الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الغلاءُ الفاحش “مقصلة” تقضُّ مضاجع أهالي الجبل

ثقيلةٌ كانت سنة 2020 على اللبنانيّين وعلى الصُّعد كافة، بدءًا من انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وتلاشي المنظومة المصرفية والاقتصادية، مرورًا بالتحركات الشعبية والاشتباكات في الشارع، وصولًا إلى جائحة كورونا، واشتداد حدّة الأزمة المعيشية وتدهور القطاع الصحي والاستشفائي. ولعلّ الغلاء الفاحش بأسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، وحتّى المواد الأساسية من طحينٍ وخبزٍ وحبوبٍ وغيرها، دقّ ناقوس الخطر وأثار قلق المواطنين من بلوغ مستوياتٍ حرجة تنذر بالجوع والعوز، بعد ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة.

فمنذ العام 2019، يستفيق الشعب اللبناني على سؤالٍ دون سواه، لا يتعدّى الكلمات الثلاث، «بِكَم الدولار اليوم؟». سؤالٌ يختصر واقع الحال في وطنٍ تحوّلت معه العملة الصعبة إلى «مقصلةٍ» تقضّ مضاجع الفقراء وتهدّد قوتهم اليومي، لا سيّما بعد رفع الدعم عن عددٍ لا يُستهان به من الأصناف، ولعلّ آخرها وليس أخيرها طحين المعجّنات، بما يحمله من احتمال أن تصبح «منقوشة الصباح»، حكرًا على الميسورين، حالها حال المأكولات والأطباق الفاخرة.

أصناف أساسيّة يتمّ الاستغناء عنها

وفي جولةٍ لمجلة «الضّحى»، على عددٍ من المدن والقرى في منطقة الجبل، يتّضح حجم الركود الاقتصادي والصعوبات المعيشية. ففي بلدة قبّيع، يقول صاحب ملحمة و «ميني ماركت الشيخ»، الشيخ طلال سنجد: «تأثرنا جميعًا، كتجّار وزبائن، بارتفاع سعر صرف الدولار وما خلّفه من ارتفاعٍ في أسعار المواد والأصناف الغذائية، فنحن نبيع اللّحوم والخضار والفواكه، ولم يعد بإمكان المواطن تأمين الطعام والشراب لعائلته، كما كان سابقًا. المعاناة كبيرة والشكاوى كثيرة، حيث يضطرّ البعض أحيانًا إلى ترك أصنافٍ أساسية والاستغناء عنها، رغم حاجته لها، ما أدّى بدوره إلى تكدّس بعض الأصناف، علمًا أنّنا لا نتوانى عن الوقوف بجانب كل محتاج من خلال التساهل في دفع قيمة مشترياته لاحقًا عندما تتيسّر أموره، وذلك حرصًا منّا على أهميّة التضامن الاجتماعي».

ويشير الشيخ سنجد إلى أنّ «المواطنين لجأوا هذه الفترة إلى استهلاك الأصناف الأساسية فحسب، مثل البطاطا والبندورة والبصل والملفوف والزهرة (القرنبيط)، رغم ارتفاع أسعارها أيضًا، في حين استغنوا عن الفواكه واللّحوم وغيرها الكثير».

التكافل مع أهلنا التزامٌ أخلاقي عنها

وفي بلدة القرَيّا المتنية، يردّد صاحب «سوبرماركت ضو»، أنور ضو، قوله: «مش معروف كيف بدنا نشتغل، شي بيطلع الدولار شي بينزل»، لافتًا إلى أنّهم ملزمون بخفض الأسعار عندما يتراجع سعر صرف الدولار، في حين يشترون البضائع على السعر المرتفع، ما يلحق بهم الخسائر، «غير أنّ ضميرنا والتزامنا الأخلاقي تجاه أهلنا ومجتمعنا، يحتّم علينا التكافل والتكاتف معهم، فمَن لا يشعر مع الناس لا يكون من الناس».

ضو، الأب الذي يكافح لتأمين لقمة عيش أولاده وعائلته، يؤكّد أنّ «حركة البيع خفيفة والقدرة الشرائية معدومة في كثير من الأحيان»، ويختم بدعاءٍ يرجو عبره أن يعينه الله ويعين جميع اللبنانيّين على اجتياز هذه المرحلة العصيبة.

نقاتل من أجل الصمود

من جهته، يروي صاحب مؤسّسة عبيد، بفرعيها في عاليه وقبرشمون، الشيخ عادل عبيد، كيف ثابروا على الالتزام بنسب أرباحٍ ضئيلة على كل الأصناف الغذائية والاستهلاكية. ويقول: «حرصنا بدايةً على تحمّل الفرق في سعر صرف الدولار، ولم نغيّر الأسعار، بل قمنا ببيع كل الأصناف الموجودة لدينا وفق السعر القديم. غير أنّه، ومع الارتفاع اليومي للدولار، لم يعد بقدرتنا تكبّد الأعباء، لا سيّما أنّنا نتعامل مع نحو 22,500 نوع، ونواجه تحديّات جَمّة مع الشركات، بينها مَن يريد ثمن البضائع بالدولار، وغيرها مَن يقبل الدفع على سعر صرف 1515 ليرة لبنانية بعد أن رفع أسعاره، وشركات حدّدت الدولار بسعر صرف 5000 ليرة».
ويشير إلى أنّ «الزبائن لا ترحم أيضًا، حيث تهافت العديد منهم على الشراء بكمياتٍ كبيرة، ما أدّى إلى نفاد أصنافٍ عديدة كنّا نبيعها على السعر القديم، واضطررنا إلى شرائها بسعرٍ مرتفع. واقعٌ حتّم علينا البيع بخسارة، حيث لا يمكننا اللحاق بالدولار ولا بالشركات. فلقد زادت حركة البيع، لكنّنا ندفع ما نجنيه للتجّار».
«نقاتل من أجل الصمود»، يتابع الشيخ عبيد، مبديًا خشيته من «صعوبة استمرار المؤسّسة على المدى البعيد، غير أنّنا اتّخذنا سياسة جديدة تقوم على زيادة حجم البضائع وتفادي انقطاع أي صنف، لكن إلزاميّة الدفع بشكل نقدي للشركات، أزمة تستنزفنا لدى شرائنا كميات كبيرة على وجه الخصوص، ذلك بعد أن توقفت الشركات عن تلقّي الشيكات المصرفية بالدولار، علمًا أنّ أموالنا بالعملة الصعبة محجوزة ومجمّدة في المصارف». وإذ يكشف أنّهم يتعاملون مع الوكيل بشكلٍ مباشر، وليس من تاجرٍ إلى تاجر، يقول: «نبيع كل الأصناف المدعومة، لا نخزّن أو نحتكر كما يفعل البعض».

المعاناة كبيرة

ينسحب الواقع الأليم على أصنافٍ أخرى بينها الحلويات والمكسرات والبزورات، حيث يتحدّث صاحب محمصة «المدينة» – فرع قبّيع، أيمن شميط، عن «معاناةٍ كبيرة، لا سيّما أنّ المحمصة تُعتبر من الكماليّات. كان يشتري الزبون كيلو بزورات مثلًا، أمّا اليوم فبات يشتري «وقيّة»، كان يشتري القلوبات (فستق حلبي وكاجو ولوز وغيرها)، ولم يعد اليوم قادرًا على ذلك. كنّا نبيع أسبوعيًّا نحو 50 كيلو «قلوبات»، أمّا اليوم فلا نبيع الكيلو طيلة الأسبوع».

الأب لولدين، يأسف كون «هذه التجارة قد تضرّرت بشكلٍ كبير، إذ بين يومٍ وآخر تتغيّر الأسعار، ما دفعنا إلى بيع أصنافٍ جديدة، مثل الحبوب والأرز والسكر والخبز وكل شيء. أمّا الصنف الوحيد الذي بقي صامدًا فهو البن، كون الزبائن لم تستغنِ عن فنجان القهوة، لكن كل ما تبقّى انتهى وتلاشى».

لا طاقة لأحدٍ على التحمّل

«لم تعد للمئة ألف ليرة على سبيل المثال أيّ قيمة»، يقول المواطن مشعل زين الدين، «فأنا أعمل في مجال المقاولات، غير أنّ أعمالنا متوقفة اليوم، وإنْ عَمِلنا فلا نحصل على أتعابنا إلّا بعد فترة طويلة، كون الجميع يعاني ضائقة اقتصادية».

ويضيف: «الغلاء فاحشٌ ولا طاقة لأحدٍ على التحمّل. حالنا حال الكثيرين، حيث بادرنا إلى تغيير عاداتنا الاستهلاكية وتدبير أمورنا بالتي هي أحسن. نركّز على شراء الأساسيّات رغم ارتفاع أسعارها أيضًا، مثل الأرز والسكر وغيرهما، واستغنينا عن الكماليّات التي كانت يومًا ما جزءًا أساسيًّا من نمط غذائنا اليومي. كما بتنا نعتمد على «المونة» المنزلية، علمًا أنّني دفعتُ كل ما كان بحوزتي لشراء المواد الأولية للمونة، علّها تسدّ حاجات عائلتي».

نعيش بالذلّ والتعتير

«ما من معيلٍ لنا بعد وفاة والدنا وشقيقتنا، ونحن نعيش بالاستدانة والذلّ والتعتير»، بحسرةٍ تختزل المواطنة عواطف أبي فرّاج، حالها وشقيقتها الثانية ووالدتها، وتقول: «والدتي (87 سنة) مريضة وقد خضعت لعملية جراحية منذ فترة، وأنا بدوري بحاجة لعملية جراحية، حيث أعيش على الأدوية، أمّا شقيقتي فتعاني كذلك من فقر الدم والكوليسترول».

وتضيف: «نعيش على المساعدات، فإذا التفت أحدهم إلينا، نشتري الأدوية والأصناف الغذائية والاستهلاكية الأكثر حاجة لنا، غير أنّ الكثير من الحاجات لا يمكننا الحصول عليها، ودائمًا نبحث عن الصنف الأرخص».

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي