الخميس, أيار 2, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, أيار 2, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

القمح

«كثرة الأيادي في الحصيدة غنيمة»

موسم القمح عرس القرية الذي غاب

من الحرث إلى الزرع فالحصاد فالدرس فالتذرية والجمع
سلسلة نشاطات كانت تجمع القرية وتؤمن الفلاح غائلة الأيام

عرف الريف اللبناني زراعة القمح بإعتبارها أحد أهم مقومات الحياة والنشاط الاقتصادي. وكان لا بدّ لكل منزل أن يمضي معظم أشهر السنة على ما يمكن خزنه من مؤونة القمح والشعير في “الكواير”، وهي جرار كبيرة مستديرة ومصنوعة من الصلصال والقش بهدف الحفاظ على القمح في حالة جيدة طيلة العام.
وكانت زراعة القمح مسؤولية كل بيت لكن كان يشترك فيها أحياناً عدد من الفلاحين الذين يتعاونون في الزرع، ثم في الحصاد، ثم في درس القمح وتنقيته وهو ما يدلّ عليه المثل الشعبي “كثرة الأيادي في الحصيدة غنيمة”، وكان الموسم يبدأ قبل هطول الأمطار، إذ يقدم المزارعون على حراثة الأرض في ما كان يسمى “التعفير”، أي إعداد التربة لتصبح قادرة على امتصاص أكبر كمية ممكنة من المياه في موسم الأمطار، وذلك لاعتقاد المزارع من خلال الخبرة المتوارثة أن امتصاص الأرض للمياه الكثيرة يساعد على حفظ الرطوبة ويمدّ نباتات القمح بالرطوبة اللازمة في فترة النمو عندما يتوقف المطر أو يقلّ هطوله في أواخر الربيع وقبل نضج السنابل.
وبعد أن ترتوي الأرض، يعود المزارعون الى حقولهم ليبدأ موسم الحراثة وبذر القمح في التربة. ويكون البذار عادة من قمح جرى الاحتفاظ به من موسم العام الماضي على أن يكون مأخوذاً من السنابل الجيدة، وذلك للحصول على أفضل إنتاج في الموسم التالي. وكان يتم مزج القمح أثناء البذر بمادة تُعرف بالجنزارة كي يبقى في الحقل دون أن تسحبه الفئران والنمل.
عندما ينبت القمح خلال فصل الربيع وتصبح السنبلة فوق سطح الأرض بسنتمترات عديدة تبدأ عملية التعشيب، أي إزالة الأعشاب الضارة، لاسيما الشوك من بين القمح كي تسهل عملية الحصاد. وعند حلول آخر شهر حزيران وبداية شهر تموز تكون حقول القمح قد اصفرّت والسنابل نضجت فيبدأ موسم الحصاد، وهو موسم كان أشبه بعرس أو احتفال حقيقي لأهل القرية شيباً وشباناً.

الحصاد
يعتبر الحصاد من أهم نشاطات الموسم بعد انتظار نضج القمح، وهو غالباً نشاط جماعي يقوم به الفلاحون صفوفاً فيكون كل فلاح أو حصاد مسؤولاً عن إمّان أو قطاع طويل يمتد أمامه في الحقل، وتبدأ عملية الحصاد بعمل متزامن بين الحصّادين الذين يتقدمون في الحقل ويعمدون إلى جمع القمح في حزم يتركونها خلفهم، فيأتي آخرون ويجمعونها أغماراً وحزماً، ثم حملات تنقل على ظهر الدواب أو الناس الى البيدر وتترك هناك زمناً قصيراً الى أن تجف وتصبح جاهزة للدرس.
البيدر
اللفظة آرامية bet draya أي مكان التذرية. والبيدر مكان لدرس حزم القمح بهدف تنعيمها وسحنها إلى خليط ناعم يضم التبن والقمح تمهيداً لفصلهما وجمع كل منهما في أكياس مستقلة. وعادة كان الفلاحون يختارون أرضاً رصفتها الطبيعة بالبلاط الأملس وكانوا أحياناً يكملون ما يجدونه في الطبيعة من خلال عملية رصف إضافية تستكمل بناء أرض البيدر التي يجب أن تكون صلبة لتساهم في تسهيل عملية سحن خليط القمح والتبن تحت المورج.
وفي حال تعذّر وجود بلاطة طبيعية، فإنه كان على الفلاح أن ينتقي قطعة أرض قريبة من حقول القمح ويسهل وصول الماشية إليها، ويجب أن تكون قطعة مستوية، ممهدة، معرّضة لمهب النسيم، فلا تكون في منخفض ولا في مكان يُصَدّ عنه النسيم. ولذا تجد أن البيدر يقع على هضبة من الأرض، معرّضة للشمس والهواء، ويفضل أن تكون هناك أشجار ظليلة مثل السنديان أو الملول أو البطم أو تينة عظيمة أو جوزة بالقرب منه، ما يوفّر للعاملين مكاناً ظليلاً لأخذ قسط من الراحة أو تناول الطعام خلال عملية الدرس.
ولا يحتاج بناء البيدر الى عناء كبير أو نفقات، وهو عادة رقعة مستديرة ممهدة تحيط بها دائرة من حجارة غشيمة. ومن أجل تأمين قساوة مثلى للأرض يتم عادة حدلها قبل فصل الدراسة. ويفضّل أن ينمو فيها عشب التيِّل (والبعض يسمونه تيّول)، الذي يمسك وجه الارض مسكاً شديداً. ويجب أن يتوافر بالقرب من البيدر منبسط تعرّم فيه أكداس الحبوب. رغم أن البيدر يكون عادة ملكاً لمزارع، فإن كثيرين يشتركون في دراسة حبوبهم عليه، لقاء أجر زهيد على شكل كمية بسيطة من القمح أو التبن، أو أحياناً من دون مقابل.

المورج
المورج هو آلة درس القمح وهو كناية عن لوحين أو ثلاثة ألواح من خشب الصنوبر العتيق الملقش. يقطعون جذع الصنوبر الى قطع طولها قرابة مترين، وينشرونها الى ألواح سميكة 7-6سنتمترات وعرضها قطر الشجرة، 50-40سنتيمتراً، ثم أنهم يحفرون في أسفل اللوح نقراً يدخلون فيها قطعاً من حجر الصوان، أو الحجر البركاني، وبعضهم يضعون قطعاً من الحديد ذات وجه خشن أو مسنن لكي يقطع القش الى قطع صغيرة: تبن.
يسمون مقدار القمح، الذي يدرسونه دفعة واحدة “طرحة” أو “فلشة”. وكبر الطرحة أو صغرها يتوقّف على حجم البيدر. ولكن المعدل 4 أو 5 أحمال من القش، ثم أنهم يربطون المورج الى زوج ثيران أو إلى بغل ويجلس صبي، أو فتاة صغيرة (وهو عمل محبّب عند أطفال القرية) وتأخذ الثيران بتدوير المورج على أكوام سبلات القمح الى أن تتكسر هذه إلى خليط ناعم يضم حبات القمح التي تكون قد خرجت من السنبلة، ومن التبن هو نتاج سحن سيقان القمح بفعل دوران المورج وعمل الأحجار الصوانية. وكانوا يضعون على أفواه البقر كمامات، ويسمونها بلانة لكي لا تأكل السنابل. وعلى السائق أن ينتبه الى إفراز البقر، فيتلقى الإفراز برفش معد أمامه.

درس القمح
درس القمح

التذرية
تعتبر عملية تذرية القمح الفصل الأخير في موسم الحصاد وجمع الغلة، ذلك أن عملية درس القمح ينتج عنها خليط من حبات القمح الغارقة في أكوام التبن والقش التي نجمت عن عملية الدرس. وتتم عملية التذرية بواسطة مذاري (جمع مذراة) هي عبارة عن رأس من أربعة أو خمسة أصابع مدببة وطويلة منضودة على شكل كف وتشدها عادة أربطة من الجلد الحيواني ويتم تثبيتها بمسامير من الخشب. ويتم ربط كف المذراة بعصاً طويلة من خشب ويراعى في المذراة أن تكون من خشب قاسٍ وخفيف في آن، بحيث لا يشعر المزارع بالإرهاق من استخدامها.
ينتظر المزارعون يوماً يهب فيه نسيم أو هواء خفيف ويبدأون التذرية برفع أكوام الحنطة والقش بواسطة المذراة، وينتج عن ذلك دفع الهواء للتبن وهو أخف وزناً بعيداً إلى ناحية يتجمع فيها بفعل هبوب الهواء وسقوط حبوب القمح وهي أثقل وزناً في دائرة التذرية. ومع الوقت واستمرار التذرية يستمر فصل التبن عن القمح بحيث يتجمع التبن في الناحية التي يدفع الهواء باتجاهها ويتجمع القمح في وسط البيدر تحت المذاري ليشكل كوماً مستقلاً. ومع استكمال عملية الفصل بين التبن والحنطة يأتي المزارعون بأكياس لتعبئة كل منتج على حدة ونقله إلى المنازل ليتم حفظه طيلة العام.
وغالباً ما يتبع جمع القمح عمليات تنظيف إضافية عبر غسله مراراً بالماء، ورفع كل الشوائب التي قد تكون خالطته خلال عملية الدرس والجمع مثل البحص الصغير أو الزوان أو الأتربة وغيرها، وهو ما يسمى عملية “التصويل”، ويتم فلش القمح “المصوّل” على الأسطح في أيام مشمسة، ويبقى هناك أياماً عدة يتم فيها تقليبه باستمرار إلى أن يجف ويصبح صالحاً للخزن ونقله إلى المطحنة.
ويتم عادة استخدام جزء من محصول القمح لصنع البرغل، فيعمد المزارع إلى سلق القمح في دسوت كبيرة أو براميل لمدة ساعتين أو أكثر إلى أن “يفقش” الحب ويصبح ناضجاً لرفعه من الدست وفلشه على الأسطح ليجف تمهيداً لأخذه إلى المطحنة. وفي المطحنة يتم جرش القمح المسلوق والمجفف إلى برغل خشن وبرغل ناعم وبرغل وسط، ولكل من أنواع البرغل هذه استخداماته لدى ربة المنزل.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading