الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الصفحة الأخيرة

الصفحة الأخيرة

إعلامُ السُّوء

أعترفُ بأنّني لا أضعُ في بيتي جهازَ تلفزيون أو راديو ولا أتابع أيّاً من القَنَوات الأرضيّة أو الفضائيّة، لذلك فإنّني والحمد لله أتمتّعُ بحياةٍ هانئة أقضي بعضها في الطّبيعة الجميلة والثّرِيّة المحيطة بمنزلي (والتي رتّبتُها بنفسي) أو في التأمّل في مُعتَكفي، وعندما تكون بي حاجة للاستزادة حول موضوع أو استقصاء شأنٍ جَللٍ فإنَّ مقصدي الأوّل هو قاعدة البيانات الهائلة للإنترنت، حيث يمكن الحصول – بجميع اللّغات – على أشمل المعلومات وأوثقها من “رأس النّبع” بمجرّد امتلاك تقنيّات التّنقيب وخبرة الإبحار فيها وتجنُّب متاهاتها. والإنترنت هي مصدر أساسيٌّ من مصادر الثَّقافة المعاصرة لأنّها مرآة العالم وبحر العلوم، وأهمُّ شيء فيها أنَّك تحصل منها بلحظات على كل ما تحتاجه أو تسأل عنه من أصول وفروع المعارف على اختلافها.

إنَّها معجزة عصر المعلومات الّتي لم ينتبه إلّا قليلون بعدُ إلى الأخذ بها بقوّة بهدف بناء محتواهم المعرفي وتكوين فَهمٍ أعمقَ للعالم ولِما يعتمل فيه من اتّجاهات وتيّارات وتطوّرات متسارعة في كل المجالات. هذا لا يُلغي بالطّبع أهميّة الكتاب وأهميّة التّراث المكتوب، لكنَّ الكتاب العربيَّ تأخّر كثيراً عمّا يحدث، فبتنا لا نجد في معارض الكتاب التي نرتادها إلّا القليل من جديد المؤلَّفات التي تستحقُّ أن تأخذ مكانها على أرفُف المكتبة، ليس كمجلّدات للزّينة أو إبهار الزائرين، بل كوسيلة مفيدة يمكن أن تزيد المرء علماً على علم.

وضعنا هذه المقدَّمة لكي ننتقل إلى المقارنة بين مصادر المعرفة والحضارة الإنسانية من كتاب أو من قواعد بيانات الإنترنت وبين الدَّور السّلبي إن لم نقل المُخرِّب الذي يلعبه إعلام الاصطفافات السّطحيِّ الذي سيطر على ساحة الإعلام في لبنان. السّلاح الماضي الأوّل لهذا الإعلام هو الشّاشة المستطيلة (والّتي ازداد اتّساعها لتحتلّ مساحة الجدار أحياناَ)، أما سلاحه الثّاني فهو سلبية المتفرَّج الكسول الذي يرتمي لساعات على مقعد وثير ويحمل الرّيموت بيد وشيء من الطّعام أو الشّراب بيد ويتابع باهتمام أو حماس هذا أو ذاك من برامج السطحية والتوتير والأنباء السّيِّئة.

التَّنافس على استرهان الجمهور وزيادة عدد المشاهدين جعلنا نقتبس من الأميركان – أو غيرهم – أحدث الأفكار والتّقنيّات المخصّصة لشدّ النّاس إلى الشّاشات ولو باختلاق القِصَص أو إثارة الغرائز والإبقاء على درجة كبيرة من التّوتر والإثارة حتى لا يفلت المشاهد ولو لنصف ساعة أو ساعة من أجل قِسطٍ من الرّاحة.

أكثر القنوات، تلجأ إلى برامجَ تسمّيها “حوار” وهي في الحقيقة “حوارات طرشان” ومشادّات كلاميّة مُصَمَّمة لاستثارة المتبارزين ــ وجمهورهم ــ وإظهار أسوإِ ما في السّياسة من فساد وإفساد. وهناك بعد ذلك إعلام التّشهير الفضائحيّ الذي نادراً ما يتّصف بالموضوعيّة أو باستقصاء صحفيٍّ نزيه، والنَّتيجة العامَّة لهذا الكوكتيل السامّ هو أن التّلفزيون بات أكبر سبب لهدم المعنويّات وتيئيس النّاس من حياتهم ومن بلدهم، وربّما هو سبب رئيس في تهافت الشّباب على الهجرة وترك البلد، لأنَّ من يشاهد تلفزيونات لبنان يتكوَّن لديه غضب وشعور عارم باليأس من البلد والقرف، وقناعة أكيدة ألّا مفرّ له من هذا المُستنقع إلّا النّجاة بنفسه عبر ركوب أوّل طائرة.

بالنِّسبة للَّذين لا يوجد لديهم إلّا خيار البقاء في البلد، مع من هم باقين، فإنّ إعلام الأخبار السيِّئة والتَّيئيس بات ربّما من أهمّ أسباب ارتفاع ضغط دمِ الكثيرين والإصابة بالاكتئاب أو أمراض التوتُّر والأرق وسوء الطِّباع، لأنَّ تجارة الحِقد والشَّحن لها أثرٌ نفسيٌّ خطيرٌ في اللّاوعي وهي تجارة تجعل نار الغيظ والكراهية ونوايا السّوء تضطّرم في صدور كثيرين فتؤذيهم، لأن “المكر السَّيّئ” لا يحيق إلّا بأهله كما جاء قي القرآن الكريم.

نصيحتُنا لكلِّ من يريد أنْ يُخْفِضَ معدّل التّوتّر لديه، وأن يحافظ على حدٍّ أدنى من السَّكينة والتفاؤل بالحياة في هذا الزَّمن الرَّديء، هي أن يعتمد صداقة الكتاب وثورة المعلومات على الإنترنت وينسى “صندوقَ الفرجة” هذا، أو قُلْ صُندوقَ الهمِّ والغمِّ وأخبارَ الشُّؤْمِ.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي