الإثنين, أيار 6, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, أيار 6, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

قصة من جبل العرب

قصة بطولة من جبل العرب

نايـف العاقـل
ومعركـة مرصـد جبـل الشيـخ

اعتبرها المحللون أجرأ عملية عسكرية وأهم هزيمة للدولة العبرية في حرب تشرين

الخبراء الروس ساعدوا في تدريب كتيبة النخبة ودخلوا إلى المرصد لوضع اليد على تجهيزاته السرية

نايف العاقل: استذكرت في لحظات الهجوم بطولات أجدادنا في موقعة الكفر ضد الفرنسيين

على الرغم من أن إسرائيل تمكّنت في حرب تشرين 1973 من استيعاب صدمة الهجوم العربي المباغت، بل وتحسين مواقعها السابقة، فإن الحرب العربية نفسها مثلت جهداً هائلاً وأظهرت قدرة العرب على تطبيق استراتيجيات وتكتيكات بارعة في الهجوم. ومن بين الإنجازات الكبرى التي دخلت العلم العسكري اجتياح الجيش المصري لخط بارليف على الضفة المحتلة من قناة السويس والذي كان يعتبر سداً لا يمكن قهره أو اجتيازه من أي جيش بسبب الحاجز المائي المتمثل بقناة السويس نفسها والتحصينات الرملية والدفاعات الضخمة التي كانت تحميه.
على الجبهة السورية كان تحرير القوات السورية الخاصة وقوات المظليين من الفرقة 82 لمرصد جبل الشيخ أيضاً من أبرز منجزات تلك الحرب لأنها أسقطت موقعاً في غاية التحصين تدعمه خطوط خلفية إسرائيلية والقوة الهائلة للجيش الإسرائيلي، ولهذا السبب شكّل سقوط موقع جبل الشيخ صدمة كبيرة لإسرائيل وكان من بين الأحداث التي كتب فيها خبراء عسكريون إسرائيليون ودوليون تحليلاً لما اعتبر يومها تقصيراً وهزيمة مذلة.

الأهمية الاستراتيجية للمرصد
أحد أهم أسباب الصدمة الإسرائيلية لم تكن فقط السرعة التي تمت بها عملية السيطرة على قمة الجبل المحصنة بل الأهمية الاستراتيجية للموقع الذي يقع على إحدى القمم الاستراتيجية المشرفة على فلسطين المحتلّة والأردن وجنوب سوريا حتى بادية الشام، وقد استخدم المرصد من قبل إسرائيل بعد حرب 1967 كرادار رئيسي بسبب موقعه الاستراتيجي واستخدمت في المرصد أحدث التجهيزات الإلكترونية وتقنيات كانت تعتبر يومها أسراراً عسكرية بالغة الحساسية. وقد بنت إسرائيل طريقاً ضيقاً وحيداً إلى المرصد كما بنت مصعداً للتزلج يربط المرصد بموقع عسكري أكبر في سفح الجبل.
كان مجمع الرادار والمراقبة يعتبر حيوياً لإسرائيل لأنه يعمل كمحطة إنذار مبكر وكقاعدة لجمع معلومات فورية ويستخدم في عمليات التشويش الإلكتروني على اتصالات الجيش السوري كما أنه يستخدم كموقع لتوجيه المدفعية في عمليات قصف الهضبة السورية التي تمتد تحته إلى مسافات بعيدة وذلك دون حاجة لاستخدام الطائرات،. كما كان الجبل موقعاً مثالياً للقيام بعمليات التفاف على أي هجمات محتملة فضلاً عن أنه قاعدة حماية لأهم موارد إسرائيل المائية في بحيرة طبريا.
وكان المرصد يتألف من ثلاث طبقات: طبقتان فوق الأرض تحتويان على نقاط المراقبة والدفاع والتجهيزات الإلكترونية الحساسة وطبقة سفلى (تحت الأرض) تستخدم كمركز للقيادة وكمستودعات للذخائر ومؤن الغذاء والمياه، وكانت الأقبية تتصل بأنفاق سرّية بعضها مموه ويقود إلى خارج المجمع والبعض الآخر متصل تحت الأرض بمواقع الحراس ونقاط وأبراج المراقبة في المبنى.
لهذه الأسباب، وبسبب التحصينات الضخمة فإن المرصد كان عصياً على أي هجوم من الجو أو هجوم مدفعي وكان أي هجوم أرضي يسعى لاقتحامه بأسلوب الكوماندوس مغامرة شديدة الخطورة ومكلفة للغاية بسبب طوق الحماية وحقول الألغام والعوائق التي كانت تجعل من المستحيل احتلال المبنى العسكري الضخم إلا بإجتياز الساحة الأمامية المكشوفة واقتحامه عبر مداخله. رغم ذلك، فإن صعوبة المهمة أدت إلى تركيز القوات السورية والخبراء الروس الذين كانوا يعملون معها على تكوين قوة نخبة شديدة البأس وتدريبها تدريباً عالياً واتباع تكتيكات جديدة في شنّ الهجوم المنسق المروحي والأرضي، إضافة إلى عملية تمويه الهجوم حتى اللحظة الأخيرة نظراً إلى أن الإسرائيليين كانوا يشرفون من المرصد على السفوح التي تجمعت فيها قوة الهجوم وكان في إمكانهم أن يتابعوا ويقيّموا ما يحصل على الجانب السوري.
لكن على الرغم من حجم قوة الكوماندوس السورية التي نفذت الهجوم ومشاركة ضباطها وافرادها في الاقتحام فإن الملازم نايف العاقل تميّز في ذلك الهجوم بسلوك بطولي وبدرجة عالية من المبادرة والشجاعة ودقة الهجوم مع مجموعته على مداخل المرصد بما اعتبر بعد ذلك عاملاً أساسياً في نجاح المرحلة الأكثر دقة وخطورة من الهجوم وهي الاقتحام الأرضي للمرصد وتدمير الدفاعات وأعشاش الرشاشات التي كانت ترمي المهاجمين بكثافة وتمكّنت لبعض الوقت من وقف الهجوم. وقد اعترفت الدولة السورية يومها بهذا الدور عبر منح الملازم العاقل وسام بطل الجمهورية وترقيته إلى نقيب، وكان العاقل الضابط الوحيد من المشاركين في الهجوم الذي حاز على ذلك التكريم، علماً أن بطل اقتحام مرصد جبل الشيخ عاد وأنجز خدمات عسكرية مرموقة في صفوف القوات السورية حتى تقاعده كعميد وهو يقيم حالياً في قريته في أم الرمان.
ما هي قصة اقتحام مرصد جبل الشيخ واحتلاله من قبل القوات السورية الخاصّة والفرقة 82 في حرب تشرين؟ وما هو الدور الذي لعبه الملازم (يومها) في القوات الخاصة نايف العاقل في عملية الاقتحام ثم صدّ الهجمات المضادة الإسرائيلية وكيف عاش تلك التجربة المثيرة مع رفاقه من أبطال الهجوم؟

مع-الملازم-عزت-المشكاوي-أمام-المرصد-المحرر
مع-الملازم-عزت-المشكاوي-أمام-المرصد-المحرر

” إلتفت الملازم نايف العاقل إلى النقيب الخير قائلاً: «إمّا أن نموت أو نهجم» ورفع ذراعه إلى الجنــود المتحصـنين وأعطــــى الأمر بالهجــــوم  “

تحضير طويل للعملية
يذكر العميد نايف العاقل (المولود عام 1949) أنه وفي نهاية دراسته في الكلية الحربية جرت عملية تقييم لطلاب الضباط في الكلية وتمّ اختيار حوالي 100 طالب ضابط من بينهم نايف العاقل ليكونوا نواة لقوة نخبة يناط بها تنفيذ مهمات خاصة وصعبة في الحرب، وقد أخضع العاقل ورفاقه لتدريبات شاقة تناولت القفز بالمظلات والقتال الجبلي والليلي ثم نقلت الكتيبة إلى منطقة جبلية في شمال سوريا وأخضع العناصر هناك إلى تدريبات بالذخيرة الحيّة- لعدة شهور اشتملت على عمليات إقتحام أهداف جبليّة محصّنة، وكانت طبيعة التدريبات القاسية وإشراف الخبراء العسكريين الروس ودرجة القسوة وتركيز التدريبات على محاكاة هجوم شامل على مواقع محصنة وجبلية تشي بأن المجموعة يتم إعدادها لتنفيذ مهمة كوماندوس تحتاج إلى مستوى عال من التأهيل والشجاعة والمهارة العسكرية، لكن السرية التي أحيطت بها المهمة وكذلك قرار حرب أكتوبر أبقيا الغموض محيطاً بالهدف إلى أن أزفت ساعة الصفر أو ما قبلها بقليل.
تمويه الهجوم
وقد جاءت اللحظة المنتظرة عندما تمّ نقل مجموعة «المغاوير» العالية التدريب إلى القمة المقابلة للمرصد المحتل في أعالي جبل الشيخ –حرمون، بذلك أصبحت المجموعة أقرب ما يكون إلى العدو وعلى بعد نحو ستة كيلومترات من المرصد المحتل.وقد تمكّنت القوات المهاجمة من التمركّز واستكمال استعداداتها دون أحداث استنفار بين صفوف الإسرائيليين الذين كانوا يراقبون تلك التحركات لكنهم فشلوا في النظر إليها كمقدمة لعمل عسكري جريء وحاسم.
أيقن نايف العاقل أنه وفرقة النخبة التي كان ضابطاً فيها لا بدّ مقبلون بعد قليل على حدث كبير، وهو يذكر انه ذهب قبل أيام من الحرب برفقة جابر ديب، وهو ملازم صديق له، من محافظة طرطوس، إلى دمشق يخالجهما شعور أنهما قد لا يعودان إليها وقد حرص الرجلان على أخذ بعض الصور للذكرى، علّ من يبقى على قيد الحياة يذكر الآخر. كانت هذه هي الحالة المعنوية لدى المغاوير السوريين قبل ايام قليلة من بدء الهجوم الصاعق على الموقع الاستراتيجي الإسرائيلي.

ساعة الصفر
في مساء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 تلقت المجموعة أمر المهمة الموكولة إليها وهي اقتحام المرصد الإسرائيلي والقمم المرتفعة وأبلغ الجنود المترقبون بأن الحرب ستبدأ فعلاً في اليوم التالي (وكان يوم سبت كما أنه كان يصادف عيد الغفران اليهودي) لكن دون تحديد ساعة الصفر. كان أمر القتال مختصراً بالنسبة لمهمة غير عاديّة بنظر أولئك المقاتلين الشبّان، لكن الخطة بسيطة ومستوحاة من تكتيكات الحرب الفييتنامية التي تقضي عند الهجوم على أهداف شديدة التحصين بتمهيد مدفعي كثيف يتبعه تركيز مواقع حماية يتم إنزالها بالمروحيات لقطع طرق إمداد العدو ثم دفع موجات اقتحام متتالية من المقاتلين الشديدي البأس، بحيث إذا فشلت المجموعة المهاجمة أو أبيدت يتم زجّ مجموعة أُخرى، إلى أن يتم تحقيق الهدف. ويتميز ذلك التاكتيك بأنه يعتمد على المباغتة والسرعة والروح القتالية العالية وفعالية المهاجمين وليس على القوة التدميرية لأن الموقع كان شديد التحصين وقد جرى تنبيه المجموعة الى أنه توجد في المرصد الهدف أجهزة ومعدّات للعدو على غاية كبيرة من الأهمية، يجب الحفاظ عليها وعدم تدميرها.
طبقاً لأمر القتال انتقلت الكتيبة من خراج بلدة عرنة إلى موقع المرصد السوري الصديق وعلى مسافة نحو ثلاثة كيلو مترات من المرصد المحتل وكان المطلوب أن يتم الأمر قبل فجر اليوم التالي الذي كان قد حدّد للمعركة.

الوسام
الوسام

مسار القتال
بدأت معركة تحرير مرصد جبل الشيخ بقصف جوي مركّز للمرصد المعادي، وتلا ذلك رمي كثيف من قبل المدفعية على الموقع ذاته. وتحت ستار القصف العنيف قامت ثلاث مروحيات بالهبوط غرب المرصد من جهة العدو وأنزلت مجموعة مقاتلين بقيادة الملازم أول أحمد جوجو كانت مهمتها إطباق الحصار على القوات المعادية في المرصد وتأمين الحماية لقوة الاقتحام. وكان من المقرّر أن تقوم مروحية أُخرى بإنزال عناصر دعم على المرصد ذاته، غير أنّ هذا لم يتم بسبب النيران السورية الكثيفة على الموقع في نطاق التمهيد المدفعي.
كانت المجموعات المكلّفة بالاقتحام قد تقدّمت باتجاه الهدف تحت غطاء القصف الجوّي ونيران التمهيد المدفعي، إلا أن نقص الاوكسيجين على ارتفاع أكثر من 2600 م فوق سطح البحر مثّل صعوبة أساسية لأن الهجوم كان راجلاً ولأن المقاتلين كانوا يحملون عتاداً وكان عليهم التقدم والتحرك بسرعة، كذلك كانت التّحصينات الكثيفة التي شيّدها العدو حول المرصد والألغام المزروعة في محيطه بالإضافة إلى الأسلاك الشائكة تجعل من المستحيل دخول ذلك الموقع إلاّ عن طريق المدخل الرّئيسي المكشوف والمحمي جيداً من قبل العدو.
استغرق وصول المقاتلين إلى أمام ساحة المرصد بقيادة النقيب محمد الخيّر نحو ثلاث ساعات، ورغم التمهيد المدفعي المساند فقد كان الإسرائيليون قد أدركوا أنهم يتعرضون لهجوم مباشر فألقوا بكل قوتهم النارية في محاولة وقف الهجوم فسقط عدد من المهاجمين وأصيب آخرون، وكانت لحظات حرجة إذ أدركت القوة المهاجمة أن العدو متحصن بقوة وأنهم يمتلكون قوة نار كبيرة، وبات الأمر المهم هو اتخاذ قرار حاسم يساعد في حسم المعركة بسرعة لأن استمرار المناوشات سجالاً أي دون اختراق سريع سيسمح للإسرائيليين باستقدام تعزيزات تمكّنهم من إحباط الهجوم وربما تطويق القوات المهاجمة وتصفيتها أو أسرها.
التفت الملازم نايف العاقل إلى النقيب محمد قائلاً: «إمّا أن نموت أو نهجم» ورفع ذراعه إلى الجنود المتحصنين آمراً بالاقتحام، واندفع تحت رشق الرصاص المعادي عبر المدخل نحو ساحة المرصد باتّجاه المبنى والدشم المحصّنة التي تصبّ نيرانها على المقتحمين صائحاً : « الله أكبر، الحياة وقفة شرف! الشهادة أو النصر»، واندفع المقاتلون خلفه، نحو مئة وخمسين مقاتلاً اندفعوا بسرعة كبيرة يقتحمون بنيرانهم وأجسادهم الدشم المعادية التي تصليهم بنيرانها. وقد فوجئ الإسرائيليون بسرعة الاقتحام وبكثافة القصف المدفعي فتركوا نقاط المراقبة وهبطوا عبر الممرّات السريّة إلى الطابق السفلي تحت الأرض من مبنى المرصد، واحدة فقط من تلك الدشم بقيت صامدة، أوقعت في المقتحمين عدداً من الشهداء والجرحى، تناول نايف قاذف الآر بي جي من المقاتل شحاذه القاسم وسدّد على نافذتها التي تطلق النار ورماها فدمّرها تماماً، وبدا بعد قليل أن مقاومة المدافعين تراجعت رغم استمرار إطلاق النيران فركض الملازم نايف بإتجاه السارية التي يرفرف فوقها العلم الإسرائيلي، تسلّقها، قطع علم العدو بحربته وتناول العلم العربي السوري ورفعه مكانه، وانتقل المهاجمون فوراً إلى استكمال عملية الاقتحام وتطهير الموقع وكانت تلك عمليّة بطوليّة أُنجزت في وقت قصير وكانت من أشهر العمليات العسكرية التي حصلت في إطار حرب تشرين 1973. وما زال نايف العاقل يذكر كيف كان يسترجع في تلك اللحظات التاريخية بطولة الاجداد في معركة الكفر والمزرعة والبطولات الأسطورية التي سجلت فيها.
كان المقتحمون قد أسكتوا النار المعادية في المرصد، هذا من حيث ظاهر الأمر، لكنّ جنود العدو الذين لم يقتلوا في المجابهة اختبأوا خلف الأبواب الفولاذية من المبنى العميق وتوزّعوا في مجموعتين على عدد من الأنفاق والغرف السفلية المتصلة بالأنفاق، وأجرى الإسرائيليون في اليومين التاليين محاولات عدة للفرار نحو المواقع الإسرائيلية في أسفل التلة عبر مخارج سرية للأنفاق، لكن تلك المحاولات أفشلت عندما اكتشفت قوات الحماية السورية التي كانت قد أنزلت بواسطة المروحيات السورية في التلال المطلة على المرصد وقد قتل عدد من الجنود الفارين وجرح بعضهم كما تمّ أسر البعض الآخر. في صباح اليوم الثاني حاول العدو في الساعات المبكرة ارسال قوة من لواء جولاني المشهور بهدف استرجاع المرصد لكن يقظة المجموعة المتمركزة غرب المرصد بقيادة الملازم أول احمد الجوجو ساعدت في إفشال العملية والقضاء على المهاجمين بالكامل.

مع-سلطان-باشا-الأطرش-الذي-هنأه-ورفاقه-على-إنجاز-جبل-الشيخ
مع-سلطان-باشا-الأطرش-الذي-هنأه-ورفاقه-على-إنجاز-جبل-الشيخ

وتمكّنت القوات المهاجمة في ما بعد وبالصدفة من اكتشاف عدد آخر من الجنود الإسرائيليين المختبئين في أقبية المرصد وتمّ أسرهم، كما تمّ أسر عدد آخر عندما خرجوا من مخابئهم الحصينة بسبب اعتقادهم خطأ أن قوات لواء جولاني قد وصلت إلى المكان لإنقاذهم ليفاجأوا بأن القوات المتمركزة حول المرصد وفي الجبل عموماً كانت سورية بالكامل. وتمت ملاحقة الجنود الهاربين في السراديب واستخدمت مكبرات الصوت لتوجيه نداءات تدعو الإسرائيليين إلى الإستسلام، وتمّ تفجير الأبواب الفولاذية كما استخدم الجيش السوري قنابل دخانية تسربت بكثافة إلى داخل السراديب في الطابقين السفليين للمرصد وقد ذعر الإسرائيليون بسبب الدخان الخانق وظنوا أن السوريين يستخدمون غازات سامة، فخرج البعض مضطرين وسلموا أنفسهم للقوات المهاجمة.
وبمجرد السيطرة على المرصد حضر ضباط وفنيون من الخبراء الروس واطلعوا على التجهيزات المتقدمة للموقع وبدأوا على وجه السرعة بتفكيكها ونقلها إلى الخارج وكانت المعدات الإسرائيلية غنيمة مهمة وضع الروس يدهم عليها واستفادوا منها كثيراً في معرفة تقنيات الرصد والإتصال والبنية العملياتية للجيش الإسرائيلي.

” عمليات تطهير ومطاردة للإسرائيليين في أقبية المرصد وممراته الســـــرية”

عدد-من-جنود-العدو-الذين-تم-أسرهم-خلال-العملية
عدد-من-جنود-العدو-الذين-تم-أسرهم-خلال-العملية

هجوم إسرائيلي مضاد
كان لسقوط موقع جبل الشيخ في يد القوات السورية وقع أليم جداً على القيادة الإسرائيلية لأنه افقدها ما كان القادة العسكريون يعتبرونه «عين إسرائيل» وهذا بسبب أهمية الموقع في المتابعة اليومية والاستخبارية لتحركات القوات السورية من الجولان وحتى ما بعد دمشق. وكتب المحلل الإسرائيلي أبراهام رابينوفينتش في كتاب أصدره عام 2005 عن حرب «يوم كيبور» أن خسارة إسرائيل لموقع جبل الشيخ كانت أكبر هزيمة عسكرية مذلّة تعرضت لها في حرب يوم الغفران، أو حرب اكتوبر كما يسميها العرب. وكتب والتر بوين قبل ذلك مستنكراً درجة الإهمال والضعف التي أظهرها الإسرائيليون في مواجهة الهجوم السوري المنسق وأشار بوين بصورة خاصة إلى أنها كانت المرة الأولى التي يفر فيها قائد وحدة مدافعة إسرائيلية من الجبهة بينما كانت قواته تخوض مواجهة يائسة للدفاع عن الموقع في وجه الهجوم السوري المباغت.
لهذه الأسباب، تحول استرداد موقع جبل الشيخ إلى مسألة حيوية وذات أولوية قصوى للإسرائيليين، وقد ساعدت انتكاسة الهجمة المصرية في قناة السويس وبدء مفاوضات الخيمة 101 للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار والتي نسقها اليهودي الأميركي هنري كيسنغر على توفير معظم القوة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تقاتل على الجبهة المصرية وبالتالي تحويل طاقة نيرانها بالكامل إلى الجبهة السورية. لكن على الرغم تركيز القوة الإسرائيلية كل جهودها على جبهة جبل الشيخ فإن محاولاتها الأولى ما بين يومي 8 أكتوبر و20 منه باءت جميعها بالفشل، وتمكنت القوات السورية التي كان قد جرى تعزيزها بقوات جديدة وبقوات حليفة عراقية ومغربية بصورة خاصة من صدّ الهجمات المتكررة التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي لاسترجاع الموقع، واعترفت إسرائيل لاحقاً بأنها خسرت في محاولات الهجوم المضاد الأولى مئات القتلى والجرحى بسبب الكمائن السورية والعربية واستماتة القوات المدافعة في صدّ الهجمات.
إلا أن إسرائيل التي كانت تتمتع بتفوق جوي تام جرّاء التقنيات الأميركية التي تمّ تزويدها بها أعادت الكرّة يومي 21 و22 أكتوبر من العام 1973 ودفعت بقوات ضخمة من المشاة وقوات المظليين والمدرعات المدعومة بغطاء جوي كثيف لإنجاز المهمة خصوصاً بعد أن أبلغ كيسنغر تل أبيب بأن قراراً بوقف إطلاق النار بات وشيكاً، وهو ما جعل الإسرائيليين يلقون بكل قواهم في محاولة إحداث تغيير على الأرض قبل التوصّل إلى القرار المذكور.

حرب-6-أكتوبر-1973-على-جبل-الشيخ
حرب-6-أكتوبر-1973-على-جبل-الشيخ

 

 

أصابة الملازم العاقل
كانت القوة المدافعة بقيادة الملازم أول أحمد رفاعي الجوجو تتصدى للهجوم، لكنّ الوضع القتالي كان غير متكافئ إذ كانت القوات المدافعة وكذلك القوات القادمة للمساندة مكشوفة لضربات الطيران، وكان مقاتلو الوحدات الخاصة المشاة ورغم مستوى تدريبهم العالي يقاتلون بالأسلحة الفرديّة والأسلحة المحمولة المضادة للدروع والهاونات.
طلب الملازم نايف العاقل من قائد الكتيبة الإذن بأخذ مجموعة من المقاتلين لدعم مجموعة الملازم أول الجوجو التي تواجه الهجوم المعادي. وكانت المجموعتان أصبحتا القوة السورية الرئيسية في مواجهة العدو التي بدأت تتخذ طابع حرب شرسة من مسافات قريبة لا تزيد على عشرات الأمتار. وقد فعلت الآر بي جي فعلها في الدروع المعادية، وكان المقاتل سعيد بدّور يحمي ظهر الملازم نايف وهو يتصدّى مع رفاقه للدبابات المهاجمة، ويذكر الأخير أنه فوجئ بقائد فصيلة إسرائيلية يندفع أمام جنوده في هجوم على القوات المدافعة عن المرصد وقد قذفه نايف بقنبلة يدوية فقتله.

المنطقة-المنزوعة-السلاح-بين-سوريا-والجولان-المحتل
المنطقة-المنزوعة-السلاح-بين-سوريا-والجولان-المحتل

البطل ينزف واقفاً
حصلت تلك المعركة الكبيرة في اليوم الثالث عندما دفع العدو بقوات كبيرة من لواء جولاني في محاولة لاسترجاع المرصد وقد تمّ إفشال الهجوم إلا أن رصاصة أصابت بندقية الملازم نايف العاقل فعطلتها كما أصابت رصاصة يده فحطمت أصابعه واستقرت رصاصة أخرى في خاصرته، لكن رغم إصابته البليغة طلب العاقل من قائد الكتيبة (اللواء المتقاعد حالياً) سليمان الحسن على اللاسلكي أن يرسل له بندقية عوضاً عن تلك التي تعطلت، لكن الضباط الذين كانوا يشرفون على معارك صد الهجوم وجدوا أن حال الملازم العاقل لم تكن تسمح بمواصلة القتال، فتقرر العمل على نقله إلى أقرب مستشفى ميداني. وبالفعل تولى عنصران من رفاقه إخلاءه باتجاه قرية مزرعة بيت جن ثم إلى مستشفى بلدة حرستا التي تقع شرق دمشق على مسافة بضعة كيلومترات وكان قد أصيب في التاسعة صباحاً على سفح المرصد، وبلغ المشفى المذكور في التاسعة مساءً، أي أنه سار على نزفه نحو 12 ساعة. لذلك، وعندما خرج من المصعد في الطابق الثالث من المستشفى فَقَد وَعيَه إذ كان الإجهاد والنزف قد أنهكا جسده، ولم يستعد وعيه إلّا في اليوم الثالث، وقد عولج في غيبوبته.
بعد عدّة أيام من المعالجة في مستشفى حرستا نُقل الملازم نايف إلى إحدى المدارس التي أُعدّت كمستشفى إضافي، وذلك بسبب تزايد أعداد المصابين في صفوف الجيش السوري، وقد تمّ تجبير كسور يده وأُعطيَ إجازة استراحة في انتظار العودة إلى القتال. وزار العاقل قريته أم الرمّان وسط حفاوة كبيرة من الأهل والأصدقاء في قريته وفي قرى محافظة السويداء، الذين شعروا بالإعتزاز لما حققه في ميدان الشرف وكانت قصة احتلال المرصد قد ذاعت كما ذاع خبر نايف العاقل وإنزال العلم الإسرائيلي عن سارية المرصد ثم قتاله الباسل مع رفاقه لصدّ الهجمات الكبيرة لجيش العدوّ، وقد كافأته القيادة العامة للجيش والقوّات المسلّحة بترفيعه من رتبة ملازم إلى رتبة نقيب، وبمنحه وسام بطل الجمهوريّة العربيّة السوريّة.
يقول نايف: «عندما زارني اللواء علي حيدر وكانت جراحي لم تلتئم بعد، والرصاصة التي اخترقت جسمي تحت العمود الفقري لم تضرًّ بي بحمد الله، قال لي: « الحمد لله على سلامتك، لكن كيف سلمت؟» قلت له: «إنّها إرادة الله، وحسن دعاء الوالدين».

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading