الخميس, أيار 2, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, أيار 2, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأمير شكيب ارسلان

لله أيامُ تُذكر ولا تعاد، فذكرها عند الأجداد ارتعاش في الأبدا، وغمّ وحزن في ذاكرة الأبناء والأحفاد.
أيامٌ سوداء من تاريخ لبنان نستعيد ذكرها لما تحمله من عبر وتاريخ مجيد، تاريخ الكفاح من أجل الحرية والكرامة والتضامن والمحبة في ما بيننا. أما الحكاية التي نحن في صددها هنا فقد جرت وقائعها كالتالي:
مطلع القرن العشرين، وخلال الحرب العالمية الأولى، مرّت على لبنان أيامٌ لا تُمحى من الذاكرة، لقد كانت أيام الجوع والجراد والتشريد والتنكيل والبؤس والشقاء، لكن أسوأ ما نكب به اللبنانيون في تلك الأيام كان التجنيد الإجباري، وهو ما كان يُعرف عند العامة وباللغة التركية بـ «سفر برلك». كانت الدولة العثمانية تخوض عدة حروب على أكثر من جبهة وتتراجع، وكانت في حاجة ماسة بالتالي إلى تعبئة الجنود من ولاياتها ، فصدرت أوامر من الباب العالي بأن على جميع الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة عشر عاماً وستين عاماً أن يلبوا نداء حمل السلاح والإلتحاق بالخدمة العسكرية، ولم تسمح الأوامر بإعفاء أحد حتى ولو كان الرجل وحيد أهله.
من هؤلاء الذين تمّ تجنيدهم من أرسل إلى جبهة البلقان، ومنهم من أرسل إلى جبهة الأناضول والحدود الإيرانية التركية ومنهم من أرسل إلى جبهة ترعة السويس، وتوزّع الباقون على الجبهات والمواقع العسكرية التي تحمي حدود السلطنة. وبسبب تقهقر أوضاع الجيش التركي ومهاراته وتسليحه بالمقارنة مع مهارة وتسليح الدول الأوروبية وروسيا وغيرها فقد اعتبر من جندوا وارسلوا في تلك الفترة كثيرون لكن الذين كانوا يعودون كانوا قلّة وكان الجبل خصوصاً ساحة أحزان وثكالى وأرامل.
عمّ الهلع والخوف الجميع، وتفرّق الناس أيدي سبأ كما يقال، واتجه قسم كبير من الرجال نحو جبل الدروز كونه كان معفى من الخدمة العسكرية بعد حروب الكرامة والدفاع عن الحرية بينه وبين السلطات وسواها. أما من كان معه سبع ليرات ذهبية، فقد دفعها ثمن تذكرة للسفر عبر البحار السبعة، كما كانوا يقولون، إلى ديار الإغتراب متحملاً السفر بحراً وعبر بواخر تعجّ عنابرها بالجرذان والفئران.
أما البقية الباقية من الناس الضعفاء الذين لا حول ولا قوة لهم، فبقوا في قراهم، مسكنهم البراري نهاراً، ومأواهم الكهوف والأكواخ البعيدة عن أماكن السكن ليلاً.
كان من مصائب تلك الفترة أيضاً كثرة المخبرين والجواسيس الذين بثتهم السلطات من أجل جمع المعلومات عن الأشخاص القابلين للتجنيد وكان من بينهم بعض مخاتير القرى ورجال الجندرمة والمخافر، وقد وجد هؤلاء في نكبة التجنيد فرصة لإبتزاز الناس المشمولين بالأوامر وقد تمكنوا من جمع أموال كثيرة وجمعوا الأراضي أيضاً من جرّاء دورهم التعس في استغلال ظروف التجنيد والخوف في قلوب الناس. وكان هناك بصورة خاصة رئيس مخفر في بلدة حاصبيا، شركسي غريب الأطوار، جشع وفاسد متكالب على المال وكان يُدعى أبو هاشم. وقد اتفق هذا مع بعض المخاتير والمخبرين ممن هم على شاكلته من حيث الطمع والسفالة، فكانوا يأخذون ليرتي ذهب عن كل فرد يغضّون الطرف عنه كي لا يُساق إلى الجندية، ثم يتقاسمون المبلغ، ليرة للمختار، وأخرى لرجال الأمن، لكنهم غالباً ما كانوا يوقعون بالضحية أكثر من مرة ويطلبون الذهب ثانية مما أوقع كثيرين في الإفلاس والبؤس وشجع أكثر على الهجرة والفرار إلى أرض الله الواسعة.
بلغ السيل الزُبى عندما طلبت السلطات من أربعة عشر من المشايخ المقيمين في خلوات البياضة الإلتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية.
هنا ثارت حمية المشايخ والأعيان وأبناء المنطقة فكانت مبادرة من الشيخ أبو اسماعيل خير الدين الذي ترك أعماله وتجارته وانتقل إلى دمشق الشام للسّعي لدى الوالي التركي كي يعفيهم من الخدمة.
لدى وصوله، علم بوجود الأمير شكيب أرسلان هنالك، فأسرع لمقابلته في مكان وجوده، غير أنه لم يتمكّن من مقابلته في اليوم الأول بعد أن أخبره معاونه، نسيب بك الأطرش، بأن الأمير ذهب للغداء عند آل العظم، ولن يعود هذا اليوم.
في اليوم التالي، وعند محاولته مقابلة الأمير من جديد، أجابه معاونه أن الأمير يعتذر عن استقبال الزائرين لضيق الوقت عنده.
صعد الدم إلى وجه الشيخ أبو اسماعيل بعد سماعه الإعتذار، وصرخ في وجه مستقبله: «إنني آتٍ من وادي التيم من بلدة حاصبيا، ومن قبل مشايخ البياضة لأمر ضروري ومصيري يتعلق بهم ولا بدّ من أن أقابل الأمير شكيب. أفليس من حقنا قرع بابه والإستغاثة به؟
طرق الصوت والصياح مسامع الأمير، فهبّ من مكتبه مستطلعاً الخبر، وإذ به أمام شيخ متجهّم الوجه، غاضب النظرة، بحالةٍ لا توصف من الإنفعال وضيق الصدر.
طيّب خاطره، ثم وجّه اللوم إلى مرافقه لتصرفه على تلك الطريقة من دون علمه، ورحّب برسول المشايخ ودعاه للدخول وسأله عن حاجته مؤكداً أنه ي «أطلب ما تريد ونحن آذانٌ صاغية»
دخل الشيخ، وجلس بوقارٍ واحتشام، ثم تكلم برصانة قائلاً: «عطوفة الأمير، عاش السلطان، وعاشت الدولة العليّة. نحن عبيدها وجنودها، لكن لكل أمر حدّه. فهل يرضيكم أن يساق أئمة الدين في خلوات البياضة إلى الجبهات ويسلخوا سلخاً عن خلواتهم وعباداتهم ليحملوا السلاح والعتاد والذخيرة ويقاتلوا في بلادٍ وأصقاع لا يعرفونها».
إنفرجت أسارير الأمير الذي طمأن الشيخ خير الدين بأنه لن يُساق أي شيخ إلى الجبهات مؤكداً له بأنه سيبقى في دمشق حتى يتأكد من تحقيق طلبهم. وأضاف الأمير شكيب بأنه سيذكر المسؤولين بأن الأديرة المسيحية والمدارس الدينية الإسلامية وقاطنيها يطبق عليها مبدأ الإعفاء من الخدمة العسكرية، وبالتالي يجب تطبيق المبدأ نفسه على خلوات البياضة لأنها أوسع من دير، وأكبر بكثير من مدرسة دينية، بل هي مع قاطنيها جامعة روحية لها حرمتها».
وهكذا، عاد الشيخ أبو اسماعيل من دمشق مسرور الخاطر، منفرج الأسارير، وقصد فور عودته البياضة وأخبر مشايخها بما حدث معه، وبما تكفّل به الأمير شكيب وقد كان لهم ما أرادوا وما هم أهل له. .

أيام غرّاء من حياة أمير البيان شكيب أرسلان

الأمير شكيب أرسلان
الأمير شكيب أرسلان

• وُلد في بيروت عام 1870، نجل الأمير محمود أرسلان، ويتسلسل نسبه إلى 31 جدّاً في لبنان.
• درس في مدرسة الحكمة على يد العلامة الشيخ عبدالله البستان، وما بين العامين 1890 و 1892 على يد الشيخ محمد عبده بعد نفيه إلى بيروت.
• اتصل بالمصلح والفيلسوف جمال الدين الأفغاني، وكان مع رأيه بأن لا يحكم العرب إلا حاكمٌ مستبد وعادل في تلك الأيام.
• اشترك في الحرب العالمية الأولى، وزار طرابلس الغرب مجاهداً ضد الاستعمار الإيطالي.
• اشترك في المؤتمر السوري الفلسطيني لمعاضدة القضية الفلسطينية.
• انتُخب رئيساً لنادي الشرق في برلين عام 1925.
• ذهب إلى أميركا واشترك في المؤتمر الدولي 1928.
• أدّى فريضة الحج عام 1929.
• عام 1933، وفّق في إقناع الدولة المستعمرة الإيطالية بعودة نحو 80 ألف ليبي إلى مدينة برقة وطرابلس مع إعادة أراضيهم وأملاكهم لهم.
• انتُخب رئيساً للمجمّع العلمي العربي في دمشق.
• قضى سنوات الحرب العالمية في سويسرا.
• عاد إلى لبنان عام 1949، ومكث 40 يوماً بعد اغترابه الطويل حيث وافاه الأجل رحمه الله.
هذا صوت الأمير يخاطب روح شوقي بعد وفاته قائلاً:
« لو نسيَ عهدك الأولون والآخرون، لما خفرت لك عهداً، ولا مزّقت لك ودّاً، وإنك في الغيب عندي لكما في المشهد، وأنت تعلم أنها صداقة أربعين سنة، تساقينا كؤوسها صفواً من دون قذى، وتبادلنا رياحينها عفواً من دون أذى.
فإن أظمأ عهدك النسيان، فلي مدامع ترويه، وإن شطّت بشعرك النوى، فإن الدهر كلّه يرويه. وإنه وإن بكاك الناس حبّاً بالأدب، ورحمة للسان العرب، فإنني لأبكيك بصفتين: صفة الأديب البر بلغته، الغيور على صناعته، وصفة الأخ الضنين بأخوته، الحريص على مروءته. فأنا في مقدمة من لك من الأخوان والأتراب الذين يبكون فضلك، ويذكرون عهدك إلى أن يواروا التراب».
(من كتابه «شوقي أو صداقة أربعين سنة»)

قصة لأقوياء القلوب فقط
طبخة هريسة بالأفاعي!!

نأتي الآن إلى قصة غريبة لكنها حقيقية وهي ربما سترسل القشعريرة في أطراف كثريين.
بداية القصة هي موسم حصاد القمح في قرى الجنوب، وأجمل أيام الفلاح هي أيام الحصاد، رغم التعب الذي يورثه خصوصاً وأنه يجري في قيظ تموز .
الممتع في الحصاد أنه يتم لجني محصول الخير الذي انتظره الفلاح بعد أن ألقى بذاره لأشهر طويلة وغالباً ما يترقب الفلاح وضع الطقس وكميات المطر آملاً أن يسقط منه في أشهر الربيع خصوصاً ما يساعد الموسم ويزيد الجنى.
وكانت للقمح على الدوام هالة من التكريم إذ ذكره القرآن الكريم في أكثر من سورة وموضع وذكرته التوارات وذكر في الإنجيل وانتقل التكريم إلى الخبز فكان أول ما تعلمناه من أهلنا في سن الصغر تكريم الخبز فلا نترك ما قد يقع منه على الأرض او نرمي بما يبقى بعد الطعام، وإذا وقعت قطعة منه فعلينا أن نسرع للمّها ثم تقبيلها ووضعها فوق رؤوسنا على سبيل الشكر على النعمة والإستغفار.
ولحصاد القمح في وادي التيم أعراسٌ وأعيادٌ وإحدى القرى التي كان موسم الحصاد فيها موسم فرح وتعاون وتوتدد اجتماعي. قرية بكّيفا إحدى قرى وادي التيم الأعلى، وقد حدثني أحدهم من «آل دهام» عن قصة مثيرة حدثت أيام الحصاد أوائل القرن الماضي، وفيها أن شخصاً من آل بركة يملك حقلاً مزروعاً بالقمح كان قد تأخر عن غيره من أبناء بلدته في الحصاد وذلك لاتساع أملاكه ووفرة زرعه. والعادة المتبعة آنذاك عند أبناء القرى إذا ما تأخر أحدهم عن رفاقه في الفراغ من حصاده هي «الفزعة» بحيث يتنادى الجميع إلى مساعدة صاحب الأرض ويهبون هبة رجل واحد لإنجاز الحصاد الذي تأخر.
وكانت «الفزعة» تبدأ بأن ينادي أحدهم بالصوت ومن أعلى سطح يتوسط بيوت القرية أنه يوم كذا ستفزع البلدة لمساعدة فلان ابن فلان في حصاد الحقل من أبنائها وكأنهم اليوم جمعية تعاونية.وكان المنادي يذكر بأن الحاضر يجب أن يبلغ الغائب أي الذي لم يسمع النداء لسبب من الأسباب بحيث يعم النبأ ويُبلغ موعد الفزعة إلى الجميع. ومن تقاليد الفزعة أيضاً أن يولم صاحب الحقل بعد انتهاء الحصاد أو أثنائه للمشاركين في العونة وكان الطعام المفضل في تلك الحال هي طبخة الهريسة المؤلفة من القمح ولحم الضأن وعظامه وكانت توضع على النار لمدة طويلة حتى يمتزج القمح واللحم ونخاع العظم مكوناً مزيجاً لزجاً ورخواً يتهافت الناس على تناوله للذة طعمه وفائدته.
كانت الفزعة من نصيب الشيخ أبو محمد بركة، لهذا توجه المذكور إلى بلدة راشيا فجلب منها عظام ذبائح عدة ملآنة باللحم وطلب من زوجته تحضير «أكلة هريسة» تكفي لأكثر من خمسين شخصاً.
في زاوية من زوايا ذلك الحقل شجرة بطمٍ قديمة كقدم الدهر. وضعت تحتها الشيخة أم محمد دست الهريسة بعد أن ضمنتها القمح المقشور والعظام المكتنزة باللحم مضيفة إليها ما يناسبها من السمن والملح والبهارات ثم أشعلت النار تحتها، وبقيت أكثر من ساعتين وهي توقد الحطب وتحرك العظام والقمح كي لا يلتصق شيئ من الطعام في قعر الدست. وبعد أن اطمأنت إلى قرب النضوج خففت النار كي يكتمل نضوج الطبخة على مهل فيزداد بذلك الطعام طراوة وشهية. ثم خرجت نحو الحقل تحادث الحصادين وتشكرهم على نخوتهم وأريحيتهم.
بشرت أم محمد الحصادين أيضاً بأن الهريسة أصبحت جاهزة تقريباً متمنية أن تنال إعجابهم وتسر ذوقهم وكانت تتحدث وتسرف في وصف العناية التي بذلتها في إعداد الطبخة وما دخل فيها من لحم وعظم وسمن وبهارات إلى آخر ما هنالك.
بعد هذه المجاملات الدارجة في القرى وبعد أن اقترب موعد الغداء رجعت أم محمد إلى الدست مسرعة ثم تناولت ملعقة الخشب الكبيرة كي تحرك الطعام، وعندما أدارت بنظرها نحو الدست، جمد الدم في عروقها من هول ما شاهدت وفظاعة ما رأت. حية كبيرة عائمة على سطح الهريسة وقد غمر بعض جسدها الدهن والسمن.
إحتارت في أمرها وتسارعت الأفكار في رأسها، كانت تقلب يديها وهي في حيرة تقارب حدّ اليأس وهي تختلس النظر إلى الحصادين، استجمعت قواها وقررت ببساطة أن ترفع الأفعى العائمة من دست الهريسة وتلقيها جانباً عمدت إلى ملعقة الخشب لترفع الحية عن الطعام، لكن ما إن حرّكتها حتى تناثرت أجزاء الأفعى وامتزجت أقسامها مع الهريسة وكأنها جزء من ذلك اللحم المتساقط عن العظام لطراوتها وسرعة نضوج لحمها.
أم محمد وقفت جامدة متسمّرة مكانها محتارة في أمرها، ما العمل وما التدبير..؟ إذ لم يعد من وقت كافٍ أمامها لإعداد طبخة أخرى أو حتى الذهاب إلى البيت وإحضار البديل، وأيضاً إذا أعلمتهم بما حدث فطبعاً لن يقدم أحد على تناول الطعام لخوفهم على حياتهم من جهة والإشمئزاز وقرفهم من الجهة المقابلة، وأيضاً كان يخالجها الخوف وقلق المصير نفسه. لكن ما العمل وماذا سيأكل الفازعون؟
استقر رأيها أن تتناول هي وزوجها الطعام قبل الجميع فإن ظهرت أعراض تسمم مثل القيء فإنها ستمتنع عن تقديم الطعام وإن تمّ كل شيء من دون أية أعراض فإنها ستدعوهم إلى تناول الهريسة باعتبار أن الخطر يكون قد زال.
أكلت مقدار صحن كبير وكذلك زوجها، وانتظروا قليلاً ولم يشعرا بأية أعراض. في ذلك الوقت كان الحصادون قد اجتمعوا تحت الشجرة بل إن بعضهم بدأوا لشدة جوعهم بتناول الطعام قبل أن تدعوهم وبسبب صعوبة مقاومة تلك الأكلة الشهية. آنذاك دارت أم محمد بالصحون على الجميع مرحبة مؤكدة لهم أنها «طبخة لذيذة ستنال حتماً إعجابكم» راجية غضّ النظر عن التقصير «إذ كان واجبكم ذبح كبش هنا ويا ليت ذلك»، وفي قرارة نفسها ناذرة داعية إلى مقام النبي بهاء الديكل من خطر في بالها من أنبياء وأولياء من أن يساعدوها على أن يكون هذا الطعام هنيئاً مريئاً ولا ينتج عنه أي سوء.
أكل الجميع واستزادوا ومنهم من تناول صحوناً عدة والمرأة شاخصة بنظرها نحوهم متظاهرة بالفرح والسرور مرددة من وقت لآخر : هنيئاً مريئاً وأكثر من ألف أهلاً وسهلاً.
مضت الأيام وكذلك الأسابيع، والجميع عند التقائهم بالشيخة أم محمد كانوا يشكرونها ويثنون عليها وعلى شطارتها في الطبخ قائلين مرددين إنه «لتاريخه لم يتذوقوا أكلة أطيب وألذ من تلك الهريسة».
بقدوم موسم الحصاد الجديد أتى أحدهم دارة أبو محمد قائلاً لزوجته : لبيك يا أم محمد نحن حاضرون «لفزعة» جديدة وشرطنا الوحيد أكلة لذيذة كطبخة السنة الماضية.
المرأة آنذاك أصبح بإمكانها مصارحة صديق العائلة بما حدث معها فقالت: لا تفاجأ يا أخي ربما إن الشهية والطعم الزائدين لتلك الطبخة، عائدان للحم الحيّة التي وجدتها فوق الدست وعند محاولتي رفع جسدها تناثرت قطعاً صغيرة بين الطعام.
المفاجأة الكبرى وغير السارة مطلقاً، وأن القدر سينفّذ، وخوفاً من ذكر اسم الحية، رغم كونه مضى أكثر من عام على أكل لحمها وسمها ولم يمت، فبسماعه لما قالته المرأة شهق صديق العائلة شهقة غريبةً ثم أسلم الروح معها وكأن الحية قد لدغته للتوّ. ومن الممكن أن صاحبنا كان ممن لديهم رعب نفسي من الأفاعي وهو مرض نفسي موجود وبعض الناس يؤدي مجرد ذكر اسم الحية على مسمعهم (فكيف لو رأوها) لإطلاقهم صرخات جنونية وإلى ذعر وانهيار أعصاب، وقد تكون الصدمة أثارت في المسكين مشاعر رعب عارمة أثرت على قلبه وكل أعصابه فلم يقوَ جسده على الإحتمال.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading