الأربعاء, كانون الثاني 8, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, كانون الثاني 8, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المقــــــــال الأخيـــــــر

كلمة سواء

المقــــــــال الأخيـــــــر

إلى قرائنا الأعزاء الذين تابعونا بشغف خلال ما يزيد على سبع سنوات، الشباب منهم والكهول المهنيين والطلاب والمثقفين الرجال منهم والنساء..
إلى أخواننا في جبل العرب الأشم أحفاد سلطان والثورة والعروبة الذين أدركنا منذ البدء أنهم شركاء في هذا المشروع ويجب أن يرتبطوا به وبرسالته الثقافية،
إلى جميع الكتّاب والمساهمين والمحررين الذين تفاعلنا معهم حول كل موضوع وكل مناسبة أو إسهام فنشأت بيننا لذلك روابط مودّة وزمالة نعتزّ بها،
إلى أخواننا الأمناء وأعضاء المجلس المذهبيّ الذين دعموا رسالة المجلة والذين نقدّر صداقتهم جميعاً، إلى سماحة شيخ العقل الذي نشهد بأنه كان الضامن لحريتنا المهنية والذي وفّر الظروف المطلوبة للنجاح، من خلال احترام دورنا كرئيس للتحرير، مع الحضور الدائم لإعطاء التوجيه المناسب والنصيحة الرشيدة، إلى جميع هؤلاء أكتب هذا المقال الوداعي معلناَ أنني قررت التخلّي عن مهماتي كرئيس تحرير لمجلة “الضحى”، وأنا أترك “الضحى” راضياً وشاكراً الله على ما وفقني إليه من إعادة إصدار المجلّة الجامعة للمسلمين الدروز في لبنان وفي سوريا، ثم الإرتقاء بها لتصبح إحدى أفضل وأغنى المجلات التي يتابعها عدد لا بأس به من نخبة الطائفة ومهنييها ومثقفيها فضلاً عن المحبين والمتابعين للمجلة من أبناء البيئات الثقافية والروحية الشقيقة..

لماذا نجحت “الضحى”؟ ولماذا تميّزت عن غيرها؟
نجحت لأنها لم تمارس الثقافة بمعناها النظري أو النخبوي المنسلخ عن الحياة، وكم من خطاب ثقافي هذه الأيام يكاد لا يزيد على تعبيرات ذاتية أو مونولوج لا يغني القارئ المتعطش ولا يسمنه من جوع، وبسبب أسلوبها السلس والواضح في معالجة كافة الأمور كبيرها وصغيرها، تمكّنت المجلة من أن تصل بفكرها إلى الجميع، فخاطبت أهل الرأي والفكر لكنها تمكّنت في الوقت نفسه من اجتذاب الناس العاديين من المهتمين بالشأن الثقافي على تنوع مشاربهم واهتماماتهم.
أخذنا من المعلم الشهيد كمال جنبلاط مفهوم “العمل المباشر”، وهو الذي كان يعتبر أن التغيير لا يتم بالشعارات بل بتقديم القدوة والمثال للناس بما يعطيهم الثقة بأن في إمكانهم أن يبدّلوا ظروف عيشهم إلى الأفضل إن هم أخذوا المبادرة وبذلوا الجهد. والثقافة بهذا المعنى يجب أن تكون واضحة وحاملة لمضامين يفهمها الناس ويصدِّقوها فتصبح حافزاً لهم لكي ينهضوا ويبدأوا في تبديل واقعهم، أما ثقافة الكتب والتنظير فلا فائدة ترجى منها وهي قطعاً مضيعة للجهد وللوقت.
هذا المفهوم للثقافة كمحفّز للتغيير هو الذي ألهمنا وضع التصوّر الشامل للمجلة ولأبوابها منذ العدد الأول، وأي متابع لـ “الضحى” يدرك أن المجلة استقرت على تصميمها وترتيب موادها منذ الأعداد الأولى ثم حافظت على ذلك طيلة السنوات السبع من الصدور، والرؤية الصحيحة لا يشوبها تردد ولا تخبّط بل تترجم دائماً بعمل منسجم يزداد قوة ووضوحاً مع الوقت.
وبما أننا نخاطب قراءنا للمرة الأخيرة من هذا المنبر فإننا نجدّ فائدة في التذكير ببعض المبادئ التي بني عليها مشروع إعادة إصدار “الضحى”، ونحن نكتفي باقتطاف فقرتين مُعبّرتين من المذكرة التأسيسية بهذا الخصوص جاء فيهما التشخيص التالي:
1. هناك غياب واضح في الوضع الدرزي الحالي لأي وسيلة إعلام جادة يمكنها أن تمثل محور تواصل بين الموحدين أنفسهم وكذلك بينهم وبين العالم الخارجي الذي يزخر بالأفكار المسبقة أو الملتبسة عن الموحدين الدروز أو ينقصه معرفة الكثير مما يوضح الصورة المشرقة لهذه الطائفة الفريدة في مسلكها وثقافتها الخاصة والغنية بتاريخها والمهمة في موقعها الجغرافي وأدوارها السياسية.
2. إن الفراغ الإعلامي والثقافي ثغرة وجودية بكل معنى الكلمة لأنه لا يبقى فراغاً بل يُملأ على الفور من موج الأفكار والمؤثرات المحيطة سواء عبر الإعلام المتنوع والمفتوح على شتى التيارات أو عبر التقليد الأعمى أو عبر التشوّش القيمي والاجتماعي، وإن إحدى النتائج الملحوظة للفراغ الثقافي القائم هو أن الأجيال الشابّة والناشئة من الموحِّدين لا تمتلك تعريفاً واضحاً لذاتها ولا يربطها حالياً أي تفاعل حقيقي وجادّ بتاريخها وبالقيم والعناصر التي تكوِّن شخصيتها وتحدّد موقعها وروابطها وخياراتها الأساسيّة الوطنيّة والروحيّة والسلوكيّة.
ثم نقتطف من برنامج العمل والأهداف ما يلي:
1. إن الضحى الجديدة لن تكون منبراً للتحليل النظري أو عروض البلاغة بل ستسعى إلى تركيز اهتمام الدروز على المشكلات والتحديّات والقضايا الداهمة التي تواجه الطائفة في وجودها وتقدّمها ومستقبل أجيالها.
2. إن المجلة ستكون في أحد أدوارها وسيلة لتعريف الموحِّدين الدروز أنفسهم ولاسيما الشباب والناشئة بتاريخهم الغني وثقافتهم وبأعلامهم وأبطالهم وسير الصالحين ممن سبقوهم، لأن من لا تاريخ له لا هوية له، ولأن من لا يعرف ماضيه لا يمكن أن يفهم حاضره وما يفرضه من مسؤوليات وما يفتحه من خيارات وفرص.
3. إن المجلة ستكون وسيلة لنشر الإرث الروحيّ الواسع ووسيلة لإعلاء شأن القيم التي بني عليها مسلك التوحيد منذ القدم كما بنيت عليها مسالك الجهاد والترقي الروحي والسلوكي في جميع الحضارات والتيارات الإنسانية.
4. ستركز المجلة على استنهاض مساهمات أفضل الكفاءات والعقول المستنيرة في الطائفة كما ستمدّ في الوقت نفسه الجسور نحو الطاقات الفكريّة والعقول الخلاقة من خارج الطائفة، وذلك سواء عبر دعوة بعض المفكرين إلى المساهمة فيها أو عبر أنشطة الترجمة والنشر وعروض الكتب والأحداث والمحاورات وغيرها.
5. إضافة إلى دورها الفكري والروحي فإن مجلة الضحى ستمارس دورها كأداة فاعلة لحفز المبادرات الاجتماعية والتنموية في مناطق تواجد الموحدين الدروز، ويتضمن ذلك الاهتمام الحقيقي بنواحي الحياة اليومية وشؤون المجتمع المدني والبيئة ومسألة الأرض والزراعة والحرف واقتصاد المناطق وشؤون التعليم والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها.
لا حاجة للقول إننا التزمنا بجميع هذه الأهداف وتمكّنا من إنتاج مجلة تعكس بصورة إجمالية برنامج التحرير الذي ألزمنا به أنفسنا، وبسبب ذلك تحوّلت “الضحى” إلى وسيلة التواصل الجامعة للموحدين الدروز مما جعلهم يسعون في أثرها ويسألون عنها ويحرصون على جمع أعدادها في مكتباتهم، وغالباً ما كنا نسمع من بعض القرّاء المتابعين أنهم يقرأون المجلة من الغلاف إلى الغلاف وهذا تصريح مدهش لا يمكن أن تسمعه عن مجلة، أي مجلة، في زمن القحط الفكري وسيطرة الإعلام المرئي وأنماط الإثارة وصحافة الجدل والخصومات، وهو يدلّ على أننا أدركنا بالحدس الصحيح مواضع الفراغ المهمة للناس ولحياتهم وثقافتهم، والتي أهملتها الصحافة العامة أو السياسية وغيرها، وتمكنّا عن هذا الطريق من اجتذاب القارئ مجدداً ليس فقط إلى الكلمة المطبوعة، وقد فقدت اليوم الكثير من جاذبيتها لصالح الأقنية الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، بل إلى الاهتمام الثقافي بأرقى صوره.
هذا كان الجانب السهل من تجربة “الضحى”، ونعتبره سهلاً لأنه كان متعلقاً بنا وبالتزامنا كرئيس للتحرير وككتاب ومحررين وكإخراج فني مميز، فهذه الأمور كانت في يدنا، لكن ما لم يكن في يدنا أو كان في مقدورنا أن نضمنه هو ظروف العمل نفسها ومعادلة الأشخاص والأهواء، ولكل عمل عام في الحقيقة محطات ترتبط بتبدل الناس – والمشاعر- ومدى اتساق الآراء والتواصل أحياناً بل أحياناً تسرب التعب هنا وهناك، والمؤسسات مؤلفة من بشر في نهاية المطاف وهي تستمر بهم أو تنكص بسببهم..
وصيتنا المخلصة لأخواننا الأمناء ولأعضاء المجلس المذهبي ولجميع من يتولون المسؤولية هو أن حافظوا على دور المجلة كأداة تنوير وتواصل للموحدين الدروز، وتابعوا رسالة الاهتمام بأخواننا في جبل العرب، وأخيراً اجعلوا للمجلة موارد تعينها على الاستمرار في دورها ودعماً حقيقاً يكون في مستوى هذا الدور.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي