الخميس, نيسان 10, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 10, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

تاريخ آل الحمدان

الحي الذي ضم مشايخ آل حمدان في باتر وأمامه الميدان في الحارة الفوقا في باتر

الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان

بعض الأبنية التاريخية التي تعود إلى آل الحمدان في الحارة الفوقا

بوابة الحمدان في حارة جندل شاهد على استقرار الأسرة فيها قبل انتقالها إلى باتر

جسر القاضي الذي قام الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان بترميمه سنة 1884 تقدمة منه للمتصرف واصا باشا

دار عادل بك حمدان في باتر ويشغلها نجله الشيخ نبيل حمدان

لوحة بريشه الرسام عمر فروخ للشيخ ملحم حمدان

معمل لحل شرانق الحرير من أملاك آل حمدان لا يزال موجودا على الطريق من ديركوشه إلى جسر القاضي

آل حمدان

فـي تاريـخ جبـل لبنـان

آل حمدان هم من مشايخ جبل لبنان منذ العهد المعني، وأقرباؤهم، المعروفون في جبل حوران (جبل العرب) بآل الحمدان، هم شيوخ هذا الجبل في القرنين: الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد، وروَّاد الموحَّدين (الدروز) النازحين إليه من جميع المناطق المأهولة بهم في بلاد الشام، والنواة التي استقطبت جموعهم، حيث تكاثروا فيه فحمل اسمهم “جبل الدروز” أسوة بجبل لبنان الجنوبي الذي حمل الاسم نفسه وللسبب نفسه. وإضافة إلى ذلك فإن للحمدانيين تاريخًا عريقًا في الموصل والجزيرة الفراتية وحلب ودمشق، حيث كانوا الحكَّام في هذه المناطق في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي.
بالنظر لاتساع الموضوع وللمعلومات التاريخية التي يتضمنها فإنه سينشر في هذه المجلة على حلقتين، الحلقة الأولى تتناول تاريخ آل الحمدان في لبنان، بينما ستركز الحلقة التالية التي ستنشر في العدد 18 المقبل على تاريخ آل الحمدان في سوريا.

باستثناء التعريف بأعلام آل حمدان في باتر، لم يسبق لأحد أن تكلَّم عن آل حمدان في جبل لبنان إلا بإشارات مختصرة أثناء الحديث عن نهاية اليمنية على يد القيسية في بداية عهد الإمارة الشهابية. لذا سنتكلَّم عنهم في ضوء ما توافر لنا من معلومات، وما توصَّلنا إليه من إستنتاجات.

الأصل والنسب
إن نسب آل حمدان في لبنان وفي جبل حوران(جبل العرب)، والربط بينهم وبين الحمدانيين حكام حلب والموصل، من النقاط التاريخية الغامضة. وأول من تكلَّم عن نسب آل حمدان في لبنان وجبل حوران هو المؤرِّخ عبد الله النَّجَّار في كتابه “بنو معروف في جبل حوران”، الصادر سنة 1924، وكان مديرًا لمعارف حكومة جبل الدروز التي أنشأها الفرنسيون في الجبل سنة 1921 كأحدى دول سورية، في إطار سياستهم الإستعمارية التقسيمية. وقد ذكر أن آل الحمدان هم من الحمدانيين حكام حلب في القرن العاشر للميلاد، انتقلوا إلى لبنان ومنه انتقلوا إلى جبل حوران.
نحتفظ بصورة عن كتاب عبد الله النَّجَّار، الذي إطّلعنا عليه في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت في الثمانينيات من القرن العشرين. وهو يتضمَّن تعليقات وتصويبات عدة على جانب الصفحات بخط المؤرِّخ سليمان أبو عز الدين المتوفَّى سنة 1933، الذي كان من الأوائل الذين كتبوا عن نزوح الموحِّدين (الدروز) إلى جبل حوران، بعد زيارته للجبل سنة ،1897 وهو لم يسجِّل أية ملاحظة أو أي تصحيح لما كتبه عبد الله النَّجَّار عن أن آل حمدان في جبل لبنان وجبل حوران يعودون في النسب إلى الحمدانيين، منهيًا كلامه بالآتي: “لا يذكر التاريخ ما آل إليه أمرهم بعد سقوطهم، ولكنه يذكر لنا وجود أحدهم، أبي عبد الله بن ناصر الدولة، قائدًا عند الفاطميين في الثلث الأول من القرن الحادي عشر للميلاد، ويبدو لنا أنهم لبّوا دعوة الحاكم مع من لبَّاها في حلب والشام، وإنتقلوا من حلب على أثر تقلُّص ظل الفاطميين عنها وتعرّضهم للإضطهاد وقطنوا لبنان”1.
إذن إن أصل آل حمدان في جبل لبنان، وجبل حوران، هو، في رأي عبد الله النجّار، من الحمدانيين حكام حلب، ولم يظهر اي رأي مخالف له. والحمدانيون بطن من قبيلة تغلب بن وائل العدنانية التي قيل فيها: “لو تأخر الإسلام قليلاً لأكلت تغلب العرب”. وتعود بدايات شهرة الحمدانيين إلى الأمير ناصر بن حمدان الذي إستأثر بالموصل والجزيرة الفراتية في عهد الخليفة العباسي المتقي بالله، وحين قضى في شهر رجب سنة 330هـ (آذار 942م) على محمد بن رائق الذي عصى على الخليفة المذكور وتسلَّم الشام، أكرمه الخليفة ولقَّبه ناصر الدولة، ولقَّب شقيقه علي سيف الدولة.

دار عادل بك حمدان في باتر ويشغلها نجله الشيخ نبيل حمدان
دار عادل بك حمدان في باتر ويشغلها نجله الشيخ نبيل حمدان

آل حمدان حكام حلب
فيما استقر ناصر الدولة في الموصل والجزيرة، طمع أخوه سيف الدولة بأخذ حلب من الكلابيين، فسار إليها وأخذها سنة 333هـ (944/945م) فخلع عليه الخليفة العباسي المستكفي. وبعد ذلك سار إلى حمص حيث تغلَّب على الجيش المرسل من الإخشيد (حاكم مصر)، ثم احتلّ دمشق فصار ملك الشام وحلب والجزيرة. لكنه انهزم في سنة 335هـ أمام جيش الإخشيد المرسل لإستعادة الشام، فتراجع عن دمشق، وإكتفى بشمال سورية، وأصبح هناك الدرع العربية الإسلامية في مواجهة الروم البيزنطيين الذين واجههم في أربعين غزوة، وسجَّل الإنتصارات الباهرة عليهم في العديد منها. ومنعهم من احتلال بلاد الشّام والتقدّم فيها أثناء ضعف الدولة العبّاسية.
توفي سيف الدولة سنة 356هـ (966م) فخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، لكنه لم يكن له أهميته ونفوذه، ولا صموده أمام الروم البيزنطيين الذين غزا امبراطورهم نقفور بلاد الشام ووصل في زحفه إلى طرابلس. كما أن حلب لم تنعم في عهد سعد الدولة بالإزدهار الذي نعمت به في عهد والده. ثم إن غلمانه ملَّكوا إبنه أبا الفضل سعيد مكانه سنة 381ه (991م) ولقَّبوه بسعيد الدولة، وصار الأمير أبو محمد لؤلؤ الكبير السيفي مدبِّرًا له وصاحب جيشه.
كانت الدولة الفاطمية قد قامت آنذاك في مصر، واحتلت دمشق، فأرسل الخليفة الفاطمي العزيز جيشًا بقيادة بنجوتكين لاحتلال حلب، مستصغرًا شأن سعيد الدولة. لكن الأخير استطاع أن يحافظ على نفوذه بالتحالف مع باسيل، ملك الروم البيزنطيين، وبعد وفاته في أواسط صفر من سنة 392هـ (كانون الثاني 1002م) آل الحكم إلى ولديه أبي الحسن علي وأبي المعالي شريف اللذين كانا حاكمين بالإسم، لأن لؤلؤ الكبير السيفي إستقلَّ به، الأمر الذي اضطرَّ أبو المعالي إلى اللجوء للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في مصر حيث مات فيها، كما اضطر أبو الهيجاء بن سعد الدولة بن سيف الدولة، أن يلجأ إلى باسيل ملك الروم البيزنطيين بعد أن ضيَّق لؤلؤ الكبير السيفي عليه، حيث مات في القسطنطينية2 .
انتهت الدولة الحمدانية، وتشتَّت الحمدانيون في شمال سورية، وبقيت أخبار الإنتصارات التي حقَّقها سيف الدولة مخلَّدة في قصائد الشاعر أبي الطيب المتنبِّي، وأخبار تشجيعه للعلم وعطاءاته للشعراء والعلماء والأدباء والفلاسفة، وما شاده في حلب من قصور وأسوار وأبراج، ماثلة في بطون التاريخ3. وبقي من الحمدانيين إسم شاعرهم الكبير أبي فراس الحمداني، كما بقي منهم آل حمدان الذين هم موضوع بحثنا، والذين انتقلوا من الجبل الأعلى أو جبل السُّمَّاق، الواقع في شمال سورية، إلى جبل لبنان، ثم انتقلوا منه إلى جبل حوران. وفي حال صِحّة نسب هؤلاء إلى حمدانيي شمال سورية، فإنهم قد يكونون من نسل الأمراء الذين ورد ذكرهم أو من نسل غيرهم من بطن حمدان التغلبي.

“أصل آل حمدان في جبل لبنان وجبل حوران من الحمدانيين حكام حلب، ومن قبيلة تغلب القيســـــية”

النزوح إلى جبل لبنان
أول من ذكر آل حمدان بين النازحين من جهات حلب إلى جبل لبنان هو مؤرِّخ مجهول ترك لنا كتابًا اسمه “قواعد الآداب حفظ الأنساب”، ألَّفه في القرن الرابع عشر للميلاد بعد سنة 1385م، وتناول فيه نزوح إثنتي عشرة طائفة، أي عشيرة، من جهات الجبل الأعلى إلى لبنان في شهر محرَّم سنة 205هـ (حزيران 820م) بسبب اعتداء مشدَّ المغل على بعض نسائهم.
إن كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” تحدَّث عن عشائر كثيرة تفرَّعت من الإثنتي عشرة طائفة، وتحدَّث أيضًا عن غيرها من الطوائف أو العشائر. وتبعًا لذلك، ولتضمّنه إسم الأمير معن الذي جاء مع عشيرته إلى لبنان في سنة 1120م، لا يمكن تحديد تاريخ نزوح آل حمدان بسنة 820م، إذ لا يعقل أن يحصل نزوحهم من جهات حلب قبل تأسيس دولتهم هناك في سنة 942م، وإنما يمكن القول إنهم نزحوا إلى جبل لبنان بعد إنتهاء دولتهم في أوائل القرن الحادي عشر للميلاد، وإنهم إعتنقوا في حلب، أو في جهات الجبل الأعلى، مذهب التوحيد الذي أُعلن عنه في سنة 1017م، وأُقفل باب الدعوة إليه في سنة 1043م. وقد يكون مجيئهم بناءً على ذلك، وعلى كونهم قيسيين، مع المعنيين القيسيين.

في ديركوشه
حقَّق الدكتور إلياس القطَّار مخطوط كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” إعتمادًا على إحدى نسخه، وجاء فيه عن آل حمدان ما يلي: “وفي العمّيق أيضًا طايفة تُعرف بني حمدان وأصلهم في ديرلوشِه”4. إن العمّيق هي قرية عمّيق، وإن ديرلوشا هي ديركوشا التي تُكتب وتُلفظ حاليًّا: ديركوشِه. وكلاهما في مقاطعة المناصف من قضاء الشوف. والدليل على أن المقصود بـ “ديرلوشا”: ديركوشِه ليس مجاورتها لعمّيق فقط، بل لأنها وردت أيضًا ديركوشا في نسخة أخرى من مخطوط كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” حقَّقها الأستاذان سليمان تقي الدين ونائل أبو شقرا باسم “الأسر في جبل الشوف”5.
إن اسم ديركوشه السرياني يدلُّ على قدمها، وهي تقع في القسم الشرقي من مقاطعة المناصف،على الطريق التي كانت تربط بين ساحل الشوف والبقاع عبر شمال المناصف وعبر العرقوب، وعلى الطريق التي تربط الشوف بمقاطعة “الغرب” مرورًا بجسر القاضي الواقع إلى الشمال من ديركوشه، ويسلكها المارَّة من وإلى بلدات دير القمر وبعقلين والجاهلية وبيت الدين، وغيرها، ويشير إليها مطلع أغنية شعبية هو:
طلعنـــــــــــــــا بـــــــــــــطلعـــــــــــــة وادي الديـــــــــــــر نـــــــــــــزلنـــــــــــــا بنـــــــــــــزلـــــــــــــة ديـــــــــــــركــــــــــــــــــوشــــــــــــــــــــــــــه
إن المعلومات عن آل حمدان في ديركوشه قليلة بالرغم من أنهم أقاموا فيها بضعة قرون، وكانوا شيوخها، ولهم أملاكها التي عمل فيها أهل القرية كشركاء لهم، إضافة إلى ملكيات واسعة في جوارها. وبما أنها وقرية عمّيق مكانا نزولهم الأول عند قدومهم إلى لبنان، من المرجَّح انتقال بعضهم إلى قرية كفرا (الغرب) غير البعيدة.
لقد نزح القسم الأكبر من آل حمدان من ديركوشه لسبب مجهول، وبقي فيها بعضهم إلى أن تركوها مؤخرا، فيما نزح أنسباؤهم من كفرا (الغرب) لسبب معلوم هو تأييدهم لليمنيين، بالرغم من أنهم قيسيون في الأساس، مما كان وراء مهاجمة آل تلحوق القيسيين لهم وإحراق كفرا (الغرب)، الأمر الذي أدى إلى ترك آل حمدان لها. ونظرًا لتزامن ذلك مع نزوح آل حمدان من ديركوشه فإنه يمكن القول إن سبب نزوحهم منها هو تأييدهم لليمينين، او وقوفهم كالأمراء الأرسلانيين على الحياد في المرحلة الأخيرة من الصّراع القيسي اليمني، مما جعل الأمراء الشهابيين، الذين خلفوا الأمراء المعنيين وأقاموا في دير القمر القريبة من ديركوشه، يضيّقون على آل حمدان فيها فيضطرُّ هؤلاء للابتعاد عن المنطقة في وقت كان الأمير حيدر الشهابي يعيد توزيع الإقطاع ويعطي المناصف لآل نكد بعد انتصاره على اليمنيين في معركة عين داره سنة 1711م.
كان آخر النازحين من ديركوشه هو القاضي سعيد حمدان الذي وُلد فيها سنة 1840، وقضى السنوات التسع الأولى من حياته فيها قبل إنتقاله إلى باتر والسكن مع أقربائه الذين سبقوه إليها. وقد بقي قسم من أملاكه بيد ورثته: ابنه القاضي ملحم، وابن ملحم:عادل، وابن عادل: نبيل الذي باع معظم الأملاك مؤخرًا بحيث لم يبق منها إلا مساحات قليلة، ومن أثار آل حمدان الباقية حتى اليوم في ديركوشه، بالإضافة إلى الذكر الطيِّب، ما يلي:
• تربة (مدفن) وعلى البلاطة التي تعلو بابها كتابة دارسة وغير واضحة مما يدل على أنها قديمة.
• معمل قديم لحل شرانق الحرير (كرخانة) كان آل حمدان يملكون عند بيعه 75% من أسهمه، وقد هدم الشاري هذا المبنى التاريخي منذ نحو سبع سنوات وباع حجارته.
• معمل آخر لحل شرانق الحرير (كرخانة) لا يزال بناؤه قائما إلى اليوم على طريق ديركوشه-جسر القاضي، هو للشيخ عبد الحميد حمدان.
• فاخورة (معمل للأواني الفخارية) اسمها “العملية”.
• مجلس (مسجد) وقد قدّمه آل حمدان لديركوشه يتبعه أربع عقارات سجلت، مع عقاره، وقفاً لديركوشه، منه 21 قيراطا (من أصل 24) من آل حمدان و3 قراريط من ملك الشيخ التقي أبي علي محمّد ضو الذي أقيم له ضريح في المجلس، وهو كان وكيلاً على أملاك آل حمدان، وانتقلت بعده هذه الوكالة إلى أبنائه، وهي حاليا بيد أحد أحفاده الشيخ نسيب.
• عدة بيوت متجاورة اسمها “القاعة” كانت ملكاً لآل حمدان وبيعت لأهل ديركوشه.

الحي-الذي-ضم-مشايخ-آل-حمدان-في-باتر--وأمامه--الميدان---في-الحارة-الفوقا-في-باتر
الحي-الذي-ضم-مشايخ-آل-حمدان-في-باتر–وأمامه–الميدان—في-الحارة-الفوقا-في-باتر

في كفرا (الغرب)
أول من ذكر وجود آل حمدان في كفرا (الغرب)، هو المؤرِّخ حيدر الشهابي الذي أنهى تاريخه سنة 1835. لكن ليس هناك مستندات خطية تشير إلى الصلة بينهم وبين آل حمدان في ديركوشه، وإنما هناك روايات متوارثة وأقوال متواترة تقول بأن ما يجمع بين هؤلاء، ليس الاسم فقط، وإنما الأصل الواحد، إضافة إلى أن هناك إستنتاجات تعزِّز مقولة الأصل الواحد، منها الإستنتاج المبني على أن آل حمدان في ديركوشه وآل حمدان في كفرا (الغرب) هم من جهات الجبل الأعلى، وأنهم سكنوا في مكانين متجاورين، يقع أحدهما على الضفة اليسرى لمجرى نهر الصفا، والآخر على ضفته وضفة رافده نهر الغابون اليمني، مما يرجح أن يكون بعض آل حمدان في ديركوشه قد انتقلوا منها إلى كفرا (الغرب).
كفرا إسم سرياني، الأمر الذي يعني قدم كل مكان يحمله، وقدم كل مكان يبدأ اسمه المركّب به، مثل كفرفاقود، وكفرحيم، وكفرحمّل، وكفرقطرا، وكفرنبرخ، وجميعها قرى قريبة من كفرا، اضافة الى أسماء قرى كثيرة في لبنان. وكفرا التي نتحدَّث عنها قرية دارسة في منطقة “الغرب” من قضاء عاليه، في خراج بيصور، تُكتب وتُلفظ كفرا (الغرب) تمييزًا لها عن كفرا (الشوف) الدارسة أيضًا، والواقعة إلى الجنوب من قرية عين زحلتا، على يمين الطريق الذاهبة إليها من بلدة الباروك. أما موقع كفرا (الغرب)، فهو إلى الجنوب من عيناب، والى الغرب من بيصور على مسافة قصيرة من بداية الطريق اليها من مستديرة قبر شمون.
ذُكرت كفرا (الشوف) في كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب”، ولم تُذكر كفرا (الغرب) فيه، كما لم تُذكر أيضًا بين القرى والمزارع الواردة في تاريخ صالح بن يحيى المتوفَّى سنة 1453، بالرغم من ورود أسماء قرى ومزارع محيطة بها. لكن إبن سباط الذي توقَّف عن الكتابة في سنة 1520 ذكر وفاة شيخ قرية كفرا (الغرب) الشيخ أبي عبد القادر علي في سنة 900هـ= 1494/1495م، وذكر وفاة شيخ آخر لها هو الشيخ أبو حمزة شهاب الدين سنة 913هـ= 1507/1508م، وكان من تلاميذ الأمير السيد عبد الله (ق)6 الذي ذكره في وصيته.
مما ورد نستنتج أن كفرا (الغرب) كانت موجودة زمن صالح بن يحيى، لكنه لم يذكرها لأنها، في رأينا، لم تكن من إقطاعات أقربائه الأمراء التنوخيين، بل كانت مقطعة لغيرهم، بدليل أنه كان لها في سنة 1495م شيخ، وفي سنة 1508م شيخ آخر. ثم ظهرت في النصف الأول من القرن السادس عشر للميلاد قرية عدد رجالها 45 عازبًا ومتزوِّجًا كلهم من الموحِّدين (الدروز)، وعليها ضرائب مجموعها 7331 أقجة، مع الإشارة إلى أن كل 45 إلى 60 أقجة تساوي قطعة ذهب واحدة7.
وهنا يصح التساؤل: إلى أية أسرة ينتمي شيخا كفرا (الغرب)، اللذان ورد ذكرهما، كما يجوز القول إن آل حمدان، إذا لم يكونوا شيوخ كفرا في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر، فإنهم من أهلها إعتماداً على أنهم كانوا شيوخها في أواخر القرن السابع عشر أو أوائل القرن الثامن عشر عندما هاجمها آل تلحوق وأحرقوها فاضطر آل حمدان للنزوح منها، ومنهم حمدان الحمدان الذي نزح إلى جبل حوران.

المشيخة الحمدانية
بالعودة إلى كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” نجد أنه يذكر أصول وأنساب وصفات أسر عديدة، ولا يذكر عن أسرة حمدان سوى إسمها، ونزولها في قريتي ديركوشه وعمّيق، لذا لا نعرف ما إذا كان آل حمدان، الذين تأمَّروا في جهات حلب وحمص وأنطاكية، ثم زالت إمارتهم، وإنتقلوا إلى الجبل الأعلى، حملوا من هذا الجبل، عند إنتقالهم إلى لبنان، شيئًا من الجاه والنفوذ، أم أنهم اكتسبوا في لبنان هذين الأمرين المجسَّدَين بالمشيخة التي حملوا لقبها.
وبالإضافة إلى ما ذكرناه عن كفرا (الغرب) نقول إنه لو لم تكن مركزًا لمشيخةٍ مؤيِّدة للحزب اليمني الذي كان على رأسه الأمراء من آل علم الدين، لما هاجمها آل تلحوق القيسيون وأحرقوها.
لم يتكلَّم المؤرِّخ طنّوس الشدياق، المتوفَّى سنة 1861، في كتابه “أخبار الأعيان في جبل لبنان” عن نسبة مشايخ آل حمدان وأخبارهم أسوةً بمن تكلَّم عنهم من أمراء جبل لبنان ومقدَّميه وشيوخه، المقاطعجيين، الذين كان لهم يد في تولية الأمراء الشهابيين وعزلهم، لكن القس حنانيّا المنيّر (1756-1823)، الذي كتب قبل الشدياق، ذكر إحدى عشرة أسرة تأتي بعد الأمراء والمقدَّمين والمشايخ الكبار، منها أسرة آل حمدان في باتر، وقال عن شيوخ هذه الأسر: “وهؤلاء ليس لهم يد في شيء من ذلك [تولية الأمراء الشهابيين وعزلهم] ولا في أيديهم مقاطعات ورجال مثل أولئك”8.
ذكر المؤرِّخ شاكر الخوري في كتابه “مجمع المسرَّات” الذي طُبع لأول مرَّة في سنة 1908، “إن مقاطعة المناصف كانت أولا لبيت حمدان ثم أخذتها النكدية”9. وهذا كلام يتطلب المناقشة والتصويب، ذلك أن المناصف كانت في أوائل العهد العثماني داخلة في إقطاع الأمراء المعنيين، وفي ما سمِّي في جداول الضرائب العثمانية “شوف ابن معن”. وهي تشمل دير القمر، ولم تنفصل عن الشوف المعني وتصبح مقاطعة إلا في العهد الشهابي الذي جرى فيه إعطاؤها لآل نكد، باستثناء ديركوشه التي ظلت لآل حمدان والكنَيْسة التي أعطيت لآل شهاب، وذلك في سياق إعادة توزيع الأمير حيدر الشهابي للأقطاع بعد موقعة عين داره سنة 1711. وبناءً على ذلك فإن القول بوجود مشيخة لآل حمدان في منطقة لهم في المناصف، او في المناصف كلها، أمر لا تؤيّده الحقائق التاريخية إلا فيما يتعلق بديركوشه التي كانوا شيوخها، مع الإشارة إلى أنهم كانوا يملكون عقارات عدة في قرى المناصف وفي سواها من قرى الشوف، وهو أمر تظهره وقفية أحدهم التي سنتكلّم عنها لاحقًا، والتي تدلُّ على أن هناك سعة لهم في تملك الأراضي لا بد وأن تكون ملازمة لحيّز من النفوذ.
ونحن كما خالفنا قول المؤرّخ شاكر الخوري إن المناصف كانت لآل حمدان قبل إعطائها لآل نكد فإننا نخالف أيضا القول بأن آل حمدان “فلاحون أغنياء” في إطار الإقطاع النّكدي في المناصف. إلا أن إقطاع آل حمدان كان مختلفا عن إقطاع آل نكد من حيث الممارسات مع الفلاحين. فلقد كان الفلاحون في المناصف يقومون بشتى أنواع الفرائض وأعمال السخرة حيث تنعدم نوعا ما حريتهم الشخصية، بحيث كان يستحيل عليهم مغادرة الأرض وعصيان أوامر المقاطعجية النّكدية فكانوا لذلك يرزحون تحت ضروب من القيود الاجتماعية ومنها أنه لا يحق للفلاح الشريك أن يتزوّج إلا بإذن المقاطعجي النّكدي. ومن مظاهر تسلّط المقاطعجي تدخّل الزعيم النّكدي في كل شاردة وواردة من حياة الفلاحين وفي مجمل أحوالهم الشخصية والاجتماعية كالزواج والطلاق والإرث .. ومن دلائل التعسُّف في العلاقات الاجتماعية القائمة بين النّكديين والفلّاحين ما يتعرض له هؤلاء من حالات ضرب وإهانة في الساحة العامّة للقرية وخاصة في دير القمر وكفرحيم وديربابا وكفرفاقود وعبيه على مرأى العديد من الفلاحين ليكون “المذنب” عبرة لمن يعتبر، حسبما يذكر المؤرخ عاطف بوعماد في كتابه عن الأسرة النكدية (ص82-84).
إن ما سبق ذكره عن ممارسات النكديين لم يكن منه شيء في ممارسات مشايخ آل حمدان في ديركوشه، فعلاقات الفلاحين معهم كانت مختلفة، لذا يذكرهم أهل البلدة بالخير ويعترفون بأفضالهم، ولعلّ أدق توضيح لعلاقاتهم بمشايخ آل حمدان وعلاقات أهالي سائر قرى المناصف، ومنها بشتفين، بمشايخ آل نكد قول رجل من ديربابا لرجل من بشتفين: “إننا نتعاطى مع أغنام” مشيرا بذلك إلى سهولة التعامل مع آل حمدان، وجواب إبن بشتفين له بالقول: “إننا نتعاطى مع أسود” وفي ذلك إشارة إلى القسوة والعنف في تصرف النّكديّين.
ومما يجدر ذكره هو أن آل حمدان الذين كانوا شيوخًا في منطقتي “الغرب” والمناصف حملوا من كفرا (الغرب) لقب المشيخة إلى جبل حوران، وغدوا شيوخه منذ أوائل القرن الثامن عشر، وحملوا من ديركوشه لقب المشيخة إلى باتر، ولا يزالون فيها يحملون هذا اللقب إلى اليوم، وقد حملوه على تذاكر الهوية. وفيما انفسح لهم مجال البروز واسعًا في جبل حوران حيثُ أسَّسوا المشيخة الدرزية فيه، وغدا أكابرهم شيوخ مشايخه، وحيث ساهموا في صنع الأحداث، ظلَّ دورهم في جبل لبنان محدودًا، شأنهم في ذلك شأن سائر شيوخ الصف الثاني الذين يلون في المرتبة شيوخ الصف الأول، وهم آل جنبلاط وآل العماد وآل نكد وآل تلحوق وآل عبد الملك.

الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان
الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان

وقفيّة الشيخ ناصر الدين حمدان
إن وقفيّة الشيخ ناصر الدين حمدان هي –على حد علمنا- أقدم مستند يضيء عليهم بعد كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب”. إنها محرَّرة على رق غزال بتاريخ العشر الأوسط من شهر جمادى الأولى من سنة 983هـ (آب 1575م) والرق لا يزال محفوظًا عند الشيخ نبيل عادل ملحم سعيد حمدان. وقد نُقل نصُّها حرفيًّا عند تسجيلها في سجل مضابط محكمة قضاء الشوف في غرَّة جمادى أول من سنة 1286هـ (آب 1869م)10، وصدّق على صحّة الوقفية مفتي مدينة بيروت آنذاك محمّد الحلواني بعد العبارة التالية: “إن الوقف صحيحٌ شرعيٌّ لا يحتاج لزومه إلى حكم حاكم شرعيّ لأن القول الأرجح المُفتى به عند أيمتنا الحنفيّة رحمهم الله أن الوقف لازم بدون حكم القاضي. “ولهذه الوقفية أهمية تاريخية تظهر في النواحي التالية:
1. إنها تذكر الواقف بأنه “الصدر الأجلُّ المحترم الناصري الشيخ ناصر الدين محمد إبن المرحوم الشيخ بدر الدين حسن الشهير نسبه الكريم بإبن حمدان من أهل قرية ديركوشه من الشوف المعني”. ووصفُ الشيخ ناصر الدين حمدان بـ “الصدر الأجل” دلالة على علو منزلته الدينية، إذ إن هذا الوصف يُعطى للرؤساء الروحيين ولشيوخ العقل ولكبار شيوخ الدين وتقاتهم عند الموحِّدين (الدروز).
2. إن الوقفيّة أحد نماذج الوقفيّات القديمة التي وصلت إلينا بدءًا بوقفية الأمير السيد عبد الله التنوخي (ق). وفيها تحديد لنوعية الوقف الذي تتضمّنه، ولشروط الواقف، فهو وقف ذرّي مؤبّد، معرّف به في الحقوق الواجبة الشرعية “وقفًا صحيحا شرعيًّا سرمدًا أبدًا وحبسًا دائمًا مخلدًا وصدقة دائمة على توالي الليالي والأيام وممر الشهور والأعوام لا يُباع أصل ذلك ولا بعضه ولا شيء منه ولا يملّك ولا يستملك ولا يوهب ولا يستوهب ولا ينتقل إلى ملك أحد من خلق الله تعالى”.
3. والوقف المذكور يجري على ثلاث طبقات، الطبقة الأولى هي الواقف نفسه في حياته ثم ولده سيف الدين أبو بكر وأولاده وأولاد أولاده الذكور دون الإناث اللواتي يحق لهن فقط شيء من الغلال يكفيهن طالما هن عازبات. والطبقة الثانية هي –في حال إنقراض الطبقة الأولى- الفقراء والمساكين المسلمين من أهل الدين والتقوى القارئين كتاب الله تعالى من أمة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلّم، الناهيين عن الفحشاء والشرور وشرب الخمور ببلاد الشوف والغرب والجرد والمتن، ويكون الناظر على الوقف عين الأعيان ببلاد الشوف. والطبقة الثالثة هي –في حال إنقراض الطبقة الثانية- الحرمان الشريفان: مكة المشرَّفة والمدينة الشريفة.
4. في الوقفيّة أسماء أعلام وأماكن يستفاد منها في الأبحاث. ومن الأسماء المذكورة فيها، وفي تصديقها في سجلاَّت قائمّقامية الشوف سنة 1869، أسماء أشخاص من آل حمدان، كما فيها إسما أميرين هما الأمير قرقماس والد الأمير فخر الدين المعني الثاني، وكان شريك الشيخ ناصر الدين حمدان في المطحنة القائمة على نهر الصفا في قرية بريح، وفي المطحنة القائمة على “نهر الجديدة”. والمقصود بهذا النهر هو نهر الباروك الذي يُعرف قرب قرية جديدة الشوف ب “نهر الجديدة”. أما الأمير الثاني الذي هو أيضًا شريك الواقف، فهو الأمير بهاء الدين، يضاف إليهما اسم أحد الشهود وهو محمّد يوسف سليم عماد من دير القمر.

5. كثرة أملاك الواقف، الشيخ ناصر الدين حمدان، فهي بالإضافة إلى أملاكه في خراج ديركوشه، أراضٍ أو مطاحن في القرى التالية: عمّيق- كفرحيم- دير القمر (البلدة والخراج)- بشتفين- دميت- بريح- الفريديس- جديدة الشوف- نيحا- مزرعة بيروت. وهذه الأملاك الكثيرة بالإضافة إلى أملاك لآل حمدان في جهات الجرد واقعة على الضفة اليمنى لنهر الصفا، سنتكلم عنها، تدلُّ على إتساع أملاك هذه الأسرة.
6.
النزاع القضائي بين اَل حمدان واَل الخوري
باع شيوخ آل حمدان: نصر وكليب وعسَّاف ومنصور وعبد السلام بعض أملاكهم إلى الشيخ غندور الخوري وفارس الدّهّان والخوري مخايل أبو عرَّاج رئيس دير مار الياس رشميًّا، ثم عادوا وإعترضوا على البيع وتقدَّموا بشكوى ضد الشارين مبنية على حجتين هما:
• إن البيع جرى “قهرًا وغصبًا وغدراً من الحاكم بسبب طلب دراهم منهم”.
• إن في الأملاك المباعة ما هو داخل في الوقف الذرّي الذي وردت الإشارة إليه.
وما ورد في الحجّة الأولى يدلُّ على مضايقة الأمراء الشهابين لآل حمدان، ومنهم الأمير يوسف الشهابي الذي جرى البيع في زمنه، وفي هذا إستمرار لسياسة الأمراء الشهابيين، التي حملت اَل حمدان سابقاً على الإنتقال من ديركوشه إلى حارة جندل وباتر. لكن النزاع القضائي بينهم وبين آل الخوري في رشميا إنتهى باتفاقية بتاريخ ربيع أول من سنة 1217ه (تموز سنة 1802م)11 تنصُّ على أن يكون للشيخ حبيب ما بيع لوالده الشيخ غندور الخوري في رِشميّا وعين تراز ومزرعة عطايا والمغار الفوقاني، على ان يظل الرزق الذي في طليع، إضافة إلى نصف مراحات بيروت والأملاك الموجودة في الخريبة وجل المصري وأحد عشر قيراطًا في طاحونة البلاَنة، عدا ما يخص رهبان دير مار الياس، في تصرّف اَل حمدان الذين قدّموا الشّكاوى ضد حبيب الخوري، والذين سيشترون للوقف املاكاً بديلةً عما بيع منه. ومعظم هذه الأملاك واقعة على الضفة اليمنى لنهر الصفا فيما ديركوشه واقعة على الضفة اليسرى للنهر في القاطع المقابل.
كان من الموقِّعين على الإتفاقية الأمير بشير الشهابي الثاني، والأمير حسين الشهابي، والشيخ بشير قاسم جنبلاط، والشيخ بشير نجم جنبلاط، والشيخ نجم العقيلي. وكان من موقِّعي آل حمدان الأشخاص الواردة أسماؤهم أعلاه عدا عبد السلام المتوفَّى، بعد البيع وقبل إجراء الإتفاقية المذكورة. ومن الموقِّعين إثنان لهما ختمان هما سرحال حمدان ومنصور حمدان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد شيوخ آل حمدان الذي كان شاهدًا على حجَّة بتاريخ جماد الأول 1165هـ (آذار/ نيسان 1752م) كان ختمه يتضمَّن العبارة التالية: يا حنّان يا منّان ارحم محمود حمدان. وهذا الشيخ قد يكون من شيوخ آل حمدان في حارة جندل أو باتر. وفي إعتماد أشخاص من آل حمدان للأختام منذ القرن الثامن عشر دليل على وجاهتهم.
وهناك نزاع آخر شبيه بنزاع آل حمدان مع آل الخوري الذين أقطعهم الأمير حيدر الشهابي رشميّا، هو نزاع آل القاضي في بيصور مع الشيخ حبيب الخوري على أملاك باعوها في رِشميّا وعين تراز والمغار. وهذان النزاعان يظهران من ناحية توسّع ملكية النصارى في مناطق الجرد بالشراء وبأساليب أخرى على حساب الإقطاعيين الدروز الذين كانوا يملكون هذه المنطقة، كما يظهران من ناحية أخرى اعتراض هؤلاء الإقطاعيين على بعض عقود البيع.

في حارة جندل
حملت قرية حارة جندل إسمها هذا نسبةً إلى الجنادلة أمراء وادي التيم، الذين أقام أميرهم الضحَّاك إمارة في جنوب الشوف، قاعدتها حارة جندل، وذلك في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي، إبّان حروب الفرنجة (الصليبيين).
بعد توطّن آل حمدان لديركوشه بضعة قرون إنتقلوا إلى حارة جندل وباتر. وقد جانب المؤرِّخ عيسى اسكندر المعلوف (1869- 1956) الحقيقة في أمرين بقوله: “أما بنو حمدان في باتر الشوف، فهم من أعيان دروز لبنان، جاء جدّهم من الجبل الأعلى قرب حلب منذ قرنين وسكن بحارة جندل في الشوف ثم إنتقل إلى ديركوشه فباتر”12. والأمر الأول المجانب للحقيقة هو تحديد تاريخ قدوم آل حمدان من الجبل الأعلى إلى لبنان بالقرن الثامن عشر فيما هو قبل ذلك بعدة قرون. والأمر الثاني هو تحديد نزولهم في حارة جندل أولاً وانتقالهم منها إلى ديركوشه فيما العكس هو الصحيح.

جسر القاضي الذي قام الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان بترميمه سنة 1884 تقدمة منه للمتصرف واصا باشا
جسر القاضي الذي قام الشيخ سعيد بن سعد الدين حمدان بترميمه سنة 1884 تقدمة منه للمتصرف واصا باشا

ومما يعزِّز القول بنزول آل حمدان في ديركوشه أولاً هو ذكر مؤلّف كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” لذلك، وعدم ذكره إسمي حارة جندل وباتر على الإطلاق، وذكره إسم عماطور التي كانت حارة جندل تشكِّل إحدى حاراتها الثلاث، دون الإشارة إلى نزول آل حمدان فيها. ثم إن المؤرِّخ يحيى حسين عمَّار، الذي يذكر أن آل حمدان نزلوا أولاً في كفرا (الغرب)، ومنها إنتقلوا إلى ديركوشه، يذكر أيضًا أن جمهورهم توزَّع من كفرا (الغرب) ومن ديركوشه، وراحت فصائل منهم إلى حارة جندل. وهو يربط بين رحيل آل حمدان من حارة جندل إلى باتر وبين نزاعٍ يقول إنه جرى في حارة جندل بين أسرتي ملاَّك وجودية وأسرتي آل العسراوي وآل خويص، هزمت فيه الأسرتان الأوليان الأسرتين الأخيرتين اللتين ناصرهما آل حمدان، فأتى آل أمين الدين وأخذوا آل العسراوي وآل خويص إلى عبيه حيث جاء آل عبد الملك وأخذوهم منها إلى بتاتر، وإرتحل آل حمدان إلى باتر13 أما نزول اَل حمدان في لبنان فهو في ديركوشه أولاً لا في كفرا (الغرب) حسبما ذكر المؤرّخ يحيى حسين عمّار.
إن الثقات من حارة جندل يؤكِّدون نقلاً عن السلف وجود آل عسراوي قديمًا في حارة جندل، كما لا يزال حقل في خراج حارة جندل يذكِّر بهم لنسبته إليهم: “حقل العسراوي” أو “جل العسراوي”. ويؤكِّد هؤلاء الثقات أيضًا حصول الموقعة بين آل ملاّك وآل عسراوي فقط، وأن موقعها هو عند عين أبو لبن القريبة من حارة جندل، والواقعة إلى الجنوب الغربي منها، لكنهم لا يعرفون أي دور لآل حمدان في هذا النزاع، كما أنهم لا يذكرون اسم أسرة آل خويص بين الأسر الثلاثة عشرة التي مرَّت في حارة جندل أو أقامت فيها14.
بالإضافة إلى ما ورد ذكره عن آل حمدان في حارة جندل، هناك أدلَّة أخرى تؤكِّد وجودهم فيها، وهي:
1. بيت قديم قرب ساحة حارة جندل يُعرف بـ “بيت الحمدان”، لا يزال جانب من جدار مدخله قائمًا إلى اليوم، ويُعرف باسم “بوَّابة الحمدان”. كما لا تزال بقربه آثار قبو قديم، حجارته ضخمة، في جداره مرابط حجرية للخيل، الأمر الذي يدل على الغنى والنفوذ.
2. عقد (حجَّة) في بعذران المجاورة لحارة جندل، يرد فيها إسما محمود حمدان وولده منصور، وهما بائعان أرضًا في بعذران لأبي حسين علي باز من بعذران، تاريخها 1194هـ (1780م).
3. حجَّة مؤرَّخة في شوَّال سنة 1172هـ (أيار/ حزيران 1759م) يُذكر فيها أن الشاري هو الشيخ علي جنبلاط المكرَّم والشيخ علم الدين حصن الدين من قرية المختارة، وأن البائع هو “بهاء الدين وأخوه طليع أولاد حمدان من قرية حارة جندل”15.
إن تاريخ الحجَّة المذكورة –وهو 1759م- يؤكّد أن آل حمدان موجودون في حارة جندل قبل هذا التاريخ، ذلك أن الأخوين بهاء الدين وطليع حمدان اللذين باعا الأرض في السنة المذكورة قد يكونان مالكين لها قبل ذلك التاريخ بسنوات عديدة، وقد يكونان وارثين لها عن أبيهما. وفي تاريخ هذه الحجَّة مؤشِّر لتحول حارة جندل إلى قرية منفصلة عن عماطور بعد أن كانت من حاراتها الثلاث: حارة جندل، حارة حريمه، الحارة الوسطى، إذ هناك حجَّة بتاريخ رجب 1135هـ (نيسان 1723م) يرد فيها “أن الشيخ بو نجم قيس ابن زيدان إبن جوديه من قرية عماطور من حارت [حارة] جندل من الشوف الحيطي تابع صيدا المعمورة اشترا [اشترى] من يد الشيخ عبد الله إبن عسَّاف إبن بو شقره من حارت حريمه من الشوف الحيطي16. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان عماطور وردت في جداول الضرائب العثمانية في القرن السادس عشر فيما لم ترد حارة جندل.
خلت حارة جندل من آل حمدان الذين باعوا أملاكهم فيها، وانتقلوا إلى باتر القريبة، فلقد كانت بالنسبة لهم محطة مؤقتة.

“آل حمدان تبعوا الغرضية الجنبلاطية وتزاوجوا مع آل جنبلاط ومع أسر وجيهــــة أخرى مثل آل شمس ومزهر وأمـــين الدين”

في باتر
تقع باتر في جنوب الشوف، على الطريق الرئيسة الذاهبة منه إلى جزِّين. وعلى طريق نيحا-النبي أيّوب، والتفسيرات العديدة المعطاة لإسمها تدلُّ على قدمها، وأرجحها، في رأينا، هو أنه سرياني17.بمعنى “القطع”. وهي كانت تمتد بين مجرى الماء الشتوي الواقع إلى شمالها ونبع باتر الواقع إلى جنوبها. وموقعها هذا يعرف اليوم بـ “باتر الضيعة”، ذلك أن البلدة كبرت في القرن العشرين واتسعت شمالاً في محلة “الحَمَاري” إلى أن بلغت موقعها القديم المعروف بـ “الحارة” الواقعة إلى الشمال الغربي واتصلت بمحلة جبليه، واتّسعت جنوباً في منطقة “الدلغان” حتى بلغت محلة “خفيشه “.
قدم آل حمدان من ديركوشه إلى باتر على دفعات، أقامت طلائعهم في جباع الشوف لمدة وجيزة قبل انتقالهم إلى باتر ، ولحق بهم آل حمدان الذين أقاموا في حارة جندل ثم الذين ظلوا في ديركوشه. وأقاموا جميعاً في الحارة الفوقا والحارة التحتا من “باتر الضيعة”. واستطاعوا بما حملوا معهم من الأموال، وما كان يأتيهم من غلال أملاكهم في ديركوشه، وما كان يتراكم لديهم من ثروات أن يشتروا الأراضي من فلاحي باتر الفقراء حتى توصلوا إلى امتلاك 90% من أراضيها، ومنها خفيشه التي اشتروها من آل نصر الدين الذين منهم اليوم آل أبو حسين. وهذا ما جعلهم إقطاعيي باتر وجعل أهلها شركاء عندهم. وقد عرفوا بلقب “المشايخ” وبلقب “البكوات” مؤخراً، وكان لهم، بفضل علومهم، مراتب في الإدارة الحكومية والقضاء وخصوصاً في القضاء المذهبي الدرزي.
من مظاهر إقطاع آل حمدان وغناهم السجن والميدان ومعصرة الزيتون التي تخصّهم وجميعها في الحارة الفوقا، والمطاحن الثلاث التي أنشأوها عند نبع باتر وقناة المياه التي جرّوها إلى مزرعة خفيشه ، ومن المظاهر أيضا جرُّهم مياه “عين التنّور” إلى بيوتهم في الحارة الفوقا ومياه “عين العرايس” إلى بيوتهم في الحارة التحتا.
من الأدلة على أهمية مشايخ آل حمدان ما سنذكره عند الحديث عن علاقتهم بآل جنبلاط، ومنها أنهم من مزاويجهم (مجاويزهم). ومن المزاويج الآخرين لأسرتيهم: آل مزهر وآل شمس وآل أمين الدين. وقد كانوا جميعًا متحالفين تحت لواء الغرضية الجنبلاطية.
إن عدد زيجات آل جنبلاط من آل حمدان هو، بحسب ما أفادنا القاضي فؤاد حمدان، خمس زيجات، منها زواج فؤاد بك جنبلاط من الست صفا حمدان. وعدد زيجات آل حمدان من آل جنبلاط سبع زيجات، منها زواج الشيخ كامل حمدان من الست جوليا، شقيقة فؤاد بك جنبلاط، وزواج القاضي ملحم حمدان من الست خانم جنبلاط التي اُقيم لها مقام في باتر18.
ومن الأدلة على إعتداد آل حمدان بأنفسهم، وحرصهم على موقعهم الإجتماعي، أنهم ما كانوا يمرُّون أثناء ذهابهم من باتر وعودتهم إليها، في بلدة عمَّاطور، لأنه كان من الإمتيازات المعطاة لها، بفضل قوة عصبيتي آل أبو شقرا وآل عبد الصمد، ترجّل الفرسان عن خيولهم وقيادتها حتى تجاوزها19. وهذا كان وراء تجنُّب آل حمدان المرور في عماطور، وسلوكهم الطريق التي تمرُّ تحتها، والتي صارت تُعرف لذلك باسمهم “طريق الحمدانيين”.
جاء في مخطوطة تاريخها سنة 1904 تحديد لعائلات باتر وأفرادها، وفيها يُذكر أفراد هذه العائلات بأسمائهم، باستثناء آل حمدان الذين تُذكر أسماؤهم مسبوقة بلقب “الشيخ”، وهم شيوخ الحارة الفوقا: الشيخ عبد السلام، والشيخ قاسم، والشيخ سعيد (القاضي)، والشيخ داود. وشيوخ الحارة التحتا: الشيخ حمّود، والشيخ قاسم، والشيخ عبّاس، والشيخ ملحم، والشيخ سليم20.
جمع آل حمدان إلى النفوذ المتأتي من المشيخة نفوذًا متأتيًا من المناصب التي شغلها متعلِّموهم ومثقفوهم، فكان منهم أعلام عديدون هم: حسب التسلسل الأبجدي للأسماء:
• حمّود حمدان: وهو شيخ الصلح في باتر في مطلع القرن العشرين.
• سعيد سعد الدين حمدان المتوفَّى سنة 1932: إنه من مواليد ديركوشه كما وردت الإشارة، وهو دون العديد من آل حمدان في الثروة والتملك في باتر. كان رئيس محكمة الشوف، وعضو محكمة التمييز، وقائمقام الشوف لسنة 1892، وقاضي مذهب الدروز الوحيد في جبل لبنان، ثم فيه وفي بيروت بعد إنشاء دولة لبنان الكبير في سنة 1920، وحتى سنة 1928. وهو منشئ “القنا الكبير” لري الأراضي من نبع باتر. ومرمم جسر القاضي سنة 1884 تقدمة للمتصرف واصا باشا.
• سليم عبّاس حمدان المتوفَّى سنة 1968: كان عاملاً في حقل الصحافة، وله ديوان شعر اسمه “الحمدانيات” وديوان آخر اسمه “أطياف” قدَّم له كمال جنبلاط، وكتاب “المدنية والحجاب” وهو ردٌّ على كتاب “السفور والحجاب” لنظيرة زين الدين، وكتاب “الدُّرُّ النظيم في مختارات السليم”.
• عادل ملحم سعيد حمدان المتوفّى سنة 1994: كان مدعيًا عامًّا في جبل لبنان. مارس القضاء لمدة تسع سنوات. وكان من أبرز أصدقاء الرئيس كميل شمعون والمقرَّبين إليه. قدّم نصف عقار كان يملكه واشترى بماله الخاص النصف الآخر من السيدة سعاد حمدان وقدم كامل العقار إلى نادي تيرون في باتر ليتم استخدامه كحديقة للنادي.
• فؤاد بسَّام فؤاد نجيب حمدان: وهو حاليًّا قاضٍ في المحكمة الاستئنافية المذهبية الدرزية العليا.
• ملحم سعيد سعد الدين حمدان المتوفَّى سنة 1950: كان مستشارًا للعدلية، ثم نُدب لرئاسة غرفة الإستئناف، وعُيّن في سنة 1928 قاضي مذهب خلفًا لوالده سعيد عند تردِّي وضعه الصحي. اتفق الزعماء الدروز على إستقبال المفوَّض السامي هنري دو جوفنيل في بيته ببيروت في أواخر سنة 1925، حين أُشكل عليهم في أي مكان يستقبلونه، وذلك عندما رغب في مفاوضتهم بأمر الثورة السورية الكبرى، وقد عزلته السلطة اللبنانية، بضغط من السلطة الفرنسية المنتدبة، من منصبه القضائي، في تشرين الأول 1926، لأنه حضر مأتم المجاهد في الثورة السورية، رشيد طليع، الذي أُقيم بقريته جديدة الشوف. ومن اللافت بقاء جثته دون أن تتفسخ حتى سنة 1987.

لوحة بريشه الرسام عمر فروخ للشيخ ملحم حمدان
لوحة بريشه الرسام عمر فروخ للشيخ ملحم حمدان

تجدر الإشارة أخيرًا إلى أنه ورد في “معجم أعلام الدروز” للدكتور محمد خليل الباشا إسم الملازم حسن خزاعي حسن –وهو من عترين الشوف- بين أعلام آل حمدان. وفي رأينا أن هذا خطأ في النقل، أو في إخراج الكتاب.
ألغت الحداثة، والتطوُّر الاجتماعي والإقتصادي، وترقِّي عامة أهل باتر، الفارق والتمييز بين هؤلاء وبين المشايخ الحمدانيين. وساهم في ذلك تراجع آل حمدان أنفسهم على الصعيد المادي، وبيعهم بعض بيوتهم في الحارة الفوقا ومعظم أملاكهم في باتر، ومنها، على سبيل المثال، مزرعة خفيشه التي باعها الشيخ عادل حمدان والتي ورثها عن أبيه، عن جده سعيد حمدان، وعين الزيتونة ذات المساحة الكبيرة في محلَّة “الحماري” التي باعها الشيخ سليم حمدان، إضافة إلى أملاك خارج باتر، ومنها في ديركوشه كما منها محلة “براك التل” الواقعة على الساحل إلى الجنوب من مدينة صيدا، والبالغ طولها ما يقارب أربعة كيلومترات، وقدباعها الشيخ عادل حمدان. وبعد أن كان أمين بك حمدان يعود من ديركوشه ومعه خرج مليء بالليرات الذهبية هي الغلّة السنوية من المطاحن ومعمل حل شرانق الحرير ومصنع الفخّار، وبعد أن كان يحصل على 30 قنطارا من زيت الزيتون من أراضيه في باتر، عاش آخر أيامه في حالة من الفقر والضنك بعد أن باع الأكثرية الساحقة من أراضية في القريتين.
كما ساهم في تراجع دور آل حمدان في باتر إقامة معظمهم خارجها في بيروت وصيدا وغربتهم عن أهلها وشؤونهم، وقد بلغ ضعفهم حد العجز، في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، عن التجديد للمختار الشيخ عارف حمدان الذي كان آخر مختار منهم بعد والده الشيخ نجيب حمدان الذي كان شيخ صلح قبل تسلُّمه المخترة، فاعتبر ذلك عنوانا لتحول حظوظ العائلة وأحد أبرز مظاهر تراجع مكانتها الإقطاعية.

معمل-لحل-شرانق-الحرير-من-أملاك-آل-حمدان-لا-يزال-موجودا-على-الطريق-من-ديركوشه-إلى-جسر-القاضي
معمل-لحل-شرانق-الحرير-من-أملاك-آل-حمدان-لا-يزال-موجودا-على-الطريق-من-ديركوشه-إلى-جسر-القاضي

اَل حمدان من دعائم الفريق الجنبلاطي
ورد سابقاً ان اَل حمدان القيسيين والوا اليمنيين في اَخر مراحل الصراع القيسي اليمني، مما جعل بعض المؤلّفين يعتبرونهم يمنيين. وبعد زوال اليمنية، وخلو الساحة للقيسية، صار اَل حمدان على الغرضية الجنبلاطية عند نشوئها، حين لم يحافظ القيسيون على وحدتهم، وانقسموا مع من تبقى من اليمنيين إلى جنبلاطيين ويزبكيين، فكانت هذه الثنائية الجديدة إمتدادًا للثنائية القديمة على صعيد الاصطفاف الفئوي، وكان آل حمدان من دعائم الفريق الجنبلاطي.
ذكر فرديناند بيريه الذي رافق حملة محمد علي على بلاد الشام (1831- 1840) في كتابه الصادر في باريس سنة 1842، أن “الحزب الجنبلاطي” ينضوي تحت بيرقه بيارق أربع أسر كبيرة، ذات تأثير ونفوذ بفضل ثرواتها وأصولها القديمة، هي:
1. مقدِّمو آل مزهر في حمَّانا.
2. مشايخ آل حمدان (وقد ورد اسمهم Beit Embdan ).
3. مشايخ بيت مان الدين [أمين الدين].
4. مشايخ بيت شمس.
وفي حديثه عن هذه الأسر قال فرديناند بيريه: “إن أسرتي آل مزهر وآل أمين الدين قليلتا العدد، وإن أسرة آل حمدان بإمكانها أن تحشد 260 مقاتلاً تحت بيرقها، ووصف هذا البيرق بأنه مركّز على رمح مزيّن، ينتهي بسنان (حربة) مثلث أسود”. وقال: “إن العديد من أفراد آل حمدان يمتلكون ثروات كبيرة وقرى بكاملها”21.. إن كلام هذا المؤلِّف الأوروبي عن تملّك آل حمدان قرى بكاملها المقصود به، في رأينا، تملّكهم لقريتي باتر وديركوشه وقد كان الكاتب مطّلِعا، وكان يكتب ما يراه في الميدان، وهو دوَّن مشاهداته عن الدروز في فصل كامل، حتى إنه تحدَّث عن جريمة شرف حصلت سنة 1839 في قرية صغيرة مجاورة لباتر، حدَّد موقعها بالقرب من جزين، هي على الأرجح قرية عاري.
إن آل أمين الدين هم أحد فروع آل القاضي الأربعة المتحدِّرة من شيخ العصر عند الموحِّدين (الدروز) الشيخ بدر الدين حسن العنداري، المتحدِّر بدوره من الأمراء المناذرة اللخميين، وإن تقديم فرديناند بيريه لآل حمدان عليهم قد يكون جاء عفوًا، وقد يكون عن قصد بناءً على قوة آل حمدان المتأتية من إمكانية حشد مقاتلين أكثر من اَل أمين الدين.
كان آل حمدان وآل مزهر وآل أمين الدين وآل شمس ممن استهدفهم الأمير بشير الشهابي الثاني في إجراءاته الإنتقامية ومظالمه بعد تغلُّبه على الشيخ بشير جنبلاط في كانون الثاني 1825، ومن ذلك طلبه في رسالته إلى حليفه الشيخ حمُّود النكدي أن يجمع بيت جنبلاط في المختارة “تحت الضغط”، وأن “يدبِّر” بيت حمدان وإبن إبن الشيخ بشير شمس22

بوابة-الحمدان-في-حارة-جندل-شاهد-على-استقرار-الأسرة-فيها-قبل-انتقالها-إلى-باتر
بوابة-الحمدان-في-حارة-جندل-شاهد-على-استقرار-الأسرة-فيها-قبل-انتقالها-إلى-باتر

يذكر طنّوس الشدياق أن بعض النصارى قتلوا في سنة 1844، أثناء الحوادث الطائفية بين الدروز والنصارى، شبلي حمدان أحد أقارب سعيد بك جنبلاط. لكن الشيخ سعيد منع آل حمدان أن يأخذوا بثأره تسكينًا للفتن، في إطار سياسته التي انتهجها من أجل إيجاد التقارب بين الدروز والمسيحيين23. وقد حُكم على أحدهم خليل حمدان بالسجن لمدة 6 سنوات بعد الحوادث الطائفية في سنة 1860.

الأسر المتفرِّعة من آل حمدان
إسم “حمدان” هو إسم الذكور عند المسلمين، وأسرهم التي تحمله كثيرة، منها من تعود إلى الحمدانيين الذين نتحدَّث عنهم، والذين تعود جذورهم إلى الحمدانيين حكام حلب والجزيرة والموصل، ومنها من تتشابه معهم بالاسم وتعود إلى جد أعلى اسمه “حمدان”. وقد ذكرنا من فروع الحمدانيين حمدانيي باتر، وأصلهم من ديركوشه، وحمدانيي جبل حوران، وأصلهم من كفرا (الغرب)، والفريقان يعودان إلى حمدانيي شمال سورية وفقًا للاستنتاجات التي ورد ذكرها.
واللافت أن الروايات لا تذكر من حمدانيي كفرا (الغرب) إلا حمدان الحمدان، وبعضها يذكر ان أخاه، الذي وُجد إلى جانبه في جبل حوران، ليس أخاه من أمه وأبيه، بل هو أخوه بالتعاهد. وهذا يقودنا إلى استبعاد أن يكون السالمون من حمدانيي كفرا (الغرب) شخصًا واحدًا فقط، أو شخصين، كما يقودنا إلى الاعتقاد أن يكون هناك أشخاص غيره لجأوا إلى قرية أو أكثر من قرى لبنان وحملوا اسم “حمدان” أو أسماء غيره هي أسماء الآباء والأجداد.
وبناءً على ذلك، وفي غياب الروايات المؤكَّدة، وتعدُّد الروايات وتناقضها، لا يسعنا الجزم بأي فروع لآل حمدان غير فرعي جبل حوران وباتر اللذين لا يزالان مستمرّي الوجود إلى يومنا هذا. وقد يحسم فحص الحمض النووي المعروف بـ D.N.A مسألة النسب عند اَل حمدان فيؤكّد من هم منهم أقرباء لبعضهم البعض، كما قد يحسمها ظهور وثائق ومعلومات جديدة. وفي غياب هذا لا بد من الإستعراض الموجز لما كُتب، ولما يروى عن فروعٍ لآل حمدان في لبنان.
ذكر المؤلِّف أحمد أبو سعد ما يلي: “وفي بعض قرى لبنان أسر أخرى درزية تحمل هذا الإسم “حمدان”، ولكنها لا تمت بصلة قرابة إلى أسرة حمدان في باتر، منها اَل حمدان في عميق المناصف وهؤلاء اقرباء بنى فوارس كما في “قواعد الاَداب” وأسرة حمدان أو أبو حمدان في ميمس بقضاء حاصبيا التي يُقال إن أصلها من شارون من آل الأحمدية وانتقلت إلى ميمس والكفير منذ مدة طويلة ولها علاقة بآل صبح وحاطوم وبركات، ومنها القاضيمنيف حمدان…وأسرة حمدان في عين عنوب وهي هناك فرعان زين الدين وحمدان وقد نزح من حمدان فرع إلى صوفر والمقول إن أصلها من قبيع”

بعض-الأبنية-التاريخية-التي-تعود-إلى-آل-الحمدان-في-الحارة-الفوقا
بعض-الأبنية-التاريخية-التي-تعود-إلى-آل-الحمدان-في-الحارة-الفوقا

“أهم أسباب تراجع مكانة آل حمدان الإقطاعية بيعهم لمعظم أراضيهم وسكنهم خارج باتر وغربتهم عن مجتمعهـــــا”

ما ورد ذكره يتضمَّن خطأين، أولهما نسبة آل حمدان إلى بني فوارس إعتمادًا على ما جاء في كتاب “قواعد الآداب حفظ الأنساب” وهذا لم يرد في الحديث عن آل حمدان وإنما ورد عن “بني سويقات”. وهو خطأ في الاقتباس، وفي النتائج المبنيّة عليه، لأن آل حمدان من بني تغلب القيسيين، وبني فوارس من المناذرة اللخميين اليمنيين. وثانيهما القول إن آل حمدان في المناصف لا يمتون بصلة إلى آل حمدان في باتر، مع الإشارة إلى أن أصلهما واحد. وفيما يتعلَّق بآل حمدان في عين عنوب، من الضرورة نقل روايتهم عن نسبهم، وهو أنهم يعتبرون أنفسهم من أقرباء الحمدانيين في جبل حوران، وأن منهم حمدانيي صوفر وقبّيع25.
إن المتداول عند آل حمدان في باتر هو أن أسرًا في لبنان تحمل لقب حمدان –ومنها الأسر الشيعية- تلتقي معهم فقط عند الأرومة العليا، أي أنهم متحدِّرون وإياهم من آل حمدان في جهات حلب. والمتداول عندهم أيضًا أنه ليس هناك فروع منهم أو أقرباء لهم إلا حمدانيو جبل حوران، لذا ليس عندهم أية معلومة عن مقولة حديثة بوجود فروع أربعة منهم، كما أنهم لا يجزمون بنفيها وبعدم صحتها، وهذه المقولة هي ترك أربعة أخوة من آل حمدان قريتهم باتر للسبب التالي، وهو أن أحدهم كان يريد الزواج من إبنة عمه، لكن ابن عمهم الثاني خطفها، فساءهم هذا وقتلوا العروسين وفرُّوا من باتر، وهم إسماعيل ومحمود وقرقماز وأحمد، وأقاموا في القرى التالية حيث شكَّلوا فيها أسرًا تحمل شهرة “حمدان”.
1. الكفير في جهات حاصبيا. وقد نزل فيها إسماعيل. ومن أعلام أسرة حمدان فيها: المحامي والقاضي الدكتور منيف حمدان (رئيس محكمة جنايات بيروت)، والعميد الركن إسماعيل حمدان عضو المجلس المذهبي الدرزي.
2. أرنون بالقرب من مدينة النبطية في جنوب لبنان، وقد نزل فيها محمود، ومن أعلام أسرة حمدان هناك الحاج خليل حمدان عضو المكتب السياسي في حركة “أمل”.
3. عسفيا في منطقة الكرمل في شمال فلسطين، حيث نزل قرقماز، لكن التواصل بين أسرة حمدان هناك وسائر الأسر الحمدانية في لبنان وسورية مقطوع منذ سنة 1948 بسبب قيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة.
4. عين الشعرة في السفح الشرقي لجبل حرمون من سورية، حيث نزل أحمد، وغدت ذريته أسرة انتقل بعض أفرادها إلى مغر المير ودير حينا، كما أن بعض آل حمدان قطنوا قرية دورين قرب القنيطرة حوالى المائة سنة، ثم تركوها منذ حوالى خمسين سنة26.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي