أنا ما قلت أنك لن تصبح والياً، بل قلت أنك لن تصير شريفاً
رجلٌ من بلاد نابلس رزق بولد سيء السيرة والسريرة، وبعد أن استنفذ معه كل ترهيب وترغيب ووسيلة، اضطر لطرده من بيته ونسيانه وما باليد من حيلة.
الولد حطّ به الرحال في بلاد الشام، ثم ما لبث أن انخرط في سلك العسكر في أيام بني عثمان. وأخذ يترقى أن أصبح قائداً كبيراً.
بعدما حالفه الحظ في إحدى المعارك، حيث كان النصر بوجهه أو من تخطيطه، عينه الصدر الأعظم ولياً على الديار الحلبية.
فطن عندها بوالده الذي حكم عليه بالفشل حكماً مطلقاً. وإنه لن يصير ولداً حسن السيرة.
أرسل الجنود لجلبه تحت الحفظ دون أن يخبرهم أن المطلوب هو والده.
لهذا سيق كأي رجل مخفورٍ ذليل إلى مدينة حلب.
بعد أن استدعاه الوالي، مثل بين يديه وهو منحني الظهر يرتعد من الخوف حتى أنه لم يتجرأ على رفع نظره نحو من استدعاه.
عندها سأله عن ابنه الذي طرده سابقاً، فظن المسكين أن ابنه قد ارتكب جريمة عظمية وهذا ما استوجب سوقه بالطريقة المخزية التي جُلب بها. فقال: «سيدي الوالي، ابني المذكور كان سيء السيرة والسريرة، منحرف الأخلاق، فاقد الكرامة.
وحينما يئست من جعله شريفاً، تبرأت منه وطردته من زمن طويل، وأنا حالياً لست أعرف عنه شيئاً ولست مسؤولاً عن تصرفاته».
ضحك الوالي وقال: «أنا ابنك سيء السيرة والسريرة، وها قد أصبحت والياً».
رفع الرجل المخفور قامته، وحدّق ملياً في وجه ابنه الوالي: « أنا لم أقل أنك لن تصبح والياً، بل قلت أنك لن تصير شريفاً، وما زلت عند ظني»..