الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حَزْمُ الشَّوْر

سكن بني معروف في حزم

تقول مرويّات بدو وعرة اللّجاة، حيث تقع قرية حزم على حافّتها الشرقية، أن قبيلة بني هلال الذين اتخذوا من جبل حوران موطناً لهم قرروا النّزوح عنه نحو أواخر القرن العاشر الميلادي وكان صاحب القرية شيخاً عربيّأً يُدعى محمّد الشوّار، لجودة رأيه.

كان جبل حوران أواخر العهد العثماني يعاني حالة شبه عامّة من الخراب قبل أن يعيد إعماره بنو معروف الموحّدون؛ القادمون من لبنان ومن إقليم جبل الشيخ وفلسطين وحلب، وهؤلاء لم يأتوا إليه طواعية بل لَوْذاً من المظالم التي كانت تحيق بهم طيلة العهد العثماني وما قبله…

يذكر الرحالة بيركهاردت الذي زار المنطقة عام 1810 أنّ قرى وادي اللّوى (المقرن الشمالي من الجبل ومنها قرية حزم) تقع «على أطراف سهل كانت ضفافه مكسوّة بأخصب المراعي»(1)، كانت خراباً بكاملها وهي الواقعة إلى الشمال من قرية أم الزيتون التي تبعد شمال شهبا نحو 3 كلم.

واستناداً لرواية يُجْمِع عليها المُعْمِرون من الأهالي؛ فإنّ أقدم عائلة معروفيّة سكنت القرية كان نحو عام 1875م بشخص الشيخ أبو نجم خطّار بن محمّد أبو خطّار الحلبي، وأصل العائلة من بلدة «تلثيتا» في ديار حلب من جبل السمّاق، نزحت في مسيرة ترحيل متواصل إلى كفير حاصبيّا في جنوب لبنان، فجبل الدروز، كما كان يُدعى آنذاك، حيث توطّنوا أخيراً في خربة حزم وأعادوا إعمار خرابها. تلاهم الشيخ سَلّوم نوفل من كفير حاصبيّا وسليمان الخطيب القادم من حلب إلى دالية الكرمل فحزم، وآل عزيز الذين قدموا من نيحا في جبل لبنان، ومن العائلات الأخرى آل عامر، وأبوفاعور وأبو العز والحلبي وصقر من الكفير، والحسنيّة من عين وزين في الشوف، وزين الدين وأبونجيم وعماشة (وآل عماشة أصلاً من مجدل شمس)، والكحلوني…

تاريخ وموقع وعدد سكّان القرية

هي قرية قديمة تحوي آثاراً من بيوت حجريّة متقنة البناء، وكان لجميع البيوت الأثرية فيها أبواب من حجر منحوت بإتقان (بقي منها ستة أبواب فقط)، بعضها مُفرد والآخر مُزدوج بمصراعين. يُرجّح أنّها تعود للنصف الثاني من القرن الثاني بعد الميلاد وما يليه. وقد وُجدت فيها عملات برونزية تعود لعام 227 قبل الميلاد…

تقع على ارتفاع 690 م فوق سطح البحر، على طرف اللّجاة الشرقي وعلى كتف وادي اللوى الذي يستمد مياهه من أعلى السفوح الشمالية لجبل العرب وينتهي إلى حوضة سهلة براق التي كانت عبارة عن بحيرة في العصر الروماني قبل نحو ألفي عام. وتبعد عن مدينة السويداء مركز المحافظة الواقعة إلى الجنوب منها، نحو 50 كلم، وعن شهبا مركز القضاء 33 كلم، وعن الصورة الصغيرة مركز الناحية 10كلم وعن دمشق إلى الشمال منها نحو 55 كلم. وتتبع من الناحية الإدارية لناحية الصورة الصغيرة، وإلى الشرق منها سهل خصب، يعبره طريق السويداء دمشق وأمّا إلى الغرب منها فإنّ وَعرة اللجاة بصخورها البازلتيّة الصّلدة تتموضع على الكتف الغربي للوادي على شكل بحر من الصخور مساحته 600كلم2.

يبلغ عدد سكان حزم من المقيمين فيها نحو 1200 نسمة. أمّا المسجلون في دفتر النفوس فعددهم 2500 نسمة، والفارق بين المقيم والمغادر هم أسر تُقيم إمّا في شهبا مركز القضاء، أو في مدينة السويداء مركز المحافظة، أو هم أسر وشبان مغادرون يعملون في بلدان الخليج ودول الخارج. وحزم من قرى جبل حوران التي كانت مزدهرة في القديم(2)، حيث يعود ازدهار عمرانها مع العديد من قرى وادي اللوى للقرون الميلادية الأولى(3). ولم تزل فيها أجزاء من بيوت أثريّة ماثلة للعيان تحتفظ بأبوابها وأقواسها الحجريّة(4)، ومنها باب بوابة حجريّة من البازلت المنحوت بإتقان (حَلَس) عرضه 2،30م يعود للعصر الروماني ولم يزل في مكانه الأصلي، (حاليّاً دار المرحوم فهد عامر) وهو نادر المثال، بدرفتين عرض 1،13 م للدّرفة اليمنى والثانية عرضها 1،17م، وارتفاع كلّ منهما 2،60م(5). ومن الطريف أنّ أحد تلك الأبواب الحجرية القديمة كان قد أنقذ حياة السيدة «صيتة أبو العز» زوجة الشيخ أبو كنج هايل نوفل في حرب تشرين عام 1973، إذ ما إن سمعت السيّدة صوت الطيران في الجو، وكانت تخبز في غرفة قديمة في دارها، حتّى أغلقت الباب الحجري بجانبها، وعلى الفور أصابت شظايا القذائف الإسرائيلية الباب الذي أغلقته، ولم تزل آثار تلك الشظايا ظاهرة للعيان على الباب الحجري الذي حمى حياتها…

وفي حزم صهاريج أثريّة لجمع الماء وآثار سدود قديمة. ومع تراجع العمران في الجبل بعد الفتح العربي الإسلامي وبخاصة في العصر العباسي بعد انتقال الخلافة من دمشق إلى بغداد حيث تراجع العمران في المنطقة، ولكن هناك ما يشير إلى أنّه في عام 572 هـ (الموافق لعام 1179م) «وَقَفَ السلطان (الملك الناصر) قرية حزم على مُعلّمي الشريعة بالزاوية الغربية من جامع دمشق وعلى مدرّسيهم من أصحاب الإمام الشافعي»(6).
ولربما جاء معنى اسم «حزم» من الوادي السّيْلي الذي يحزم القرية من جهة الشرق.

بالإضافة إلى الدارة الأثريّة للشيخ مفرّج أبو خطّار، يوجد في القرية معبد وثني روماني حُوِّل إلى كنيسة في العصر البيزنطي المسيحي قبل الإسلام، ثمّ حُوِّلت الكنيسة إلى جامع في العصر الإسلامي قبل الخراب العام الذي طرأ على المنطقة في أواخر عصر المماليك والعصر العثماني الذي تلاه، حتى مطالع القرن التاسع عشر حيث بدأ الموحّدون الدروز بإعمار الجبل على أثر سلسلة طويلة من الملاحقات التي تناولتهم في العهد العثماني بالإضافة إلى التنازعات المحلّية في لبنان ومارافقها من تدخل فرنسي وتواطؤ عثماني ضد الدروز… وبتأثير كل تلك العوامل اضطُرّت المئات من العائلات الدرزية إلى الهجرة من لبنان وديار حلب وشمال سورية وشمال فلسطين وغوطة دمشق إلى الجبل ومن ثمّ التوطن فيه بعد أن كان معظمه على حال من الخراب.

منازلها القديمة مبنية من الحجر البازلتي المنحوت مسقوفة بالرّبد المُتَراصف على قناطر (أقواس) حجريّة، أمّا المنازل الحديثة فمن الحجر الإسمنتي والسّقف من الإسمنت المُسَلّح، ويعمل السكّان بزراعة الحبوب من قمح وشعير وعدس ويربّون المواشي ويشربون من بئر ارتوازيّة بعمق 270 متراً.

من معاناة حزم في العهد العثماني

كانت قرية حزم من القرى الدرزيّة التي طالما تعرّضت للحملات العثمانية على الجبل، وذات مرة تعاونت قرى وادي اللوى في صد قوّة عثمانية قادمة من جهة دمشق إلى السويداء، واجهوها في موقع من الأرض يقع بين قريتي حَزْم والصَّوَرَة الكبيرة، وتمكّنوا من صدّها فسموا الموقع باسم «أمّ العَوْن» لأن الله تعالى أعانهم في تلك المواجهة!

ومن مرويّات أهل حزم؛ التي تمتزج فيها المأساة والطّرافة، عن فترة العهد العثماني أنّ العديد منهم كانوا من بين الثوّار الدروز الذين هاجموا عام 1910 قلعة براق العثمانية التي تبعد نحو 10 كلم عن قريتهم، وعلى الأثر قام الجيش العثماني باقتحام القرية فاعتقلوا الرجال الذين تمكنوا من الإمساك بهم، وعذبوهم وضربوهم ضرباً مُبَرِّحاً، فمات العديد منهم تحت التعذيب، وكان من بين المعتقلين بدوي من رعاة القرية، أوقفوه مع رجال آخرين من أهل حزم وأطلقوا النار عليهم. كان البدوي قد قال حينها منتخياً بالله لينقذ حياته: «يا عقيدة الدّروز» وارتمى أرضاً مع إطلاق النار على الجماعة حيث استشهد بعضهم. بعدها مضى الرّماة الذين أيقنوا أنّهم أدَّوْا واجبهم وهم يتوجّسون خيفة أن يأتيهم ثوار آخرون من خلف صخور اللّجاة التي كان يلجأ اليها هؤلاء للاحتماء بها… أما البدوي فقد تحسس جسده، فوجد نفسه حيّاً لم يُصَبْ بأذى، فقال: «أسّ، والله إنّ عقيدة الدروز زينة… تَنْفع»!

في تلك الفترة كان قد نُفي عدد من رجال حزم مع من نفي من ثوار الدروز إلى الأناضول، وجزر بحر إيجه وطرابلس الغرب ومنهم محمّد يوسف أبو نجيم، وسليمان الحلبي وقد تمكّن أبونجيم من الهرب مع ثلاثة رفاق له منهم سليمان الحلبي من حزم وآخر من قرية المتونة قذفوا بأنفسهم من أحد أبراج القلعة الحمراء في طرابلس الغرب إلى البحر، وقد مات أحدهم عندما اصطدم رأسه بأسفل جدار القلعة وسار الثلاثة الباقون هاربين بمحاذاة الساحل عبر الصحراء، وعلى تلك الطريق الطويلة التي كان عليهم قطعها وجدوا من بعض البدو هناك مَن يتعاطف معهم… وفي تلك الديار على مسافة نحو 400 كلم شرق طرابلس الغرب، مات أبو نجيم؛ الرجل الذي لم تزل المنطقة التي قضى نحبه فيها تحمل اسمه إلى يومنا هذا. أمّا سليمان الحلبي ورفيقه الآخر فقد وصلوا بعد شهور من هربهم عبر مصر ففلسطين إلى لبنان ومن ثم إلى الجبل في سورية، ويذكر الشيخ نوفل نوفل أنّ سليمان الحلبي كان قد مرّ بطريقه على الكفير في حاصبيا، وهي قرية ذويه الأولى قبل سكنهم في حزم، وجلب من حرشها عوداً (محراث) وثورين لحراثة الأرض في القرية!

الثورة السوريّة الكبرى
قرية حزم في معمعان الثورة السوريّة الكبرى

قاتل رجال حزم في غالبية معارك الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ومنهم جاد الكريم الخطيب الذي فزع إلى معركة المزرعة ولم يكن معه سوى حاشوشة (منجل صغير)، وهناك ربح بارودة.

في معركة المزرعة وثب خليل عامر على طنبر بواريد (عربه يجرها بغل أو أكثر) وأخذ يوزّع البواريد على الثوّار، وهناك استشهد فارس عماشة، وكان نايف أبو خطّار من أبطال تلك المعركة، كما قاتل بعضهم في معارك الغوطة دعماً لثوار دمشق وغوطتها ومنهم علي أبو خطار كان من الذين اقتحموا سوق دوما وغنم بارودة من الفرنسيين، وحمد نوفل في مجموعة المجاهد سعيد عز الدين، وكان الثوار الدروز يعبرون من حي الميدان إلى سوق مدحت باشا ويعودون عبر باب شرقي(7) وأمّا صالح الحلبي وحسين عماشة وشحاذة عزيز، فهم من الذين قاتلوا في معارك إقليم جبل الشيخ وجنوب لبنان، وفي حصار قلعة راشيّا تمكن صقر صقر من قتل ضابط فرنسي وأخذ حصانه.

حزم تحت قصف الطيران الفرنسي
الأمير عادل أرسلان

في فترة سنَتَيّ الثّورة السورية تعرّضت حزم لقصف الطيران الفرنسي مرّتين وهُدمت بعض دورها، وحينها استُشهد يوسف الحلبي والسيّدة صالحة أبو خير زوجة
عبد الله أبو نجيم وأصيب أحمد أبو خطار الحلبي بكسر في فخذه (1926) وجرح آخرون. بعد القصف الذي كان يدل على عجز الفرنسيين في مواجهة الثوار بدون قوّة الطيران. كان الثوار قد دخلوا القرية بقيادة الأمير عادل أرسلان، ونزلوا ضيوفًا توزّعوا على منازل حزم، ولمّا علم الفرنسيون بذلك طلبوا نايف أبو خطار الحلبي شيخ حزم الذي كان قد شارك المجاهدين في معارك غوطة دمشق وأصيب بكسر في فخذه وقُتلت فرسه، فعاقبوه على استضافة الثوار في قريته. وفي التحقيق سأله الكابتن الفرنسي «أين دار سليم الحلبي؟ (كان هذا من الثوّار) فدلّه إلى دار خَرِبَة. رفض الكابتن دلالته، وأمر بلغم مضافته وداره فهدموهما، وأخذوه موقوفاً معهم حيث عرَّضوه مدّة عشرة أيّام للإعدام أو يُقَدِّم اعترافات تتعلّق بحركات الثوّار وتموينهم واتصالاتهم؛ فأبى، وبقي تسعين يوما على حال لا يُحسَد عليها، كما قاموا بتعذيب من وقعت عليه أيديهم من رجال القرية وشيوخها، إذ توفي على أئر ذلك المجاهد الشيخ علي نوفل، وانتقم الفرنسيّون من الأهالي بنهب ما أمكنهم نهبه، وقاموا بخلط مؤونة السكّان من طحين وقمح وشعير وحبوب وسمن وزيت كاز وغيرها، ولَغَموا دار المجاهد رشيد الحسنيّة وأوعزوا لعناصر من الجيش الفرنسي بإعدامه…

يذكر راوي تلك الأحداث (هو الشيخ رشيد الحسنية الحفيد) فيقول: «أحد عناصر أولئك الجنود وكانوا من المغاربة الذين لديهم وجدان عربي؛ قال متظاهراً برغبة الانتقام: «اتركوه لي وسأشرب من دم الدروز!».
أخذوه غرب القرية حيث المساحات الواسعة من صخور

اللّجاة تمتدّ صفائح متراصّة على مدّ النظر؛ وقالوا له: «عندما نطلق النار في الهواء؛ عليك أن تقع إلى الأرض متظاهراً بالموت. اِبقَ مكانك حتى حلول الليل، اِحذر أن تكشف أمرَنا فنحن وأنتم أبناء عم»… وهكذا كان، وعاد رشيد الحسنيّة مع هبوط الظلام إلى القرية ليجد داره قد سُوّيت بالأرض…

قاتل رجال حزم في الثورة السورية الكبرى عام 1925 ـ 1927 وقدموا عدّة شهداء وهم يوسف الحلبي وصالح الحلبي وحسين الحلبي وحسين عماشة، وفيهم يقول الشاعر صالح عمار أبو الحسن:

في حزم، حزم الرّايْ ورجـــــال النّخــــا  أهـل الكَرَمْ واهـل الوفــــا وأهـل السّخا
فرســـــان في حرب الأعـــــادي مْجَرّبة  ومن ضربهم تبقى الرّؤوس مْطَرْبَخــا.


الحواشي

  1. بركهاردت، رحلة في جبل حوران، ترجمة: سلامة عبيد.
  2. نفسه، ص 39.
  3. دانتزر وآخرون، سوريةالجنوبية (حوران)، تر: أحمد عبد الكريم.وغيره.
  4. نصر، إسماعيل متعب، السويداء بين الزمان والمكان، دار الريان، 2012، ص 164.
  5. أبو عساف، علي، الآثار في جبل حوران (محافظة السويداء)، ص 153.
  6. الملحم، إسماعيل وآخرون، سويداء سورية، موسوعة عن جبل العرب، ص 95.
  7. الريّس، منير، الكتاب الذهبي، الثورة السورية الكبرى، دار الطليعة بيروت، 1969، الفصل الثامن، ص 323 وما يلي…

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي