الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

صناعة دبس العنب

صناعة دبس العنب
فـي منطقـة راشـــيا

أشقر وحلو معتق تفخر به موائد الشتاء

الزبيــب غـذاء ودواء وأغلبـه
ما زال يجفـف بالطـرق التقليديـــة

«أيلول ذيله بالشتي مبلول»، قول شائع بين المزارعين وأهل الأرياف يقصد به تبدل الطقس مع دخول شهر أيلول وتحول الميزان نحو الرطوبة وسحابات المطر الخريفي.
لكن لشهر أيلول معنى آخر في منطقة راشيا باعتباره شهر القطاف، وبالتحديد قطاف كروم العنب والبدء في تحويل قسم كبير من المحصول إلى الدبس العنبي الشهير والزبيب.
وزراعة الكرمة من الزراعات الشهيرة في منطقة راشيا، إذ تحتل الجزء الأكبر من مساحة الأراضي الزراعية. وعلى الرغم من تراجع مساحة الأراضي المستصلحة نتيجة اتساع رقعة الأراضي المهملة (البور) وتمدّد العمران، فإن هذه الزراعة ما زالت أساسية ويعوّل عليها السكان بشكل كبير في اقتصادهم الموسمي.
أما صناعة الدبس العنبي فلا تقل أهمية، وهي قديمة العهد تناقلها المزارعون منذ مئات السنين، وكان الهدف منها تحويل عصير العنب إلى مكثّف سائل يُعرف بإسم «الدبس» والاستفادة بالتالي من فائض المحصول عبر تصنيع مشتقات منه مثل الدبس والزبيب، اللذين يتم استهلاكهما خلال فصل الشتاء ليعطيا دفئاً للجسم وغذاءً أساسياً.
ومع انتصاف شهر أيلول يبدأ المزارعون بقطاف العنب ونقله إلى المعصرة حيث يتم تجميعه ثم تنقيته من الشوائب ليصار الى عصره. وهذه العملية تمرّ بمراحل متعددة تبدأ بفرز العنب بعد قطافه إلى أقسام عدة. ويؤخذ القسم المعدّ للعصر إلى «بيدر المعصرة» حيث كان يوجد على كل معصرة بيدران أو أكثر، ويتبع كل بيدر جرن. والبيدر هو عبارة عن مسطح من الحجر يتم وضع العنب عليه ليتم عصره فيرش العنب بتراب أبيض يقال له الحوارة أو تراب الدبس، والهدف منه تنقية العصير بعد العصر ثم يُقدم شخص أو أكثر ليبدأ «خبص» العنب بواسطة الأقدام التي تكون نظيفة بطبيعة الحال، ويذهب العصير إلى جرن المعصرة الذي يكون بمستوى أدنى من البيدر فيجمع العصير الذي كان يقال له (مستار ) حتى تركد الشوائب والتراب في أرضه ليصار في ما بعد إلى نقله بواسطة أوعية معدنية أو نحاسية الى الحلة أو الخلقينة، ويوضع العصير على موقد الحطب لتبدأ عملية الغلي التي تستمر لساعات عدة حتى يتكثّف العصير ويصبح دبساً، علماً أن هذه العملية بدورها تمرّ في أكثر من مرحلة:
المرحلة الأولى: وتسمى «السلق» حيث تستمر الى أكثر من ساعتين ونصف الساعة، ويتمّ السلق على درجة أقل من درجة الغليان ما بين 80 الى 90 درجة مئوية. خلال هذه المرحلة يتم تشلية العصير، والهدف منها هو تبريد العصير وعدم خروجه من الحلة، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة يتم نقل العصير الى بيدر المعصرة مجدداً لتبريده وتصفيته من الشوائب ويُنقل بواسطة “القسط”، وهو إحدى لوازم المعصرة القديمة، وتحتاج هذه المرحلة ما يقارب الخمس ساعات.
المرحلة الثانية: وتسمى مرحلة «الطهي»، وتستغرق وقتاً يصل إلى أربع ساعات، وذلك حسب الكمية. وأثناء الغلي يتم تشلية العصير ونزع ما تبقى من شوائب في داخله قبل أن نصل الى المرحلة الأخيرة، وهي المرحلة التي يتم فيها وضع الدبس في أوعية نحاسية ليصار الى تحريكه بواسطة أغصان التين ليأخذ اللون الأشقر وبعدها يصبح الدبس جاهزاً للسكب بواسطة المغراف ويوضع في أوعية خاصة به، وغالباً ما تكون الجرار فخارية.
ضحية التحديث
لكن موجة التحديث طالت هذه الصناعة التقليدية كما طالت غيرها من الصناعات لتختصر المكننة الوقت الذي يستغرقه التصنيع مسببةً في الوقت نفسه البطالة لدى الذين كانوا يعملون في صناعة الدبس، والضحية الأولى لدخول الآلة هو الحدث الاحتفالي لجمع الموسم الذي كان يستمر أكثر من شهرين، وكان يجمع شمل الناس في التعاون على إنهاء الموسم. أما الضحية الثانية فهي عملية العصر والطهي التقليدية للدبس على الحطب، والتي تراجعت أمام فعالية المعصرة الحديثة التي اختصرت الوقت والجهد إلى أكثر من النصف.
أحد المشايخ الطاعنين في السن تحسّر على أيام زمان قائلاً:” رزق الله على تلك الأيام!”. كانت حسرة نابعة من القلب على أيام الإلفة والنخوة التي كانت عنوان الموسم. فالمزارعون يعينون بعضهم البعض في القطاف ونقل المحصول من الكروم لعصره وطهيه، فترى المعصرة عرساً مستمراً، وكانت الأهازيج والتقاول (قول الشعر العامي) بين الشبان الذين يعصرون العنب تضفي جواً من الفرح وتبعد الملل. أما اليوم، فإن دخول الآلة قطع دابر تلك العادات والتقاليد وتلك الأجواء التي كانت جزءاً من ثقافة الناس ومجتمعهم.

استخدامات الدبس العنبي
يحتل الدبس العنبي الأشقر موقعاً مهماً على مائدة الكثيرين في لبنان بحيث أنه يؤكل خالصاً أو ممزوجاً بالطحينة في أيام الشتاء الباردة، أما في الصيف فقد كان الناس يمزجونه بالماء البارد ليصنعوا منه شراباً منعشاً يقدّم للضيوف، وبدأ الدبس يدخل بصورة متزايدة في تصنيع الكعك والحلويات المنزلية.
ويعتبر الدبس نافعاً جداً للصحة بسبب كونه مصنوعاً من عصير العنب الصافي، وينصح به الأطباء لخلوه من المواد الحافظة، ولكون تركيبته تساهم في التخلص من السموم وتقوي المعدة واضطرابات الأمعاء.

الفوائد الصحية لثمار العنب
تتميز ثمار العنب عن غيرها من الفواكه بفوائد صحية جمة يذكر منها:
التأثير الإيجابي في الحدّ من تصلب الشرايين وتخفيض نسبة الكولسترول في الدم.
المساعدة على تنشيط الكبد وسلامة وظائفه وإدرار الصفراء بشكل منتظم.
الحدّ من داء المفاصل أو ما يُعرف بداء النقرس، وهذا إضافة لاحتواء العنب على العديد من الفيتامينات والمعادن والألياف والمواد المضادة. للأكسدة.
يساعد العنب في معالجة هشاشة العظام وتهدئة السعال وطرد البلغم، كما يساعد في الوقاية من أمراض اللثة وتساقط الأسنان.

كعك لبناني محلى بدبس العنب
كعك لبناني محلى بدبس العنب

صناعة الزبيب
يعتبر تحضير الزبيب من أولويات البيت القروي حيث تبدأ هذه العملية بعد أن ينضج العنب جيداً، والأولوية هي دوماً للعنب الأبيض بأصنافه المختلفة نظراً للجودة التي يتمتع بها.
كيف يتم تصنيع الزبيب بالطرق التقليدية؟
بعد قطاف العنب، يبدأ تحضير المزيج المخصص في تحويل العنب الى زبيب، وهو عبارة عن ماء ممزوج بالرماد حيث يتم احضار ثلاثة كيلوغرامات من الرماد المنخول جيداً، وغالباً ما يفضل الرماد الناتج من حطب السنديان (فضلة الحطب بعد حرقه)، حيث يتم وضع الماء في حلة على النار ويبدأ غلي هذا المزيج بعد أن تضاف اليه مجموعة من أوراق التين حتى يصبح متماسكاً ويقال له الصفوة، وبعده يترك حتى يبرد ويركد ما تبقى من شوائب ثم يتم تصفيته، ومن ثم يتم احضار عشبة يقال لها الطيون مع قطعة من صابون الزيت (بلدي) وإضافة بعض من زيت الزيتون الى المزيج وملعقة صغيرة من ملح الطعام ويتم خلط هذا المزيج بواسطة الطيون.
الخطوة الأولى تبدأ بغسل العنب جيداً بعد تنقيته من الشوائب ووضعه حتى تجف المياه لتبدأ عملية سطح العنب، فيتم تخصيل عناقيد العنب الى أجزاء صغيرة وغسلها مجدداً بماء الصفوة ووضعها على «المسطاح». وبعد الانتهاء يتم رش المسطاح بماء الصفوة ويترك العنب أياماً عدة في الشمس ويتم الإعتناء به خلال هذه الفترة مثل تقليبه ورشه بمزيج الصفوة مرات عدة ليتم ابعاد الحشرات والإسراع في تجفيفه، وبعد أن يجف يتم نقله إلى المنزل ليصار إلى توضيبه وخزنه إلى فصل الشتاء.

من عصير مصفى إلى دبس العنب الفاخر
من عصير مصفى إلى دبس العنب الفاخر

“شيخ الدبس” صاحب القرار

يسمى الذي يشرف على عصر العنب «البرّاك»، أمّا من يشرف على طبخ العصير فهو «الشيخ» (شيخ الحرفة أو الصنعة) وليس بالضرورة أن يكون رجل دين إنما هي عبارة عن رتبة يحوز عليها عرفاً، وتجعل له الرأي الأول والأخير في تحديد مدى نضوج العصير حتى يصبح دبساً، وهذا يعود إلى الخبرة الطويلة التي يتمتع بها وخوضه تجارب كثيرة في مجال هذه الصناعة .

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading