الأربعاء, أيار 1, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, أيار 1, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

القريا

آثارها الغنية شاهد على تاريخ وحضارات متعاقبة
“القريّــا” بلـدة الثـورة وسلطان
هـــذه أعمالنـــا تـــــدلّ علينـــــا

«القريـّا» شهدت عصرها الذهبـي في الفتــرة الإسلامية
في عهد الحاكم الأيوبي عز الدين أيبك (1216 – 1247)

مناخها المعتدل أغرى البشر منذ القدم بالتوطن فيها
فقامت حضارات وازدهرت الزراعة وتربية المواشي

سلطان باشا الأطرش أعاد كتابة تاريخ الجبل
وجعل إسم “القريّا” رمزاً للجهاد ضد الفرنسيين

آل شقير أول النازحين إليها من أرصون اللبنانية
بسبب اعتداءات الشهابيين وأحلافهم والفرنسيين

شارع-في-البلدة-القديمة
شارع-في-البلدة-القديمة

تعتبر بلدة “القريّا” من البلدات الكبيرة في محافظة السويداء وتعدّ رابع مركز مديني بعد صلخد وشهبا والسويداء وهي تستند إلى تاريخ عريق يعود إلى العصور المغرقة في القدم، كما تشهد عليها الآثار التي تمّ الكشف عنها عبر السنين وتعود إلى مختلف الحضارات التي توالت على المنطقة، لكن رغم أهميتها التاريخية فإن “القريّا” اكتسبت شهرة واسعة بسبب كونها مسقط رأس قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش وأصبحت أهميتها اليوم أنها تضم صرح الثورة السورية الكبرى ومتحفها وضريح سلطان باشا كما تضم مضافته الشهيرة التي شهدت قسماً مهماً من الأحداث التاريخية التي مرّت بها سورية.
تقع مدينة “القريّا” جنوب مدينة السويداء مركز المحافظة على مسافة 18 كيلومتراً، وعلى ارتفاع 1050 متراً فوق سطح البحر، يحدّ أراضيها من الشرق الأراضي الزراعية التابعة لقريتي حبران والمنيذرة، ومن الغرب أراضي مدينة بصرى التابعة لمحافظة درعا، وأراضي قرية المجيمر التابعة لمحافظة السويداء، ومن الشمال أراضي قرية العفينة وحبران ومن الجنوب أراضي قريتي حوط وبكّا. مناخياً تقع “القريّا” ضمن المنطقة نصف الجافة نصف البحرية ذات المناخ المتوسطي المعتدل وذي الأربعة فصول.
يبلغ عدد سكان القريّا نحو 17 الف نسمة وهي تعدّ من البلدات الكبيرة في المحافظة ورابع مركز بعد السويداء وشهبا وصلخد، وتضم المدينة سوقاً تجارية كبيرة تمتد عبر شارع يصل طوله إلى ثلاثة كيلومترات وعدداً كبيراً من المحلات التجارية لمختلف التخصصات والمهن يزيد على 350 محلاً تجارياً، إضافة إلى توفر كافة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية ومراكز حكومية.
لعبت بلدة “القريّا” (التي تعني في اللغة جمع أقرية وهو مسيل الماء من الربوة إلى الروضة) دوراً هاماً منذ عصور ما قبل التاريخ وعصور البرونز وحتى العصر العربي الإسلامي وكانت مرتبطة بمدينة بصرى عاصمة الولاية العربية منذ بدايات القرن الثاني الميلادي بدليل وجود الكنائس التي مازالت معالمها باقية حتى يومنا هذا، كما تبوأت مكانة هامة في العصر الإسلامي لقربها أيضاً من مدينتي بصرى و صلخد.

“القريّا” في التاريخ
تعدّ آثار بلدة “القريّا” شواهد تاريخية حية على تعاقب الحضارات في منطقة جنوب سورية بدءاً من العصر الحجري الأول وصولاً إلى الحضارات النبطية واليونانية والرومانية والبيزنطية والغسانية والأيوبية الإسلامية.
وقد سكنت هذه الحضارات “القريّا” منذ أقدم الأزمنة مثلها مثل باقي قرى وبلدات المحافظة، إلا أن الفترة البشرية الأهم كانت في الفترة النبطية الرومانية ومن ثم البيزنطية، فالفترة الأيوبية وذلك نظراً لطبيعة المنطقة السهلية المنبسطة وجوّها المعتدل ومناخها شبه الرطب الذي أغرى البشر منذ فجر التاريخ بالتوطن فيها حيث ازدهرت في “القريّا” منذ القدم الزراعة وتربية المواشي.
ويقول حسين زين الدين رئيس دائرة آثار السويداء إن أهم المعالم الأثرية في بلدة “القريّا” التي مازالت باقية حتى اليوم أجزاء من قناة مياه بطول 50 كلم تعود إلى الفترتين الرومانية والإسلامية كانت تنقل مياه الشرب من نبع تل قليب في جبل العرب والواقع إلى الشرق من بلدة الكفر وصولاً إلى مدينة بصرى الشام في درعا حيث تمت الإستفادة من مياه القناة في مكان يبعد 15 كيلومتراً عن بصرى وأنشئت هناك بركة ماء تعود إلى الفترة الأموية. ويشير زين الدين إلى أن جملة الآثار والكتابات والنقوش التي تمّ اكتشافها في “القريّا” تشير بوضوح إلى ترابط ازدهار منطقة جنوب سورية بالعرب والأنباط حيث كانت بصرى مركز الأنباط الرئيسي في سورية، مشيراً إلى أن بركة جميلة ومسورة كانت موجودة في البلدة وتعود فترة بنائها إلى عام 295 ميلادية إلا أنها تعرضت للردم وطمست معالمها.
ويضيف زين الدين القول إن “القريّا” عرفت الازدهار الأهم في الفترة الإسلامية في زمن حاكم صلخد الأيوبي عز الدين أيبك ما بين العامين 1216-1247 ميلادية وقد تم العثور على العديد من اللقى الهامة التي تضم نقوداً وسرجاً وصحوناً فخارية وعدداً من قطع الخرز والفخار والزجاج العائدة إلى تلك الفترة، لكن هذا التاريخ الغني إنقطع كما يبدو وانقع معه التوطن الحضري في البلدة التي أقفرت من العمران ولم يتم التوطن فيها مجدداً إلا في بدايات القرن التاسع عشر.
ويذكر الدكتور حسن أمين البعيني في كتابه” جبل العرب”، صفحات من تاريخ الموحّدين الدروز (1685ــ 1927) أن المستشرق السويسري جان لويس بيركهاردت، وكان مكلّفاً من قبل بريطانيا باستطلاع بلاد العرب قد زار “القريّا” عام 1810، ووجد فيها أربعة بيوت مسكونة فقط من أصل خمسمائة، كان هذا في عهد شبلي الحمدان شيخ قرية عرى الذكي الذي أُعجب بيركهاردت بمؤهّلاته الشخصية، لكن لم يكن للقريا دور مميّز في تاريخ بني معروف في جبل العرب قبل أن ينزل فيها اسماعيل الأطرش وعشيرته في الفترة الواقعة بين نهاية العشرينيات من القرن التاسع عشر ومطلع الثلاثينيات منه.
واستناداً إلى ما يرويه المعمرون ومنهم المرحوم الأستاذ عطالله الزاقوت وما ذكره الكاتب سعيد الصغير في كتابه “ بنو معروف في التاريخ”، أن اسماعيل الأطرش نزل “القريّا” مع عشيرته بعد الإتفاق مع وكيل الشيخ الحمداني خطار عسقول على استيطانها وشيخها ابن زين الدين (ولعلّ الأصح ابن زين العابدين، المنتمي لأسرة سنية من سهل حوران)، مقابل دفع مائة تيس ماعز إلى الشيخ الحمداني، شيخ مشايخ بني معروف في الجبل آنذاك.
وحسب رواية الأستاذ الزاقوت فإن الشيخ اسماعيل الأطرش وَفَدَ مع رجال من عشيرته إلى الشيخ واكد الحمدان، وكان لدى الشيخ واكد ريبة وتوجس من سعة طموحات اسماعيل الأطرش وتطلّعاته، ولكنه كان يحذر من مواجهته، ويودّ إبعاده إلى قرية بعيدة عن السويداء، بحيث يكون في مواجهة الغزوات البدوية التي لا تنفك تهدد الزراعة والعمران في جبل حوران وسهلها فيستريح من مضايقاته له.
قال اسماعيل للشيخ الحمداني: أريد قرية مناسبة لي ولجماعتي، وأنا شيخ أباً عن جد.
قال الحمداني:” روح وشيخ آخر ماعمّر الله”.
ـ أين؟
ـ “القريّا”.
قَبِلَ اسماعيل بـ”القريّا” المَخوفة التي كانت آنذاك آخر القرى التي يصل إليها عمران الجبل من جهة الجنوب، وتتهددها الغزوات البدوية بإستمرار. ويُروى أن اسماعيل الأطرش دفع مائة تيس من الماعز إلى الشيخ خطار عسقول الذي كان وكيلاً للحمدان على “القريّا”، وهو الذي سمح لإسماعيل الأطرش وعشيرته بالسكن في “القريّا” بتفويض من موكّله الحمداني مقابل ذلك.

” بيرق “القريّا” بقي في حوزة آل أبي هدير مدة خمس وثلاثين سنة وانتقل إلى

يد الشيخ صالح طربيه خال ذوقـــــان الأطرش قبل أن يســـــــتقر بيد آل شقيــــــر “

كنيسة-الروم-الكاثوليك-في-القريا
كنيسة-الروم-الكاثوليك-في-القريا

آل الأطرش وبداية التغيير في الجبل
كان اسماعيل الأطرش يتمتع بشخصية قوية، وهو الذي وصفه البريطاني بورتر عندما زار “القريّا” في أواسط القرن التاسع عشر بأنه أشجع رجل في شعب شجاع، وكان إسماعيل بدوره يستند إلى عشيرة قوية من أبناء العم والأقارب تلتف حوله وتثق بصواب رأيه وسلامة سياسته، وأصالة إنتمائه لقومه بني معروف، كان الرجل يعتبر نفسه شريكاً في همّ أي فرد منهم، إذ يهبّ لنجدته مع سائر بني عمه وأفراد عشيرته إذا أصيب بمكروه مهما كان بعيد الديار.
ويذكر الباحث جميل شقير أن ابراهيم شقير وأخاً له هما أول من سكن “القريّا” من بني معروف الموحّدين، وآل شقير قدموا أصلاً من جبل لبنان من أرصون نحو عام 1810، بسبب مضايقات واعتداءات من قبل الشهابيين وأحلافهم المدعومين في فرنسا. وهكذا ارتحل فريق من آل شقير إلى حاصبيا، وارتحل فريق آخر في ما بعد إلى جبل حوران وتفرقوا في “القريّا” وعدة قرى أُخرى من الجبل. وعندما نزلوا في “القريّا” لم يكن فيها من السكان حينها غير آل الراشد المسيحيين، (والمسيحيون من قدامى السكان الأصليين في سهل حوران قبل الفتح العربي الإسلامي)، وآل زين العابدين السنّة. ولعلّ قدوم آل شقير إلى “القريّا” كان بُعَيْدَ زيارة بيركهاردت إليها عام 1810، وفي آل شقير متديّنون لم تزل إمامة مجلس الموحّدين متوارثة فيهم منذ العام 1890، ومن أشهرهم الشيخ المرحوم أبو علي سلّوم شقير المتوفّى عام 1976م وهو الذي تسلّم إمامة مجلس الموحّدين مدة خمسين عاماً.

عمران-قديم-بالأحجار-البركانية-المميزة
عمران-قديم-بالأحجار-البركانية-المميزة
قنطرة-غسانية
قنطرة-غسانية

تنامي قوة آل الاطرش
تنامى عدد سكان “القريّا” منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، إذ استقدم إليها اسماعيل الأطرش كل من وجد فيه فروسية من بني معروف وكان ذلك ضد مصلحة شيخ مشايخ الجبل في السويداء آنذاك، واكد الحمدان الذي كانت زعامته تؤول إلى الشيخوخة والضعف. ومن “القريّا” أدار الشيخ اسماعيل الأطرش سياسة جمعت بين اللين والحنكة السياسية، والقوة العاقلة التي أدت في نهاية الأمر إلى إعلاء شأن الموحّدين الدروز في جبل حوران الذي شاعت تسميته في تلك الفترة من القرن التاسع عشر
بـ “ جبل الدروز”، ومن ثمّ تمكن اسماعيل من إسقاط مشيخة آل الحمدان وإحلال آل الأطرش الذين يعتبرون أنفسهم من أصول معنية محلّهم.
ومن أبرز الذين استقدمهم اسماعيل الأطرش إلى “القريّا” آل الحجلي الذين يرتبط بهم بعلاقة نسب ومصاهرة، وآل الحناوي الذين أصهر إليهم في ما بعد، وأحمد البربور الذي كان أحد أبرز فرسان الشيخ الحمداني، وآل أبو هدير الذين منحهم أرضاً يزرعونها حسب رواية مختار “القريّا” الحالي السيد رياض أبو هدير، الذي يقول بأن جدّه محفوظ أبو هدير حمل بيرق “القريّا” بعد موقعة محجّة على أطراف اللجاة في موقعة دامية ضد قبيلة “ولد علي” التي كانت تعتدي على الزراعة وتنهب المواشي في سهل حوران والجبل، وكانت تتأرجح بتحالفاتها ضد الموحّدين في جبل حوران من العثمانيين إلى بشير الشهابي في زمن الشيخ اسماعيل.
وقد ظل بيرق “القريّا” في حوزة آل أبي هدير مدة خمس وثلاثين سنة، وبعد أن استشهد اثنان من الأسرة وخُشي عليها من الإنقراض انتقل البيرق إلى يد الشيخ صالح طربيه، وهو خال ذوقان الأطرش والد سلطان، البيرق ذاته الذي كان الشيخ صالح من بين الذين رفعوه على سرايا دمشق في سماء ساحة المرجة عام 1918 يوم خرج العثمانيون من الشام، وفي ما بعد انتقل ذلك البيرق إلى آل شقير.

معروف-شقير-في-غابة-منحوتاته

تنوع سكاني وديني
تنامى عدد سكان “القريّا” من نحو 6,700 نسمة في عام 1981 إلى نحو 17,000 نسمة حسب دفتر النفوس تقريباً ويمثل الموحدون الدروز 75 % من الإجمالي في مقابل 20 % للمسيحيين الأورثوذكس والكاثوليك ونحو 5 % يمثلون السكان من البدو المستقرين الذين تركوا حياة الترحّل. وتبلغ نسبة النمو السكاني في “القريّا” نحو 3 بالألف وهذا الرقم يقارب رقم النمو السكاني في محافظة السويداء وهو مرتفع نسبياً.
وفي ما يلي تعداد لأسماء العائلات المعروفية من أهالي “القريّا”، ومن هذا العرض نلاحظ أن معظم هذه العائلات تتحدّر جذورها من العائلات المعروفية في لبنان وهم: آل شقير ومطر وشلهوب (وشلهوب أصلاً آل الأحمدية ) والزاقوت(أصلاً أبو الحسن) وقرموشة (أصلاً آل الداود) وغبرة والبصّار(أصلاً آل شمس) والبلعوس والدبس وصربوخ، وأبو طي والصفدي والحمّود وأبو زهرة وأبو صعب (أصلاً آل صعب) وآل عامر ومفرّج وأبوصلاح والصالح، والشمعة، والنمر ومنذر والجغامي (أصلاً آل منذر) وقطيش وطربيه والملحم وعريج والأباظة والمرعي وعز الدين والقجّي
ومجموعة آل الأطرش والمعاز والنجم وأبو دقّة (وهم أصلاً معنيون) وحرب ومليح وشمس والحجلي (أصلاً آل صعب) ونصر وعلم الدين ونحلة والخطيب والعوّام ومعالي وشرّوف والعبد الله والحمدان وحديفة وغيرهم…

المسيحيون في “القريّا”
ينقسم المسيحيون في “القريّا” إلى مذهبين هما: الأورثوذكس الشرقيون، والكاثوليك الغربيون، ومن العائلات الأورثوذكسية:
آل العوابدة والحانوت والجبرائيل والسمّور، واليوسف. أما المسيحيون الغربيون فهم آل الرمحين، وآل شحيّد. وآل شحيّد وهم فرع من آل السهوي الذين نسبوا إلى بلدة سهوة الخضر التي كانوا يقطنونها، وهي بلدة قديمة في أعالي الجبل ولكن ظروف انعدام الأمان وتسلّط البداوة على الحياة الزراعية هجّرهم إلى قرى بصير وتبنى على أطراف سهل حوران الشمالية الشرقية، ولكنهم مع قدوم الموحّدين من بني معروف إلى الجبل عادوا من جديد ليستقرّوا في “القريّا”.
ويقول الأب عبدالله الشحيِّد كاهن الكنيسة الكاثوليكية في “القريّا” وهو الكاهن السوري الوحيد الذي شارك في مؤتمرات الحركة الكهنوتية المريمية في العامين 2005 و2006 ، بأن الروم الملكيين الكاثوليك يبلغ تعدادهم في “القريّا” حسب السجلاّت نحو 2000 نسمة، ولكن المقيمين فعلاً لا يزيد عددهم على 300.
أما آل الرمحين وكنيتهم أصلاً آل الراشد وكانوا يسكنون مع آل الريشان والكيال وهريرة في قرية عيون شمال شرقي مدينة صلخد وللأسباب نفسها التي كانت وراء تهجير السهاونة من سهوة الخضر فقد هُجّرت تلك العائلات المسيحية من عيون، واستقر آل الراشد في “القريّا” في حماية شيخ السويداء الحمداني، ويعتبر المسيحيون في بلاد حوران وهي البلاد التي تمتد جغرافياً من غباغب جنوب دمشق وحتى معان في الأردن ــ لكن “سايكس بيكو“ شطراها مابين سوريا وشرق الأردن ــ من السكان الأصليين الذين يقطنون البلاد منذ ما قبل الفتح العربي الإسلامي، وهم ينتمون إلى العرب الغساسنة الذين ناصروا الفتح آنذاك وقالوا “نقاتل مع أبناء عمومتنا العرب، ولا نقاتل إلى جانب البيزنطيين”، ويقول سعيد الصغير في ص 402 من كتابه “بنو معروف في التاريخ”: “وكان سكان حوران من مسلمين ومسيحيين يستثمرون السفح الغربي للجبل حينما يأمنون غزو العربان الذين كانوا يقيضون فيه صيفاً بمواشيهم فيهدمون قراه ويتلفون أشجاره ومنهم قبائل عنزة في الجنوب وقبيلة الفواعرة في المقرن الغربي وقبيلة الحسن في المقرن الشمالي وقبيلة الجوابرة في اللجاة إلى أن بدأ الدروز بالإستيلاء على المساكن العامرة ( لكنها خالية من السكان)، وترميم القرى واستثمار الأراضي الزراعية والمراعي والأشجار”.
لكن المسيحيين لم يستطيعوا التوطن والاستقرار بشكل دائم في حواضر الجبل قبل قدوم بني معروف إليه، وذلك بسبب غزوات البدو على المناطق الحضرية، وغياب هيبة الدولة وعجزها عن تثبيت الأمن في المناطق البعيدة عن عاصمة الولاية، وقلة عددهم يضاف إلى ذلك ما أشار إليه الرحّالة الذين زاروا البلاد منذ سنوات الجفاف والجراد الذي كان يجتاح المنطقة بين فترة وأخرى…
إلى أن لحق بهما، منهماً، ثم اشتبك معهما وتمكّن من قتلهما، وكسب رمحيهما

ولكن اعتباراً من أواخر القرن السابع عشر (1685)، وأوائل القرن الثامن عشر، ومع تكاثر أعداد بني معروف الذين قدموا بأغلبيتهم إلى البلاد من لبنان في بادئ الأمر، وفي ما بعد من شمال فلسطين وديار حلب (جبل السمّاق)، أخذ المسيحيون يلتحقون بالقرى الجبلية التي يعيد الموحّدون إعمارها، وأصبح وضعهم في الجبل أكثر ثباتاً.

مختار-القريا-السيد-رياض-أبو-هدير
مختار-القريا-السيد-رياض-أبو-
الخوري-الأرثوذكسي-الأب-محمود-العوابدة--شاهد-على-معاناة-الآثار-الغسانية-في-القريا
الخوري-الأرثوذكسي-الأب-محمود-العوابدة–شاهد-على-معاناة-الآثار-الغسانية-في-القريا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأب-عبدالله-الشحيّد-الكاهن-في-الكنيسة-الكاثوليكية-في-القريا
الأب-عبدالله-الشحيّد-الكاهن-في-الكنيسة-الكاثوليكية-في-القريا

“ا لفارس المسيحي سلامة الراشد طارد خاطفي الفتاة الدرزية على فرسه فضرب على شعرها بسيفه وخلّصها وقتلهما وغنم رمحيهما فأصبح اسم عائلة الراشد عائلة “أبو رمحين””

كيف اكتسب آل الراشد كنية “أبو رمحين”؟
آل الراشد من عائلات “القريّا” القديمة التي كانت تعيش في ظل حماية مشيخة آل الحمدان التي كان مركزها في السويداء قبل قدوم اسماعيل الأطرش وآله إليها، وفي عام 1842 استغل محمد الدوخي بن سمير شيخ قبيلة “ولد علي” غياب اسماعيل وغالبية فرسان “القريّا” في مهمة خارج الجبل بعيداً عن حماهم، لنجدة أبناء عمومتهم في جبل لبنان إذ كانوا يتعرضون آنذاك إلى فتنة تستهدف وجودهم من قبل الشهابيين وأحلافهم المدعومين من فرنسا، فباغت “القريّا” بخمسمائة خيّال من فرسان قبيلته بدون نذير، وفي ذلك غدر وإخلال بتقاليد القبائل العربية التي اعتادت الغزو، وقتل من أهالي “القريّا” 72شهيداً، وقد طمع اثنان من فرسان البدو بفتاة سحباها من شعرها الطويل وانطلقا بها وهما على فرسيهما، إلاّ أنّ الفارس المسيحي سلامة الراشد طاردهما على فرسه إلى أن لحق بهما، فضرب على شعر الفتاة بسيفه وخلّصها منهما، ثم اشتبك معهما وتمكّن من قتلهما، وكسب رمحيهما، وعاد بالفتاة إلى “القريّا”. ولما رجع اسماعيل من بعد غيابه مع فرسانه من مهمته أكبر بطولة سلامة الراشد، ولقبّه بـ “ أبو رمحين “، وهكذا اكتسب آل الراشد كنية جديدة تدل على بطولة جدّهم وفروسيّته التي سارت بها الركبان، وأحاديث المضافات والدواوين إلى يومنا هذا، أمّا ثأر اسماعيل و”القريّا” من غدر محمد الدوخي بن سمير وقبيلة ولد علي فلم يمت، وسنذكر قصته في وقت لاحق.

البدو في “القريّا”
البدو في “القريّا” بل وفي معظم ديار الجبل هم في الأصل من عشائر الشنابلة والمساعيد والجوابرة، الذين لم يعرفوا طيلة تاريخ وجودهم في الجبل حياة الاستقرار والزراعة بل كانوا يرعون بمواشيهم العشب والخصاب، أي: العشب اليابس، في أيام الربيع الجبلي المتأخر عن ربيع بادية الحماد ويمضون الصيف في الجبل، وفي الشتاء كانوا يفيضون ــ أي ينطلقون ــ إلى بادية الحماد هرباً من برد الجبل وثلوجه بحيث يستمرون إلى أن يرعوا بمواشيهم ربيع البادية ومن ثم ينتقلون إلى الجبل وهلمّ جرّاً… وكانوا من الضعف قبل مجيء بني معروف الموحّدين إلى الجبل أن كانت القبائل البدوية القوية القادمة من شبه الجزيرة العربية مثل قبيلة عنزة بفروعها من ولد علي والرّوّالة وغيرهما من القبائل كبني صخر والسردية من القبائل التي كانت تترحل بين شرق الأردن ونجد، تعتدي عليهم وعلى مواشيهم وأرزاقهم… كانت تلك القبائل الصحراوية تأتي في فصل الصيف إلى حوران لترعى بمواشيها من جمال وأغنام مخلّفات الحصاد، ومع قدوم طلائع الموحّدين إلى الجبل توطّدت علاقات طيبة في غالبية المواقف بين تلك العشائر البدوية وبينهم، ما أدى إلى تحييد منطقة الجبل من اجتياحات الغزو البدوية التي تأتي في أواخر الربيع وخلال فصل الصيف وباتجاه سهل حوران، والأدب الشعبي الموروث غني بالمساجلات التي كانت تدور بين الأطراف المتنازعة في تلك الأيام الخوالي.
كما شهدت العلاقات بين الموحدين وبين تلك العشائر المحلّية أحياناً علاقات تحالف في مواجهة جيوش العثمانيين وقوات محمد علي باشا عندما كان هؤلاء يفرضون الضرائب الباهظة والمطالب التعسّفية عليهم. ويقيم البدو في موقع من الجانب الغربي من “القريّا”، وغالبيتهم من عشيرة الشنابلة، بنسبة نحو 90 % ، ومنهم عائلات البريك والشلوح والدغيم، ومن عشيرة الجبور السعيد والمغيّر.

مضافة-سلطان-باشا-الأطرش-بجانب-داره-كما-كانت-على-عهده
مضافة-سلطان-باشا-الأطرش-بجانب-داره-كما-كانت-على-عهدهمضافة-سلطان-باشا-الأطرش-بجانب-داره-كما-كانت-على-عهده

النشاط الاقتصادي في “القريّا”
يبلغ متوسّط الأمطار في “القريّا” 285 ملم سنوياً، ولكن السنوات الأخيرة شهدت تدنّياً عن هذا المعدّل بسبب الجفاف العام الذي تتأثر به منطقة الشرق الأوسط. أما إجمالي مساحة الأراضي التابعة لمدينة “القريّا” فيبلغ 68000 دونم، من ضمنها المخطط التنظيمي السكني للمدينة البالغة مساحته 6300 دونم. ولما كانت الزراعة في هذه المدينة تعتمد على مياه الأمطار فإنها بعمومها زراعة بعلية، وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في مجال هذه المدينة 48,758 دونم، المستثمر منها 33,465 دونم، أمّا غير المستثمر وهو في الوقت نفسه قابل للزراعة فتبلغ مساحته 15,293 دونم. وتبلغ مساحة الأحراج نحو 2450 دونماً تقع إلى الشرق والشمال الشرقي من المدينة وقد أُطلق عليها اسم غابة سلطان باشا الأطرش.
الزراعة وإنتاجها
تعتبر زراعة الحبوب من المحاصيل الغذائية الاستراتيجية في الظروف التي تواجهها سوريا منذ استقلالها وإلى يومنا هذا. واستناداً إلى أرقام عام 2013 فإن المساحات المزروعة حبوباً كانت في حدود 10,500 دونم بعلي بلغ إنتاجها 210 أطنان من القمح و70 طناً من الحمص و30 طناً من الشعير، وهذه الكميات تعتبر متواضعة بالنسبة لقرية تتمتع بأراض قابلة للزراعة مساحتها نحو 48,758 دونم. لكن في المقابل فإن “القريّا” تحتوي على 4,354 دونم من الكرمة أنتجت في العام 2013 نحو 877 طناً من العنب ونحو 3,569 دونم من الزيتون وهي تزرع مساحات واسعة بالتفاح والفستق الحلبي والتين والجوز واللوز والرمان.
وقد تراجعت زراعة الحبوب في “القريّا” بقوة منذ عدة عقود مع توجه مزارعي “القريّا” إلى زراعة الأشجار المثمرة التي تدرّ محاصيل غذائية ونقدية مجزية نسبياً.
وتعتمد الزراعة في “القريّا” على المكننة إلى حدّ كبير كما يشهد على ذلك العدد الكبير من الجرارات الزراعية التي يبلغ عددها نحو 131 جراراً من مختلف القدرات والحصادات والدراسات الآلية وغيرها من المعدات.
تمثل التربية الحيوانية مصدراً أساسياً من مصادر النشاط الاقتصادي في القريا وتتمثل بوجود مزارع الأبقار والمشاريع الصغيرة وكذلك تربية الأغنام والماعز والجمال والدواجن ويتفرع من التربية الحيوانية قطاع مهم للألبان والأجبان واللحوم.

نحو تحويل القريّا إلى مركز قضاء
تتمتع مدينة “القريّا” بحكم موقعها المتوسط بين القرى التابعة لها وكونها مركز ناحية بجملة من الخدمات الحضرية تديرها مجموعة من الدوائر الحكومية منها: محكمة الصلح، والمركز الثقافي ومديرية الناحية والبلدية والمختارين والجمعية التعاونية الزراعية والجمعية التعاونية الاستهلاكية (صالة البيع بالتجزئة) والمركز الصحّي ومركز الهلال الأحمر، ووحدة مياه “القريّا”، وفرع المصرف الزراعي ومصرف توفير البريد ومصلحة كهرباء “القريّا”، والنادي الرياضي. وبسبب ثقلها السكاني واتصالها بعدد من القرى التابعة، فإن مدينة “القريّا” مرشّحة لأن تصبح مركز قضاء (قائمّقامية) بحسب التقسيمات الإدارية لمحافظة السويداء.

صرح سلطان باشا الأطرش في “القريا”
خزانة تاريخ مجيد ومنارة للثقافة

ضريح-سلطان-باشا-محاطا-ببيارق-القرى-التي-شاركت-في-الثورة-على-الفرنسيين
ضريح-سلطان-باشا-محاطا-ببيارق-القرى-التي-شاركت-في-الثورة-على-الفرنسيين
جدرانيات-تخلد-أحداث-الثورة-السورية-الكبرى-وانتصاراتها
جدرانيات-تخلد-أحداث-الثورة-السورية-الكبرى-وانتصاراتها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

واجهة-ضريح-سلطان-باشا-الأطرش
واجهة-ضريح-سلطان-باشا-الأطرش

أُنشئ صرح سلطان باشا الأطرش ومتحف الثورة السورية في وسط “القريا” بمساحة 2,000 م2 من البناء الفني المتقن، في وسط عقار مساحته 20,000 م2، ويحتوي البناء على ضريح المرحوم سلطان باشا الأطرش والمقتنيات الحربية للمتبرعين من المجاهدين أو أحفادهم، ويضم المبنى قاعة مركزية في وسطها ضريح القائد العام بالإضافة إلى أسماء المعارك والشهداء الذين شاركوا في الثورة. وتعلو هذه القاعة بانوراما تجسّد معارك الثورة منفّذة بالفسيفساء، مساحتها 130 م2 وهي عبارة عن عدة لوحات تمثل أحداث الثورة العربية الكبرى عام 1916 ورفع العلم العربي فوق سراي الحكومة في دمشق في ساحة المرجة من قبل مجاهدي بني معروف، ومعركة ميسلون في 24/7/1920 واستشهاد البطل يوسف العظمة. وهناك لوحتان تظهران الجواد العربي ولوحة ثلاثية الأبعاد تمثل معركة في المنطقة الجنوبية وأخرى تظهر أجزاء من معركة “الكفر” ومشاهد أخرى من معركة السويداء، وهناك لوحة ثلاثية الأبعاد تمثل المعارك التي جرت في مدينة دمشق واخرى تمثل معارك حماة، ونشاهد على الجهة اليسرى تمثيلاً لفترة المنفى التي استمرت عشر سنوات، سبع منها في وادي السرحان على أطراف نجد من أراضي المملكة العربية السعودية وثلاث في جنوب الأردن، وكذلك نشاهد الهرم الأبيض الذي يرفع في قمته العلم الوطني وما يشير إلى معاهدة عام 1936 التي أدت إلى استقلال سوريا.
يحتوي الصرح على المتحف الخاص بالمغفور له سلطان باشا الأطرش وعلى المتحف العام للثورة السورية الكبرى المحتوي على أسلحة استعملها الثوار في المعارك بالإضافة إلى بيارق الثورة التي حملها المقاتلون في الثورة ومدفع فرنسي كسبه الثوار في معركة الكفر …
كذلك يحتوي المتحف على الأسلحة والعتاد التي غنمها الثوار في المعارك من بنادق ومسدسات وسيوف وحراب ومدفع وأجزاء من طائرة كان الثوار قد أسقطوها وقنابل والعديد من الوثائق كالحوالات المالية والمراسلات التي كانت تتم بين الثوار، وبيارق الثورة… ومن بين الموجودات في هذا المتحف سيف القائد الفرنسي نورمان الذي غنمه أحد الثوار بعد قتله في معركة الكفر…ويضم المجمع مسرحاً وقاعة محاضرات تتسع
لـ 310 أشخاص، وقاعة شرف للإستقبالات الرسمية.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading