الخميس, نيسان 10, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 10, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

ذيبين

ذيبيـن

خــطّ تمــاسّ وحصـن دفـاعٍ أمامـيّ
عن إعمــار الموحِّديــن لجبــل العــرب

سعيد الأطرش غرز رمحه على نبع الماء في ظهر الجبل
فتأمنت مياهه إلى ذيبين عبر قناة بطول 35 كلم

السّكن في ذيبين وحواضر الجبل كان محفوفاً بالأخطار
قبل قدوم بني معروف الموحّدين إلى جبل حوران

في ذيبين مضافات عديدة ودور قديمة
قام بإشادتها بنّاؤون شويريون من لبنان

تَتَموضع قرية ذيبين في الرّكن الجنوبيّ الغربيّ من محافظة السّويداء، ولعلّ اسمها أصلاً “ذي بَين” ويعني في لغة اليمن: المكان الواسع الفسيح الممتد بين السهل والجبل، وممّا يدعم صحّة هذه الفرضيّة أنّ السكان القدامى للمنطقة التي تقع فيها ذيبين منذ أكثر من ألفي عام هم من القبائل العربيّة المتحدّرة من أصول يمنيّة كالأنباط والسّليحيين والضّجاعمة والغساسنة.
تبعد ذيبين عن مدينة السّوَيداء مركز المحافظة 30 كيلومتراً إلى جهة الجنوب قرب الحدود الأردنيّة، وترتفع 980 متراً فوق سطح البحر كما تغلب على أراضيها بشكل عام الطّبيعة السّهلية بالنّسبة إلى غالبية قرى الجبل، لكون تلك الأراضي امتداداً لسهل حَوْران الشّرقي المتّصل بجنوب غرب جبل العرب. وينحدر سهلها باتجاه الغرب والجنوب الغربي، حيث تقطعه عدّة أودية ومسيلات شتويّة تنحدر من غرب تلّ صلخد أهمّها وادي ذيبين، وقناة سعيد نسبة إلى مُحْييها سعيد بن اسماعيل الأطرش؛ بعد أن كانت تلك القناة مَنسيّة مُهملة بسبب الخراب المُزمن الذي كان يرين على قرى الجبل، وهي على آثار قناة قديمة كانت دارسة، وكان أهالي القرى المُعاد عمرانها والتي تمر تلك القناة من خراجها يعترضونها، فلا تصل إلى ذيبين التي لم يكن لها من مورد ماء سواها لتستمرّ فيها الحياة. ويروي الحاج مْسَلّم الغوثاني من أهالي ذيبين أنّ سعيداً استطلع حوض تلك القناة إلى أن وصل أعالي الجبل في نبع تلّ القينة، على مسافة نحو 35 كيلومتراً من ذيبين، وهناك كان يغرز رمحه إشهاراً لحقّ ذيبين في ماء الجبل، فلا يجرؤ بعدها أحدٌ على المسّ بتلك القناة التي كانت تصل إلى قريته فتملأ منها مناهلها وتستمرّ لأيّام من الصّيف. وبهذه القناة التي أحياها سعيد دُعِّمَت مسألة التوطّن في ذيبين.
وتحدّ أراضي ذيبين من الشّرق أراضي قرية أمّ الرّمان ومن الشّمال أراضي قرية بَكّا ومن الغرب أراضي قرى صْماد وسِمج وطِيسيا التّابعة لمحافظة درعا، أمّا من جهة الجنوب فقد كانت أراضيها تمتدّ باتّجاه البادية الأردنيّة باتّجاه خِرْبَتي صَبْحَة وصُبْحِيّة إلى أنْ فصلهما الحدّ السّياسيّ مع الأردن على أثر اتّفاقيّة سايكس بيكو عام 1916 التي وضعت حدّاً فاصلاً ضمّ قسماً من أراضيها إلى أراضي إمارة شرق الأردنّ التي أصبحت المملكة الأردنيّة الهاشميّة عام 1946.
وتبلغ المساحة العقارية لمُجْمل أراضي البلدة 99,000 دونم (9,900هكتار) ولكنّها أرض مهدّدة حاليّاً بالتّصحّر بسبب تتابع سنوات الجفاف منذ عقود عديدة. ولئن نظرنا إلى التاريخ المناخي لوجدنا أنّ المنطقة التي تقع فيها ذيبين كانت تمرّ في العصور الغابرة بفترة أكثر رطوبة من الفترة الحاليّة التي تعاني من الجفاف، ففي الأراضي الواسعة من حولها عدة خرائب كانت قرًى معمورة في عصور سالفة تعود لما قبل الفتح العربي الإسلامي، وهي: خربة الصَّوخر إلى الشّمال الشّرقي منها، وإلى الجنوب منها قَصِيل والجَمّة، وأم سْنينة التي تبعد عنها 2 كلم إلى الجنوب الغربي، وخربة خَراب السَّخَل إلى الجنوب الشّرقي من ذيبين بنحو بضعة كيلومترات.

“وثيقة عثمانية عن جبل العرب في القرن التاسع عشر: “الدروز يتميّزون بـأوصـــــاف التفــوّق على من جاورهم”

العمران القديم في ذيبين
في البلدة عمران قديم، وقد تهدّم بعضه، وبالقرب من ذيبين وُجِدت آثار تعود إلى العصور الحجريّة (12000ــ 4000 قبل الميلاد). يذكر الدّكتور علي أبو عسّاف في ص 16 من كتابه” الآثار في جبل حوران” أنّ الإنسان الذي عاش في تلك العصور ترك أدواته الحجريّة مثل الفؤوس والمكاشط والبلطات ورؤوس السهام، ومنها في قرية صْماد المجاورة لذيبين على مسافة 4 كلم، وقد عَرفت ذيبين العمران قبل عصور الأنباط والغساسنة الذين عمّروا البلاد إذ يذكر أبو عساف أنّه “اكتُشف فيها مدفن وكتابات يونانية وما زالت أجزاء من الدور القديمة بيِّنة في البيوت الحالية وفي المزار” وقد أشار توفيق الصّفدي في كتابه “جنوب الشام صدى الإنسان والسّنديان “ ص393، أنّ الباحثة الفرنسية سولانج أوري ذكرت في كتاب لها عن المدافن في حوران نشرته عام 1989 أنّها عثرت في ذيبين على شاهدة قبر نُقش عليها التالي”بسم الله ــ بيت حاتم جاثم بن بشير (أو نسير)… رحمه الله”، وتعود إلى الفترة الإسلامية، أمّا الجدران فهي مُهدّمة وقد استُبدلت بحجارة غير منحوتة.
وفي ذيبين مقبرة أثرية قديمة تقع في الجنوب الغربي منها، يتوسّطها قبرٌ يُزار، يُطلق عليه اسم “الشّيخ شمعون”، ويرجع تاريخه إلى عام 106 للميلاد، ومن التّاريخ نستنتج أنّ هذا الأثر يعود إلى آواخر العصر النّبطي، وهو العام الذي سقطت فيه البتراء عاصمة مملكة الأنباط على يد الرّومان. ولما كانت المنطقة تفتقر إلى الينابيع فقد عمد بناة ذيبين القدامى في تلك العصور الغابرة إلى حفر بُركة كبيرة بطول 60م وعرض 45م وعمق مُتَوَسِّطه نحو 3 أمتار. وتستوعب تلك البركة نحو 8000 متر مكعب وكانت تُملأ بمياه الأمطار التي كانت تُسْتَجَرُّ من أعالي الجبل عبر قناة أنشئت على أساسها القناة الحالية المعروفة بقناة سعيد التي فُرض على أهل القرى التي كانت القناة تعبر خراجها عدم التعرّض لمياهها، بالإضافة إلى عدد من الآبار النّبطية والرّومانية القديمة، هذا بالإضافة إلى عدد من الآبار (الخزّانات) التي استحدثها المُعَمّرون من بني معروف سكّانها الجُدُد.

ومن المعروف أنّ المنطقة تعرّضت للهجران والخراب بعد الفتح العربي الإسلامي، ولكنّها عُمّرت فترة في العهد المملوكي، ومن ثمّ خَربت بعد ذلك لتمرّ بحالات من سكن متقطّع في العهد العثماني. كان فقدان الأمن بسبب عوامل ضَعف سلطة الدّولة وغارات البدو والجراد -الذي كان يضرب البلاد كلّ بضعة أعوام مرّة- من أبرز أسباب تواتر حالات الخراب، وبهذا فقد كان السّكن في ذيبين وسائر حواضر الجبل مُضطرباً وغير مستقرّ قبل قدوم بني معروف الموحّدين إلى جبل حوران.
يذكر المُعمِر المثقّف الأُستاذ ذياب راوَنْد أنّه بعد النّصف الثاني من القرن التاسع عشر توافدت إلى ذيبين بعض العائلات الدّرزية كآل الحسنيّة، وآل راوَند وهؤلاء أصلاً من آل عبد الخالق من جبل لبنان نُسِبوا إلى أمّهم راوَنْد، كان قدومهم بسبب احتياج بني معروف الموحّدين الذين تمّ تهجيرهم من لبنان إلى موطن بديل، وفي تلك القرية وجدوا بعض الأسر المسيحيّة الغسّانية الأصول كآل اللّابد والعوابدة والدّحدل والبُطْرُس وأبو جمرة والعائلات السنّية كآل الكردي وآل الغوثاني. ولكنّ الحاج مْسَلّم الغوثاني أحد كبار تلك الأسرة السنّيّة يذكر أنّ الشيخ سعيد الأطرش عندما قدم من عرى إلى ذيبين استقدم معه جدّ آل الغوثاني إلى ذيبين وفيها حملوا كنيتهم (الغوثاني نسبة إلى القرية التي وفدوا منها)، وأن الأسر التي كانت في ذيبين كانت تعيش حياة قلقة بسبب تعدّيات البدو واللّصوص ونهب المواشي والمُمتلكات، وأن آل النابلسي السّنّة قدِموا إلى ذيبين متأخّرين عن قدوم سعيد إليها.

السيّد حكمت المحيثاوي رئيس بلدية ذيبين
السيّد حكمت المحيثاوي رئيس بلدية ذيبين

ذيبين في زمن الخراب
كانت قرى المقرن القبلي إلى الجنوب من القريّا عبارة عن قرًى مهجورة خالية من السّكّان في مطلع القرن التّاسع عشر بين عامي 1810 و1812، فالقريّا التي سبقت بتوطّن بني معروف فيها سائر قرى المقرن القبلي والتي زارها المستشرق جون لويس بيركهاردت في تلك الفترة كانت قرية شبه خالية من السكان قبل أن يحيي بنو معروف عمرانها ولم يكن فيها سوى “ما يقارب من خمسمئة بيت ولم يكن مسكوناً منها في هذا الوقت إلّا أربعة وإلى الجنوب والشرق من القريّا تقوم خرائب تُدعى العَيّن، بُرْد، نِمْري، بكَّة، حُوْط، سحاب، أمّ الرمّان، الرّافقة”.ورد ذلك في مقتطفات من كتاب رحلات في سوريا، للرَّحالة جون لويس بركهاردت، جبل حوران في القرن التاسع عشر تعريب سلامة عبيد، ص29، بدون تاريخ. ولم يَرِدْ ذكر لذيبين على أنّها معمورة بتاتاً لدى بركهاردت، وهذا يدلّنا على أنّ الخراب كان عامّاً في القرى الواقعة جنوب القريّا بما فيها ذيبين.
في كلّ الأحوال فإنّ القرى الجنوبيّة من المقرن القبلي قد أخذت تدبّ فيها الحياة تدريجيّاً بعد تمركز اسماعيل الأطرش وفريقه من بني معروف في القريّا نحو قُبيل أواسط القرن التّاسع عشر، وخاصّة بعد المصالحة الشّهيرة مع محمّد بن سُمير شيخ قبيلة وُلْد علي، وبروز قوّة الموحّدين في تلك المنطقة حيث أخذت العائلات المعروفيّة بالانتشار جنوباً ترافقها بعض الأسر المسيحيّة والسّنّية التي وجدت في فروسيّة الدروز حامياً لها من غزوات البدو واعتداءات اللّصوص الذين لم يكونوا يجدون رادعاً قبل قدوم بني معروف إلى الجبل.
ويذكر المعمر هايل غبرة من ذيبين بأن الدّولة العثمانية كانت تكتفي بأن تأخذ من شيخ أي قرية مبلغ ليرتين ذهبيّتين عن كل فدّان من الأرض تتم زراعته (الفدّان مساحة من الأرض تتراوح بين مائتين إلى ثلاثمائة دونم وقد تزيد حسب مساحة الأراضي في كل قرية)، وليرتين ونصف الليرة ذهباً عن رقبة الرجل البالغ، وتترك للشّيخ حريّة التَّصرّف بالتّمليك والتّرحيل والتّنزيل وإدارة شؤون الفلّاحين في قريته. ولكنّ بني معروف الموحّدين وبحكم معاناتهم التاريخية مع الأنظمة الحاكمة المتعاقبة كانوا مضطرّين للتّضامن مع بعضهم كعشيرة موحّدة تَسْتَبْسِل ضدّ أي خطر خارجي يستهدف وجودها، وإلى هذا تشير وثيقة عثمانية وردت في كتاب “بين المركز والأطراف، حَوْران في الوثائق العثمانية 1842ــ 1918”1 (ص 436) إلّا أنّ الموحّدين يتميّزون بـ “أوصاف التفوّق على من جاورهم.” ولا بُدَّ أنّ هذا التّمَيّز ساعد على توطيد التوطّن العام للموحّدين الذين تبعهم في التوطّن المسيحيّون والسنّة الذين وجدوا في بني معروف حامياً لهم في تلك القرى التي كان يرين عليها الخوف والخراب قروناً والتي لم يستقرّ فيها العمران قبل قدوم الموحّدين إليها.
كانت الحياة في ذيبين عصيبة على السكّان القلائل من النّصارى والسُّنّة الذين كان اللّصوص والغُزاة يستضعفونهم فيها قبل قدوم سعيد الأطرش وبنو معروف إليها نحو بداية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وبحلولهم في تلك القرية وبما جمعه سعيد من حوله من فرسان من بني معروف الذين كانوا يُدعَوْن بـ “خيّالة سعيد”، ويروي الحاج مْسَلّم الغوثاني أنّ سعيداَ سلّحهم بـ “قَرَبينات”، وكان يوزّعهم مجموعات حراسة في الليالي بحيث تمكّن وإيّاهم من حماية العُمران في ذيبين، وأنّ النوري بن شعلان شيخ قبيلة الرّْوَّالة وهم فرع من قبيلة عَنَزَة الكبرى نزل ضيفاً على سعيد في ذيبين وفي ذلك شكل من أشكال طلب الصّداقة، وإقامة العلاقة الودّيّة.
كما يروي المُعْمِر هايل غَبْرَة أنّه عندما قدم سعيد إلى ذيبين كان بها دُور قليلة مسكونة، ومعظم دور القرية كانت خالية من السّكان. نزل سعيد بدار قديمة في قمّة التلّة الأثرية للقرية مُشرفة على ما حولها وقريبة من البُرْكة النَّبطيّة القديمة ولم تزل بقايا من تلك الدّور قائمة إلى يومنا هذا، كان هدف سعيد ضَبْط حركة الطّرق من ذيبين وإليها.
ويُجْمع المُعْمرون على أنّ سعيداً كان قد اخْتُصّ بالقدوم إلى ذيبين للتوطّن فيها من بين أبناء اسماعيل، مُرسي مجد آل الأطرش، بهدف حماية الحدود الجنوبية الغربية للجبل لِتَعزيز سكن بني معروف في تلك القرية النّائية المواجهة لبادية يسودها تراث الغزو المُتَحدّر عبر قرون متتالية من تراث آتٍ من الجاهليّة. كان مجيئه إلى ذيبين من ضمن الخطّة التي سبَق أنْ وضعها اسماعيل الأب الذي عمل على نشر وتوطين العائلات المعروفيّة في القسم الجنوبي من الجبل تحت زعامة أبنائه أو أبناء أعمامه كآل النّجم والعبدالله والحَمّود، وقد عمل شبلي الخليفة الثاني الأقوى حنكةً بعد والده اسماعيل على متابعة تنفيذها، وهو الذي وصفته الباحثة الألمانية بريجيت شبلر في كتابها “ انتفاضات جبل الدروز ــ حوران من العهد العثماني إلى دولة الاستقلال 1850 ــ 1949” بـ “شبلي الأسطوري”.

تربية طيور الرّاماج

منذ سنوات أخذ عدد كبير من سكّان قرى الجبل بتربية هذا النّوع من الطّيور الملوّنة التي هي بحجم طائر السّنونو تقريباً، ولا تجد قرية في محافظة السّويداء تخلو من تربية الرّاماج، فالغرفة الواحدة تستوعب 20 زَوجاً من تلك الطّيور، وهي تحقق للمربين عائدا ماليا جيداً، ويفيد بعضهم أنّ الرّاماج يدخل في صناعة موادّ التّجميل والمواد الطّبِّيّة، وفي ذيبين 350 غرفة لتربية الرّاماج.

مضافة آل غبرة أنشأها بناؤون من ضهور الشوير في لبنان
مضافة آل غبرة أنشأها بناؤون من ضهور الشوير في لبنان

استراتيجية للردع وتنمية السكان
كان سعيد من أقوى أبناء اسماعيل الثّمانية شكيمة، وقد نظّم حماية ذيبين ورفع عنها خطر الغزو بعنف مضاد، فصار الغزاة يهابون الاقتراب من حِمى ذيبين، وخَشي اللّصوص من بطشه فأمِنَ الناس فيها وتوافد إليها المزيد من العائلات المعروفيّة ويذكر المُعمرون من آل الحسنية أنَّ أحد أجدادهم وهو محمود محمّد الحسنيّة الذي سكن في قرية بكّا شماليّ ذيبين بعد قدومه من قرية عين وزين الشوفيّة في جبل لبناناستقدمه سعيد إلى ذيبين وملَّكَهُ سبعة فدادين ونصف أي ما مساحته أكثر من ألفين وستمائة دونم من الأرض، وكان فندي الحسنيّة من فرسان سعيد ورجاله البارزين. ويذكر الشّاعر الشّعبي فوزات غبرة أنّ الشيخ سعيد استقدم أجداده آل غَبْرَة الذين كانوا يسكنون في بكّا وملّكهم ستّة فُدُن من الأرض مساحتها ألفان ومائة دونم شرط إحيائها، وكان يقول لِمَن يوزّع عليهم الأرض “افلحوا وازرعوا بنشاطكم”. كما استقدم سعيد رجالاً من أخواله آل الحنّاوي وملّكهم أربعة وعشرين فدّاناً من الأرض مساحتها نحو اثني عشَرَ ألف دونم. وكذلك فعل مع سائر العائلات التي استقدمها إلى ذيبين.
ويروي المعمرون أنّ أحد اللّصوص الذين كانوا يأتون جماعات وفُرادى من أماكن بعيدة كغَوْر الأردن ونابلس في فلسطين وسواها من براري البوادي المتاخمة للجبل، قَدِمَ ليلاً مع رفاق له إلى ذيبين بقصد سَرِقة الأبقار والمواشي التّابعة لساكنيها، فعَطِش وقصد البركة ليشرب، لكنّه ومن خشيته افتضاح أمره صار يمشي على يديه ورجليه تَشَبُّها بمشية الكلب، وكان سعيد ليلتَها مُرابطاً قرب البُركة فما كان منه إلّا أنْ تَناول اللّص بقبضته القويّة من رقبته وقال له:
لِمَ تمشي هكذا وأنت من بني آدم؟، فأجابه: “دْخَلَك”، أخاف من سعيد.
ــ أنا سعيد، وبما أنّك تخاف من سعيد سامَحْتك، لكنْ إنْ جيت الجبل بقصد السّرقة مرّة ثانية أنت أو غيرك ما قدّامكم إلّا الموت، ارجع لبلادك، وخبّر بِاْللّي جرى لك معي.
ومن اهتمام سعيد بفنّيَّة العمران فقد استقدم بنّائين “شوَيريّة” من ظهور الشّوير في جبل لبنان، قاموا بتركيب الواجهة الحَجَرِيَّة في داره التي لم تزل أجزاء منها على حالها وقد نُقلت حجارتها من قرية صْماد الأثريّة المجاورة شمال غرب ذيبين. وفي ذيبين وحتّى يومنا هذا يشاهد المرء بأمّ العين العديد من المضافات والدّور القديمة قام بإشادتها بنّاؤون شويريون من لبنان.
وبتوطّد الأمن في القرية قَدِم إليها المزيد من العائلات من بني معروف وغيرهم وقد كان سعيد يوزّع عليهم الأرض بحُكْم مركزه كَشيخ فيها. وقد جمع الرّجل بين الشجاعة الفائقة والعفو عند المقدرة والكَرَم.

“رغم أهمية الزراعة فإن أموال الاغتراب من لبنان ودول الخليـــج باتت تشكّل المورد الأهم لأهالي البلدة”

الواجهة الشرقية من دارة الشيخ سعيد الأطرش في بلدة ذيبين
الواجهة الشرقية من دارة الشيخ سعيد الأطرش في بلدة ذيبين

العائلات المعروفيّة في ذيبين
من العائلات المعروفية التي استقرّت في ذيبين بعد آل الحسنيّة ورَاوَند، وآل عقيّل آل غبرة وهؤلاء يتحدّرون أصلاً من آل أبو الحُسن في جبل لبنان، وآل حَسَن الذين قدموا من الشوف في جبل لبنان، وآل حاطوم وقرقوط ورعد ورحروح والمحيثاوي والصّغبيني وماضي وهؤلاء أصلاً من العبيدية في جبل لبنان، والحنّاوي وفرج وأبودقّة، وبْشير والعماد وفندي (أصلاً عبد الباقي)، وأبوحمدان، وأبورجاس والدّبيسي وأبو علي وأبو شاهين والحلبي وعبيد والكريدي وحرب وأبو غاوي ومَنْشا وقطيش وذبيان والرّيشاني وأبو شقرة وغرز الدّين ووهبي.
ولقدوم آل حاطوم إلى ذيبين قِصّة يرويها الشّيخ عادل حاطوم إذ إنّ أجداده غادروا كفر سلوان على أثر قتال مع قوات أرسلها إلى كفر سلوان نحو عام 1800 الأمير بشير الشهابي ويؤكّد صحّة هذه الرّواية ما كتبه ياسر فوّاز حاطوم في ص 23 من كتابه” آل حاطوم في تاريخ بني معروف”، إذ يذكر أنّ “عساكر الشهابي لاحقت آل حاطوم وشتّت شملهم، وعمّم (أي بشير الشهابي) على أهل البلاد أيّاً كان عدم إيواء بيت حاطوم”.
ومن العائلات السّنّية في ذيبين آل الغوثاني الذين قدموا أصلاً من شرق الأردن من بلدة “سما الرّوسان” منذ نحو مئتي عام، وسكنوا قرية حبران، ثمّ انتقلوا إلى قرية الرّحى، ومنها إلى خربة غوثا قرب عرى، ولما استقدمهم سعيد ليسكنوا إلى جانبه في ذيبين أُطلق عليهم اسم الغوثاني نسبة لآخر موقع سكنوه “غوثا”. وفي ذيبين بعض العائلات من البدو وهم أصلاً من عشائر الجبل ويسكنون في حارة خاصّة بهم تقع في جنوب القرية وهم يقومون بأعمال رعي الأغنام والماعز بالمشاركة مع أهالي البلدة ولا يزيد عددهم عن مئتي نسمة.

ذيبين في تاريخ بني معروف
لقد شارك فرسان ذيبين ورجالها في مقاومة الظّلم العثمانيّ، والاحتلال الفَرنسيّ الذي ابتُلِيَت به سوريا بعد طرد العثمانيين من بلاد الشّام وقدّموا قافلة من الشّهداء في معارك الثّورة السّوريّة الكُبرى عددهم ثمانية عَشَر شهيداً حَسْب صالح عْمار أبو الحُسن، وهو المعروف بالشاعر الشعبي للثّورة السورية الكبرى، يذكرهم في ص 19 من ديوانه وفيهم يقول:
ذيبين فيها رجال وعْليها اعتمـــــــــــاد ربّوا الهوايــــــــــــــــل بـــــــــــــالمعارك والجهاد
مــــــــــــــــــــا يهـــــابـــــــــــــــــــوا الموت بيوم الوغــــــــــــــى نار العِدى بالكون يدعوها رَمــــاد
وقد هدم الفرنسيّون دوراً في ذيبين لآل حاطوم وآل قرقوط.

ذيبين اليوم
ذيبين اليوم هي مركز ناحية تتبع لها قريتا أمّ الرّمّان وبَكّا
ويبلغ عدد سكّانها نحو 5022 نسمة.
ويعتمد السكّان في ذيبين على وظائف الدّولة وعلى الزّراعة بشكل محدود ولكنّ أموال الاغتراب من لبنان ودول الخليج وفنزويلّا وغيرها في حقيقة الأمر تشكّل المورد الأهم لأهالي البلدة.
وفي ذيبين شبكة صرف صحّي، وثلاثة آبار إرتوازية لتأمين مياه الشّرب، وهناك مركز صحي تابع لوزارة الصحة وجمعية تعاونية زراعية، وقد أمنت الدولة أباراً حُفرت على نفقتها بهدف تشجيع الزّراعة وتثبيت المواطن في أرضه، وسمحت بِرَيّ ما مساحته 3 دونمات كحدٍّ أعلى للمُزارع، تُزرع باللّوزيات والزّيتون والتّوت الشامي والدرّاق. وتوجد في ذيبين وحدة للإرشاد الزراعي ويتأثر إنتاج البلدة سلبا بعاملين هما انقطاع التيار الكهربائي والصقيع.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي