان في بلدة الكفير إلى بلدة أمتان في جبل العرب، وآل العيسمي والعائلة منتشرة في لبنان وسوريا، كمعظم عائلات جبل العرب، وقد جاء في الجزء الأول من كتاب الأصول والأنساب ليحيى عمار، ص 138 أنهم «كانوا في قديمهم من سكان قرية عيسم القريبة من قطنا في الجمهورية العربية السورية، ومنهم من ارتحل إلى جهات حوران ــ السهل ــ وسكنوا هناك في قرية داعل الحورانية، هذا الفصيل عاد إلى مذهب السنة، ومنهم جماعات ارتحلت إلى وادي التيم وسكنوا حاصبيا، ومنهم من ارتحل إلى الغوطة ــ غوطة دمشق ــ وسكن الأشرفية.
ارتحل اجدادهم من وادي التيم إلى جبل الدروز وما زال هناك خلوة قائمة في البياضة قرب حاصبيا، تحمل إسم الشيخ أبو حسن وهبي العيسمي.
تاريخ من الجهاد
في قرية أمتان، شرق صلخد، ولد يوسف حمد العيسمي، نحو عام 1885، كان أبوه حمد من الثوار البارزين الذين قاوموا حملات الجيوش العثمانية على الجبل في أواخر القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين، كما كان حمد العيسمي أحد قادة حركة العامية الثانية التي انطلقت من المقرن الشرقي في الجبل عام 1888، ضد مشايخ آل الأطرش، وقد أدت تلك الحركة إلى إصلاح نظام الملكية في قرى الجبل وتنازل مشايخ الطرشان عن حصتهم التاريخية من الأراضي للفلاحين. فصارت الثُّمن بدلاً من الربع، وكما جرى إلغاء حق الشيخ بترحيل الفلاح الذي يخالفه من القرية.
يذكر الأستاذ الباحث محمد جابر في كتابه «أركان الثورة السورية الكبرى 1925 ــ 1927» (ص 281) أن يوسف العيسمي شارك في معارك المواجهة ضد الحملة العثمانية التي قادها سامي باشا الفاروقي على الجبل عام 1910، وكان أحد فرسان الجبل الذين أوفدهم سلطان إلى العقبة الأردنية عام 1917، دعماً للجيش العربي بقيادة فيصل بن الحسين.
وفي 30 أيلول عام 1918 كان يوسف العيسمي، في طليعة فرسان بني معروف الذين دخلوا دمشق ورفعوا العلم العربي فوق دار الحكومة فيها، وذلك قبل وصول الجيش الفيصلي إليها، وقبل دخول الجيش البريطاني الذي كان يقوده الجنرال اللنبي وقد أثار سبق فرسان بني معروف له إلى دمشق حنقه الشديد.
ويذكر المجاهد علي عبيد، في مذكراته، بأنه في عام 1920 وعلى أثر احتلال الفرنسيين لسوريا، عُقِد اجتماع كبير ترأسه الضابط والسياسي، اللبناني العروبي، رشيد طليع، وأقسم المجتمعون يمين الإخلاص للوطن، والعمل على التمهيد للثورة على الاحتلال الفرنسي، وكان يوسف العسيمي أحد أولئك المجتمعين..
كان سلطان يثق بيوسف العيسمي الذي كان أحد المقرّبين الذين يعتمد على مساندتهم، لما كان له من مزايا كان أبرزها الجمع بين صواب الرأي وشجاعة الفارس، وقد كان العيسمي الشاب في طليعة فرسان بني معروف المحاربين، الذين أرسلهم سلطان باشا لملاقاة الجيش العربي في العقبة بقيادة الأمير فيصل بن الحسين، ويروي المهندس كمال العيسمي أن الشريف فيصل أعجب بحصافة العيسمي وحنكته فلقبّه بـ «أبي مسلم»، نسبة إلى الداهية أبي مسلم الخراساني الذي كان من أبرز الممهدين لصعود حكم بني العباس وإسقاط حكم الأمويين.
ويذكر الدكتور حسن أمين البعيني في كتابه « سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى»، أن يوسف العيسمي كان جزءاً من حلقة يرأسها سلطان ورشيد طليع. يقول الدكتور البعيني:«إن اتصالات سلطان انحسرت مع خارج الجبل برشيد طليع رئيس وزراء الأردن سابقاً
( الذي ترك منصبه ليلتحق بالثورة)، وكان يطلع أيضاً على المحادثات السرّية التي تدور حول الأوضاع في سوريا، وضرورة إشعال نار الثورة بين زعماء دمشقيين وزعماء من الجبل يقيمون في دمشق و يزورونها وهم حمد ونسيب وعبد الغفار ومتعب الأطرش، ويوسف العيسمي، إلاّ أن قرار الثورة وتاريخ البدء بها لم يكونا مجال بحث بين سلطان باشا وبين أحد، بل كانا رهناً بتطوّر الأوضاع ، ورهن إرادته وحده».
في ذلك الوقت الذي كان يحتاج لاتصالات مكثفة مع زعماء دمشق وفي طليعتهم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، كان العيسمي ناشطاً في اجتماعات سرية تعقد بين موفدي سلطان، يذكرهم الدكتور البعيني ص 211، وهم «نسيب وعبد الغفار ومتعب الأطرش ويوسف العيسمي».
في الحادي والعشرين من أيار عام 1921 اختير اثنان وأربعون وجيهاً نواباً في أول مجلس نيابي في دولة جبل الدروز، في حكومة رئسها الأمير سليم الأطرش، كان من بينهم يوسف العيسمي. وفي عام 1923 أقسم العيسمي يمين الولاء لمبادئ الثورة المرتقبة ضد الاستعمار الفرنسي ، في أحد الاجتماعات السرية التي رئسها سلطان الأطرش. وفي عام 1925 نقل رسالة خطية من رشيد طليع في فلسطين، وفي ضمنها مساعدة مالية من مغتربي سوريا في المهجر الأميركي إلى سلطان باشا الأطرش في جبل الدروز تتعلّق بالثورة ضد الفرنسيين؛ ورد ذكر ذلك في ص 65 من مذكرات المؤرخ والكاتب عجاج نويهض.

“الأمير المصري إبن طوسون رفض دعم الثورة السورية بسبب محاربة الدروز لأجداده محمد علي وإبراهيم باشا”

الأمير عمر طوسون كان حاملا لضغينة ضد المجاخدين بسبب قتال أجدادهم لجيوش إبراهيم باشا في سوريا -2
الأمير عمر طوسون كان حاملا لضغينة ضد المجاخدين بسبب قتال أجدادهم لجيوش إبراهيم باشا في سوريا -2

حصافة ورجولة
كان من أوّليات اهتمام الفرنسيين بعد احتلالهم سورية، سحب الذهب من أيدي السوريين وتبديله بعملة ورقية، وفي تلك الفترة من حكم كاربييه للجبل، وكان هذا يعتمد على جواسيس من معلّمي المدارس وظّفهم لينقلوا له خفايا الناس وأسرارهم، عَلِمَ بأن عليّاً ابن شيخ قرية امتان المرحوم مصطفى الأطرش ورث عن أبيه مائة وخمسين ألف ليرة ذهبية عثمانية.
أقدم كاربييه على زيارة امتان، وحاول إقناع علي الشاب بتبديل الذهب بالعملة الورقية، كما طلب إلى أهالي القرية المجتمعين في مضافة الشيخ تبديل ما لديهم من ذهب بالورق الفرنسي، وكان يوسف العيسمي في مقدمة الرافضين لمطلب كاربييه، ولم يكتفِ بذلك بل طلب من كاربييه أن يقوم بدفع حصة جبل الدروز من ضريبة الجمارك حسب اتفاقية (أبو فخر ــ دو كيه) المتفق عليها مع فرنسا عام 1921، ولم تلتزم بها إدارته، واتهمه بالخداع وسلب أموال الناس بعملية تبديل العملة، فاستشاط كاربييه غضباً منه، وغضب هو بدوره من كاربييه، وخرج من المضافة ساخطاً مسرعاً إلى منزله، لحق به ابراهيم العيسمي ابن عمه، فوجده قد أعدّ فرسه وسلاحه، كان ابراهيم يعرف مدى صلف كاربييه الذي كان يفاخر بأنه امبراطور جبل الدروز، ولكنه يدرك أن يوسف، وقد غضب فلا بدّ من ثورته…
وبالفعل امتطى العيسمي فرسه وتوجّه إلى الساحة أمام منزل الشيخ علي مصطفى الأطرش، هناك التقى بجماعة من الرجال كان كاربييه قد أرسلهم للتوسط لديه ليعود، وقد أوضح لهم أنه سيأخذ برأيه. كان الفرنسي يدرك أن خصمه في ذلك المجلس هو أحد محرّكي الرأي العام في منطقته.
في ميدان القرية، أمام مضافة الشيخ، ترجّل يوسف، وناول مقود فرسه وبارودته لإبن عمه الذي كان يتبعه، وهدّأ من غضبة نفسه، كان الرجل داهية بحق، قادراً على التحكم بزمام ثورته عند اللزوم. دخل المضافة مع الوسطاء، وجلس في الجانب المواجه للحاكم الفرنسي، كاربييه، كان الصمت مطبقاً في مضافة الشيخ علي الأطرش الذي لم يزل فتى بعد، ولكنه بنباهته أدرك أنه لا بدّ من كسر الصمت الذي غشى على المجتمعين. أمر بتقديم ضيافة بسيطة من الحلوى، هي عبارة عن البسكويت والراحة بادئاً بالحاكم الضيف.
تناول كاربييه مكعّبين من الراحة ورصّهما بين قرصين من البسكويت، بحيث صارا كلاًّ متماسكاً، ومشى إلى العيسمي، ثم جلس إلى جانبه، وقدم إليه سندويشة الحلوى، فاعتذر، لكنه ألحّ عليه ليسترضيه، فتناولها منه، ولم يأكلها كما تقضي عادة الضيافة. وأراد كاربييه التخفيف من التوتر المسيطر على المجلس، فقال له مراوغاً: إن موضوع تبديل الذهب بالعملة الورقية قد تجاوزناه، أما حصة الجبل من المكوس، فلا تعودن إلى ذكرها لأن لها شأناً آخر.
لم يكن الموقف يحتمل سجالاً مع كاربييه، ويقول الدكتور حسن البعيني في كتابه إن يوسف العيسمي كان يدرك بذكائه أن أي موقف عنيف في وجه خصمه حينها كان مخالفة لما قرره سلطان باشا وإن قرار الثورة رهن بتطور الأوضاع ونضجها ، ورهن إرادة القائد العام سلطان وحده.
ومما ذكره الباحث محمد جابر في ص 284 من سيرة العيسمي أنه قبيل الثورة بقليل اعتقل مع رفيق جهاد آخر له، هو علي الملحم من قرية ملح، وكانت التهمة قيامهما بنشاط سياسي ضد كاربييه…
وعندما قرر سلطان القيام بالثورة في 17 تموز 1925 واتجه بصحبة نخبة من فرسان القريّا إلى بكا حيث كان صياح الأطرش شيخها ينتظره مع فرسان منها واجتمع له عدد من المجاهدين من قرى مجاورة ومرّ هؤلاء بقرى عنز ثم المشقوق، ومنها اتجهوا إلى امتان متجنّبين المرور بصلخد، وكانت تلك حركة تعبوية ذكية، فصلخد قائمقامية تتواجد فيها قوة فرنسية تتشدّد في مراقبة البلدة، فاتجه إلى امتان ليؤمن عدداً أكبر من الفرسان لتحريرها. في تلك المرحلة الدقيقة لعب يوسف العيسمي دوراً مهماً في حشد التأييد لقرار سلطان إعلان الثورة وأظهر فعالية كبيرة على الأرض.

المقرن الشرقي مقرن الصّولات
يذكر سلطان في عرضه لأحداث الثورة ص101 أنه« عندما اتجهنا من امتان إلى قرية ملح لم يكن عددنا قد تجاوز الثلاثين خيّالاً، وقد استقبلهم اثنان من قادة الرأي في ملح هما علي الملحم وخليل الباسط، وكان في القرية سريّة تعدادها نحو مائة خيّال من الحرس الفرنسي السيار، يقول« لكي نرهب القوة، ونستثير النخوة في نفوس الأهالي، فقد عقدنا في ميدان القرية حلبة سباق، وراح بعض فرساننا يتصايحون أثناء الطراد ( سباق الفرسان)، ويطلقون الرصاص في الفضاء.. فلم تمضِ دقائق معدودة حتى خرج نساء القرية ورجالها لاستقبالنا والبيرق يخفق بألوانه».
لم يعبأ نورمان برسل سلطان، أبلغهم بواسطة ترجمانه السوري الملازم يوسف الصايغ، وبصلف المستعمر، وهو منبطح في خيمته ومعه بعض ضباط الحملة، دون أن يعدّل من جلسته :«سألقي القبض على سلطان وأعوانه، وأعيد الأمن إلى نصابه في سائر أنحاء الجبل خلال بضعة أيام!…».ولما نصحه أسعد مرشد شيخ قرية الكفر بقوله: «إنني أنصحك يا حضرة القائد بصدق وأمانة أن تغادر المكان قبل وصول سلطان ورجاله لأن قوتك هذه لا تستطيع أن تقف طويلاً في وجه الثوار». ثارت ثائرته، وقال:» ألا تعلم أن عندنا من السلاح والذخيرة هنا ما نحارب به الدروز ثلاثة أشهر؟! من هم هؤلاء العصاة الذين تخوّفنا بهم؟!.. إن الملازم يوسف الصايغ هذا يستطيع أن يسوق الدروز بعصاه من الصورة الكبيرة شمالاً إلى العانات جنوباً!»
وهنا التفت نورمان إلى رسل سلطان وقال: «اذهبوا إلى سلطان وقولوا له: إنني بانتظاره على أحرّ من الجمر في هذا المكان».

“قاتل العيسمي ببطولة في معركة تل الخروف وهاجم على رأس مجموعة فرسان موقعاً معادياً وأخمد نيـــرانه”

يوسف العيسمي ( أبو لْوَيْ)
في معركة«الكفر» 21 تموز 1925، كانت المواجهة الحربية الأولى مع جيش فرنسي حديث، تشكّل هاجساً مقلقاً للثوار الذين كانوا نحو خمسمائة مقاتل بينهم بعض الفرسان من بدو الجبل، أكثرهم كما روى قائدهم سلطان لا يحمل من السلاح سوى السيوف والمُدى، والبلطات. أما البنادق فكان أحدثها من النوع الإنكليزي، والألماني الطويل والقصير والعثماني القديم بأنواعه. لذا، فقد ابتدع العيسمي رسالة من خياله، وحمّلها لبدوي جريء شقّ صفوف المجاهدين المتجمهرين في موقع العَيِّنْ، وتقدّم من سلطان ليبلغه إياها بصوت جهوري، قائلاً :«إن 200 مقاتل من بدو ابن لوي رهن إشارتكم للإلتحاق بالثورة، وكان يوسف العيسمي بين الجمهور، فأثارت هذه الرسالة حماسة الثوار، ومنذ ذلك الحين عُرف يوسف العيسمي بـ«أبو لوي».
في ذلك اليوم، وكما ذكر محمد جابر في سيرة العيسمي ص 285، أنّ الرجل كان في طليعة المهاجمين أثناء الهجوم الصاعق من أعلى التلة المطلة من جهة الشرق على موقع رماة الرشاشات حيث اشتبكوا معهم بالسلاح الأبيض، وتدحرجت رؤوس كثيرة للأعداء.
ولم يتخلّف بعدها عن معارك الثورة اللاحقة إذ اشترك في معركة بصر الحرير، في 31 تموز، وكانت هذه المعركة قاسية الوقع على الثوار الذين اضطروا إلى التراجع أمام حملة ميشو الزاحفة بأحدث أسلحة ذلك العصر.
وفي اليوم التالي لمعركة بصر الحرير، شارك في موقعة تل الخروف جنوب قرية الدور، التي كانت مكيدة وقع فيها الثوار، يقول فيها سلطان:«لعب التهور وعدم الحذر من خطط العدو الماكرة لعبتهما الخطيرة في استنزاف قوتنا وذخيرة أملنا في النصر، فقتل عدد من فرساننا المشهورين».
في تلك الموقعة سقط نحو ثلاثين شهيداً، إذ وقع الفرسان بشرك كمائن أُعدّت لهم، شرق التلّة الصغيرة بعد أن تراجعت خيّالة العدو متظاهرة بالهزيمة أمام غارة فرسان الثوار الذين وقعوا ضحية عدد كبير من القناصة ورماة الرشاشات الذين كمنوا خلف متاريس حصينة، يذكر سلطان بأنه:«انصبّ عليهم الرصاص كإنصباب المطر».
كان يوسف العيسمي واحداً من فرسان تلك الموقعة، ومما جاء في سيرته أنه حين تكاثفت النيران لم يعد يحتمل الإنتظار، وكان ممتطياً جواده، فانتزع البيرق من يدّ حامله فهد العيسمي، وكرّ على موقع مقابل للعدو، فتبعه فرسان امتان (كان المقاتلون يتوزعون مجموعات بحسب قراهم)، فأخمدوا نيران ذلك الموقع، وكان ممن استشهدوا حوله : حسين ملاعب ونجم أبوسعيد، ورغم ما حل بالثوار من مصيبة في ذلك اليوم، فقد تمكّن بعض الفرسان من خرق خط الخنادق والتحصينات التي أقامها الجيش الفرنسي عند أقدام تل الخروف وصعدوا بخيولهم إلى قمة التل الذي كان يتمركز فيها مقرّ إدارة العمليات القتالية، ومن هؤلاء أجود البربور أخ حمد الذي استشهد على تلك القمة! وبتاريخ 2 و3 آب شارك العيسمي في معركة المزرعة المظفرة التي حقق فيها الثوار نصراً ساحقاً على القوات الفرنسية.

العيسمي في موقعة العادلية
شارك المجاهد العيسمي في موقعة العادلية التي جرت في أواخر آب، وهي موقعة لم تبلغ المرجو منها، لأن القوات التي وعد بها القادة الدمشقيون لم تحضر الى المكان المتفق عليه، وهكذا وجد ثوار الجبل أنفسهم في سهل مكشوف، في مواجهة قوات فرنسية مدعومة بالمدفعية والطائرات تلاحقهم على ارتفاع منخفض بقنابلها ومدافعها الرشاشة، وتسد عليهم طريق دمشق، ومع ذلك فقد أخذ الثوار مواقع لهم على السفوح، وانزلوا بخيالة الفرنسيين خسائر كبيرة، في حين سقط منهم نحو خمسين شهيداً، وعدد من الجرحى، ومع كل ذلك فقد تمكّن حوالي مائة فارس من فرسان الحملة من الوصول إلى الغوطة حيث تغلغلوا في بعض قراها وبساتينها الكثيفة الأشجار، فيما تراجع الباقون إلى حدود الجبل مما يلي قرية براق…
في تلك الفترة من عام 1925، كُلّف يوسف العيسمي وكل من نصري سليم وذوقان حاطوم وشخص من آل أبي صعب، من قبل سلطان باشا، بالاتصال بالأمير عادل أرسلان والمذاكرة معه بأمور تتصل بنشاط الثورة وآفاقها السياسية. ولا بدّ أن ذلك أعطى نتيجة إيجابية، إذ يقول سلطان باشا في ص 133 إنه «في تلك الأثناء بدأت النجدات تصل إلينا تباعاً من أخواننا في لبنان، ومن مناطق أخرى، فكان على رأس القادمين منهم الأمير عادل أرسلان، ورشيد طليع والعقيد فؤاد سليم، الذين أفادوا الثورة بخبراتهم ومؤهلاتهم العالية، واشتد بهم أزرنا إثر انضمامهم إلى هيئة أركان القيادة العليا للثورة».
وبحكم موقعه في هيئة أركان الثورة، كان العيسمي رائداً في النشاط السياسي، وبطلاً يتقدم المقاتلين في معارك القتال التصادمي، يذكر محمد جابر، ص 287 من سيرة ذلك المجاهد، أنه في 17 أيلول من عام 1925 اشترك في معركة المسيفرة، واستناداً إلى رواية المجاهد محمود خليفة العيسمي «أنه كرّ على مواقع العدو مرات عديدة ونحن معه، وأوقعنا بها خسائر كبيرة، وأثناء الانسحاب عاد إلى موقع كان قد سمع فيه أنين جريح، فحمله أمامه على جواده وأوصله إلى قرية أم ولد وسلّمه الى من يتكفّل به، كما اشترك في معركة السويداء الأولى والثانية عام 1925.
وعندما قررت قيادة الثورة إبعاد الأُسر والمواشي، وإخلاء القرى والانتقال إلى منطقتي اللجاة والصفاة، انعقد مؤتمر في خربة عيون قرب صلخد، واتخذ قرار بمفاوضة الحكومة الأردنية بهدف الحصول على موافقتها لاستقبال بعض أسر الثوار داخل الأردن، وقد كُلّف العيسمي بترؤس الوفد الذي توجّه إلى عمان لهذا الغرض، ونجح في مهمته تلك.

أحد قادة المجاهدين مع سلاحه
أحد قادة المجاهدين مع سلاحه

شهادة الصحافة المصرية
في بطولات الثورة السورية
كان المجاهد يوسف العيسمي شريكاً في تلك الثورة التي أثبت ثوارها جدارة أذهلت معاصريهم، ويذكر سعيد الصغير في كتابه «بنو معروف في التاريخ» شهادة مجلة المصوّر المصرية في تلك الثورة التي تحمّل بنو معروف عبئها الأكبر. قالت المجلة بعد أن خبت نار الثورة وتمت السيطرة على الفرنسيين:
« إن الدروز لم تهدأ ثورتهم لأنهم هزموا في الميدان، بل لأن السلاح لم يعد متوفّراً لديهم بعد أن نازلوا الجيش الفرنسي في معركة المزرعة الكبرى التي هي من الطراز الأول، وفي 16 معركة كبيرة و62 معركة صغيرة، ما عدا المناوشات والمطاردات العادية.
وهم حاصروا المدن والقلاع والحصون ثلاثين مرّة، واشترك في محاربتهم من الجانب الفرنسي عشر قادة كبار برتبة جنرال على رأسهم ساراي وهو برتبة قائد جيش، وهاجموا الدبابات في أكثر من 40 موقعة وفي شوارع دمشق (كان ثوار الجبل قد دخلوا إلى العاصمة دمشق وقاتلوا الفرنسيين فيها)، وكبّدوا العدوّ خسائر كثيرة بالأرواح والسلاح»،
وقد خسر الجيش الفرنسي 30 ألف مقاتل نتيجة المقاومة البطولية للموحدين الدروز في الجبل الأشمّ.

الجيش الفرنسي يهدم بيته في امتان
يقول الجنرال أندريا في مذكراته في خصوص احتلال قواته لصلخد القريبة من امتان:«جمع سلطان أشدّ محاربي الجبل تحت السلاح، فأصبح لزاماً علينا أن نخوض معارك قاسية، وأن نمرّ بجيشنا في سائر أنحاء الجبل، وقد نصل صلخد قاعدة الجنوب في الرابع من حزيران… حملتنا الزاحفة التي كان يبدو منظرها مهيباً، وهي تشكل ذلك المستطيل من البشر( الجيش) والحيوانات بطول ثلاثة كيلو مترات وعرض كيلو مترين، في وسطه المدفعية والتموين ومختلف التجهيزات» حقّاً إنه جيش دولة عظمى».
وفي تلك المعركة على أبواب صلخد، قاتل يوسف العيسمي ببسالة. القوة الفرنسية كانت متفوقة عدة وعدداً وتمكّنت من احتلال صلخد، ومن ثم تابعت طريقها شرقاً فاحتلت امتان، قريته، وعاقبه الجنرال أندريا بتدمير داره…

وفادة إلى الملك فيصل
كانت داره في امتان قد هدمت على يد القوات الفرنسية انتقاماً منه، إلا أنه لم يستسلم وشارك بعد هدم داره في معارك اللجاة عام 1926، وكان واحداً من جماعة من الثوار استولت على قطار للفرنسيين وأحرقته، ونظراً إلى جدارته في المحافل فقد كان أحد أعضاء وفد مؤلف من بعض رجال الثورة البارزين ومنهم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ونسيب البكري ونزيه المؤيد العظم وعقلة القطامي وعلي عبيد، والأمير حسن الأطرش ومتعب الأطرش وسلامة الأطرش وعلي الأطرش (شقيق سلطان) لمقابلة الملك فيصل الأول ملك العراق عند عبور الأردن متجهاً إلى أوروبا، لعرض المطالب السورية في المحافل الأوروبية.
وفي 23 آب من العام نفسه شارك يوسف العيسمي في معركة «قَيْصَما» التي أوقع خلالها الثوار هزيمة كبيرة بالفرنسيين ثم في معركة أبو زريق وفي موقع «جبَيّة» جنوب قرية العانات وفيها تمكّن الثوار بقيادة سلطان باشا من دحر تلك الحملة التي كان عديدها 1500 مقاتل.

النزوح إلى الصحراء السعودية
بعد انحسار الأعمال القتالية للثورة السورية على الفرنسيين ظل العيسمي وفيّاً لقيم تلك الثورة، إذ إنه قرر في صيف سنة 1927 النزوح مع سلطان باشا والمجاهدين السوريين واللبنانيين الذين رفضوا الاستسلام من الأزرق في الأراضي الأردنية إلى وادي السرحان في الأراضي السعودية بعد أخذ موافقة الملك عبد العزيز آل سعود،
وعندما نزل الثوار في موقع النبك الصحراوي من وادي السرحان اختيرالعيسمي عضواً إلى جانب محمد باشا عز الدين، وعلي عبيد وعبد القادر آغا سكّر، وسلامة النجم الأطرش، في اللجنة العليا للمنكوبين التي رئسها الأمير عادل أرسلان، ويذكر سلطان باشا أنه كان من أعضاء اللجنة المالية التي شُكّلت في الحديثة ( المنفى)، والمؤلّفة من «حسين مرشد، كنج شلغين، عبد الكريم عامر، يوسف العيسمي، ونايف العطواني»،( المؤرّخ البعيني: مسيرة قائد، ص 363) ولما كان يوسف العيسمي شخصية مرموقة، فقد لفت نظر الشاعر والمجاهد السوري خير الدين الزركلي عندما زار الثوار في منفاهم ذاك، فوصفه:«أبو حمد يوسف العيسمي من أكابر دروز الجبل، ومن شجعانهم ومن شعرائهم، وأهل الرأي فيهم، وهو عضو اللجنة العليا»، ويصف الزركلي سُرى الليل بصحبة العيسمي فيقول:«واستهدينا ببروج السماء التي كان يحسن البدو والدروز معرفة منازلها. فكان العيسمي يعيّن لنا وجهة السير جاعلاً الثريّا عن يمينه ومستهدياً بنجوم أُخرى».
في عام 1928 كلّفه القائد العام بالذهاب إلى مصر بهدف محاولة حلّ الخلافات بين قادة الأحزاب السورية اللاجئين إليها.

الرحيل مع سلطان باشا إلى الحديثة
كان يوسف العيسمي مقرباً من سلطان، وهذا ما نلمسه في ص 332 من «أحداث الثورة»، إذ يذكر « كنا نتحاشى الصدام في تلك الأثناء مع قوات الأمن السعودية التي أخذت تشعرنا من جديد بشدة مراقبتها لنا… مما جعلني أوثر الإنتقال إلى الحديثة في صيف عام 1929 مع فريق من المجاهدين، كان في جملتهم: حسن وعبد الكريم عامر، عقلة القطامي، حسين مرشد، يوسف العيسمي، شكيب وهاب، هلال عز الدين، ناصر حمشو، علي محرز، كنج شلغين، نايف وفارس وجابر أبو لطيف، حسين وابراهيم وهزاع العطواني، سليم الدبيسي وولداه مزيد وجدعان، إبراهيم ومهنا ويوسف الدبيسي، نجم وأسد وفضل الله عماشة، محمد المعاز، محمود منذر، نجيب ملاعب، فارس أبو محمود، فايز الحمصي فرحان زيتونة، درويش وسلمان طربيه، عبطان النجم، نايف وعباس البلعوس، وأقاربي من الطرشان، وغيرهم».
وفي ذلك العام أوفده القائد العام إلى عمان بمهمة البحث واتخاذ الموقف المناسب من طلب الملك عبد العزيز ابن سعود ترحيل الثوار من الحديثة إلى عمق السعودية بهدف إبعادهم عن الحدود الأردنية، ومن ثم أوفده إلى الحجاز لمقابلة الملك السعودي لإقناعه بالعودة عن طلب الترحيل الآنف ذكره إلى داخل المملكة، أو مغادرة الأراضي السعودية، فسافر عن طريق مصر، لكن السلطات السعودية رفضت السماح له بدخول المملكة، بدعوى أنه شخص غير مرغوب فيه، ولعلّ ذلك عائد لكونه من المنتمين إلى حزب الشعب الذي يرأسه الشهبندر، المناوئ لحزب الإستقلال المقرّب من السعودية…
وقد ذكر صياح النبواني أنه في 30 حزيران عام 1929 وصل إلى النبك من وادي السرحان ( منفى الثوار في حينه)، السيد يوسف العيسمي عائداً من مصر بعد غياب سبعة أشهر وأن سلطان الأطرش كان قد كلّفه بأن يتكلّم بإسمه، بتفويض منه، لأجل فضّ الخلافات بين حزبي الشعب والإستقلال…

ضد الدولة الطائفية
يذكر محمد جابر، ص 298 من «أركان الثورة السورية الكبرى» (استناداً إلى أوراق المجاهد فضل الله النجم الأطرش)، أن العيسمي، وبسبب من تضارب آراء أهالي الجبل بشأن موضوع انفصال (جبل الدروز) عن سورية، أو انضمامه إليها، كتب مقالة في 11/12 من عام 1931، رفض فيها الإنفصال وأيّد الوحدة السورية، مستنكراً التجزئة الطوائفية التي كان الفرنسيون يعملون عليها مع مؤيدين محلّيين… ولا شك أنه في موقفه ذاك دلّ على بعد نظره كرجل حرب وسياسة ووطنية.

يوسف العيسمي، عودة الثوار إلى الأردن
نزل يوسف العيسمي في السلط برفقة فريق من الثوار هم حسن وعبد الكريم عامر وحسين مرشد وعلي عبيد وعلي الملحم وقاسم أبو خير ومحمد النبواني وغيرهم…
واستمرت إقامته في الأردن إلى 19 أيار من عام 1937، حيث عاد إلى الوطن عن طريق درعا ــ دمشق، برفقة سلطان باشا الأطرش ورفاقه المجاهدين.
ويذكر سلطان باشا في ص 250 من «أحداث الثورة» أنه في يوم الأحد23 أيار غادر الثوار دمشق إلى السويداء عن طريق الشيخ مسكين ــ إزرع، وعلى طول ذلك الطريق استقبلهم الأهالي عام 1937في كل قرية من قرى سهل حوران والجبل المحاذية لذلك الطريق، وكانوا يضطرون الى التوقف أثناء عبورهم لذلك الطريق لتناول القهوة والمرطّبات، والاستماع إلى القصائد الزجلية وخطب الخطباء وكلمات الترحيب…
ولما كانت وحدة البلاد السورية تمثّل هماً من هموم أولئك الثوار الذين قاتلوا الفرنسيين من أجلها، وفي طليعتهم العيسمي، فإن ما رآه سلطان على حدود الجبل مع حوران من بقايا نصب إسمنتي يذكّر بالتجزئة التي اصطنعها الفرنسيون اثناء تسلّطهم المطلق على البلاد جعله يطلب التوقف عند ذلك النصب ليساعدهم بدوره على إزالة بعض المعالم من بقايا ذلك النصب المشؤوم …
وعندما وصل المجاهد أبو حمد يوسف العيسمي إلى بلدته امتان «استقبله أهل قريته استقبالاً رائعاً» على حد تعبير محمد جابر صاحب سيرته، ولم يكتف العيسمي في المساهمة بالنشاط الاجتماعي، فالرجل وطني وله طموحات اجتماعية، فقد اسهم في نشاطات الحركة الشعبية في الجبل (بغض النظر على أن تلك الحركة لها مالها، وعليها ما عليها)، وتسامى العيسمي فوق ما تركته الحركة الشعبية من إرث انقسامي في تأجيج النزاع المحلّي في الجبل، وظل قريباً من سلطان باشا في حراكه الوطني، فكان من أعضاء الوفد الذي مثّل الجبل في مؤتمر حمص للقوى الوطنية، وقرأ كلمة الإفتتاح باعتباره ممثلاً لسلطان باشا الأطرش.
وإبان الحكم التعسفي لأديب الشيشكلي صدر بحقه حكم بالإعدام، ولكنه ظل يعمل سرّاً ضد حكم الدكتاتور، إلى حين سقوطه عام 1954.
وقد ذكره أدهم الجندي في ص 243 بقوله:«أسهم يوسف العيسمي بعد عودته إلى الوطن في الأعمال الشعبية في عهد العدوان الفرنسي وكان من المناوئين المعارضين لحكم الشيشكلي، وتعرّض للملاحقة كغيره من المعارضين، وفي تأبينه قال سلطان باشا كلمات قليلة لكنها ذات دلالة تشير إلى دوره التاريخي في الجهاد الوطني، وهي مايلي:« أبو حمد علم انطوى، وسيف أغمد، وله فضل كبير في الثورة».

فرسان المجاهدين في الطريق إلى إحدى الموقعات مع الفرنسيين
فرسان المجاهدين في الطريق إلى إحدى الموقعات مع الفرنسيين

احتفالات كبرى في دمشق
بعودة سلطان ورفاقه من المنفى
في ص 249، يصف سلطان باشا استقبال دمشق للمجاهدين الذين كان المجاهد يوسف العيسمي في طليعتهم إلى جانبه، فهو واحد من أركان الثورة السورية الكبرى،يقول في ص 349 من « أحداث الثورة:» لقد كان استقبالنا في العاصمة الأموية منقطع النظير، إذ يعجز الإنسان عن وصف شوارعها المزدانة بأبهى حلّة من أقواس النصر، وأنوار المصابيح الكهربائية الساطعة، وفاخر السجاد، وبمئات الآلاف من المواطنين والمواطنات الذين كانوا يموجون فيها ويرددون الأناشيد الوطنية والهتافات المدوية بحياة المجاهدين!..»
نزل الثوار في فندق الشرق ( أوريان بالاس)، بضيافة الحكومة السورية، وانقضى يوم الخميس وهم يستقبلون الوفود التي قدمت للترحيب بهم والسلام عليهم، من مختلف أحياء مدينة دمشق، ومن سائر أنحاء البلاد.
وفي صباح اليوم التالي، الحادي والعشرين من أيار، وكان يوم الجمعة، قاموا بأداء فريضة صلاة الجمعة بصحبة فخامة رئيس الجمهورية السيد هاشم الأتاسي، وأركان الدولة وأعيان المدينة، تبع ذلك احتفال الحكومة بهم رسمياً بدار البلدية…

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading