الخميس, تشرين الثاني 14, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, تشرين الثاني 14, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الجبن يفسد الميل ويقطع الحيل

شـــــاور ســـــواك إذا نــابتك نائبة وإن كنـــت من أهل المشـــــورات
فالعـــــين تنـظر ما دنا وما نــــأى ولا ترى نفســـــــــها إلاّ بــــــــمرأة
(أحد الشعراء)

كلمة “أجير” شائعة عند القرويين للرجل الذي يخدم عند سيده طيلة حول كامل لينقده أجره آخر السنة بعد تقديم المأكل والمشرب والكساء وحتى الحذاء خلال خدمته.
أما الأجر السنوي للأجير، فيختلف من فلاح إلى آخر، أو من سيد الى سيد حسب الاتفاق، وحسب المحاصيل والمداخيل.
فمنهم من يأخذ أجره قمحاً أو حبوباً عند الذين يتعاطون زراعة المحاصيل، ومنهم من يأخذه زيتاً أو زيتوناً عند أصحاب كروم الزيتون، ومنهم من يأخذه ماعزاً أو غنماً أو عجولاً عند مالكي المواشي، وذلك كله حسب المتفق عليه.
أما ما نحن بصدده، فهو أجير يرعى الماعز عند أصحابها في إحدى قرى وادي التيم الأعلى. وكان الإتفاق بينه وبين المالك عند نهاية العام أن يقف الأجير وسط الزريبة، وكل رأس ماشية يتمكن من رفعه ورميه خارجها يكون من نصيبه، أي من أجره. صاحب الماعز عارف وعالم بنتيجة الاتفاق، حيث دأب على تزويد الراعي بالجبن كغذاء يومي حسب الاتفاق، إلى أن كانت نهاية العام (العام الزمني عند القرويين للأجراء يبدأ من عيد الصليب في أواخر أيلول وينتهي في التاريخ نفسه من السنة التالية).
عندما بدأ الأجير، محاولاً أن يرفع أحد الرؤوس الكبيرة (أي ما يسمى بالكراز) قصد رميه خارج الزريبة، وقف عاجزاً عن إتمام ذلك. ثم استصغر رأساً آخر، ولكن النتيجة كانت نفسها، بعدها تقدم جدي صغير، ولم تكن النتيجة أفضل من سابقاتها أيضاً اصفرَّ وجهه، ثم لوى برأسه وخرج كسير الخاطر الى والدته التي تنتظر أجره كي تعتاش منه وتفي دينها المتراكم طوال العام.
احتارت الأم في أمرها، وكيف يأكل تعب ابنها رجل غني محتال، وهي فقيرة معتلة الجسم والجيب أيضاً؟ ماذا تفعل؟ وكيف تتصرف؟ وما العمل لاسترجاع حق ابنها؟
راود فكرها مثل يقول: “شاور ألف، وخالف ألف، ثم ارجع لمشورة نفسك”. إذاً، عليها مشورة جارها أبو علي، ذلك الرجل الرصين العاقل علّه يرشدها إلى سبيل استرجاع حق ابنها، أو – وهذا هو الأهم- علّه يعرف ما السبب في تأخر قدرة جسم ابنها، مع العلم أنه كان كالحصان يسابق الريح والفرسان.
قصّت لجارها ما حدث مع ابنها، وكيف فشل في رفع حتى جدي صغير وخسر بالتالي الشرط وأجر العام.
هزّ أبو علي رأسه وقال: “ماذا كان يقدم صاحب الماعز لولدك من طعام؟ قالت: “أنه كان يكرمه بتقديم الجبن له يومياً، فيأكله وهو مسرور بطعمه اللذيذ الطيب”.
هنا تكمن الحيلة يا أختي عند صاحب الماعز، ألا تعلمين أن الجبن يقطع الحيل ويفشل الجسد. اذهبي لصاحب الماعز من جديد، وجددي الاتفاق معه شرط أن لا تعلميه بشيء، وعندما يتم الاتفاق أوصي ولدك بأكل الحليب الطازج يومياً ورمي الجبن جانباً، وأنا الكفيل بأنه سيرفع الكراز وليس الجدي آخر السنة.
وهكذا حدث. فعندما عاد الشاب يرعى الماعز، كان يضع الجبن في جوف (قرقارة) زيتونة رومانية قريبة من الزريبة، ثم يعمد إلى شاة فيحلبها ويأكل حليبها الطازج.
في نهاية العام، وعندما حان أخذ الأجر، وقف الشاب كالمارد وسط الزريبة يختار أفضل الماعز وأكبرها، ثم يرفعها ويرميها خارجها الى أن أتى على آخرها وصاحبها واقف ذاهل مندهش. كيف تغيّرت قوة الراعي؟ ثم صرخ به :”ألا تترك لي رأساً واحداً؟”.
ضحك الشاب بسخرية، وقال :”ألم يكن في إمكانك إعطائي رأساً واحداً بدل إيجار العام الماضي؟”.
تمتم صاحب الماعز، ثم قال: “لك ما تريد، لكن أخبرني ماذا كنت تفعل بالجبن الذي أزودك به يومياً؟”.
ضحك الراعي وأجاب:”أنظر الى تلك الزيتونة كيف يبست من جذورها، وقد حصل لها ذلك بفضل جبنك الذي يقطع الحيل ويقضي على الأخضر واليابس”.


المكاري الفطن
كذب المنجمون ولو صدقوا
(حديث شريف)

“للخط”، والشعوذة، والسحر مفعول خطير على البسطاء من الناس خصوصاً في العصور السابقة وربما عند البعض في عصرنا الحاضر.
روى أمامي أحد أبناء قريتنا، وكان قد قضى قسماًَ من حياته مغترباً في المهجر، عن رجل رافقه في غربته يدعى علي من بلدة نيحا الشوف. كان يعمل قبل سفره مكارياً في نقل الحبوب من جبل الدروز الى بلدته قصد التجارة وتأمين رزق عياله.
قال: “بينما كنت عائداً بتجارتي يوماً، مررت بإحدى قرى وادي التيم الأعلى، وكان الوقت ليلاً، والطقس ماطراً، والبرد والزمهرير يعضان كياني. طرقت عدداً من أبواب المنازل، فلم يرد على طرق الباب إلا القليل. وعندما كان البعض يفتحون الباب ويشاهدون دابّتي معي، يقولون ربما كان في ودنا استقبالك، غير أن دابتك ليس لها مكان عندنا. وقد بقيت حتى الهزيع الأخير من الليل، وأنا أتنقل من منزل إلى منزل، ومن حارة إلى حارة، والأجوبة نفسها تطرق سمعي”.
“بعدما أعياني الصبر وأنهكني البرد وانهمار المطر، شاهدت من بعيد بيتاً منعزلاً يلتمع ضوء في داخله. وعندما اقتربت منه، سمعت صوت هرج ومرج، وصراخ وتوجّع. لكنني تجاسرت وطرقت بابه، وإذا برجل يطل من النافذة ويقول :”يا أخي، كان أهلاً وسهلاً بك لولا أن المرأة جاءها المخاض، وهي بحالة صعبة من الضيق وعسر الولادة، ولا نعلم ما العمل، وكيف الخلاص؟”.”
ربما عسر المكاري يوازي تعسّر المرأة التي تلد. لهذا، فما أن حادثه زوجها، حتى أجابه قائلاً :”يا أخي، أعتقد أن خلاصها على يدي سهل بإذن الله”.
ما إن سمع الزوج هذه العبارة، حتى خرج من الباب مهللاً ومرحباً، قائلاً:”كيف ذلك؟”، أجاب المكاري:”إعتدت في قريتي ان أكتب بعض الحجابات لمثل هذه الأمور، وعندما تضعها النساء تحت رأس المولّدة، لا يمضي من الوقت إلا قليله حتى تكون المرأة قد انجبت وتخلصت من آلام المخاض”.
رحّب زوج المرأة أجمل ترحيب بالضيف، ثم ادخله منزله بسرعة كي يكتب الحجاب.
أخرج صاحبنا المكاري من جيبه ورقة وكتب عليها بعض العبارات، ثم طواها بشكل مثلث وربطها بقطعة قماش محكمة الربط وناولها لزوجها، قائلاً:”الفرج قريب بإذن الله، شرط أن لا يفتحها أحد كي لا يتغيّر فحوى مدلولها”.
وما أن وُضِع الحجاب تحت رأس المرأة بعض الوقت، حتى علا الهرج من غرفة النساء، ورنات الضحك والفرح والمرح والمنادات – صبي – صبي – صبي، لنا البشارة، منادين على زوجها، مهلّلات مزغردات .


لا تسل كم كان لصاحبنا المكاري من تكريم وتبجيل بعد الذي حصل. فالدجاج المحشي عشاؤه، والمغلي مع الجوز واللوز مشروبه، والشعير والتبن للحمار غذاؤه.
حدث هذا، والمكاري صاحب الحظ السعيد ذاهل بين الحقيقة والحلم. فبعد التهنئة والمباركة عمد الى طلب الحجاب كي لا يفضح أمره قائلاً:”لربما إحتاجته إمرأة أخرى”.
عند الصباح، ودّع من قبل مضيفه بكل إكرام واحترام، محموداً مشكوراً، مزوداً بالعديد من الهدايا.
فالمولود وحيد ومن بعد طول انتظار، لكنه في قرارة نفسه، وهو معتل ظهر الحمار راجعاً، كاد ينفلق من الضحك ويسقط أرضاً وهو يردد ما كتبه في حجابه:”ما زال تأوى علي والحمار، إن ما ولدت بالليل بتولد بالنهار”. لكن الولادة كانت ليلاً، والحظ جلب لهذا المكاري الفطن أكثر بكثير مما كان يحتسب ويطلب.

للتاريخ فقط عروس تُزَفّ من المختارة إلى حاصبيا فلا تمر إلاّ في أرض زوجها وبيّا
للذكرى، للتذكير، للرجوع إلى الماضي القريب. وإن يكن لا يروق للبعض سماعه، إلا أن الحقيقة والواقع يجب أن يقالا دوماً.
منتصف العقد الثاني من القرن التاسع عشر، رغب زعيم وادي التيم الجنوبي آنذاك، الوجيه سليم بك شمس، في زفاف ولده طاهر من زاهيّة ابنة نجيب بك جنبلاط، زعيم الشوف وسيّد المختارة.
أعدّت العدّة لذلك الفرح الكبير، فالوقت صيف، والناس جنوا المواسم وملئت الكواير والجرار، وتلبية دعوة الكبار واجب وتقرِّب من هم أسياج الأرض وحماة الدار والجار.
الدعوة وجّهت للجميع، كباراً وصغاراً فرساناً ومشاةً، وجمهور المحتفين يزداد عدده كلما مرّ بقرية إذ ينضم إليه شيوخها وشبانها حتى بلغ الوفد المرافق للعريس المئات عند وصوله إلى قصر المختارة منزل والد العروس.
بقيت الأفراح عامرة نحو يومين كاملين، والكل ممتلئ فرحاً ومرحاً وغبطة وتكريماً، إذ غصّت الباحات الداخلية والخارجية بحلقات الرقص والدبكة ولعب السيف والترس، ونصب ميادين الخيل، والكر والفر من وقت لآخر.
حدثني عن هذا الفرح رجل غيبه الموت منذ أمد بعيد، من بلدة راشيا الفخار، بعدما عاش عمره كاملاً، قال:
“كان من جملة من دعي للذهاب الى جلب العروس، جدي لأمي، نقولا عبدالله الخوري، شاعر الفرديس والمنطقة آنذاك، لأنه بالحقيقة كانت لا تتم الأفراح إلا بحضوره فهو سيّدها وشاعرها، وللمناسبات الاجتماعية علَمُها وقيدومها.
المهم أن حلقات الرقص والدبكة، أقيمت يومها، وفقاً للتقاليد، لكل جنس بمفرده فالرجال تغص بهم باحات القصر الخارجية وجنائنه، والنساء ملأن القاعات الداخلية، والكل يتبارون رقصاً ودبكة وغناء وحداء، وسيّد ذلك كله، الزجل والشعر الشعبي والتباري بهما. سيّد الشعراء الموجودين هنالك، كان شاعر الفرديس ومختارها نقولا الخوري، من حيث بلاغة شعره وتنظيم فرقته المرافقة له. وفرقة الزجل مع الدف والشبّابة، آنذاك، لا يوازيها أو يشابهها في عصرنا الحاضر أي فرقة موسيقية مهما علا تنظيمها وكثرت آلاتها. وبالطبع، وبسبب ما كان لشاعر الفرديس وفرقته من شهرة ومكانة في طول الجبل وعرضه فقد بادرت والدة العروس وأنجالها، علي وفؤاد، والد الزعيم كمال جنبلاط الى استدعائه للغناء والقول أمامهما وأمام جمهور المحتفلين والمحتفلات. فكانت له قصيدة زجلية طويلة يفوق عدد أبياتها المئة بيت، توّج مطلعها بالأبيات التالية:


يــللـــي مـــــا شــــاف الجـنــة يقصــــد دار المخـــــــــــــتارة
الله يخليـــــــــــلك هِنــــّـــــــــي هالجوز مـثـــل القــــــــــمارة
أنا شاعــر من الفرديـــــــس هزّلي الشــــوق ســريــــــري
بقـدّس هالديري تقديــــس الِمثــــلا مـــا خلــــق ديــــــري
أسّســـــنا الإلفـــي تأسيــــس وعـنا لو سْألتــــو الجيــــري
عشنــــــا زنبــــق عمبيمــيس سنـــــّي ودروز ونـصـــــــارى
ويلـــــّي مـــا شـــاف الجــــنـة يقصـــــــد دار المخــــــتــــارة
بعد فراغ الشاعر من إنشاد قصيدته، قلّدته والدة العروس عباءة وضعها على كتفه نجلها فؤاد، بقيت بحوزته يفاخر بها أكثر من نصف قرن، بعد أن وضعها في خزانة زجاجية زين بها صدر منزله.
لكن، بعد وفاته، توجه أولاده نحو المهجر، فانتقلت العباءة إلى بيت حفيده في بلدة راشيا الفخار لتضيع أو تهمل في ما بعد.عند الانتهاء من مراسم الأفراح، نهض الموكب صباحاً إلى سهل بسري، فقرى وادي جزين، فإلى عين مجدلي، ثم كفرحونة، وصولاً إلى القطرانة.
وجميع هذه القرى التي مرّ بها المحتفلون وما يحيط بها من أملاك تخص آل جنبلاط والد العروس. بعدها إنتقل الوفد عبر طريق مزرعة حورتا، فإلى برغز، ثم كوكبا، فوصولاً إلى منزل زوجها في حاصبيا، وهذه أيضا أملاك تخص زوجها، مع العلم أن مزرعة حورتا كان قدّمها جدّها لأبيها، الشيخ بشير جنبلاط، إلى جدّي عريسها، الشيخ خليل شمس بعد اقترانه بإبنة الست إم علي نايفة جنبلاط شمس. وهكذا صح القول الذي تداوله الناس لفترة من الزمن:
“عروس تنتقل من المختارة إلى حاصبيا، فلا تمر إلا بأرض زوجها وبيّا”.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading