الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المرضُ ونعمة الصحّة والعافية

بسم الله والحمد لله مولى النّعم وباعث الخيرات وقاسم الأرزاق، نعبده ونستعين به في السّرّاء والضّرّاء وقضاء الحاجات، والحمد والشكر لصفيّه في كلّ الأوقات حمداً لا نفاذ له وشكراً على كلّ الحالات.

يقال «إنّ الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه الّا المرضى»، وهي نعمة مغبون فيها الكثير من الناس والمقصود بالغبن «الخسارة»، فمن استعمل هذه النعمة في معصية الله فهو المغبون الخاسر.

للصحة جانبان: صحة البدن وصحة النفس
ومن حكمة الله تعالى أن ركّب في المرء من مقومات الصحة ما يجعله سليم النفس قوي البدن وشرّع له من الأحكام ما يحفظ له ذلك ويحول بينه وبين الأسقام والعلل ونهى عن الإضرار بالنفس وما يؤدي إلى تلفها بأي وجه كان ولعلّ أهم أمراض النفوس الابتعاد أو الانسلاخ عن الأمور الدينية حيث تنمو وتعشعش فيها الذنوب المؤدية إلى هلاكها.

في موضوعنا هذا نلقي الضوء على:

أولاً: صحة البدن
ثانياً: صحة النفس

أولاً: صحة البدن

ورد في بعض النّصوص الدينية «ألا وإنّ من البلاء الفاقة وأشدّ من الفاقة مرض البدن وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإنَّ من النعم سِعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن وسلامة الدين وصحة البدن خير من المال».

من هنا نستنتج أن لبدننا علينا حقاً في المحافظة عليه وصيانته وإلّا فمسؤولية التقصير والإهمال ترتد علينا، وخاصة عندما نعي أن بدننا «جسمنا» يحمل في داخله أمانة وهبها الله تعالى لنا وهي «الروح»، فيصبح لزاماً علينا رعايته وفق ما شرعه الله عز وجل. فمسؤولية كل عاقل أن يمتلك ثقافة صحية تمكّنه من التعرف إلى ما يؤدي إلى الإضرار بصحته، فيصونها ممّا يسيء إليها، بالوقاية أولاً بأن يقيها كل ما يتسبّب لها بالضرر فيعتدل في طعامه وشرابه، فيتجنّب أكل المواد المشبوهة والعناصر غير المرغوب فيها، ويعمل على ترويض جسمه على الاكتفاء بالقليل، وتقبّل الموجود والمتوفّر، فبالاكتفاء بالضروري من المأكل والمشرب فائدة للفرد ولأسرته ومجتمعه وللبنية التي يعيش فيها.

فالشبع يورث البلادة، ويعوّق الذهن عن التفكير الصحيح، ويدعو إلى الكسل والنوم، لذا من الضروري الاعتياد على المقدار المناسب من الطعام، وهو ما يقيم الحياة ويحفظ الصحة ويبعد عن الأضرار والأمراض.

كما عليه أن يعتني بنظافته الشخصية والبيئية وأن يبتعد عن كل ما يهدد صحته، بل ولا يهملها ويتفقدها من حين الى آخر، ويعوّدها النشاط وممارسة الرياضة أو أي عمل بدني يساعد في تطهير بدنه من السّموم.

فالله سبحانه جعل هذه الأجساد التي تحملنا أمانة في أعناقنا لتعيننا على القيام بمسؤولياتنا وواجباتنا تجاه أنفسنا وتجاه الله وتجاه الآخرين، وأي تقصير في هذه المسؤوليات سوف نُسأل عنه ونتحمل تبعاته.

فالأمراض والأسقام والبلايا وإن صعبت مرارتها، إلّا أنّ الله تعالى جعل فيها حكما وفوائد كثيرة إذ إنّ أحدهم أحصى فوائدها فزادت على مائة فائدة، حيث قال: انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض أمر لا يحس به إلّا من فيه حياة. فالوقاية خير من العلاج والعافية مع الشكر خير من المرض مع الصبر.

ثانياً: صحة النفس

من وجهة نظر علماء النفس، فأمراض النفوس تحصل نتيجة الصراع بين الضوابط والقواعد والقيم الدينية والاجتماعية والاخلاقية التي تحكم بيئة ما ومجموعة أفراد معينة، وبين حاجات النفس الأمارة بالسوء أي رغباتها ومخاوف الإنسان التي تتعارض مع هذه الضوابط ممّا يؤدي إلى إضعاف إرادته فيقع فريسة الاضطراب النفسي.
إلّا أن من مبادئ العلاج النفسي أن يترافق مع مساعدة الفرد للتوافق مع بيئته ضمن الإطار الديني والإيماني الذي يحكمه، وهذا إن دلّ على شيء فعلى أهمية الدين في علاج أمراض النفوس بل هو في صلبه، فالصلاة والمناجاة والدعاء بما في ذلك من سمو ورقي، تقتلع من النفس الأفكار السلبية وتغرس فيها الطمأنينة والأمان وتُذهب السيئات وتبدلُها حسنات، فبذلك يكون للدين قدرة شفائية عظيمة، وعلاج فاعل لأعراض الخوف والاضطراب والقلق، حيث يملأ الفراغ الذي منه تتأتّى الاضطرابات، فيسيطر التفكير الإيجابي والقناعات المحمودة، وهنا نتوقف عند قوله تعالى:
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِّ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين (هود 114)

وثمة قواعد دينية تحفظ صحة الإنسان النفسية ليبقى سليم الفطرة، موفور العطاء، متوازن الشخصية، ومن ذلك تلك القاعدة المثلى وهي تبديل السيّئات إلى حسنات، فتتبدل ظلمتها نوراً في القلب، ولا يبقى لها أثر أو خبر ويقول الله تعالى: «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الفرقان 70).

ولا بد من الإشارة إلى مدى تأثير الحالة النفسيّة للفرد على جهاز مناعته بشكل كبير، فإنّ الشعور بالحزن والاكتئاب ومشاعر الياس والإحباط تسبب إضعافه وقلة مقاومته للأمراض، وهذا ما شاهدناه في الآونة الأخيرة، فإنّ حالة الهلع والخوف من الإصابة بفيروس كورونا Covidf19 قد تضعف جهاز المناعة لدى الأفراد وبالتالي قد تزيد من احتمال الإصابة بوقت أسرع. إذ إنّ جهاز المناعة خط الدفاع الأوّل والرئيسي عن جسم الإنسان، يقي الجسم من الإصابة بالأمراض المعدية والخطيرة. إلّا أنّ مشاعر القلق والخوف والإرهاق الشديد قد تؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة، وبالتالي تزيد من خطر الإصابة بالأمراض، بعكس الحالة النّفسيّة المستقرة التي تساعد في نشاط خلايا الجسم الدفاعية وزيادة كفاءتها.
ومن ذلك أيضا الأمل وعدم اليأس وحسن الظنّ بالله تعالى، وهذه مشاعر يفيضها الإيمان على القلب فيسري فيه النور، اذ لا يأس من رحمة الله تعالى ولا قنوط من مغفرته وعفوه. وقيل في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فليظنّ بي عبدي ما يشاء. فمن ظن بالله ظنّاً حسنا ناله الخير بحسب ما ظن، فعلينا التنبّه للظنون وما تكتنفه السّرائر فالله تعالى لا ينظر إلى وجوهنا بل إلى قلوبنا.

وحسن الظن جليل القدر إذ تهبُّ نسماته على القلب فتحميه من الأمراض، ثمّ تسكب عليه بَرْدَ الرضا والقناعة، الرضا بما منح الله تعالى وأعطى والقناعة بما لديه، وعدم مقارنته بما لدى الآخرين من مال وعلم وجاه وغير ذلك، حتى لا يدخل في القلب الحسد ويتولّد منه عدم الرضا، وهذا مدخل إلى القلق والاضطراب النفسي، فيكون على المرء بذلك ألا يشغل نفسه بما لا يعنيه، ويرضى بقضاء الله عز وجل ويعمل على إصلاح نفسه وتقويمها، ويحرص على جعل ساعته في طاعة الله تعالى فيبقى سليماً معافى من الاضطرابات والوساوس، ومع ذلك فالعلاج ضرورة يجب أن يطلبها المريض، بما لا يتنافى مع الشّرع وهناك خطوات قد تساعد الصَّابر(مَن يعاني اضطراباً نفسياً أو حالة نفسية) أن يلتزم بها ليحقق تكيّفاً سليماً، ثمّ صحة نفسية، ومنها:
– تقبّل الواقع، فبالقبول اعتراف بالمشكلة وهذا مدخل إلى إيجاد حلّ لها
– البحث عن الأسباب التي أدّت إلى ظهور الحالة التي يعاني منها، بدلاً من معالجة الأعراض (بالأدوية مثلاً).
– ممارسة الرياضة، وتحسين نوعية الحياة (كالأكل والنوم والعلاقات الاجتماعية… (
– البحث عن الموارد التي تسمح له بالتصدّي لصعوبات الحياة، (كالمطالعة، الصّلاة، العمل التّطوّعي..)

وعلى المريض أن يوقن بأنّ الشّفاء كلّه بإذنه تعالى، وأنّ الأطباء والمعالجين والأدوية، ولو اجتمعوا كلّهم ما استطاعوا أن يحدثوا ذرة شفاء وعافية إلّا أن يشاء الله.
اللهمّ أسبغ علينا لباس الصّحّة والعافية، واجعلها عوناً على طاعتك ومرضاتك.

.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي