الجمعة, آذار 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, آذار 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حكايات الأمثال

حكايات الأمثال في جبل العرب

تنشر مجلة “الضحى“ في هذا العدد حلقة ثانية مستمدة من كتاب الأديب السوري فوزات رزق الذي تناول فيه حكايات الأمثال في الأدب الشعبي في جبل العرب، وفي بلاد الشام بصورة أعم. وقام المؤلف بجمع قصص الكتاب بالاعتماد على مجموعة متنوعة من المصادر المكتوبة والروايات الشفهية التي حققها في قرى جبل العرب بصورة خاصة. ومن المصادر التي يعترف المؤلف بفضلها مثل كتاب “أمثال وتعابير شعبية من السويداء” لمؤلفه سلامة عبيد، وكذلك معجم أحمد أبو سعد ومعجم أحمد تيمور باشا، ومؤلفات الكاتب التراثي اللبناني سلام الراسي.
ويلفت الكاتب إلى تفضيله أحياناً استخدام اللهجة الشعبية في بعض القصص أو في مقاطع حوارية منها بهدف الحفاظ على طرافة القصة وأصالتها، كما يلفت إلى أن التباين الذي قد يجده القارئ بين روايته لبعض الحكايات وبين روايات أخرى متداولة أمر طبيعي في أي أدب شعبي، وذلك بسبب الطابع الشفهي للحكايات الأمر الذي يؤدي غالباً إلى زيادات وتحويرات مصدرها خيال الراوي واجتهاده، كما أن الرواية المعينة قد تستعير من البيئة المحيطة موادَّ ومعطيات تكون أكثر واقعية وتساعد أكثر على فهم المثل والعبرة التي يحملها.

فوق القرق حَطوا له ثقّالة
ويروى: “ فوق القرقرب ثقالة “

والقرق هو انتفاخ في الخصيتين . حطوا له : وضعوا له . ثقالة : ثقلاً
ويضرب هذا المثل في الرجل إذا جاءته مصاعب أو متاعب تضاف إلى الأعباء التي ينوء بها كاهله. وقد سمعت هذه الحكاية سنة 1975من المرحوم نجيب الحكيم، من قرية خازمة وقد أخبرها كالتالي:
كان هناك زلمي مقروق، وهالزلمي محتار كيف بدو يتخلص من هالقرق، وهالقرق كان ملبكه كثير سواء في المشي أم في القعود، وبالليل وبالنهار..
وبيوم من ذات الأيام راح هالزلمي يدوّر على حكيم، بلكي يخلصه من هالقرق، وطلع من ضيعته لضيعة ثانية . وعلى الطريق ما شاف إلا جماعة مقبلين صوبه عم يغنوا ويعيطوا، وهالدَربَكي قايمة ، خاف الرجال وقال لحاله : يا ولد تخبى عن طريقهن أحلى ما يبتلوا فيك لبين ما يمروا ، وراح نقّى له صخرة ولبد وراها .
ولما قربوا وصار صوتهن واضح، عرف إنهم جماعة الأربعين أزعر، وسمع شو عبيغنوا ؛ وكان زعيمهن قدامهن يرفع إيدو ويقول : ” يومنا يوم الأنيس … يومنا يوم الأنيس ” . قال لحاله : ليش ما بطلعلهن بجملة على القافية . بلكي بيستحسنوها، وهيك بخلص منهن . وعند ما صاروا قراب، قفز في وجهن، ولما قالوا: ” يومنا يوم الأنيس … يومنا يوم الأنيس” طلعلهن : ” والثلاثا والخميس ” . هذول فرحوا بهذه الإضافة وأخذوا هالجملة وصاروا يغنوا ” يومنا يوم الأنيس … والثلاثا والخميس ” .
وكان زعيم هالجماعة حكيم عربي ماهر فأخذ المقروق، وحكّمه وخلصه من القرق وفوق ذلك عبّى له خرجه مصاري، وقال له : سلم على خوالك المراشدي (وهذا مثل يضرب للرجل إذا قضيت حاجته). هالزلمي رجع على الضيعة صاغ سليم ، وفوق هذا وكله خرج معبّى مصاري سألوه أهل الضيعة كيف تخلص من قرقو قام حكى لهن قصته من طقطق للسلام عليكم .
وكان بالضيعة واحد ثاني مقروق، ولما شاف الزلمي راجع ما شالله عنو، راح يسأله :
ـ دخيلك ! شو سويت ؟ . شو عملت ؟ . دلني .
وقام يوصف له المكان، والطريق يلي بيمرقوا منه الأربعين أزعر . والزلمي ما كذب خبر، حمل حاله وراح على نفس المكان، وعلى نفس الطريق . شوي … شوي وإلا مقبلين الجماعة، وعبيغنوا مكيفين:
“يومنا يوم الأنيس … والثلاثا والخميس ” . لبد الزلمي بظل الصخرة، وصار يرتب له جملة مناسبة . وبس صاروا عند الصخرة فز بوجهنن، وعند ما قالوا : “ يومنا يوم الأنيس … والثلاثا والخميس” صاح : ” والجمعة والسبت ” . الجماعة هن سمعوا هالجملة، وجن جنونهن . مسكوا هالزلمي المسكين، وهاي تضرك، وهاي تنفعك، حتى نزّلوا له قرق ثاني، وقالوا له سلم . رجع الزلمي على الضيعة يمشي فرشخة. وصاروا أهل الضيعة يسألوا : شو صار مع فلان ؟ وأهله يقولوا : مسكين … فوق القرق حَطوا له ثقالة . وصارت مثلاً.
ولقد وقعت على حكاية مشابهة في كتاب عبد الله البردوني ” الأدب الشعبي في اليمن “، وتقول الحكاية اليمنية:
إنه كان في بعض أحياء المدينة رجل أحدب فقير. وكان يجد في الحمام العام دواء لوجع ظهره، وصقيع مفاصله، إلا أن بدل دخول الحمام على ضآلته لم يكن متوافراً له في أكثر الأيام . فألجأه الفقر إلى الاحتيال، فكان يقصد الحمام بعد إغلاقه بساعتين، فيفتحه بمسمار طويل.
وذات يوم فتح الحمام، فسمع أصواتاً كثيفة، فقرر أن يدخل مهما كان الثمن، لأن زحام الحمام يجعل الناس العاملين في الحمام يهملون الفقير. ولكن ذلك الفقير استغرب خلو “مخلع الحمام” وغياب الثياب المطروحة فيه. ولكن الأصوات كانت تتعالى في الداخل، فاقتحم خوفه وولج، وتبين له أن عند الجان حفلة عرس. وأنهم يتحممون في مثل هذه المناسبات كالإنس. وعندما اقترب من الحوض صاح عليه أحدهم :
ـ لا تقرب الماء حتى تزف معنا . وكانوا يرددون ” يومنا يومٍ أنيسا … يوم الربوع والخميسا”. وقالوا للأحدب:
ـ زدنا أياماً تلحق بصوت الزفة على حرفها السين. فقال :
ـ زفوا . فرددوا:
ـ” يومنا يومٍ أنيسا … يوم الربوع والخميسا “. فصاح الأحدب:
ـ والجمعة والسبت والأحد.
فضحكوا لخروجه عن حرف السين. فأضافوا إلى حدبته حدبة ثانية.
وأورد سلام الراسي حكاية مشابهة لهذه الحكاية تحت عنوان
” حيصو بيصو “. وتقول الحكاية:
من طرائف قصص الجن أن رجلاً أحدب استوطى حيطه صبيان الحي، وأخذوا يعيرونه كلما مرّ بهم: ” يا بو حردبة بوبعة … يا بو حردبة بوبعة “. فصار يتجنّب المرور في الأزقة المكتظة بالأولاد ويسلك المعابر المظلمة بين الأشجار. وحدث إن ضل طريقه في إحدى الليالي، ووصل إلى حيث كانت جماعة من الجن يقيمون عرساً لابن مليكهم وهم يحدون: “حيصو بيصو، والعريس لابس قميصو”، ويكررون هذه الردة إذ كانوا لا يعرفون غيرها.
وكان أبو حردبة هذا شاعراً، فهتف قائلاً: ” والأربعا والخميسو “. فلقيت الردة استحساناً عند ملك الجن، وسأله أن يطلب ويتمنى، فطلب أن يرتاح من الحردبة الموجودة على ظهره. فانتزعها ملك الجن من ظهر الرجل، ووضعها في قرقارة إحدى الأشجار، وعاد الرجل مسروراً وأخبر بما جرى معه.
وحدث إن أحدباً آخر من رجال المحلة سمع بما حدث، فتوجه تواً إلى حيث كان جماعة الجن ما زالوا في مهمة العرس، وهم يحدون: ” حيصو بيصو .. والعريس لابس قميصو .. الأربعا والخميسو ” فصاح بهم: ” والجمعة والسبتو ” . فانتهره ملك الجن قائلاً: ” يا قليل الذوق كسرت القافية”، وتناول الحردبة من قرقارة الشجرة، وألصقها في ظهر الرجل، فصار عنده حردبتان.

قاضي الاولاد شنق حالو

يضرب المثل في الرجل الذي يحاول إصلاح ذات البين بين الأولاد الذين يختلفون لأتفه الأسباب، ثم لا يلبثون أن يرتضوا من دون وسيط. والمثل معروف في أنحاء الجبل. وحكايته أرويها من الذاكرة.
تقول الحكاية إن ملكاً كان لديه عدد من النساء، ولكل زوجة عدد من الأولاد. وكان الأولاد يكثرون من التشاجر، وكل أم تحاول أن تنتصر لأولادها، وتستعدي الملك على أولاد ضرائرها فانشغل الملك بهذه النزاعات بين الأولاد، ما ألهاه عن شؤون مملكته. وكان لا بدّ أن يجد وسيلة يتفرغ بها لشؤون المملكة، فما كان منه إلى أن عهد لقاضي القضاة محاولة مراعاة شؤون الأولاد وفض منازعاتهم. ولم تمضِ أيام حتى وجد القاضي مشنوقأ تحت إحدى الأشجار.

ويذكر سلام الراسي الحكاية بإضافات كثيرة، ويختم بالقول: ” حتى قيل في ذلك الزمان: ” قاضي الأولاد شنق حالو”

كثر الطمع ضر ما نفع

يضرب هذا المثل للنيل من الطمع وأصحابه، وللتذكير بنهاية الطمع غير المحمودة، والمثل ليس خاصاً بالجبل، فهو معروف في أكثر بلدان العرب.
وحكاية هذا المثل وردت لي مكتوبة من إحدى الطالبات في صلخد سنة 1984، وذكرت أنها ترويها عن والدتها.
مفاد الحكاية أنه كانت هناك امرأة توجّهت إلى المعصرة بهدف أن تأتي بدبسها، وعادت وهي تحمل سطلاً مليئاً بالدبس، وفي طريق عودتها إلى البيت لاقاها شيخ يرتدي ثوباً أبيض ناصعاً وله لحية بيضاء فقال لها:
ـ حطي سطيلة الدبس واحمليني.
أطاعت المرأة فوضعت سطل الدبس جانباً وحملت الشيخ الذي قال لها:
ـ على بيتك وديني.
وبالفعل حملته إلى أن بلغت به منزلها.
عندها قال لها الشيخ:
ـ جيبي العصا واضربيني .
إلا أنها أبت أن تضرب شيخاً مهيباً.
عندها قال لها: سكري الباب واتركيني. وفعلت كما طلب منها.
ولما عادت في اليوم التالي، فوجئت بأكوام من الذهب في أرض البيت ولم تجد الشيخ.
فرحت المرأة كثيراً وأرادت أن تكيل الذهب، ولما كانت فقيرة ولا تملك وعاء ذهبت إلى جارتها تستعير واحداً، وقد استغربت الجارة وشكت أن هناك أمراً ما لدى جارتها الفقيرة. أعطتها الجارة وعاءً نحاسياً لكنها ألصقت في قعره عجيناً وناولته لجارتها.
المرأة المسكينة كالت الدنانير الذهبية وأعادت الوعاء لجارتها التي وجدت ديناراً ذهبياً عالقاً في قعره.
عادت الجارة إلى المرأة وأصرت عليها أن تخبرها كيف حصلت على الذهب. وبالفعل روت لها القصة. عندها قامت الجارة الطماعة في اليوم التالي فحملت سطلها وتوجهت إلى المعصرة وملأته دبساً، وعادت باتجاه بيتها، وفي الطريق صادفت رجلاً فقالت له:
– قل لي حطي سطلك واحمليني. قال لها ذلك، فوضعت سطلها جانباً وحملته. ثم قالت له:
– قل لي على بيتِك وديني. فقال ذلك. عندها حملته على ظهرها وسارت به حتى بيتها ثم قالت له:
– قل لي جيبي العصا واضربيني، فقال ذلك. عندها أتت المرأة الطمّاعة بعصا ورفعتها وهي تهم بضربه بها. عندها انتزع الرجل العصا منها وأوسعها ضرباً.
وفي اليوم التالي، ذهبت هذه تعاتب جارتها على هذه الورطة التي أوقعتها فيها. وقد جاء جواب الجارة الفقيرة: “هذا من طمعك، كثر الطمع ضر ما نفع”، فذهب هذا القول مثلاً.

لولا جرادة ما علق عصفور

يقال هذا المثل في من يتسبب لشخص آخر بورطة كبيرة نتيجة نصائح فاسدة.
أما الحكاية فتقول:
كان هناك صبي وبنت يتيمان، وكان اسم الصبي “عصفور” أما البنت فكانت تدعى “جرادة” . وكانت جرادة أكبر من عصفور، وأفهم منه وكانت تحتال أحياناً لكي تؤمن القوت لأخيها عصفور. ولما كبر عصفور وأصبح شاباً بدأ يبحث عن عمل يرضيه لكن دون جدوى، وكانت جرادة تهون الأمر عليه، لكنها كانت في الوقت نفسه تفكر بعمل يناسب شقيقها، وذات يوم خاطبت شقيقها بعد العشاء قائلة:
ـ لقد وجدت لك عملاً هيناً ومفيداً.
سألها: وما هو هذا العمل؟
قالت: لم لا تشتغل بالتبصير وقراءة الطالع، بتفتح الفال وبتكتب حجابات؟
بهت عصفور، وبرد وجهه، وقال لها:
ـ هذا اللي طلع معكي، شو بيعرّفني بكتابة الحجابات والتبصير وفتح الفال ؟!
ضحكت جرادة وقالت له:
ـ مين ما بيعرف يكتب حجابات ويشتغل مبصر؟ الشغلي ما بدها شي، شوية كذب وحكي فاضي، وخرطشي على الورق .
قال لها :
ـ قال: هل تهزئين مني؟
ـ قالت: أبداً. أنا جادة في أن عليك أن تشتغل في التبصير وكتابة الحجابات.
ـ لكني لا أعرف شيئاً من التبصير وهذا الكلام الفارغ.
ـ الكلام الفارغ لا يحتاج إلى علم بل قليل من الشطارة. ضع قلوسة على رأسك واحمل مسبحة طويلة وتكلم بأي شيء يخطر في بالك وستجد الناس يهرعون نحوك ويدفعون إليك بالمال.
وبالفعل بدأ عصفور الصنعة وما لبث أن برع بها وأصبح يدور في الحارات منادياً: “مبصِّر فتاح فال، حجابات للحيرة، ولتقريب القلوب، حروزة ضد العين .. وأولاد الحرام” الخ..
وكسب عصفور مالاً كثيراً من صنعته كما ذاع صيته في البلاد.
حتى كان يوم تعرّض فيه عقد بنت الملك للسرقة. وعقد بنت الملك كما تعلمون شأنه عظيم، إذ أن كل حبة فيه تساوي ثروة كبيرة. وقد حزنت ابنة الملك على سرقة العقد كثيراً حتى أنها أصبحت تمتنع عن الطعام لفرط حزنها فهزل جسمها وخاف الملك عليها كثيراً.
وبعد أن تشاور مع قادة عسكره ووزرائه أخبره أحدهم عن عصفور وبراعته في التبصير وأفعاله العجيبة. فأمر الملك بجلب الرجل حالاً.
أحضر عصفور وهو في حالة من الخوف يرثى لها.
قال الملك: لقد سرق عقد ابنتي وعليك أن تجد مكانه بخبرتك وما يذيع عنك من خوارق.
وتابع الملك القول: أعطيك مهلة أربعين يوماً فإما أن تحضر العقد وتحصل على مكافأة كبيرة وإما (ورفع الملك يده ثم أنزلها بسرعة لتشبه حركة قطع الرأس بالسيف!).
خرج عصفور من عند الملك وقد أسودت الدنيا في وجهه وعرف أن أجله اقترب. إذ من أين له أن يجد عقد ابنة الملك مستخدماً أساليب الضحك على ذقون الناس، ووصل بيته في حالة تZ–دمي القلوب.
أخبر شقيقته بالأمر موجهاً إليها اللوم لهذه الصنعة التي اقترحتها عليه، وهي اليوم ستؤدي على الأغلب إلى أن يفقد حياته.
أسقط في يد الشقيقة لكنها كالعادة هونت عليه الأمر مذكرة إياه أن لديه أربعين يوماً، وأنه لا بدّ أن يتفتق عقله عن وسيلة خلال هذه المدة.
بقي عصفور في حال من اليأس لا يدري ما الذي سيحمله إليه القدر، واعتكف في غرفته وهو يتلو الأدعية ويستغفر الله على ما ارتكبه من آثام بتدجيله على البسطاء. وجمع عصفور أربعين حصوة وقرر أن يرمي كل يوم واحدة ليعلم كم بقي له من العمر.
في تلك الأثناء كانت شلة الأربعين حراميّاً قد انشغل بالها بسبب تكليف عصفور أمر الكشف عن من سرق عقد ابنة الملك، وهو الذي كان اشتهر أمره في حقل التبصير و”كشف المخبأ”. وقرر زعيم العصابة أن يرسل أحد أعوانه لمراقبة عصفور. وجاء هذا تحت جنح الظلام ونظر من نافذة عصفور فرآه يقرأ آية الكرسي وينشغل بالدعاء، ثم رفع عصفور حصوة ورمى بها من النافذة قائلاً: “هذا أول واحد من الأربعين”. وتشاء الصدفة أن تصيب الحصوة رأس اللص، فرجع مذعوراً إلى سيده وأخبره بما حدث وأن عصفور ربما يعلم أن شلة الأربعين هي السارقة لعقد ابنة الملك. بالطبع لم يكن قصد عصفور سوى إلقاء حصوة للدلالة على أن أول يوم من مهلة الاربعين يوماً التي حددها له الملك قد انصرم.
وقد بلغ من خوف زعيم العصابة أن قرر التوجّه بنفسه إلى تحت شباك عصفور. وبالفعل رآه منشغلاً بالدعاء والتمتمة فتأكد له أنه يستحضر الجان لتكشف له أمر العقد. وفيما كان رئيس العصابة يتنصت من خلف شباك عصفور تناول هذا حصوة وألقى بها من النافذة قائلاً: وهذا ثاني واحد من الأربعين”! واصابت الحصاة رأس زعيم الحرامية، الذي أيقن عندها أن أمرهم قد كشف وأن من الأفضل لهم أن يخلصوا بجلدهم قبل فوات الأوان وأن يردوا العقد عبر إلقائه إلى عصفور.
وفي اليوم الثالث وبينما عصفور مستغرق في الدعاء والاستغفار حصلت المعجزة. إذ أُلقي في حضنه فجأة عقد رائع الصنع يكاد يضيء الغرفة لما يحمله من جواهر نفيسة. وقد ذهل المسكين ولم يغمض له جفن إلى أن انبلج الصباح، إذ توجه عندها إلى قصر الملك مسرعاً وهو يحمل العقد، ولما أذن له الحرس بالدخول ألقى بنفسه على قدمي الملك ثم طرح العقد بين يديه. قائلاً هل هذا هو العقد الذي تفتقدونه؟
ثار ضجيج في إيوان الملك لهذه المفاجأة وحضرت ابنة الملك على وقع صيحات الدهشة والإعجاب لتجد العقد المسروق أمامها. فرحت كثيراً بالطبع لكن ساورها الشك بسبب السرعة التي تمكن عصفور فيها من إيجاد العقد المسروق. وقبل أن يهم الملك بمكافأة عصفور قالت الأميرة له: وماذا لو كان عصفور هو السارق؟
سقط السؤال مثل صاعقة على رأس عصفور الذي ظن لوقت قصير أنه نجا بجلده من موت محقق فإذا هو الآن يواجه مصيبة جديدة قد تطيح برأسه. وبالفعل فكر الملك بسؤال الأميرة وطلب منها أن تختبر عصفور وعلمه بالمخفي مرة أخيرة .
سألت الأميرة عصفور فقالت: البارحة وبينما أنا في الحديقة صباحاً رفعت يدي لأقطف تفاحة فإذا بعصفور يدخل في كم فسطاني. وأنا أريدك أن تخبرني لأي سبب دخل العصفور كمي؟
صار عصفور المسكين يبلع بريقه، ووجهه يخضر ويحمر، وكان يخاطب نفسه في سِرِّه ويستذكر الحالة الوخيمة التي وصل إليها بسبب نصيحة أخته جرادة له بتعاطي مهنة الشعوذة. وزفر عصفور زفرة مشبعة بالحرقة وقال:
“أه آه . لولا جرادة ما علق عصفور” .
فصرخت بنت الملك غير مصدقة:
ـ صحيح ما قلت، إذ كان العصفور يطارد جرادة، وقد دخلت الجرادة كمي فلحق بها العصفور ودخل كمي أيضاً.
أمام هذا الإنجاز المدهش أمر الملك لعصفور بجائزة كبيرة وعاش الرجل مع أخته جرادة بلذة ونعيم، وقرر الإقلاع نهائياً عن مهنة الشعوذة. لكن قصته العجيبة حفظها الناس الذين أصبحوا من يومها يقولون عن من يتسبب بأذى لآخر جراء نصيحة خرقاء: “ لولا جرادة ما علق عصفور “.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading