الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المجاهد عقلة القطامي

سِيرَةُ قائدٍ مَسيحيٍّ في الثّوْرةِ السُّوريّة الكبرى

عُقلة القِطاميّ

(1889ــ 1956)

رفيق سلطان في الجهاد والمنفى

حَقدَ الفرنسيّون عليه كثائر مسيحي فأحرقوا منزله
ومنحه بابا روما عام 1947 الوسام البابويّ تقديراً لجهاده

شارك عام 1918 في رفع العلم العربي
ورافق سلطان لِلّقاء بالملك فيصل الأوّل

قاتل الفرنسيين تحت بَيْرَق قريته «خَرَبا»
وكان بَيرقاً مُميّزاً يحمل في وسطه شَارة الصّليب

يحتلّ اسم المجاهد في الثورة السورية الكبرى، عُقلة القِطاميّ، مكانا بارزا في تاريخ تلك الثورة المجيدة، ليس فقط بسبب الدور المِحوري الذي لعبَه في أحداثها ومعاركها ومراحلها، بل لكونه كان أبرز شخصية مسيحية تتبوّأ موقعا قياديا فيها؛ وقد كان أحد المقربين من قائد الثورة سلطان باشا الأطرش ورفيق جهاد لم يترك قائده في أي لحظة ولم يساوم أو يهادن رغم الأضرار التي لحقت به من انتقام الفرنسيين؛ وقد حقد هؤلاء عليه أكثر من غيره لأن وجوده -مع مسيحيين آخرين- في صفوف المجاهدين عزز الطابع الوطني للانتفاضة على الاحتلال وأحبط خطة فرنسا لإظهار الثورة بمظهر “إسلامي” مناهض لمصالح المسيحيين التي كانت تدعي أنها “حامية” لهم؛ وقد كان هدفها بثّ الفرقة بين أبناء الوطن تسهيلا للسيطرة على البلاد وإلحاق الهزيمة بالثورة.
فمن هو هذا المناضل الشجاع؟ وما هو الدور الذي لعبه في الثورة وفي النضال الوطني السوري عموما؟

عُقلة القِطاميّ هو أحد وجهاء عائلة عربيّة عريقة من مسيحيّي سهل حوران، أولئك القوم من قبائل العرب الذين استوطنوا أواسط وجنوب بلاد الشّام قبل الفتح العربيّ الإسلاميّ بقرون.
كان ميلاده في قرية “خَرَبا” التي تقع إلى الغرب من بلدة “عِرى” في الجبل، وعلى مسافة نحو عشرين كيلو متراً من مدينة السّويداء. وقد أشار إلى تلك العائلة وأصولها الباحث يحيى عمّار في كتابه “الأصول والأنساب” الجزء الأوّل، ص 156، يقول: “آل القِطاميّ عائلة عربيّة عريقة” ويقول ابن حزم في “الجمهرة” أنّ جدّهم الأوّل هو عمرو بن شُيَيْم بن عمرو بن عبّاد بن بكر بن عامر بن أسامة بن مالك بن جشم. من بني عمرو، ومن هؤلاء الشّاعر المعروف بالأخطل، وعمرو بن شُييم كان شاعراً أيضاً، والقِطاميّ لقبُه”.
ويذكر الدّكتور خليل المقداد في كتابه “حَوْران عبر التاريخ” في معرض حديثه على حوران في العصر المملوكي أنّ المجتمع الحورانيّ، المؤلّف من مسلمين ومسيحيين، “كان مجتمعاً بسيطاً ومركّباً، فسكّان القرية ينتمون لقبيلة واحدة وأحياناً لأكثر من ذلك، وعاش المسلمون متعاونين مع النّصارى على السرّاء والضرّاء أكثر، وكانت نسبة المسلمين في حوران تصل إلى مابين 70ــ80%”.
ويشير الباحث يحيى عمّار إلى أنّ آل القِطاميّ هم “عائلة أرثوذكسيّة المذهب حورانيّة المقام (..) وللعائلة فرع في لبنان هم آل مسلِّم منهم في زحلة ورشعين وزغرتا (في لبنان) وأم الفحم ( في فلسطين) قرب نابلس وفي الناصرة”.

عُقلة المجاهد العربيّ
لم يكن عُقلة القِطاميّ، ومنذ شبابه الباكر شخصاً منعزلاً عن هموم الناس ومعاناتهم في تلك الفترة من الحكم العثماني في بلاد الشّام، ولم يُغِرِهِ مَنْحُه وسام النّيشان العثماني الرابع والثالث والثاني مع ميدالية عثمانيّة وأخرى ألمانية ليسكتَ عن مظالم العثمانيّين، وعلى هذه الحقيقة يستند الباحث محمّد جابر في كتابه “أركان الثّورة السّوريّة الكبرى” فيذكر أنّ القِطاميّ “ اشترك في الثورة العربيّة ضدّ العثمانيّين، وكان أحد فرسان الجبل الذين دخلوا دمشق في 30 أيلول عام 1918، ورفعوا العلم العربيّ فوق دار الحكومة. و”كان بين من اجتمعوا من ثوّار الجبل برفقة سلطان باشا بالأمير فيصل بن الحسين بعد خروج العثمانيّين من دمشق في أوائل تشرين الأوّل في منزله بحيِّ المهاجرين”.

عقلة القطامي (إليى اليسار) مع سلطان باشا الأطرش في منفاهما في وادي السرحان في المملكة السعودية
عقلة القطامي (إليى اليسار) مع سلطان باشا الأطرش في منفاهما في وادي السرحان في المملكة السعودية

مهمة سِرّيَّة مع زعماء حوران
كان عُقلة القِطاميّ وَجيها مرموقاً في قومه ويتمتع بعلاقات طيّبة مع زعماء الثّورة في الجبل بصفته واحداً منهم، وكان له في الوقت نفسه علاقات طيّبة مماثلة مع زعماء سهل حوران بحكم مكانته الاجتماعيّة في قريته خَرَبا، وفي الوَسَط المسيحيّ في جنوب الشام بشكل عام بحكم مسيحيّته العربيّة الغسّانية الجذور، وموقع قريته الذي يشكل صلة وصل بين جبل حوران الذي كان مُنْطلَق الثورة السوريّة الكبرى وقاعدتها الرّئيسة، لذلك تمكّن عُقلة وبتوجيه من القائد العام للثّورة سلطان باشا الأطرش، في أيار 1926، من إقناع بعض المشايخ الحوارنة بشنّ هجوم على خطّ سِكّة الحديد بين إزرع وخربة غزالة، وقد تمّ هذا العمل الجريء ضدّ الفرنسيين وفرّ الثوّار المنفّذون إلى إمارة شرق الأردن. وكان على رأس هؤلاء المجاهدين كبيرهم الشيخ اسماعيل الحريريّ الذي سبَق أن سجنته السّلطة الفرنسيّة، لأنّه رفض استعمال السّلاح الفرنسيّ المُقدّم للحوارنة ضدّ ثوّار الجبل. يذكر المؤرّخ البعينيّ أنّ جُمْلةً من المجاهدين الّلاجئين إلى شرق الأردن، وفيهم من شيوخ حوران اسماعيل الحريريّ ومصطفى الخليليّ دمّرت جسر عَرار، وأحرقت مركزاً للدّرك، وأسرت جنوده، ودمّرت جزءاً من الخط الحديدي في أوائل تشرين الأوّل 1926. ثمّ وبعد أيّام من العمليّة الأولى، وفي 10 تشرين الأوّل، خاضَ خلف المُقْبِل وبعض مجاهدي آل الحريري وآل الزعبي موقعة مع الفرنسيّين بالقرب من نبع الدّلي”. ، وبالاستناد إلى أوراق المجاهد عُقلة القِطاميّ، وما أكّده ولده سليم فإنّ سلطان بعث بتاريخ 18 تشرين الأول 1926 رسالة إلى مشايخ وأعيان ووجوه حوران “يشكرهم على ما أظهروا من الغَيْرَة الوطنيّة والشّهامة العربيّة والهمّة العليّة”.

القِطاميّ في مؤتمر ريمة الفخور
كان دور عُقلة القِطاميّ بارزاً كواحدٍ أركان الثّورة في ذلك المؤتمر، وقد أكّد على هذا الدّوْر ما سجّله سلطان باشا في كتاب “أحداث الثّورة السورية الكبرى” حيث تمّ بحث مسألة التنظيم العسكريّ للثّورة، وقد ضمّ المؤتمر في حِينهِ ممثّلين من الحركة الوطنية بدمشق وَ “مَن كان يصحبهم من المجاهدين الذين انضمّوا إلى الثّورة، بالإضافة إلى عدد من أعيان الجبل وقادة الرأي فيه” وبنتيجة ذلك المؤتمر أُعلنت جملة من القرارات نصّت على: “متابعة الثّورة حتى تنالَ البلاد استقلالها التّام وتسمية سلطان باشا الأطرش قائداً عاماً للثّورة، وتولية الدّكتور عبد الرّحمن الشّهبندر إدارة الشّؤون السياسيّة، وتسميته ناطقاً رسميّاً لها، وتشكيل أركان قيادة الثورة من السّادة حمد عامر وفضل الله هنيدي ومحمّد عز الدين وعُقلة القِطاميّ وسليمان نصّار وحسين مرشد ويوسف العيسمي وعلي عبيد وقاسم أبو خير وعلي الملحم، والدّعوة إلى حَمل السلاح والانضمام إلى الجيش السوري”.

الفرنسيّون ينتقمون
لقد صَدَق عُقلة القِطاميّ في جهاده ضدّ الاحتلال الفرنسيّ لسورية ولبنان، ولم تنطلِ عليه أحابيل الفرنسيّين ومحاولاتهم استمالة مسيحيّي الشام إلى جانبهم، لذلك فإنّهم حَقدوا عليه وقرّروا معاقبته، وسنحت لهم الفرصة عندما تقدّمت حملة الجنرال غاملان المُجهّزة بالدّبابات والمدفعيّة والمدعومة بسلاح الطيران بتاريخ 27 أيلول من عام 1925م باتّجاه السّويداء، مرّت الحملة في طريق تَقدُّمها على قرية “خَرَبا” مسقط رأس عُقلة القِطاميّ وأحرقت داره. غير أنّ الفرنسيّين لم يوفّقوا بعدها، ذلك أنّ الثوّار هزموا القوّات الفرنسيّة في سلسلة من المعارك العنيفة غربيّ قرية المجيمر، وفي قرية رساس التي تبعد عن السّويداء مسافة بضعة كيلومترات، وكان المجاهد عُقلة القِطاميّ مقاتلاً في تلك المعارك.
يذكر سلطان باشا أنّه دارت هناك “المعركة الرّهيبة المشهورة بتاريخ الثّورة باسم هذه القرية (رساس)، والتي دامت ثلاثة أيام متتالية، لم يَذُق الفرنسيون خلالها طعماً للنوم أو الراحة، مما اضطرّهم إلى التّقهقر باتّجاه قرية كناكر غرباً، مُتَخلّين عن خطّتهم المرسومة بمتابعة الزّحف شمالاً نحو مدينة السّويداء ودخول قلعتها الحصينة”.

عقلة القطامي مع سلطان - صورة أخرى في وادي السرحان
عقلة القطامي مع سلطان – صورة أخرى في وادي السرحان

موضع ثقة سلطان
كانت الثّورة السوريّة الكبرى موضع آمال السّوريّين عموماً في سائر بلاد الشّام آنذاك، وكان الشّعور الوطنيّ يعمّ البلا وكان الرّأي العامّ الشّعبي في فلسطين مؤيّداً للثّورة السّوريّة الكبرى التي كانت بحاجة للدّعم المعنويّ والماديّ في مجابهة المحتلّ الفرنسي، وفي هذا السياق تألّفت “لجنة القدس” برئاسة مُفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني بهدف جمع الأموال أو تلقّيها من الدّاعمين العرب ومن ثم تقديمها مع الأدوية والملابس لمجاهدي الثّورة السّورية، كما تكوّنت في القاهرة جمعيّة إعانة المنكوبين السوريّين، وكان المجاهد عُقلة القِطاميّ أحد أعضاء لجنة مختارة من الثّوار مؤلّفة من الأمير عادل أرسلان وعبد الغفّار الأطرش وحسين الهجري والدكتور عبد الرّحمن الشّهبندر مهمّتهم تَسَلُّم الإعانات من الخارج، وشراء الأدوية والمؤن بالإضافة إلى الأسلحة والذّخائر.
وبنتيجة تحالف بريطانيا مع فرنسا ضدّ الثورة، وتقلُّص العمليّات الحربيّة للثوّار وعودة الفرنسيّين إلى السّويداء وصلخد، فقد انعقد مؤتمر “شَقّا الثاني” وجرى انتخاب عُقلة القِطاميّ عضواً في المجلس الوطني للثوّار ومن مقرّرات ذلك المؤتمر: مصادرة كلّ ما يورّده أهل القرى إلى السّويداء وصلخد كي لا يستفيد منه الجيش الفرنسيّ، ووجوب المثابرة على الجهاد، وهدر دم المتطوّعين (من أبناء الأهالي) في الكتائب التي أنشأها الفرنسيّون، وهدم دورهم، ونهب مواشيهم، ومصادرة حبوبهم ومفروشاتهم. ومن المقرّرات أيضا انتخاب عَشَرةِ زعماء لِجَمْعِ المجاهدين وتوحيد تحرّكاتهم، وتنظيم شؤونهم وإدارة حركاتهم على أن يكون لكلّ مائة مجاهد قائد، وإنشاء مجلس وطنيّ، ولَجنة إداريّة، ولَجنة ماليّة وهيئة قضائيّة للفصل في قضايا الثّورة.

حياة منفى ومعاناة
في ربيع عام 1927 اضطرّ الثوّار للّجوء إلى الأردن، وبضغط من بريطانيا التي تعاونت مع فرنسا لإخماد الثّورة، خضعت الحكومة الأردنيّة التي كانت تحت الانتداب البريطاني لطلب بريطاني بترحيل الثّوار، الذين انتقلوا إلى منطقة وادي السّرحان الصّحراويّة الواقعة في الأراضي السّعودية، وذلك بعد موافقة الملك عبد العزيز آل سعود على استضافتهم في بلاده، ولم يتخلَّ عُقلة القِطاميّ عن الجهاد ضدّ الفرنسيين ولا عن رفاقه الثوّار الذين اعتبروا صمودهم في المنفى شكلاً من أشكال الضّغط السياسي على الاحتلال الفرنسيّ لسورية ولبنان، إلى جانب معارضة الدّاخل التي كانت تعمل بأسلوب المفاوضات. وكان القِطاميّ ناشطاً في ميادين القتال، وكذلك في مجال النّشاط السّياسي والاتّصالات مع معارضة الدّاخل.
وفي عام 1927 نزح القِطاميّ برفقة سلطان باشا إلى موقع النّبك في وادي السرحان، وعانى شظف العيش في الصحراء، وممّا جاء في مذكّرات صيّاح الأطرش يوم الأربعاء أنّه “جرت مذاكرة بشأن عائلة عُقلة بك، حيث تقرّر دَرْجها في جداول التّوزيع ــ المعونات ــ لأنّها أصبحت تقطن معنا في الحَديثَة (موقع في الصحراء السّعودية) وبالمناسبة فإنّ عُقلة هو مِنّا وفينا، نحبّه ونحترمه لأنّه شهم وغيور على المصلحة الوطنيّة، وقد انصهر في بوتقة العمل الوطني وفضّل أن يعيش معنا في المهجر رغم الإغراءات المادّيّة والمعنويّة التي قدّمها الفرنسيّين له”. ويذكر حفيده سليم أنّه وُلِدَ حفيدٌ لعُقلة من ابنه موسى في وادي السرحان في المنفى فسمّاه سلطانوذلك تَيَمُّناً بصديقه القائد العام.

استثناؤه من العفو الفرنسيّ
كان الفرنسيّون يتحايلون لإنهاء الثّورة السّوريّة، فيصدرون أحكاماً تصل إلى الإعدام على قادتها، ومن ثمّ هم يوقفون العمل بها بُغيةَ دفعهم للاستسلام وإيقاف المقاومة، لكنّهم كانوا يجابَهون برفض الثّوار الخضوعَ لتلك الأساليب. وحسب الدكتور البعيني فقد آثر المجاهدون “العيش خارج البلاد في عذاب وقهر وحرمان، على العيش داخلها تحت سيطرة فرنسيّة مُسْتبدّة حاولوا إزالتها أو التّخفيف من وطأتها، والعديدون منهم لم يرضَوْا بعفو فرنسيّ مشروط أو مذلّ، وبعضهم حُكم عليه بالإعدام أكثر من مرّة ومنهم سلطان، وبعد تأليف الحكومة السوريّة برئاسة الشّيخ تاج الدّين الحَسَني، أصدر المفوّض السّامي ( هنري بونسو) في 18 شباط 1928 قراراً بالعفو استثنى منه أكثر من 70 شخصاً”. وأمّا مِمّا كان يُدعى بـ “ دولة جبل الدروز” فقد كان المستَثْنَوْن، وعُقلة القِطاميّ واحدٌ منهم، حسب تسلسل أسمائهم في قرار الاستثناء من عفو المندوب السّامي هم: سلطان الأطرش وأخواه زيد وعليّ، وصيّاح الأطرش وفضل الله النّجم الأطرش وسلامة النجم الأطرش، وعُقلة القِطاميّ وفرحان العبد الله وعلي الملحم ومحمّد عز الدين الحلبي وسعيد عز الدين الحلبي. كما اسْتُثْنِيَ من جمهورية لبنان: الأخوان شكيب وعادل أرسلان، وسعيد حيدر، وتوفيق هولو حيدر وفوزي القاوقجي وشكيب وهّاب.

ناشط في مجتمع الثوّار المنفيّين
كان عُقلة القِطاميّ واحداً من وجهاء الثّوار البارزين، يؤكّد هذا تكليفه بمهام خاصّة ذات شأن من قبل القائد العام سلطان باشا، يقول سلطان في ص333 من “أحداث الثورة:” تلقّيْنا نبأ وفاة المغفور له الملك حسين بن علي فكتبنا إلى ابنه الملك علي مُعَزّين بجلالته مُشيدين بمآثره وقيادته الحكيمة لأحرار العرب في ثورتهم الكبرى على السّلطنة العثمانية، ثمّ شكّلنا وفداً لتمثيل المجاهدين في الحفلة التّأبينيّة الكبرى التي أُقيمت في حديقة المنشيّة بعمّان، يوم الثلاثاء 14 تمّوز 1931، من السّادة عُقلة القِطاميّ وكنج شلغين وفضل الله الأطرش وصيّاح الأطرش وأخي زيد”.
كما مثّل القِطاميّ بصحبة صيّاح الأطرش وزيد الأطرش القائد العام سلطان باشا الأطرش وثوّار المنفى في وفد ذهب إلى العراق لتهنئة الملك فيصل بن الحسين ورجال حكومته وشعب بلاده بمناسبة إلغاء الانتداب (البريطاني) على العراق ودخوله عضواً في عصبة الأمم.
وعلى أثر صدور قانون العفو عن الثوّار بعد معاهدة 1936، كان عُقلة القِطاميّ في 28 نيسان عام 1937 واحداً من أعيان لجنة من المجاهدين وهم حسب ما ذكره سلطان باشا في”أحداث الثورة”، عُقلة القِطاميّ وعلي عبيد وعبد الكريم عامر وقاسم أبو خير وعلي الملحم، وسلمان طربيه وأخيه زيد، وهؤلاء استلموا أوراق المرور لتوزيعها على المجاهدين العائدين إلى الوطن من وفد سوريّ رسمي قَدِمَ من دمشق إلى عمّان، مؤلّف من السّادة: صبري العسلي وفايق المؤيّد العظم مدير الأمن في حوران والجبل لهذه المهمّة، وقد سُلّمَت الأوراق في ما بعد إلى القائد العامّ.
وفي أيّار من ذلك العام 1937، كان القِطاميّ إلى جانب محمّد عزّ الدين وعلي عبيد وحسين مرشد أعضاء في لجنة مهمّتها تنسيق عودة المجاهدين إلى سوريّة بالتّعاون مع عزّة دَرْوَزَة مدير البنك العربي في عمّان…

دار عقلة القطامي التي سبق أن أحرقها الفرنسيّوندار عقلة القطامي التي سبق أن أحرقها الفرنسيّون
دار عقلة القطامي التي سبق أن أحرقها الفرنسيّون

عودةُ المجاهد
عاد المجاهدون إلى سورية برؤوس شامخة عام 1937، فهم الذين بجهادهم في ميادين القتال مع إخوانهم المجاهدين الّلبنانيين، وبمنفاهم في ما بعد وبتنسيقهم مع معارضة الدّاخل، شكّلوا ضغطاً على الإدارة الفرنسيّة أفضى أخيراً إلى اعتراف فرنسا باستقلال سوريّة ولبنان، لكن عُقلة القِطاميّ عاد فوجد داره خراباً على أثر انتقام فرنسا منه، فاضطُرّ إلى السّكنى في خيمة في العراء إلى أن تمكّن من بناء دار جديدة.
وفي سنة 1939 انتُخب عُقلة القِطاميّ نائباً في البرلمان السّوري عن الجبل، وفي عام 1942، وحسب مجلّة “ألف باء” خَصّص له مجلس الوزراء مُرَتّباً شهريّاً بقيمة مائة ليرة سوريّة كتقاعد مدى الحياة لتضحيته بأملاكه من أجل وطنه. كذلك فاز في انتخابات المجلس النّيابي عن الجبل في عهد الرّئيس شكري القوّتلي.

إلى جانب سلطان باشا
يذكر الدكتور حسن أمين البعيني في كتابه “سلطان باشا والثّورة السوريّة” إنّ سوريّة، وبخاصة جبل الدروز، قدّمت القمح إلى لبنان خلال ما عرف بـ “أزمة الرّغيف” نتيجة نقص كبير في كميّات القمح في مطلع الأربعينيّات نتيجة اندلاع الحرب العالميّة الثانية. وقد تمّ ترتيب المساعدة السوريّة من خلال مجلس الميرة الأعلى السّوري اللبنانيّ، وتمّ ذلك بفضل مساعي سلطان الذي انتقل في مطلع آب 1942ــ من الجبل ــ مع يوسف وصيّاح الأطرش وعُقلة القِطاميّ إلى دمشق، وقضَوْا فيها عدّة أيام مع وزير الدّفاع السّوري حسن الأطرش من أجل الإجازة بنقل كميّات من القمح من جبل الدروز إلى اللبنانيّين، مقدارها 539 طنّاً. ثمّ أُرسلت كميّات أُخرى من الجبل إلى لبنان. “وبهذا ساهم الجبل في التخفيف من حِدّة أزمة الرّغيف في الحرب العالميّة الثّانية، كما ساهم في الحرب العالميّة الأولى في التّخفيف من وطأة المجاعة التي حصلت فيه”.

عُقلة القِطاميّ في نَكْبَة دمشق
في 29 أيار من عام 1945، وعلى أثر قصف الفرنسيّين للعاصمة دمشق بالمدفعيّة، يذكر سلطان باشا في ص 364 من “أحداث الثورة”، أنّه “قَدِمَ السيّد فخري البارودي ــ من أعضاء الكتلة الوطنية البارزين ــ من دمشق وبصحبته المجاهد عُقلة القِطاميّ، ووصلا نحو السّاعة الحادية عَشْرَةَ صباحاً إلى مكتب جريدة “الجبل” المجاور لدار الحكومة بالسّويداء، حيث أعلن الأوّل ــ فخري البارودي ــ على مَسْمَعِ الأمير حسن وجمهور كبير من المواطنين “إنّ العاصمة قد احتلّها الفرنسيّون إثر ضربهم للبرلمان، وأنّ الحكومة الوطنيّة ستنتقل منها إلى السّويداء ريثما تنفرج الأزمة السياسيّة القائمة!”. في ذلك الوقت كان الجبل لم يزل معقلاً للحركة الوطنية الاستقلاليّة في سورية، وبدا يومذاك أنّ المجاهد القِطاميّ كان على استعداد مع مجاهديّ الجبل للعودة إلى السّلاح وإعلان الثّورة مُجَدّداً على الانتداب الفرنسيّ.
ويذكر سليمان علي الصبّاغ في كتابه “مذكّرات ضابط عربي في جيش الانتداب الفرنسي” أنّ الأمير حسن الأطرش محافظ السّويداء آنذاك، قرّر وبموافقة قيادة فرقة الفرسان في الجبل تشكيل كتيبة مغاوير من عناصر الفرقة لإرسالها إلى ضواحي العاصمة للقيام بحرب عصابات ضدّ القوّات الفرنسيّة حتّى دون طلب من الحكومة الوطنيّة. وبالفعل فقد فَتِحَت القيادة مكتباً لتسجيل المتطوّعين في كتيبة المغاوير وخلال أربع وعشرين ساعة تطوّع أكثر من ثمانمائة ضابط وصفّ ضابط ورتيب وجندي فتشكّلت وجُهّزَت كتيبة المغاوير، ووقفت على أُهبة الاستعداد للسّفر في أيّة لحظة يُطلَبُ منها ذلك.

مواجهة مع حكومة الاستقلال
احتفلت الحكومة السّوريّة عام 1946 في دمشق بعيد الجلاء الأوّل واستقلال سورية، لكنّها تجاهلت دعوة سلطان باشا ومجاهديّ الجبل لحضور الاحتفال، وسلطان هو القائد العام للثورة السوريّة الكبرى التي لا يمكن تجاهل دورها التّاريخيّ في تحقيق جلاء الفرنسيين، وبالتّالي استقلال سوريا ولبنان معاً. رَدّاً على ذلك التّجاهل المُجحف نظّم سلطان ورفاقه احتفالات استقلال شعبيّة كُبرى في الجبل احتَفلَ بها مع سائر المجاهدين، فأُقيمت المهرجانات في السّويداء وشهبا وصلخد، ولبّى المجاهد عُقلة القِطاميّ الدّعوة إلى اجتماع عُقد في القريّا في 13 حزيران 1946، وحضره أعيان الثورة والجبل وأبرزهم محمّد عز الدين الحلبي، وعلي عبيد وحسين مرشد ويوسف العيسمي وقاسم أبو خير وعُقلة القِطاميّ، وتمّ على أثر ذلك عقد اجتماعات استمرّت بضعة أيام، وُضِعت فيها الخطط “لمواصلة العمل في سبيل الأهداف الوطنيّة والانتصار لوحدة الوطن”. وكانت تلك النّشاطات تمثّل احتجاجاً على الإساءة لقائد الثورة ومجاهديّ الجبل، ويعلّق المؤرخ البعينيّ في كتابه “سلطان باشا والثورة السورية” على سياسة الحكومة تلك بقوله: “ما جرى أصحّ ما يقال في تفسيره والحكم عليه أنّه عمل مقصود، وإساءة لا مبرر لها وخطأ سياسي فادح من حكومة يجب أن يكون عندها سلطان من أوائل مدعوّيها إلى حضور الاحتفال” وأضاف البعيني بأنّ أركان العهد الاستقلالي الأوّل الذين حَظَوْا بشبه إجماع السوريين عليهم في انتخابات 1943، أخذوا يتعثّرون في سياستهم بسبب وقوع سوريّة ضحيّة لتجاذبات القوى الإقليميّة المحيطة بها، وبدأوا يفقدون رصيدهم، ولهذا كان سلطان من النّاقمين على مسارهم ذاك، بالإضافة إلى “إهمالهم شؤون جبل العرب ولجنوحهم إلى التسلّط والاستبداد”.

السيدة هيام القطامي حفيدة المجاهد عقلة القطامي -عن موقع السويداء
السيدة هيام القطامي حفيدة المجاهد عقلة القطامي -عن موقع السويداء

تحذير لسلطان من غدر حسني الزّعيم
نفّذ الضّابط حسني الزّعيم انقلاباً عسكريّاً في 30 آذار1949، وحلّ مجلس النّواب وتولّى السلطتين التشريعية والتّنفيذية، ونصّب نفسه رئيساً للجمهورية، ثم أجرى استفتاءً صُوَريّاً، وتسلّم بعد ذلك رئاسة الحكومة، واحتفظ لنفسه بوزارتي الدفاع والدّاخلية. ويذكر مايلز كوبلاند في كتابه” لعبة الأمم” أنّ انقلاب الزّعيم كان من صُنْع الأمريكيين الذين أوحَوْا بأنه سيكون أتاتورك سوريّة، كما يذكر سليمان علي الصباغ في كتابه “مذكّرات ضابط عربي في جيش الانتداب الفرنسي” أنّه في فترة حكم حسني الزّعيم جرى توقيع الهدنة مع إسرائيل، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية التابلاين، وبسبب تشكّكه بمن حوله فقد اختار حرسه الخاص من المسلمين اليوغوسلافيين الذين” يُقْسِمون على الولاء له فقط” وهؤلاء بالأصل جماعة من الهاربين من يوغوسلافيا على أثر سيطرة الماريشال تيتو على الحكم فيها بعد الحرب العالمية الثانية.
ويبدو أن حُسْني الزعيم نوى الإيقاع بسلطان، ليتخلّص من رجل قادر على قيادة انتفاضة ضدّه فطلبَ منه زيارته في دمشق، وتلك ذريعة يريد بها من سلطان باشا أنْ يُهنّئَه بالمناصب الجمّة التي اصطنعها لنفسه، لكنّ سلطان رفض تلك الدّعوة بادئ الأمر، وكان الزّعيم قد بعث بقوّة من الجيش إلى الجبل، وعمل بعض رجال الدولة، عن طيب نيّة، ومنهم محافظ السويداء عارف النّكدي على إقناع القائد العام بقبول الدّعوة، ويذكر البعيني أنّ سلطان باشا كان مُدركاً أنّ الخطر يتهدّده سواء بقي في الجبل ورفض دعوة الزّعيم (الذي حاول اغتياله بواسطة عسكري يوغوسلافي بعث به إلى صلخد لهذا الغرض) أو لبّى الدعوة إلى دمشق.
وأخذ الباشا قراره، ونزل من الجبل إلى دمشق، وقبيل وصوله إليها، في بلدة الكسوة على مسافة 18 كيلومتراً من العاصمة قدّمت حظيرة من العسكر التّحيّة بالسلاح له، وقدّر سلطان الأمر على أنه إجراء يجمع بين التّكريم والتّلويح بالعنف.
وفي دمشق استقبل حسني الزّعيم سلطان باشا بالزّي العسكريّ، وطلب منه أن يبقى في دمشق، في البيت الذي أُهدِيَ له أيّام وزارة سعد الله الجابري، وكان الزّعيم قد سلّمه إياه، واعتبر سلطان أنَّ في ذلك الطّلب إقامة جبريّة وتهديداً ضمنيّاً، فاعتذر، ولمّا كان عُقلة القِطاميّ، صديق سلطان المقرّب على عِلم بالزّيارة، وكان لا يثق بنوايا الزّعيم تجاه سلطان، صديقه ورفيق جهاده، فقد أبلغ محمّد بن مصطفى الأطرش وهو ابن أحد أوائل الشهداء في معركة الكفر عام 1925، وابن أخي سلطان، وكان ضابطاً في الجيش المرابط في دمشق حينها، أبلغه بوجود عمّه في قصر الضّيافة عند الزّعيم، فما كان من الضّابط، محمّد، إلاّ أن سَيّر خَمْسَ مُصَفّحات وتقدّم بها باتجاه القصر وأنذر بأنّه في حال وقوع أيّ مكروه لعمّه القائد العام فإنه سيتدخل بالقوّة، وبذلك تمّ إحباط نوايا الديكتاتور الذي أدرك أنّ الغدر بسلطان باشا سيكون أمراً غير مضمون العاقبة، وهكذا انتهت الزيارة بسلام، وخرج سلطان من ضيافة الزّعيم عائداً إلى الجبل من يومه.

وسام تقدير بابوي للقطاميّ
بعد الاستقلال، في عام 1947 فاز القِطاميّ بانتخابات المجلس النّيابي السّوريّ بالأصوات، ولمْ يُسَمَّ حينها نائباَ بسبب الأحداث التي نَجمت عن الحركة الشّعبية في الجبل.
وتقديراً لحجم نشاطه الاجتماعيّ فقد مُنِح عام 1947 الوسام البابوي، من بابا روما، وقد قَبِلَهُ راضياً، في حين أنّه رفض مُغرَيات وعروض التّعاون مع الفرنسيين المحتلّين لبلاده. ولكونه يكره الاستبداد كصديقه الأثير لديه، سلطان باشا، فقد كان من المعترضين على الحكم الدكتاتوري لأديب الشيشكلي عام 1954.
في العام 1956 توفي المجاهد الكبير عُقلة بك القِطاميّ ودفن في قريته خَرَبا. وانطوت بذلك صفحة أكبر ركن مسيحي في الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين وقد كان بحق ركناً وطنياً وعربياً اعتبرَ مسيحيته جزءا من انتمائه العربي السوري المشرقي، واعتبرَ أنّ مشاركته في الثورة كانت الموقف الطبيعي لأيّ سوري بِغَضّ النّظر عن عقيدته، وذلك للدفاع عن الوطن ضد محتلٍّ أجنبي، لقد كان في حماسه واندفاعه في سبيل الجهاد تعبيراً ناصعاً عن وحدة المصير بين جميع السوريّين على اختلاف انتماءاتهم وهو ما لخّصه شعار الثورة الذي كان على كلِّ شَفَةٍ ولسان في تلك الأيام المجيدة: “الدين لله والوطن للجميع”.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي