الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

ومَا يَنْطِقُ عن الهَوى

      إنَّ أقلَّ ما يُقال في مسألة “الإدلاء والتَّصريح بالرأي” فيما يتعلَّق بتراث الموحِّدين خارج إطار قواعد العِلم في المنهج ومعرفة الأصول، إنَّها الفوضى العبثيَّة. وما يساهمُ في مفاقمة هذه الفوضى إلى حدٍّ غير معقول هو الإمكان المُباح لارتكابِ هذه الموبقات عبر وسائل التواصُل الاجتماعي، وعبر الخفَّة التي ينزلقُ إليها بعضُ العاملين في “الميديا” سعياً إلى ما هو فعلا “قـفشة” تدعو إلى الرّثاء.

        ترتبطُ مفاهيمُ التُّراث بتراكُمٍ معرفيّ عريق له جذور عميقة في علوم التاريخ والاجتماع واللغة والفقه والفكر بكلِّ حقولِ اهتماماته، ولا نقولُ إنَّ المعرفةَ موقوفةٌ على العُلماء وحسب، بل غاية القصد التأكيد على وجوب الإلمام بالحدّ الأدنى من مقوِّمات تكوين الرأي السليم، سواء أكان ذلك في التوضيح أو في النقد، كي لا يخرجُ الأمرُ إلى مهاوي التَّضليل والسفسطة، وهي مهاوٍ وخيمة ومؤذية، أوَّلا لذاتِ القائل، وثانياً لوعي المتلقّي خصوصاً إنْ كان مبلغُ عِلمِه في الموضوع نزيراً لا يُمكِّنهُ من المَـيْز.

        ولا يتورَّعُ البعضُ عن كتابةِ رأي في “صفحتِه” على الشبكة، أو تعليقٍ هنا وهناك، بشكلٍ جازم يوحي بأنَّهُ متربِّعٌ على “كرسيّ المعرفة” أو عالِمٌ بحقائق الأمُور، وجلَّ ما في الأمر أنَّ الكلام المكتوب ناتجٌ عن مجرَّد انفعالٍ نَزِق لا أساس له في الموضُوعيَّةِ، ولا ركيزة له في المصادر الموثوقة. والأهمّ من كلِّ هذا انعدام الرؤية التي يجبُ أن يكوِّنَها في الأصل اطّلاعٌ واسع، وبحث دقيق، ودرس متعمّق، واستبصار عقلانيّ رصين، ومعرفة عِلميَّة بالتراكُم المعرفيّ بأصُول التراث الخ. ولكن، ما نجدُه هو انطباعات عاجلة، وأحكام لا يُمكن تصنيفها إلا في باب السفسطة عبر النقد المنهجيّ السليم. وترانا قائلين: لا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم.

        ويتعمَّقُ الالتباسُ، بل تزدادُ الفجْوةُ بين القارئ والحقيقة، حين يتعلَّقُ التأليف بإصدار كتابٍ في مواضيع التراث فكراً وتاريخاً وتأويلات تلفيقيَّة يستلُّها “الكاتبُ” من دفق المعلومات المتوافرة، ويراكمها بعشوائيَّةٍ في غياب المؤهَّل الأكاديميّ ومنهجيَّاته الدقيقة في كلِّ حقل معرفيّ. سواء كانت هذه “المنشورات” صادرة في عقودٍ ماضية من “كتَبَة” يقرُّون بعدم اختصاصهِم العِلميّ، وبافتقارهِم إلى الاختبار الرُّوحيّ المسلكيّ، وباعتمادِهم على قراءات متعدِّدة، وتفسيرات هي في واقعها “شخصيَّة” مفتقرة إلى العُمق الثقافي المطلوب، والمعالجة الموضوعيَّة السليمة، أو التي تصدر حالياً وتظهر بوضوح “الأنا” لكاتبها. والنتيجةُ الوحيدة لأعمال هؤلاء هي المزيد من التوغُّل في متاهات الضياع. والانطباعات التي نسمعها من هنا وهناك عنهم وعن “كتاباتهم” تؤكِّدُ لنا سوء الحال وبئس المقال. ويؤسفني بأن أؤكِّد أن بعض النشاطات التي تُـقامُ في هذا المنتدى أو ذاك المُلتقى لا يعدو كونه ترويجاً –عن قصد أو عن غير قصد- لهذا الخطَل (ولا أجدُ تعبيراً عن هذا الواقع سوى هذا الوصف).

        إنَّنا، ومنذ تولِّينا لخدمة المسؤوليَّة الدقيقة لمهامنا، توخَّينا في كلِّ مناسبةٍ، وفي كلِّ كلمةٍ، وفي كلِّ موقفٍ، وفي كلِّ مشاركةٍ في المؤتمرات (عبر ممثـلينا)، وفي كلِّ تصريح (تحديداً في باب التراث التوحيديّ)، أن يكون نسيجُ الكلام معبِّراً عن ثوابت الأصُول، وانعكاساً صادقاً لحقائق المأثور وفقاً لأسانيد الكبار من مرجعيَّاتِ الأعراف القديمة، ومسالك السَّلف الصالح التي يمثّـلُها بدقَّةٍ الأميرُ السيِّد التنوخيّ الجليل.

        ونودُّ أن ننبِّهَ الرأيَ العام، والمعروفيِّين خصوصاً، إلى الأهميَّة القصوى لاجتناب هذا النفق المظلم من الالتباسات والتأويلات البعيدة عن منطق العِلم ومصداقيَّة المعرفة. ونؤكِّد على الملأ أنَّنا براء من كلِّ من يعتمدُ “الرأي والقياس” وفقا لمسوِّغات المزاج والعبث، ومن كلِّ تـلفيق ومغالطات تُطرحُ على الشاشات وغيرها وهي في الواقع لا علاقة لها على الاطلاق بالحقيقة التي لا بدَّ من البحث عنها بتواضُع وأناة وصدق ونزاهة وعقْـل وثبات، ليس فقط بتداول المعلومة، بل بإحياء القلبِ بحُبِّ الفضيلة في ذاتها بلا غايات سوى التحقُّق الإنسانيّ الأرفع.

        نحن نقاربُ، في كلِّ ما يمسّ جواهرَ “التراث الأثيل”، مقاربةَ الذي يستذكرُ على الدوام ما قالته الآيةُ الكريمة من سورة النَّجم ﴿وَ مَا يَنْطِقُ عن ِ الهَوى﴾، والهوى هو الميْل مع نوازع النَّفس الأمَّارة إلى ما ينزغُ في ماهيَّتها من العنادِ والشهوة من دون التقيُّد بما يقتضيه الحقّ والعقل السليم. كما نستشعرُ، سائلين الله تعالى التوفيق، وصايا السَّلف الصالِح وفي رأسها أنَّ التقوى تجمعُ كلَّ خيْر. ﴿وتَزَوَّدُوا فإنَّ خيْرَ الزَّادِ التَّــقوَى وَاتَّـقُونِ يَا أُولي الألباب﴾ صدقَ الله العظيم.

المقــــــــال الأخيـــــــر

كلمة سواء

المقــــــــال الأخيـــــــر

إلى قرائنا الأعزاء الذين تابعونا بشغف خلال ما يزيد على سبع سنوات، الشباب منهم والكهول المهنيين والطلاب والمثقفين الرجال منهم والنساء..
إلى أخواننا في جبل العرب الأشم أحفاد سلطان والثورة والعروبة الذين أدركنا منذ البدء أنهم شركاء في هذا المشروع ويجب أن يرتبطوا به وبرسالته الثقافية،
إلى جميع الكتّاب والمساهمين والمحررين الذين تفاعلنا معهم حول كل موضوع وكل مناسبة أو إسهام فنشأت بيننا لذلك روابط مودّة وزمالة نعتزّ بها،
إلى أخواننا الأمناء وأعضاء المجلس المذهبيّ الذين دعموا رسالة المجلة والذين نقدّر صداقتهم جميعاً، إلى سماحة شيخ العقل الذي نشهد بأنه كان الضامن لحريتنا المهنية والذي وفّر الظروف المطلوبة للنجاح، من خلال احترام دورنا كرئيس للتحرير، مع الحضور الدائم لإعطاء التوجيه المناسب والنصيحة الرشيدة، إلى جميع هؤلاء أكتب هذا المقال الوداعي معلناَ أنني قررت التخلّي عن مهماتي كرئيس تحرير لمجلة “الضحى”، وأنا أترك “الضحى” راضياً وشاكراً الله على ما وفقني إليه من إعادة إصدار المجلّة الجامعة للمسلمين الدروز في لبنان وفي سوريا، ثم الإرتقاء بها لتصبح إحدى أفضل وأغنى المجلات التي يتابعها عدد لا بأس به من نخبة الطائفة ومهنييها ومثقفيها فضلاً عن المحبين والمتابعين للمجلة من أبناء البيئات الثقافية والروحية الشقيقة..

لماذا نجحت “الضحى”؟ ولماذا تميّزت عن غيرها؟
نجحت لأنها لم تمارس الثقافة بمعناها النظري أو النخبوي المنسلخ عن الحياة، وكم من خطاب ثقافي هذه الأيام يكاد لا يزيد على تعبيرات ذاتية أو مونولوج لا يغني القارئ المتعطش ولا يسمنه من جوع، وبسبب أسلوبها السلس والواضح في معالجة كافة الأمور كبيرها وصغيرها، تمكّنت المجلة من أن تصل بفكرها إلى الجميع، فخاطبت أهل الرأي والفكر لكنها تمكّنت في الوقت نفسه من اجتذاب الناس العاديين من المهتمين بالشأن الثقافي على تنوع مشاربهم واهتماماتهم.
أخذنا من المعلم الشهيد كمال جنبلاط مفهوم “العمل المباشر”، وهو الذي كان يعتبر أن التغيير لا يتم بالشعارات بل بتقديم القدوة والمثال للناس بما يعطيهم الثقة بأن في إمكانهم أن يبدّلوا ظروف عيشهم إلى الأفضل إن هم أخذوا المبادرة وبذلوا الجهد. والثقافة بهذا المعنى يجب أن تكون واضحة وحاملة لمضامين يفهمها الناس ويصدِّقوها فتصبح حافزاً لهم لكي ينهضوا ويبدأوا في تبديل واقعهم، أما ثقافة الكتب والتنظير فلا فائدة ترجى منها وهي قطعاً مضيعة للجهد وللوقت.
هذا المفهوم للثقافة كمحفّز للتغيير هو الذي ألهمنا وضع التصوّر الشامل للمجلة ولأبوابها منذ العدد الأول، وأي متابع لـ “الضحى” يدرك أن المجلة استقرت على تصميمها وترتيب موادها منذ الأعداد الأولى ثم حافظت على ذلك طيلة السنوات السبع من الصدور، والرؤية الصحيحة لا يشوبها تردد ولا تخبّط بل تترجم دائماً بعمل منسجم يزداد قوة ووضوحاً مع الوقت.
وبما أننا نخاطب قراءنا للمرة الأخيرة من هذا المنبر فإننا نجدّ فائدة في التذكير ببعض المبادئ التي بني عليها مشروع إعادة إصدار “الضحى”، ونحن نكتفي باقتطاف فقرتين مُعبّرتين من المذكرة التأسيسية بهذا الخصوص جاء فيهما التشخيص التالي:
1. هناك غياب واضح في الوضع الدرزي الحالي لأي وسيلة إعلام جادة يمكنها أن تمثل محور تواصل بين الموحدين أنفسهم وكذلك بينهم وبين العالم الخارجي الذي يزخر بالأفكار المسبقة أو الملتبسة عن الموحدين الدروز أو ينقصه معرفة الكثير مما يوضح الصورة المشرقة لهذه الطائفة الفريدة في مسلكها وثقافتها الخاصة والغنية بتاريخها والمهمة في موقعها الجغرافي وأدوارها السياسية.
2. إن الفراغ الإعلامي والثقافي ثغرة وجودية بكل معنى الكلمة لأنه لا يبقى فراغاً بل يُملأ على الفور من موج الأفكار والمؤثرات المحيطة سواء عبر الإعلام المتنوع والمفتوح على شتى التيارات أو عبر التقليد الأعمى أو عبر التشوّش القيمي والاجتماعي، وإن إحدى النتائج الملحوظة للفراغ الثقافي القائم هو أن الأجيال الشابّة والناشئة من الموحِّدين لا تمتلك تعريفاً واضحاً لذاتها ولا يربطها حالياً أي تفاعل حقيقي وجادّ بتاريخها وبالقيم والعناصر التي تكوِّن شخصيتها وتحدّد موقعها وروابطها وخياراتها الأساسيّة الوطنيّة والروحيّة والسلوكيّة.
ثم نقتطف من برنامج العمل والأهداف ما يلي:
1. إن الضحى الجديدة لن تكون منبراً للتحليل النظري أو عروض البلاغة بل ستسعى إلى تركيز اهتمام الدروز على المشكلات والتحديّات والقضايا الداهمة التي تواجه الطائفة في وجودها وتقدّمها ومستقبل أجيالها.
2. إن المجلة ستكون في أحد أدوارها وسيلة لتعريف الموحِّدين الدروز أنفسهم ولاسيما الشباب والناشئة بتاريخهم الغني وثقافتهم وبأعلامهم وأبطالهم وسير الصالحين ممن سبقوهم، لأن من لا تاريخ له لا هوية له، ولأن من لا يعرف ماضيه لا يمكن أن يفهم حاضره وما يفرضه من مسؤوليات وما يفتحه من خيارات وفرص.
3. إن المجلة ستكون وسيلة لنشر الإرث الروحيّ الواسع ووسيلة لإعلاء شأن القيم التي بني عليها مسلك التوحيد منذ القدم كما بنيت عليها مسالك الجهاد والترقي الروحي والسلوكي في جميع الحضارات والتيارات الإنسانية.
4. ستركز المجلة على استنهاض مساهمات أفضل الكفاءات والعقول المستنيرة في الطائفة كما ستمدّ في الوقت نفسه الجسور نحو الطاقات الفكريّة والعقول الخلاقة من خارج الطائفة، وذلك سواء عبر دعوة بعض المفكرين إلى المساهمة فيها أو عبر أنشطة الترجمة والنشر وعروض الكتب والأحداث والمحاورات وغيرها.
5. إضافة إلى دورها الفكري والروحي فإن مجلة الضحى ستمارس دورها كأداة فاعلة لحفز المبادرات الاجتماعية والتنموية في مناطق تواجد الموحدين الدروز، ويتضمن ذلك الاهتمام الحقيقي بنواحي الحياة اليومية وشؤون المجتمع المدني والبيئة ومسألة الأرض والزراعة والحرف واقتصاد المناطق وشؤون التعليم والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها.
لا حاجة للقول إننا التزمنا بجميع هذه الأهداف وتمكّنا من إنتاج مجلة تعكس بصورة إجمالية برنامج التحرير الذي ألزمنا به أنفسنا، وبسبب ذلك تحوّلت “الضحى” إلى وسيلة التواصل الجامعة للموحدين الدروز مما جعلهم يسعون في أثرها ويسألون عنها ويحرصون على جمع أعدادها في مكتباتهم، وغالباً ما كنا نسمع من بعض القرّاء المتابعين أنهم يقرأون المجلة من الغلاف إلى الغلاف وهذا تصريح مدهش لا يمكن أن تسمعه عن مجلة، أي مجلة، في زمن القحط الفكري وسيطرة الإعلام المرئي وأنماط الإثارة وصحافة الجدل والخصومات، وهو يدلّ على أننا أدركنا بالحدس الصحيح مواضع الفراغ المهمة للناس ولحياتهم وثقافتهم، والتي أهملتها الصحافة العامة أو السياسية وغيرها، وتمكنّا عن هذا الطريق من اجتذاب القارئ مجدداً ليس فقط إلى الكلمة المطبوعة، وقد فقدت اليوم الكثير من جاذبيتها لصالح الأقنية الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، بل إلى الاهتمام الثقافي بأرقى صوره.
هذا كان الجانب السهل من تجربة “الضحى”، ونعتبره سهلاً لأنه كان متعلقاً بنا وبالتزامنا كرئيس للتحرير وككتاب ومحررين وكإخراج فني مميز، فهذه الأمور كانت في يدنا، لكن ما لم يكن في يدنا أو كان في مقدورنا أن نضمنه هو ظروف العمل نفسها ومعادلة الأشخاص والأهواء، ولكل عمل عام في الحقيقة محطات ترتبط بتبدل الناس – والمشاعر- ومدى اتساق الآراء والتواصل أحياناً بل أحياناً تسرب التعب هنا وهناك، والمؤسسات مؤلفة من بشر في نهاية المطاف وهي تستمر بهم أو تنكص بسببهم..
وصيتنا المخلصة لأخواننا الأمناء ولأعضاء المجلس المذهبي ولجميع من يتولون المسؤولية هو أن حافظوا على دور المجلة كأداة تنوير وتواصل للموحدين الدروز، وتابعوا رسالة الاهتمام بأخواننا في جبل العرب، وأخيراً اجعلوا للمجلة موارد تعينها على الاستمرار في دورها ودعماً حقيقاً يكون في مستوى هذا الدور.

هلمي يا نفس نؤوب

أفاضَ الجلالُ بدفْقِ العِلَلْ
تجلّى البهاءُ بفيضٍ أضاءَ
بحُبٍّ أَشاحَ كنوزَ الخفاءِ
تبدَّى الهيامُ بكونٍ فَتيقٍ
بقُدسِ انبثاقِ جَلالَ السَّناءِ
وغنَّتْ شُموسٌ بسحرِ الجَلاءِ
بعُشقِ التَّجلِّي خُلِقنَا نفوساً
بجذوةِ نارٍ تَشِفُّ اتّقَاداً
وغنَّى الكِيانُ سُموّ الجمَالِ
وهَسَّ ابتهَالاً شِغَافُ الفؤادِ
سَكِرْنا لكأسٍ طهورَ المزاجِ
وُشقَّ حِجابُ وشاحِ النُضَارِ
وجُلنا ثنايا مرايا الوجود
غدونا نطوفُ مَحجَّ البُروجِ
هذيُّ اللآلئُ تسمو انجذاباً
تسامَى الفؤادُ بسبْعٍ طِباقٍ
هو الحُبُّ حقّاً صلاةُ القديرِ
هو الحُبُّ دوماً بُراقُ القلوبِ

هو الحُبُّ خمرٌ وطِيبٌ هَرِيقٌ
هو الحُبُّ أَنَّى تراءَى الشُّهودُ
فهَلاَّ ذَكرتِ بقبْسِ النشوءِ
خُلِقْتِ ضَياءً يُنادِي صفائي
هَلُمِّي يا نفسُ نُعِيدُ الحياةَ
هَلُمِّي نُثيرُ هُجُوعَ الأَمَانِي
هُوذا الحَّنِينُ يعودُ إلينا

فعَمَّ الوجـــودَ بنـــورِ الأَزلْ
مرايــــــــا الــوجـودِ دِراراً أُوَلْ
بنبْضِ الهُيولى وخفْقٍ جَلَلْ
وَباحَ الإلهُ بسرِّ العُقَلْ
تهادَى الوجودُ بأبهَى الحُلَلْ
وهامَ السَّديمُ بسرِّ المُقل
ببدءِ الزَّمَانِ وحُكْمِ الأَجَلْ
تُسَبِّحُ فينا حُضورَ الأَمَلْ
فتُهْنَا نَطوفُ بُروجَ الجَذلْ
سُجوداً لثَمنَا تُخومَ القِبَلْ
بروْحٍ ورَاحٍ يُديمُ الثَمَلْ
رُقِيّاً عرجنا سماءً كُحَلْ
نُحِيلُ غُبارَ الضِّواءِ كُتَلْ
تُحِفُّ بنا نيِّراتٌ شُعَلْ
وشوقاً تدورُ ابتغاءَ الكمَلْ
ترنَّمَ في قُدْسِها وابتهَلْ
بكافٍ ونونٍ يصُوغُ الجُمَلْ
لِواحٍ الحبيبِ يسوقُ القَفَلْ
أراقَ العَليُّ، فكان المَثَلْ
خِبَاءُ الحُضورِ وسِرُّ الجَدَلْ
ببدءِ الزَّمانِ ذُهِلنَا وَجَلْ
وروحاً تُناجِي مَعينَ المَسلْ
لوَجْدٍ توانَى كَبَدرٍ أَفَلْ
ونُحْيي الهَّيَامَ برغَدِ العَمَلْ
فهَيَّا نَؤوبُ لعُشْقٍ أَثَلْ

الاقطاع العالمي الجديد ومزاعم الحرية

الاقطاع رقٌ مقنّعٌ يستعبد الناس، فيثورون ضده، فتتحقق لهم انتصارات، يتغنون بها، ويتباهون بها، من جيل إلى جيل، فتدخل إلى مدارس أطفالهم كمجد أورثه الأجداد للأبناء والأحفاد، وعبرة لهم أيضاً كي يثوروا ويكونوا أحراراً.
هذه هي الصورة التي أورثنا إياها عصر العلم والثورة التكنولوجية والرفاهية والترف والكماليات التي لا تعرف حداً عن معنى الثورة على الإقطاع الحرية.

ولكن هل حققت الثورات تلك الحرية للإنسان حقاً؟
هل الإنسان المعاصر اللاهث طوال حياته، مقطّع الأنفاس، حرّ فعلاً؟
وهل هو حرّ الآن ذلك الذي كسر في الماضي قيد الإقطاع؟
بل، هل زال حقاً ذلك الإقطاع المقيت الذي هزمه أباؤنا وأجدادنا؟
وهل نحن، أخيراً، أحرار اليوم أكثر مما كان أباؤنا وأجدادنا؟
باختصار، إن الاقطاع الذي حاربه الانسان في الماضي لا يزال مستمراً، وكلما خسر معركة غيّر من أساليبه، وزاد من قوته، وقسوته، ودهائه، فأعاد استعباد الإنسان الذي ثار عليه من قبل، وسخّره من جديد جندياً يحارب في معسكره ومن دون أن يدري.
الاقطاع القديم الذي كان بسيطاً، محلياً، في القرى والمناطق، يملك الأراضي ويعمل لديه الناس، تحوّا إلى إقطاع عالمي، راسخ، منظّم، بحماية القانون، يأخذ شكل شركات عابرة للقارات واستثمارات مالية كبرى ومصالح دولية وبنوك تفوق ميزانياتها عدة دول فقيرة مجتمعة، وشركات تصنّع السيّارات والطائرات والكومبيوترات والأفلام، فتعلن عن أرباحها الفصلية بالمليارات، فيصفّق الناس لها، وهم الذين يتغنون بمحاربة الاقطاع، ويدافعون عنها، حتى عن حروبها، أولئك الذين يزعمون أنهم أحرار وأنهم ثاروا يوماً على الإقطاع وتخلصوا منه.
هل الناس أحرار حقاً اليوم كما يزعمون، حتى في أرقى البلدان؟
لو ذهبنا إلى ما يسمّى (المول) ونظرنا إلى ما يعرضه من أصناف وأطياف لوجدنا أن ما يتجاوز تسعين بالمئة من المعروضات هي كماليات لا حاجة للناس بها، بينما هم يلهثون للحصول عليها، فيستدينون من البنوك، ويدفعون الفوائد العالية، وكأن الحرية والسعادة والجنة في هذه القشور، التي يمكن الاستغناء عنها بكل بساطة.
أصبح طبيعياً أن نشتري ثياباً جديدة دون أن نحتاج لها، ونبدّل سيارتنا لأجل الحصول على أخرى بها ميزات أكثر أو موديل آخر، وكذلك نبدّل الهاتف والتلفاز وألعاب الأطفال حتى أصبحنا نبدّل شريك حياتنا لأجل التغيير وكسر الملل، ونبدّل وجهنا ومعالمنا التي خلقها الله جلّ وعلا بعمليات جراحية تكلّف الملايينوسخّرنا لها الطب الذي وُجد أساساً لمعالجة المريض، فبتت الشهرة والمال لأطباء التجميل.
وندّعي مع ذلك الحرية والفهم والتطور ونندفع أكثر في ما نحن فيه ونخدم هذا الغول الذي يستهلكنا أكثر فأكثر.
ندّعي أننا نحافظ على البيئة وهذه الكماليات ومصانعها ووسائل نقلها وترويجها تتسبب بتلوث كبير وجهد لا معنى له إلا جمع المال. وهذا الذي أسموه إقتصاداً عالمياً وبورصة واعتمادات بنكية لا هدف أخير لها إلا خدمة شركات عملاقة وبنوك عالمية غدت هي الإقطاع الجديد تسخرنا جنوداً لها وتصوّر لنا عير الضجيج الإعلامي وغسل الأدمغة أن السعادة كلها في منتجاتها، فتسيطر عل عقولنا، وتجعلنا نسير كالقطيع في الاتجاه الذي يريده لنا هذا الاقطاع الجديد نجترّ فيه جهلنا ونتلذذ بطعمه.

وهاكم البنك الدولي، الإقطاعي الأكبر في عالم اليوم، يستعبد ويسترق دزلاً وشعوباً بأكملها تحت إسم المساعدة وحل مشكلاتها، فإذا المساعدات وتبقى المشكلات فتزداد وتتفاقم.
هذا الاقطاع الجديد خاطب غرائزنا وغذّاها، وحطّم عقولنا وأعماها، فسرنا معه على غير هدى، أرقّاء أذلاّء مستعبدين مخدوعين، نظنّ أننا أحرار ونحن عبيد شهواتنا ونزواتنا وغرائزنا ونسينا أننا نفس إنسانية خالدة من نور الله ، وأن هذا الجسد بما فيه من غريزة هو آلة هذه النفس، وجوادها الذي تستخدمه للوصول إلى كمالها، فجمحت بنا هذه الآلة وهذه الغرائز، وأوصلتنا إلى ما نحن فيهمتناسين قول المسيح عليه السلام: من لم تكن نفسه آمرة لجسده فجسده قبرٌ لها.

أما الإقطاع الحقيقي الذي يتحكم بنا والذي مكّن منا الإقطاع الدولي والعالمي فهو ضعفنا تجاه هذه الغرائز المادية وشهواتها التي لا تنتهي لأننا نغذّيها يومياً بالمزيد فيما وعينا نطمسه في كل حين بالإهمال والقطيعة عن الله. ذلك هو ما مكّن هذا الوحش الكبير الذي يسمى المال وهو الإقطاع الإكبر الذي كلما أكثرنا من جمعه كلما أكثر من استعبادنا. فإذا كنّا ثواراً بحق فلتكن الثورة في نفوسنا وعقولنا، فلا تغرننا هذه الحضارة المزيفة ولنبحث لا عن الكماليات التافهة بل عمّا يحرر عقولنا من جهلها، فنستنير بالهداية الحقيقية التي هي خلاصنا.

كميل بوغانم- أبو ظبي

المياهُ: نعمةٌ منَ الله… فلنحفظها

تُعَدُّ المياه سرّاً من أسرار الحياة بأنواعها كافّة، سواء كانت جوفيّة، من الأمطار، أم غيرها، وبسبب مصادر المياه المحدودة ظهرت أهمّية البحث في الرّي وإيجاد طرق حديثة وجيّدة للاستغلال الأفضل للمياه ولتقليل كميّة المياه المهدورة بأكبر قدر ممكن. وتمّ اختيار الطّرق تلك بالاعتماد على عدّة أمور، منها: طبوغرافية الأرض، وهيكل التّربة، والزّمن بين عملية الرّيّ الأولى والعمليّة التّالية، ونوع النّبات المُراد ريّه، وحاجات النبات لكميّة المياه. وتختلف حاجة النّباتات للمياه من نوع لآخر وحسب كميّة المتساقطات، ونوعية التّربة، وتوفّر المياه في تلك المِنطقة، وتوفّر الأيدي العاملة…

أهمُّ الطّرق الاقتصاديّة في الرّي
الرّيّ هو تزويد التّربة بكميَّة مُناسبة من المياه التي تحتاجها لنموّ النباتات، وهو من شأنه المحافظة على مستوى رطوبة التُّربة التي تساعد على نموّ جميع الكائنات.
في عمليّة الريّ المُعتدلة، تُغسل التّربة من الأملاح الزّائدة عن حاجتها، ويُبقى على الكميّة المناسبة التي يحتاجها جذر النّبات، والتي يقوم بنقلها إلى باطن الأرض، كما أنّها تساعد النّبات على امتصاص المواد الغذائيّة الموجودة في التّربة من خلال تذويبها. ويقوم الرّيّ بمهمّة تنشيط البكتيريا الموجودة في التّربة، ووظيفة هذه البكتيريا تفكيك وتحليل وتحويل المواد العضويّة، حيث إنّ وصول الماء إلى مستوى جذور النباتات في التّربة وانتشاره فيها يحافظ على درجة الحرارة التي تتناسب مع النبات، ويخفّف من حدّة الصّقيع وآثاره كون هذه البكتيريا هي كائنات حيّة دقيقة.
هناك عدّة طرق لريّ المزروعات وأفضل طريقتين للرّي هي: الرّيّ باستخدام الرّذاذ والرّيّ بالتنقيط. وسنذكر مواصفات كلٍّ منهما:

الرّيّ بالرّشّاشات بدأ استعمال هذه الطّريقة الحديثة للرّيّ في أواخر القرن الماضي، وزاد انتشارها بعد توفّر كفاءة المضخّات والمواسير والمرشّات الخفيفة الحمل. في هذه الطّريقة، يتمّ رش الماء في الهواء من خلال الثّقوب الصّغيرة الموجودة في الرّشاشات حتى يسقط على سطح النباتات على شكل رذاذ مثل المطر. من مميّزات هذه الطريقة أنّها تمكّن المزارعين من إضافة السّماد والمبيدات مع الماء، كما أنّه يمكن استخدامها في الأراضي غير المستوية، وهي لا تحتاج إلى الأيدي العاملة، وتحمي النباتات من الصّقيع، وتعمل على المحافظة على درجة حرارتها، أمّا أضرار هذه الطّريقة، فإنّها تؤدّي إلى ظهور الأملاح على سطح التّربة وتساهم في نقل بعض الأمراض الفطريّة والبكتيريّة..

الرّيّ بالّتنقيط في هذه الطّريقة، يتمُّ ريّ النباتات بواسطة شبكة الرّي التي تتألّف من أنابيب بلاستيكيّة مثقَّبة خصِّيصا لهذا الغرض. من أهمّ ميّزات هذه الطّريقة أنّها تتناسب مع جميع أنواع الأتربة وتوزّع كميّة المياه بشكل مُنتظم بين الأشجار والشتول وتوزّع السماد الكيميائي بنفس الكميّة بين النباتات، كما تعمل طريقة الرّي بالتّنقيط على توفير كميّة لا يُستهان بها من المياه بالإضافة إلى تخفيض نسبة كبيرة من تبخّر الماء لأنّه لا يتجمّع على سطح التّربة. ومن سيّئات هذه الطّريقة كلفة شبكات الرّي.

ينشأ الهدر الكبير في المياه عن عدة عوامل أهمها:
1- استخدام مياه الشّرب في الاستخدامات العشوائيّة وغير المُنظّمة في المنازل.
2- عدم وجود رقابة في توزيع المياه من قبل الدّولة.
3- استنزاف كميّة لا يُستهان بها من مياه الشّرب المسحوبة من الآبار الجوفيّة دون دراسة حاجة المنازل وطرق استعمالها.
4- غياب تامّ للإرشادات الصّحيحة في استعمال المياه حسب الحاجة، أكان ذلك الاستعمال للحاجات المنزليّة أو الزّراعيّة.
5- الكثير من شبكات مياه الشّرب والرّي غير مؤهلة.
6- لا توجد دراسة اقتصاديّة لكفاية الحاجات المنزليّة والزّراعيّة والحيوانيّة من المياه.
7- استخدام طرق ريّ المزروعات تهدر كميّة كبيرة من الماء مثل الريّ بالجرّ على الجاذبيّة والريّ بالأثلام.
8- قطع الأشجار التي تلعب دوراً بارزاً في تغذية خزّانات المياه الجوفيّة خاصّة في مرحلة راحتها في فصل الشّتاء عبر القنوات الصّغيرة والمسامات التّرابيّة التي تكون بمحاذاة الجذور.

الحلول للحدّ من هدر الماء
1- وضع استراتيجيّة عامّة من قبل المؤسّسات الرّسميّة لاقتصاد الماء عبر:
تفعيل دور الدّولة في الرّقابة وتنفيذ القوانين لتخفيض هدر المياه، وقمع مخالفات هدر المياه، والحفاظ على ما تبقى من مياه جوفيّة ومجاري ينابيع تحت سطح التّربة كاحتياط للمستقبل.
صيانة شبكات المياه لضبط ومنع التسرّبات منها مع مراعاة الصحّة والسّلامة.
ارشاد المواطنين إلى استعمال المياه حسب الحاجة.
زراعة الأشجار والغابات: فزراعة الأشجار المثمرة والأشجار الحرجيّة تلعب دوراً هامّاً في إحداث المجاري أو القنوات الشعرية لتسهيل مرور مياه الأمطار مع جذورها لوصولها وتجميعها في الخزّانات الجوفيّة….
حثّ المواطنين على التّقليل من هدر الماء في الاستعمالات المنزليّة.
استخدام الطّرق الحديثة والسّليمة في ريّ المزروعات (الرّيّ بالتنقيط) التي تساعد على توزيع المياه بشكل يتناسب مع جميع المزروعات وضمن شروط كفاية النباتات من الماء.

تفعيل دور الإرشاد الزّراعي حول ريّ المزروعات حسب حاجتها من المياه.
على البلديّات واتّحاداتها اللّجوء فوراً إلى إنشاء السّدود والبُحيرات لتجميع مياه الأمطار واستخدامها في ريّ المزروعات، كلّما كان ذلك ممكناً.
وضع خطّة من قبل وزارة الزّراعة لعدّة سنوات لزراعة الأشجار البرّيّة والحرجيّة في الأراضي الجرداء سنويّاً، منعاً لجرف الطّبقة التّرابيّة السطحيّة لهذه الأراضي وبالتالي امتصاص أكبر كميّة ممكنة من مياه الأمطار وتغذية الخزّانات الجوفيّة.
زراعة أشجار مثمرة تستطيع أن تنمو وتعطي إنتاجاً وفيراً باعتمادها على مياه الأمطار فقط، مثل: الزّيتون والكرمة….
إنشاء سدود وبحيرات لتجميع مياه الأمطار شرط أن يكون السدّ في وادٍ وعلى مجرى الأنهر، أمّا البحيرة، فيجب أن تُنشأ في مكان يوجد فيه سواقٍ صغيرة لإمدادها بمياه الأمطار. تفعيل دور الإرشاد الزّراعي حول ريّ المزروعات حسب حاجتها من المياه.
على البلديّات واتّحاداتها اللّجوء فوراً إلى إنشاء السّدود والبُحيرات لتجميع مياه الأمطار واستخدامها في ريّ المزروعات، كلّما كان ذلك ممكناً.
وضع خطّة من قبل وزارة الزّراعة لعدّة سنوات لزراعة الأشجار البرّيّة والحرجيّة في الأراضي الجرداء سنويّاً، منعاً لجرف الطّبقة التّرابيّة السطحيّة لهذه الأراضي وبالتالي امتصاص أكبر كميّة ممكنة من مياه الأمطار وتغذية الخزّانات الجوفيّة.
زراعة أشجار مثمرة تستطيع أن تنمو وتعطي إنتاجاً وفيراً باعتمادها على مياه الأمطار فقط، مثل: الزّيتون والكرمة….
إنشاء سدود وبحيرات لتجميع مياه الأمطار شرط أن يكون السدّ في وادٍ وعلى مجرى الأنهر، أمّا البحيرة، فيجب أن تُنشأ في مكان يوجد فيه سواقٍ صغيرة لإمدادها بمياه الأمطار.

بحيرة لتخزين المياه
بحيرة لتخزين المياه

أهم طرق حصاد الأمطار
إنّ عمليّة تجميع مياه المتساقطات هي عبارة عن عمليّة تُستقْطَب بها مياه الأمطار التي يتمّ جمعها من عدّة مصادر، أهمّها:
المُسطَّحات الجبليّة ليتمَّ تخزينها بواسطة بحيرات طبيعيّة أو اصطناعيّة لاستعمالها في ريّ المزروعات.
أسطح المنازل وتكمن الغاية في تجميع مياه الأمطار في آبار محفورة في الأراضي الصخريّة أو خزّانات مصنوعة من الإسمنت أو البلاستيك لتُستخدم في عدّة أغراض كالشّرب للإنسان والحيوان أو للاستخدامات المنزليّة وريّ المزروعات وغيرها.
إنّ عمليّة تجميع أو حصاد مياه الأمطار قديمة جدّاً، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من ألف سنة في مختلف الأراضي الجافّة حول العالم، إلّا أنّ التّقنيات الخاصّة بهذه النّظم قد خضعت لتطوير كبير على مَرّ الزّمن وخاصّة في الشّؤون ذات العلاقة بالرّي، إلى جانب تطوير تقنيات حفظ المياه لتوفير مياه الريّ للإنسان والحيوان والمزروعات. كما تُعرَف أيضا بأنَّها مجموعة من الخطوات المتَّبعة لتخزين أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار والاستفادة منها بطريقة أو بأخرى خاصّة في السّنوات التي تكون فيها المُتساقطات قليلة نسبيّاً.
كما يجب أن يقوم مبدأ تجميع مياه الأمطار على عدم حرمان الأرض من نصيبها وخاصّة الخزّانات الجوفيّة.

بحيرة صناعية لتخزين المياه
بحيرة صناعية لتخزين المياه

أهمّية حصاد المياه
المساهمة في توفير كميّات من المياه الصّالحة للشّرب، وتعزيز مستويات المياه في الآبار الجوفيّة وبالتالي توسيع رقعة المساحات المزروعة في المِنطقة التي تحيط بأماكن تجميع المياه.
معالجة مياه الأمطار وتحليتها بتكلفة منخفضة نسبيّاً، إلّا أنّه من الممكن أن تحتاج المياه المجمّعة لتصبح صالحة للشّرب إلى معالجة قبل الاستهلاك.
إمداد المياه الجوفيّة وتعزيز مستوياتها تحت بند ما يعرف بعملية إعادة تغذية المياه الجوفيّة.
الحدّ من الفيضانات والتخلّص من مشاكل الصّرف الصّحي.
منع تكدّس الأملاح في التّربة وحمايتها أي غسلها.
مراقبة فعّالة من الدّولة للمزارعين وإرشادهم إلى أوقات وكيفيّة وضع الأسمدة العضويّة والكيميائيّة وكميّتها وأيضاً أوقات وكميّة المبيدات الكيميائيّة منعاً للترسّبات الكيميائيّة في التّربة والنّباتات وبالتالي في الفواكه والخُضار والحبوب.

إنشاء بحيرات ترابية في أماكن مشوهة بيئياً مثل المرامل والكسّارات والمحافر لإعادة تأهيلها وزراعتها
إنشاء بحيرات ترابية في أماكن مشوهة بيئياً مثل المرامل والكسّارات والمحافر لإعادة تأهيلها وزراعتها

نتائج حصاد المياه
تستفيد البيئات الجافّة من نُظُم حصاد المياه بجعل أمر الزّراعة أمراً ممكناً بالرّغم من ندرة الموارد المائيّة الأخرى في المِنطقة، إذ يأتي الحصاد المائي ليُساوي الفُرص في توزيع المياه المُستَقطبة من المتساقطات بين أكثر من مِنطقة.
تشجيع إنتاج كميّات أكبر من المحاصيل في المناطق البعليّة، ويُستخدم تجميع مياه الأمطار في رفع مستويات الإنتاج في المِنطقة ويساعد على استقراره.
توفير كميّات كافية من المياه الصّالحة للاستخدام البشريّ والإنتاج الحيواني.

طرق حصاد المياه
طرق ميكانيكيّة: تتطلّب هذه الطريقة ضرورة تجهيز الأرض وتهيئتها من خلال تنظيفها وتنعيمها ورصفها أو من خلال تغطيتها بمجموعة من الصّفائح البلاستيكيّة لضمان عدم تسرّب وفقدان المياه من خلالها. تجميع المياه.
طرق كيميائيّة: تُعتَبر المواد الكيمائيّة في هذه الطريقة حاجة ملحّة في الحدّ من نفوذيّة المياه في التّربة، ومن بينها موادّ تلحيم الصّفائح وشمع البَرافين وغيرها.
خزن المياه: يُلْجأ لاستخدام هذه الطريقة في حال كانت المِنطقة محدودة المصدر المائي إذ يُصار إلى تغطية السّطح بغطاء بلاستيكيّ بعد حصر المياه للحدّ من عملية التبخّر.
يستطيع الإنسان أن يجمع مياه الأمطار من أسطح المنازل والمباني وقد لا تكون هذه المياه صالحة للشّرب بشكل مباشر، وربّما تحتاج إلى معالجة قبل الاستهلاك بسبب اختلاطها ببعض الملوّثات، مثل المواد والملوّثات الكيميائيّة وبقايا النباتات أو من حرق الفحم، أو براز الحيوانات والطّيور ولكن بعد تعذّر استخدامها كمياه للشّرب البشري تتلخّص استخداماتها في عدّة مجالات أهمّها:
يمكن لمياه الأمطار التي تمّ جمعها من فوق أسطح المنازل والمؤسّسات المحلّية أن تقدّم مساهمة هامّة في ريّ المزروعات.
تساهم مساهمة فعّالة في تعزيز مُستوى المياه الجوفيّة وزيادة المساحات الخضراء في زراعة الأشجار الحرجيّة والغابات والأشجار المُثمرة، وزراعة الخضار والمحاصيل الحقليّة….
تُستخدم المياه المُجمّعة في ريّ المزروعات والمسطّحات الخضراء.
تُستعمل مياه الأمطار المجمّعة في الحاجات المنزلية كالغسيل والجلي والمسح وغسل السيّارات، ويمكن استخدام الفائض من مياه الأمطار في تغذية ورفع مُستوى المياه الجوفيّة، التي بدورها تُعزّز الحفاظ على المخزون المائي وزيادة تدفّق الينابيع ممّا يزيد من استخدام الأراضي في الزّراعة وإعادة تأهيل أو استصلاح الأراضي وزراعتها.
لا جدوى من حصاد أو تجميع مياه الأمطار في المناطق التي لا يزيد سقوط الأمطار فيها عن 250 ملم.
إنّ نظام تجميع مياه الأمطار سهل التّشغيل والتّركيب وذات كُلفة بسيطة مقارنة بالأنظمة الأخرى وتوفّر وتلبي بعض الحاجات من الاستهلاك المائي.
تجميع المياه يساهم في الحدّ من الجرَيان السّطحي لمياه الأمطار ويخفّف من احتمال حدوث فيضانات في المناطق السّاحلية ومن جرف وأضرار في الأراضي والمُمتلكات.
من المُهمّ جدّاً الأخذ بالاعتبار السّعة التّخزينية لأيّ نظام مائيّ حتى يكون قادراً على تلبية الحاجة والطّلب على المياه وخصوصاً في مواسم الجفاف.
أن تكون السّعات التخزينيّة المُستعملة في النّظام كبيرة بما يكفي لسدّ الاحتياجات اليوميّة للمياه وخاصّة في مواسم الجفاف.
الأخذ بالاعتبار مساحة المِنطقة المُستَخدمة لتجميع المياه بالنّسبة للمساحة الخارجيّة التي تُحيط بالسدّ أو البُحيرة.

المؤتمر العلمي الأول للمركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء والمواد الكيماوية

برِعايةِ مَعالي وزير التّربية الوطنيّة والتّعليم العالي الأُستاذ مروان حمادة، وبدعوة من المركز الوطني لجَوْدَة الدّواء والغذاء والماء والموادّ الكيمياويّة انعقد في الجامعة اللّبنانية في 16 آذار 2018، في مُجَمّع رفيق الحريريّ، في الحَدَث، المؤتمرُ العلميُّ الأوّلُ للمركز بعنوان “الأمن الدّوائي والغذائيّ والمائي، ما يدخل الجسم يصبح جزءاً منه”.
جرى عرض الدّراسات الإحصائيّة العلميّة حول المشاكل التي يسبّبها تلوّث الغذاء والماء والهواء على الصِّحَّة ومشاكل سوء استعمال الأدوية والتّسمّم الغذائيّ والمائيّ والهوائيّ والدوائيّ في لبنان. وقد شارك في المؤتمر الوزارات المعنيّة: وزارة الصحّة العامة ووزارة الاقتصاد ووزارة الطّاقة والمياه ووزارة الزّراعة ووزارة التّربية، بالإضافة إلى الجامعات التالية: الأميركيّة AUB، اللُّبنانيّة الأميركيّة LAU، واليسوعيّة، والعربيّة، والحِكمة. ومركز الأبحاث الزّراعيّة ومركز الأبحاث العلميّة.
احتوى برنامج المؤتمر على 12 محاضرةً ضمن جلستين: الجلسة الأولى تناولت الإحصائيّة لوضع السّلامة والتّلوّث للماء والهواء، والجلسة الثانية حول معايير الجَوْدة والدّراسات لسلامة الغذاء وسوء استعمال الأدوية وتأثيره على مناعة وصحّة الإنسان، وتأثير تلوّث الهواء على الصحّة والأمراض الناتجة عنه، والتّسمّم، ومعايير مُراقبة الجَوْدة في وزارة الصحّة العامّة، وزارة الاقتصاد، ووزارة الطاقة والمياه.
دراسة مركز الجَوْدَة الجامعة اللبنانية: نتائج الفحوصات الفيزيو كيميائيّة لعيّنات المسابح ما مجموعه 130 عينة (مسابح داخليّة 113 مسبحاً) و17 عَيِّنةً من مسابح على طول الشاطئ اللّبنانيّ.
نتيجة التّحاليل بيّنت عدم تطابُق المعايير بنسبة 56% زيادة كبيرة في مستويات الكلور، و54% غير مطابق للمعادن المُذابة في الماء، و20،5% ارتفاع معدّل الحموضة والأسيد.
والمعروف أنّ الكلور يمتصّه جلد الإنسان بكميّة كبيرة ويؤثّر على عمل الكبد بشكل سلبيّ، ويسبّب حساسيّة جلديّة وفي العيون أيضاً.
في مياه الشّرب ونتيجة دراسة مُشتركة بين مركز الجَوْدَة الجامعة اللبنانية والجامعة الأميركيّة والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة على مدى عشر سنوات (2005- 2015) على كامل الأراضي اللّبنانية بيّنت أنَّ هناك تحدّيات كبيرة في نوعيّة وجَوْدة مياه الشّرب من مصدر المياه (آبار ارتوازيّة أو ينابيع أو غيره) مروراً بالأنابيب والقساطل النّاقلة للمياه والخزَّانات وشبكات توزيع المياه إلى المنازل حتى وصولها إلى الحنفيّات. إذ تبيّن بأنّه هناك عدم مطابقة للمُواصفات المُعْتَمدة في أكثر المناطق من ناحية خلوّ المياه من التلوّث الفزيائيّ الجرثوميّ والكيميائيّ وأحياناً امتزاج مياه الصّرف الصحيّ بمصدر المياه من الآبار الارتوازيّة والينابيع.
وعلى الرّغم من الفحوصات الدوريّة التي تُجريها مصالح المياه في المحطّات الرئيسيّة فقد تبيّن أنَّ تلوّث المياه إنّما يكون بسبب رئيسي عن طريق شبكات التّوزيع والخزّانات.

وبناء على تحليل مياه الشّرب في العديد من المدارس الرسميّة بناء على توصية وزير التّربية الاستاذ مروان حمادة أتت النتائج في أكثر الأحيان مُقلقة بسبب وجود عدّة أنواع من الجراثيم في مياه الشرب في المدارس منها: جُرثومة البُراز والأمعاء وجُرثومة المُستشفى باسم psendomonal
تلوّث مياه الشّرب يسبب العديد من الأمراض في الجهاز الهضمي. وأهمّ مصادر التلوّث هو اختلاط المياه الجوفيّة ومصادر المياه، بمياه صرف صحّي أو صناعيّ.
في دراسة أخرى حول تلوّث المزروعات بمياه الصّرف الصّحيّ وانتقال المكوّنات العضويّة والكيميائيّة من مياه الريّ إلى المزروعات حيث تبيّن وجود نِسَب عالية جدّاً في بضع مناطق (حوض اللّيطاني) خاصّة؛ لموادَّ كيمائيّةٍ تُسَبّب الأمراض للجهاز الهضميّ والكبد والكُلى وارتفاع نسبة النّترات في عشرات تحاليل البول للأشخاص ممّا يؤثّر بشكل مُزمن على عمل الدّماغ والكُلى وغيرها من الأعضاء الحيويّة كما أنَّه تمَّ اكتشاف آثار مادّة كيميائيّة سامّة من المُبيدات الزراعيّة في يعض المزروعات والتي تسبّب الفشل الكلويّ والكبدي مع مرور الزّمن.
بنتيجة فحص عيِّنات من اللَّحم تبيَّن وجود نِسَب عالية من الهرمونات (استيرويد) والمضادّات الحيويّة التي تُعطى للحيوانات وهي على قيد الحياة، وفي دراسة أخرى للجامعة اللّبنانيّة على طريقة شَوْي اللّحم (المشاوي – على الفحم أو الغاز أو غيره) تبيّن بأنّه نتيجة مستوى الشّوي والحرارة ونوع الحرارة المُستعملة تؤثّر على البروتينات في اللّحوم، وتنتج أنواعاً من الموادّ السامّة في اللّحم الأبيض (الطاووق والأحمر) polycyclic aromatic hydrocarbons (PAHs)
وبنتيجة دراسة تلوّث الهواء المُقَدَّمة من الجامعة الأميركيّة هناك أكثر من 100 مادّة من (PAHs) ومنها موادُّ مُسَرطنة نتيجة تلوّث الهواء من مولّدات الكهرباء على المازوت، وحرق النّفايات والغازات من عوادم السيَّارات، والمقاهي حيث الأراكيل (النّرجيلة)، والتلوّث الأكبر للهواء كان في المدن وفي الأحياء المُكْتظة بالسيّارات ومولّدات الكهرباء.
دراسات مكمّلة لهذه من الجامعة اللُّبنانيّة حول مستوى تلوّث الهواء والأمراض الصدريّة تبيّن أنَّ مُعَدّل زيادات أمراض الرَّبو والحساسيّة عند الأطفال في آخر عشرين سنة (1995 – 2015) بلغ أربعة أضعاف عمّا كانت عليه وذلك في المدن وعند العائلات التي تدخل (الأركيلة على الخصوص في المنازل) والأحياء حيث تكثر مولّدات الكهرباء التي تعمل على المازوت. وارتفعت نسبة الأمراض الصّدريّة على أنواعها coop عند كبار السّن في آخر عشر سنوات بثلاثة أضعاف وازدادت نسبة سرطان الرِّئة عمّا كانت عليه في المُدن أكثر من الأرياف.
وقد بيّنت إحدى الدّراسات أنّ نسبة الأمراض الصدريّة “أمراض الضّغط العالي، الجَلطات وسرطان الرِّئة وأمراض حساسيّة الجلد” عن الفئة العمرية نفسها هي في المُدن الكبرى ثلاث مرّات ونصف أعلى من الفئة العمرية ذاتها في القرى والأرياف.
في دراسة لمركز الجَوْدَة الجامعة اللُّبنانيّة حول استعمال المضادّات الحيويّة ومناعة الجراثيم على الأدوية والتي أُجْرِيت على المَرضى في 19 مُستشفىً على مدى سبع سنوات (2009 – 2015) واستهلاك أدوية المضادّات الحيويّة من الصيدليّات (2012 – 2015) تبيَّن وجود ازدياد ومناعة الجراثيم على الأدوية (المضادّات الحيويّة). وهناك سوء استعمال الأدوية وعشوائيّة الاستعمال تؤدِّي إلى عدم فعالية هذه الأدوية ويلجأ الأطبّاء إلى أدوية أكثر سُمِّيَّة للجراثيم وبالتّالي أكثر سُمِّيَّة لجسم الإنسان. ومن المُفارقة أنّ المناطق التي يتمّ استعمال المضادّات الحيويّة على الحيوانات والتي تُسْتَهلَك لحومُها لاحقاً وفي الزِّراعة المحاصيل التي يتمُّ استعمال الأدوية الزراعيّة فيها تسجّل أعلى نسبة من المناعة للجراثيم على الأدوية وعند السكّان المرضى في تلك المناطق.
وفي دراسة من الجامعة اليسوعيّة لمركز مكافحة التّسَمُّم على إحصاءات (2012 – 2014) بيّنت أنّ هناك 1283 حالة تسمّم أكثرها عند الأولاد تحت سن 18 سنة 79,3 %, كما تبيّن أنَّ سبب تسمُّم 53,8%، من الأدوية على أنواعها هو 12،2% من المبيدات الزّراعيّة، و6،9% من موادّ منزليّة سامّة (مساحيق تنظيف وغيرها).
وهذه الأنواع من التّسمُّم تتطلّب عناية طبيّة طارئة. هذه الدّراسة لم تشمل حالات التَّسَمُّم الغذائي.

معهد البحوث الزراعية قدّم دراسة عن تأثير تسمُّم المحصولات الزراعيّة بالمبيدات الزراعيّة والرَّيِّ بالمياه المُبْتَذَلة. حيث تبيَّن انتقال العناصر الكيميائيّة والعضويَّة من المياه إلى المحصول الزراعيّ ومن المحصول الزراعيّ للمُستهلك. ولاقت هذه النتائج دراسة للجامعة اللّبنانيّة على 167 مريضاً تمّ فحص البَوْل عندهم على مستوى النّترات (الذي يدخل من مياه الرّيِّ والمُبيدات مع مُستوى المعادن السامّة (زرنيك ورصاص وغيره) حيث تبيّن ارتفاع مستوى هذه الموادّ بشكل يؤثّر على عمل الكُلى بشكل يؤذي عمل الكُلى ويرفع انزيمات الكبد).
الدِّراسة الأشمل كانت لمركز الجَوْدَة على الموادّ الغذائيّة من ضمن حملة سلامة الغذاء الذي نفّذها المركز لصالح وزارة الصحّة في عهد الوزير وائل أبو فاعور (الحملة المشهورة مُطابق وغير مُطابق) وبناء على اتفاقيّة التّعاون بين وزارة الصحّة العامّة والجامعة اللبنانيّة والتي بموجبها تمِّ إنشاء المركز الوطني لجَوْدَة الدّواء والغذاء والماء والمواد الكيميائيّة.
هذه الدّراسة والتي شملت خلال سنة واحدة 1033 عَيِّنة غذائيّة وأجْرِيَت عليها 5406 فحوصات جُرثوميّة من أصل نحو 7000 فحص مُختلف لهذه العيِّنات.
وتمّت دراسة على 12 نوعاً من الجراثيم في المأكولات وأكثر هذه الفحوصات احتوت على أكثر من نوع من الجراثيم بدءاً من جرثومة البُراز والمُصران مروراً بجُرثومة المستشفيات، وتمّت إعادة فحص عدد كبير من العَيّنات التي كانت تحتوي كميّات وأنواعاً كثيرةً من الميكروبات.
إنّ عدم تطابق العيّنات حسب المحافظات أتت على الشّكل التّالي: محافظة الشِّمال 48،5%، البقاع 80%، جبل لبنان 55،9%، بيروت 33%، الجنوب 47،2%، وذلك حسب المعايير للمنظّمة الدوليّة لتوحيد المقاييس (ISO) وأتت في طليعة المُنتَجات غير المطابقة الصّلصات 75% غير مطابق، المُعَجّنات 64،6%، لحم الدّجاج 55،2%، ثمار البحر 53،3%، اللّحم الأحمر 52،5%، حبوب 42،9%، مُشتقات الحليب 38،2%، الحلويات 36% غير مطابق والأطباق الجاهزة في المطار وغيره من مراكز سياحيّة مطابقة مئة بالمئة.
يجدر الذّكر أنّ العيّنات تُعتَبر غير مطابقة إذا وجد فيها أحد أنواع الجراثيم، ومنها ما وُجِدَ فيه أكثر من نوع. مصدر هذه العيّنات كان يُرْسَل بعد أسبوع إلى أسبوعين على الأكثر عيّنات جديدة للفحص وهذه المرّة على نفقة صاحب العلاقة. وكانت النتائج تُوَقَّع من قِبَل مسؤول المُخْتَبَر البروفسور المسؤول عن المُختبر وهو أخصّائي في علم الجراثيم، مسؤول لجنة الغذاء ومدير المركز. وتُرْسَل النتائج إلى وزارة الصحّة العامّة ونسخة إلى صاحب العلاقة ونسخة يتمُّ حِفظها في المركز.
ولم يتمَّ إرسال أيّة نتائج إلى أيّة وسيلة إعلاميّة لعدم التّشهير. بل كانت وزارة الصحّة العامّة تُصْدر لوائح أسبوعيّة بأسماء المؤسّسات غير المُطابقة.
محاضرة عن معايير الجَوْدة التي يتبعها المركز وعن شهادة الجَوْدَة التي قارب المركز على نيلها وهي الأحدث والتي تخوّله الاعتراف الأوروبي والعالمي بشهادة وختم المركز للمواد والمنتوجات المُراد تصديرُها إلى الخارج، بحيث يصبح ختم وشهادة الجَوْدَة من المركز مُعتَمَداً في الدّول العربيّة والاوروبيّة لجميع المنتوجات المفحوصة في المركز والمراد تصديرها الى الخارج.
ثمَّ كانت محاضرة من مسؤولة الوقاية الصِّحيّة والمنسّقة العامّة لسلامة الغذاء في وزارة الصحّة عن المعايير والإجراءات التي اتّخذتها وزارة الصحّة بالتّعاون مع المركز في الجامعة اللّبنانيّة وممّا أدّى إلى انخفاض الحالات المَرَضيّة الناتجة عن التّسمُّم الغذائيّ في تلك الفترة. وكانت محاضرة لمسؤولة مصلحة الاستيراد والتّصدير والحَجْر الصحِّيّ في وزارة الزّراعة عن التدابير التي تتّخذها وزارة الزّراعة لاعتماد المعايير لجَوْدَة الغذاء والمزروعات ومراقبة جَوْدَة المُبيدات الزِّراعيّة حسب المعايير العالميّة.
وكان سبق ذلك مُداخلة لمدير عام وزارة الاقتصاد السيّدة عليا عبّاس ومدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه الدكتور غسّان بيضون؛ حول سياسة وزارة الاقتصاد ووزارة الطاقة والمياه في مراقبة وتحسين جَوْدة المنتوجات وأبدى الوزراء (الاقتصاد والطاقة والمياه) الرّغبَة في إبرام اتفاقية تعاون مع المركز لجَوْدة الدّواء والغذاء والماء والموادّ الكيميائيّة على غرار الاتفاقيّة المعقودة مع وزارة الصحّة وهذا ما نعمل عليه في القريب العاجل.
كما أبدت مديرية الجمارك الرّغبة في توقيع اتّفاقية تعاون مع المركز في الجامعة اللّبنانيّة وتمّ الطلب من المركز تشكيل لجنة مشتركة مع الجمارك لتحضير مسودة الاتفاقية وهذا ما نعمل عليه بحيث سوف يتمُّ فحص المنتوجات المستورَدَة التي تدخل لبنان في المركز بناء على طلب الجمارك اللبنانية.
كذلك تمّ عرض دراسة من جامعة بيروت العربيّة حول جَوْدة المياه في الآبار الارتوازيّة في البقاع الشّماليّ ودراسة من جامعة الحكمة حول استهلاك أدوية الأعصاب في جبل لبنان في الصيدليّات مع أو بدون وصفات طبيّة مع أعمار المستهلكين لهذه الأدوية.
وكانت دراسة حول المركز الوطنيّ لليقظة الدوائيّة والمفاعيل الجانبيّة للدّواء التابع لمركز الجَودَة والتّعريف عن أهميَّة إحصاء المفاعيل الجانبيَّة للأدوية عند استعمالها من قِبَل المَرْضى، ومُراقبة جَوْدة الأدوية الجينيريك.

وفي نهاية المؤتمر تمّ تقديم التّوصيات والتي أتت على الشَّكل التّالي:
توصيات لمياه الشرب
1- تعزيزُ قُدرة مؤسّسات المياه لإجراء المراقبة الشّاملة والمُستدامة لنوعيّتها وذلك لتأمين جَوْدتها وسلامة المياه الموزّعة بواسطة الشّبكات العامّة.
2- اعتماد مؤشّر لنوعيّة مياه الشّرب كوسيلة لتقييم حقيقيّ وملائم للأخطار، وبالتّالي إدارتها بالشّكل المناسب، ونشرها بين المواطنين والجهات المسؤولة لاتّقائها.
3- مُعالجة النّوعيَّة المُتدهورة للمياه المُوزّعة عبر الشّبكات، والتي لا يتمّ رصدها أو مراقبتها بشكل صحيح، وذلك لِلْحَدِّ من مخاطر التعرّض للأمراض التي تسبّبها أو تنقلها.
4- مُراقبة نسبة الكلور في شبكات التّوزيع، في المناطق التي تحتاج إليها، وذلك لضمان نوعيّة المياه وعدم تلوثها ميكروبيولوجيّاً وتجنّب المستويات العالية للكلور المتبقِّي لدى مستخدمي المياه، حيث يرفض مُعظمهم الرّائحة القويّة لنسبة الكلور الزّائدة في المنازل.
5- إدارة معالجة المياه بطريقة مُتكاملة بناء على معايير لجَوْدَتِها لا تقتصر فقط على تعقيم المياه لمعالجة تلوّثها الميكروبيولوجيّ، إنّما معالجة التلوّث الكيمائيّ التي تتعرض له مصادر المياه بشكل مُتسارع.
6- وقف جميع تراخيص حَفْرِ الآبار فوراً ودون أيّ تردُّد لمدّة 10 سنوات، على أن يُصار بعدها إلى إعادة تقييم المياه الجوفيّة لجهة نوعيتها وكميّتها وحينها يمكن إعادة النّظر باستكمال التراخيص فقط عند الضّرورة وبعد دراسة وافية.
7- العمل على التشدُّد بِمُتطلبات تراخيص الحفر من قبل وزارة الطاقة والمياه، بحيث يُدرَس تأثير أي حفر على سلامة المياه الجوفيّة كمَّاً ونوعاً.
8- حماية مصادر المياه الجوفيّة من التلوّث الصّناعيّ وتعزيز أنشطة وزارة البيئة في هذا الصدد لا سيّما مشروع LEPAP.
9- الإسراع قدر الإمكان في بدء مراقبة النّفايات الصّناعية السائلة والسّيطرة عليها على أساس التّشريعات الحالية.
10- بناء ثقة المواطنين بجَوْدَة مياه الشّبكات العامّة وذلك من خلال تأمين إدارة سليمة لها ومراقبة مُستدامة من المصدر إلى المستهلك وفقاً لمعايير مؤسّسة المواصفات والمقاييس اللُّبنانية لا سيّما خصائص نوعية مياه الشّرب الصادرة مؤخّراً.

توصيات لجودة الغذاء والدواء والهواء
من الضّروري تطبيق معايير الجَوْدَة على جميع أنواع القياسات المُختَبريّة، وبخاصّة ISO 9001: 2015 إنشاء نظام إدارة الجَوْدَة سيضمن مُمارسات مخبريّة جيدة ونتائج أكثر دقّة.
1- يجب التحكُّم في استخدام المضادّات الحيويّة في المجتمع المحلّي وفي القطاعات الاستشفائيّة الأخرى. إنّ تطبيق خطّة العمل الوطنيّة لمكافحة مقاومة مضادّات الميكروبات أمرٌ لا بُدَّ منه على جميع المُستَويات: التعليم والمُمارسة والإشراف. من الضَّروري أيضاً استخدام مُقاربة One Health وتعزيز القوانين.
2- من الضّروري مُراقبة المفاعيل الجانبيّة (Pharmacovigilance and Toxicovigilance) لإدارة المخاطر المُتَعَلّقة بالأدوية والمواد السّامَّة الأُخرى. تُعْتبر أنظمة مراقبة الأخطار التّلقائي للأحداث السلبيّة والتّسمُّم خطوة ضرورية لتقييم حجم المشكلة واتّخاذ التدابير التّصحيحيّة اللّازمة. وعلاوة على ذلك، سيكون من المرغوب فيه تحسين توافُر بعض التّرياق في مراكز الطوارئ في البلاد.
3- أظهرت المُستحضرات الغذائيّة التي تمَّ اختبارها مستويات مختلفة من التوافق مع المعايير الميكروبيولوجيّة لوزارة الصِّحّة. وأظهرت الأطباق المطبوخة أعلى درجة من التّوافق، ولكنّ الصّلصات أظهرت أدنى درجة من التّوافق. مطلوب إعلام المصادر لتحسين مُمارسات التّصنيع وتقليل خطر الإصابة بالمرض.
4- تعريف المُستهلك بأفضل طريقة للتخلّص من المُبيدات المُسْتخدمة في الفواكه والخضراوات أمر مهمّ لتجنب التسمُّم الحادّ المُزمن.
5- يرتبط تلوّث الهواء في لبنان بالعديد من الأمراض المُزْمنة بين الأطفال والبالغين، هناك حاجة لتدابير عاجلة لخفض مستوى التلوّث، مثل استخدام الطاقة المُتَجدّدة لتوليد الكهرباء، وإنشاء شبكة مواصلات كافية وإعادة تدوير النّفايات لِتجنُّب حرقها في مُخْتلف المناطق اللّبنانيّة.

فلسطينُ لا وعدٌ سلاك ولا عهدُ

فلسطينُ لا وعدٌ سلاك ولا عهدُ
تربّعتِ فوق الدهر شعبًا وموقعًا
فلسطين ما عقّ البنون وكم سموا
فأنّك بحرٌ لا تجفّ مياهُهُ
فليس لبحرٍ أن يَمِلَّ مقامَهُ
فلسطين ما زال المحبّون مثلما
ألا أنت إسمٌ فاعلٌ ومضارعٌ
ومملكةٌ للحبّ أنتِ وللإبا
ولولا سنا كوفيّةٍ عُرِفتْ بهم
فلسطين أضناك الزمان بخُدعةٍ
فما لدخول القدس كانت وصيةٌ
فما هو إلّا وعد بلفورهم لهم
ألا لمْ يزل للقدس وجهُ عروبةٍ
ترقُّ بيوت القدس حين نزورها
بأحجارها شوقٌ وعطف أمومةٍ
فلسطينُ بعض العشق يولده الأسى
تفرّعتِ في الأرض انْتظارًا وموعدًا
دنا منكِ قلب الحرّ حتّى كأنّما
وكم منْ شهيدٍ في ترابكِ قد ثوى
فلسطينُ إنّ الدهر ذو دُوَلٍ وما

ولا ملّ لحدّ من هواكِ ولا مهدُ
وشمسًا تعادى تحتها الحرّ والبردُ
بعشقٍ تساوى عنده الجمع والفردُ
إذا ما اسْتقرّ الموج فيه ولا يبدو
إذا شدّهُ جزرٌ وقلّ به المدُّ
عهدت، ندامى أدمنوكِ وما ارْتدّوا
به حركات الدهر ليس لها حدُّ
ومن ثورة القسّام ثوّارك امْتدّوا
لما ميّزتهم عن جماعاتها الأسدُ
وسطرٍ به اسْتقوى على ضادك الضدُّ
بما جاء، إذ قال ادْخلوها، ولا وعدُ
وأوهامهم في كلّ أرضٍ لها شدّوا
نقبّلهُ خدًّا، ونحن له خدُّ
ويهفو إلينا من نوافذها الودُّ
ونحن يتامى نحو أحضانها نعدو
وبعض الأسى مولوده الصبر والكدُّ
وأصبحتِ رمزًا للحداد لمَنْ حدّوا
مسافة بُعدٍ عنكِ ليس بها بُعدُ
تسابق لِاسْتقبالِهِ المجدُ والخلدُ
تضيعُ بلادٌ ذُخرُ أبنائها الرشدُ


نبذه عن الشاعر مفيد قويقس:

مفيد قويقس
من مواليد قرية يركا الفلسطينية الجليلية، قضاء عكا، هذه البلدة التي احتضنت أكثر من خمسين ألف لاجئ من شعبنا الفلسطيني ايام النكبة والتشريد. ومع أن عدد سكان يركا لم يتجاوز الالفي نسمة بتلك الفترة فقد أعلن سكان يركا التحدي وأقرّوا أن لا نزوح عن هذا الوطن. وصمدت يركا واستطاع معظم اللاجئين العودة لديارهم وبلداتهم والبقاء في أرض فلسطين (تاريخ فلسطينيّ موثّق) وما زال الكثيرون من ابناء شعبنا يروون الرواية تلك.
مفيد قويقس كان له الظهور المتواصل عبر المنابر والصحف والمسيرات الشعبية في اواخر السبعينيات والثمانينيات وكان مشاركًا وبكثافة بالنشاطات الادبية مع شعراء المقاومة آنذاك.
وكان له الاصدار الاول في تلك الفترة (على ضفاف جرحي نما الزيتون والغار).
عاد للساحة الادبية وبقوة منذ سنوات وأصدر ديوان ” الغضب ” الذي كتب مقدمته الشاعر سامي مهنا رئيس الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين 48.

ومما كُتب في المقدمة
مفيد قويقس من الاسماء الوطنية الصادقة قولًا وفعلًا، وهو سليل عائلة عريقة قدمت للوطن والقضية الفلسطينية الشهداء والسجناء السياسيين ومنهم المبعدون عن الوطن مدى الحياة.
وفي المقدمة ايضًا كتب سامي مهنا:
مفيد قويقس لا يترك مجالاً للشك بعد اي قصيدة او حتى بيت شعر يكتبه انه أحد الشعراء المبدعين المتمكنين العارفين المتعمقين بالأصول والجذور العميقة للشعر العربي الاصيل، وهو أحد فرسانه اصالةً وتجديدًا ورغم تمسكه المقصود بالشعر العربي الكلاسيكي الذي يجيده كأحد جهابذته القدامى، الا انه اثبت تمكنه العالي بقصيدة التفعيلة بصيغتها الحداثية بل استطاع ان يكون حداثيًا بامتياز.
وفي المقدمة أيضًا
مفيد قويقس شاعر قومي بامتياز، وممن يرون الوطن العربي مجاله الانتمائي الطبيعي، فينشد دمشق وبغداد كما يرتّل لفلسطينه، ويفرح وينشد ويغنّي لكل المساحات الممتدة من التاريخ الى الجغرافيا ومن الجغرافيا الى دروب المستقبل الذي يتوخاه كشاعر حالم بمستقبل عربي أفضل.

أطلق على مفيد قويقس شاعر الجماهير لقوة القصيدة ولجمال الإلقاء فله إلقاء مميز بايقاعه وكأنه ينشد الشعر غناء.
هو عضو في الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين 48 حاز على عدة أوسمة وشهادات تقدير من كثير من المنتديات الادبية العربية في فلسطين.

صدر للشاعر
֍ على ضفاف جرحي نما الزيتون والغار
֍ الغضب
֍ ذاكرة وانتظار
֍ العشريات (لم يوزّع بعد)
֍ مذاقات ملونة (لم يوزّع بعد)
֍ الشعر بعض من وطن (ديوان يحوي قصائد مختارة منها ما نشر ومنها لم ينشر بعد).
معظم قصائد مفيد قويقس للأرض والوطن العربي الكبير والانسان اينما كان، وكلها متوجة بفلسطين بقدسها بزيتونها بكامل ترابها.

مفيد قويقس – الجليل، يركا، فلسطين

مراجعات كتب

الأعمال الشعرية الكاملة لأنور سلمان (1938 – 2016)
صدر حديثاً كتاب: “الأعمالُ الشعريّةُ الكاملة” للمرحوم الشَّاعر أنور سلمان، عن المؤسّسة العربيّة للدِّراسات والنّشر، الطّبعة الأولى، سنة 2018. وفيه “مُقَدَّمةً” كتبها الدّكتور وجيه فانوس أمين عام اتّحاد الكتَّاب اللبنانيين، ونائب الأمين العام للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب.
له مؤلَّفات شعريّة نشرها في حياته، هي التَّالية: سمَّيته الملك الآتي – بطاقات مُلوّنة لزمنٍ بلا أعياد – أبحث في عينيك عن وطن – القصيدة امرأة مُستحيلة – إليها – مرايا لأحلامٍ هاربة.
رحل عنّا هذا الشاعر الذي كان شاعراً مُمَيَّزاً بكلِّ معنى الكلمة. المجموعة الكاملة لأشعار أنور سلمان في 528 صفحة، قطعاً وسَطاً.


محطات في مسيرة حياتي!

د. مفيدة عابد
يتوخّى المؤلِّف في هذه الدِّراسة، قدر المستطاع، وضع معلومات جديدة وموثَّقة ومفيدة أمام القارئ، مُتوخِّياً الوصول إلى الحقيقة في ذكر الأعمال السياسيّة أو العسكريّة أو الاجتماعيّة أو العلميّة أو الأدبيّة التي قام بها بعض أفراد هذه العائلة، لقد تعرّف على بعضهم فكتب عنهم بصِدق وصراحة وأمانة، وكان بعضهم الآخر قد رحل عن هذه الدّنيا فلم يتمكّن من الوصول إلى معلومات عنهم، فكانت غايته في كلّ ذلك وطنيّة واجتماعيّة وإنسانيّة، وأن يكشف عن الجانب المُضِيء السّاطع لدى كلٍّ منهم. الكتاب في 480 صفحة قطعاً وسطاً..


حتى لا يضيع وطني كتاب جديد:

د. عمر مسيكة “رئيس مجلس أمناء المركز الثقافي الإسلامي في بيروت”
ألَّف هذا الكتاب د. عُمَرُ مسَيكة أمين عام مجلس الوزراء ونائب سابق، ورئيس مجلس أمناء المركز الثّقافي الإسلاميّ في بيروت، الذي أتحفنا بهذا الكتاب الذي يحدِّد فيه هُويّة هذا الوطن حتى لا يضيع فأسماه: “حتى لا يضيع وطني”، مرسلاً صوته عالياً مع قلقه الدّائم على هذا الوطن، ومُجريات الأحداث التي تقع فيه بين وقت ووقت من هزّات وعواصف تجعله بشكل طبيعيّ مُحاطاً بالمخاوف والمخاطر والسّياسات البّعيدة عن القِيَم والمبادئ والمُثل العُليا. فمنذُ فترة الاستقلال والسِّيادة والحُرّية ونَحن في خِضَمِّ هذه التدخُّلات والوصايات الدوليّة.


طائراً حول العالم “مذكرات طيّار”

الكابتن توفيق العود
كتاب “طائراً حَوْلَ العالَم” هي مُذَكّراتُ طيّارٍ: مُخاطِرُ وأسرار، صدر حديثاً عن دار نلسن للطّباعة والنّشر والتّوزيع، في بيروت. من الكتب النّفيسة، يضمُّ بين دفَّتيه سيرة حياة إنسان كان طيّاراً ماهراً وربّاناً ذكيّاً، قاسى الصّعوبات والمخاطر والعقبات. لعلَّه أوّلُ كتابٍ من نوعه يظهر في المَكتبة العربيّة التي هي بحاجة ماسّة إلى كتاب من هذا النّوع في أسلوبه السّهل المُمْتنع وفي فصوله الشائقة التي يرتاح إليها القرّاء وإلى ما كتبه هذا الطيار خلال رحلاته وجولاته في بلدان عربيّة وأوروبيّة ومشاهداته وذكرياته وانطباعاته التي تركت أثراً في نفسه، فأحبَّ أن ينقلها بأمانة ومحبة وإخلاص إلى نفوس قارئيه وعارفيه ومُحِبّيه. الكتاب في 226 صفحة، قطعاً وسطاً.

شاعر في مواجهة القدر

تتقدّم أسرة مجلة الضحى من فضيلة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز وأحد كتّاب المجلة الدائمين بأحر التعازي القلبية بالفقيد الغالي ريبال سامي أبي المنى.

راجين من الله سبحانه وتعالى أن يتغمّده بالرحمة والرضوان وأن يُلهم ذويه الصبر والسلوان.


الشّاعرُ الشَّيخ سامي أبي المُنى شاعرٌ غزير الشّاعرية تتميّز معظم قصائده بعمود شعريٍّ عالٍ وبِغنًى فكريٍّ حافل بالمعاني التّوحيديّة والوطنيّة اللبنانيّة والعروبيّة والإنسانيّة الشّاملة، وببلاغة فِطريّة، وبالصور الفنّيَّة التي تأتي عفوا بلا ما تكلّف أو تصنّع…
هو رئيس اللجنة الثقافيّة في المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدّروز وأمين عام مؤسّسة العرفان التّوحيديّة وعضو في أكثر من هيئة للحوار منها هيئة الحوار الإسلاميّ المسيحيّ …
فُجِعَ الشاعر الشيخ بابنه ريبال (25) سنة في 19 نيسان 2018 بعد صراع مرير مع مرض عُضال لأكثر من سنة؛ ولما كان الشّعر وليدًا للمشاعر والعواطف على تنوّعها فقد كتب الأب قصائد عديدة في المناسبة الأليمة قبل وفاة الابن وبعدها… هنا سنتناول إحداها قبل الوفاة بنحو شهرين. في تلك الفترة من شهر شباط حيث كان الشّاعر يلازم ابنه في ساهرًا إلى جانبه في مَشفى عَيْن وزَيْن…
في هذه القصيدة التي اختار لها الشاعر عنوان “حُلُمٌ تَجَلّى” نَجِدُهُ الأبَ الذي يحلُم بشفاء ابنه الشاب من المرض العضال الذي ألمّ به، هذا الشاب الشيخ التقي النّقي الذي يحلم الأبُ الشّاعر له أن يراه يكمّل مسيرة الرّجولة في حياته معافًى ومميّزًا “قولًا وفكرا” يرعى والده في خريف العمر، سندًا له .. ويمضي الوالد في حلمه، فيتفاءل بشفاء ولده “غدًا تشفى وربّ الكون شافٍ…، غدًا ترتاح من داءٍ…” لكنّه من جانب آخر يرى التّراجُع والذبول المُتنامي يعصف بجسم الابن الذي أنهكه الدّاء الوبيل؛ فيرى ما يُشير إلى إنّ روح ابنه تحاول التفلّت من الجسد الشّفيف؛ ذلك الماعون الدنيويّ الذي يتهاوى يوماً بعد يوم، بل وساعة بعد ساعة، يقول ” هَنيئاً بانتصار الروح راحت تحلّق في فضاء الحقّ نَسرا” ولكنّه ينوس متأرجحا بين اليأس والأمل؛ فيخاطب الابن المريض قائلًا “لَئِنْ وَهَنَ القَميصُ فَثِقْ بِرَبٍّ يعينك للشّفاء…” غيرَ أنّه يؤوب أخيراً إلى التّسليم بقضاء الله المحتوم وقَدَرِهِ، إذ يُيْقِنُ باستحالة شفاء الابن الحبيب فَيَخْتُم بقوله “هنيئاً نِلْتَ بالتّوحيد عِزًّا وبُشرى يا حبيبَ القلبِ بُشرى”.
القصيدةُ غنيّةٌ بالعاطفة الأبويّة الجيّشة، ومُفْعَمَةٌ بالمعاني التّوحيديّة التي تنطوي على ثقافة الأب المُشبعة بمفاهيم التّوحيد والرّضى والتّسليم بقضاء الله وقدره…
وفما يلي نصّ القصيدة:

حلم تجلى

حَـبيـبي أَنْـــتَ يـا رِيبـــالُ صَــبْرا
قـَضى الرّحمنُ أن تــحظى بِــداءٍ
فَــكَمْ مِــنْ مِحنَةٍ تــــأتي اختيـــارًا
علــى أَمَـــلِ الشّــفاء أراك تَــدعو

بُـنَـيَّ حَــلِـمْتُ أَن أَلــقـاكَ وجْــهًا
بُنيَّ حَلِمتُ أنْ أُعْطـــاكَ نَجْـــــلًا
بُـــنَيَّ حَلِمْتُ أن تَــرعى خَريـفي
بُنَــيَّ حَــلِمْتُ أنْ تَبــــقى وَتَـرقى
بُـنَيَّ رَجَـــوْتُ مُنْــذُ الـبدء طفـلًا
وفي رَيْعـــــانِ عُمْرِكَ في شبابٍ

حَبيبي أيُّــــــها الغــالي الــمُفَــــدّى
نشـأتَ على المبـــــادئ مُطْمئنًّــــا
وكُنتَ المُــــرْتجى مُذْ كُنتَ غُصناً
رأيْتُـــكَ في هُـــــــدوء واتّـــــزانٍ
وصِرْتَ لأصــــدقائِكَ خَــيْرَ خِــلٍّ
وَعِشْـتَ مُوَحِّـــــدًا والإنسُ بـــــادٍ

حَبيبي كَم نَرى الأحلامَ وَمْضًا
تُرى كـمْ كُنتَ تَحْلُمُ يـا حـبيبي
هُـــوَ القَدَرُ المَريرُ قَضاه رَبّي
فصارَ شفاؤكَ الحُلُمَ المُرَجَّــى
وصِرْتَ الفِضَّةَ البيضاءَ تَزْهو
وَوَحْهًـــــا بالخُسُوفِ بَدا ولَكِنْ
أيـــا ريبــــال قَدْ مُيّـــــِزتَ فينـا

متى الجَسَدُ اصْطَلى بالنّار حِيْنًا
وقد يُبْري الجُسومَ الـداءُ يومـــاً
غَــــدًا تَشفى وربُّ الكون شافٍ
غـــدا تـرتـــاح مِـنْ داءٍ وتَرقـى
وتـلبِـسُ بالسّــعادة ثـَوْبَ نُـــورٍ

هَنيئًا أنتَ في أَرقى اتّصــالٍ
هنيئًا بانتصار الرُّوحِ راحتْ
لَئِن وَهَنَ القَميصُ فَثِقْ بِرَبٍّ
ولا تَيْأَس فَقَــــدْ نـاجيت ربًّا
هنيئًا نِلْتِ بالتَّوحيـدِ عِـــــزًّا

لـقد أُهْـــدِيتَ مـن باريــك أَمْرا
فَـــلَمْ تَسـخَطْ وقُــلْتَ اللهُ أَدرى
فَتَــغدو مِنْحَـــةً أَولى وأحرى
رَضِـيًّـا طائــعًا سِـــرًّا وَجَـهْرا

نَــدِيًّــا مُـنْصِـــفًا قَـــوْلًا وَفِكْرا
يُتــــــَوِّجُ سِيرَتي عِزًّا وَفَخرا
أخًا يَحْنــــو إذا أَسْنَدْتُ ظَهْرا
لِتَكْتُبَ مَجْدَنا سَطْرًا فَسَطْرا
صَبِيًّـــا يافِعًـــا وفتًى أَغَــرَّا
رَبيعيٍّ رَجَـوْتُ النُّــورَ بَدْرا

أيا كَبِدي لكَ الأكبــاد تُشـرى
فَكُنْتَ طُموحَنا وازددتَ قَــدْرا
نَمَوْتَ على التُّقى شِبرًا فشبرا
رَزينًـــــا عاقلًا صلبـاً وحُـرّا
وقُـــدوتَهُمْ ولَو سَبقوكَ عُمْرا
وزادَكَ مَصْهَرُ الآلامِ سـِـحْرا

قُبَيْــلَ الفَجْــر ثُمَّ تَضِيع فَجْرا
وكَم كُنَّا وَفاضَ الشَّوق نَهــرا
وَنَحْــنُ لمـا قَضاه الله أَســرى
وصارَ طُموحُنـا شَهْراَ فَشَهْرا
صَــفاءً كُلّمــا واجهتَ جَمْــرا
يُـضـيء كَرامَـــةً ويَشِعُّ بِشرا
ونِلْتِ بِما اصطفاك الله أ جْرا

فإنّ الـــرّوح بالأنوار تُبرى
ويَبـرأُ منــه مَنْ داواهُ سِـــرّا
يُحوّل ترب هذا الكون تبرا
إلـى حيث المشيئة أن تُسرّا
وذا حُلُمٌ تَجلّى صـارَ نَصْـرا

وَلَيْلُ الخَوْف يُوشِكُ أنْ يمُـرّا
تُحَلّقُ في سماءِ الحَقِّ نَسْـــرا
يُعِيْنُك للشّفاء فَكُنْ مُصِــــرَّاّ
رحيمًا قادرًا إنْ شــــاءَ أَبْــرا
وبُشْرى يا حبيبَ القلبِ بُشْرى

الشباب اللبناني، والعربي، على مفترق طرق خطير الآن!

سأجعل مقالتي في ثلاثة أجزاء:
واقع الشباب وازدياد أهميته في العالم العربي الراهن عموماً،
ثم، واقع الشباب ومشكلاته الأكثر إلحاحاً في مجتمعنا اللبناني المحلي الحالي،
وأخيراً، بعض الأفكار للخروج من المأزق الاجتماعي الضاغط بقوة منذ بضع سنوات.

[su_accordion]

[su_spoiler title=” أولاً – أهمية حضور الشباب ومشكلاته في المجتمعات العربية الراهنة ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

إذا صحّ أنه كان هناك قبل سنوات أو عقود من يعتقد أن بإمكانه أن يملي على الشباب إرادته بالقسر أو التجاهل، فقد أثبتت السنتان الأخيرتان أنه كان على خطأ مبين. فالشباب عاد إلى الواجهة الإعلامية والسياسية بقوة، بل هو قلب المعادلات والحسابات والخرائط، وقلب ظهر المجن لكل شيء تقريباً، فكان أمل التغيير السلمي الديموقراطي قبل أن تخطفه الأيديولوجيات الشيطانية من هنا وهناك، وتجهض أحلامه من جديد.
من هم الشباب، إذاً؟ ما هي أحوالهم واهتماماتهم في مجتمعات العالم العربي؟ وصولاً إلى مجتمعنا اللبناني المحلي الراهن؟
وفق التعريف العلمي الدقيق، الشباب هم الشبّان أو الشابات الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين من العمر، (15 – 24)، رغم أن البعض يمدّ الفترة لتصل إلى سنة التاسعة والعشرين أيضاً.
يشكّل الشباب، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، سدس البشرية (1/6)، إلا أن غالبيتهم العظمى هي في البلدان النامية، (حوالي 80%). ومجتمعات العالم العربي هي نسبياً بين الأكثر شباباً على مستوى العالم:
فثلث سكان العالم العربي هم تحت سن الخامسة عشرة. وثلث آخر هو بين الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين.
وتعني هذه النسب أن هناك شريحة مؤلفة من أكثر من 100 مليون شاب تشكل نظرياً القوة الأكثر حيوية في المجتمعات العربية. ولكن مع الأسف، فنصف هذه الشريحة، هي من دون عمل ثابت، أي هم أسرى البطالة الصريحة أو المقنّعة، كما أن معظمها هم دون التجهيز العلمي والعملي الحديث الموازي لمتطلبات أسواق العمل الحديثة والمعاصرة.
ومن هنا تبدأ مشكلات الشباب العربي، فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي التي شملت المجتمعات العربية كافة، والتي نفّذت سنة 2012، (استفتاء لجنة بيرسون-مارشيلر)، أن في رأس اهتمامات غالبية الشباب العربي (82%) مطلبين بل هاجسين اثنين: “الحصول على عمل ذي مردود جيّد” و”امتلاك مسكن وتأسيس أسرة”. وقد تقدم هذان المطلبان على المطالب السياسية التي كانت هي الأعلى في سنتي 2010 و2011.
لقد كان لإهمال معظم الأنظمة العربية لمطالب الشباب الطبيعية والمحقة الدور الحاسم في انتفاضات الشباب التي رأيناها في السنوات الثلاث الأخيرة – يستثنى من ذلك مجتمعات الخليج العربي (عدا البحرين) التي نجحت من خلال تقديماتها السخية في امتصاص نقمة الشباب. ومطالب الشباب الأكثر أولوية كما تشير استطلاعات الرأي هي ثلاثة: العمل، المسكن، والحريات.
أوضاع الشباب في المجتمع اللبناني لا تختلف كثيراً عن أوضاع الشباب العربي عموماً التي عرضنا لها باختصار، مع تسجيل بعض الفروقات بالتأكيد نظراً للخصوصية الطائفية في لبنان التي تمزّق وحدة شريحة الشباب وتمنع تحوله إلى قوة تغيير ديمقراطية موحدة.
تشير الاحصاءات المتوفرة في لبنان إلى أن 19% من أفراد المجتمع اللبناني هم من الشباب، أي خمس السكان، (حوالي 700.000) شاب وشابة. وهم يشكلون ثلث القوى العاملة. أما نسبة البطالة وهي عدو الشباب الرئيسي، فقد كانت حتى قبل سنوات عالية جداً (21%) – أما اليوم فهي تزيد اليوم عن 30%.

نجحت بعض الأنظمة العربية في امتصاص نقمة الشباب من خلال تأمين مطالبهم الطبيعية والمحقة كالعمل، المسكن، والحريات.
نجحت بعض الأنظمة العربية في امتصاص نقمة الشباب من خلال تأمين مطالبهم الطبيعية والمحقة كالعمل، المسكن، والحريات.

هناك كما قلنا جوامع مشتركة مع سائر شرائح الشباب العربي، وربما سائر البلدان النامية أيضاً، إلا أن ما يميّز شريحة الشباب في المجتمع اللبناني، بالإضافة إلى ذلك، هو أنها كانت في السنوات العشرين أو الخمس والعشرين الأخيرة تحت تأثير مباشر وغير مباشر من عاملين اثنين متناقضين:
العامل الأول، الإيجابي، هو مجموع عناصر التقدم الثقافي والعمراني والحضاري التي امتلكها المجتمع اللبناني طوال عقود، وبخاصة منذ الخمسينيات، واستمرت قائمة في نسيج المجتمع اللبناني وإن على ضعف، بشكل أو بآخر. بين هذه العناصر الإيجابية: تنوع تركيبة المجتمع الدينية والطائفية والعرقية، الانفتاح على التجربتين الغربية والعربية في آن، صعوبة سيطرة الاستبداد أو الإرهاب بكل أنواعه على الشباب في لبنان بفعل التوازن القائم بين الأقليات، ارتفاع نسبة المتعلمين (96%)، ثم آثار أو مفاعيل الهجرة القديمة إلى أمريكا وإفريقيا وأستراليا وأوروبا وما جلبته من تنوع ثقافي وتجارب حضارية، ألخ.
العامل الثاني، السلبي، هو الأثر الفظ بل المدمّر الذي تركته الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة (1975-1990)، بكل مفاعيلها وتداعياتها، على أفراد شريحة الشباب اللبناني الذين ولدوا إما قبيل اندلاع الحرب بفترة قصيرة (في الستينيات) أو في خلال سنوات الحرب وما بعدها. وحتى لو وضعنا جانباً أو تناسينا حقيقة أن الشباب كانوا في الواقع الجزء الرئيسي من لائحة ضحايا الحرب المشؤومة، (100 ألف ضحية)، ومن الكتلة التي تركت البلاد، (والتي تقدّر بمليون مواطن) وما في ذلك من خسارة وطنية كبرى، إلا أن ما نستطيع ملاحظته هو أن غالب أفراد الشريحة الشبابية اللبنانية اليوم قد سقطت تحت التاثير المباشر للحراك الاجتماعي القسري الكثيف الذي تعرضت له أسرها في أثناء سنوات الحرب القاسية. فقد انتقل أكثر من مليون لبناني في هجرة داخلية من منطقة إلى أخرى، بل إن 20% منهم قد استوطنوا البيئات الجديدة التي انتقلوا إليها. وانتقل مثلهم، مليون لبناني آخر، قسراً أو طوعاً في هجرة إلى الخارج – هاجر 400.000 لبناني في سنة 1975 وحدها. كان معظم المهاجريم من فئة الشباب (بين 25 و29 سنة أولاً، ثم بين 20 و24). وكانت غالبيتهم الساحقة من الذكور (85%) ما أثّر مباشرة في التركيبة العمرية والجندرية للمجتمع اللبناني لعقود وإلى اليوم؟ وكأن الحرب لم تكفِ، فقد جاءت الأزمات الاقتصادية اللاحقة منذ سنة 1996 لتطلق موجات هجرة جديدة، ومعظمهم من الشباب، كل بضع سنوات.
إذا اكتفينا بهذين العاملين دون سواهما، لأمكننا رسم معالم شريحة شبابية لبنانية راهنة، بات معظمها متقوقع في مناطق سكنية ذات لون واحد، منقسمة طائفياً وسياسياً. ورغم الانقسامات تلك، فما يجمع فئات الشباب في كل المناطق ولدى كل الشرائح تقريباً سمات مشتركة كثيرة، وأهمها:
֍ مستوى تحصيل علمي متقدم، (96 %)
֍ ممارسة قدر عال نسبياً من الحرية الاجتماعية والشخصية بفعل الانفتاح من جهة وغياب السلطة عن المجتمع اللبناني لفترة طويلة، ثم الاستقلالية الاقتصادية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية المتكررة والتي جعلت فئات متزايدة من الشباب يستقلون اقتصادياً عن أهلهم، أو جعلت أهلهم عاجزين عن الإنفاق عليهم.
֍ انخراطهم الشامل تقريباً في مظاهر تقبل منتجات العولمة وتحولها هاجساً رئيسياً لهم، إذ باتت أبواب الانفاق الأولى لدى معظمهم “الثياب، نفقات الاتصال والتواصل المختلفة، والسهر والأكل خارج المنزل”.
֍ استخدامهم لأحدث تكنولوجيا التواصل (أكثر من ثلاثة ملايين لبناني يستخدمون الانترنت)، وكل ما لحقها من ابتكارات.
֍ انخراط واسع للمرأة اللبنانية في الحياة العامة على أصنافها (وربما أضعفها في الحياة السياسية والبرلمان رغم التحسن الطفيف الذي حدث في انتخابات ربيع 2018).
֍ نسبة البطالة العالية في صفوفهم، المباشرة منها أو المقنّعة (والتي تزيد عن الثلث في أحس الأحوال).
֍ نسبة الهجرة العالية، وبخاصة لدى أصحاب الكفاءات المهنية (أكثر من نصفهم نحو بلدان الخليج) ولأسباب متصل معظمها بالعمل (62%) ثم التعلم (21%) – ثلثا من هم بين 15 و29 تقدموا مرة واحدة على الأقل بطلب هجرة إلى إحدى السفارات أو القنصليات.
إذا اكتفينا بهذه السمات والظواهر فقط، إذ هناك غيرها أيضاً، بدت بوضوح النتائج والتداعيات النفسية والاجتماعية التي جلبها النظام السياسي اللبناني، والسياسات الرعناء التي ضربت المجتمع اللبناني منذ السبعينيات، فألقت بكامل ثقلها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على شريحة الشباب الطريّة والحساسة فتركت في مشاعرهم وأفكارهم وشخصيّاتهم وسلوكهم أبلغ التأثير – السلبي غالباً – والتداعيات التي حفرت فيهم عميقاً ولم يكن من السهولة إزالتها، بل هي ترسخت على مرّ السنين بفعل استمرار الأزمتين السياسية والاقتصادية، وغالباً ما يتداخل فيها الاقتصادي مع الاجتماعي مع السياسي ليضغط بقوة على تركيبة شخصية الشاب اللبناني الراهن وعلى أشكال سلوكه وردات فعله.
وباختصار، لقد دفع الشباب اللبناني ثمن إخفاق- بل الاخفاقات المتكررة – للقيّمين على السياسة والحياة العامة في المجتمع اللبناني الحديث.
لقد سقطت شخصية الشاب اللبناني تحت ضغوطات متناقضة من كل اتجاه، فلم تبق متماسكة، وظهرت فيها شقوق واختلالات معلنة، أي نراها، أو غير معلنة ولا نراها، وهي أخطر بكثير؛ ومن هذه الشقوق والاختلالات دخلت كل المشكلات الإضافية، وكل أنواع الانحرافات بل ربما دخلت منها الشياطين نفسها – وقد بات للشياطين في زمننا الراهن أكثر من اسم وشكل ولون.
هنا تكمن جذور معاناة الشاب نفسه – ونحن أحياناً بل غالباً ما نلقي عليه اللوم، فلا ننتبه إلى وجهات نظره، ومعاناته، بل لصراخه وحالات يأسه. من هنا يجب أن نبدأ.

أكثر من ثلاثة ملايين لبناني يستخدمون الانترنت
أكثر من ثلاثة ملايين لبناني يستخدمون الانترنت

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”ثانياً – المشكلات المنتشرة، والأكثر خطراً وإلحاحاً” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

يجب الاعتراف أن هناك ملامح مجتمع شبابي متميز من سائر شرائح المجتمع الأخرى، وهناك بالتالي مشكلات اجتماعية تخص هذا المجتمع، بعضها قديم وبعضها الآخر مستجد ولم يسبق لنا معاينته. وهذا يعني أن هناك مصادر جديدة للمعرفة الاجتماعية، وبعضها يحتاج إلى تركيز شديد، وإلى مقاربة منهجية جديدة. وهي في انتظار البحث الاجتماعي الإضافي والمعمّق.
وعلى ذلك يجب الاعتراف أن لشباب اليوم حقوقه ومطالبه المشروعة الكثيرة، ولكن هناك أيضاً المشكلات، والتي لا يجوز تناسيها أو عدم الاعتراف بها أيضاً. وأي تناس أو إهمال لها إنما يزيد من خطورتها.
بعض أخطر المشكلات تلك، وهي موضوع هذه المحاضرة، هي أشكال الفساد والانحراف الأكثر انتشاراً، والتي باتت خطيرة في السنوات الماضية، وباتت مهددة لحاضر ومستقبل الشباب على المستوى الشخصي، كما باتت عوائق وقيوداً تحول دون إطلاق طاقات التغيير والتجديد والبناء فيهم ولدورهم الحاسم في مجتمعهم.
تتمثل أشكال الفساد والانحراف المنتشرة في ظاهرات سلوكية مختلفة، قد تبدأ بريئة تماماً، لكن المبالغة بها واتصالها بعادات سلبية معيّنة يحوّلها بالتدريج إلى ميول غير سوية، منحرفة، خارجة عن الإرادة، وإلى أشكال سلوك مرضي وفق توصيف علماء السلوك والاجتماع، ناهيك عن تناقضها الصارخ مع تقاليد أسرنا الشرقية ومجتمعنا العربي الإسلامي وقيمه.
وتقييمنا لها بالفاسدة أو المنحرفة ليس تجنياً، بل يستند إلى حقيقة أنها مؤذية للفرد نفسه، وتصل إلى حد تدمير وقتل هذا الفرد، بالإضافة إلى أنها مؤذية ومعطّلة للمجتمع ككل، ومضيّعة خصوصاً لطاقات الشباب التي لا يقوم مجتمع سليم أو قوي من دونها.
يتدرج السلوك الاجتماعي غير السويّ من مستوى التخبط والضياع الفرديين، إلى مستوى الفساد الاجتماعي، فإلى درجة الانحراف الأخلاقي والخطر الحقيقي على الفرد والمجتمع معاً، ويمكن أن تكون من وجهة نظري وبالتدريج كما يلي:
֍ الإفراط في السلوك الاستهلاكي المرضي، وما فيه من كره للعمل، وبخاصة العمل اليدوي، وانعدام الانتاجية، لكأننا بتنا كائنات طفيلية نعيش على جسد سوانا لا أكثر.
֍ الافراط في التقليد السطحي لعادات السهر في المقاهي والمطاعم والملاهي كل ليلة وحتى الصباح واعتبار ذلك معياراً لكونه(ها) شاباً أو شابة يعيش العصر والحداثة، ومن يتخلّف فهو خارج العصر.
֍ الإفراط في عادات غير صحية وشبه مرضية، وبخاصة التدخين والأركيلة والكحول، والتي تبدأ على سبيل التسلية ومجاراة الرفقة لكنها تنتهي عادات متمكنة وخطرة على صاحبها(تها) قبل سواه(ها).
֍ تعاطي المخدرات بأشكالها ودرجاتها المختلفة (من الحشيشة وصولاً إلى عقاقير الهلوسة) والتي تتحول سريعاً إلى وحش مفترس قاتل وأقوى بكثير من متعاطيها، فيستسلم لها أكثر فأكثر وتتمكن منه أكثر فأكثر، وينتهي لا محالة عليلاً في المصحّات، إن لم نقل إلى التدمير الشخصي فينتهي بالموت أو الانتحار، أي خسارة قصوى لا يمكن تعويضها.
֍ أشكال الانحراف الأخلاقي الصريح، وذروته الانحلال الخلقي من مثل انفلات الغرائز (كالانخراط في علاقات عابرة تكون قاتلة، أو في صداقات متسرعة نعرف لاحقاً خطورتها، أو في التحرشات والاعتداءات الجنسية الصريحة) يغذيها إعلام صوري سطحي متهتك وفالت من دون رادع عقلي أو ديني أو اجتماعي.
֍ أشكال الانحراف الاجتماعي الذي يتمثّل في التحلل من القيم المجتمعية السوية والانخراط في ممارسات وأنشطة مَرَضية خطيرة، مخالفة للعقل والدين والقانون كالاحتيال، وممارسة العنف، والانخراط في عصابات إجرامية، أو في عبادات مستوردة مشبوهة، أو في ممارسات أخرى غير مشروعة.

السهر في المقاهي والمطاعم والملاهي يعتبره الشباب معياراً للحداثة، ومن يتخلّف فهو خارج العصر.
السهر في المقاهي والمطاعم والملاهي يعتبره الشباب معياراً للحداثة، ومن يتخلّف فهو خارج العصر.

أماكن نشوء وتفاقم مظاهر الانحراف
سأختار بعض الأمكنة التي تنشأ فيها هذه المظاهر، أو تسمح، أو تدفع إلى تفاقمها، وقد اخترتها لننتبه لها، ولتكون في متناول أية مقاربة أو معالجة نسعى إليها، وهاكم بعض تلك الأمكنة:
֍ بعض الجامعات والصفوف العليا في مرحلة التعليم الثانوي، وحتى المرحلة المتوسطة، مع الأسف، وبخاصة تلك البعيدة عن المراقبة اللصيقة،
֍ بعض المقاهي والملاهي الليلية والمسابح والشاليهات وأمكنة اللهو غير الخاضعة للمراقبة، أو غير الشرعية أو القانونية في الأصل.
֍ بعض أماكن العمل، وبخاصة تلك الرخيصة، غير المراقبة، وحيث العمل فيها أقرب إلى الاستعباد الشخصي، حيث يحلو لصاحبه أن يستعبد العاملين والأصح العاملات عنده وكأنهن أملاك خاصة له.
֍ بعض أمكنة تلاقي الشباب: في بعض الملتقيات، في بعض المنازل، أو حتى في شلل الأحياء والقرى والزواريب، حيث يجري التعبير عن التمرد ضد التقاليد بطريقة سيئة، وحيث يجري التفلت من سلطة الوالد أو الوالدة ولكن مع تسليمها لرفقة السوء وأحياناً للشيطان نفسه.
֍ بعض الأمكنة الخاصة التي تزعم تعريف الشباب إلى تجارب بريئة جديدة وملذة إلى أن ينتهي الأمر بمريدها بعد جلستين أو ثلاث إلى ماخور لا يستطيع الشاب بسهولة التخلص منه، فيتمنى لو لم يدخله ولكن بعد فوات الآوان، لأن أساليب أصحاب هذه المواخير جهنمية ولا قبل للشباب البريء بمجاراتها.
֍ السجون والإصلاحيات التي تحوّلت، وبسبب من ظروفها غير الإنسانية، إلى مصنع لإنتاج وتخريج المرشحين ليكونوا منحرفين: يدخل الشاب هاوياً سيىء الحظ ليخرج بعد بضعة أشهر محترفاً.
֍ بعض المنازل أحياناً، مع الأسف، وبخاصة في حالات الوحدة أو العزلة الشديدة البعيدة عن حضور الأهل أو مراقبتهم. وهكذا يتحول منزل الأسرة الأقرب إلى الفرد مكاناً لتوليد المشكلات وتفاقمها والتغطية عليها، بدل أن يكون المكان الطبيعي والأول لحل مشكلات الشاب والشابة أو محاولة حلها على الأقل.
֍ وأخيراً أمكنة التلاقي الفرضي virtual meetings التي باتت تروّج على بعض مواقع الانترنت، بحيث يأتي الأمر من الانترنت أن إفعل كذا وكذا فيطيع المراهق من دون اعتراض، ولو بلغ الأمر حد تناوله المخدرات أو سواها! وبعضنا يعرف مباشرة حالات عدة حدث فيها مثل هذا الاستتباع الأعمى لمهووس مجهول يقيم لا ندري أين، لكننا نعرف تماماً أغراضه الإجرامية.

لعبة الحوت الأزرق ونظيرتها العربية مريم، يقال انها تسببت بالعديد من حالات الانتحار وسط المراهقين، حيث يأتي الأمر من الانترنت أن افعل كذا وكذا فيطيع المراهق من دون اعتراض، ولو بلغ الأمر حد تناوله المخدرات وصولاً الى قتل النفس.
لعبة الحوت الأزرق ونظيرتها العربية مريم، يقال انها تسببت بالعديد من حالات الانتحار وسط المراهقين، حيث يأتي الأمر من الانترنت أن افعل كذا وكذا فيطيع المراهق من دون اعتراض، ولو بلغ الأمر حد تناوله المخدرات وصولاً الى قتل النفس.

أسباب رئيسية مباشرة لحالات الانحراف المنتشرة
سأتحدث مباشرة ومن دون مقدمات عن الأسباب الاجتماعية الرئيسية التي تقف خلف معظم مظاهر الفساد والانحراف أعلاه، وهي برأيي كما يلي:
֍ عدم قيام معظم المؤسسات التعليمية (في الجامعات والثانويات تحديداً) بأي دور توجيهي، أو أخلاقي إيجابي، أو تربوي حقيقي. هي تكتفي بمجرد التعليم أو شكليات التعليم في الغالب من دون متابعة.
֍ الفلتان غير المسبوق في المواد الإباحية التي باتت تقدم في وسائل الإعلام، وبخاصة التلفزيون، في كل الأوقات ولكل الأعمار، ومع الباعة على الطرق، وعلى الهواتف، ناهيك بتجارها المحترفين.
֍ الفلتان الذي لا حد له في استقبال المواد الإباحية والتواصل السهل معها من دون أي رقيب عبر التقنيات الألكترونية والأقراص المدمجة والفيديوات المنتشرة في مقاهي الانترنت، أو حتى في المنازل وأماكن العمل.
֍ تلكؤ معظم الأسر عن القيام بأبسط واجباتها وحقوقها الشرعية والقانونية في متابعة سلوك أبنائها، وبخاصة ممن هم دون السن القانونية: من حيث السهر خارج المنزل لأوقات متأخرة، المبيت خارج البيت، ارتياد مقاهي الانترنت لفترات طويلة، نوع الصحبة أو الرفقة، نوع المواد التي يجري التواصل معها على أجهزة الكومبيوتر الخاصة، أو حتى المنزلية.
֍ استغلال بعض المجرمين المحترفين لواقع غياب أرباب أسر بعض المراهقين لفترة طويلة خارج المنزل، أو حتى خارج البلاد، بداعي العمل، وعجز ربّ الأسرة لسبب أو لآخر عن القيام بواجبات الرعاية والحماية الأسرية أو حتى تأمين ثمن الثياب التي يجب أن تتجدد باستمرار، ونفقات السهر في المطاعم والمقاهي، وصولاً إلى كلفة التغيير المستمر لأجهزة الخلوي وأنواع البرامج والكارتات المطلوبة لها، إلخ.
֍ استغلال بعض الفاسدين المجرمين لحاجة بعض الأفراد الواقعين تحت نفوذهم أو خدماتهم (وبخاصة من الإناث) المحتاجين أو المضطرين لخدماتهم، أو لحماية لقمة عيشهم، أو للنجاح في الامتحانات، وتحت زعم المساعدة في ديمومة العمل والنجاح والتقدم في هذا المجال أو ذاك، أو لتأمين متطلبات التواصل وسواها.
֍ فقدان التفاهم والتعقل والتوازن والتروي في العلاقة بين المراهق(ة) ووالديه(ا)، الأمر الذي يزيد من حدة كل المشكلات ويعقد من محاولات حلّها في الوقت المناسب وقبل أن تتفاقم وتصبح عصية على الحل.
֍ وأخيراً، مسؤولية عاداتنا التربوية البالية في المنزل والمدرسة، والتي تربّي المراهق على القبول المتسرع وغير النقدي لكل معرفة أو خبرة أو تجربة ترده، أو تقترح عليه، من دون التساؤل عن حقيقتها أو الغرض منها. وبعض السبب عائد مباشرة إلى عاداتنا وتقاليدنا الأبوية الاستبدادية التي تلغي في المراهق كل ثقة بالنفس أو استقلالية في الرأي فتجعله أو تجعلها لقمة سائغة سهلة في أول تجربة أو إغراء أو ضغط يتعرض أو تتعرض له.

انا اسمي مريم
انا اسمي مريم

أسباب أخرى غير مباشرة وبعضها:
֍ ضعف الصلة وأحياناً انقطاعها بين الشاب أو الشابة والوالدين (بسبب سوء الفهم كما أشرنا أعلاه، أو لأسباب متصلة بالسفر، أو الفقر أو الجهل أو المرض أو الإعاقة، أو لمشكلات أسرية، وما شابه).
֍ غياب مراكز التوجيه والنصح والرعاية المتخصصة عن المدارس والجامعات وأماكن العمل والأندية، بل وتحول بعض من يتوقع أنهم سيقومون بالنصح إلى عكس ما هو متوقع منهم.
֍ عجز التوجيه الديني الراهن، ولأسباب شتّى، عن أن يكون جاذباً للشباب والشابات، وهوتقصير يتحمل مسؤوليته رجال الدين قبل الشباب، إذ يتوجب أن يكون التبصّر والحُلُم واستيعاب الناشئة مهام مقدسة لهم.
֍ تراجع، بل غياب، التوعية السياسية أو الاجتماعية المسؤولة التي ترسخ ثقة الشاب في نفسه، وتهيئه لمسؤوليات القيادة في المجتمع، والتي كانت قوية في مجتمعاتنا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
֍ تراجع انخراط الشباب في التحركات الشبابية والنقابية والتي تعنى بالدفاع عن مصالحهم القطاعية أو الوطنية. كان الشباب في ما مضى وغالباً هم رافعة العمل النقابي والحزبي والسياسي والوطني، أما اليوم فهم لا يلعبون هذا الدور، ولا يملأ الفراغ عندهم غيرأنشطة هامشية، استهلاكية، وغالباً سلبية وضارة.
֍ تراجع دور الرياضة في حياة شبابنا عموماً، وعدم إنضمامهم إلى أندية رياضية وأنشطة رياضية جماعية ومنافسات بريئة محترمة، كالمسابقات، والمشي، والماراتون، ألخ. وهنا أسأل اين هي الدورات الرياضية التي كانت تجري أكثر من مرة في السنة الواحدة وفي كل منطقة؟
֍ تراجع مشاركة الشباب الاجتماعية في أنشطة مجتمعهم، وتزايد عزلتهم، وانكفائهم عن الانخراط أو حتى مجرد الحضور في مناسباته وأحداثه الحلوة، والمرّة، فيغدو المراهق شاباً وهو لا يحسن الدخول إلى مجتمع أو مخاطبة جماعة، أو حتى القدرة للجلوس ولو لبضع دقائق مع ضيوف أسرته.
֍ تراجع دور الثقافة في حياة شبابنا. فالشاب اليوم لا يقرأ كتاباً أو مجلة ثقافية (وبحجة الانترنت)، وإذا قرأ فمجلات ومواد لا تقدم له التحصين الثقافي والأخلاقي ضد الفساد، بل تزيد منه أحياناً.
֍ جهل القيّمين عموماً بحاجات الشباب المتغيّرة، وباهتماماتهم المستجدة، حتى في المدارس والجامعات ومراكز الخدمة الاجتماعية، وتطبيق مداخل معرفية قديمة ومستهلكة على واقع شبابي جديد بمطالب جديدة مختلفة حتى عن مطالب جيل آبائهم وأمهاتهم ناهيك عمن هم أكبر سنّاً.
֍ إنسداد أفق التقدم والترقي الشخصي والاجتماعي أمام الشاب أو الشابة في الجامعة أو مركز العمل أو الحياة عموماً، بفعل اصطفاف اجتماعي طبقي أو طائفي يجعل مجرد دخول الشاب إلى سوق العمل مرهونة بموافقة هذا الحزب أو ذلك الزعيم أو تلك الطائفة، أو بسلطة من يملكون المال والمؤسسات، وهذه جميعاً تشعر قطاع الشباب الشفاف بالقنوط حتى القيء.
֍ ظروف الاضطراب السياسي والأمني التي تمر بها البلاد، وتراخي تطبيق القانون، أمران تركا في الشباب انعكاسات ونتائج نفسية خطيرة، أهمها الإحباط، الضياع، القلق على الحاضر، والخوف من المستقبل، وأكثر من ذلك فقدان الثقة بـ “الكبار”، أكانوا في البيت أو الحي أو الدولة باعتبارهم في أحسن الحالات “فاشلين”، وفي أسوئها نموذجاً فاسداً لا يحق له إسداء النصح لأحد.
֍ سقوط الكثير منهم فرائس للتفكير المتطرف غير العقلاني، أكان في شكل دعوات دينية أو طائفية أو اجتماعية مشبوهة.
֍ الاهمال غير المفهوم وغير المبرر من قبل الأسرة والمجتمع لدور عامل الدين أو الوازع الديني في النهي عن الشر والانحرافات، والحث على أعمال الخير والسلوك الحسن – وبخاصة في فترة الفتوة أو المراهقة المبكرة.
֍ وأخيراً، وربما أولاً وقبل كل شيء آخر، البطالة الصريحة الكاملة التي تجعل رأس صاحبها مصنعاً للشيطان، ويغدو فرضياً بتصرف كل العروض أو الإغراءات الشريرة – لقد بيّنتُ في دراسة اجتماعية سابقة لي أن من أصل أكثر من 30 ألف شاب وشابة يدخلون سنوياً سن العمل لا يدخل منهم سوق العمل أكثر من 7000 شاب، فيما يقبع الباقون في البطالة الصريحة أو المقنعة، بينما يتاح لقلة منهم أن تجد رزقها في المهاجر وفي ظروف بالغة القسوة.
وبالنتيجة، ومع غياب أي وعي شخصي كافٍ، وأي وازع ديني أو عقلي أو سياسي أو قانوني، بات مجتمعنا الشبابي مع الأسف تحت هيمنة ثقافة قريبة من الفساد أو الانحراف، تقرّب وترغّب في ما هو فاسد وشرير وحرام؛ وبات معظم ما هو رائج من إعلام ومن أمثلة وقيم سطحية يعتبر الدعوة إلى الخير والأعمال الصالحة والحلال والاعتدال ضرباً من الماضي بل دليل تخلف عن مجاراة العصر. لقد بات في وسع (العملة الفاسدة) في مجتمعنا الشبابي الراهن أن تطرد (العملة الصالحة) مع الأسف، بدل أن يحدث العكس.

تعاطي المخدرات بأشكالها ودرجاتها المختلفة تتحول سريعاً إلى وحش مفترس قاتل
تعاطي المخدرات بأشكالها ودرجاتها المختلفة تتحول سريعاً إلى وحش مفترس قاتل

 

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” ثالثاً – ما العمل؟ ما الحلّ؟” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

إذا أردنا معالجة صحيحة للمشكلات أعلاه، فالمطلوب مقاربة منهجية جديدة في معالجة هذه الإشكاليات
من هنا يجب أن تبدأ المعالجات إذا شئنا ألاّ نفقد هذا الشاب، أي أن لا تفقده أسرته، ولا يفقده مجتمعه، وألاّ يفقدُ هو نفسَه أولاً وأخيراً.
فمن منّا، أو منْ من أهله، ومدرّسيه، ومسؤولي مجتمعه، يسمعُ حقاً شكوى هذا الشاب، بل صراخه؟
ومنْ من هؤلاء يتفهّم حقاً الظروف النفسية العاصفة التي يمرّ بها؟
ومنْ من هؤلاء، أخيراً، يبادرُ إلى البحث عن المعالجات الصحيحة، وبالوسائل الصحيحة، إذ لا قيمة ولا جدوى من أية معالجات إذا لم تكن الأدوات والوسائل التي نعالجُ بواسطتها أدوات ووسائل متكاملة، ثاقبة، متفهمة، صبورة، صديقة، ومُحِبة أولاً وأخيراً.
إذا كانت المحبة الصادقة هي التي تدفع معالجاتنا وتحرّكها وترشدها فالنتائج المرجوة هي في متناول اليد.
أما إذا كان الجهل، والضغينة، وروح الانتقام، والتشفّي، هي الدوافع الحقيقية لمعالجاتنا المزعومة، فبئس المعالجات تلك، وهي في النتيجة ليس فقط لن تنجح بل ستفاقم الأمور إلى ما هو أكثر سوءاً وفساداً.
يجب البحث، إذاً، عن المعالج الصحيح قبل الكلام على نوع المعالجة.
المهم إذاً، وقبل الحديث على النتائج، طريقة المعالجة أو العلاج.
هناك ما يكفي من الإشارات للاستنتاج أن أنواع المقاربات القديمة للموضوع قد فشلت، ويجب البحث بالتالي عن مقاربات جديدة بمواصفات واساليب جديدة.
ما يجب الإشارة إليه أولاً هو أن العلاج وإن بدا من نفس نوع المرض أي من المادة التي تتسبب بالمرض فقد بات من الصعب الحديث عن علاج “تخصصي” لمرض أو إشكال اجتماعي. وعلى ذلك فإذا كان المرض نفسياً، فالعلاج يجب أن يكون نفسياً/اجتماعياً، وإذا كان اجتماعياً، فالعلاج يكون اجتماعياً/اقتصادياً، وإذا كان اقتصادياً فالعلاج يكون اقتصادياً /سياسياً، وأحياناً أكثر من ذلك وذلك لتشعب وتعقيد المشكلات المعاصرة وتداخلها.
الأمر الثاني الذي نشير إليه هو أن الحلول التامة أمر شبه مستحيل في الحقلين النفسي والاجتماعي، وأقصى المتاح معالجات مركّبة، مرنة، نسبية، كمدخل لبناء أو استعادة ثقة الشاب بنفسه.
ذلك هو مربط الفرس والمدخل لكل علاج حقيقي ونهائي: استعادة ثقة الشاب بنفسه وتعزيزها. ومن دون ذلك لا قيمة لأية مقاربة أو معالجة.
باختصار، نلفت النظر إلى بعض مفاتيح المعالجات، التي يجب البدء بها، وهي:
أسرية، تتولاها الأسرة إذا كانت واعية ومدركة لمسؤولياتها،
تربوية، تجري في الإطار المدرسي والجامعي على أيدي مرشدين تربويين وأخصائيين تربويين،
مجتمعية، تجري في أو من خلال مراكز إرشاد وتوجيه اجتماعيين ويتولاها فريق متخصص من المعالجات والمعالجين الاجتماعيين المتخصصين في طرق التواصل مع الشباب، وفي تنظيم أنشطة لهم كالمخيمات الكشفية ومخيمات العمل الاجتماعي الطوعي، والانخراط في أعمال خير وإغاثة للمحتاجين.
اقتصادية، وهو جزء جوهري من كل معالجة وبدونه تستحيل المعالجات الأخرى، ويتضمن مصادر استقرار واستقلال اقتصاديين للشاب أو الشابة. هذا الموضوع حساس جداً، وهو مدخل ليشعر الشاب أو الشابة بالرضا عن الذات وعن المجتمع. وما دام الشاب أو الشابة مضطراً للاعتماد على أسرته لإعالته وتأمين نفقاته اليومية لفترة طويلة فسيظل ذلك موضع قلق وتوتر دائم. ونقترح في هذا المجال فتح اعتمادات مالية صغيرة للشباب تشعرهم بالاستقرار والاستقلالية وتساعدهم في التدرب على تدبّر العيش في مجتمع مكلف. ويجب أن يكفل هذه الحسابات والقروض وقفيات أو تبرعات أو تسهيلات من الدولة، بحيث لا تتحول كما هو الحال اليوم إلى وسيلة اصطياد للشاب ومن ثم ملاحقته حتى في القضاء.
سياسية، بحيث يجري استحداث تعديلات في النظام السياسي اللبناني المقفل، فلا يعود مقفلاً على مشاركات الشباب “الحقيقية”. يجب أن تعني ديمقراطية النظام، بين ما تعنيه، قابلية التعبير عن مواقف الشباب، بل وقدرتهم على التغيير (وأحد أدواته حق ابن أل 18 سنة بالاقتراع). الديمقراطية لها الآن تعريف أفضل وهي المشاركة، فإذا عجز النظام عن”جرّ” الشباب إلى المشاركة الحقيقية فكيف يكون ديمقراطياً؟ يجب أن يحضر الشباب في المؤسسات السياسية وعلى الأنظمة أن تشجع وتحمي هذا الحضور بل وتدرّب عليه. لكن شيئاً من ذلك غير موجود في النظام السياسي اللبناني الراهن الذي هو نظام زعاماتي/طائفي/طبقي في آن معاً طارد للمشاركة السياسية كما للعدالة الاجتماعية.

فلتان لا حد له في استقبال المواد الإباحية من دون أي رقيب
فلتان لا حد له في استقبال المواد الإباحية من دون أي رقيب

دينية/أخلاقية، نعم، فالديني الأخلاقي له دور بارز في التنشئة السويّة للطفل واليافع، في البيت والحي والمدرسة والمجتمع عموماً. ولا يبدو أن الذين شطبوا الديني من قاموس حياتهم باتوا أسعد حالاً ممن لا يزال الديني موجوداً في حساباتهم وفي حياتهم. يجب وضع الديني العقائدي الميتافيزيقي جانباً في التعامل مع الإشكاليات الاجتماعية والتركيز بدلاً من ذلك على المشترك الديني/الأخلاقي وهو هائل تتفق فيه كل الديانات ويمكن تحويله إلى زاد شخصي ونفسي وأخلاقي للشاب وهو يعبر المسالك الوعرة ويكون بأمس الحاجة إلى سراج بل إلى بصيص أمل. إن إعادة دمج الديني/الأخلاقي في سلة التربية المنزلية والمدرسية أمر ينتج عنه الكثير من الاستقرار النفسي والأمل والثقة بالنفس والمستقبل. وسبق للفيلسوف اللبناني كمال جنبلاط أن اقترح في الستينيات إدخال مادة التربية الدينية المشتركة في برامج المرحلتين المتوسطة والثانوية كمادة إلزامية موحدة لكل طلاب لبنان وفي المدارس الرسمية والخاصة معاً.
ولكن ما دور الديانات هنا؟ ولماذا لم تستطع جميعها ردع الإنسان، في كل الأمكنة والأزمنة، عن ارتكاب المفاسد والشرور؟ لماذا تبدو الديانات عاجزة ولا حول لها حيال مسألة الشر؟
الجواب البسيط هو أن الديانات لم تفشل كلياً، لكنها، ويجب أن يعترف ممثلوها، لم تستطع أن تحقق الكثير على صعيد اجتثاث الشر من قلب الإنسان وسلوكه، ومن المجتمعات، والعالم عموماً.
ونستنتج من ذلك أن الأديان، وهي لا تدعو إلا إلى الخير، عاجزة وحدها أن تحقق مطلب اجتثاث الشر ودفع الانسان والمجتمع نحو الطريق السوي أو الخير. وهي إذاً بحاجة أولاً إلى الأدوات الاجتماعية كطريقة في التعرف إلى مظاهر الفساد والانحراف، ثم في مقاربة هذه المظاهر، ومحاولة معالجتها بالتالي.
وعلى ذلك فالديانات، وبخاصة الكبرى منها، بحاجة لأن تعترف بأمرين متلازمين: الأول، أن المشكلات الاجتماعية هي اجتماعية في طبيعتها، في أسبابها، ومظاهرها، ويجب أن تكون كذلك في معالجاتها، أي إدخال الاجتماعي في قلب الديني أو إلى جانب الديني، وإلا فستبقى الديانات تتحدث عن السماء بينما المشكلات هي على الأرض. والثاني، الاعتراف بحرية الإنسان في اختياره لأعماله ولنوع حياته، فبدون الحرية لا تكون مسؤولية. وحين ننفي مسؤولية الإنسان فكأننا بذلك نعيد مسألة الشر إلى الله، وهذا ما يتنافى وطبيعة الله كخير مطلق.
هذه، باختصار، بعض المفاتيح أو المداخل لمعالجة متكاملة لمشكلات الشباب اللبناني الخطيرة. وتبقى طريقة المقاربة أو المنهجية المستخدمة. وهنا ألفت النظر إلى عدّة ملاحظات:
يجب أن تدعّم كل مقاربة أو معالجة بطرق علمية معروفة في جمع الوقائع والاحصائيات والبيانات والحالات موضوع البحث، وفي قراءتها وتحليلها بطريقة موضوعية.
بعد جمع المعطيات، يجب مقاربة مشكلات الشباب بروح التفهّم المتبادل لا التشفي، وبتبادل الأراء واقتراحها لا بفرضها، فما من رأي مقدس لا يناقش، وما من رأي صحيح سلفاً وقبل النقاش.
والطريقة الصحيحة أو المنهج العلمي في حل المشكلات إنما يقوم على التفاوض، لا على فرض الرأي بقوة السلطة التي أملكها. والتفاوض يعني الاحترام والمساواة بين الفريقين من دون فوقية أو استبداد أو تعسّف.
يجب أن يتدرب الشباب في المدارس وورش النقاش والمخيمات الكشفية والتطوعية والحلقات التثقيفية على كيفية طرح المشكلات، وبلورة الأراء المختلفة حيالها، ومناقشة كل الأراء على قدم المساواة، وعدم استبعاد أي رأي، أو رأي أي شخص. فالحقيقة لا تقيم في رأي واحد دون سواه، أو عند شخص معيّن مهما بلغت سلطته. الحقيقة تُكتشف وتُؤخذ وتبنى بالاستناد إلى كل الآراء والمواقف والمشتركين في البحث عن الحقيقة.
وتبقى كلمة أخيرة فيما خص النقد الذي يمارسه الشباب.
إن نقد شباب اليوم للسلطة الأبوية الاستبدادية نقد في محله تماماً. وكذا نقدهم للمعرفة الاجتماعية التقليدية التي لا تزال تقدّم لهم حتى الآن. من حق الشاب أن يمارس هذا النقد علناً ومن دون مواربة.
ولكن من واجبات هذا الشاب أيضاَ أن يمارس نقداً ذاتياً أيضاً لممارساته هو نفسه، ولردود أفعاله، ليتبيّن فيها الغث من السمين، ما الذي ينفع وما الذي لا ينفع.
كذلك من حق شباب اليوم الإقبال على الحياة، وأن يعيشوا العصر، وأن يطلبوا الفرح والسعادة. هذا أمر طبيعي ومتوقع. ولكن يجب أن يدرك الشباب أن الإفراط في أية متعة يقوّض المتعة نفسها، والمبالغة في أي مطلب تنتهي بخسارة المطلب نفسه.
البديل الصحيح هو الاعتدال، الاعتدال في كل شيء. الاعتدال هو الذي يجلب السعادة، ويحافظ عليها، ويضمن ديمومتها. الاعتدال أو “الوسط الذهبي” في كل شيء هو الذي يؤمن المتعة والسعادة والفرح لأطول مدة ممكنة. وكما قيل إن فضيلة الشجاعة هي الوسط بين الجبن والتهور، والكرم هو الوسط بين البخل والتبذير، كذلك المتعة أو السعادة هي الوسط بين التفريط والإفراط، فالتفريط لا يتضمن مكاناً للمتعة والعادة كذلك الإفراط يقضي عليهما بالمبالغات غير الصحية وغير الضرورية.
معظم النقد الذي يرفعه الشباب في مواجهة المجتمع نقد محق، ولكن نقد الشباب يجب أن يكون موضوعياً، ويجب أن ينتقدوا أنفسهم أيضاً حين يكون ذلك ضرورياً. فالحقيقة لا تقوم على ضفة واحدة، أو في جهة واحدة، وإنما هي على الضفتين وفي الجهتين. ومن هذا المبدأ يجب الاعتراف بالتقصير الحاصل حيال شبابنا، ويجب الاعتراف أيضاً بالتقصير الحاصل من جهة الشباب أنفسهم – وبخاصة شباب الجيل هذا.

خاتمة
إن مقاومة الشباب المشروعة للأخطاء لا تكون بارتكابهم لأخطاء جديدة. والتمرد الحق على الاستبعاد والتهميش لا يكون من خلال ردود أفعال متسرعة هي أقرب إلى تدمير للذات وليس إغناء لها. وهي لا تكون كذلك من خلال ممارسات عبثية دخيلة على ثقافتنا ولا تقود إلا إلى الجنون والانتحار والموت. بهذه الممارسات نحن نضعف قضيتنا، ونخسر مشروعيتها، بل وندخِل الوهن والضعف إلى أنفسنا وندخل في طريق مسدود لا نكتشف خطورته إلا بعد فوات الآوان.
يجب أن يخرج الشباب من أنانيتهم الفردية الغالبة اليوم على معظم اشكال سلوكهم ومواقفهم، ويجب أن يشتركوا في أعمال غيرية إنسانية تطوعية من دون أجر، وهو ما يسمح لهم أن يكتشفوا لذة الإحسان وعمل الخير ومشاركة المحتاجين الآمهم واحتياجاتهم.
ويجب أن ينخرطوا في معركة القطاعات الواسعة من الشعب صاحب المصلحة في تغيير هذا النظام السياسي المتعفن. إن جزءاً كبيراً من أشكال الفساد والانحراف المتفاقمة التي نراها وننتقدها عند شباب وشابات اليوم إنما هي من صنع هذا النظام السياسي ومرجعياته الإعلامية والإعلانية والتجارية الاحتكارية الكبرى المقيمة في الخارج غالباً، والتي تروّج للفساد بين الشباب، تدعو إليه سرّاً وعلانية، وتموّله، والهدف واحد: تدمير شخصيتنا الوطنية، واعتزازنا بقيمنأ، والترويج لبضائعها الرديئة وثقافتها الخطرة وعلى حساب الإنسان وقيمه وتراثه. قد لا تكون العولمة التجارية الاستهلاكية المسيطرة على كل شيء في عالم اليوم شرّا بالكامل، فلها ربما إيجابياتها، لكنها بالتأكيد ليست كواراً من عسل. هي على العكس تدس السمّ في العسل. هي تقدم من التقنيات والمواد ما هو رخيص ومغرٍ وجذاب، ولكن على حساب شخصيتنا الوطنية وثقافتنا واعتزازنا بأنفسنا وتاريخنا وقيمنا. هي تفرض ثقافتها علينا بالقوة تحت زعم الانفتاح، من دون أن تبادلنا بالمقابل الاحترام لثقافتنا أو لخصوصياتنا. فهل نستسلم لما يخطط لنا ونقبل به صاغرين ومن دون نقد أو مساءلة؟
بعض ما يخطط لنا هو أن نكون مستهلكين فقط لفضلات الغرب والغربيين، من طعام ولباس وموسيقى وأفكار مجنونة، وأن لا نكون أبداً منتجين، علماً او صناعة أو أدباً أو فناً أو ثقافة! فهل نقبل ذلك على علاّته من دون التفكير في الهوة السحيقة التي يجري دفع شبابنا وشعبنا إليها؟
يجب أن لا يخسر الشباب قضيتهم ومعركتهم، وإذا خسروها، لا سمح الله، فمستقبل مجتمعنا هو الخاسر الأكبر. كيف لا وهم مادة المجتمع الأساسية (40% من السكان)، وهم روحه المتحفّز، وحاضره الحلو، وأمله في المستقبل.
وكي لا يخسر الشباب ويخسر المجتمع القضية الواحدة المحقة، على الشباب أن يدرك:
إن الانفتاح ضروري ولكن من دون أن نخسر هويتنا.
إن التواصل مع الآخر الغربي ضروري، ولكن التواصل يكون على خطين لا في خط واحد: أي نأخذ منه ويأخذ منا كذلك.
والمعاصرة مهمة ولكن الأصالة مهمة أيضاً. وجيل الشباب ينجح أعظم النجاح حين يتمكن من امتلاك الميزتين معاً: المعاصرة والأصالة في آن معاً!
ولعمري فالشباب اللبناني الراهن – مثله مثل الشباب العربي المعاصر الذي أذهل العالم – يمتلك من الذكاء والثقافة والإقدام ما يسمح له بتحقيق النقلة الكبرى بل الانتفاضة الكبرى التي ننتظرها، لا لمصلحة الشباب فقط وإنما لمصلحة المجتمع والوطن ككل.
والمدخل إلى ذلك كله هو ثقة شبابنا وشاباتنا بأنفسهم، فلا نضيّعنها مجّاناً، لإغراء من هنا نستسلم له، أو لظرف ضاغط من هناك نخضع له بتسرّع غير مبرر. فلنمتلك الحسّ النقدي الموضوعي للآخر، كما لأنفسنا، سواء بسواء.
باختصار، دعونا لا نقبل أي شيء يفرض علينا، أو حتى يقترح علينا، من دون تفكير وفحص ومساءلة. ولنمتلك في كل الظروف الثقة بأنفسنا، وبقدرتنا على مواجهة المشكلات والتحديات المعاصرة، وذلك من خلال:
1- امتلاك شرطي التعلّم والتدرّب المناسبين الضروريين للدخول إلى أسواق العمل الحديثة،
2- امتلاك روح التواصل الإيجابي مع الآخر، فذلك أفضل بكثير من المواقف السلبية،
3- وأخيراً، امتلاك التفكير العقلاني الهادئ والمنظّم، مع الشجاعة على نقد الذات والاعتراف بأخطائنا، تماماً كما ننتقد الآخرين ونحصي أخطاءهم أيضاً.

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

مؤسسة العرفان التوحيدية منارة علم، ومشعال هداية، ورسالة تربوية، اجتماعية، دينية، صحية، ثقافية، إنسانية

الإضاءة على مؤسسة العرفان التوحيدية تختزل الحالة الاجتماعية لطائفة الموحدين الدروز بعاداتهم وتقاليدهم وإنتمائهم الوطني الذي يرتقي إلى أسمى القيم في العزة والإباء في الذود عن الأرض والعرض. فالموحدون الدروز عرب أقحاح وأصحاب نخوة، وأهل فضيلة وشرف وكرامة. من هذه القيم المثلى تأسست العرفان لتكون المدرسة والحاضنة للأجيال الصاعدة تسهر على تعليمهم ورعايتهم وتثقيفهم حتى بلوغهم الدرجات العليا من المعرفة والرقي.
ومن نافل القول ملاحظة رضى المجتمع التوحيدي عن المسار التربوي والوطني والأخلاقي التي تسلكه مؤسسة العرفان بشخص رئيسها فضيلة الشيخ علي زين الدين الذي واكب إنطلاقتها من خطواتها الأولى إلى ما وصلت إليه اليوم من العزة والسؤدد، يعاونه في ذلك مديرها العام والعين الساهرة على تطورها ورقيها فضيلة الشيخ نزيه رافع، وأمين عام مدارس العرفان الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، ولفيف من المشايخ الأفاضل، وعشرات المعلمين والمعلمات والإداريين المشهود لهم بالخبرة والإلتزام بمسيرة هذه المؤسسة، التي تحظى باهتمام بالغ من رئيس الحزب الإشتراكي معالي الأستاذ وليد بيك جنبلاط الذي حرص طيلة تمرّسه العمل السياسي على توفير كل الدعم المادي والمعنوي لها، ولم يتأخر عن حضور مهرجاناتها والإشراف شخصياً على توزيع الشهادات على الطلاب الفائزين والمتفوقين، وكما حملً مؤخراً نجله النائب الواعد تيمور بيك كوفية فلسطين، أوصاه أيضاً بالعرفان، تلك الغرسة التي باركها والده المعلم الشهيد كمال جنبلاط والمغفور له المرحوم الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين طيب الله ثراه منذ نيف وأربعة عقود.
فبين أحضان الطبيعة وفي قلب الجبل.. في السهل الذي شكل عبر التاريخ نقطة إلتقاء وتحول في تاريخ الإمارتين المعنية والشهابية وصولاً إلى ولادة الكيان اللبناني، الذي نفيء ظله، وعلى بعد بضعة كيلومترات من محمية أرز الشوف الخالد، وبالقرب من المختارة قلعة العروبة وعرين القادة الوطنيين، ومن وحي وشفاعة الأولياء الأطهار المخلدين، الراقدة أجسادهم بين حبيبات الرمل الذي استحال تبراً في الباروك وبعقلين، وغدت أرواحهم شفاعة لأهل الجبل أجمعين.
هنا في سهل السمقانية تتربع مؤسسة العرفان التوحيدية بمدرستها وثانويتها ومستشفاها وأعلامها المخمسة الألوان تخفق فوق صروحها الثلاثة، أبت إلا أن تفرّخ صروحاً مماثلة في راشيا وحاصبيا والبساتين وصوفر.
وبناء عليه، تستمر العرفان رسالة واضحة ثابتة، شاملة. حروفها نسخت بخيوط المحبة والعلم والتوحيد. كلماتها صيغت بمداد القلوب ونور العقول. رسالة الأجداد والآباء للأبناء والأحفاد.
رسالة العرفان… صفحات الأجيال وكتاب المستقبل… وجدت لتبقى وبقيت لتستمر، في نهجها التوحيدي والعلمي… وفي رسالتها التربوية، الاجتماعية، الصحية، الثقافية والدينية…
لقد أراد مشايخنا الأفاضل العرفان غرسة خير ودار حكمة ومعرفة من إيمان، فكان لتوجههم الأثر البالغ في بدء مسيرة العطاء والعمل الدؤوب، والتقى آنذاك التوجه الخيّر للمؤسسة بتوجه مماثل لدى القائد الكبير كمال جنبلاط الذي منحه الدعم والمساندة يقيناً منه بأنّ الإصلاح المنشود والنهضة المرجوة على صعيد المجتمع التوحيدي وعلى صعيد الوطن كله، لا يتمان إلا بسلوك نهج تربوي صالح في مواجهة هذا الإنهاك الحضاري المضطرب
وبعد افتتاح المدرسة الأم في السمقانية توالت خطوات العرفان في مناطق عدة، وكان كل ذلك بتصميم أكيد من هيئة المؤسسة، وبمساهمة فعالة من أصدقاء وأخوان ومؤسسات دولية ومحلية وبدعم أساسي من الأستاذ وليد جنبلاط الذي ما زال يؤكد بأن العرفان يجب أن تستمر وتنتشر لتؤدي خدمة أساسية ووطنية ولتكون بنهجها وإنفتاحها الرد المناسب على كل تساؤل أو إدعاء ولتكون أمل المجتمع في الدفاع عن المبادىء وصون التراث وترسيخ معاني الإنسانية في هذه الأمة.

، التي زارت مؤسسة العرفان التوحيدية لأكثر من مرة، والتقت القيمين عليها على كافة مستوياتهم ومسؤولياتهم لإنجاز هذا التحقيق، لمست بكل وضوح وشفافية جميع الموظفين والعاملين في كنفها ومدى حرصهم على القيام بواجباتهم تجاه مؤسستهم على أكمل وجه، وخلصت من ثمة إلى الحقائق التالية:
֍ مؤسسة العرفان ذات منفعة عامة مجالاتها التربية والتعليم، والرعاية الاجتماعية والطبابة، والدعم الاجتماعي والتنمية.
֍ أنشئت مؤسسة العرفان التوحيدية عام 1971 بموجب العلم والخبر رقم 483- أد 1971 بتاريخ 15 – 11 – 1971 وكان القصد من تأسيسها المساهمة في نشر العلم والثقافة وترسيخ قواعد الأخلاق والفضائل في المجتمع، إضافة إلى إنماء المجتمع اللبناني وقراه ومناطقه الواقعة خارج المدن، حيث كانت تلك المناطق تفتقد لأهم الخدمات الإنسانية كالتعليم والطبابة، وف مقدمتها مناطق جبل لبنان والبقاع الغربي وراشيا وحاصبيا في جنوب لبنان.
֍ وقد رعت تأسيس العرفان هيئة من رجال الدين الموحدين الدروز في منطقة الشوف من جبل لبنان، بتوجيه ومباركة الهيئة الروحية، وبدعم من رجل الفكر والعرفان والقيادة وعلى رأسهم الشهيد كمال جنبلاط حيث تلاقت أفكار المؤسسين مع فكره العرفاني ورؤيته الإنسانية الثاقبة.
֍ تشرف على إدارة المؤسسة وتتولى أمرها هيئتان عامة وإدارية، تضعان نصب أعينهما واجب خدمة الإنسان والمجتمع تحقيقاً لأهداف العرفان التربوية والاجتماعية والدينية..
֍ انطلقت مؤسسة العرفان التوحيدية كمؤسسة خيرية بهدف رعاية الأجيال وتربيتها وإقامة نهضة علمية في المجتمع، وللمساهمة في وضع أسس لمشاريع خدماتية تعني بالمواطن المحتاج والفقير وتقدم الخدمات التعليمية والطبية والإغاثة الاجتماعية دون تفرقة او تمييز.
֍ ترّكز نشاط المؤسسة الأساسي منذ تأسيسها، في مجالات التربية والتعليم ثم توسع ليشمل الرعاية والطبابة، ومن أجل ذلك أنشأت المؤسسة عدداً من المدارس في مناطق الشوف وعاليه والمتن والبقاع الغربي وحاصبيا وغيرها ومركزاً طبياً في منطقة الشوف يواكب النهضة الصحية ويؤدي قسطاً من الخدمات الطبية المقدمة، إضافة إلى مركز الرعاية الاجتماعية للعناية بالأيتام وذوي الحاجات الاجتماعية الصعبة. كما ساهمت المؤسسة وما زالت ببرنامج الدعم الاجتماعي والتنمية في مناطق تواجدها. خصوصاً في الفترات العصيبة التي مرّت ويمكن أن تمر على البلاد وتستدعي دعم العائلات المحتاجة وتنمية قدرات المجتمع وإمكانياته.

مدرسة العرفان - فرع السمقانية
مدرسة العرفان – فرع السمقانية

مدارس العرفان – تطورها وانتشارها
كانت باكورة مؤسسة العرفان التوحيدية المدرسة الأولى في السمقانية التي تأسست عام 1973 وهي تستوعب طلاباً من حوالي خمسين قرية ومدينة في منطقة الشوف، وقد توسعت حديثاُ فأصبحت تضم مبنى جديداً لثانوية العرفان في السمقانية 1993، ثم مدرسة العرفان في رويسات صوفر 1978 وتغطي عدة قرى في مناطق عاليه والجرد والمتن، ثم مدرسة العرفان في ظهر الأحمر- راشيا 1979 حيث تضم طلاباً من نحو عشرين قرية في تلك المنطقة البقاعية، وكذلك مدرسة العرفان في حاصبيا 1987، وقد أسست بناء على حاجة ملحّة أثناء احتلال الجنوب وتضم طلاباُ من عدة قرى في قضاء حاصبيا، عانى أبناؤها من قساوة العيش في الظروف الصعبة المحيطة بهم. وأخيراً مدرسة العرفان في البساتين وتأسست عام 1988 بعد إنتهاء الحرب الأهلية في الجبل وتستوعب قرى منطقة الغرب والشحار في قضاء عاليه.
وفي مدارس العرفان يتلقى العلم والتربية نحو خمسة آلاف طالب وطالبة، ينقص العدد أو يزيد حسب الظروف الاقتصادية وإمكانيات الاستيعاب، ويتوزع طلاب العرفان على المراكز الخمسة المذكورة، والتي تضم تسع مدارس مرخصة من وزاروة التربية، منها أربع مدارس خاصة- مجانية (باستثناء مدرسة العرفان البساتين) وخمس مدارس خاصة.

رسالة العرفان الدينية
تميزت المؤسسة بنشاطها الديني، من خلال تركيزها على التعليم الديني في مدارسها، وعلى إحياء التراث الديني، وقد أصدرت الدائرة الدينية عدداً من كتب التربية التوحيدية المرتكزة إلى كتاب الله العزيز، وإلى الأحاديث الشريفة، وسير وأقوال الأنبياء والصالحين وأولي الحكمة والتوحيد وأصحاب المسالك العرفانية السامية، وتسعى العرفان دائماً إلى توجيه أبنائها ومجتمعها للحفاظ على القيم الدينية والسلوكية مركزة على التواصل الثقافي والتربوي مع مجتمعها من خلال المنشورات والندوات الدينية وسواها.

مهرجان العرفان 1973
مهرجان العرفان 1973

العرفان رسالة اجتماعية
انطلاقاً من فريضة العلم والتعلم ومن واجب مساعدة المحتاج واليتيم التي يحض الدين والمجتمع عليها، رسمت مؤسسة العرفان التوحيدية لنفسها نهجاً واضح المعالم، وأهدت العلم للفقير قبل الغني، فحضنت العديد من من الأطفال والفتية والفتيات، أيتاماً ومحتاجين وأبناء شهداء ومعوقين وساندت المتفوقين والمميزين، وساهمت في مدارسها، بتأمين التعليم المتطور لهم ولسواهم من أبناء المجتمع من خلال تقديمها التعليم المجاني أو الشبه المجاني لآلاف الطلاب سنوياً ممن لايستطيعون تحمل عبء الأقساط المدرسية وكلفة التعليم.

مركز الرعاية الاجتماعية - عين وزين
مركز الرعاية الاجتماعية – عين وزين

رسالة العرفان الاجتماعية
لقد أولت المؤسسة اهتماماً خاصاً لموضوع الرعاية الاجتماعية، بتأمينها شروط الرعاية للطلاب من العناية والإيواء في مراكزها وخصوصاً في مركز العناية الاجتماعية في عين وزين – الشوف الذي أفتتح عام 2001.
وتتعاون المؤسسة في تحمل بعض التقديمات التربوية والرعائية مع وزارة التربية، ومع وزارة الشؤون الاجتماعية، وتأخذ على عاتقها تحمل الجزء الأكبر من هذه التقديمات.
إضافة إلى ذلك، فقد وفرت المؤسسة فرص العمل للعديد من الرجال والنساء والشباب في مجتمعها في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد ولا تزال تعاني من آثارها.
ويعمل في مدارس العرفان نحو خمسمئة معلم وموظف، إضافة إلى نحو مئة وخمسين يعملون في القطاع الصحي في مستشفى العرفان التابع للمؤسسة، وعدد آخر من العاملين في مختلف القطاعات الإدارية والمالية والتقنية والاجتماعية.

مركز العرفان الطبي - السمقانية
مركز العرفان الطبي – السمقانية

العرفان الصحية
قبل بداية الثمانينيّات، وبعد أن كانت العرفان قد بلغت عامها السابع في الحقل التربوي، وفي مواجهة النقص الحاد في الخدمات الصحية في مناطق الجبل، أطلقت العرفان مشروعها الصحي تلبية للحاجة الماسة للخدمات الصحية المتنوعة وخصوصاً خدمات الطوارىء وجرحى الحرب، وفي عام 1983 تحول مشروع العرفان الصحي من مجرد مركز طبي عادي إلى نظام صحي متكامل يضم مستشفى عام يقدم خدمات العلاج السريري الأساسية على أنواعها، والجراحات المختلفة ويقدم خدمات الطوارىء ليلاً نهاراً، بالإضافة إلى مستوصف رئيسي يستقبل المرضى الفقراء، ومرضى الحالات المزمنة ويقدم لهم الدواء والعناية اللازمة، من خلال فريق طبي وتمريضي وتقني متخصص.

رسالة العرفان الصحية
يقدم المستشفى العلاج السريري في مختلف أقسامه لحوالي 1000 مريض شهرياً، ويستقبل في عياداته ومختبراته وأقسام التشخيص فيه أكثر من أربعة آلاف حالة شهرياً، وذلك بالتعاون مع وزارة الصحة ومؤسسات الدولة الضامنة على اختلافها، لكن المشكلة التي تكمن في العجز المالي لتلك المؤسسات ترتد سلباً على نشاط المستشفى من ناحية اضطرار المؤسسة لحمل جزء كبير من نفقات تشغيل المستشفى ذاتياً، خاصة في مجال تأمين الدواء المزمن لكثير من المرضى العجزة أو الأطفال الذين يحتاجون لدواء دائم غير متوفر لدى الدولة ومؤسساتها، كما أن المؤسسة تتحمل نفقات إعادة تأهيل المستشفى وصيانة معداتها أو تحديثها بالتعاون مع المؤسسات والجهات الصديقة.

معهد العرفان للإعداد المهني
انطلاقاً من مبدأ التكامل التعليمي أطلقت مؤسسة العرفان التوحيدية في العام 2005 معهد العرفان للإعداد المهني والتكنولوجي
شهاداته:
التكميلية المهنية BP
البكالوريا الفنية BT
الأمتياز الفني TS
الدبلوم الخاص ST
يمنح المعهد شهادات مصدقة من وزارة التربية والتعليم العالي، ويقوم بالتنسيق المتكامل مع أهم الجامعات في لبنان، كما يتعاون المعهد تعاوناً فعالاً مع قطاع الأعمال لتأمين فرص مميزة لطلابنا بعد تخرجهم.

هيئة أصدقاء العرفان
حرصاً على صيانة المؤسسة واستمرار دورها الاجتماعي والتربوي والإنساني، كان لا بدّ من التفكير بإنشاء هيئة لأصدقاء العرفان بهدف مؤازرة المؤسسة ومساندتها معنوياً ومادياً، وقد شكلت هذه الهيئة كجمعية خيرية باسم “جمعية أصدقاء العرفان” علم وخبر رقم 149 أد تاريخ 22 – 12 – 2004 تضم نخبة كريمة من الأصدقاء القادرين على المساعدة والمساندة والمؤآزرة معنوياً ومادياً واجتماعياً، وهي تضم نخبة من الشخصيات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى لبنان كله برئاسة معالي الأستاذ وليد بيك جنبلاط.

هيئة أصدقاء العرفان
هيئة أصدقاء العرفان
ثانوية العرفان ومعهد العرفان للإعداد المهني والتكنولوجي
ثانوية العرفان ومعهد العرفان للإعداد المهني
والتكنولوجي

غاية وأهداف هيئة أصدقاء العرفان
֍ المساهمة في تحقيق أهداف مؤسسة العرفان التوحيدية، ومساندة عملها الثقافي والوطني لتستمر في كونها منبراً للثقافة والحوار الإيجابي في الوطن
֍ المساهمة في العمل الاجتماعي والإنساني لمؤسسة العرفان التوحيدية من خلال تأمين المنح المدرسية والمساعدات لطلاب وخريجي مدارس العرفان المتفوقين والمحتاجين
֍ الوقوف إلى جانب مؤسسة العرفان التوحيدية ودعمها في علاقتها مع المراجع الرسمية بما يؤدي إلى تطوير مواردها الناشئة عن عقود الدولة
֍ تدعيم علاقات مؤسسة العرفان التوحيدية مع المؤسسات الأهلية غير الرسمية ومع المؤسسات الدولية وذلك لمساعدة المؤسسة في تطوير وتحديث أبنيتها وتجهيزاتها وبرامجها.
المتحف التراثي العلمي
إضافة إلى نشاط المؤسسة ومجالات عملها المذكورة، أطلقت العرفان فكرة المتحف التراثي والعلمي عام 2000، وقد خصص له جناح في مبنى ثانوية العرفان – السمقانية وافتتح رسمياً في صيف 2001 ويتم العمل فيه من قبل فنانين وأساتذة وطلاب موهوبين، بحيث أصبح يضم مجموعة مميزة من المجسمات واللوحات الفنية وسواها من الزوايا العلمية والتراثية، على أمل توسيع المتحف ونقله مستقبلاً إلى مركز ثقافي خاص مزمع إنشاؤه. ويضم المتحف حتى الآن مجسمات لشخصيات تاريخية خالدة منها الثقافية والأدبية والقيادية التي تصل الماضي بالحاضر والمستقبل أمثال المعلم الشهيد كمال جنبلاط والرئيس جمال عبد الناصر والماهاتما غاندي وسلطان باشا الأطرش والرئيس رفيق الحريري والأمير شكيب أرسلان والأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير، وميخائيل نعيمه وجبران خليل جبران ومارون عبود وسواهم ممن كان لهم حضور مشّرف في تاريخ الوطن والمنطقة العربية والعالم، إضافة إلى مجسمات لمراكز ومشاريع مختلفة وصور تحكي لبنان الحاضر والمستقبل، وأعمال فنية مبدعة، وذلك بإشراف الإدارة العامة للمؤسسة وبجهود فريق من الفنانين المبدعين. ويفتح المتحف أبوابه لزيارات محددة وقد حاز إعجاب زائريه ونال شهادات تقدير من معظم الشخصيات والزائرين الكرام.

إنجازات وأهداف
تضع المؤسسة في أولوياتها ضرورة تطوير برامجها التربوية والصحية والاجتماعية فنياً ومادياً، أفقياً وعامودياً وذلك بتركيزها على الطموحات المستقبلية والمشاريع التطويرية المقترحة وأهم هذه الأولويات:
֍ إنجاز المرحلة الثانوية في مدارس العرفان كافة لتحضن مئات الطلاب والطالبات الناجحين سنوياً في الشهادات المتوسطة
֍ التوسع نحو التعليم المهني والتقني في مناطق تواجد مدارس العرفان بحيث أصبح ضرورة لا يمكن تجاهلها مع تحول العلم في هذا العصر نحو التقنية وبالتالي توجيه الطلاب إلى المجالات المهنية المفيدة والمرتبطة بسوق العمل. وقد حصلت المؤسسة في نهاية 2005 على ترخيص للتعليم المهني من وزارة التربية.
֍ تحقيق حلم المجتمع والمؤسسة بافتتاح المرحلة الجامعية في العرفان، وخصوصاً في مركز المؤسسة الرئيسي في الشوف، كواجب وضرورة لاحتضان دراستهم الجامعية وتحمل جزء من هذا العبء الاجتماعي والمادي الكبير على ذويهم.
֍ إنجاز المشاريع المكملة للمدارس، خصوصاً تلك المتعلقة بالنشاطات المتعددة، الرياضية والثقافية والفنية، وما تتطلبه من تحديث القاعات واملاعب والمكتبات والمختبرات المتطورة.
֍ الاهتمام بالموضوع الثقافي من خلال إقامة مركز ثقافي ديني وتراثي وعلمي، للدراسات والتوعية والنشر، بهدف التواصل مع أبناء المجتمع المقيمين والمغتربين.

العلاقات الخارجية تفاعل دائم
وسبيل للتنمية والتطوير
انطلاقاً من سعيها الدؤوب لتطوير فروعها وخدماتها، ورغبة منها بالتعاون مع المصادر الصديقة التي ترغب بمؤازرتها في عملها الإنساني، نشطت العرفان بتوسيع دائرة صداقاتها مع مؤسسات ومراجع إنسانية تعمل في الحقل الإنساني أو تلك التي تنشط في المجالات التعاونية في الحقول التربوية والصحية، وأقامت المؤسسة علاقات ناشطة مع عدد غير قليل مع المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية، خاصة الأوروبية منها حيث أثمرت هذه العلاقات عدداً من المشاريع التنموية التي استفادت منها فروع المؤسسة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وتطول لائحة أصدقاء العرفان لتشمل مؤسسات ومراجع مثل الرؤيا العالمية في تايوان، ودوائر التعاون العلمي والتقني في اليابان والصين، وجهاد البناء الإسلامية الإيرانية، ثم إلى أوروبا وشمال أميركا حيث تعاونت العرفان مع دوائر العمل الإنساني والحكومي في المجموعة الأوروبية في بروكسل وفي المانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا. هذا بالإضافة إلى التعاون الذي قام أيضاً مع مؤسسات غير حكومية تعمل في الحقل الإنساني انطلاقاً من هذه الدول.
وتراوحت مشاريع التعاون هذه بين التقديمات العينية بناء على طلب المؤسسة وحاجتها في فروعها، وبين مشاريع إعادة إعمار وتأهيل لأبنية المؤسسة التعليمية والطبية، بالإضافة إلى تقديم عدد من المنح التي استفاد منها عدد كبير من الأطباء المهنيين في الحقول الطبية وعدد آخر من المعلمين في مدارس العرفان، وكان لهذه المنح دور كبير في تطوير مؤهلات وقدرات من استفادوا منها خلال السنوات الماضية.
ورغم أن الظروف الدولية ومتغيراتها الحاصلة خلال الأعوام الخمسة الماضية أثرت سلباً على إمكانات المنظمات غير الحكومية العاملة انطلاقاً من أوروبا وأميركا الشمالية وجنوب آسيا، لكن ذلك لم يزد إدارة المؤسسة إلا إصراراً على الاستمرار في التعاون مع أصدقائها الحاليين والبحث عن أصدقاء جدد يمكن أن تتحقق معهم أهداف مؤسسة العرفان الإنسانية السامية.

الصفُّ التفاعلي
إيماناً منها بضرورة مواكبة التطور التكنولوجي في خدمة العملية التربوية، قامت مدارس العرفان بدعم من جمعية أصدقاء العرفان بنقلة نوعية، حيث حولت الصفوف العادية إلى صفوف تفاعلية مستفيدة من أنظمة التعليم الحديثة الأولى في هذا المجال لتصبح من المدارس الرائدة التي تستخدم هذه الأنظمة في كل صفوفها التعليمية لجميع المراحل. ويوجد أكثر من 200 لوح تفاعلي في صفوف مدارس العرفان كافة.

مدير عام مدارس العرفان الشيخ نزيه رافع
مدير عام مدارس العرفان
الشيخ نزيه رافع
رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ علي زين الدين
رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ علي زين الدين

أقوال في المؤسسة

وإنما التربية التوحيدية تحول وصيرورة… فهذه النفوس الطرية البريئة المشبعة بعطر ربيع الحياة ونشوتها، والتي ترعونها في معهدكم، فتلبسون منها الأجساد بهذه الأثواب البسيطة المحتشمة وكأنها أشكال حية لأزهار جنة القلوب… هذه النفوس لأولادنا وإخواننا، هي التي تسعون لتحويلها من طور الكثافة الموروثة إلى طور اللطافة.

الشهيد كمال جنبلاط في حفل تدشين العرفان – السمقانية 1974

إن مدارس العرفان سدت فراغاً كبيراً لم يملأه غيرها وقامت بتعليم ناشئتنا، مركزة على المناقب الدرزية الحميدة، وعلى الأخلاق والفضيلة، مرسخة في نفوس أبنائنا مبادى التوحيد والشيم المعروفية.

من كلمة المغفور له الشيخ محمد أبوشقرا في احتفال العرفان 1978

العرفان شجرة طيبة راسخة في ارض المعروفيين، خدمت أجيالهم بالتربية والمعرفة والأخلاق. ونمت وكبُرت حتى كأنها قمة من قمم هذا الجبل.

من كلمة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن في احتفال العرفان عام 2016

العرفان والمعروف والمعرفة تنبع من منابع واحدة، ولقد جسدت مؤسسة العرفان بسلوكها هذه المعاني، وهذه الينابيع التي كانت تغرف منها.

وزير التربية الأستاذ جان عبيد في الإحتغال المركزي 1997

إن سيد المختارة القائد والمعلم كمال جنبلاط وأهل العرفان صححوا التاريخ فزرعوا تلك النبتة الكريمة الإخلاقية في هذه الدوحة، دوحة الأخلاق والعلم في السمقانية

من كلمة الأستاذ وليد جنبلاط في حفل تدشين قسم الكمبيوتر في مدرسة العرفان 11 – 1 – 1995

هكذا تبنى الأوطان ومؤسسة العرفان كانت ولا تزال وستبقى إن شاء الله تعالى في طليعة المؤسسات التي ترفع راية الوطن

معالي الأستاذ ميشال إده العرفان 2003

الموحّدون الدّروز في أستراليا

لجالية أبناء الموحّدين الدروز في أستراليا حضورٌ كبير ومؤثّر منذ أنْ وطأت قدما أول مهاجر من الطائفة تراب أستراليا قبل أكثر من قرن، وقد توسَّع انتشار أبناء الجالية في الولايات والمقاطعات الأسترالية المختلفة لا سيّما أديلايد وسيدني وملبورن حيث يتّسِمون بمشاركة فعّالة في جميع النواحي، الاقتصادية والصناعية والتجارية والسياسية والاجتماعية والعلمية.

وكما هو الحال في بلدان الاغتراب الأخرى هناك مُعتَمَدون لمشيخة العقل في أستراليا في خدمة أبناء طائفة الموحدين الدروز، ويتولّى الشيخ منير غرز الدين حالياً تمثيل مقام مشيخة العقل بتكليف من سماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ نعيم حسن.

مجلة “الضحى” تواصلت مع جاليات الموحّدين الدروز في هذه الولايات الرئيسية الثلاث، واستطلعت من مُعتَمد مشيخة العقل الشيخ منير غرز الدين، ورؤساء الرابطات في تلك الولايات الثلاث، الأساتذة الأفاضل أكرم أبو ذياب، وزاهي علامة، ونزار الحاج، شؤونَ وشجونَ ونشاطات ونجاحات أبناء جالية الموحّدين الدروز في تلك المغتربات، وسُبل تواصلهم مع الوطن الأم.

أديلايد ADELAIDE
معتمد مشيخة العقل الشيخ
منير غرز الدين
حفاظ على القيم المعروفية

كان لا بدّ بدايةً من استبيان كيف يجري تنظيم الأحوال الشخصية لأبناء الجالية في أستراليا من ناحية عقد الزواج، أو في حالات الطلاق، وتسجيل المواليد الجدد وغير ذلك من معاملات رئيسية، فبيَّنَ الشيخ منير غرز الدين أنّه منذ العام 2010، وبفضل جهودالمشايخ الأجلاء والأفاضل الكرام وعلى رأسهم الراحل الشيخ شكيب رشيد، صاحب الفضل الكبير، أصبحت طائفة الموحّدين الدروز معترفاً بها ومسجَّلة في الدولة الأسترالية، كطائفةٍ مستقلّة لها خصوصيتها وحيثياتها ومركزها على الصعيد الأسترالي كأحد أعمدة بناء هذه الدولة منذ أنْ قَدِمَ المهاجرون المعروفيون الأوائل. وكما شأن الطائفة المعروفية في لبنان، كذا أصبح وضع الطائفة في أستراليا، حيث تتعامل الدولة الأسترالية مع أبناء طائفة الموحّدين الدروز تماماً كما تتعامل معهم الدولة اللبنانية، إذ تُسجَّل جميع الوثائق والمعاملات، حتى الوصية منها، في الدولة الأسترالية، وقد واكبتُ شخصياً تحقيق هذا الإنجاز.
وأوضح قائلاً “بالنسبة إلى عقد الزواج بين أبناء الطائفة في أستراليا، فإنّنا كمُعتَمَدِين من قِبَل مشيخة العقل وبتفويضٍ من سماحة شيخ العقل نقوم باستقبال الخاطب والمخطوبة وذويهما لإجراء عقد الزواج ومن ثمّ القيام بالمقتضى الديني والاجتماعي وبعد ذلك يتم إرسال المعاملة إلى مكتب مشيخة العقل في دار طائفة الموحّدين الدروز في لبنان ليجري تسجيلها في سِجلّات الأحوال الشخصية”.

الشيخ منير غرزالدين أديلايد
الشيخ منير غرزالدين أديلايد

وكشف أنّ تكليف المُعتمد يتجدّد كلّ 3 أو 5 سنوات، وقد انتدبت مشيخة العقل أربعة معتَمدين في أديلايد، وثلاثة في سيدني، واثنَين في ملبورن، من ذوي الخُلُق التوحيدية والمسلك القويم والاطّلاع الكافي على الشعائر التوحيدية والقِيَم الدينية والأخلاقية. والعدد الأكبر هو في أديلايد نظراً إلى انتشار العدد الأكبر من المُغتربين الدروز هناك، فضلاً عن وجود مكتب مشيخة العقل حيث يقوم الشيخ غرز الدين بتمثيل سماحة الشيخ واستلام جميع المعاملات ذات الصلة ومن ثمّ يرسلها إلى مكتب مشيخة العقل في لبنان. وجديرٌ بالذكر أنّ عقد الزواج لأبناء طائفة الموحّدين يتم تسجيله في الدولة الأسترالية، ومن ثمّ يستلم الزوجان وثيقة الزواج بعد أسبوعٍ واحد أو أسبوعين من تاريخ العقد.
بالنسبة إلى الطلاق، أكد الشيخ غرز الدين “لا نقوم بأيّ إجراءات، حيث إنّنا كمُعتَمدين غير مكلّفين بمعاملات الطلاق في حال طُلِبَت منّا، إنّما نسعى إلى إصلاح ذات البَين بين الزوجين والتوفيق بينهما ما أمكنَ لنا ذلك، وفي حال تعذُّر الإصلاح فإنّ المتخاصمَين يُرسِلان معاملتهما إلى لبنان بتوكيلٍ مرفق إلى قريبٍ أو محامٍ”.
أمّا من ناحية تسجيل المواليد الجدد في الوطن، فعندما يُرزَق الزوجان بمولودٍ جديد يقومان بتسجيله في الدوائر الرسمية للدولة الأسترالية، ومن ثمّ تُرسَل وثيقة الولادة إلى القنصلية اللبنانية في أديلايد، مرفقة بوثيقة الزواج وإخراج القيد العائلي اللبناني. ومن هناك تُرسَل المعاملة إلى وزارة الخارجية اللبنانية ليتم تسجيل المولود الجديد في خانة الزوجين في الوطن.

الشيخ منير غرزالدين أديلايد ـ عمائم وبركة في أستراليا
الشيخ منير غرزالدين أديلايد ـ عمائم وبركة في أستراليا

ولفتَ الشيخ غرز الدين إلى دور مشيخة العقل في تنظيم شؤون الجالية الدرزية في أستراليا من جميع هذه النواحي. وأوضحَ أنّ في كلّ ولاية أسترالية يوجد مبنى خاص لطائفة الموحّدين الدروز، يشتمل على مدرسة عربية، ومجلسٍ ديني يجتمع فيه أبناء الموحّدين في ليالي الجُمَع للاستماع إلى الوعظ الديني والأناشيد والأشعار الدينية، يفدون من جميع الأعمار، لا سيّما خلال المناسبات كعيد الأضحى المبارك وشهر رمضان الكريم وعيد الفطر. وتُنظَّم ندواتٌ دينية وأخلاقية توعوية لمواصلة تعريف أبناء الجالية الدرزية بأصولهم التوحيدية الإسلامية العربية وتراثهم وتقاليدهم المعروفية، وذلك مرّاتٍ عدّة في السنة في كلّ ولايةٍ ينتشر فيها المغتربون الدروز. وتتم دعوة هؤلاء المغتربين في كلّ الولايات لحضور هذه الندوات والمحاضرات الدينية من خلال الجمعيات ولجانها الإدارية، فضلاً عن حضور نشاطات اجتماعية أخرى تشدّ أواصر أبناء الطائفة.
وكان للشيخ منير غرز الدين كلمة أخيرة قال فيها: “لمستُ خلال خمسةٍ وعشرين عاماً من وجودي في هذه القارّة المِعطاء البعيدة جداً عن تراب الوطن أنّها احتضنت ولا تزال تحتضن أبناءنا وعائلاتنا وتفتح لهم أبواب العمل والاستثمار حيث يتمتّعون بحقوقٍ كشأن حقوق المواطنين الأستراليين، بما في ذلك حقوق ممارسة شعائرهم وواجباتهم الدينية والاجتماعية. كما لمستُ من جاليتنا المعروفية الكريمة مدى التزامها بالحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا وشعائرنا التوحيدية الإسلامية الشريفة التي نشأنا عليها منذ القِدَم والحرص على نقلها لأولادها وأُسَرها. كما أُشيد بالتربية الصالحة لأبناء الموحّدين هنا في أستراليا من قِبَل الأهل وحثّهم الأبناء على المضي قُدُماً على هذا الطريق التوحيدي الشريف، وإتاحة الفرصة لهم لحضور الندوات الدينية كي يطّلعوا على الأخلاق والقِيَم المعروفية التوحيدية. والشكر الكبير لسماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ نعيم حسن على اهتمامه الدائم بأبناء الجالية وحدبه عليهم ودعمه المتواصل، وإتاحة التنسيق المتكامل ما بين مشيخة العقل في لبنان ومكتب مشيخة العقل في أستراليا. وبدوري أشكر مُعتمدي مشيخة العقل في جميع الولايات لجهودهم الحثيثة في خدمة الجالية الكريمة دون أي مقابل، ونسأل الله جلَّ وعزّ أن يُجزيهم أجرَ ذلك”.

أديلايد وجنوب أستراليا
ADELAIDE
& South Australia
رئيس رابطة الجالية الدرزية في أديلايد وجنوب أستراليا الأستاذ أكرم أبو ذياب
حضورٌ ناجح للجالية وافتخار

أكدّ الأستاذ أكرم أبو ذياب، الحائز على ماجستير في العلوم التسويقية والدراسات الدولية، أنّه لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المغتربين الدروز في أستراليا عموماً كون هذه المسألة متعلّقة بالجالية الدرزية في كلّ ولاية على حِدَة ولكون الإحصاءات الحكومية لا تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار. أمّا تقديراته الشخصية فتجعل العدد لا يتجاوز 9,000 مغترب درزي يتمركزون في ثلاث ولايات رئيسية هي سيدني، وملبورن وأديلايد، وأنّ هذا العدد ربّما يتساوى في كلّ ولاية أي حوالي 3,000 نسمة، بالإضافة إلى وجودٍ درزي في ولايتَي برزبن وبيرث.

أديلايد - أستراليا
أديلايد – أستراليا

من ناحية الاجتماعات الدورية أو السنوية التي يلتقي خلالها الموحّدون الدروز المغتربون، شدّد الأستاذ أبو ذياب على أنّ الجالية الدرزية في أديلايد وجنوب أستراليا تُعتبر من أكثر الجاليات الدرزية نشاطاً حتى على الصعيدَين اللبناني والعربي، وكشف أنّ الوجود الدرزي في أديلايد يعود إلى أكثر من مئة عام، و”البيت الدرزي” في الولاية كان من أول البيوت الدرزية خارج لبنان. وبسبب صغر الولاية من حيث المساحة وعدد السكّان فإنّ الزيارات بين العائلات والواجبات الاجتماعية إنّما تجمع عدداً أكبر من أبناء طائفة الموحّدين الدروز، بينما تعاني الولايات الأخرى من بُعد المسافات وهذا ما ساهم في جعل نشاطات الجالية في أديلايد ناجحة وتحظى بحضورٍ ممتاز دائماً.
على الصعيد الاجتماعي، أوضح أنّ هناك مناسبات عائلية تقوم بها “الرابطة الدرزية” كلّ شهرين تقريباً حيث تجتمع العائلات والأُسَر بجميع أفرادها والأصدقاء والأصحاب، وأنّ هدف الرابطة الرئيسي من ذلك هو لَمْ الشمل بشكلٍ دائم. أمّا من ناحية المناسبات، فأكّد أنّ هناك احتفالات تُنظّم بشكلٍ دائم مثل عيد الأضحى المبارك وعيد رأس السنة وعيد الأُم الذي تقوم بتنظيمه “اللجنة النسائية”، وكذلك نشاطات رياضية يقوم بها “النادي الرياضي لكرة القدم والفوتبول الأسترالي”. وتسعى الرابطة حالياً إلى تنظيم تقليد سنوي تحت تسمية “اليوم الرياضي” وإدخال رياضيات بدنية وذهنية، كما هناك أيضاً حفل تخريج سنوي تقوم به “اللجنة الشبابية” وهو من أرقى النشاطات على صعيد البلد، حيث يحضر حاكم الولاية وعدد كبير من الوزراء والنواب. ومن الناحية التربوية، أشار إلى “المدرسة العربية” وتضم هذه السنة حوالي 90 طالباً لتعليم اللغة العربية وبعض الإرشادات الدينية من عمر خمس سنوات إلى عمر التخرُّج الثانوي تقريباً.

أكرم أبو ذياب أديلايد
أكرم أبو ذياب أديلايد

 

أكرم أبو ذياب أديلايد- مبنى رابطة الجالية في أديلايد
أكرم أبو ذياب أديلايد- مبنى رابطة الجالية في أديلايد

وذكر أنّ هناك عدداً من اللقاءات منها موسمية ومنها سنوية، أمّا عن اللقاء السنوي بالتحديد فهو ليس محصوراً بالجالية الدرزية في أديلايد وجنوب أستراليا بل هو تقليد سنوي بين ولايات سيدني وملبورن وأديلايد وهذا ما يُسمّى باللغة الإنكليزية Druze Big Weekend حيث يجتمع عدد كبير من المشاركين في إحدى الولايات كلّ سنة ضمن برنامج معيّن يتم ترتيبه من قِبَل كلّ ولاية، وضمن فعاليات هذا البرنامج على سبيل المثال ندوة دينية ولقاءات تعارفية بين شباب وشابات الدروز وبعض النشاطات الثقافية والترفيهية وطبعاً الهدف منه هو الحفاظ على صلة التواصل بين أبناء الجالية في أستراليا والتعارف فيما بين أبناء طائفة الموحدين الدروز.
وبالنسبة إلى الشخصيات الدرزية الناجحة في أديلايد على مختلف الصُّعُد، أكد الأستاذ أكرم أنه في الجانب السياسي فإنّ الحضور الدرزي في الحكومة أو البرلمان للأسف غير موجود، وحتى على الصعيد اللبناني بشكلٍ عام، وذلك ليس لنقص القدرات طبعاً إنّما لكون عدد اللبنانيين عموماً والدروز خصوصاً في أستراليا ليس بالكبير مقارنةً مع الجاليات الأخرى المهاجرة كالإيطالية أو اليونانية مثلاً. وربّما هناك شخصيات برزت في الشأن العام أكثر منه في الشأن السياسي، على سبيل المثال السيّد دايفيد عنداري وهو حائز على وسام الملكة وانتُدِبَ أكثر من مرّة من قِبَل الحكومة الأسترالية لتمثيل الحكومة خارج البلاد. والسيّد ماكس بشير وهو شخصية بارزة في المجال العامّ واشتُهِرَ بدعمه للأنشطة والأندية الرياضية. أمّا من الشخصيات البارزة علمياً، فهناك الدكتورة أمل أبو حمدان وهي أخصائية في جراحة الدماغ وهي من الأبرز الأطباء في أستراليا وليس فقط في الولاية بكونها أصغر طبيبة جرّاحة في أستراليا. في الرياضة، هناك السيّد روجر رشيد وهو لاعب ومدرّب كرة المضرب، وكان مدرّبَ بطلِ أستراليا واللاعب المصنّف رقم واحد عالمياً. وهذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر.

أكرم أبو ذياب أديلايد- نشاط اجتماعي للجالية في أديلايد 2
أكرم أبو ذياب أديلايد- نشاط اجتماعي للجالية في أديلايد 2
أكرم-أبو-ذياب-أديلايد--نشاط-في-الهواء-الطلق-للجالية-في-أديلايد
أكرم-أبو-ذياب-أديلايد–نشاط-في-الهواء-الطلق-للجالية-في-أديلايد
أكرم أبو ذياب أديلايد- مباراة رياضية لأبناء الجالية في أديلايد
أكرم أبو ذياب أديلايد- مباراة رياضية لأبناء الجالية في أديلايد

أمّا في المجال التجاري والاقتصادي، فللدروز حضورٌ لا بأس به وهناك شخصيات عديدة تميّزت بنجاحات أكثر من غيرها في المجالات الخدمات السياحية والمطاعم والبناء ومنهم مَنْ وصل بوظائفه ودراساته إلى درجات ممتازة تفتخر الجالية بها وبهم جميعاً. ومن بينهم على سبيل المثال السيّد جهاد هاني وهو شخصية ناجحة تجارياً واقتصادياً ومالياً، وهو مستقر في أديلايد جنوب أستراليا، أمّا في بعض الولايات الأخرى فهناك السيّد عصام ثابت وهو أيضاً من الرجال الناجحين جداً على الصعيدَين المالي والتجاري.
وبشأن مشاركة أبناء الجالية في الانتخابات في الوطن الأم، أكد أبو ذياب أنّ الجمعية في أديلايد قامت بواجبها بإعلام الأهل جميعاً عن كيفية المشاركة والتسجيل من أجل القدرة على ممارسة الحق الانتخابي. ووفقاً لما تناهى إليه فإنّ المشاركة من قِبَل اللبنانين عموماً لم تكن على قدر جيد، موضحاً أنّ الرابطة تتصرّف بوعي وفطنة في هذا الخصوص.
وختم الأستاذ أكرم أبو ذياب: “أودُّ القول أخيراً أنّ الجمعية الدرزية في جنوب أستراليا قامت بشراء مبنى جديد للجمعية بعدما احترق المبنى الأول العام 2012، وقد مرّرنا بظروفٍ صعبة إلى حدٍّ ما من أجل لَمْ شمل أبناء الموحدين الدروز جميعاً. نأمل أن نُقدِّم ما فيه الخير لجاليتنا وأهلنا ومجتمعنا ومستقبل أولادنا. ونشكر سماحة شيخ العقل لمتابعته الدائمة ودعمه القيِّم لأبناء الجالية هنا. وأودّ أن أتقدَّم منكم ومن جانب إدارة مجلة الضحى الموقَّرة بجزيل الشكر والامتنان باسمي واسم الجمعية الدرزية وكافة الدروز في أديلايد وجنوب أستراليا على هذه اللفتة الكريمة للحفاظ على صلة التواصل الدائم بين الموحِّد المقيم والموحِّد المغترب، نأمل أن تكون بدايةً جيدة، وحجراً أساساً لمزيد من التعاون على الصُّعُد الدينية والتوجيهية والاجتماعية والاقتصادية، ودمتم في مسعاكم”.

دعوة للقاء ولمباراة رياضية في أديلايد
دعوة للقاء ولمباراة رياضية في أديلايد

 

سيدني
SYDNEY
رئيس رابطة الجالية الدرزية في سيدني المهندس زاهي علامة
أسبقية وتنسيق وطمأنينة

لفتَ المهندس علامة إلى أنّ هناك تقديرات متباينة إلى حدٍّ ما بشأن عدد المغتربين من طائفة الموحّدين الدروز في سيدني ومحيطها، لكنّه يراوح بين 7000 و 9000 مغترب، وربّما تكون النسبة الأكبر منهم في أديلايد.
وتحدّث عن اللقاءات والاجتماعات الدورية أو السنوية التي يلتقي خلالها الموحّدون الدروز المغتربون في سيدني، وأهم النشاطات الاجتماعية والثقافية، وأوضح أنّ “الرابطة الدرزية” في سيدني تقوم بلقاءات عدة لجمع شمل الموحدين الدروز والإبقاء على تواصل بين بعضهم البعض. ومن بين هذه اللقاءات:
֍ السهرة القروية السنوية
֍ ليالي العشر المباركة (إقامة ندوات دينية)
֍ احتفال بعيد الأضحى المبارك بإقامة حفل شواء وتوزيع ألعاب للأطفال خلال المناسبة
֍ لقاء الشبيبة الدرزية السنوي، حيث يجتمع شباب الموحدين الدروز من جميع الولايات ومن خارج أستراليا
֍ سهرة بمناسبة عيد الأم تقوم بها اللجنة النسائية
֍ الحفل السنوي للرابطة الدرزية
֍ مخيم للأطفال
֍ إقامة مباريات للجنة الرياضية في لعبة كرة القدم تجمع فرق ملبورن وأديلايد وسيدني من أبناء الجالية الدرزية.
بالنسبة إلى السهرة القروية، فهي عبارة عن لقاء يجمع أبناء الموحدين الدروز في قاعة الرابطة الدرزية ويتخلّله حفلٌّ غنائي مع إعداد خبز على الصاج ومأكولات بيتيّة من وحي المناسبة. والهيئة الإدارية للرابطة الدرزية هي المسؤولة عن التجهيز ودعوة أبناء الموحدين الدروز وحجز الفنّانين وغيره من المستلزمات اللوجستية.
أما الاحتفال بعيد الأضحى وليال العشر المباركة، فيكون من خلال لقاءٍ يُنظَّم كلّ سنة في مركز الرابطة الدرزية، وقد جرت العادة بأن يتوجّه الموحّدون إلى مركز الرابطة للاستماع إلى الأناشيد والأشعار الدينية من المشايخ الأفاضل. قمنا قبل نحو سنتين بتغيير جذري لاستقطاب الشباب الموحِّدين والشابات الموحِّدات بحيث نسّقنا مع سماحة شيخ العقل سنة 2016 لإقامة ندوات دينية في سيدني على نفقة الرابطة الدرزية. وقد حضر الندوات ما يفوق على المئتين شاب وشابة، وأصبح هذا تقليداً سنوياً لجمع الشباب الدرزي.
ومن ناحية لقاء الشبيبة السنوي، فهذا لقاء يجمع شبيبة الموحِّدين الدروز في العيد الوطني الأسترالي على مدى ثلاثة أيام للتعارف وتبادل الأفكار والتقارب، وهذا اللقاء يحصل مرّة كلّ سنة ويجمع الولايات الأسترالية كافة.

زاهي علامة سيدني- مقابلة تلفزيونية
زاهي علامة سيدني- مقابلة تلفزيونية
زاهي علامة سيدني- نشاط للجالية في الهواء الطلق
زاهي علامة سيدني- نشاط للجالية في الهواء الطلق
زاهي علامة سيدني- مبنى رابطة الجالية الدرزية في سيدني
زاهي علامة سيدني- مبنى رابطة الجالية الدرزية في سيدني

ولفتَ المهندس زاهي علامة إلى وجود عددٍ من الشخصيات من طائفة الموحِّدين الدروز الناجحة من النواحي الاقتصادية والصناعية والتجارية وحتى العلمية والأكاديمية والسياسية، من بينها دون حصر، وعذراً إذا ما غفلنا عن أحد، الدكتور ممدوح مطر الذي يملك مجمّعاً طبياً ويقصده قسمٌ كبير من أبناء الجالية الدرزية، والدكتور جمال غنام وهو مدير عام اثنين من أكبر المستشفيات في سيدني وعضو في نقابة الأطباء ومدقق عام، والبروفسور أسعد المصري وهو دكتور محاضر في أكبر جامعة في سيدني، والدكتور وليد رافع وهو طبيب أسنان يملك مركزين لطب الأسنان. وجدير بالذكر أنّ الأستاذ المهندس زاهي علامة في سابقةٍ من نوعها هو أول رجل أعمال في الجالية الدرزية يحصل على إذن نقابة المهندسين بإعطاء رخص لإنشاء المباني (Private Certifier).
وأشار المهندس علامة إلى أنّ المغترب الدرزي كشأن أي مغتربٍ من طائفةٍ أخرى يهتم بالشأن السياسي في الوطن الأم وخاصةً الانتخابات النيابية وأنه قد تمّ تسجيل عدد لا بأس به ممن شارك في الانتخابات.
وعبّر المهندس زاهي علامة عن شكره قائلاً: “لا بدّ لي أنّ أشكركم أولاً على هذا اللقاء والتواصل مع الوطن الأم وشكري الكبير لسماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ نعيم حسن على ما قدّمه من دعمِ معنوي لمسيرة الرابطة الدرزية في سيدني”.
وأضاف: “أودّ الإضاءة أخيراً على أنّ التنسيق بين مشيخة العقل والرابطة الدرزية أدّى إلى طمأنينة وسط أبناء الجالية بأنّ هناك مرجعية دينية تهتم بهم وتسأل عنهم وبأنّ الاغتراب الدرزي هو جزء كبير من أولويات مشيخة العقل، وأتمنّى في المستقبل القريب أن تكون ثمة إمكانية لتنسيق زياراتٍ من مشيخة العقل إلى سيدني للاطلاع على أحوال الجالية وتعزيز سُبل التواصل”.

سيدني - أستراليا
سيدني – أستراليا
زاهي علامة سيدني- لقاء لأبناء الجالية في سيدني
زاهي علامة سيدني- لقاء لأبناء الجالية في سيدني
زاهي علامة سيدني- لقاء اجتماعي في عيد الأب
زاهي علامة سيدني- لقاء اجتماعي في عيد الأب

 

ملبورن-فيكتوريا
MELBOURN – VICTORIA
رئيس رابطة الجالية الدرزية في ملبورن-فيكتوريا المهندس نزار الحاج
مناصب إقليمية
ونجاح

نزار الحاج ملبورن
نزار الحاج ملبورن

تحدّث المهندس نزار الحاج عن انتشار أبناء جالية الموحّدين الدروز على وجه التحديد في ملبورن-فيكتوريا، وجنوب أستراليا ونيو ساوث ويلز.
أما أعداد أبناء طائفة الموحدين الدروز هناك بحسب تقديره فهي على الشكل التالي:
فيكتوريا: حوالي 600 عائلة.
جنوب أستراليا: تقريباً الأرقام مماثلة لولاية فيكتوريا.
نيو ساوث ويلز: حوالي 350 عائلة.
وإلى جانب الولايات الرئيسية الثلاث، لفتَ إلى أنّ الموحّدين الدروز ينتشرون في أماكن أخرى مثل كوينزلاند لكن بأعداد أقل.
وبالنسبة إلى اللقاءات السنوية والنشاطات الاجتماعية للجالية في ملبورن، أوضح الحاج أنّ الهيئة الإدارية للجمعية الدرزية في فيكتوريا تعمل على الحفاظ على التواصل بين أبناء الجالية عبر العديد من المناسبات والنشاطات في كل وقت ممكن، وخصوصاً الأعياد والعطل، لا سيما عيد الأضحى المبارك ورأس السنة، وكذلك من خلال اللقاءات الدورية العائلية والتثقيفية، فضلاً عن الندوات الطبية للتوعية الصحية.

ـنزار الحاج ملبورن مبنى رابطة الجالية في ملبورن
ـنزار الحاج ملبورن مبنى رابطة الجالية في ملبورن

ومن ناحية اللقاء السنوي المعروفي الذي تُقيمه الجالية الدرزية في ملبورن ومحيطها، أوضح الحاج أنّه منذ 13 عاماً، أطلقت الجمعية الدرزية في ملبورن حَدَث “الأسبوع الدرزي الكبير” Big Druze Weekend (BDW) بالتنسيق مع الجمعيات الدرزية في الولايات الأخرى، وأصبح هذا اللقاء سنوياً يُعقَد كلّ سنة في ولايةٍ من الولايات الأسترالية وذلك في آخر أسبوعٍ من شهر كانون الثاني. وقد أصبح هذا اللقاء دورياً حيث يلتقي الشباب والشابات ويجري تنظيم نشاطات دينية، واجتماعية وتسهيل فرص التعارف والتقارب بين أبناء الجالية في الاغتراب وخصوصاً الجيل الجديد. وكشف عن مشاركةٍ في الآونة الأخيرة من دروزٍ جاءوا من خارج أستراليا، مثل الولايات المتحدة ولبنان.
وأكّد المهندس نزار الحاج أنّ الكثير من أبناء الجالية الدرزية يعمل في جميع قطاعات الدولة ومؤسّساتها في القطاعَين العام والخاص على حدٍّ سواء. وقال: “شخصياً، تمّ تعييني في مطلع العام 2017 مستشاراً إقليمياً لولاية فيكتوريا في وزارة تعدُّد الحضارات والجنسيات، حيث نعمل في المجلس الاستشاري بشكلٍ أساسي على تحديد الأولويات للوزارة في شؤون المواطنين والمجتمعات”. وهناك ثمانية مجالس استشارية في أنحاء الولاية، يتمثَّل دورُ كلٍّ منها في إبلاغ “وزراة تعدُّد الحضارات والجنسيات” حول مسائل وتحدّيات ذات تأثيرٍ على هذا التعدُّد الحضاري في كلّ منطقة، والبقاء على اطّلاع حول شؤون الجاليات المتعدّدة الجنسيات والحرص على التنوُّع الثقافي والديني واللغوي، وتحديد السُّبُل والفرص لإرساء المشاركة والتواصل بين الجاليات وتنظيم نشاطاتٍ ومناسبات لتوثيق العُرَى في ما بينها، والتنسيق ما بين المغتربين وممثِّلي الحكومة المحلية.
وعن نجاح بعض الشخصيات الدرزية في نواحٍ عدّة، لفتَ الحاج إلى أنّ الكثير من أبناء الجالية الدرزية برزوا في مجال الأعمال والاقتصاد، من بينهم بدون حصر الدكتورة فريال ملاعب خداج المحاضرة الجامعية في مجال التكنولوجيا، والسيّدان مازن وماهر ثابت مؤسِّسا “فندق لينبروك” Lynbrook Hotel، و”ريدان أخوان” أصحاب “مطاعم صوفيا” Sofia Restaurants، والسيّد سليم زين الدين وغيرهم كُثر في مجال المطاعم والفنادق، فضلاً عن السيّد علي خضر صاحب الشركة المتخصِّصة في مجال إنتاج مستحضرات العناية بالبشرة والتجميل “أدفاندس ناتشورال” Advanced Natural .

نزار الحاج ملبورن لقاء رياضي لشباب الجالية في ملبورن
نزار الحاج ملبورن لقاء رياضي لشباب الجالية في ملبورن
نزار الحاج ملبورن في لقاء فكري واجتماعي للجالية في ملبورن
نزار الحاج ملبورن في لقاء فكري واجتماعي للجالية في ملبورن
نزار الحاج ملبورن حملة تبرعات خيرية للجالية في ملبورن فيكتوريا
نزار الحاج ملبورن حملة تبرعات خيرية للجالية في ملبورن فيكتوريا

وممّا يستحقّ الذكر أنّ المهندس نزار الحاج هو خبيرٌ مُحترِف في تكنولوجيا المعلومات مع خبرةٍ تزيد عن سبعة عشر عاماً كمستشارٍ ومحلِّلٍ في النُّظُم المعلوماتية، ومهندس أنظمة وشبكات، وهو ناشطٌ في هذا الخصوص لا سيّما عبر إحدى شركاته في ملبورن المتخصِّصة بـ “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات” (ICT) والتي يصل نطاق خدماتها إلى بعض أنحاء العالم، بعدما رسّخت حضورها بين مزوِّدي خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أستراليا. وهو يملك ثلاث شركات ناجحة في مجال تكنولوجيا المعلومات في فيكتوريا-ملبورن وهي:
I.T. ENGINEERING PRO (www.itepro.com.au)
Online Plus (www.onlineplus.com.au)
ITE Systems (www.itesystems.com.au)
وحول رغبة المغتربين الدروز في المشاركة في الانتخابات النيابية، كشف أنّه بذُلت مساعٍ حثيثة لتشجيع التسجيل للمشاركة في الانتخابات النيابية، لكنّ الاقبال كان ضعيفاً، وتمّ تسجيل حوالي 100 شخص من ولاية فيكتوريا من أصل 200 درزي تسجّلوا من أستراليا.
وقال المهندس الحاج ختاماً: “حالياً، نحن في صدد إنهاء المرحلة الأخيرة من بناء دار الجمعية الدرزية في ولاية ملبورن-فيكتوريا، على مساحة 22,500 م2، يقدّر أن يكون واحداً من أكبر المباني التي تعود للدروز في العالم، حيث يضم صالتَين تتّسعان إلى ما يزيد عن 800 شخص، فضلاً عن 170 موقف سيارات، ومكاتب وقاعات اجتماعات. نأمل أن يكون هذا المبنى صرحاً للجالية الدرزية في أستراليا والعالم أجمع”. ووجّه الحاج شكراً خاصاً لسماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز لاهتمامه الدائم بشؤون أبناء الطائفة في أستراليا وعبّر عن أمله بتكثيف هذا التواصل عبر إرسال نخبة من أصحاب الفكر والقيم المعروفية إلى أستراليا لتعزيز الوعي بين أبناء الجالية.

ملبورن - فيكتوريا
ملبورن – فيكتوريا

وخلُصَت “الضحى” في مشوارها الأسترالي وسط الأهل المغتربين، إلى أنّ جالية الموحّدين الدروز هناك، بنجاحاتها ونشاطاتها وشخصياتها الفاعلة، هي مجتمعٌ زاخر بالحيويّة يلتزم بقيمه وأخلاقياته وهويّته وجذوره المعروفيّة التوحيديّة حتى ولو كان في النصف الأخر من الكرة الأرضية بعيداً عن الوطن، وعينُ مشيخةِ العقلِ ساهرة على الأبناء وعلى هذا الالتزام الذي يدعو إلى الفخار. وشُكرٌ خاص للشيخ رامز حمزة في سيدني لبصيرته النيِّرة ولمساعدته القيِّمة في إنجاز هذا التحقيق.

نزار الحاج ملبورن موقف السيارات الخماسي لمبنى رابطة الجالية في ملبورن
نزار الحاج ملبورن موقف السيارات الخماسي لمبنى رابطة الجالية في ملبورن

العدد 24