الإثنين, نيسان 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, نيسان 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

القاضي والنقاب

“القاضي والنقاب” للدكتورة عايدة الجوهري

عن قاض فذ وابنته المكافحة لعتـــق المـــرأة فـي السنـــوات الأخيرة لزمن الدولة العثمانية

يتأرجح كتاب الدكتورة عايدة الجوهري “القاضي والنقاب” بين كتابة السيرة وبين تحليل التاريخ الاجتماعي لمنطقة بلاد الشام في فترة انتقالية دقيقة شهدت آخر مراحل الدولة العثمانية واندلاع الحرب العالمية الأولى ثم التغييرات المزلزلة التي ضربت بلدان المنطقة بعد الحرب وإزالة الدولة العثمانية عملياً من الوجود.
أما السيرة فهي تتناول شخصية فريدة في تاريخ القضاء العثماني ثم اللبناني (فترتا الانتداب والاستقلال) هو القاضي سعيد زين الدين. لقد انكبّت المؤلفة على تدقيق وتحقيق الوقائع والتواريخ والوثائق فعادت إلى الصحافة اليومية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن وأضافت معارفها التاريخية والاجتماعية الواسعة بهدف تقديم وصف تفصيلي وجامع في آن واحد لتلك الشخصية الفذّة في إطارها الزمني والجغرافي السياسي. بسبب هذا المجهود قدّمت الدكتورة الجوهري مساهمة مهمة تعين على تتبع وفهم سيرة القاضي زين الدين ومواقفه والآثار التي تركها في كل بلد تسلّم فيه مناصب قضائية، وعرفنا من الكتاب قدر المثالية التي كان يتمتع بها والاعتزاز بعمله وبإستقلاليته واستقامته في أمور العدل وإحقاق الحقوق، إلى حدّ تحذيره لجمال باشا من التدخل في شؤون عمله والقضاء عموماً. ولا بدّ لمن يطلع على الكتاب أن يشعر فعلاً بالفخر لهذا التاريخ الناصع لرجل يكاد يقترب بصمت ودون ضوضاء من أبطال القصص الشعبية، وهو بالفعل عومل كبطل شعبي فتظاهر أهل القدس يتقدمهم المفتي ووجوه العائلات المقدسية احتجاجاً على قيام الآستانة بنقله من مدينتهم، وفي حلب تنصب أقواس النصر وتنشر المقالات في الصحف وتعلق اليافطات للترحيب بقدوم القاضي زين الدين الذي كانت سمعته تسبقه إلى أي مدينة يتم تعيينه فيها.
من ميزات الدكتورة الجوهري، إضافة إلى ذكائها ونضجها الفكري، نزاهة علمية وأمانة في عرض الوقائع دون تدخل من أفكارها هي أو ما تشتهي أن تراه. ونحن أمام مؤرخة وباحثة لا تبدو مهتمة بدفع أي أجندة مواقف أو قناعات بل التنقيب وعرض الوقائع، وفي هذا أظهرت الجوهري في كتاب “القاضي والنقاب” درجة كبيرة من جدية الباحث وصرفت على الأرجح وقتاً طويلاً في جمع مادتها وتحقيقها ثم كتابتها وترتيبها. لكن حماس الدكتورة الجوهري للتحقيق التاريخي جعلها في النهاية تراكم مادة ثرية فعلاً أكثرها جديد وغير منشور بهذا الاتساق والسلاسة والوضوح.
وبينما يتعلق الكثير من تلك المادة بخدمة الهدف الأصلي وهو عرض سيرة القاضي سعيد زين الدين وابنته نظيرة فإن الكثير من تلك المادة تناول الفترة الزمنية الواسعة التي عاش فيها القاضي بكل تفاصيلها وتحولاتها المثيرة. ولذلك نعتقد أن الدكتورة الجوهري انتهت من بحوثها وتنقيبها بمادة ضخمة يمكن أن تكون أساساً لعدة كتب لكن المؤلفة غلبت ميلها إلى تقديم مادة تاريخية غنية وممتعة على “الاستخدام الاقتصادي” لمادة البحث، فكان أن أصبحت لدينا في النهاية مجموعة كتب في كتاب. واحد عن سيرة القاضي زين الدين وآخر عن سيرة ابنته نظيرة التي خاضت، بدعم من والدها التقدمي التفكير، معركة الحجاب ورفع نير سوء الفهم والتحجر الفكري عن كاهل المرأة وقدراتها وإنسانيتها وهذا هو السبب في تسمية الكتاب “القاضي والحجاب”. وهناك مادة لأكثر من كتاب في شق البحث المتعلق بتداعي بنيان الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد أضاءت المؤلفة بدقة على تلك الفترة بما في ذلك الإصلاحات التي أدخلتها الدولة العثمانية في محاولات يائسة لرد شبح الزوال، واللافت هو اعتراف المؤلفة بشجاعة بفضل السلطان عبد الحميد في إدخال أكثر الإصلاحات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية جذرية في التاريخ الأخير للسلطنة وهي صورة تناقض تماماً الصورة النمطية المعادية التي لفقها بعض أدعياء الغرب والمفتونين بالإستعمار الأوروبي.
على سبيل الختام، نقول إن كتاب الدكتورة الجوهري جاد وممتع في آن ويفتح الأعين على حقائق جديدة في التاريخ المضطرب لمنطقتنا. إنه في نظرنا إضافة لا بدّ منها إلى مكتبة أي مثقف أو باحث في التاريخ الاجتماعي للبنان وبلاد الشام.

ر.ح.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading