الجمعة, أيار 10, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, أيار 10, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

صياح الأطرش

المجاهـــــد
صيّــاح الحّمــود الأطــرش

وجد فيه سلطان الشجاعة العاقلة والرأي السديد والإخلاص والتفاني
فجعل منه رفيقاً مقرَّباً وساعداً وجناحاً قوياً لا يمكن الإستغناء عنه

سـار على رأس ألـــف مجاهــد لملاقــاة الشريــف فيصــل
ولاقاهـم سلطان وفرسان الجبل في الزحف لتحرير دمشـق

أبدى صيّاح بطولة خارقة في موقعة «عرى» ضد الفرنسيين
وقُتل تحته في حميم الرصاص خمسة من الجياد العربية الأصيلة

الجنرال أندريا: بعض الثوار ظلّوا يطلقون النار
وهم منبطحون حتى مرّت فوقهم العربات فسحقتهم.

في الحديث عن المجاهدين الأموات الأحياء، والأحياء عند ربّهم يُرزقون، بعض الوفاء لهم، وتذكير بمواقف العزِّ والبطولة والوطنية والتضحية والفداء، وإستحضار لماضٍ، كانوا فيه السواعد التي تقاوم المستعمرين، وتهدم صروح الظالمين، والمشاعل التي تبدّد الظلام، وتنير طريق الحرية، إلى حاضر يحتاج الكثير من أمثال هذه السواعد والمشاعل لما بات يكتنفه من الظلم والظلام.
وفي العودة إلى سلطان باشا الأطرش ورفاقه في الجهاد صفحات تحلو كتابتها، وتلذّ قراءتها. وصيّاح الحمّود الأطرش هو من الرعيل الذي جاهد في الثورة العربية الكبرى، وفي الثورة السورية الكبرى تحت لواء سلطان، وهو، إضافة إلى ذلك، أحد مراجع الثورة السورية الكبرى لقصائده فيها، ولما دوّنه عنها من يوميّات، واحتفظ به من وثائق وإن قليلة.
صيّاح هو إبن نايف بن سلامه بن حمّود الثاني بن حمّود الأول، شقيق إسماعيل الأول الذي هو أحد جدود آل الأطرش، الأعلين. وُلد سنة 1898 في قرية «بكّا»، إحدى قرى «المقرن القبلي» في جبل العرب (محافظة السويداء حالياً). توفّي والده قبل ولادته فعاش يتيم الأب، وتعّهدت والدته تربيته وإعاشته بمساعدة من أقاربه، آل الأطرش، والمحبّين لأبيه وجدّه سلامه من أهالي «بكّا», وكانت هناك عوامل من محيط صيّاح ساهمت في إعداد شخصيته وتنمية مواهبه، وصيرورته فارساً مغواراً، وشاعراً يجاهد بسيفه وبقصائده الحماسية الوطنية.
إن بيئة جبل العرب البركانية، ذات المناخ الجبلي الجاف، وشبه الصحراوي، أفضل البيئات لنمو الأجسام الصحيحة، الصلبة والقوية. وبيئته الثقافية بما فيها من تقاليد عربية أصيلة، ومفاهيم عرفانية توحيدية، منبت الرجال الأفاضل المتحلّين بالقيم والمناقب، والناس الصابرين، والمقاتلين الأشدّاء الشجعان، والنشاما، أي أصحاب الأريحية. هاتان البيئتان جعلتا صيّاح الأطرش مقاتلاً مقداماً، وفارساً مغواراً، ورث الشجاعة والرجولة عن قوم لهم تاريخ طويل في الكفاح من أجل تثبيت الوجود, وحفظ الكرامة، والدفاع عن الأرض والعرض، وعن الديرة، وورثها خصوصاً عن جده لأبيه «سلامه» الملقب بـ «سم الموت».
ومن عوامل البيئة الثقافية، التي جعلت من صيّاح الأطرش شاعراً، المضافات التي هي في جبل العرب مدارس مجّانية مفتوحة في كل آن، هي أشبه بسوق عكاظ مصغّرة، تُروى فيها الحكايات عن الشجعان، وتُردَّد الحكم والأمثال عن العقلاء, وتُنشَد أناشيد الشعراء على أنغام الرباب، فتطرب بها الآذان، وترقص لها الأفئدة. ومن عوامل هذه البيئة الثقافية أيضاً إنشاد أهل الجبل القصائد الحماسية في المناسبات، وإنشاد مقاتليهم الجوفيات في العرضات التي يقيمونها عند تجمّعهم وتأهّبهم للحرب، وإنشاد أبيات الحداء في سيرهم إليها.
تسلّم صيّاح الأطرش بضع وظائف مهمة هي مدير ناحية «القريّا» في حكومة جبل الدروز التي أقامها الإنتداب الفرنسي في سنة 1921, وقائمقام صلخد، أي «المقرن القبلي»، من الجبل، في عهد الإستقلال، بتفضيل من سلطان باشا الأطرش له على سائر الطرشان، وقائمقام الزبداني بعد ذلك وكان من لجنة أعيان آل الأطرش، وقد انتخبوه أمين سرّها حسبما يرد في محضر جلسة 6 كانون الثاني 1943، الذي نحتفظ بصورة عنه.

على خطى سلطان
إنطلق صيّاح الأطرش في العمل الجهادي متأثراً بإبن عمه سلطان باشا الأطرش، وملازماً له، ومنضوياً تحت لوائه في معارك الثورة العربية الكبرى والثورة السورية الكبرى. وفي هذا الصدد يقول إبنه الدكتور عبدي، في الصفحة 33 من «أوراق من ذاكرة التاريخ» ما يلي:
وعندها إكتشف [صيّاح] الزمان والمكان، فحدّد البداية منطلقاً منها إلى النهاية بكل تفاؤل وإقدام وكبرياء. فالبداية كانت سلطان باشا الأطرش إبن «القريّا» جارة «بكّا»، ذلك العملاق المتربّع فوق قلعته الحصينة على قمة عالية تشعُّ بالنور والإيمان إلى كل الجهات والنواحي. سلطان الذي إحتضن الفتى القادم من الجنوب معانقاً فيه الشجاعة اللامتناهية والجرأة العاقلة والرأي السديد والفكر المصيب والإخلاص والتفاني.. قرّبه من قلبه رفيقاً أكثر منه قريباً حتى غدا (كما سيظهر لاحقاً) ساعداً أبياً لا يمكن التفريط به وجناحاً قوياً لا يمكن الإستغناء عنه».

في الثورة العربية الكبرى
تبدأ مسيرة صيّاح الجهادية بإشتراكه في الثورة العربية الكبرى التي أعلنها الشريف حسين في العاشر من حزيران 1916. لم يتلقّ كبعض أعيان جبل العرب، وهم سلطان باشا الأطرش وخليل المغوّش ومحمد الصغيّر، رسائل من الشريف فيصل بن الحسين ومعتمده نسيب البكري، وإنما سمع نداء الواجب «وسار مع حمد البربور وعبد الله العبد الله وألف من رجال جبل العرب لملاقاة الشريف فيصل، فالتقوا به في وادي اللسن» كما جاء في مذكرات فايز الغصين، الجزء الثاني، الصفحة 593. وسار بعضهم تحت لواء فيصل، ومع جيشه الزاحف شمالاً نحو دمشق لتحريرها من الأتراك. وعند وصول الجيش العربي إلى بصرى الشام إنضم سلطان باشا الأطرش والفرسان الذين جمعهم إلى الجيش العربي، ومنهم صيّاح، وزحفوا بإتجاه دمشق، وقضوا عند مشارفها، وفي تلال المانع، على المقاومة العنيدة التي أبداها الجيش التركي المدعوم من الألمان، ودخلوا بقيادة سلطان دمشق بعد ظهر الثلاثين من أيلول 1918، وكان له ولهم شرف السبق إلى عاصمة بلاد الشام، ودخلوها قبل قوات الشريف فيصل وقبل الجيش البريطاني، وكان له ولهم أيضاً شرف السبق في رفع العلم العربي على سراي دمشق في اليوم نفسه.
أنشأ فيصل الحكومة العربية في دمشق في أوائل تشرين الأول سنة 1918. لكن الفرنسيين الذين احتلوا «المنطقة الغربية» من بلاد الشام، شاؤوا السيطرة على كامل سورية تنفيذاً لإتفاقية سايكس-بيكو. فوجّه المفوّض السامي الفرنسي على سورية ولبنان، الجنرال غورو، إنذاراً إلى الحكومة العربية من خمسة شروط لا تتجزأ، مفادها تسريح الجيش العربي، وقبول الإنتداب الفرنسي فأحدث هذا إرباكاً للحكومة العربية وبلبلة وفوضى في دمشق. وبين قبول شروط الإنذار ورفضها، وتسريح الجيش العربي وإعادة جمعه، تراجعت الثقة بالحكومة العربية، وضعفت إمكانية مواجهة الجيش الفرنسي الزاحف بإتجاه دمشق، الذي انتصر في ميسلون في 24 تموز 1920 على بقايا الجيش العربي، ودخل دمشق، وأوصل الإنتداب الفرنسي إلى سورية على رؤوس الحراب ليبدأ تنفيذ مخطط تجزئتها، الإستعماري.
كان سلطان باشا الأطرش مع فريقه رافضاً الإنتداب الفرنسي، مؤمناً بوجوب مجابهة جيشه، لكن لم يتح له وللفرسان الذين جمعهم وسار بهم للدفاع عن دمشق، الإشتراك في موقعة ميسلون، إذ بلغهم خبر الهزيمة فيها ودخول الجيش الفرنسي دمشق في يوم الموقعة نفسه، وخروج فيصل منها إلى الكسوة. وكان صيّاح من هؤلاء الفرسان الذين حشدهم سلطان، وممن أرسلهم بعد ذلك إلى فيصل، الذي خرج من سورية في 29 تموز، ليطلبوا منه الحضور إلى السويداء وإقامة الحكومة العربية فيها.
بعد أن خرج فيصل من سورية مهزوماً من الفرنسيين، خرج والده الملك حسين من الحجاز مهزوماً من الأمير عبد العزيز آل سعود الذي ألغى المملكة الهاشمية في الجزيرة العربية وأقام مكانها المملكة العربية السعودية. لجأ الملك حسين إلى قبرص، وقلَّ المتصلون به والمتذكرون له في منفاه بعد انهيار مشروعه، وضياع حلمه بإنشاء الدولة العربية التي تمتد من جبال طورس شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، إلا أن صيّاح ظل يتذكره فبعث برسالة إليه أجابه عليها برسالة رقمها 176، أدرجنا صورة عنها في كتابنا «دروز سورية ولبنان في عهد الإنتداب الفرنسي» الصفحة 399، يخاطبه فيها «بالوطني المفادي أمير اللواء صيّاح باشا الأطرش المحترم»، ويشيد بالبطولة الخارقة والشجاعة النادرة التي أثبتها أبناء بني معروف فكانت محل الإعجاب وموضع المباهاة، وقد خاطبهم بالقول التالي: «نهضتم نهضتكم هذه أيها الأسود البواسل فأثبتم بها شرف الأخلاق العربية والشهامة العدنانية»، كما خاطب صيّاح قائلاً: «لقد تناولت مضبطتكم التي يتدفّق من بين سطورها ذاك الشمم العربي والوفاء المعروفي، وذاك الإخلاص الصادق واللهجة الحرة».
منح الملك حسين صيّاح لقبين هما «الأمير» و «الباشا»، ولكن صيّاح لم يعلن ذلك، وأخفى الرسالة حتى قبل وفاته سنة 1977 بيومين، مكتفياً بلقب «بك»، تاركاً لقب «أمير» لدار عرى التي حمله أبناؤها منذ أن منح الفرنسيون شيخ مشايخ الجبل سليم الأطرش لقب «أمير» عند تعيينه حاكماً على «دولة جبل الدروز». فدار عرى هي دارة الإمارة عند أبناء الجبل، وهي الدار المقدّمة عند الطرشان على غيرها، وقد إكتفى أعيانهم بألقاب «البيك» و «الباشا» و «الشيخ» بإستثناء حسين ومتعب وتوفيق الأطرش الذين منحهم الشريف عبد الله لقب «أمير» ليكسبهم إلى جانبه عند تأسيسه إمارة شرق الاردن، وعلي مصطفى الأطرش الذي خوطب بالامير أسوة بزميليه النائبين في المجلس النيابي السوري: الأمير فاعور محمود الفاعور، والأمير فوّاز الشعلان، عند حضورهما مؤتمر سان فرنسيسكو سنة 1945 الذي أُسّست فيه هيئة الأمم المتحدة.
إتخذ صيّاحُ سلطان باشا الأطرش مثلاً أعلى في نهجه وسلوكه ونضاله. فسلطان إكتفى بلقب «الباشا» الذي منحه إياه الشريف حسين، ورفض منه لقب «أمير»، كما إن إبنه الشريف عبد الله لم يجرؤ على منحه هذا اللقب. وكان سلطان يقدّم دار عرى وأمراءها، ويعتبر وحدة الزعامة التشريفية والرسمية فيهم تجسيداً لوحدة أبناء الجبل، كما يعتبر أن المرء هو الذي يحيك عباءة زعامته وهذا كان شأن صيّاح الذي كتم خبر رسالة الملك حسين، لأنه كما جاء بقلم إبنه الدكتور عبدي في «أوراق من ذاكرة التاريخ» الصفحة 35 «كان لا يؤمن إلا بالعمل الذي وحده يعلو على كل الألقاب والذي يشرّف كل إنسان بعيد عن الغرور والخيلاء».

قادة المجاهدين في خيمتهم في وادي السرحان في المملكة السعودية[1]
قادة المجاهدين في خيمتهم في وادي السرحان في المملكة السعودية[1]

في الثورة السورية الكبرى
كان صيّاح من بين 23 شخصاً اجتمع بهم سلطان باشا الأطرش من أجل التهيئة للثورة، ومن جملة أعضاء وفد جبل العرب، الذي قابل المفوض الفرنسي أوغست برونه، حين جاء لاستطلاع أحوال سورية ولبنان وقد قابل الوفد المفوض السامي الفرنسي سراي، ورئيس الاستخبارات الفرنسية دانتز، لكن مفاوضة زعماء جبل العرب مع المسؤولين الفرنسيين إصطدمت بغطرسة الجنرال سراي الاستعمارية وعصبيته، وتدابيره الإنفعالية المتسرّعة التي أدّت إلى التسريع بالثورة التي يعدّ لها سلطان بالتنسيق المحدود مع زعماء وطنيين في دمشق.
وكان صيّاح من أوائل المجاهدين الذين انضمُوا إلى سلطان في مسيرته لتهييج قرى «المقرن القبلي» إنطلاقاً من قرية صيّاح «بكّا». ثم كان من الفرسان الذين خاضوا أولى مواجهات الثورة في «الكفر» وانتصروا فيها على الفرنسيين، وكان في الطليعة يشدو بصوته الحسن الأغاني الحماسية، وقد جرح برصاص رشاش في يده اليمنى، لكنه لم يتوقف عن القتال إلا عند بلوغ النصر المؤزّر.
وتستمر الثورة، ويخوض صيّاح معظم مواقعها حتى صيف 1927، منتقلاً من منطقة إلى أخرى، مقاتلاً يغشى الوغى، فهو من فرسان معركة «المزرعة»، كبرى معارك الثورات على الفرنسيين، حيث أباد الثوار ببنادقهم وسيوفهم حملة فرنسية من ستة آلاف جندي، مجهّزة بأحدث وأثقل الأسلحة وهو من الفرسان الذين خاضوا معركة «المسيفرة» حيث عوّض الثوار عن عدم تحقيق النصر بشرف البطولات والفداء وهو ممن أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن السويداء في أيلول 1925 ضد حملة الجنرال غاملان، وممن خاضوا مواقع إقليم البلاّن، وممن تقدّموا بقيادة زيد بك الأطرش إلى جنوب لبنان لمساعدة ثوّار وادي التيم، ولنقل الثورة إلى لبنان، وقد عمل مع زيد وفضل الله الأطرش وحمزة الدرويش وعلي عامر على تنظيم أوضاع منطقة حاصبيا. وكان صيّاح أيضاً ممن قادوا عمليات تخريب الخط الحديد لعرقلة نقل الفرنسيين لجنودهم وللإمدادات، بقصد تجميع قواتهم لمحاصرة جبل العرب والقضاء على الثورة فيه. ولعلّ أبرز ما يسجَّل له هو بطولته في التصدي لحملة الجنرال أندريا في موقعة السويداء، يوم 25 نيسان 1926، وبطولته في إنقاذ سلطان باشا الأطرش في موقعة «الصوخر» في 9 آب 1926.

موقعة السويداء
بعد نجاح الفرنسيين في إضعاف الثورة أو إخمادها في معظم المناطق السورية واللبنانية التي إمتدت إليها، وجّهوا في نيسان 1926 حملة كبرى من 12 الف جندي بقيادة الجنرال أندريا، لإعادة إحتلال جبل العرب بعد أن انسحبوا منه في أيلول 1925، متخذين إحتلال عاصمته السويداء أول أهدافهم.
يصف الجنرال أندريا في كتابه الصادر بالفرنسية بعنوان «ثورة الدروز وتمرّد دمشق الصفحة 112- 118» ما لاقته الحملة الخفيفة من مصاعب، وما نزل بها من خسائر في القتال الذي جرى في 25 نيسان 1926، في المواقع على جبهة عرى- رساس. فهو يذكر أن معركة السويداء هي بالنسبة إلى الدروز كڤردان بالنسبة للفرنسيين في الحرب العالمية الأولى، وأن بعض الثوار ظلّوا يطلقون النار وهم منبطحون على الأرض حتى مرّت فوقهم العربات فسحقتهم، وأن الحملة الخفيفة – وهي مَيسرة الجيش الفرنسي – هوجمت بشراسة، ويضيف أندريا ما يلي: «وفي الوقت نفسه إنقضّ بعض الدروز على الميمنة وهاجموها بشراسة بالغة، من دون أن يستطيع الطيارون رؤيتهم، لدى خروجهم من مخبئهم في منخفض «رساس» لأن الضباب كان يغمر الجو. إنهم دروز «المقرن القبلي» الذين كانوا يجتمعون البارحة في منطقة «بكّا» ليقطعوا طريق «صلخد» وكان بعضهم من الفرسان قد اشتبك مع الحملة لدى وصولها إلى «عرى»، أما الآن فقد إجتمع الثوار معاً، من مشاة وفرسان خلال الليل في «رساس» والقرى المجاورة، وقاموا جميعاً بهجوم شامل قوي هلعت له الحملة فاضطرّت أن توقف تقدّمها نحو السويداء لتواجه المعتدين».
لم يسمِّ أندريا قائد دروز «المقرن القبلي». إنه صيّاح الذي سمّاه القائد العام للثورة سلطان باشا الأطرش قائد الجبهة الجنوبية، بموجب التنظيمات التي أجراها. أبدى صيّاح بطولة خارقة ونادرة في موقعة «عرى» المسمّاة أيضاً موقعة «سَمَر» وقُتل تحته خمسة من الجياد العربية الأصيلة، وسادس هو حصان مهزوم، إمتطاه ليتابع القتال. إنه لمشهد لا يراه المرء إلا في فيلم سينمائي يتقن مُخرِجه تصوير المشاهد التي يتألق فيها البطل لكنه مع صيّاح مشهد حقيقي نقل الثقات خبره، ووصفه الشعراء في قصائدهم، وردّده رواة مجريات الثورة ووقائعها، وذكره المطران نيقولاوس قاضي في كتابه «أربعون عاماً في حوران وجبل الدروز» الصفحة 96، كما إن صيّاح نفسه تحدّث عن ذلك، وذكر أسماء وأنواع وأصول أحد عشر فرساً من الخيول التي خسرها في الثورة، وفي المنفى، ومنها الجياد الخمسة التي خسرها في موقعة «عرى» وهي مدرجة في كتاب عنه بعنوان «أوراق من ذاكرة التاريخ» الصفحة 136.
إن ما قام به صيّاح في موقعة «عرى» وفي غيرها من المواقع جعل الناس يطلقون عليه لقب «أبو المغاوير». والمغوار، في اللغة، هو الكثير الغارات، وقد اعتمدت الجيوش المعاصرة هذا اللقب وأطلقته على نخب فرقها الشجاعة والمدرّبة. ولقب «أبو المغاوير» أخذه صيّاح دون غيره من أبطال وفرسان الجبل الذين يشبهونه في الفروسية والشجاعة، وحمله في جميع معارك الثورة كما قال أدهم الجندي في الصفحة 238 من كتابه: «تاريخ الثورات السورية في عهد الإنتداب الفرنسي».
جرت موقعة «عرى» إلى الشرق من مكان إسمه «سمر» يقع إلى الشمال الغربي من «عرى». لذا ورد إسم «سمر» في الأهازيج والأناشيد الحماسية وفي أبيات منها تشيد ببطولة صيّاح كالأبيات التالية:
صـيّـــــــــاح من شـرقي «سَمَر» ملكــــــــــاده بتـــــــــقــــــــــول ذيـــــــــب ومحلحـــــــــل بـطليـــــــــــــان
ملكادكم شرقي «سَمَر» خلّى السلاح مثل العصي بيدين طلقين اليمـــــان
صـيّــــــــــــاح ردّه والســـــــــــــبــــــــــــايــــــــــــــا كـــــــــــــــــــــــــــوم بشرقي «سَمَر» يلكــــــــــــــــــــــد على المتـراس
يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا وقـعـــــــــــــــــــــــــــــةً شرقي «سمَــــــــــــــــــــر» فــــــــــــــــاحـــــــــــــــــــت علــــــــــــــــــى فرســـــــــــــانــــــــــــــــــــــــــها
وصيـّـــــــــــــــــــــــــاح للعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرضـــــــــــــــــــــــي دمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر للصــــفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــره يـــــــــــــــــــــــــرخـــــــــــــــــــي عنانــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها

د. عبدي صياح الأطرش نشر مذكرات وأوراق والده كاملة
د. عبدي صياح الأطرش نشر مذكرات وأوراق والده كاملة

إنقاذ سلطان باشا الأطرش في موقعة الصوخر
بعد إحتلال الفرنسيين السويداء بدأوا بحملات إخماد في «مقارن» جبل العرب. وتجمّع الثوار في عدة معاقل أبرزها اللجاه و«المقرن القبلي» الذي جرت فيه موقعة «الصوخر» في 9 آب 1926، حيث فقد سلطان باشا الأطرش حصانه وفي خرجه رسائله وبعض أوراق الثورة، وكاد أن يؤسر لو لم تأته نجدة من فرسان يقودهم صيّاح الذي سارع إلى دخول المعركة هاتفاً: «يا مرحبا بالموت كي يبقى سلطان حياً». وبعد أن تمّ تشتيت الجنود الذين يحاصرون سلطان قدّم له صيّاح فرسه وأخذ فرساً لمجاهد من رفاقه. وبهذا أنقذ سلطان من اسر أو موت يتهدّدانه، مع ما كان سيؤدي إليه ذلك من إنعكاسات سلبية وخطيرة على مسار الثورة التي هو معلنها وقائدها العام، وباعث حيويتها واستمراريتها.
من النتائج المترتّبة عن إنقاذ صيّاح لسلطان باشا الأطرش في سنة 1926، تحوّله في سنة 1974 إلى سبب لوقف نشر مذكراته، وتفصيل ذلك أنه قُيّض للأستاذين صلاح مزهر ويوسف الدبيسي إعداد مذكرات سلطان التي آلت بعد إعدادهما لها إلى الأستاذ أمين الأعور الذي قام بنشرها على حلقات في جريدة «بيروت المساء»، الا أن الأستاذ منصور، إبن سلطان باشا، كان يرى أن مذكرات سلطان ملك للأمة، وأن تحقيقها يجب أن تقوم به نخبة من الأكاديميين المختصين بكتابة التاريخ، وقد أبدى وبعض الطرشان مآخذ عليها، منها مأخذهم على ما ورد فيها ولم يرد على لسان سلطان، وهو أن سلطان عزم على الإعتذار من عوده أبو تايه عن ردة فعل عنيفة عليه ردّاً على إتهامه الدروز بالنهب، وذلك عند بحث الحكومة العربية لأعمال الفوضى التي سادت في بداية تأسيسها في دمشق. وقد عالجنا ذلك مفصّلاً في كتابنا «سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى» الصفحة 86- 87.
لم يوقف سلطان باشا الأطرش نشر مذكّراته لمآخذ إبنه وأقاربه عليها، إلا عندما وردت فيها في معرض الحديث عن موقعة «الصوخر» الجملة التالية: «وسارع أحدهم إلي بجواد» دون ذكر هذا الشخص الذي هو صيّاح، ونظراً إلى ما يكنّه لصيّاح من محبة، ولتقديره لجهاده ولإنقاذه، طلب سلطان وقف نشر المذكرات، واستعادها من الأستاذ أمين الأعور، وقال له في رسالته إليه في تاريخ 13/3/1974، التي نحتفظ بصورة عنها، ما يلي: «لقد كلّفت إبني منصور بالإطّلاع على مخطوطة الكتاب الذي وضعه الأستاذ صلاح مزهر والأستاذ يوسف الدبيسي عن الثورة السورية، وأرى أن تتريّثوا بطبعه حتى نتذاكر معه ومع غيره من الأخوان الذين لهم صلة بالموضوع بما يستجد من آراء». وتبعاً لذلك توقف نشر المذكرات عند الصفحة 285 من أصل 461 صفحة.

صياح-الأطرش-في-شبابه
صياح-الأطرش-في-شبابه

“كان فارساً يقاتل في المقدمة بلا هوادة وينشد بصوته الحسن أغاني حماسية تلهب مشاعر المجاهدين وقد خاض معظم مواقع الثورة السورية حتى العام 1927”

يوميّات وأوراق وديوان صيّاح الأطرش
زوّدنا الدكتور عبدي صيّاح الأطرش مشكوراً بصور عن بعض يوميّات والده التي تبدأ في 31 تموز 1926، وتنتهي في 30 كانون الأول 1934، وبصور عن بعض أوراقه. ثم عاد وأرسل لنا صوراً عن ثلاث من يوميات والده تتعلّق بمقابلته مع زيد بك الأطرش وفضل الله الأطرش للملك فيصل الأول في سنة 1931. وأثناء زيارتنا الثالثة له في أواخر سنة 1987 طرحنا عليه، وبإلحاح، فكرة طبع ديوان ومذكرات وأوراق والده، وأبدينا إستعدادنا للقيام بذلك بواسطة المركز الوطني للمعلومات والدراسات المنشأ حديثاً في لبنان. فتريث في الأمر إذ لم يكن له، على ما قدّرنا متسع من الوقت لتجميع الأوراق وتبويبها والتعليق عليها.
إعتمدنا على ما زوّدنا به الدكتور عبدي في كتابنا «دروز سورية ولبنان في عهد الإنتداب الفرنسي» وكتابنا «سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى» وذلك في معرض الحديث عن إستسلام بعض الثوار، وحياة المجاهدين في المنفى، وإتصالاتهم بالأحزاب والجمعيات العربية وبالملك فيصل الأول وأخيه الشريف علي يوم كانت القضية السورية تُبحث في عصبة الأمم، ويوم كان يُبحث، في الأوساط العربية وخصوصاً السورية وبين مسؤوليها ومسؤولي الإنتداب، موضوع إعادة الملكية إلى سورية وتنصيب أميرٍ هاشمي أو سعودي عليها. إن ما اعتمدنا عليه من يوميّات وأوراق صياح الأطرش فيه بعض الفائدة منها، فيما الفائدة كلها جاءت – وإن متأخرة بعض الشيء – من نشر الدكتور عبدي لها كاملةً في سنة 2005، لأنها شهادات حيّة وصادقة من مجاهد عاش الحدث وساهم فيه.
ولحسن الحظ ظلت أوراق صيّاح محفوظة على الرغم من مرور الزمن، وتعاقب الحوادث، بعد أن سبق فقدان بعضها، وهو يوميّاته لأعوام 1935 و 1936 و 1937، التي هي في نظرنا ذات أهمية كبيرة، لأنها، حسب اعتقادنا، تتضمّن الكثير من المعلومات عن مواقف المجاهدين من الأحداث في سورية آنذاك ومن المفاوضات التي كانت تجري بين السوريين والفرنسيين لعقد معاهدة سنة 1936 ، ومن الصراع الذي كان يجري في جبل العرب بين الوحدويين الذين يطالبون بإعادة الجبل إلى الوطن الأم، والإنفصاليين الذين يريدون إبقاءه دويلة ذات إستقلال داخلي وإداري.
وسنكتفي هنا بإيراد نماذج من الأوراق والرسائل لإبراز دور صيّاح الأطرش، ومنها ما هو من أوراق زيد الأطرش وعقله القطامي:
رسالة من الملك حسين إلى صيّاح وقد وردت الإشارة إليها والحديث عنها.
-رسالة من الشريف علي بن الحسين إلى زيد وصيّاح الأطرش بتاريخ 12 سبتمبر 1931، يكبر فيها وطنيتهما، ويذكر ان عمر زكي سيحدّثهما عن الجهود المبذولة، وعن الآمال المعقودة لخير العرب، ويبعث بتحياته إلى «الصديق العزيز» سلطان باشا الأطرش ومن التفّ حوله من المجاهدين.
رسالة من إبراهيم النشمي إلى «صاحب السعادة صيّاح الأطرش» وفيها إعلام للمجاهدين بأن الملك عبد العزيز يُخيّرهم بين أمرين: إما أن ينتقلوا إلى داخل بلاده، وإما ان يرحلوا عنها، وان لديهم مهلة شهر واحد.
رسالة من إبراهيم النشمي إلى «صاحب السعادة صيّاح باشا الأطرش» وهي بتاريخ 9 ذي القعدة 1348، وفيها إستعداد الملك عبد العزيز أن يستقبل موفداً عن المجاهدين مع تأكيد إبراهيم النشمي على ضرورة إنتقال المجاهدين إلى داخل السعودية أو خروجهم منها.
سماح الأمير عبدالله «إلى صيّاح بك الأطرش وزيد بك الأطرش، وعقله بك القطامي» بالتوجه من شرق الاردن إلى العراق وهذا السماح هو بتاريخ 28/3/1932، وهو مرفق بسماح المعتمد البريطاني بتاريخ 29/3/1932.
رسالة من سلطان باشا الأطرش إلى صيّاح بتاريخ 26 تموز 1932، وهي مكتوبة على قفا رسالة من صيّاح إلى سلطان. وسبب ذلك حسبما يذكر سلطان «لا توجد لدينا فلوس حتى نشتري طبق ورق لنحرّر لكم فأضطررنا أن نحرّر على قفاه». وهذا يظهر مقدار العوز الذي وصل إليه المجاهدون في المنفى، وعلى رأسهم سلطان الذي لم يبقَ عنده من المال ما يشتري به ورقة لكتابة رسالة، والذي اضطر كما جاء في رسالته المذكورة ان يبيع حلى زوجته لشراء فرش للبيت الجديد، كلف صيّاحاً بشرائه، وذلك بعد إنتقالهم من الحديثة إلى الكرك في إمارة شرق الأردن.

وادي السرجان في شمال شرق المملكة السعودية حيث أمضى سلطان ورفاقه سنوات المنفى
وادي السرجان في شمال شرق المملكة السعودية حيث أمضى سلطان ورفاقه سنوات المنفى

“بسبب بطولاته في معركة «عرى» نال صيّاح لقب «أبو المغاوير» وهو لقب اختص به وحده بين جميع أبطــــال الثورة السوريـة وفرسانها”

شعر صيّاح الأطرش
بعد أن تكلّمنا عن صيّاح الأطرش مجاهداً سنتكلّم عنه شاعراً، إذ له ديوان كبير أورد إبنه الدكتور عبدي بعض قصائده وشرحها، وتحدّث عنه في نظر الشعراء. وبما أن المجال ضيّق للحديث عن هذه النواحي، نحيل من أراد معرفتها إلى كتاب «أوراق من ذاكرة التاريخ» وإلى دواوين شعراء جبل العرب التي تحتوي مناظراتهم مع صيّاح وقصائدهم المرسلة إليه، إضافة إلى ما كتبه المؤلفون، وخصوصاً الأستاذان صلاح مزهر ويوسف الدبيسي عن شعراء الزجل إلا أنه لا بدّ من الحديث عن أجمل القصائد الوطنية لصيّاح، وهي «يا ديرتي» التي ردّدها الكثيرون، وغنتها أميرة الغناء أسمهان الأطرش فأطربت العالم العربي، والتي عارضها بعض الشعراء ونظموا على نهجها، مع الإشارة إلى أن هناك آراء تشرك شاعرين آخرين في نظم هذه القصيدة، هما زيد وفضل الله الأطرش. وأبيات القصيدة هي التالية:
يــــــــــــا ديرتـــــــــــي مالِـــــــك علينــــا لـــــــــــوم لا تعتبـــــي لومــــــك علــى مــــن خـــــــــان
حِنّا روينا سيوفنا من القـوم مــــــــا نـــرخصــك مثـــــل العفـــــن بـــــأثمــــــــان
لا بد مـــــا تجلــــي ليالـــــي الشـــــــــوم وتــــــــــــــعتــــــــز غلمـــــــــــه قــــــــايــــــــــــدهْ ســلـطـــــــــــــان
وإن مــا تعدّل حقنــــا المهضـــــــوم يـــــــــــــا ديرتــــــــي مــــــــا حنــــــا لـــك ســــكـــان
يخاطب صيّاح الديرة، والديرة لها مفهومان عنده: أولهما المنطقة أو المكان الذي يولد المرء فيه، ويعيش بين سكانه في جنباته، وثانيهما الوطن الأوسع من مسقط الرأس، وهو المقصود في هذه القصيدة، إذ هو الوطن السوري الذي قاتل الثوار من أجله، وناضلوا لتوحيده وتحريره وإنالته الإستقلال عن الإنتداب الفرنسي، وضحّوا بالأرواح ورخّصوا الدماء، ومنهم صيّاح الذي حكم المجلس الحربي عليه بالإعدام. إنه الوطن سورية الذي خاطبه سلطان باشا الأطرش في بياناته ومناشيره وإستنهض السوريين إلى الجهاد في سبيله، ومما يدلُّ على أن المقصود بالديرة في القصيدة المذكورة هو سورية، وقضيتها الكبرى، البيت الأول الذي عارضه الشاعر محمد الجرمقاني بقوله:
يا صاحبي مـالـــَك علينـا لوم لومك على من بالقضيّه خان
تعدّدت الروايات إذاً عن من نظم هذه القصيدة، ومنها أنها لصيّاح وزيد ذوقان الأطرش وفضل الله الأطرش. وهذا كان في البداية رأي الأستاذين صلاح مزهر ويوسف الدبيسي اللذين ذكراه في مخطوطة مذكرات سلطان الصفحة 321. وقد اعتمدنا سابقاً عليه، فأوردنا في الصفحة 622- 623 من كتابنا: «سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى» ما يلي:
«تراجعت الثورة عن كل المناطق التي قامت فيها بما في ذلك مهدها جبل الدروز (جبل العرب). وتجمّع الثوار الذين تركوا هذه المناطق في الأزرق، وكانوا أمام خيارين: إما الإستسلام، وإما الإبتعاد عن البلاد. وخالجهم الإحساس بمرارة الفشل مقروناً براحة الضمير لما قدّموه من أجل الحرية والإستقلال. والتقى في قرية «الهويّا» في جبل الدروز، ثلاثة من قادتهم هم زيد وصيّاح وفضل الله الأطرش، وأنشدوا قصيدة «ياديرتي» وهم يهمّون بالرحيل عن الجبل، نظم كلٌّ منهم بيتاً أو أكثر منها، وعبّروا فيها عن أنهم قاموا بواجبهم في الثورة، وأن مسؤولية فشلها تعود إلى الخائنين، وأنهم لن يعودوا إلى الديار إلا بعد الإستقلال وإستعادة الحق المهضوم».
واليوم، ونحن نكتب عن صيّاح الأطرش لا بدَّ لنا أن نذكر المعطيات والمعلومات الجديدة، التي تجعلنا ننسب القصيدة إليه، وهي أن من اعتمدنا عليهما في ما كتبنا عدّلا رأيهما، فقال الإستاذ صلاح مزهر إن صيّاح هو من نظم القصيدة، وقد جاء ذلك عنده في مقالته في جريدة «الجبل» العدد 40 تاريخ 5/7/1983 تحت عنوان «رياض الأدب الشعبي»، كما إن الإستاذ يوسف الدبيسي قال أيضاً إن صيّاح هو ناظمها، وذلك في كتابه: أهل التوحيد (الدروز) الجزء الخامس، الصفحة 114- 115، لكنه ذكر في الهامش الرقم 4 من الصفحة 114 ما يلي: «يُقال إن مجاهدين آخرين شاركا في نظمها أيضاً هما زيد ذوقان الأطرش وفضل الله الأطرش».
وما يعزّز القول أيضاً بأن صيّاح هو ناظم قصيدة «يا ديرتي» أدلة عدة، أبرزها إثنان: أولهما قوله في شريط مسجّل بصوته إنه هو من قال هذه القصيدة، ورأينا هو أن هذا الرجل الذي لم يكشف عن لقب «أمير» خاطبه به الملك حسين، لتواضعه وبعده عن الغرور والكبرياء والإدّعاء، لا يمكن أن ينسب لنفسه وحده قولاً شاركه فيه غيره، وثانيهما ردُّ محمد الجرمقاني على قصيدة «يا ديرتي»، وهو من جملة القصائد التي قيلت على نهجها، ومنها قصيدة متعب الأطرش، وقصيدة سليم الدبيسي.
يقول الشاعر محمد الجرمقاني:
حيّــــــــــــــــاك يــــــــــــا علمــــــــــــــــاً لفانـــــــــــــا اليــــــــــــــــوم مـــــــــــــــــــــن لابة قيــــــــــــدومــــــــــــــــــــــهــــــــــــا سلطـــــــــــــــــــــــــــان
حيــّــــــــــــاك عـــــدد مــــــــزن البَرَد ونجوم حيثهْ صدر مـــــــــــن نخبة الشجعـــــــــــان
صيّــــــــــــــــــــــاح ردّه والـسـبـــــــــــايــــــــــــــــــــــا كـــــــــــــــــــوم يــــــــــــــــــــــوم العـــــــــــراضــــــــــــي قـــــــــــايـــــــــــدهْ غمــــــــــــلان
من فوق شقرا مــا غلي بهْ سـوم المـــــــــــرجـلــــــــــــــــــــــــــــــــــه قبـــــــــــــــــــلاً لـــــــــــكـــــــــــــــــــــــــــــــــم والآن
يـــــــــــا صـاحبـــي مالـــــــــــك علينـــــــــــا لـــــــوم لــــــــــــومك علـــــــــــى مــــــــن بـــــــــــالقضيه خـان
حنّـــــــــــا وقعنـــــــــــا بـــــــــــالـشـــرك وهمـــــــــــــــــوم وانتـــــــــــم على قـــــــــــب الرمـــــــــــك عقبــــــــــــان
في هذه الأبيات ذكّر لصيّاح وحده، وفي البيت الرابع منها إشارة إلى جدّه سلامه الملقّب بـ «سم الموت» وإلى أن البطولة ورثها صيّاح عن جدّه. أما البيت الأخير فهو يعني أن بعض الثوار وقعوا في فخ الإستسلام للفرنسيين بعد أن زيّنه هؤلاء بالعفو وكلّفوا الوسطاء لإقناع الثوار به، فيما فضّل صيّاح ورفاقه ترك البلاد مع سلطان باشا الأطرش سنة 1927، والعيش في المنفى حتى سنة 1937. لقد ضحّوا ببيوت هدمها الفرنسيون، وبأملاك صادروها، وظلوا عقبانا «على قب الرمك» أي على ظهور الخيل، يجاهدون في المنفى من اجل البقاء كما جاهدوا في الثورة من أجل الحرية، من دون ان يتخلّوا عن العمل من أجل وطنهم، ومن أجل إستعادة حقوقه المهضومة. وهم لم يعودوا إلى سورية إلا في سنة 1937 بعد أن تعدّل الحق المهضوم مؤقتاً بنيل سورية وحدتها وإستقلالها بموجب المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، ثم تعدّل كلياً بنيل سورية إستقلالها السياسي والعسكري سنة 1945، وجاء ذلك تصديقاً لما ورد في احد أبيات قصيدة «يا ديرتي» وهو:
وإن مـــــــــــا تعدّل حقنا المهضوم يـــــــــــا ديرتي مـــــــــــا احنــــــــا لــــك سكان.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading