ذبابة البحر الأبيض المتوسط
الخطــــر الزاحــــف على فاكهــــة لبنــــان
ظهــــــرت فـــي أوروبـــا وأفريقيـــا فـــي العـام 1850
وانتقلت مع تجارة الفاكهة إلى كافة أنحاء العالم
إستخدام المبيدات قضى على الأعداء الطبيعيين للحشرات
وفتـــــــــح لهـــا المجـــال للتكاثـــر والتوسّع من دون أي رادع
تعتبر الأشجار المثمرة من المحاصيل الأساسية في مختلف بلدان العالم نظراً إلى أهميتها الإقتصادية وكذلك قيمتها الغذائية سواء على مستوى الاستهلاك المحلي أو قابليتها للتصدير ما يحقق للبلد المنتج مداخيل مهمة بالعملات ويدعم ميزانه التجاري، كما إن محاصيل الفاكهة تمثل مصدراً أساسياً لتلبية الطلب المحلي وهي بالتالي جزء من الدورة الاقتصادية للبلدان المنتجة، كما إنها بصورة خاصة تدعم معيشة المزارعين وأصحاب مشاريع الفاكهة وتشغّل آلاف العمال والأسر.
لكن ما قد يؤثر على مساهمة محاصيل الفاكهة في الاقتصاد أنها باتت أكثر من أي وقت مضى عرضة للإصابة بمختلف الآفات والحشرات الضارة التي قد تفتك بإنتاجها أو تسبب له الأضرار المختلفة التي تنقص من قيمته التجارية. وتعتبر ذبابة الفاكهة من أخطر الحشرات التي تؤثر على كمية وجودة الإنتاج في لبنان لأنها تصيب الثمار إصابات جسيمة تسبب لها الأضرار بل والتلف التام أحياناً. غني عن القول إن ذبابة المتوسط والكثير من الحشرات الفتاكة التي تهاجم محاصيل الفاكهة اليوم لم تكن موجودة ربما قبل خمسين أو ستين عاماً وبعضها لم يكن موجوداً قبل عشرين سنة أو أقل، لكن الاختلال المستمر في التوازن الطبيعي والبيئي وانقراض عدد كبير من الحشرات النافعة وتراجع كثافة الطير والصيد الجائر لمختلف أنواعها، كل ذلك أدى إلى إزالة الأعداء الطبيعيين لتلك الحشرات الأمر الذي سمح لها بالإزدهار والانتشار من دون رادع أو عدو يقضي عليها قبل أن تلحق الأضرار الكبيرة بالزرع والمحاصيل.
وهذا ينطبق على ذبابة الفاكهة كما ينطبق على غيرها. فما هي ذبابة الفاكهة (المسماة أحياناً ذبابة البحر المتوسط) وكيف وصلت إلى بلادنا وما هو حجم الأضرار التي باتت تسببها للمزارعين ومواسم الفاكهة بصورة خاصة؟
تتبع ذبابة الفاكهة (Ceratits,CcpitataCweid) لفصيلة الذبابة (Trypetiddae) ورتبة ذات الجناحين(Diptera)، وهي تنتشر في دول حوض البحر المتوسط وأميركا وأوروبا الوسطى، ويعود تاريخ وجود أو اكتشاف هذه الحشرة الى عام 1850 في اوروبا وافريقيا، ومن ثم انتشرت بسبب اتساع تجارة الفاكهة والمحاصيل إلى جميع انحاء العالم خصوصاً حيث توجد المحاصيل التي تعيش وتتكاثر عليها.
إن هذه الحشرة خطيرة جداً لأنها تستطيع تغييرعائلها (أي الفاكهة التي تتكاثر فيها) وتنتقل الى ثمار نباتات أخرى لم تكن تصيبها من قبل لتتكاثر وتستكمل بذلك جميع مراحل دورة حياتها من بيضة الى يرقة ثم عذراء وصولاً إلى الطور الأخير أي طور الحشرة الكاملة (الذبابة).
متى وصلت إلى لبنان؟
دخلت هذه الذبابة الى لبنان منذ بداية القرن الماضي، لكنها كانت محدودة الانتشار لعدة عوامل منها:
– الظروف المناخية التي حدّت من انتشارها خصوصاً الحرارة المتدنية التي كانت ترافق فصلي الشتاء والربيع وهو ما كان يؤدي الى موت العديد منها وهي في بياتها الشتوي فتأخر بذلك انتشارها إلى المناطق الجبلية.
– عدم استخدام المكافحة الكيميائية العشوائية للآفات الضارة منذ القدم التي أدت الى قتل جميع الأعداء الطبيعيين أي الحشرات التي تأكلها وتقتات عليها.
– لم يكن متوفراً في لبنان مبيدات للأعشاب الضارة والتي أدى استخدامها في السنوات الأربعين الأخيرة الى موت الكثير من الحيوانات الزاحفة مثل السحلاة (الِشمَّيسة) والحرباء، والحشرات مثل العناكب والنمل والكثير من الطيور التي تأكل أطوار الذبابة الثلاثة: اليرقة والعذراء والحشرة الكاملة.
– قلة تغيير العائل (أي الفاكهة التي تصيبها) من قبل الذبابة للثمار، مما أدى الى عدم إصابة جميع الفواكه بالذبابة.
– لم يكن موجوداً أكثر من نوعين لذبابة الفواكه هما ذبابة الزيتون وذبابة الحمضيات والتي كانت شبه متخصصة اي لا تصيب الا المحصول نفسه.
– حراثة الأرض المتكررة التي كان يعتمدها المزارع سنوياً وأكثر من مرتين للتخلص من الأعشاب الضارة وللحفاظ على رطوبة الأرض ولاعتقادهم بأن الغبار الذي ينتج عن الحراثة خصوصاً الصيفية منها يمنع اصابة الأشجار والثمار بالأمراض الفطرية مثل الرمد والتبقع والهريان وغيرها.
– عدم رمي النفايات العضوية وبقايا المنتجات الزراعية التي تصبح الملجأ والحاضنة لتكاثر هذه الذبابة، اما في الماضي فقد كان المزارعون يجمعون الفضلات الغذائية المنزلية إن وجدت وثمار الخضار والفواكه المتساقطة والمصابة ببعض الآفات الزراعية وقبل خروج يرقات الحشرات منها لتكمل دورة حياتها ويقدموها علفاً للحيوانات الداجنة في المنزل.
إتساع نطاق الخطر
أما في وقتنا الحاضر فقد بدأت ذبابة الفاكهة تصيب أصنافاً اخرى من ثمار الأشجار المثمرة خاصة ذبابة الحمضيات، ومن المتوقع أن يتم إكتشاف أصناف جديدة من الذبابة في لبنان لأنها موجودة في أوروبا.
رأيي المتواضع وغير المقرون بأبحاث مخبرية بشكل وافر، أنه يوجد في لبنان وفي السنوات الأخيرة جميع انواع الذباب الموجود في اوروبا وعددها 7 انواع وجميعها تهاجم وتصيب جميع الفواكه خصوصاً الثمار التي تحمل القشرة الطرية، وتفضل الذبابة الثمار الحلوة المذاق أي التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات.
وصف للحشرة
تتصف ذبابة الفاكهة وهي في طور الحشرة الكاملة بلونها الموزاييكي المبقع بألوان الأخضر والأصفر والبني والأبيض، كما تتميز بحجمها الصغير، إذ يبلغ طولها حوالي 4 ملم، وهي اصغر من الذبابة المنزلية، أجنحتها شفافة تعترضها خطوط بنية اللون وبعض البقع السوداء و الصفراء. عند وقوف الحشرة، تكون الأجنحة منبسطة على الجانبين، أما بيوض الحشرة فهي صغيرة الحجم بيضاء اللون ويرقاتها بيضاء اللون مدببة من الأمام طولها يختلف من نوع إلى آخر و بمعدل وسطي هو 6 ملم.


دورة حياة الذبابة
تمرّ ذبابة فاكهة البحر الأبيض المتوسط في دورة حياة تأخذها من البيضة حتى الحشرة الكاملة مروراً باليرقة والخادرة أو العذراء. وتبدأ الإناث بوضع البيض بعد خروجها من طور العذراء وتلقيحها بحوالي 4 أيام، وتضع الأنثى الواحدة بمعدل وسطي خلال حياتها حوالي 500 بيضة وذلك على دفعات في الثمار تحت سطح القشرة الرقيقة مثل التفاح والكرز وفي داخل القشرة مثل الدراق والخوخ بواسطة آلة وضع البيض البارزة في مؤخرة بطنها. وتتجه الذبابة بصورة خاصة نحو الثمار التي قاربت النضج. ويفقس البيض خلال أسبوعين تقريباً وذلك حسب الظروف المناخية والبيئية، وتتوقف الذبابة عن وضع البيض إذا انخفضت الحرارة عن 15 درجة فوق الصفر وتتأثر كما تتوقف أيضا عن وضع البيض عندما تصبح الحرارة أكثر من 32 درجة.
تبقى اليرقات داخل الثمار ليكتمل نموها بعد اسبوعين حتى 4 أسابيع حسب الظروف البيئية المحيطة بها ثم تسقط على الأرض لتدخل في التربة على عمق حوالي 5 سم وتتحول الى عذراء، ثم تكمل نموها لتخرج من التربة حشرة كاملة بعد 10 الى 25 يوماً ودائماً حسب الظروف المناخية. تنمو وتتكاثر ذبابة الفواكه في أوقات الحرارة المثلى وهي ما بين 23 و30 درجة مئوية.
إن عدد أجيال الذبابة في لبنان تحدّده درجات الحرارة وهو ما بين 3 أجيال على المرتفعات و8 أجيال على الساحل، وتتواجد الحشرة طوال العام لأنها تدخل البيات الشتوي كما الذبابة المنزلية .


لضرر وأعراض الإصابة
تعتبر هذه الآفة من الحشرات الخطرة جداً وذلك لكثرة عوائلها، فهي تصيب الحمضيات بأنواعها واللوزيات والتفاحيات والموز والصبار والتين والرمان والكروم وبعض الخضروات كالبندورة والفليفلة. وتتميز الإصابة بما يلي:
1. تبقع الثمار وتلونها بألوان غير طبيعية في وسط هذه البقع نقط صغيرة ذات لون رمادي الى بني.
2. المنطقة المحيطة بالثقب التي تحدثه الأنثى تكون عديمة اللون في الثمار التي قاربت من النضج ولون أصفر في الثمار الخضراء، ولون أخضر في الثمار الناضجة.
3. تساقط قسم كبير من الثمار على الأرض بفعل تخمر واهتراء لب الثمرة، وقد تصل نسبة الإصابة أحياناً إلى 100% خصوصاً في بعض أصناف اللوزيات مثل المشمش والدراق.
المكافحة
يمكن التقليل من أضرار هذه الحشرة باتباع مايلي:
1. جمع الثمار المصابة التي سقطت على الأرض أو التي ما زالت في الأشجار ووضعها في كيس نايلون محكم الإقفال وتعريضه للشمس أو الحرارة المرتفعة، أو دفن الثمار المصابة على عمق يزيد على 25 سم، أو حرقها للتخلص من اليرقات الموجودة ضمنها، أو تقديمها للدجاج البلدي المعتاد على الأكل المنزلي.
2. عدم زراعة بساتين مختلطة من أشجار الفاكهة حتى لا تستمر الذبابة بإنشاء أجيال حديثة وعديدة.
3. استعمال المصائد الفورمونية ويوضع بداخلها الطعوم المتخمرة والفاسدة التي تجذب الذباب اليها مثل السمك الفاسد، الخل الأبيض، رب البندورة المذاب مع الماء بنسبة 10%، البروتين المتحلل، رش جزء من الشجرة من الجهة الشرقية الشمالية بمحلول يحتوي على 5% من دبس العنب او الخروب ومبيد حشري مع الماء.
4. استعمال المصائد الجاذبة لمعرفة وقت ظهور الحشرة ومكافحتها بمزيج من محلول الحر الحار جداً بمعدل 100 غرام مع 200 غرام من خل التفاح تذاب كلها في 20 لتر ماء.
5. حراثة التربة من أهم اعمال المكافحة الميكانيكية لأنها ترفع الخادرات الى سطح التربة لتموت بعد تعرّضها لأشعة الشمس المباشرة أو الصقيع الربيعي او يمكن ان تأكلها الحيوانات والحشرات والطيور.
6. في النهاية وإذا لزم الأمر، يلجأ المزارع الى الرش بالمبيدات الجهازية المتخصصة على أن يتم الرش بعد رصد بداية ظهور الحشرة.


النفايات العضوية وأثرها على إنتشار الذباب
تعتبر بقايا الأطعمة المنزلية المتخمرة ( المحمّضة )الجاذب الرئيسي للذباب ومنها ذبابة الفواكه وذبابة الزيتون بالإضافة الى الكثير من أنواع الذباب الموجود في الطبيعة مثل الذبابة المنزلية التي تضع الكثير من البيوض المخصبة في الطعام المكشوف طازجاً كان او متخمراً. والنفايات العضوية هي الحاضنة الأمثل والملجأ الجاهز لتكاثر الذباب مما يؤدي الى تزايد أعدادها بشكل يفوق التقدير والخيال، أي بعد وضع البيض من قبل الذبابة الملقحة في النفايات المتخمرة تحتاج هذه البيوض الى أسبوع في فصل الصيف لتفقس ويخرج منها يرقات صغيرة جداً وتبدأ بالتغذية مباشرة من النفايات العضوية ثم لا تلبث ان تصبح يرقة ناضجة وتتحول الى خادرة أو عذراء داخل كيس من الحرير تحيكه بنفسها لتتحول في ما بعد الى ذبابة كاملة وعند خروجها من ذلك الكيس تتغذى الذبابة من النفايات المحيطة بها ثم تفرز رائحة من غدة خاصة موجودة في بطنها لتجذب الذكور إليها لتلقيحها.