الأربعاء, كانون الثاني 8, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, كانون الثاني 8, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

بشر الحافي

لا يجد من يحبّ الدنيا حلاوة العبادة

الإمام بشر الحافي

الصوفي الذي أمات نفسه

قل لمن طلب الدنيا: تهيأ للذل
الجُوعُ يُصَفِّي الفُؤَادَ، وَيُمِيتُ الهَوَى وَيُورِثُ العِلْمَ الدَّقِيقَ

لا تعمل الحسنة لكي تُذكَر، اكتم الحسنة، كما تكتم السيئة
ولا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح

الإِمَامُ الزَّاهِدُ أبو نصر بِشْر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، وعبد الله كان اسمه بعبور، أسلم على يد علي بن أبي طالب (ع). كان واحدًا من كبار أعيان السلف الصالح الذين ولدوا في القرن الثاني الهجري. ومن الألقاب التي أطلقت عليه في زمنه “الإمام العالم” “المحدِّث” “الزاهد” “الرباني” “القدوة” و”شيخ الإسلام”.
ولد سنة 152هـ، وارتحل في العلم وأخذ عن مالك وشريك وحماد بن زيد، وكان عالمًا ورأسًا في الورع والإخلاص، صَحِب الفضيل بن عياض، قال السّلمي: كان بشر من أولاد الرؤساء، فصحب الفضيل، سألت الدارقطني عنه، فقال: زاهد، جبل، ثقة، ليس يروي إلا حديثًا صحيحًا. وقال عنه أبو حاتم: ثقة رضي، ووثقه مسلمة، أصله من مرو سكن بغداد ومات بها، سنة 227 هـ وهو ابن 76 سنة. وقد أفرد ابن الجوزي مناقبه في كتاب.

سبب توبته
قيل أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوب فيها اسم الله تعالى وقد وطئتها الأقدام، فالتقطها واشترى طيبًا فطيّب به الورقة ووضعها في شق حائط، فرأى في النوم كأن قائلا يقول: يا بشر، طيّبتَ اسم الله، ليُطَيّبَنّ اسمك في الدنيا والآخرة، فلما تنبّه من نومه تاب.

شيوخه
سمع الحديث من إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ وغيرهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الجَوْهَرِيُّ، وَسَرِيٌّ السَّقَطِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.

مناقبه
بلغ من التقوى والورع والزهد في الدنيا ما جعل ذكره على ألسنة الخَلْق.
كان له ثلاث أخوات زاهدات ورعات استفاد منهن، وقد أورد ابن خلكان في “وفيات الأعيان” قصة مُفادها أن امرأة دخلت على الإمام المجتهد أحمد إبن حنبل (ر) وسألته قائلة: يا أبا عبد الله، إني امرأة أغزل في الليل على ضوء السراج، وربما طفئ السراج فأغزل على ضوء القمر، فهل عليَّ أن أبَيّنَ للمشتري غزل السراج من غزل القمر، فقال لها: إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك. وسألته غير ذلك من الأسئلة وخرجت.
فقال الإمام أحمد عنه لابنه عبد الله: ما سمعتُ إنسانًا قط يسأل عن مثل ما سألت هذه المرأة اتبعها، فتبعها ابنه إلى أن دخلت دار بشر الحافي، فعرف أنها أخته، ولما أخبر الإمام أحمد قال له: هذا والله هو الصحيح، لا تكون هذه المرأة إلا أخت بشر الحافي.
ويروي ابن خلكان عن سبب تسميته بالحافي أنه جاء إلى إسكافي يطلب منه شسعًا لإحدى نعليه، وهو الزمام يوضع في النعل ويكون بين إصبعين، فقال له الإسكافي: ما أكثر كلفتكم على الناس أيها الفقراء، فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف ألا يلبس نعلاً بعدها.
ومن الروايات التي تظهر تقواه وورعه ما رواه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” وهو أن أخته قالت له: يا أخي قد بلي إزارك، فلو جئت بقطن حتى أغزل لك، فصار يأتي بالقطن ويحسب وزنه حتى انتهت أخته من الغزل، فأخذه وأخرج ألواحه ووَزَنَه فإذا بأخته قد زادت فيه فأعاده إليها وقال: كما أفسدتِيهِ خذِيه.

ومن أخبار مخالفته لنفسه
ذكر الخطيب البغدادي أن أم بشر الحافي قالت له: أطلب لي سفرجلة، فجاء بها وصار يشمها ووضعها بين يديه، فقالت له أمّه: يا أبا نصر كُلْها فما زال يشمها وأبى أن يأكل السفرجل في كل حياته.
وعن “تاريخ بغداد” أيضًا أن جارًا له بقالا كان قد عمل طعامًا لذيذًا مطبوخًا بالباذنجان، فمر بشر فنظر إليه فعلم البقال أنه اشتهاه، فتبعه وقال له: بأبي أنت، هذا الباذنجان تعمله بُنيَّة لي من غزل تغزله وأبيعه لها فخذ منه ما شئت، فقال له بشر: ارجع حفظك الله، فرجع البقال وسمعه يخاطب نفسه قائلاً: هيه، افتضحتِ، تشتهين الباذنجان بأصباغه؟ والله لا تذوقينه حتى تفارقي الدنيا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ بِشْراً يَقُوْلُ:الجُوعُ يُصَفِّي الفُؤَادَ، وَيُمِيتُ الهَوَى وَيُورِثُ العِلْمَ الدَّقِيْقَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عُثْمَانَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي شِوَاءً مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مَا صَفَا لي درهمه.

قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: حدثنا علي بن عثام، قال : أقام بشر بن الحارث بعبادان يشرب ماء البحر، ولا يشرب من حياض السلطان، حتى أضر بجوفه، ورجع إلى أخته وَجِعا، وكان يعمل المغازل ويبيعها ، فذاك كسبه. وكان يأكل الخبز فقط فقيل له: أما لك أدم؟ فقال: بلى أذكر العافية فأجعلها أدماً.

حكمه ومواعظه
كان بشر الحافي لا يتكلم إلا في الخير، وإذا تكلم كان جُلّ كلامه حكمًا ومواعظ تذكر بالآخرة وتحث على الازدياد من الطاعات والخيرات، كما كان لسانه لا يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن أقواله في الحكمة والحث على التقوى أنه سئل عن القناعة فقال:“ لو لم يكن في القناعة شيء إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزئ”، ثم أنشد يقول:
أفادتنـــــــي القنـــاعةُ كُــــــــــــــلُّ عـــــــــــــزٍ وهل عزٌ أعـــزُّ مـــــــن القنـــاعــــة؟
فصِّيْــــــــــرها لنفســكَ رأس مـــــــــالٍ وصيرِّ بعدها التقــــــــــــــوى بضــاعـــةْ
تَحـــُزْ ربحـاً وتغنى عــــــــــن بـــــــخل وتنعمُ في الجنــــــــــانِ بصبرِ ساعةْ

ومن أشعاره الحِكَمية قوله:
قَطْعُ الليـــالي مـــــــــــــــــع الأيام في خَلَـــــقِ والنوم تحت رُواق الهـــــم والقلـــــق
أحرى وأعـــذرُ لي من أن يقال غدا إني التمست الغنى من كف مختَلَق
قالوا رضيتَ بذا قلتُ القُنوع غِنىً ليس الغنى كثرة الأمـوال والورِق
رضيتُ بالله في عسري وفي يُسري فلســـت أسلك إلا أوضح الطُـــرُق
ومن دعائه: “اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا لتفضحني في الآخرة فاسلبه عني”.

ثناء العلماء عليه
بدأ الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” ترجمة بشر الحافي بقوله: “وكان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفرة العقل، وأنواع الفضل، وحسن الطريقة واستقامة المذهب وعزوف النفس وإسقاط الفضول”. وقال مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى لأحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما تقول في هذا الرجل فقال: أي رجل قيل: بشر، فقال: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال.
وقال إبراهيم الحربي: رأيت رجالات الدنيا، لم أرَ مثل ثلاثة: رأيت أحمد بن حنبل وتعجز النساء أن تلد مثله، ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءًا عقلا، ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نُفخ فيه علم.
وقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: مَا أَخْرَجَتْ بَغْدَادُ أَتَمَّ عَقْلاً مِنْ بِشْرٍ، وَلاَ أَحْفَظَ لِلِسَانِه، كَانَ فِي كُلِّ شَعرَةٍ مِنْهُ عَقْلٌ، وَطِئَ النَّاسُ عَقِبَه خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا عُرِفَ لَهُ غِيبَةٌ لِمُسْلِمٍ، مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ!

وفاته
ذكر ابن خلكان عدة أقوال في وفاته فقال: “توفي في شهر ربيع الآخر سنة مائتين وست وعشرين للهجرة، وقيل مائتين وسبع وعشرين، وقيل يوم الأربعاء عاشر المحرم، وقيل: في رمضان بمدينة بغداد، وقيل بمرو” وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة.

ثناء العلماء عليه
قال إلإمام أحمد بن حنبل يوم بلغه موته: لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس ولو تزوج لتم أمره. وفي رواية عنه أنه قال: ما ترك بعده مثله، وقال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً منه، ولا أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة مسلم، وكان في كل شعرة منه عقل ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء.
وقال يعقوب بن بختان : سمعت بشر بن الحارث يقول : لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله ، وحسنت نيته فيه، وأما أنا، فأستغفر الله من طلبه، ومن كل خطوة خطوت فيه
قِيْلَ: كَانَ بِشْرٌ يَلحَنُ وَلاَ يتقن العَرَبِيَّةَ وكَانَ رَأْساً فِي الوَرَعِ وَالإِخْلاَصِ ثُمَّ إِنَّهُ دَفَنَ كُتُبَهُ.
رُوِيَ عَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: ألَّا تُحَدِّثُ؟ قَالَ: أَنَا أَشْتَهِي أَنْ أُحَدِّثَ وَإِذَا اشتَهَيتُ شَيْئاً تَرَكْتُه.

جماهير بغداد تؤبنه
لما مات كانت جنازته حافلة جدًا حتى أنه أخرج من بيته بعد صلاة الفجر، فلم يوضع في قبره إلا بعد صلاة العشاء. وقد رآه بعضهم في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة، وكان علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلى صوته في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة.

من أقواله

رؤية:إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم.
من صور الرياء:قال قد يكون الرجل مرائيًا بعد موته! فسئل: كيف يكون ذلك؟ فال: يحب أن يِكثُر الخلق في جنازته.
خطر الشهوات: لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدًا
الإخلاص في طلب العلم:لا أعلم شيئًا أفضل منه إذا أريد به الله. – يعني: طلب العلم.
من معاني التوكل:الرضى بالمقدور: يقول أحدهم: توكلت على الله! يكذب على الله! لو توكّل على الله رضي بما يفعل الله.
وصية: قال رجل لبشر بن الحارث: أوصني، فقال: أَخْمِل ذكرك، وطيِّب مطعمك.
العبد الخفي:لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب في الدنيا أن يعرفه الناس
علامة حب الدنيا:حب لقاء الناس حب الدنيا وترك لقاء الناس ترك الدنيا
من عقوبات حب الظهور والشهرة:لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح
ذم المدح والانبساط إليه:سكون النفس إلى المدح وقبول المدح لها أشد عليها من المعاصي
ذم الشهرة:ما أتقى الله من أحب الشهرة.
الزهد:لو سقطت قلنسوة من السماء ما سقطت إلا على رأس من لا يريدها.
كتمان الحسنات:لا تعمل لتُذكَر، اكتم الحسنة، كما تكتم السيئة.
نصيحة لأهل الحديث:يا أصحاب الحديث، أدوا زكاة هذا الحديث، قالوا: وما زكاته؟ قال: تعملون من كل مائة حديث بخمسة أحاديث.
الهوى:من جعل شهوات الدنيا تحت قدميه فرق1 الشيطان من ظله، ومن غلب علمه هواه فهو الصابر الغالب. واعلم أن البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه.
الصحبة السيئة:صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار.
نصيحة لمن يريد الدنيا: أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا، اطلبها ممن بيديه الدنيا.
من يستحق أن يسأل:من أحب أن يُسأل فليس بأهل أن يُسأَل.
علامات:علامة طاعة الله تسليم أمره لطاعته، وعلامة حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسليم آثاره والعمل على سنته، ولا يلتفت إلى غيره.
نصيحة سديدة:لا تكاد تضع يدك إلا على مراءٍ؛ إما مراءٍ بدين وإما مراءٍ بدنيا وهما جميعا شر شيء فانظر أشد الناس توقيا وأعفهم وأطيبهم مكسبا فجالسه ولا تجالس من لا يعينك على آخرتك.
وقفة تأمل:وقف بشر على أصحاب الفاكهة فجعل ينظر إليها فقيل له: يا أبا نصر لعلك تشتهي من هذا شيئًا؟ قال: لا ولكن نظرت في هذا إذا كان يطعم هذا من يَعصيه، فكيف من يطيعه؟!
ذم الإسراف:وقال جعفر بن هاشم المؤدب: سمعت بشر بن الحارث يقول: الحلال لا يحتمل السرف.
الأخذ من الناس مذلة:وقال جعفر بن هاشم المؤدب: سمعت بشر بن الحارث يقول: الأخذ من الناس مذلة.
رؤية:وقال جعفر بن هاشم المؤدب: سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس هذا زمان اتخاذ إخوان إنما هو زمان خمول ولزوم البيوت.
في الوقت أَمْسُ قَدْ مَاتَ وَاليَوْمُ فِي السِّيَاقِ وَغَداً لَمْ يُولَدْ.
حلاوة العبادة:لا يجد من يحب الدنيا حلاوة العبادة.
وقال، يوم ماتت أخته إن العبد إذا قصَّر في الطاعة سُلِب من يؤنسه “
سَمِعَهُ رَجُلٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ العِزِّ، وَأَنَّ الفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، وَأَنَّ المَوْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ البَقَاءِ.

 

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي