الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

سعيد بك جنبلاط

سعيد جنبلاط
سعيد جنبلاط

هذا القول الشريف، والذي ينمّ عن أخلاق متعالية وهمم متفانية في نكران للذات، وفي أحلك الملمات وخصوصاً إذا كانت الشدائد تهدّد مصير الجماعة فلا ضير إذا دفع الفرد حياته ثمناً للعشيرة.
بعد انتهاء أحداث عام 1860 المؤلمة كان زعيم الدروز الأول سعيد بك جنبلاط منشغلاً في جمع محاصيل أملاكه وأثمانها من شركائه وكان السبب خشيته من نتائج الحرب الأهلية واحتمال اتهامه ببعض حوادثها، ولفت يومها أنه أرسل بكميات كبيرة من محاصيله وأمواله إلى بلدات له تقع عند أطراف جنوب جبل الشيخ مثل بلدات مجدل شمس وقراها في الجولان، وذلك كمقدمة لنقلها إلى جبل حوران إذ كان سائداً آنذاك أن الدروز سيتعرضون للإضطهاد من قبل الدول الأوروبية وقد استعد الكثيرون منهم للجوء إلى جبل حوران (جبل الدروز) في ما بعد والبقاء فيه إلى أن تهدأ العاصفة..
لم يكن سعيد بك جنبلاط مرتاحاً إلى الموقف العثماني، وهو الذي خبر حقيقته وما يكنّه العمّال الأتراك من نوايا مسبقة للشر والتفرقة ولتغطية ما ارتكبوه من جنايات قتلٍ وتشريد ومجازر كانوا يلصقونها بالدروز وأعيانهم، وحصلت تحديات واستفزازات كثيرة من عناصر متعصبة بتحريض من بعض الزعماء ورجال الأكليروس كالمطران طوبيا عون وسواه من النافخين في النار، وزدّ على ذلك الدسائس والتحريض من قبل الجواسيس بأثواب مختلفة آتين من الغرب بناء على رغبات دولهم في اقتسام الإمبراطورية التركية المريضة، وتقاسم ممتلكاتها واستعمارها. وليس أسهل من إشعال النار في الهشيم الطائفي، بالإضافة الى ذلك ما قام به الولاة والعمال الأتراك في محاولة التصدي للمؤامرة الغربية بأن زادوا الطين بلّة في إضرام النار والأوار بين الطائفتين المذكورتين في الحوادث الأهلية المشؤومة وما نتج عنها من خراب ودمار وقتل وتشريد ونزوح جماعي للناس عن بعض قراها كما حصل لدروز دير القمر من النكدية وأنصارهم وما حصل في المقابل في حاصبيا التي هجرها قسم كبير من المسيحيين، والعديد العديد من هذه الأمثلة ينطبق على باقي القرى والبلدات.
لهذا، أسرع العمال الأتراك لقطع الطريق على النفوذ الغربي فأتى وزير خارجيتها فؤاد باشا إلى سوريا ولبنان لإصلاح ذات البين بين الفريقين وإعادة المياه إلى مجاريها متعمداً رفع الغبن عن كل مظلوم ومقهور فعمد إلى استدعاء زعماء الدروز أولاً كونهم في نظره المنتصرين والمعتدين وفي طليعة من استدعاهم الزعيم الجنبلاطي سعيد بك جنبلاط. من هنا كان توقع سعيد جنيلاط في محله إذ فور وصول الوزير التركي إلى بيروت عمد إلى استدعاء الزعماء الدروز، والبعض القليل من الزعماء المسيحيين، إكراماً لعيون الغرب.
حاول الشيخ سعيد جنبلاط، عدم الإستجابة الى طلب فؤاد باشا بالذهاب إلى بيروت وقرّر الذهاب إلى جبل الدروز فرافقه نحو ثمانين فارساً من الأقارب والوجهاء والأعيان، وبوصولهم إلى محلة عين ياقوب قرب قرية مرستي استوقف الركب عدد من المشايخ والأعيان وناشدوهم عدم ترك البلاد وقد خاطبوا سعيد بك جنبلاط قائلين “سعيد بك إذا سلّمت نفسك إلى فؤاد باشا ربما هو خطر عليك، لكن إذا تركتنا وغادرت إلى حوران فمن يفاوض اللجنة الدولية للمحاكمة بإسم الطائفة الدرزية، ومن يظهر مركزها ويحافظ على حقوقها، وهل يوجد من هو أجدر منكم لهذه المهام؟”
أثارت مناشدة الناس مشاعر الزعيم الجنبلاطي فراجع أفكاره وأجاب بعد طول آناة :“فيّي ولا في الدروز”، وهكذا وكما توقع سابقاً فقد تمّ استخدامه “كبش محرقة” من قبل العثمانيين لأغراض إرضاء الدول الغربية وامتصاص الحملة التي كانت قائمة ضدها تحملها مسؤولية ما حصل، فبمجرد أن عرض سعيد بك نفسه على الوزير التركي حتى أمر هذا بحجزه في قشلة بيروت والتي تعرف حالياً بالسرايا الكبير ليدفع الثمن غالياً ويموت شهيداً أو مريضاً ويدفن في محلة الأوزاعي في بيروت.

صراع اليوسفين
“المزروك يزحط”

هذه العبارة تردّدها العامة من قبيل الإعتداد بالنفس والإعتزاز بالعشيرة، أما مصدرها فهو الخلاف الذي حدث بين الأمير يوسف الشهابي حاكم لبنان وشيخ العقل في حينه الشيخ يوسف أبوشقرا في حدود عام 1778 تقريباً وإن يكن البعض يلطّفها فيقول
“ المتضايق يرحل” غير أن العديد من الكتّاب تداولوا العبارة السابقة وقد اعتمدناها لاعتقادنا بدقتها وقد أوردها المؤرخ يوسف خطار أبوشقرا في كتاب “الحركات في لبنان”.
قصة تلك الحادثة أنه لما آل عهد الولاية الشهابية إلى الأمير يوسف الشهابي طغى هذا الأخير وبغى وأكثر من الضرائب غير المحقة فعمّت النوائب والمصائب، ومن جملة ما شرّع وسنّ وضع رسمٍ على الشاشية التي كانت عميلا ضرئيبة على اعتمار “العمامة” وذلك انتقاماً من الدروز أولاً لشدة كرهه لهم وقصده أن هذه الضريبة تصيب معظمهم إذ كان على جميع الموحدين لبس العمامة اعتباراً من سن الخامس عشرة وما فوق. وهذا الكره عند الأمير المذكور عائد للدسائس والتآليب التي كان يبثها من يحيط به ومن انتسب إليهم في ما بعد.
إمتعض الدروز وكذلك شيخ عقّالهم الشيخ يوسف أبو شقرا الذي أغاظه هذا الأمر جداً فحضر من بلدته عماطور إلى سرايا دير القمر، مركز الإمارة، لمقابلة الأمير يوسف وثنيه عن تصرفه الشائن هذا، فكان الجدال وكان النقاش ومما قاله الشيخ يوسف: “وليكن بعلمكم يا سعادة الأمير أن هذه العادات من صلب الدين، فلماذا هذا التدخل بشيء لا يعنيكم إلا إذا كان مقصدكم التحدي للمذهب التوحيدي وتقاليده المتبعة”؟؟
الأمير لم يكترث لحديث الشيخ ولم يعر الأمر اهتماماً بل بقي على عناده وإصراره حتى أنه تواقح مهدداً وقائلاً: “إذا لم تعجبكم هذه الضريبة فلربما نفرض سواها، فالواقع يا شيخ يوسف أن البلاد لا تتسع ليوسفين”. الشيخ بعد سماعه هذه العبارة وما تضمنته من تهديد وقف مغتاظاً ومردداً بأعلى صوته “المزروك يزحط”.
الجمهور المجتمع عند الأمير يوسف فاجأته جرأة الشيخ يوسف أبو شقرا واعتبرها البعض صفعة وتهديداً أقوى في مقابل تهديد الأمير، لذلك وعند خروجه مع مرافقيه إلى ساحة الدير أمام السرايا لحق به الكتخدار غندور الخوري (وهو الجد الأول للشيخ بشارة الخوري رئيس الجمهورية في ما بعد)، وقال: يا شيخ يوسف أبلغت بكم الجسارة هكذا لتخاطب سيدنا الأمير بالمزروك يزحط، والله والله إذا لم يعمل الأمير على ردعكم فإنني لأحمّي فرن دير القمر من شاشاتكم”..ردّ الشيخ يوسف بصوت جهوري “والله والله لكسر رأسك ورأس سيدك الأمير بهذه العصا أسهل بكثير من تحمية فرن دير القمر بشاشات العمائم..” ثم مضى وبات ليلته في بلدة بعقلين، وقبل أن يأوي إلى فراشه كان قد كتب إلى جميع الإنحاء وصرف الرسل كل إلى ناحيته وفحوى كتابه:” أخواننا أبناء الطاعة، يقتضي حضوركم في النهار الفلاني إلى مرج بعقلين بالأسلحة الكاملة والمؤونة والذخائر الوافرة لأمر يحبه الله تعالى”.
وفي اليوم المضروب طفقت الجماهير تفد من كل حدب وصوب حتى تآلب في المرج نحو سبعة آلاف مقاتل من رجال الدين بأسلحتهم ومؤنهم وأكثرهم لا يدري لما كانت دعوتهم سوى أنه “أمر يحبه الله”. وبعد التداول بالقضية وما حدث بين الأمير والشيخ من تهديد ووعيد رفعت البيارق واستلّت السيوف والخناجر وغدا الجميع مصممين على إشعال الحرب على الأمير وأعوانه حتى خلعه من منصبه واستبداله بمن يناسب.
قرر الشيخ يوسف، حقناً للدماء، إعطاء الأمير فرصة أخيرة للتراجع فأرسل إليه مبعوثاً ينذره بأن الأمور تسير باتجاه المواجهة وأن الدروز اجتمعوا للحرب. توجّس الأمير يوسف من تلك الأنباء فأمر على الفور إرسال إثنين من رجاله ليذهبا إلى مكان تواجد الشيخ والمقاتلين الدروز ويقفا على حقيقة الأمر وما يطلبه الشيخ، غير أن رسول الشيخ وصل قبل وصول رسل الأمير، ثم أخبره بأن الأمير لم يزل على عناده وغطرسته. آنذاك امتطى الشيخ بغلته وسار نحو دير القمر والرجال سارت في إثره وهم يرفعون عقيرتهم بالحداء “ صلوا على المصطفى على المصطفى زيد الصلاة”.
عند سماع الحداء والأهازيج والنخوات ارتعدت فرائص أتباع الأمير وأعوانه فهبوا إليه قائلين: أنظر يا سعادة الأمير ها قد أتى الدروز فماذا تريدنا أن نفعل فنحن لا قبل لنا بمواجهتهم وعليك لذلك أن تحسم أمرك قبل فوات الأوان.

قصة عن بناء مدينة القاهرة

المعروف أن القائد الفاطمي جوهر الصقلي هو باني مدينة القاهرة لكن قليلين يعرفون الأسلوب الذي اتبع في بنائها وكيف ساهمت صدفة غير محسوبة في إطلاق إشارة البدء بأعمال البناء؟
فقد كان المعز لدين الله الفاطمي يعلم عن تردي الحكم الإخشيدي في ظل كافور وتدهور مقومات الدولة بسبب حماقته وجهله فاعتبرها فرصة سانحة لفتح مصر، فأرسل قائده العسكري جوهر الصقلي مع جيش مؤلف من مائة ألف جندي وتمّ لجوهر الفتح المنشود من دون قتال يذكر وذلك يوم 6 تموز عام 969م. وفي مساء ذلك اليوم، عسكرت الجيوش في الأرض الواسعة والتي يُشرف عليها جبل المقطم من الشرق ويحدها من الغرب مجرى ماء متفرع من نهر النيل، ثم أمر القائد جوهر بأن تُقام لمصر عاصمة جديدة تليق بخلفاء الدولة الفاطمية الذين خططوا ليحكموا العالم الإسلامي بأسره باعتبارهم خلفاء الرسول نسباً وحسباً، وأولى الناس بحكم المسلمين.
جمع القائد جوهر الحشود من الجنود والعمال وأمرهم بحفر مخطط المدينة بشكل مربع ثم وضع على كل زاوية قائماً كبيراً من الخشب وأوصل على هذه القوائم بحبالٍ تتدلى منها أجراس، بعدها طلب إلى المنجمين الذين يرافقونه أنهم في حال تم الوقت المبشّر بالخير أن يحركوا الحبال المعلقة بها الأجراس فتقرع ويبدأ عندها العمل من قبل الجميع في حفر الأساسات وبناء المنازل والقصور وكذلك الأسوار.
وبينما الجميع في انتظار إشارة المنجمين إذا بغراب ينفر من وكره ويطير ليحطّ عشوائياً على أحد الحبال الممتدة بين الأعمدة فدقت على الفور نواقيس تلك الأجراس وفي لمح البصر بدأ الجميع الحفر والبناء. المنجمون أخذتهم المفاجأة فهرعوا فوراً قائلين إنّ القاهر قد ظهر ومقصدهم كوكب المريخ الذي يُسميه العرب “ قاهر الفلك”، ومن هنا جاء إسم القاهرة في ما بعد.

قصة أدم خنجر
في زيارة للرئيس برّي

المجاهد أدهم خنجر (إلى اليمين) والمجاهد صادق حمزة الفاعور
المجاهد أدهم خنجر (إلى اليمين) والمجاهد صادق حمزة الفاعور

هكذا بادرنا القول دولة الرئيس نبيه بري عند استقباله لنا في قاعة أدهم خنجر بدارته في المصيلح، وقد كنّا برفقة وفدٍ كبير من مشايخ ثقات مجلّلي الرؤوس بعمائمهم البيضاء.
بعد الترحيب والتأهيل قال: “ هل قرأتم حضرات المشايخ ما كُتب على مدخل هذه القاعة؟“ ثم أجاب قبل أن نجيب“ إنها قاعة أدهم خنجر، وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فنحن مدينون لسلطان باشا الأطرش، صلاح الدين الثاني في تاريخنا المعاصر، كونه فجّر الثورة السورية الكبرى، وكان لنا من تلك الثورة استقلال بلدينا سوريا ولبنان من نير المستعمر الفرنسي.. لكن قبل كل شيء تجلّ به أصالته العربية الفذّة وشهامته العائلية السمحة حيث إن الشرارة الأولى لتلك الثورة المباركة، وذاك القسم العظيم الذي أطلقته والدته على نفسها عند عودته إلى منزله قائلة: “سأقطع الثدي الذي أرضعتك منه إذا لم تُعد نزيلك أدهم خنجر وتخلصه من براثن المستعمر الفرنسي الذي اختطفه من حماك“. ثم إجابته الشهيرة لوالدته بعد أن زغردت بارودته قائلاً: “ لعيونك يا أم سلطان فإما حياة ملؤها الكرامة والعز وإما ممات أشرف وأجلّ من الإهانة والذل“.
هذا ما رواه أمامنا دولة الرئيس بري صيف عام 2002، أمّا ما يرويه سلطان باشا في مذكراته التي نشرتها جريدة “بيروت المساء“ بقلم الصحافي يوسف دبيسي أوائل السبعينات من القرن الماضي فيقول: “بينما كنت أقوم ببعض الإتصالات في قرى الجنوب من جبل الدروز حضر شكيب وهّاب ليلاً بأمرٍ من والدتي إلى بيت صديقي حمد البربور في بلدة أم الرمان ليخبرني أن أدهم خنجر، ذاك البطل العاملي النبيل، قد وصل إلى بلدتنا لاجئاً إلى حِمانا غير أن مخفر الدرك المتواجد عند مدخل البلدة اعتقله.“ ثم يكمل سلطان باشا فيقول: “بعد أن وصلت إلى البيت وما سمعته من والدتي وما يلحقنا من إهانة بعدم تخليص نزيلنا، لهذا انتقلت فوراً إلى مخفر الدرك في البلدة فوجدته خالياً وقد تركه حراسه رهبة وخوفاً، عندها أرسلت شقيقي إلى السويداء ليطلب من الفرنسيين إخلاء سبيل نزيلنا وكان هناك المستشار (ترنكا)، فرفض وأجاب مستهزءاً :“إن أدهم خنجر في القلعة وليأت آخوك بنفسه ويأخذه، وإذا كانت عندكم المحافظة على النزيل واجباً مقدساً فيلفعل سلطان ما باستطاعته، ونحن بدورنا نعتبر أدهم خنجر مخرباً وعابثاً بالأمن“. ومع هذا التسلط والتحدي من قبل المستشار الفرنسي إستلم سلطان كتاباً من أدهم خنجر يستجير به، وقد نقله النائب حمد البعيني يقول فيه: “ دخلت لدياركم العامرة مستجيراً وأنا آمن على نفسي لأني أعرف شهامتكم ونخوتكم ولا أزال دخيل حريمكم وأولادكم وحتى الطرشان بأكملهم لأن حياتي صارت بقبضة العدو الفرنسي وفهمكم كفاية. وأختم رسالتي بتقبيل يدكم وأنني مشهّد على ضيافتكم“.
ومع هذا فضّل سلطان باشا التريث أولاً على التهور وإشعال الحرب، لذا أبرق إلى المسؤولين في بيروت ودمشق وفي مقدمهم الجنرال غورو راجياً ترك نزيله .. ولما لم يوفق بذلك جمع أشقاءه وأقاربه وأنصاره في المقرن القبلي ثم اتخذ من منزل نجم عزالدين في بلدة الثعلة مقراً لمراقبة طريق دمشق – السويداء ليقينه أنّ نزيله سينقل عبر هذه الطريق.
وفي صباح يوم 21 تموز 1922 شاهد سلطان باشا ورفاقه القافلة التي تنقل نزيلهم وهي مؤلفة من ثلاث مصفحات، فهبّوا لمهاجمتها عند تل الحديد حيث إن سلطان بنفسه قفز عن ظهر جواده إلى سطح المصفحة الوسطى ظناً منه أن أدهم خنجر في داخلها، فقتل قائدها ومعاونه قبل أن يتمكنا من الحراك إلا أن الجندي الثالث أمسك بخناق سلطان لكنه انقض عليه بالسيف الذي لم يزل مغمساً بدماء رفاقه فتلاشى وسقط فوق رفيقيه، ثم تركهم لينتقل إلى المصفحة الثالثة وإذا بشقيقيه ورفاقهما قد قضوا أيضاً على كل من في داخلها وأسروا الباقين، وكانت الحصيلة أربعة قتلى بينهم ضابط واربعة أسرى أحياء وجرح بليغ أصاب شقيقه مصطفى دفع حياته ثمناً له في ما بعد. أمّا المصفحة التي كان بداخلها الأسير فقد فرّت عائدة نحو السويداء.
هذا أيضاً ما رواه عن تلك الواقعة أحد أبطالها ورفيق سلطان حمد البربور شهيد موقعة المسيفرة في ما بعد.
لكن الأقدار ستتم والشهادة سينعم بها أدهم خنجر ليدخل التاريخ اللبناني من بابه الواسع. ومهما تكن الرجولة والشجاعة، حتى اعتبر العديد من المؤرخين أن إقدام سلطان بنفسه على اقتحام المصفحة في تلك المعركة تهوّر ما بعده تهور ولربما هذه الرجولة نادرة في تاريخ قادة الحروب والثورات.
غير إنه بعد أن أصبحت الطرق غير آمنة اضطر العدو الفرنسي إلى نقل سجينهم بالطائرة إلى بيروت ليُعدم في عاصمة بلده من دون أن يحرك أحد ساكناً.
لكن سلطان لم يكتفِ بذلك بل هاجم مع جماعته جميع المخافر والمراكز العسكرية التي تحيط بمنطقته وكانت بذلك بداية الشرارة الأولى لأجلّ وأشرف ثورة عربية في مطلع القرن العشرين، وبعد أن تيقّن له أنه قد تمّ نقل ضيفه المغدور بالطائرة إلى بيروت وقف وقال:“لا حيلة لنا في السماء وأمّا على الأرض فنحن مستعدون لبذل أرواحنا في سبيل كرامتنا وعزتنا“. وليس بالكثير الكثير إذا تفضل دولة الرئيس بري وقال إن استقلال بلدينا سوريا ولبنان والتنعم بهذا الإستقلال كان الفضل الأول فيه لسلطان باشا الأطرش وثورته المجيدة، وهذا ما ألهم الشاعر القروي رشيد سليم الخوري بقصيدته العصماء هذه:
ولما صـــــــــــــــرت مــــــن مُهـــــج الأعــــــادي بحــيث تذيقها السّـم النقيــــعــــــــــا
وَثبْــــــتَ عــــلى ســــنام التنــــــك وثبـــــــــــــــــــاً عجيبــاً علّم النسـر الوقوعـــــــــــــا
أغـــــــــــــــرت عليــــــــــه تلقـــــــــــــــي النـــــار بــرداً ويرميـهــــا الذي يرمي هلوعـــــــــــــــــاً
فطاشـت عنـــك جازعــــة ولــو لــــــــم تهمهـــم لهـــا لحـاولـت الرجوعـــــا
فخرّ الجنـــد فـــوق التنـــــــك صرعى وخــــرّ التنـــك تحتـــهــــــم صريعـــــــــــــــاً
فيـــــــــــــــا لك غـــــــــــــــــــارة لو لـــــــــــــــــم تذعــــــــهـــــــــــــــا أعـــادينـــــــــــــــا لكـــــــــــذّبنــــــــــــــــــا المذيعـــــــــــــــــــا
ويـــــــــــــــــالــــــــــــــك أطرشـــــــــــــــــاً لمــــــــــــــــّـا دُعينـــــــــــــــــــــــــا لثـــأر كــنت أســـمعنا جميعـــــــــــــــاً

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading