مآثـــر وعبـــر
حكاياتٌ عن العِلاقةِ المُمَيّزَة
بين جبلِ عاملٍ ووادي التّيم
مبارزةُ خيلٍ تتحوّلُ إلى جَفاء
ووفدُ مشايخٍ يعيدُ المياهَ إلى مجاريها
كان سوق الخان (والسهل المحيط) به مركز تلاقٍ وتواصل بين وجهاء وزعماء منطقتي جبل عامل ووادي التّيم، والسّبب الوجيه لذلك أن السّوق كان الحدّ الفاصل بين ولايتيّ صيدا ودمشق حسب التقسيم الإداري السائد أيام الحكم العثمانيّ وقد بقي كذلك أيام الانتداب الفرنسيّ.
في يوم التقى في سوق الخان الزّعيم كامل بك الأسعد والوجيه الحاصبانيّ سامي بك شمس، وبعد انفضاض الاجتماع ما كان من الوجيه الحاصبانيّ إلّا أن دعا الزّعيم الوائليّ إلى المبارزة خيلاً في عرض ذلك السّهل وطوله.
وكامل بك الأسعد وهو بالمناسبة جدّ كامل الأسعد الأخير لوالدته وقد كان على قامة سمقاء ورشاقة ومهابة تفوق التصوّر، وإذا اعتلى صهوة جواده لا يبارزه سوى القلّة، ومن كان له باعٌ في مضمار الفروسية. منذ بدء المبارزة بدا واضحاً أن الوجيه الحاصبانيّ لم يُوفَّق إذ بدا تفوق غريمه واضحاً وفاضحاً، وهذا الأمر أحرجه أمام أتباعه مما أثار غضبه وجعله يتفوّه بكلام قاسٍ وشتائم مهينة لغريمه. أمّا الزّعيم الوائليّ، فرغم أنّ الدم غلى في عروقه إلا أنّه أطلق العنان لفرسه بعد أن تبعه مرافقاه مقدّماً أمثولة في ضبط النفس وتغليب الحكمة على النّزق والانفعال.
لكن ما إن عاد الزّعيم الحاصبانيّ إلى منزله في حاصبيّا حتى انتبه إلى الخطأ الجسيم الذي ارتكبه بحقّ زعيم الجنوب وكما يقول المثل العاميّ “ راحت السّكرة وأتت الفكرة”، وكان يخاطب نفسه بكثير من التأنيب: ماذا فعلت؟ وكيف تصرّفت؟ وبأيّ حق تفوهت بما تفوّهت به تجاه رجل كريم؟ النّدم، النّدم.. لكن ما نفع الندم؟ في تلك اللّيلة لم تغمض عينا الوجيه الحاصبانيّ بل تسمّر جسده فوق مقعده وهو محتار من أمره وكيف سيعيد المياه إلى مجاريها، والصّداقة الأولى إلى سابق عهدها. وفكّر أخيراً أنْ ليس لي سوى الأفاضل من المشايخ الأكارم أصحاب العمائم ومقرّبي الخواطر: “إذهب يا أبو علي النّاطور إلى الشّيخ أبوفايز علم الدّين بدوي وقلْ له كي يحضر إذ إنّني قد وقعت في مأزق كبير وليس حلّه باليسير”.
حضر الشيخ أبو فايز علم الدين بدوي وكان في ريعان الشّباب ولكنّه كان في الحكمة والدّراية شيخ من أشياخ الزّمان، ومن مشايخ البياضة المتنوّرين بالمعرفة ومحبّة الخير وتقريب الخواطر وفضّ النّزاعات، كما أنه كان صاحب البيت المشهور والكرم الحاتمي المعهود. لكن بعد اطلاعه على ما حدث وما أقرّ به الزّعيم الحاصبانيّ من تسرّعه وسوء تصرّفه دُهش واستغرب ما حدث، ثم تفكر في ذاته محتاراً من أمره فالموضوع مع زعيم كبير وغلطة لا تُغتفر، وكيف سيقرّب الأمور ومن أين سيبدأ الحلّ.


لهذا قرّر التصرّف بسرعة فعمد إلى تشكيل وفدٍ كبير من أهل الحل والعقد من الوجهاء الذين عرفوا بنبل مساعيهم وقد قبلوا أن يرافقوا الشّيخ أبو فايز في صباح اليوم التالي إلى بلدة الطّيبة، والتي يلزمها ستّ ساعات سيراً على الأقدام.
وصل الوفد في الوقت المحدّد لدار الطّيبة، لكنّ استقبالهم كان استقبالاً فاتراً، ومع هذا لم يدبّ الوهن في عزيمتهم، وكان التّفويض بالكلام لصاحب المقام الشيخ أبو فايز. بعد الجلوس وشرب القهوة وقف الشّيخ أبو فايز وسط القاعة ثم ابتدأ بالكلام تحية واحتراماً قائلاً: دار الطيبة اسم لمُسمّى وأشمل وأغنى من أي معنىً ورحابه صدرها للأنام عندها مسرّة، لذا أتينا من حاصبيّا، قاعدة وادي التيم، للاعتذار وتقديم الإجلال والاحترام للزّعيم الكبير آملين أن نُسلِّم عليه.
أجاب المسؤول: إنّ البيك خارج القصر. عندها قال الشّيخ أبو فايز: مسيرتنا لأكثر من ستّ ساعات ويلزمنا وقت مماثل في طريق العودة، لذا فإننا لن نبرح هذا المكان إلا بعد مقابلة صاحبه وتقديم الاعتذار كما أُمِرنا، ومهما تكن النفوس متباعدة فلا شيء يمنع من تقاربها والخلاف يحصل بين الإخوة والأقارب وزعيمنا الوائلي رائد محبة وتقارب وأملنا أن لا يعيدنا خائبين.
كبير المسؤولين في دار الطّيبة، وكان على دراية وبعد نظر، هزّه هذا القول مقتنعاً ومتّعظاً ومقدّراً كلام الشّيخ ومجيء الوفد، لذا انسلّ خارجاً ثم ذهب إلى مكان تواجد الزعيم فأخبره بما سمع وبأنّ عليه أن يقابل وفد المشايخ مهما تكن الخلفيّات خصوصاً وأنهم من أهل الكرامة والاقتدار ويكفي تحمّلهم عناء القدوم من مكان بعيد لكي يرفعوا إلى مقامكم اعتذار زعيم حاصبيّا وأسفه لما حصل.


الزّعيم الوائلي، وبعد سماعه كلام مرافقه، عاد إلى ضيوفه هاشّاً باشّاً وخاطبهم بالقول: أهلاً وسهلاً، وشكراً بما أشدتم وتكرّمتم لكن بالنّسبة للسّيد سامي بك فإنّني لن أحادثه مطلقاً وأرجو أن لا يقع نظري على نظره، وحتى حاصبيّا مُحرّمة عليّ.
الشّيخ أبو فايز تبسّم ثم تقدم من الزّعيم الوائلي مصافحاً إيّاه بحرارة وكذلك فعل بقية أعضاء الوفد، ثم جلس الجميع. غير أنّ الشيخ أبو فايز ظلّ واقفاً وابتدأ بالحديث قائلاً: يا كامل بك ، الأخوة تتخاصم، لكنّ الكبار الكبار أمثالكم لا يوجد للحقد أو الكراهية مكان في نفوسهم، فالصّفح شيمتهم، وقد كان قدومنا إلى هنا بطلب من زعيمنا شخصياً، ونحن نزيد على ذلك أن لعن الله الخمرة وما تسبّبه، وليس بالكثير إذا كانت عند أهل التوحيد منكرة ومحرمة. ولهذا عند عودته إلى منزله في حاصبيا كان الوعي والرّشد قد عادا إلى مخيّلته فاستدعانا على عجل وطلب إلينا الإسراع بالقدوم إلى دياركم لتقديم اعتذاره الصّادق.
انتظر الشيخ أبو فايز ليرى وقع كلامه على الزّعيم الجنوبي فلاحظ أنه بقي على عبوسه، عندها أكمل القول: هل تسمح لي بأن أسألكم سؤالا بسيطا؟ قال اسأل
قال الشيخ أبو فايز: ما هذا الذي يُغطي رأسكم؟
شقّل الزّعيم الوائلي حاجبيه وقال: ماذا تقصد يا شيخ بسؤالك؟ ألا ترى العقال والحطّة؟
تبسم الشّيخ وقال : هذا مقصدي بالضّبط، أليس يكفي أن يُجلّل رأسكم العقال، وكم هي بليغة وعميقة هذه الكلمة، وخاصة إذا كانت تكلّل هامات الرّجال العقلاء أمثالكم؟
كامل بك هزّه هذا القول فانفرجت أساريره وقال للشّيخ أبو فايز: حقّاً وصدقاً، أمثالكم قليلون أيّها الشيخ الجليل، لذلك ومهما كان غضبنا لما حصل، وتقديراً وتكريماً لخاطركم الكريم، قل لسامي بك إنني ذاهب إلى حاصبيا، وقريباً تشاهدوننا في دياركم.
وهكذا وفى الزّعيم الوائليّ بوعده فأتى برفقة سبعين خيّالاً إلى دار آل شمس، وكأنّ شيئاً لم يكن. وبعد الاستقبال والعناق كان التّكريم والحداء والرّصاص يملأ الآفاق وزِد على ذلك فقد أمر الزّعيم الحاصبانيّ بذبح سبعين خروفاً على عدد الزّائرين وبقي الجميع ثلاث ليال مكرّمين معززين.
أنعم وأكرم بأبناء العم
وندعــو كريمــاً مـــــــــــــــن يـــــــــــــجـود بمالــــــــه
ومن يبذل النَّفس النّفيســة أكـــرمُ
إن الكــرام إذا ما أيسـروا ذكــروا
من كان يألفهــم في المنزل الخشنِ
(شاعر قديم)
مالت الشّمس خلف جبل القاطع، وأذن الوقت بالعودة نحو المبيت. لهذا اعتلى الشيخ أبو فايز علم الدّين بدوي ظهر دابّته واتّجه عائداً نحو بلدته، بعد جهدٍ وتعبٍ مُضْنِيَين، من غرسٍ للبذور والشتول، وسقاية ورش ونكشٍ للعشب والجذور. فالوقت ربيع، وأيام العمل في البساتين تبدأ مع الفجر ولا تنتهي إلاّ مع الغروب، خصوصاً وأنه اقتنى بستاناً كبيراً من تعب اليد وعرق الجبين.
كالمعتاد يوميّاً، يرافقه في طريق العودة جاره في العمل الشّيخ علي، والقول المتّبع عند الفلّاحين الرّفيق قبل الطّريق.
قبيل وصولهم إلى بلدتهم، بعد هبوط العتمة إذ برهط من المكاريّة خارجين لتوّهم من البلدة، وكان زِيّهم يدلّ على أنهم غرباء مساكين وقد بدا الوجَل على وجوههم. اهتمّ الشّيخ أبو فايز للأمر فاستوقفهم قائلاً:
إلى أين أنتم قاصدين؟
نحو بلادنا.
وأين هي بلادكم؟
نحن من بلدة حولا في جبل عامل.
أنعم وأكرم بأهل حولا أبناء العم الكرام.
كان هذا النوع من السّلام دارجا بين دروز المنطقة وشيعتها بالنّظر لكون الموحدين الدروز كانوا معاً من ذات القبائل التي دانت بالمذهب الشّيعيّ الفاطميّ، لذا فهم من أرومة واحدة ويربطهم تاريخ من الصّداقات والعيش المُشترك وأدب الجيرة.
بعد السلام نزل الشّيخ عن ظهر دابته ثم تقدّم نحوهم فدعاهم وأصرّ عليهم أن يقبلوا المبيت عنده على اعتبار أنّ الوقت ليلٌ والطّريق طويلة وبعيدة نحو حولا، و..”شرّ الصّباح ولا خير المسا”!
ولما وجدهم متردّدين أجار عليهم بالقول المأثور “أجير الله وأنبياءه عليكم أن تقبلوا دعوتي”.
بعد سماع هذه الدّعوة الصّادقة، ما كان من المكاريّة إلّا أن قبلوا الدّعوة وعادوا معه شاكرين حامدين.
رفيق الشّيخ أبو فايز نظر نحو الموكب وهو عائد ثم هزّ برأسه وقال في ذاته: “ما أكثر غلبة عمّي أبو فايز، كيف يستضيف هذا العدد من الرّجال مع العشاء والمنامة، وفوق هذا دوابهم وجمالهم وخيولهم، وكيف ستقابلهم زوجته وهم في وضع مادّي غير ميسور؟! ثمّ تقدّم من الشّيخ وصارحه هامساً: “لقد جلبت العنت لك ولعائلتك وكان الأفضل تركهم وشأنهم، خصوصاً وأنّهم من بلاد بعيدة ولا تعرفهم؟”
هزّ الشيخ أبو فايز برأسه وأجاب رفيقه وابتسامة رضا تزين وجهه:”اسمع يا صاحبي، النّاس للنّاس والرّزق من الخالق الرّزّاق، قِسْ على نفسك إذا حلّ بهم مكروه في هذا اللّيل، والطّريق غير آمنة ومعرّضة للكثير من الأخطار، سواء كان من قطاع الطرق أو اللّصوص، ولا يغرب عن بالك أنّهم سيمرّون قرب الحدود مع اليهود، فلربّما اعتبروهم مهرّبي أسلحة أو مجاهدين فلسطينيّين وأطلقوا عليهم النّار وهم عُزّل مساكين. ومع هذا ماذا سيكلّفوننا؟..العشاء واحد، وأختك أمّ فايز، مثل كلّ غانمة، تعمل حسابها عند طبخ العشاء تحسّباً لضيف مساء أو عابر سبيل، والمثل يقول زاد واحد يقري اثنين وزاد خمسة يقري عشَرة والله يبارك لنا وللجميع، وبعملنا هذا ربّما ننقذ أرواحاً أو نكسب أصحاباً أو نطعم جوعاناً أو نروي عطشانا”
عند سماع ذلك سكت رفيق درب الشّيخ، لكنّه في قرارة نفسه لم يقتنع بما سمعه بل إنه عد سلوكه من قبيل الوجاهة وليس الكرم.
لكنّ مبدأ الشّيخ في الحقيقة كان ينبع من الكَرَم ومَدّ يد العون لعابر السّبيل وعمل الخير للجميع. فمنزله طوال حياته كان مضافة عامرة، و”محكمة أهليّة” لفضّ المشاكل وتقريب الخواطر وإغاثة الملهوف، وقدوم الضّيوف عليه وعلى عياله كان أمراَ مألوفا.


سهرة ممتعة قضاها الشّيخ أبو فايز مع ضيوفه من سمرٍ ومسامرة وتبادل أفكار واكتساب معرفة عن بلاد بعيدة وعادات جميلة.
عند مغادرة الضّيوف صباحاً منزله، وقف كبيرهم قبيل توديعه قائلاً: “ أقسم بالله وبالنّبي والإمام عليّ، وقد تجاوزت الخمسين من عمري، لم أصادف رجلاً في حياتي كلّها وأنا تاجر متجوّل من بلدة إلى بلدة، ومن بيت إلى بيت، كما لمسنا وشاهدنا من كرمكم وأفضالكم وترحيبكم وطراوة أحاديثكم يفوق ما يتصوّره أيّ إنسان. ويكفي أنّكم كنتم المبادرين لدعوتنا قبل أن نطرق بابكم، وهنا تظهر أريَحيّتكم وشهامتكم. فهنيئاً لكم ولبلدتكم ولطائفتكم بأمثالكم، وعسى الله تعالى يقدّرنا على الوفاء، وردّ الجميل”.
دارت الأيام… ومواسم الحاصبانيّ من السّفرجل والرّمان والملفوف والباذنجان لا يصحّ تركها بعد نضجها، والخريف آن، وحان وقت القطاف والتّسويق.
لهذا، حمّل الشيخ عليّ جار الشّيخ أبو فايز أحمالاً عدّة مع رفاق له، واتّجهوا جنوباً نحو قرى جبل عامل لبيعها. ثمّ بادروا للتنقّل من قرية إلى قرية إلى أن غربت الشمس عنهم في خدرها وهم بعيدون عن ديارهم والعودة ليلاً محفوفة بالأخطار، ومع هذا لم تنفذ البضاعة ويجب تصريفها وإلا كانت عرضة للأضرار.
ما العمل، قال الشّيخ علي لرفاقه، وكيف العودة والطريق نجهلها، والغريب أعمى ولو كان بصيراً، فكيف إذا كان الوقت ليلاً وليس بيننا دليل؟!
إذ ذاك ما بقي أمامهم سوى طرق باب أحد المنازل قصد الضيافة. وهكذا حدث من قِبل أحدهم.
استقبله صاحب المنزل قائلاً: “ أهلاً وسهلاً، ماذا تريد يا أخي؟”
أجاب الطارق: “إنني ورفاق لي من بلاد بعيدة، وليس بالإمكان العودة ليلاً، فهل تسمح باستضافتنا منامة وليس أكثر؟”
“تفضلوا يا أخي، على الرّحب والسعة”.
بعد الدخول والاسترخاء من قبل الضيوف، تفرّس المضيف بهم، ثم بادرهم القول: “عسى أن تكونوا من بلاد حاصبيّا؟”
تبسّم الضّيوف، إذ وجدوا بهذه الكلمة نوعاً من التّرحيب وراحة النّفس قائلين: “نعم..”.
“إذاً من بلدة الشّيخ أبو فايز علم الدين بدوي!”
“ نعم نعم من بلدته وجيرانه، والبعض منّا من أقاربه”.
“ يا أمّ حسين” نادى صاحب المنزل على زوجته، “ تعي أنتِ والأولاد ..لأعرّفكم على أقارب وأصحاب وجيران أجلّ وأشرف رجل عرفته، وكم حدثتكم عنه وعن كرمه وأصالته وسعة محله.”
“ألا يكفي أن أرجعنا عن الطريق إلى بيته بعد أن تصدّى لنا وأجار الله وأنبياءه علينا كي نقبل دعوته؟ لقد كرّمنا بأكثر من مقامنا وأتحفنا بكرم الخلق وأدب الضّيافة، وأفادنا بأمثال وحكم بليغة من علومه وتراث عشيرته”.
لم تمضِ فترة من الوقت، حتّى مُدَّت سُفرة من الطّعام الشهي للضّيوف، والبيت بأكمله يعمّه الفرح والسرور.
الشيخ علي كان يأكل ويهزّ برأسه من وقت لآخر، ثم يوشْوِش رفاقه قائلاً: “أطال الله بعمرك يا عمّي أبو فايز وبيّض وجهك وثناك في الدّنيا والآخرة كما بيّضت وجهنا ونحن حقيقة نأكل الآن على جاهك ونغرف من معجنك”
عند عودته إلى بلدته، كان الخجل يعلو وجه رفيق الشيخ أبو فايز وهو يخبره عمّا لاقَوْه من كرمٍ وترحيب فاقَ ما يتصورونه في بلدة حولا الجنوبيّة. وكلّ ذلك عائد لفضلكم وكرمكم وبُعد نظركم. ثم أكمل حديثه قائلاً: “إنّ أصدق قول يناسب مقامكم يا شيخنا ما كنت تردده أمامنا هو: من جاد ساد، ومن بخل رُذِل، وأجود النّاس من جاد من قلّة وصانَ وجه السائل من المذلة، وأجمل المحاسن كلّها الكرم.