الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المجاهد حُسَيْن مُرشِد رُضوان

صورة تجمع سلطان باشا الأطرش وحُسين مُرشد رضوان.

آل رضوان «عائلة معروفيّة تراثيّة نامية، يمنيّة الأصل شأنها شأن معظم العائلات الدّرزيّة، جمهورهم في عاليه مقامهم الأوّل، ثمّ في السّويداء وبيروت وهم من أصحاب الرّأي والنفوذ في محيطهم».(1)

 

وُلد حُسين مُرشد رضوان عام 1887، في مدينة السّويداء في جبل العرب وتعلّم في مدارسها الأهليّة والأميريّة. وقد نشأ يتيماً بسبب استشهاد والده في إحدى معارك المواجهات ضدّ العثمانيين عشيّة القرن التاسع عشر، وقد رعته بعدها أمه التي تنتمي لآل أبو سعدى وكانت سيّدة قوية الشخصية عرفت بشجاعتها التي تضارع شجاعة أشدّاء الرجال في زمنها.

وفي الحملة الظالمة التي شنّها سامي باشا الفاروقي على الجبل عام 1910، شارك حسين مرشد رضوان في معركة الكفر، ويذكر محمّد جابر في كتابه «أركان الثورة السوريّة الكبرى، ص 243»، بأنّه «كان وطنيّاً مُخلصاً، شجاعاً ومعتزّاً بنفسه».

ولما كانت السّويداء تشكّل الحاضرة الرّئيسة في الجبل وإليها تصل المؤثرات السّياسية قبل غيرها من حواضره، فقد كان الرّجل واحداً من شباب الجبل المنتسبين إلى الجمعيّة العربيّة الفتاة التي كانت تمثّل الحراك العربي الهادف للإصلاح في بنية الدّولة العثمانيّة، ولكنّ عنصريّة حزب الاتحاد والتّرقي التّركي في السّنوات الأخيرة من عصر الدّولة العثمانيّة؛ بعد انقلابهم على السّلطان عبد الحميد الثاني عام 1908، وتبنّيهم النّزعة الطّورانية (التعصّب القومي للعنصر التركي) التي هدفت إلى تتريك العرب وغيرهم من الشّعوب غير التركيّة الخاضعة للدّولة العثمانية آنذاك جعل المُتنوّرين العرب يعملون على الانفصال عن تلك الدّولة بعد أن كانوا يطالبون بالإصلاح والبقاء ضمن إطارها.

ولهذا كان حسين مرشد رضوان النّاقم على الظّلم العثمانيّ وهو العروبيّ النّزعة واحداً من فرسان بني معروف الدروز الذين توجّهوا إلى مدينة العقبة لملاقاة الأمير فيصل بن الحسين قائد حملة الجيش العربي القادمة من الحجاز لأجل المساعدة على دخولها بلاد الشام وطرد العثمانيين؛ قاتليّ أبيه منها.

وبعد ذلك كان أحد الفرسان الذين دخلوا دمشق بقيادة سلطان باشا الأطرش في الثّلاثين من أيلول سنة 1918، وكان السّبق لهم في رفع العلم العربيّ على سراي الحكومة فيها، قبل وصول الجيش الذي كان يقوده الأمير فيصل بن الحسين، وقبل دخول الجيش البريطاني الذي كان يقوده الجنرال البريطاني اللّنبي الذي غضب لسبقهم إيّاه في الدخول إلى دمشق، لأنَّ اللّنبي الذي كان يعتبر نفسه من إرث الصليبيين وهو القائل عند دخوله القدس «الآن انتهت الحروب الصليبيّة»، كان يريد أن يُظْهر نفسه السبّاقَ لدخول دمشق عاصمة الأموييِّن، وكمحرّر للعرب من العثمانييِّن.

.

فترة التمهيد للثّورة

لم تَقُم الثّورة السّوريّة الكبرى عام 1920ــ 1927، هَبّة مِزاجية من رجل فرد، بل سبقها تمهيد فكريّ وسياسيّ بدأ منذ دخول جيش الاحتلال الفرنسيّ دمشق، بل منذ أن افتُضِحَت اتّفاقية سايكس بيكو، ومؤامرة الإنكليز والفرنسيين على الآمال التي بشّرت بها الثورة العربية بالتّحرّر من الاحتلال العثمانيّ الذي خيّم على الأمّة لأربعمائة عام ونيّفٍ سلفت. كان الوطنيّون والعروبيّون السوريون وفي طليعتهم سلطان باشا الأطرش يرَوْن في تنفيذ مقرّرات المؤتمر السّوري عام 1919مفتاحاً لنهضة الأمّة. ولكن بدخول غورو دمشق انقسم مجتمع الجبل بين من رفضَ الخضوع للاحتلال الفرنسي وبين من قَبِل به كأمر واقع، ومن هنا انطلق العمل السرّي الذي كان حُسين مرشد أحد عناصره البارزين في مدينة السّويداء عاصمة الجبل، ذلك العمل الذي كان على رأسه كلٌّ من سلطان باشا الأطرش ورشيد طليع وعلي عبيد ومحمّد عزّ الدين الحلبي وغيرهم.

هكذا كان الرّجل أحد الشّخصيّات البارزة المهيّأة للقيام بعمل ثوريّ تلبية لنداء الواجب الوطنيّ. فعندما قام سلطان بانتفاضته من أجل ضيفه أدهم خنجر عام 1922 لم يكن يقوم بعمل فردي لإنقاذ ضيفه شخصيّاً فقط. بل كان ذلك ضمن خطّة عمل وطني يقوم على رفض الاحتلال، ومن هنا كانت مساندة حسين مرشد رضوان وقيادته لخمسين فارساً بهدف قطع الطّريق على أيّة قوّة فرنسيّة قد تقوم بملاحقة سلطان باشا أو اعتقاله.

ولجدّيّة مساهمته في العمل السياسيّ المُمَهّد للثّورة فقد أقسم يمين الجهاد، وذلك في اجتماع سرّي عُقِد في منزل المجاهد محمّد عبد الدّين في السّويداء في اجتماع شارك فيه خمسةٌ وخمسون ناشطاً من رجال الجبل، وفيما يلي نَصُّ القسم: «أقسم بالله العظيم أن أقيم الثورة وأكون فدائيّاً تجاه خِدمة وطني وأقدّم دمي وكلّ إمكانيّاتي وأدافع عن كرامة أمّتي ورفاقي المُخلصين حتّى أُحقّق الحرّيّة والاستقلال لبلادي سوريّة والله على ما أقول شهيد». وإلى هذا القسم يشير الباحث محمّد جابر بقوله» ويُعتقد أنّه القَسَم الذي صاغه رشيد طليع منذ عام 1920». وقد عُرِف حسين مرشد بمواقفه الوطنيّة التي جعلت منه شَوْكة في عيون السّلطات الفرنسيّة في الجبل.

.

مُطْلِق الرصاصة الأولى في الثورة السوريّة الكبرى

يُعْتَبر حسين مُرشد عضواً مؤسّساً في الجمعية الوطنيّة لشباب الجبل التي رأسَها سلطان باشا الأطرش في عهد كاربييه، وكانت هذه الجمعيّة تدعو إلى وحدة الصفّ الوطنيّ والمحبّة والتعاون ومقاومة التّسلّط ومناهضة المستعمر، وقد ضمّت نحو خمسمئة شابٍّ، وكانت تتمتّع بتأييد الرأي العامّ في سائر الجبل. كما كانت تنفّذ نشاطات وطنيّة كالتّظاهرات والاحتجاجات على مظالم كاربييه، الحاكم الفرنسيّ للجبل، ومعاونه موريل. وفي مظاهرة 7 تموز 1925 عندما حاول موريل ورجال الدّرك الفرنسيّ قمع مظاهرة شباب السويداء السَّلميّة بالعنف والعصيّ اشتبك المتظاهرون معهم بالأيدي ورشقوهم بالحجارة، فأطلق موريل النّار على المتظاهرين. عندها هاجمه حسين مرشد وأطلق عليه النّار من مسدّسه كما انهالت على موريل وعلى جُنْدِه الحجارة من سائر المتظاهرين، فوقعت قُبّعتُه وتدحرجت على الأرض، وقد أصيب بجرح في رأسه وجُرِح عدد كبير من جنوده.(2)

وهكذا كانت رصاصة حسين مرشد هي الأولى في وجه الفرنسيين إيذاناً بالثورة السوريّة الكبرى. وقد أدى موقفه الجريء هذا إلى انتقام الفرنسييّن منه فعزموا على هدم داره وتغريم أهالي السّويداء بمبلغ مئتيّ ليرة ذهبية. لكنّ مئات من الرّجال المسلّحين من السّويداء وجوارها حَمَوْا الدّار، فتراجع الفرنسيّون عن قرار الهدم وأصدروا قراراً بديلاً يقضي بنفي حسين مرشد وعشَرَة من رفاقه من المدينة، وتسليم عشَرَة شبّان من أبناء وجهاء السويداء كرهائن ريثما تهدأ الحال ويستتبّ الأمن.

حُسَيْن مُرشِد رُضوان

نعم لقد كانت تلك الحادثة التي جرت قُبَيل إعلان الثورة بعشَرة أيّام من أبرز الأسباب التعبويّة التي كانت الصاعق الذي عجّل بإشهارها. تلك الثورة التي جَرّعت الفرنسيّين هزيمتي الكفر والمزرعة منذ أيّامها الأولى.

صموده أمام مغريات الفرنسييّن

كان الفرنسيّون قد عملوا جاهدين على شراء ولائه لهم، لكنّ ولاءه للوطن أفشل عروضهم، وعندها اعتبروه عدوّاً لدوداً، فراقبوا حركاته وضيّقوا عليه، وقبيل وقوع حادثة المظاهرة كان الليوتنان موريل قد اعتقله عشَرة أيّام أُجْبِر خلالها على الأشغال الشاقّة؛ منها تكسير الحجارة والعمل بشقّ الطّرق حاسر الرّأس حافي القدمين. يجلدونه كلّ يوم ثلاث مرّات ونهاية النهار يُحْبَس ليقضي ليله في مخزن للفحم!!.

دور قيادي وبطولي في عمليّات الثورة

أمّا بعد هزيمة الفرنسيّين في معركة الكفر، فقد كان حسين مرشد أحد قادة المجاهدين الذين كُلّفوا من قبل سلطان باشا بحصار قلعة السّويداء التي لجأ إليها تومي مارتان حاكم الجبل بالوكالة مع نحو خمسمائة من الفرنسيّين وبعض العملاء التّابعين لهم.

وفي يوم التّراجع أمام الزّحف الفرنسيّ مساء أول آب 1925 قُبيل معركة المزرعة بيوم واحد، كان سلطان باشا بصحبة مائة من الفرسان عند نبع عين الفارعة التي تقع بين المزرعة والسّويداء قد التقى بحسين مرشد ومعه جماعة من المجاهدين. قال حسين لسلطان باشا: «إنّ أهالي السويداء قد أقسموا على ألّا يغادروا مواقعهم، وأن يصمدوا في وجه الزّحف الفرنسيّ حتى لو مرّت آليات العدو على أجسادهم». وفي اليوم التّالي يوم معركة المزرعة كان حسين مرشد أحد الأبطال الذين وصفهم سلطان باشا بأنّهم «لا يُشَقُّ لهم غبار»، وقد أشار المجاهد علي عبيد في مذكّرته إلى فريق من مجاهديّ بني معروف ومنهم حسين مرشد وسعيد طربيه وحسين مصطفى ومحمّد عبد الدين أنّهم كانوا من بين طليعة الذين هاجموا قوّات الفرنسيين، ولازموا مُصفّحاتها وقلبوها بأكتافهم وأحرقوها بمن فيها.

وإلى ذلك يشير الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في مذكّراته ص31 يقول: « ورأيت خمسَ سيّارات مصفّحة محروقة، وقد أمالها مجاهدو الدّروز على جوانبها حين الهجوم بأكتافهم وقتلوا سَوَّاقيها ومساعديهم بالمسدّسات من كُوَاها (أي: نوافذها) المرتفعة وإنّ رؤية هؤلاء السّوّاقين مُتعانقين مُلْتَحمين تدلّ على هَوْل ما لاقَوْه من المهاجمين. أمّا عندما قام ثوّار الجبل بحملة تحرير دمشق التي لم يُكْتَب لها النّجاح بسبب عدم التزام ثوّار دمشق بملاقاة الثّوار الدّروز في الموعد المتَّفق عليه للإطباق على الفرنسيّين وطردهم من العاصمة، فقد كان حسين مرشد أحد قادة الثوّار في معركة العادليّة جنوب دمشق.

وفي مؤتمر ريمة اللّحف المُنعقد في أوائل أيلول انتُخب حسين مرشد واحداً من أركان قيادة الثورة إلى جانب قائدها العام سلطان باشا الأطرش(3).
وفي معركة المسيفرة في ليل 16/17أيلول 1925 كان حسين مرشد من طليعة الفرسان الذين اقتحموا تحصينات العدوّ ودخلوا إلى خلف خطوطه داخل القرية، وقاتلوا بالسّلاح الأبيض واستولَوْا على مواقع العدوّ وعلى مراكز أسلحته وتموينه وعلى اسطبلات الخيول وركّزوا بيارقهم على أسطح منازل المسيفرة وإلى ذلك يشير المجاهد صياح النّبواني بأنّ حسين مرشد كان يبثّ النّخوة في نفوس المجاهدين، وقد رآه يوزّع الذّخيرة عليهم من الخرطوش المُستولى عليه، وإلى بطولاته في ميدان المعارك يشير شّاعر الثّورة الشّعبي صالح عمار أبو الحسن فيقول:

وحســـين يــــــا ليــــــثٍ شَديد البـــــاس
اَلسّـيـــــف مــــن دمّ الـعــــِدا حنّـــــاهــــا
كـــــم عُــقـــدةٍ كـــــانت بهـــــا عِرْبـــــاس
أنـــــت الــــــذي فَـكِّــيــــــت عُسْــــراهــــا
بـــــالمـــزرعــــة خَلّـيــتــهـــم مـــِرْكــــــــاس
ضَبـــــع كنــــــاكـر باللّقـــــــا عَشّـــاهــــا*
المْسِـيــفْــــرَهْ يومَـــــهْ غَـــــدا مِرْفـــــــاس
كـــــمْ مـــــن صَـــــوِيبٍ لاهَلَـــهْ وَدّاهــــــــا

* أي أن ضبع قرية كناكر نال عشاءه من لحم العسكر الفرنسي.

الجنرال غاملان
في مواجهة حملة الجنرال غاملان وما تلاها

عندما زحف الجنرال غاملان بحملته الأولى إلى الجبل من مواقعه في قَرية المسيفرة في سهل حوران؛ لِفَكّ الحصار عن الفرنسيّين المحاصَرين في قلعة السّويداء منذ يوم معركة الكفر قبل نحو شهرين وذلك في 23أيلول 1925، كان حسين مرشد في طليعة المشاركين في مواجهة ذلك الزّحف الذي ترتّبت عليه سلسلة من المعارك بين يومي 2 و9 تشرين الأوّل وقد دارت تلك المعارك على محور جبهةٍ امتدّت بعرض ثمانية كيلو مترات؛ من قرية المجيمر وحتى نبع المزرعة شمال غرب السّويداء. كانت معركة رساس على ذلك المحور من أعنف تلك المعارك التي انتهت بانسحاب سريع للقوّات الفرنسيّة، بعدها دُحِرَت الحملة إلى مواقع انطلاقها في سهل حوران بنتيجة هزيمتها الأخيرة عند نبع المزرعة. ويشير المجاهد علي عبيد في مخطوط مذكّراته ص 15 ــ 16، إلى أنّ الفرنسيّين خسروا في تلك المعارك نحو ثلاثة آلاف قتيل.

وعندما توجّهت حملة ثوّار الجبل لدعم الثّوار في غوطة دمشق في أوائل تشرين الثاني 1925 بقيادة محمّد باشا عز الدين الحلبي كان حسين مرشد رضوان أحد قادة فرسان الجبل في تلك الحملة وشارك في عدة معارك أهمّها يلدا وببيلا وحمورية وجوبر وعربين. ومن بعدها اشترك في حملة إقليم البلاّن بقيادة الأمير متعب الأطرش وشارك في عدة معارك هناك.

 

القتال في حرب اللّجاة ومعركة السّويداء الثّانية

كذلك قاتل حسين مرشد في معارك اللّجاة سنة 1926، وكان من بين الثوّار المُرابطين في قرية الطّف اللّجاتية بعد السيطرة على قرى جَدْل وصُور وعاسم وجَسْرة والزّباير، ومن تلك القرى كان الثّوار يهاجمون قطارات الإمداد التي كانت تنقل الجنود والإمدادات من دمشق لقوات الجيش الفرنسي المُرابط في سهل حوران؛ الذي جعل منه الفرنسيّون نقطة انطلاق للهجوم على الجبل الثّائر. وفي ذات مرّة تمكّن مع رفاق له من الاستيلاء على القطار وكَسْب ما ينقله من المؤن والمدد.

وعندما قاد الجنرال غاملان حملته الثّانية المكوّنة من نحو ثلاثين ألف جندي للسّيطرة على الجبل عام 1926 قاتل حسين مرشد الفرنسيّين في معركة السّويداء الثانية بين 24 و26 نيسان، وقد تمكّن في تلك المعركة من قتل قائد الفرقة الأولى في الحملة، واستولى على سلاحه وعدّته وعلى أثر تلك المعارك اضطُرّ الثوار للتّراجع والانسحاب من مدينة السّويداء أمام الزّحف الفرنسيّ الذي كان يتفوّق عليهم عدداً وعتاداً، فاحتلّها الفرنسيّون وكانت المدينة قد أُخليت من أهاليها، وتعرّضت للنّهب والدّمار، واستُشهد بنتيجة تلك المعارك مئات من المجاهدين وأصيب الثّلث منهم بجراح بليغة حيث لا يقع البصر إلّا على الأشلاء المتناثرة.

 

الانسحاب جنوباً إلى الأردن

على أثر انسحاب الثّوار من الجبل عام 1927 اشترك حسين مرشد في معركة جْبَيّة جنوب قرية العانات على أطراف الجبل الجنوبية من جهة بادية الأردنّ، وقد دامت تلك المعركة نهاراً كاملا، وقاد مجموعات المجاهدين فيها سلطان باشا بنفسه، وبنتيجتها تمكّن الثوار من هزيمة القوّات الفرنسيّة المؤلّفة من نحو 1500 جندي، وطاردوا فلولها حتى تلّ يوسف. وعندما حوصرت الثّورة من قبل الإنكليز والفرنسيّين، كان حسين مرشد في أواخر نيسان 1927 برفقة الأمير عادل أرسلان في الأراضي الجنوبية من الجبل، تلك الأراضي التي صارت تابعة للأردن إثر اتفاق فرنسي بريطاني تنازلت فيه فرنسا عمّا تدعوه حِصّتها من بترول الموصل لبريطانيا مقابل السماح لبريطانيا باقتطاع الأراضي الجنوبية من جبل الدروز بعمق 60 كيلومتراً جنوب الحدود الحاليّة لقرية أمّ الرّمّان وقرى الجبل الجنوبية المحاذية لبادية الأردن، وحتى موقع الأزرق جنوباً، وكان ذلك التنازل مقابل مساعدتها على إخماد الثّورة وطرد الثوّار الذين لجؤوا إلى الأراضي الأردنيّة أو إجبارهم على الاستسلام لفرنسا. وعلى هذا فقد لاحقتهم القوّات البريطانية وقصفتهم بالطّائرات في أكثر من موقع ومنعت عنهم ورود مواقع الماء المعروفة في البادية، فاضطُرّ الثوار للبحث عن الماء في الصّحراء إلى أن وجدوا غدير ماء آسن فاضطُرّوا للشرب من مائه الملوّث بالدّيدان وذلك بعد موت ثلاثة منهم عطشاً.

بعد انحسار العمليات العسكريّة للثّورة في الأراضي السّوريّة وَرَفْض سلطان باشا الخضوع للاحتلال الفرنسيّ، نزح المجاهد حسين مرشد برفقة القائد العام ورفاقه من الثوّار المجاهدين إلى الأزرق التي كانت من مُمْتلكات جبل الدروز قبل سايكس بيكو، ومن ثمّ إلى وادي السّرحان في السّعودية، وهناك واجهت أسرته الجوع والعطش وموت الأطفال الذين كانوا يموتون بسبب سوء التّغذية وافتقاد الأدوية في بيئة صحراويّة بعيدة عن الحضارة وقد خصصت لهم مقبرة في تلك المنافي.

وظلّ حسين مرشد ثابتاً على قسمه بالولاء للثّورة وقائدها العام، ففي شهر تموز من سنة 1929 ذهب في وفادة برفقة صيّاح الأطرش وسليم الأطرش إلى الأمير عبد الله، وزاروا أخاه الملك عليّ للبحث في إمكانيّة إقامة عائلات المجاهدين في الأردن بعد أن ضاقوا بالحياة في صحراء المنفى المُهلكة في وادي القُرى من السعوديّة، وحصلوا على وَعد بذلك، وعلى هذا يعلّق عبدي صياح الأطرش «ومن أين لهم القدرة على الموافقة إذا كان الإنكليز لا يقبلون إرضاءً للفرنسيين(4). وفي أيلول من العام نفسه ذهب حسين مرشد وصيّاح ألأطرش وجميل شاكر للقاء سعيد العاص بهدف طباعة المنشورات ذات الصلة بقضايا الثّورة، وهم الذين يعتبرون أن ثورتهم لن تنتهي إلّا بخروج المحتلّ من أرض سوريّة.

ومن أجل أن يعقد الثوّار مؤتمراً في الصّحراء في موقع «الحديثة» على الأراضي السّعودية أُوفِد حسين مرشد وشكيب وهّاب وصيّاح الأطرش إلى عبد الله الحواسي أمير المنطقة التي يقيم فيها الثوّار بقصد إعلامه بمؤتمر سيعقدونه لبحث شؤونهم، وفيما بعد كان الرجل أحد أعضاء اللّجنة الماليّة التي انبثقت عن ذلك المؤتمر، ومن مهامّها تلقّي الإعانات المُقدّمة للثوّار وعائلاتهم والإشراف على حسن توزيعها. كما ذهب في وفادة إلى ديار صفد في فلسطين هو وقاسم أبو صلاح وسليم الأطرش لشرح أبعاد القضية الوطنيّة التي يعمل عليها الثوّار، ولجمع التبرّعات لدعم صمودهم.

صورة المجاهد حسين امام مضافته مع مجموعة من اقاربه واصدقائه.

.المنفى البديل في الأردنّ ومقدّمات العودة إلى الوطن

 في عام 1933 انتقل حسين مرشد وسائر الثوّار إلى الأردن برفقة القائد العام ومجاهديّ الثّورة بصفة لاجئين سياسيّين على ألّا تكون إقامتهم قريبة من الحدود السوريّة(5)، وذلك بعد موافقة بريطانيا والحكومة الأردنيّة على ذلك. ولما كان الرّجل أحد أبرز وجهاء مدينة السّويداء المناوئين لسلطات الاحتلال الفرنسي؛ فقد وصلته رسالة من الكولونيل دوفيك، وهذا مندوب المفوضيّة العليا في حكومة جبل الدّروز حينها؛ ينصحه فيها بالاستسلام مع أّنّه كان محكوماً عليه بالإعدام، وتلك محاولة فرنسيّة خبيثة لكسب ولائه لكنّه لم يعبأ بتلك النّصيحة الماكرة. وبنتيجة موقف القائد العام الثّابت من حقّ سورية بالاستقلال وبالتّنسيق مع الحركة الوطنيّة في الداخل السّوري المؤيدة لثوّار المنفى، والدّاعية للاعتراف باستقلال سورية ولبنان، قبلت فرنسا بمعاهدة عام 1936، التي اعترفت بموجبها بحقّ البلدين بنيل استقلالهما، ووافقت على عودة الثوّار وأسقطت أحكام الإعدام التي كانت قد صدرت بحقّهم إبّان فترة الثورة. وعلى هذا فقد كان حسين مرشد عضو لجنة التّنسيق لتنظيم عودة الثوّار إلى الوطن. ولمّا كان الفرنسيّون يعملون على حالة خلق حال من التمييز بين السماح بعودة بعض المجاهدين اللّبنانيّين والدمشقيّين من جانب والمجاهدين من الجبل من جانب آخر، وهذا ما لم ترضَ عنه قيادة الثورة، لذا فقد شُكِّلت لجنة من كلٍّ من حسين مرشد وعلي عبيد وزيد الأطرش ومحمّد باشا عز الدين الحلبي للعمل على إزالة بعض الموانع القانونيّة التي وُضِعت بحق المعنيّين من أولئك المجاهدين بدعوى أنّه سبق أن صدرت بحقّهم أحكام عديدة، ولهذا عُقِدت عِدّة اجتماعات لتسوية هذه المسألة في منزل المسؤول الأردنيّ (اللبنانيّ أصلاً) حسيب ذبيان في عمّان.
.

جبل العرب لا جبل الدروز وعودة لمجاهدين الظافرة إلى الوطن

 يخطِئ من يظنّ أنّ الثّورة السورية الكبرى انتهت عام 1927، ففي ذلك العام كانت نهاية المواجهات الحربيّة بين الثوّار وبين القوات الفرنسيّة، غير أنّ العمل السياسيّ في الداخل السوريّ كان مُكَمّلاً للعمليّات الحربيّة؛ وقد رفض سلطان باشا ورفاقه ومنهم حسين مرشد العودة إلى سورية والتخلّي عن فكرة الثورة طالما بقي الفرنسيّ يحتلّ البلاد تحت اسم الانتداب كذريعة تزيينيّه زائفة للاستعمار البشع، وعلى هذا فإنّه بعد اعتراف فرنسا باستقلال سورية ولبنان؛ صدر عفو فرنسيّ عن المجاهدين ولمّا كان الشّعب الأردنيّ متضامناً مع الثّورة السوريّة، فقد أقيم احتفالٌ وَداعيٌّ في سينما البتراء في عمّان، شاركت فيه وفود عربيّة من سورية ولبنان وفلسطين وسواها احتفاءً ووداعاً لمجاهديّ الثّورة السوريّة وقائدها العام سلطان باشا الأطرش بعد سنوات مُضْنِيَة من القتال والمنفى، وفي ذلك الاحتفال أعلن عجاج نويهض المجاهد اللّبناني العروبيّ النّزعة والصّحافي اللّامع، في كلمة ألقاها في ذلك الاحتفال؛ قال فيها مخاطباً سلطان باشا وجمهور الحضور: «إنّ هذا السّيف الذي انتضيتموه في سبيل سوريّة هو مدعوٌّ لِيُنتَضى اليوم في سبيل منطقة الإسكندرون لأنّ بلاد العرب واحدة لا تُعطى لُقَماً إلى اليهود والغرباء، لذلك فإنّك رَمْزُ الجهاد العربيّ المستقلّ، وهذا مُتَوارث فيك وفي عشيرتك الأكرمين بني معروف، فالجبل الذي يقال له زمن الفرنسيّين جبل الدّروز، أصبح بفضل جهادك وجهاد إخوانك جبل العرب»(6)، ومن فوره في ذلك الاحتفال وافَقَهُ سلطان باشا ورفاقُه على هذه التّسْمية وعُمِّمَ الاسم في الصّحافة ووسائل الإعلام آنذاك.

قائدٌ مجاهدٌ وفقير!

وصل حسين مرشد برفقة القائد العام والثوّار العائدين إلى الجبل في أواخر أيار 1937، غنيّاً بنفسه وجهاده، لكنّه منكوبٌ من جانب آخر، وعلى ذلك يقول محمّد جابر(7) إنّه «كان خالي الوفاض فقد أُصيب بنكبات فادحة (وفاة عدد من أبنائه في المنفى، كما وجد داره ركاماً بعد أن دمّرها الفرنسيّون انتقاماً منه وكانوا قد نهبوا وصادروا أملاكه».

من ثائر منفي إلى نائب في مجلس النوّاب

ولم ينعزل ذلك المجاهد الكبير بعد عودته من المنفى إلى الوطن، بل انتقل إلى الجهاد السياسي، إذ تمّ انتخابه لعضويّة المجلس النيابي السوري بنسبة عالية من الأصوات لكونه من نشطاء التجمّع القوميّ، وكان له رصيد اجتماعيّ كبير في مدينته السّويداء فهو من مؤسّسيّ الهيئة الشعبية الوطنية في جبل العرب آنذاك. ومن مقاوميّ العدوان الفرنسي على دمشق في حوادث أيّار 1945 ومن معارضيّ الفصل بين جبل العرب والوطن الأمّ سورية، وفي عام 1947 كان واحداً من الرجال البارزين في الحركة الشعبيّة في الجبل؛ تلك الحركة التي انحرفت عن أهدافها الاجتماعيّة التّغييريّة إلى العمل المسلّح.

وفي العام 1948وبدافع من الحسّ الوطنيّ العروبيّ في أسرة المجاهد العريقة بنضالها، اندفع ابنه فهد لقتال الصّهاينة المدعومين من بريطانيا في فلسطين إلى جانب فريق من شبّان بني معروف واستُشْهد على الأراضي الفلسطينيّة في معركة الخان.

وعندما انحرف أديب الشيشكلي إلى الاستبداد وجنح إلى الحكم الدكتاتوري؛ أُوفد حسين مرشد ويوسف العيسمي من قبل القائد العام سلطان باشا الأطرش لتمثيل الجبل في مؤتمر القوى الوطنيّة المُنعَقد في حمص عام 1953، وقد أدّى هذا بالدكتاتور إلى تسيير حملة انتقاميّة إلى الجبل عام 1954، وكان المجاهد حسين مرشد ممّن حملوا السلاح في وجه ذلك العدوان.

وفي عهد الوحدة كان واحداً من أعضاء لجنة الاتحاد القومي في السّويداء، وذلك كان التّنظيم الذي اعتمدته سلطات حكومة الوحدة بديلا للأحزاب السوريّة التي تمّ حلُّها، وملاحقة المُعْترضين على ذلك.

كان الرّجل مخلصاً بحقٍّ في تأييده للوحدة بين سورية ومصر عام 1958، تلك الوحدة التي عُقِدَت عليها آمال الوطنيّين العرب في بدايتها قبل أن يتمّ اغتيالها بسبب الفساد الإداري في الدّاخل، والتآمُر الاستعماريّ من قوى الخارج المعادية لأيّة قوّة عربيّة ناهضة.

وبقي حسين مرشد وجهاً اجتماعيّاً مرموقاً ومُحترَماً في مدينة السّويداء إلى أن توفّاه الله في الثالث من نيسان عام 1968، في مدينته التي طالما أحبّها، وتكريماً له سُمّيت باسمه مدرسة ابتدائيّة في الحيّ الذي كان يقطنه، وقرب داره التي هدمها الفرنسيّون، وقد قام الفنّان فؤاد نعيم بإنجاز تمثالٍ له منحوت من حجر الجبل البازلتيّ الذي تعشّقه حسين مرشد رضوان، وسمّيت باسمه ساحة على مدخل السويداء الغربي.

نعم سيبقى المجاهد حسين مرشد رضوان علماً من أعلام بني معروف الموحّدين في جهادهم النضالي ضد الاستعمار وفي جهادهم السياسي ضد الدكتاتوريّة ومن أجل قيام مجتمع عادل لجميع أبناء الوطن…


المراجع:
  1. يحيى حسين عمار، الأصول والأنساب، دار الضحى للنّشر، ص 85.
  2. أحداث الثورة السّوريّة الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش، 1925ــ 1927، دمشق، دار طلاس 2007، ص86.
  3. كتاب أحداث الثورة السوريّة الكبرى 1925ــ 1927، م.س، ص 131.
  4. عبدي صيّاح الأطرش، أوراق من ذاكرة التاريخ، ط1، دمشق، دار الطليعة، 2005، ص127.
  5. أحداث الثّورة السّورية الكُبرى، م. س، ص 339
  6. نويهض، عجاج، ستّون عاماً مع القافلة العربيّة، دار الاستقلال، بيروت، لبنان،1993، ط1، ص 76ــ 77
  7. جابر، محمّد، أركان الثورة السوريّة الكبرى.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي