الإثنين, نيسان 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, نيسان 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

عمر بن الخطاب

“كان عمر (ر) قبل إسلامه رجلاً حكيماً، بليغاً، حصيفاً، قوياً، حليماً، شريفاً، قوي الحجة، مما أهله لأن يكون سفيراً لقريش ومفاخراً ومنافراً لها مع القبــــائل”

” توسعت الشورى في خلافة عمر لكثرة المستجدات ولامتداد رقعة الإسلام إلى بلاد ذات حضارات وتقاليد ونظم مختلفة  “

[su_accordion]

[su_spoiler title=”تاريخنا الذي أضعناه” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

عندما فتح الإسلام الأمصار وكسب قلوب الشعوب
بدعوة التوحيد والعدل ومخافة الله في الحق

الخليفة عمر بن الخطاب نموذجاً

في زمن راجت فيه حركات التطرف والعنف الأعمى وماتت الرحمة في قلوب الكثيرين وساد ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وتفشى التعصب وتزاحمت الرايات وتناحرت وتفرقت الأمة جماعات يقاتل بعضها بعضاً واستوى الأعداء في مقاعدهم يتفرجون مغتبطين لمشهد هذه الفتن المرعبة التي تدمر يميناً وشمالاً وتحصد قيمنا وحضارتنا كما تأتي النار على اليباس الهشيم. في هذا الزمن البائس، زمن محنة الأمة في وجودها وقيمها وإنسانيتها نبحث جميعاً عن سبب لكل ما يجري فلا نجد في الحقيقة إلا جواباً واحداً وهو أننا ابتعدنا عن الإسلام الحق الذي بهر العالم بسماحته وشرف خصاله وعظمة رسالته إلى جاهلية جديدة بل إلى حالة من الإنحطاط والتوحش لو قيض لأهل الجاهلية أن يعودوا بيننا لكانوا أول من تبرأوا منها ورفضوا أي صلة بها، وقد كانت لعرب الجاهلية -يجب أن لا ننسى- خصال عظيمة وشيم وشرف، ولولا أنهم كانوا حتى قبل إسلامهم مجتمعين على قدر كبير من الرفعة والخصال الحميدة، ولولا أن كانت لهم قيم وأعراف يلتزمونها لما كانوا تقبلوا الإسلام وتحمل الأولون منهم ما تحملوه من أجل نصرته والجهاد في سبيله.
قد لا يكون في مقدورنا أو مقدور أي جماعة صغيرة أن تقف في وجه هذا الإعصار من الغضب النفسي والأحقاد والكراهية وشهوة القتل لكننا نمتلك مع ذلك في وجه هجمة الظلام سلاحاً ماضياً وجباراً هو أنوار عقيدتنا الإسلامية وتاريخنا وسير الأولين والسلف الصالح، نمتلك قيم الإسلام التي لا يمكن لأي قوة أن تبدّل فيها لأنها مصانة في كتاب الله العزيز وفي السنة النبوية الشريفة وفي سير الصالحين والإرث المجيد للأمة وهو أشبه ببحر عظيم لا حدود له ولا يمكن أن تنفد مكنوناته وجواهره. وإن العودة إلى تلك الأسس المتينة لصرح الإسلام هي في الواقع أفضل جواب على ما يجري من تلفيق وتآمر وهي أمضى سلاح يمكن أن نشرعه من أجل حماية عقيدتنا وقيمنا ومجتمعاتنا.
في هذا العدد نسلط الضوء على بعض الجوانب المضيئة لرسالة الإسلام في انطلاقتها المظفرة ونتخذ مثالاً على أهميتها حياة وجهاد وتعليم رجلين من كبار الصحابة هما الخليفة عمر بن الخطاب والصحابي الجليل المجاهد الذي مدحه الرسول كأصدق من وجد على وجه البسيطة أبو ذر الغفاري، وقد اخترنا من تلك الفترة نماذج حقيقية لأن هذا الأسلوب يترك التعميم والوصف التاريخي لينطلق من علم السيرة وما يحمله من فوائد لأنه ليس أقوى من أن تجد رسالة الإسلام الحق كما أنزلها الله تعالى وقد تمثلت في أشخاص حقيقيين يحيون مبادئها ويحكمون بشريعتها ويقدمون المثال على حجم التغيير الذي أمكن للإسلام الحق ومبادئه السمحاء أن يحدثه في العالم. وقد كان أشهر ما وصف به الله تعالى الرسول الهادي في القرآن الكريم الآية الكريمة }وإنك لعلى خلق عظيم{ (ن:4) وكذلك قوله تعالى: }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ{ (آل عمران: 159) فالله تعالى ينبئ رسوله أنه نصره باللين والخلق العظيم، وفي هذا القول من الحق ما يغني عن أي مزيد لأن الله يصف دينه بأنه دين الرحمة والأدب واللين والتخلق بأخلاق الله وليس دين الغلظة والشراسة. وسنرى في هذا الفصل الذي اخترنا فيه الخليفة عمر بن الخطاب كنموذج كيف كان فهم الصحابة الكرام -وهم أقرب الناس إلى الرسول (ص) وإلى فهم القرآن والسنة-الإسلام الحق، وكيف طبقوه وكيف نشروه في العالم بقوة المحبة والسماحة وخصال الإسلام الشريفة التي بهرت الشعوب فأقبلوا على هذا الدين بمحض الإعجاب بالرسالة والإعجاب والتقدير لممثليها كما كانوا يرونهم في حياتهم اليومية وتعاملاتهم، وصفاتهم. وسنتابع الموضوع إن شاء الله مع حلقات تالية نسلط فيها الضوء على جوانب مضيئة من تاريخ الإسلام ومسيرته الحضارية والإنسانية.
نشير هنا إلى أننا استفدنا في هذا المقال من النصوص والمراجع والمصنفات الإسلامية ولاسيما المؤلف النفيس للدكتور محمد الصلابي :«فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب» 1261.

تمكّن المسلمون في أقل من ثلاثة عقود من فتح معظم أمصارالمشرق والمغرب بما في ذلك بلاد الشام والعراق وفلسطين ومصر وليبيا وفارس لكن الأهم من فتح الأمصار أن المسلمين تمكنوا رغم حداثة عهدهم بحكم الممالك والإمبراطوريات من وضع الأسس لحكم إسلامي يقوم على أحد أنجح الأنظمة السياسية في التاريخ وأكثرها تقدماً في مجال التسامح واحترام الحريات والعقائد وإشاعة العدل الاجتماعي وبناء نظام الخلافة قبل أن ينتقل المسلمون إلى مرحلة الملكية الوراثية مع قيام الدولة الأموية ثم الدولة العباسية وما تلاها من ممالك في تاريخ الإسلام الطويل حتى نهاية مرحلة الدولة العثمانية.
لقد نجح الرسول (ص) والخلفاء من بعده في اجتراح الحلول لكافة القضايا والمشكلات التي استجدت بسبب خروج المسلمين إلى العالم وتولي قادتهم ورجالاتهم لحكم بلدان بعيدة وأحياناً غير عربية، وجاهد الخلفاء الراشدون أيما جهاد لكي لا يؤدي الثراء المفاجئ إلى شيوع الرخاء وتراجع القيم الإسلامية التي أينعت وازدهرت في زمن الدعوة وشظف العيش وخبز الشعير واضطهاد المسلمين. وقد اعتنى الخليفة عمر بصورة خاصة بتطوير نظام الحسبة، والأسواق والتجارة واهتم بالعلم وتتبع الرعية بالتوجيه والتعليم جاعلاً من المدينةَ المنورة داراً للفتوى والفقه ومدرسة لتخريج العلماء والدعاة والولاة والقضاة. ومع توسع حركة الفتوحات تمّ إرشاد القادة والأمراء إلى إقامة المساجد في الأقاليم المفتوحة، لتكون مراكز للدعوة والتعليم والتربية ونشر الحضارة الجديدة، وقد وصل عدد المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة في دولة عمر (ر) إلى اثني عشر ألف مسجد وتميّز عصر الفاروق (وقد أعطي هذا اللقب باعتبار أن إسلامه فَرّق بين الإسلام والكفر) بالتطور العمراني وبناء شبكات الطرق ووسائل النقل البري والبحري وإنشاء الثغور والأمصار كقواعد عسكرية ومراكز إشعاع حضاري، وفي عهده نشأت المدن الكبرى كالبصرة والكوفة والفسطاط، وأشرف الفاروق على تطوير المؤسسة المالية والقضائية وقام بتأمين مصادر دخل الدولة من الزكاة والجزية والخراج والعشور والفيء والغنائم وتعزيز بيت مال المسلمين وتدوين الدواوين، ووضع السجلات بأراضي الخراج وأصدر النقود الإسلامية وقام بتطوير النظام القضائي فعيّن القضاة وحدد مرتباتهم وصفاتهم وما يجب عليهم، ومصادر الأحكام القضائية، والأدلّة التي يعتمد عليها القاضي، وبيّن القواعد في تعيين الولاة والصفات الواجبة فيهم والشروط التي تفرض عليهم، ثم تابعهم في حكمهم وتعامل مع شكاوى الرعية فيهم، وحاسبهم وأنزل أقسى أنواع العقوبات بالمتحاورين منهم.
رغم ما يشير إليه كل ما سبق من الأهمية الكبيرة لمرحلة ولادة المجتمع الإسلامي فإن الصحابة والخلفاء الراشدين كتبوا بأعمالهم سيرة حافلة بنصرة الحق والاستقامة والورع والتواضع والتزام حياة البساطة حتى بعد أن دانت لهم الأمصار وتدفقت أموال الخراج والمغانم إلى بيت مال المسلمين. وجسّدت تلك الحياة البسيطة الورعة صورة عن تربية الرسول (ص) لأصحابه وعن مدرسة التقوى والزهد بل الفقر التي أسس لها في حياته هو وفي كفاحه وسيرته كنبي وكفاتح، وهو الذي دخل مكة مطأطئ الرأس بروح الخضوع وكان أول فعل له كسلطان للدولة الإسلامية المنتصرة هو العفو عن مشركي مكة الذين ساموه وساموا المؤمنين أشد العذاب في مرحلة ما قبل الهجرة وحتى الفتح وإنهاء دولة الشرك. وكان لملازمة الخلفاء الأربع للرسول (ص) وصحبتهم الطويلة له ومجالستهم أو مرافقتهم إياه أثر عظيم في تماهيهم بصورة شبه تامة مع أخلاق الرسول واستيعابهم بقوة الحب والإتباع لسيرة النبي ولتعليمه ولنهجه.
وبسبب حكمه الذي امتد لعشر سنوات وتزامن مع أهم مرحلة تأسيسية في تاريخ الإسلام، وبسبب أن معظم الأوضاع التي واجهها المسلمون كانت جديدة عليهم ولم يسبق أن تناولها حكم أو اجتهاد، فقد كان على عمر بن الخطاب أن يسنّ السنن وأن يجتهد في كل ما يتعلق بالدولة الجديدة ومجتمع المسلمين مسنداً اجتهاده دوماً إلى القرآن وإلى السنة النبوية، وعند الحاجة إلى حس العدل والحق الذي كان بمثابة البوصلة التي تهديه دوماً إلى جادة الصواب، إضافة إلى ما سبق تحوّلت حياة عمر بن الخطاب منذ إسلامه وحتى استشهاده إلى سيرة زاخرة بالتعليم والمواقف المشهودة التي كانت وما زالت خير ما يمكن أن يقدّم للعالم من أمثلة على عظمة الإسلام وعظمة الحضارة الإسلامية.

عمر في الجاهلية
ولد عمر بن الخطاب، ويكنى أبا حفص، في مكّة بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ونشأ كأمثاله من أبناء قريش، إلا أنه امتاز عليهم بأنه كان ممن تعلموا القراءة وحمل المسؤولية صغيراً واتصف لذلك بقوة التحمل والجلد وشدّة البأس، وقد تعلم أيضاً ألواناً من رياضة البدن، فبرع في المصارعة وركوب الخيل والفروسية وتذوق الشعر ورواه، وكان يهتم بتاريخ قومه وشؤونهم، واحتل مكانةً بارزة في المجتمع المكي الجاهلي، وأسهم بشكل فعَّال في أحداثه. يقول ابن سعد «إن عمر كان يقضي بين العرب في خصوماتهم قبل الإسلام» .

إسلامه
كان عمر (ر) رجلاً حكيماً، بليغاً، حصيفاً، قوياً، حليماً، شريفاً، قوي الحجة، واضح البيان، مما أهله لأن يكون سفيراً لقريش، ومفاخراً ومنافراً لها مع القبائل، وكان بسبب إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن ما يعتقده يدافع عن ما ألفته قريش من عادات وعبادات وقد وقف لذلك في وجه الدين الجديد قبل أن تسوقه الأقدار في أحد الأيام إلى بيت شقيقته فاطمة التي كانت قد أسلمت سرّاً مع زوجها وقد فاجأ عمر شقيقته وهي تقرأ القرآن الكريم مع زوجها فعنّفها وحاول ضرب زوجها قبل أن يهدأ ويطلب منها أن تقرأ عليه ما كانت تقرأ (وكانت سورة }طه{) فلما استمع إلى مطلعها رقّ قلبه كثيراً وقال: «ما ينبغي لمن يقول هذا الكلام أن يعبد إلهاً غيره» وطلب من اخته وصهره أن «دلّوني على محمد».

آثار المدائن اليوم بعد أن كانت عاصمة الإمبراطورية الفارسية
آثار المدائن اليوم بعد أن كانت عاصمة الإمبراطورية الفارسية

عمر بن الخطاب
الشاعر .. والناقد

كان عمر (ر) أكثر الخلفاء الراشدين ميلاً لسماع الشعر وتقييمه كما كان أكثرهم تمثلاً به حتى قيل: كان عمر بن الخطاب لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيتاً من الشعر وقد برع الفاروق في النقد الأدبي وكانت له مقاييس يحتكم إليها في تفضيله أو إيثاره نصاً على نص أو تقديمه شاعراً على غيره، ومن هذه المقاييس سلامة العربية وأنس الألفاظ والبعد عن المعاضلة والتعقيد والوضوح والإبانة وأن تكون الألفاظ بقدر المعاني وجمال اللفظة في موقعها وحسن التقسيم وكان (ر) يمنع الشعراء من قول الهجاء أو ما يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية واستخدم أساليب متعددة في تأديبهم منها أنه أشترى أعراض المسلمين من الحطيئة بثلاثة آلاف درهم.

إسلام عمر يبدّل الموازين
أسلم عمر وهو ابن سبعة وعشرين عاماً، وتحول فور إسلامه إلى أبرز منافح عنيد عن الدين الجديد، الأمر الذي بدّل الموازين ورفع معنويات المسلمين وكان عددهم يومها 37. وفي هذا قال عبد الله بن مسعود (ر) : «ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نطوف بالبيت ونصلي، حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا، فصلينا وطفنا».

هجرته
لما أراد عمر الهجرة إلى المدينة أبى إلا أن تكون علانية إذ إنه تحدى المشركين عند الكعبة أن يتبعوه فلم يفعل أي منهم ومضى في سبيله.
أدت ملازمة عمر بن الخطاب للرسول (ص) وكثرة تحدثه معه، إلى طبعه على البلاغة والبيان وطلاقة اللسان، وكان رضي الله عنه إذا جلس إلى رسول الله (ص) لم يترك المجلس حتى ينفضّ وكان يجلس في حلقات ودروس ومواعظ رسول الله (ص) نشطاً يستوضح، ويستفهم، ويلقي الأسئلة في الشؤون الخاصة والعامة.
ولذلك فقد روى عن النبي (ص) خمسمائة حديث وتسعة وثلاثين حديثاً تناولت شتى أوجه العبادات والمعاملات، وقد اتفق الشيخان في صحيحيهما على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين ومسلم بواحد وعشرين(1)، والبقية في كتب الأحاديث الأخرى.
هيبة عمر
كان عمر بن الخطاب حاسماً وشديداً في الأمر والنهي وكان صاحب فراسة ومنطق وقوة بيان وكان لذلك مهاباً من الجميع بل كان الكثيرون يخشون غضبته في الحق، وكان الرسول معجباً بجرأة عمر مقدراً نصرته للدين حتى خاطبه يوماً بالقول: «يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً (أي طريقاً) قط إلا سلك فجاً آخر(2) هذا الحديث فيه بيان فضل عمر رضي الله عنه وأنه من كثرة التزامه الحق وخصومته للباطل لم يجد الشيطان عليه مدخلاً ينفذ إليه.

بعض أهم إنجازته
1. الحثّ على جمع القرآن الكريم: كان عمر بن الخطاب أول من أشار على الخليفة الصِدّيق بجمع القرآن الكريم وبخاصة بعد أن أدت الحروب ولاسيما حرب اليمامة إلى مقتل الكثير من حفظة القرآن.
2. التأريخ بالهجرة: كان الخليفة عمر أول من كتب التاريخ بالهجرة.
3. رد سبايا العرب: كان أول قرار اتخذه عمر في دولته ردّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهم حيث قال: كرهت أن يكون السبي سنة في العرب، وهذه الخطوة الجريئة ساهمت في شعور العرب جميعاً أنهم أمام شريعة الله سواء.
4. لقب أمير المؤمنين: كان عمر بن الخطاب أول من كتب بإسم «أمير المؤمنين» وقيل إن رجلين قدما من العراق يطلبانه وقد دخلا الجامع فسألا عمر ابن العاص أن يستأذن لهما لدى «أمير المؤمنين» وقد استحسن ابن العاص الإسم وألح على عمر أنه اللقب المناسب «لأننا نحن المؤمنون وانت أميرنا». فجرى استخدام اللقب من ذلك اليوم.
5. ضرب النقود الإسلامية : يقول المقريزي: «وأول من ضرب النقود في الإسلام عمر بن الخطاب سنة ثماني عشرة من الهجرة على نقش الكسروية وزاد فيها: «الحمد لله». وفي بعضها: «لا إله إلا الله» وعلى جزء منها إسم «الخليفة عمر».
6. الشورى: اعتمد عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى في دولته، فكان لا يستأثر بالأمر دون المسلمين ولا يستبد عليهم في شأن من الشؤون العامة، فإذا نزل به أمر لا يبرمه حتى يجمع المسلمين ويناقش الرأي معهم فيه ويستشيرهم.
ومن مأثور قول الخليفة عمر: «لا خير في أمر أبرم من غير شورى»، وقوله: «شاور في أمرك من يخاف الله عزّ وجل» ، وكان يحث قادة حربه على الشورى، ثم توسع نطاق الشورى في خلافة عمر (ر) لكثرة المستجدات والأحداث وامتداد رقعة الإسلام إلى بلاد ذات حضارات وتقاليد ونظم متباينة فولدت مشكلات جديدة احتاجت إلى الاجتهاد الواسع.

العدل والمساواة
فتح عمر بن الخطاب الأبواب على مصاريعها لوصول الرعية إلى حقوقها، وتفقد بنفسه أحوالها، فمنع عنها أي ظلم قد يقع عليها كما تدل عليه الأمثلة التالية:
1- اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى أن الحق لليهودي فقضى له، فقال له اليهودي: «والله لقد قضيت بالحق» قدم عمر بن الخطاب حاجاً، فصُنِع له طعام جاء به خدام وضعوه أمام القوم وانصرفوا. سأل عمر ضيفه: أترغبونه عنهم؟ (أي ألا تطعمونهم من هذا الطعام) فقال الضيف: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكننا نستأثر عليهم (أي نأكل قبل أن يأكلوا) فغضب عمر غضباً شديداً، ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم؟ ثم قال للخدام: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين(3).
2- لم يكن عمر رضي الله عنه ليأكل من طعام غير متيسر لجميع المسلمين، وكان يصوم الدهر، وكان طعامه في زمن الرمادة خبزاً بالزيت.
3- من الأمثلة على عدم الهوادة في تطبيق المساواة، ما صنعه عمر مع جبلة بن الأيهم الذي وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحلَّه، فغضب الأمير الغساني لذلك فلطم الرجل لطمة قاسية هشمت أنفه، وأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حلّ به وأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه.
قال له عمر: إما أن ترضي الرجل وإما أن اقتص له منك.
اعترت جبلة بن الأيهم الدهشة لكلام عمر وقال له: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك؟
فقال عمر: إن الإسلام قد سوّى بينكما.

صورة من العام 1900 للمدينة المنورة التي بقيت لمدة مركزا للدولة الإسلامية بعد الفتح -2
صورة من العام 1900 للمدينة المنورة التي بقيت لمدة مركزا للدولة الإسلامية بعد الفتح -2

حق الأمن والحريات الشخصية
تكفل الإسلام اولاً للأفراد بحق الأمن وحق الحياة وسهر الأمراء والولاة على تأمينهما وصيانتهما من أي عبث أو تطاول وقد كانت حرمة المسكن وحقوق الملكية مكفولة ومصانة في عهد الفاروق وعصر الخلفاء الراشدين، كما إن الإسلام كفل حرية الرأي كفالة تامة فكانوا يتركون الناس يبدون آراءهم، وكان عمر (ر) يقول: أحب الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي(4)، وقال أيضاً: إني أخاف أن أخطئ فلا يردّني أحد منكم تهيباً مني(5)، وجاءه يوماً رجل فقال له على رؤوس الأشهاد: إتق الله يا عمر: فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها(6)،

ورعه
كان عمر رضي الله عنه شديد الورع، وقد بلغ به الورع في ما يحق له ولا يحق، فإنه مرض يوماً، فوصفوا له العسل دواء، وكان في بيت المال عسل جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداوَ عمر بالعسل كما نصحه الأطباء، حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن بالقول: إن أذنتم لي، وإلا فهو عليّ حرام، فبكى الناس إشفاقاً عليه وأذنوا له جميعاً، ومضى بعضهم يقول لبعض، لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء بعدك.

تواضعه الشديد
عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، فقال: «لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة (أي أعجاب بالنفس) فأردت أن أكسرها» .

نزاهته
قال عمر (ر): إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية ، ولذلك كان شديداً في محاسبة نفسه وأهله، فكان إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم فإن وقعتهم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أؤتي برجل وقع في ما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر. وكان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه خوف أن يحصلوا على منافع أو حظوة بسبب أواصر القربى التي تربطهم بخليفة المسلمين.

عمر يأمر بجلد ابنه علناً

يروي ابن الجوزي أن عمرو بن العاص، أقام حد الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يوم كان عامله على مصر. ومن المألوف أن يقام الحد في الساحة العامة للمدينة، لتتحقق من ذلك العبرة للجمهور، غير أن عمرو بن العاص أقام الحد على ابن الخليفة في البيت، فلما بلغ الخبر عمر غضب وكتب إلى بن العاص يعنفه بشدة لهذه المحاباة مؤكداً له أن « لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه» و«إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. وبناء على طلب عمر جيء بإبنه عبد الرحمن إلى المدينة فأقيم عليه حد الخمر جلداً وشهد ذلك جمهور العامة».

الخليفة عمر أعطى الأمان لمسيحيي فلسطين ورفض الصلاة في كنيسة القيامة
الخليفة عمر أعطى الأمان لمسيحيي فلسطين ورفض الصلاة في كنيسة القيامة

خاتمة
هذا غيض بسيط من فيض الخليفة العادل عمر بن الخطاب، وكان نموذجاً على عصر بكامله وصحابياً عظيماً من أولئك الذين زخر الإسلام بهم في عصره الذهبي الأول، عصر الطهرالحقيقي والجهاد والزهد بالدنيا وما فيها؛ عصر التسامح وحرية الرأي والاعتقاد واحترام جميع من عاش في دار الإسلام من مذاهب وديانات سماوية. ولنتأمل كم أصبحت سحيقة هذه الهوة المستعرة التي تفصلنا اليوم كمسلمين عن الإسلام الذي عاشه عمر بن الخطاب والخلفاء الراشدون والصحابة الكرام. كم نحن في حاجة لاستذكار ذلك الجانب المضيء من تاريخنا وإرثنا الروحي والأخلاقي والسلوكي لعل ذلك يسهم في إيقاظ الضمائر وشفاء البصيرة واستفاقة العقول وصلاح الناس والمجتمع.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الحرية الدينية في الإسلام” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الإسلام ترك أهل الكتاب يمارسون شعائرهم بسلام
بل أعلن أن الدولة ستقاتل لحمايتهم من أي عدوان
الشيخ محمد الغزالي
لم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء، مثل ما صنع الإسلام

تشهد حركة الفتوحات الكبرى في مطلع الإسلام على احترام الرسالة الخاتمة للأديان الأخرى، وحرص أولي الأمر في تلك الفترة الذهبية على عدم إكراه أحد على الدخول في الإسلام. وقد جاءت عمر بن الخطاب ذات يوم امرأة نصرانية عجوز كانت لها حاجة عنده فقال لها: «أسلمي تسلمي، إن الله بعث محمداً بالحق» فقالت: «أنا عجوز كبيرة، والموت إليَّ أقرب»، فقضى حاجتها، ولكنه وبعد أن انصرفت راودته خشية من أن يكون بدعوتها للإسلام كان كمن يستغل حاجتها لمحاولة إكراهها على ذلك، فاستغفر الله مما فعل وقال: اللهم إني أرشدت ولم أكرِه.
لكن رغم أن عمر كان خليفة المسلمين ورغم أنه يعتبر الدعوة إلى سبيل الله أمراً واجباً فإنه شعر بالذنب إذ انتبه إلى أنه يدعو إلى إلإسلام صاحب حاجة الأمر الذي قد يشكل إكراهاً والله تعالى يقول في كتابه العزيز }لا إكراه في الدين{ (البقرة:256).
وكان لعمر رضي الله عنه عبد نصراني اسمه «أشق» حدّث فقال: كنت عبداً نصرانياً لعمر، فقال: «أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم»، فأبيت فقال: }لا إكراه في الدين{. فلما حضرته الوفاة أعتقني وقال: «اذهب حيث شئت»، وقد كان أهل الكتاب يمارسون شعائر دينهم وطقوس عبادتهم في معابدهم وبيوتهم، ولم يمنعهم أحد من ذلك لأن الشريعة الإسلامية حفظت لهم الحرية في الاعتقاد، وقد أورد الطبري في العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيليا (القدس) ونصّ فيه على إعطاء الأمان لأهل إيلياء على أنفسهم وأموالهم وصلبانهم وكنائسهم(7)، وكتب والي عمر بمصر عمرو بن العاص لأهل مصر عهداً جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم» وأكد ذلك العهد بقوله: «على ماضي هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين»، وقد اتفق الفقهاء على أن لأهل الذمة ممارسة شعائرهم الدينية وأنهم لا يمنعون من ذلك ما لم يظهروا، فإن أرادوا ممارسة شعائرهم إعلاناً وجهراً كإخراجهم الصلبان يرون منعهم من ذلك في أمصار المسلمين، وعدم منعهم في بلدانهم وقراهم.
يقول الشيخ الغزالي عن كفالة الإسلام لحرية المعتقد «إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض، لم يعرف لها نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار، مثل ما صنع الإسلام».
لقد حرص الفاروق على تنفيذ قاعدة حرية الاعتقاد في المجتمع ولخص سياسته حيال النصارى واليهود بقوله: «وإنما أعطيناهم العهد على أن نخلي بينهم وبين كنائسهم يقولون فيها ما بدا لهم، وأن لا نحملهم ما لا يطيقون، وإن أرادهم عدوهم بسوء قاتلنا دونهم، وعلى أن نخلي بينهم وبين أحكامهم، إلا أن يأتوا راضين بأحكامنا فنحكم بينهم وإن غيبوا عنا لم نتعرض لهم».
وقد ثبت عن عمر أنه كان شديد التسامح مع أهل الذمة، حيث كان يعفيهم من الجزية عندما يعجزون عن تسديدها، فقد ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن عمر – رضي الله عنه – مرّ بباب قوم وعليه سائل يسأل – شيخ كبير ضرير البصر – فضرب عضده من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل(8)، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: «انظر هذا وضرباءه (أمثاله) فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم»، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. وقد كتب إلى عماله معمّماً عليهم هذا الأمر، وهذه الأفعال تدل على عدالة الإسلام وحرص الفاروق أن تقوم دولته على العدالة والرفق برعاياها ولو كانوا من غير المسلمين، وقد بقيت الحرية الدينية معلماً بارزاً في عصر الخلافة الراشدة، مكفولة من قبل الدولة، ومصانة بأحكام التشريع الرباني.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”قصص وعبــر
من سيرة الخليفة عُمَر” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

مهمة في جوف الليل
خرج عمر بن الخطاب مرة في سواد الليل فرآه طلحة رضي الله عنه، فراقبه، فذهب عمر فدخل بيتاً، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت وإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، نعم ينظف بيتها، فقال لطلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع هذا وعمر خليفة المسلمين.

عمر يطلي بعيراً
قدم الأحنف بن قيس رضي الله عنه مع وفد العراق في يوم صائف شديد الحر على عمر رضي الله عنه، وكان عمر يطلي بعيراً بالقطران من إبل الصدقة فقال: يا أحنف ضع ثيابك وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير، فإنه من إبل الصدقة، فيه حق اليتيم والأرملة والمسكين، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك؟ فقال عمر: وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم، ما يجب على العبد لسيده في النصيحة وأداء الأمانة.

أخبار من القادسية
ذكر ابن كثير أن عمر بن الخطاب كان يستخبر عن أمر القادسية كل من لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق استطلاعاً للأخبار، وبينما هو ذات يوم من الأيام، إذا هو براكب يلوح من بعيد، فاستقبله عمر فسأله عن أخبار جيش المسلمين، فقال له الرجل: فتح الله على المسلمين بالقادسية، وغنموا غنائم كثيرة، وجعل الرجل يحدثه وهو لا يعرف عمر وعمر ماشٍ تحت راحلته، فلما اقتربا من المدينة جعل الناس يحيون عمر بالإمارة، فعرف الرجل عمر فقال: يرحمك الله يا أمير المؤمنين هلا أعلمتني أنك الخليفة؟ فقال لا حرج عليك يا أخي. ما ضرّ الناس أن لا يعرفوا عمر؟.

الخليفة تحت شجرة
جاء الهرمزان وزير كسرى يطلب الخليفة عمر وكان في أبهى حلل الملوك معتمراً تاجاً من ذهب وزبرجد، ومرتدياً ألبسة فاخرة من الحرير. دخل المدينة وسأل: أين قصر الخليفة؟ أجاب الناس: ليس له قصر. قال أين بيته؟ فذهبوا، فأروه بيتاً من طين وقالوا له: هذا بيت الخليفة، قال أين حرسه؟ قالوا ليس له حرس. طرق الهرمزان الباب، فخرج ولد الخليفة، قال له: أين الخليفة؟ فقال: التمسوه في المسجد أو في ضاحية من ضواحي المدينة، فذهبوا إلى المسجد فلم يجدوه، بحثوا عنه، فوجدوه نائماً تحت شجرة، وقد وضع درّته بجانبه، وعليه ثوبه المرقع وقد توسد ذراعه، في إغفاءة هانئة. دهش الهرمزان وهو يرى الرجل الذي قهر الممالك وفتح الأمصار ينام بهذه الهيئة، تحت شجرة، وقال كلمته المشهورة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.

إمام العدل
جاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلاً:
يا أمير المؤمنين: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو رضي الله عنهما يأمره بالقدوم ويقدم بإبنه معه: فقدم عمر فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين؟ قال أنس: فضرب، فوالله، لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: اصنع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

مسجد عمر بن الخطاب بدوحة الجندل
مسجد عمر بن الخطاب بدوحة الجندل

عمر وأم كلثوم في مهمة ليلية
كان عمر يخرج ليلاً يتفقد أحوال المسلمين، ويلتمس حاجات رعيته التي

استودعه الله أمانتها، وله في ذلك قصص عجيبة وأخبار طريفة، من ذلك أنه بينما كان يتجول ليلاً بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلاً قاعداً فاقترب منه وسلم عليه، وسأله عن خبره، فعلم أنه جاء من البادية، وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد، فانطلق عمر إلى بيته فقال لامرأته أم كلثوم وهي ابنة علي» هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد. قالت نعم إن شئت فانطلقت معه، وحملت إليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام، فدخلت على المرأة، وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته، والرجل ينظر إليه متعجباً وهو لا يعرفه، فلما ولدت المرأة نادت أم كلثوم يا أمير المؤمنين، بشر صاحبك بغلام، فلما سمع الرجل أخذ يتراجع وقد أخذته الهيبة والدهشة، فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئاً من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كل ويحك فإنك قد سهرت الليل.

في معركة القادسية اعتمد القائد رستم بقوة على فرق الأفيال لكن جيش المسلمين تمكن من قهرها
في معركة القادسية اعتمد القائد رستم بقوة على فرق الأفيال لكن جيش المسلمين تمكن من قهرها

تأديب النفس
يروي محمد بن عمر المخزومي عن أبيه أنه قال: نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس وكبروا صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه (ص).
ثم قال: أيها الناس. لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي قبضة من التمر، أو الزبيب، فأظل يومي، وأي يوم؟!
ثم نزل عن المنبر، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن سفّهت نفسك فقال: ويحك يا ابن عوف!! إني خلوت فحدثتني نفسي، قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها نفسها.

يؤنب نفسه سراً
وروى أنس بن مالك فقال: سمعت عمر بن الخطاب يوماً، وخرجت معه، حتى دخل حائطاً، فسمعته يقول، وبيني وبينه حائط، وهو في جوف الحائط: «عمر بن الخطاب.. أمير المؤمنين.. بخ بخ، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك».

أصابت امرأة وأخطأ عمر
قال عبد الله بن مصعب خطب عمر (ر) فقال: لا تزيدوا مهور النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي فضة، يعني يزيد بن الحصين الحارثي، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.
فقامت امرأة من صف النساء طويلة في أنفها فطس فقالت: ما ذاك لك؟ قال: ولم؟ قالت: لأن الله يقول: }وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{ (النساء: 20)
فقال عمر « أصابت امرأة وأخطأ عمر». دالاً بذلك على مقدار تواضعه.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”من أقواله البليغة” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

قال عمر رضي الله عنه لرجل همّ بطلاق امرأته: «لِمَ تطلقها؟» قال الرجل :«لا أحبها». فقال عمر: «أو كلّ البيوت بنيت على الحب؟ فأين الرعاية والتذمّم؟» (أي حفظ الذمة).

مشهد-تصويري-لفتوحات-عمر-بن-الخطاب-كما-جاء-في-الفيلم-الذي-روى-قصته
مشهد-تصويري-لفتوحات-عمر-بن-الخطاب-كما-جاء-في-الفيلم-الذي-روى-قصته

كان عمر رضي الله عنه إذا رأى أحداً يطأطئ عنقه في الصلاة يضربه بالدرة (الدرّة عصا غليظة كان يحملها دائماً)، ويقول له «ويحك، إن الخشوع في القلب».
سئل عمر: لم لا تكسو الكعبة بالحرير؟ فرد قائلاً: بطون المسلمين أولى.
لا تنظروا إلى صيام أحد، ولا إلى صلاته، ولكن انظروا من إذا حدّث صدق، وإذا ائتُمِن أدى، وإذا أشفى -أى هم بالمعصية- تورع.
قال عمر: كونوا دعاة لله وأنتم صامتون. قيل: وكيف ذلك؟ قال : بأخلاقكم.
الدين ليس بالطنطنة من آخر الليل ولكن الدين الورع.
اخشوشنوا، وإياكم وزي العجم: كسرى وقيصر
لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيراً، فإني لا أدري أيهما خير لي
إن الحكمة ليست من كبر السن، ولكنها عطاء الله يعطيه لمن يشاء
من قال أنا عالم فهو جاهل
عليك بالصدق وإن قتلك
ترك الخطيئة خير من معالجة التوبة
من كثر ضحكه قلت هيبته
لا تعتمد على خلق رجل حتى تجربه عند الغضب.
اعرف عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين.
ذكر الله عند أمره ونهيه خير من ذكر باللسان
لكل صارم نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة.
أفضل الزهد إخفاء الزهد
إذا أراد الله بقوم سوءاً منحهم الجدل ومنعهم العمل
أميتوا الباطل بعدم ذكره
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading