الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, كانون الثاني 6, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

مبدعاتٌ استرجعْن آمالهنّ «المخطوفة»

تلاقيْنَ عند قارعة الطريق، وتراقصن بين حروف الشِعر وفلسفة الوجود. أديباتٌ، شاعراتٌ وفنّاناتٌ تشكيليّات من المجتمع التوحيدي المعروفي، تقاسمْن الآلام والأحلام، فأبحرْنَ في عالمٍ يعبق بالحبر والألوان. بات القلم رفيقهنّ والريشة خلاصهنّ لكسر ضجيج السكون وتحرير أفكارهنّ ورغباتهنّ المعتقلة داخل «سجون الصمت». نفضْن رائحة الحرب والدمار ومضَيْن على خطى الحب والسلام، فأبدعْن دواوين ونصوصًا شعرية وأدبية تمايلت بين الصوفية والغزلية، ومقالاتٍ وومضاتٍ استعادت حكاياتٍ وأمنياتٍ خطفها الزمن على عجل.

مبدعاتٌ كان لمجلة شرف لقائهنّ، كتبْن الوطن والهوية والانتماء وعبّرن عمّا ترتجيه المرأة من حقوقٍ ومساواة. تشاطرنْ عشق الحياة فبحثْن في جدلية الموت والوجود وصراع الخير والشر. سخّرن موهبتهنّ الشعرية والفنية للدفاع عن الإنسان فينا، ولسرد تجاربنا واختزال هواجسنا. سعيْن خلف الحقيقة والذات البشرية فَنَسَجْن قصائد ورسمْن لوحاتٍ قاربت مرفأ الحلم وأطلقت شراع تحرير النفوس قبل تحرير النصوص.


غادة الكاخي: أتغلغل في مسام الروح وأراقص حروف القصيدة
الكاتبة والشاعرة غادة الكاخي خطيبة المنبر.

تستهلّ الكاتبة والشاعرة والناشطة الاجتماعية غادة الكاخي كلامها لمجلة ، بتحيّة انحناءٍ واحترامٍ، قائلةً: «أنحني احترامًا لكلّ من يفكر بعقل قبل أن يتصرف بغباء، وتقديرًا لكلّ من يقدّر قيمة اﻹنسان في أخيه اﻹنسان. أنحني بمحبة لكلّ من يسعى لعمل الخير دون مقابل، وأنحني إجلالًا لكلّ من يساهم في خدمة المصلحة العامة».

انطلقت من بلدتها حاصبيا أكاديميةً عريقة تمرّست في تدريس اللغة الفرنسية ولا زالت في صفوف ثانوية «العرفان التوحيدية». تولّت تعريف وتقديم أكثر من احتفالٍ وندوةٍ وأمسية، حتى لُقّبت بـ «خطيبة المنبر». استهواها الأدب والشعر فنظمت أروع القصائد والكلمات. شاركت في مبارياتٍ عديدة لإلقاء الشعر فكان أن حازت جوائز تقديرية رفيعة المستوى وكسبت تنويهات كبار الشعراء اللبنانيّين والعرب.

في حوزتها أربعة كتبٍ قيد الطباعة، تندرج تحت عناوين: «ضجيج السكون»، «فواصل الكلام»، «كلمات ونبرات»، و»عبرات وعبارات»، فتقول في صفحاتها: «حين يوجز الحرف مأساة بحجم الكون… تنحني مطأطئًا رأسك، خجلًا من نفسك أولًا، وعاتبًا ثانيًا، وشريكًا في الجريمة ثالثًا…». وتردف: «علّمتني الحياة أﻻ شيء يستأهل دمعة واحدة… أن أهتم بالجوهر ﻷنه اﻷبقى، وأﻻ شيء يدوم، فدوام الحال من المحال والبقاء لله وحده، وما زلت طفلة صغيرة على مقاعد مدرسة الحياة، أتلقى فيها كلّ يوم درسًا جديدًا…
وأنتم ماذا تعلّمتم من الحياة؟».
«تربصّت بنا الحرب، فهجّرتنا ودمّرت مستقبلنا وبدّدت أحلامنا، والتحقنا كلٌ بجماعته، ببلدته، ببيئته»، تقول الكاخي بحسرةٍ وأسى، غير أنّها تستطرد لتعرب عمّا اختلجها من اندفاعٍ اجتماعي لخدمة محيطها، ولا سيّما الفئات المهمّشة والمستضعفة، فكان أن ساهمت في إنشاء جمعيات عدة تُعنى بخدمة الطفل ومناصرة المرأة في ظلّ ما تواجهه من حرمانٍ وعنفٍ وتمييز.
شغلت غادة مناصب إدارية عدّة، حيث عُيّنت منسّقة جمعية تنظيم الأسرة في لبنان في منطقة حاصبيا، وعضو اللجنة الثقافية في نادي الجبل الرياضي – حاصبيا، من مؤسّسي مركز المطالعة والتنشيط الثقافي التابع لبلدية حاصبيا، وهي عضو في جمعية «ميدال» – النبطية Midal Organization بالتعاون مع Mepi، وفي الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، إذ شاركت في مراقبة العديد من الانتخابات النيابية والبلدية وفي ورش عمل ودورات وندوات متنوّعة حول تمكين المرأة وتعزيز قدراتها.

تولّت الكاخي منصب مسؤولة الاتحاد النسائي التقدمي في حاصبيا، فكرّست خمسة وعشرين عامًا من حياتها لتمكين المرأة ومساعدتها على مواجهة التحديات، من خلال إقامة الندوات التثقيفية والتربوية والصحية والاجتماعية. زاولت العمل الحزبي كأمينة عقيدة في الهيئة الإدارية لفرع الحزب التقدمي الاشتراكي في البلدة، وشاركت في ورش عملٍ حزبية قيادية، قبل أن يرشّحها الحزب للانتخابات البلدية عام ٢٠١٦، غير أنّ المجتمع الأُبَوي كان بالمرصاد. وتقول: «لم أستسلم للمعوّقات بل واصلتُ النضال من خلال قلمي الحر حيث طرحتُ مجمل الشؤون الاجتماعية والهموم المعيشية، ما شكّل محطّ أنظار للصحافة ووسائل الإعلام التي استضافتني أكثر من مرة للحديث عن تجربتي ورسالتي للمرأة اللبنانية».

وتردف بالقول: «نحن في زمنٍ، ينتصر الباطل فيه على الحق، ليس لعجز أهل الحق في الدفاع عن حقوقهم بل ﻷنهم ﻻ يجيدون السباحة في الوحل وﻻ يتأقلمون مع العيش في المستنقعات، فيحيلون أمرهم إلى العدالة السماوية، كونها المنقذ الذي يمهل وﻻ يهمل… فعجبًا لزمنٍ ينصف هوامش الناس على حساب أشرف الخلق، وعجبًا لزمنٍ ﻻ يشبه أي زمن».

غادة، الزوجة والوالدة لثلاثة أبناء، تسطّر عبر تمنيّاتها وآمالها، فتقول: «جلّ ما أطمح إليه أن تكون حياتنا خبرة لبناتنا من بعدنا، أن تتحرّر النفوس قبل تحرير النصوص، أن تُحترم المرأة وتُنصف كما أنصفها الدين، أن تكرّس الأحزاب السياسية مفهوم الشراكة والمساواة فعلًا لا قولًا، أن تتعلّم وتعتمد على نفسها، أن تعي حقوقها في الشّرع وتُعامل على أساس الإنسان فيها، وبعد كلّ هذا، فهي حتمًا ستحسن تربية أبنائها وبناء مجتمع العدل والازدهار». وتختم شاعرة حاصبيا بنفحةٍ شعرية، فتقول: «دعني أتغلغل في مسام الروح، دعني أراقص حروف القصيدة وأهمس لعيون الليل الحزين إسهر معي، فلقد تعبت أجنحتي من ترداد اﻷنين…!».


رامونا يحيى: حياتي عبارة عن أقلامٍ وبعض ورق
الأديبة والشاعرة رامونا يحيى.

«كتبتُ ليس لأتحدّث عن الأنا، بل لأحكي بكلماتي حكايات كلّ شيء. لأكتب عن الحب، عن الفرح والحزن، فأصبحت حياتي عبارة عن أقلامٍ وبعض ورق»، بهذه العبارات تختصر الأديبة والشاعرة رامونا يحيى مسيرة حياتها وإنجازاتها الفكرية والثقافية في حديثها مع مجلة «الضحى». عشقتْ المطالعة والقراءة فكان الكتاب جليسها الدائم، رافقها شغف الكتابة فأبدعت منذ صغر سنّها ونافست كبار الشعراء والأدباء.

«منذ المرحلة التعليميّة المتوسطة كانت الكتابة ملجأي إلى أن أصبحت هويٍّتي وفضاء خلاصي الذي يحتويني بعيدًا عن ضوضاء الحياة وصخبها»، تقول رامونا التي اختارت أن تصدر ديوانها الشعري الأول تحت عنوان «كلمات»، واصفةً إيّاه بأنّه «مشروع جنونٍ لا يمكن أن يكون إلا فوق العادة، كما كلّ شيء أحب أن أكونه». نالت دبلوم فلسفة من الجامعة اللبنانية، عملت في مجال الإعلان والتسويق ومارست مهنة التدريس وساهمت في الأبحاث والدراسات الفلسفية، قبل أن تبحر في كتابة خواطر ومقالات وقصائد شعرية احتلّت مساحةً بين سطور الصحف والمجلات المحلية والعربية ومختلف وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي.

في جعبتها العديد من المقالات الفلسفية بينها: تأثير اللّغة على الفكر، السؤال عن معنى الكون، الفلسفة وإبداع الأفاهيم، فلسفة الحوار النقدي، الحرية في التفكير والاختلاف حق طبيعي، علاقة الفن بالأخلاق من الناحية الفلسفية. كما تنوّعت قصائدها بين «اللقاء المنتظر»، «لقاؤنا الحياة»، «أغنيات المنى»، «حلم البراءة» و»رماد الحلم «، لتمتدّ إلى مقاربة «جنون العشق»، «حكاية الأحلام»، «ذاكرة الحلم» و»اللّيل والرحيل». وتختصر يحيى مشاعرها بقصائد عديدة بينها: «أحلام قلبي»، «دموع الفراق»، «حين فقدتك»، «فسحة رجاء»، «كنت وحيدة»، «صمتي أحبّك»، «العمر العاشق» و»أسطورة الهوى» إلى «حكاية الأحلام والسنين»، «لغة العيون» و»رحيلك واغتيال الأماني». كتبت رامونا، الشاعرة والأم، عن الحزن والفراق وعن الحب والأمل:

«بكّرت طيور الحزن في القلب الذي مازال يرنو للأفق تمضي رياح الحب بين عيوننا لنعيش أزمنة الأرق لا وقت للأحلام في هذا الجنون، في هذا الشبق
البحر صار أمامنا والحزن يركض خلفنا أين المفر من الفراق؟
هي لحظة سنكونها، أو لا نكون … كلمح برقٍ قد برق الوقت ليس بوقتنا حلم البراءة ينتهي والفجر خاننا وافترق لكنكَ… ما زلتَ في عينيّ بدءًا للمسافة والطُرق».

تختزن إبنة بلدة البنّيه في الشحار الغربي، ثقافةً عميقة وشخصية متجذّرة، أثمرت كتاباتٍ متنوّعة وجريئة لامست أحاسيسنا وقاربت أحلامنا بإنسانية وجدلية راقية. فتجدها تقول في قصيدة «حنين العودة»: «إذا أتيت في غدٍ بغير موعدٍ/ لا تسألني ما الذي أتى بي هكذا بلا سبب/ وتُفلت اندهاش وجهك البريء في ملامحي/ فسوف تلمحني أحار في الجواب! / وربما أحاول الكذب/ لا تفعل… / وإنما ابسم لوجهي الحزين ما استطعت/ فإنني شبعتُ من عبوس كلّ من قصدته/ ومن جهامة انتظاري عند بابه/ وهدّني التعب!».

شاركت رامونا في العديد من الأمسيات الشعرية والفعاليات الثقافية على صعيد لبنان والعالم العربي، فكانت خير ممثلٍ للبنان والمرأة في شتّى المنتديات الأدبية والفكرية. عُيّنت مؤخرًا مديرة مكتب جريدة «السياسي الدولي» في بيروت ومديرة ‎مكتب مجلة «أمارجي» الأدبية في بيروت.‎ شاركت في إصدار ديوان «شهرزاد» عن دار «أمارجي السومرية»، والذي تضمّن سيرًا ونصوصًا لمجموعة من الأدباء والشعراء العرب.
حازت شاعرتنا شهادات تكريميّة من الدرجة الأولى ودرع «الإبداع والتميّز» عن أفضل مقالة أدبية من مجلة «أمارجي الأدبية»، كما مُنحت وسام «التميّز»، تقديرًا لانسيابيّة شِعرها وجمال قصائدها وعمق كتاباتها. فتقول: «يمضي الزمان والأرض نفس الأرض/ لا شيء يحدث أو سيحدث/ كلّ ثانية تمرّ بنا كما مرّت/ وتتركنا…وتنظر في ازدراء/ ماذا بوسع النائمين/ وليلهم يحلو مع الأحلام والهمسات/ وهل لاحظت…أنّ مسافرًا لم يستطع صبرًا على الذكرى/ يفارقها/ ويُمعن في البكاء؟». وتختم يحيى بالقول: «أحرارٌ ولكن تبقى بعض مشاعرنا في سجون الصمت مقيّدة».


سناء البنّا: لن أكون امرأة في آخر سطر الأنوثة
الشاعرة سناء البنّا.

«قاسيةٌ ورهيفةٌ سناء إلى حد الجنون، نصّها يباغت صورتها لتدرك أنك أمام احتمالات من الانشطارات والخيبات المتلاحقة، يحتوي عالمها الكثير من الألم، يبدأ بطفولتها وصولًا إلى رحلتها مع الشعر. سناء امرأة قلقة، يتحول هذا القلق خوفا في لحظة انسيابية عطرة تعيشها، كأن الموت دَيْدَنها أو كأنها في رحلة مع الغياب…». كلماتٌ استهلّها ناشر الديوان الثالث للشاعرة سناء البنّا، الصادر عن دار «فواصل للنشر» تحت عنوان «أشجار الليل – بين العرف والعقل».

ترعرعت سناء في المتن الأعلى وسط بيئة مختلطة تلاقت تحت سمائها مختلف الأطياف والمذاهب والانتماءات الحزبية والسياسية. قرأت القرآن والإنجيل. أمضت حياتها بين الكنيسة والخلوة والمسجد، قبل أن تندلع الحرب الأهلية اللبنانية بما حملته من مآسٍ وجراحٍ جعلت من طفولتها طفولة عابقة برائحة الحرب والدمار، ومخيّلة مثقلة بالتساؤلات والإشكاليات. طرحت في قصائدها وكتاباتها جدليّة الحياة والموت، وتعمّقت في مسألة الوجود والعدم وصولًا إلى صراع الخير والشر. وتنوّع شِعرها بين الحديث عن الإنسان والوطن والانتماء، إلى التناغم مع مشاعر الحب والذات البشرية.

أتقنت الكتابة الشعرية الصوفية، فمزجت بين إحساسها الراقي واللاوعي الحقيقي، حتى اختلطت كلماتها وحروفها بالفلسفة والرؤية الوجودية، فكانت سبيلًا نحو الارتقاء بالنفس للاقتراب من الخالق. تُرجمت بعض قصائدها إلى اللغة الألمانية في أنطولوجيا الشعر اللبناني- الألماني، معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة «بون»، كما تتمّ حاليًا ترجمة بعض كتبها. وتقول البنّا في حديثها إلى مجلة «الضحى»: «الشاعر لا يمكن أن يصنع قصيدته، بل يبدعها حين تفرض نفسها عليه، وتلحّ لتشكّل أسلوبها. كما لا يمكن فصل الشعر عن بقية العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة، ولا بدّ من مساحات تأملية تتناسب مع طبيعة الحياة، ولو كانت شطحات خيالية وفلسفية وفكرية بثوبٍ شعري جميل».

«… وأرقصُ في خفة رصاص
طاعنةً في الموت البليد
كشعلة قنديل مغمور بالشموس
وتنهمر موسيقاك الجنائزية رشيقة
ترشقني بلسعة صوت
أموتُ وأحيا مرارًا
ثم أموتُ حتى المنتهى الملقب بالعدم
تأتيني بالدمع والكفن
وكفين فوق جبيني من تراب اللا ندم
وأنا مكاني أرقص حتى الشجن
لا أراك، ولا تراني».

كافحت إبنة بلدة الخريبة المتنية من أجل ترك بصمة نسائية عربية مميزة، فتطرّقت في قصائدها إلى وضع المرأة اللبنانية والعربية، معتبرةً أنّها «بحال أفضل ممّا كانت عليه، لكنها لا تزال في وضع صعب. وعلى الرغم من الحضور النسائي العارم في جميع المجالات والحقول العلمية والأدبية والإبداعية، إلا أنها ما زالت مضطهدة من قبل المجتمع والسلطة الذكوريين، ناهيك عمّا تتعرّض له من عنفٍ وقسوة في الحياة الأسرية وما تلاقيه من تشرّد ومعاناة جرّاء الحروب والأزمات». وبين سطور شِعرها تحاكي البنّا دور الرجل تجاه المرأة، وتحارب بشراسة عندما يكون اضطهاد المرأة العنوان الأساس.

في ديوانها الأول «آدم وتاء الغواية» الصادر عام ٢٠١١، جمعت قصائد متراكمة من مراحل عمرية مختلفة كان معظمها بين العاطفية والوجدانية، بحيث عالجت طروحاتٍ تخطر في بال كل أنثى تدرك أهميتها الغائبة في مجتمع ذكوري. وفي مجموعتها الشعرية الثانية «رسائل إلى مولانا» – ٢٠١٥، تبحر سناء في الفضاء الصوفي. ويشير الغلاف الداخلي للكتاب إلى مولانا جلال الدين الرومي، حيث تقدم رسائلها على شكل مقاطع متتالية منفصلة متصلة معًا، دون ترقيم ودون تسمية. فتقول الشاعرة: «أدورُ في مدارات النفس بين أذرع متصوف / وأبتهل لأصابعه تدغدغ حواسي / ما زالت ظلالكَ تطوف هنا في كل الأمكنة / فوق رعشات شرشف السماء / فوق الجدران».

وتقف البنّا في ديوان «أشجار الليل – بين العرف والعقل» على ٣٨٠ فرزة حكمية أو تجاربية عايشتها خلال حياتها الاجتماعية والثقافية، بحيث تخوض صراعها مع الحب اللطيف، والوجود الكثيف بين المرأة والرجل، والثقافة والأدب وكل ما هو ضد العقل، محوّلةً الإشارات والأفكار إلى جماليات أدبية تذخر بالمعاني مثل: «حبيبي كالظل، دون ملمس أو كثافة، يدور حولي، ويختفي».


الفنانة التشكيلية الدكتورة هناء عبد الخالق.
هناء عبد الخالق:

أحلامنا لوحاتٌ تهيم في الأفق البعيد

بدأت مسيرتها الفنية بشغفٍ عندما قررتْ العودة إلى الجامعة وهي أمّ لثلاثة أبناء، ليس لشيءٍ سوى لتحقيق حلمٍ طالما تمنّته بعدما أعاقته الحرب الأهلية اللبنانية. فكان أن تبلور الحلم وتمخّضت معه لوحات ومعارض ميّزت الفنانة التشكيلية الدكتورة هناء عبد الخالق، حتى باتت علامة فارقة في مجال الرسم والفنون. انضمّت إلى نقابة الفنّانين التشكيليّين في لبنان وانتُخبت مؤخرًا أمينة للسر لدى جمعية الفنانين اللبنانيّين للرسم والنحت.
أدركت إبنة بلدة الجاهلية اهتماماتها ورغباتها، فقرّرت خوض التجربة وكان أن قادها الشغف والإصرار إلى مقاعد الدراسة محاطةً بدعمٍ معنوي من عائلتها الصغيرة والكبيرة. اجتازت المرحلة تلو الأخرى فنالت شهادة الدكتوراه في الفن وعلوم الفن وعادت إلى الجامعة اللبنانية أستاذة جامعية محاضرة في كلية الفنون والعمارة – الفرع الرابع، لترسّخ بذلك نموذجًا في المثابرة والنجاح. «لم تكن الجامعة والدراسة عبئًا، بل كانت متعة وفائدة يكتنز منها عقلي وتتفاعل معها
أحاسيسي، كل هذا كنت أستعيده مع كل لوحة أبحث عنها، مع كل فكرة أجهزت علي وأطاحت النوم من عينيّ حتى تقترن بالتنفيذ، عندها أشعر بالاكتفاء وبأن هذا ما كان ينقصني، وأعود لتهاجمني الأفكار وأبحث من جديد»، تقول عبد الخالق على صفحات .

في لوحاتها، تروي قصصًا وحكاياتٍ تتناغم فيها الألوان وتسافر بك إلى عالمٍ من الإبداع والخيال، وتطرح في معارضها مفاهيم مبتكرة ومتجدّدة. ففي معرضها الفردي الأول عام ٢٠١٠ بعنوان: «انعكاسات Reflexions»، خرجت عن التوصيف المادي للمنظور، وطرحت تجربة محض ذاتية فيها إحساس قويّ باللون والضوء ومعالجة تفصيل معيّن. وتشرح الدكتورة هناء بالقول: «المقصود هو رؤية ما لا يرى، فالذهن البشري ينشغل عادة عن التفاصيل إلى صورة العامة، هكذا تتوارى تلك عن العين حتى المهمة منها. إن تدريب العين على البحث عن التفاصيل في الأماكن التي من حولنا، يقودنا إلى اكتشافات بصرية مذهلة تكتشفها العين قبل اليد، ونحسّها من داخلنا قبل ترجمتها».

عام ٢٠١٤، أقامت إبنة الشوف معرضها الفردي الثاني بعنوان: «أحلام في زمنٍ هارب»، التقطت لحظات طفولتها التي انتُزعَت منها عنوة، فتنوّعت لوحاتها بين «أحلام ورقية»، «مرفأ حلم»، «لحن هارب» و«أحلام ليلكية»، وجاءت رسالتها لتقول: «أنا امرأة من جيل الحرب الأهلية التي أبعدتني عن مكانٍ عشقته وترعرعت به طفلة. كانت الحرب بدايةً هي الخاطفة لأحلامنا وأمانينا، فأردت استرجاعها عبر اللون وجسّدتها من خلال الطائرة الورقية التي كانت رمزًا للطفولة الحرة. كنت أركض خلفها لتعلو في الجو وتكون حرة، ومن خلالها تطوف عيناي وتهيم في الأُفق البعيد. فكان الهدف الأسمى للمعرض إطلاق صرخة مفادها: «أوقفوا الحرب لنسترجع ولو ظلالًا أحلامنا. إلى متى سيبقى الظلّ قائمًا بداخلنا إذا لم يرَ للشمس بزوغًا؟».

أمّا معرضها الفردي الثالث عام ٢٠١٩ بعنوان «رؤى محدبة»، فتتناول فيه فكرة المرآة المحدبة Miroir Convexe التي تعكس صورة مفارقة للواقع، بالغة الإثارة ومحرّكة فعّالة للخيال. «أردتُ في معرضي أن أتقصّى ذلك الخيال الوهمي الذي لا يخلو من دلالاتٍ مجازيَّة وشعريّة يُغْنِي عالم الفن، وينقل الرؤية من المشهد الجامد إلى الحركة المتنوعة التي تُكَبِّر الصورة أو تُصغِّرها كلما غيّرنا زاوية النظر واقتربنا أو ابتعدنا من بؤرة الأشعة»، تستطرد عبد الخالق، وتضيف: «تنقلنا المرآة المحدبة إلى مستوى التجربة الإنسانية الحيَّة والمعيشة، حيث يتضخم أشخاص ويتقزّم آخرون، بفعل المايسترو اللاعب بالمرآة، وتضيع الحقيقة التي نشقى في البحث عنها، ويتشوّه المشهد».

شاركت الدكتورة هناء أيضًا في العديد من المعارض المشتركة في لبنان والخارج. وتَعزّز شغفها بالفن مع كل رحلة قامت بها إلى أوروبا، بينها فرنسا، جنيف، إيطاليا وهولندا، حيث زارت باريس مرات عدّة حتى باتت تجاريها في الشغف والجنون، وتلمّست عظمتها محاولة الدمج بين النظري والواقعي، خصوصًا بعد بحثها في الماجستير عن تطوّر فن التجهيز في فرنسا الذي قادها إلى التعرف على فنون ما بعد الحداثة وتطورها. وتوالت أبحاثها في هذا المجال، حيث أصدرت لاحقًا كتابها الأول بعنوان: «فن التجهيز: إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي».


لارا ملّاك: الشّعر اتصالٌ كونيٌ بالجمال

«أيّتها الأنثى القابضة دائمًا على نار الجمال ونور الحقّ.. لكي تكوني امرأةً تشعّ بأنوثتها، ويكتمل في تكوينك رسم الله، ابحثي دائمًا عن وسيلتك الأجدى واهدمي بها الجدران.. حينها فقط سترين مرآتك صافيةً خاليةً من الشوائب، فينعكس فيها واقعٌ أجمل تنتفي فيه المسافات بين القلب والقلب»، بهذه الصرخة تناجي الكاتبة والشاعرة لارا ملّاك كل امرأة وتختزل رسالتها لها عبر مجلة .

من حارة جندل الشوفية، سطعت موهبة إبنة الثمانية والعشرين عامًا، فكان أن حصدت جائزة الإبداع من مؤسّسة ناجي نعمان الثّقافيّة عام ٢٠١٤ التي رُشح لها أكثر من ١٦٠٠ مؤلف من ٥٨ دولة. فالشعر في قاموسها «اتصالٌ كونيٌ بالجمال، وهو وسيلتي نحو اكتشاف نفسي، غير أني في هذا الاكتشاف أقترب أكثر من الآخر، وأهدم الجدران الّتي بنوها بيني وبينه».

أتقنت ملّاك فنون الشعر والأدب، فنهلت من لغتها الأم حروفًا وعبارات ونصوصًا شعريّة، قبل أن تصدر ديوان «أنثى المعنى» عام ٢٠١٧، الذي نشرت عقبه ست دراسات قصيرة أعدّها نقّاد لبنانيّون وعرب حول الديوان. وللكاتبة مقالات ثقافيّة ونقديّة وشعريّة نُشرت في مجلات وصحفٍ عديدة منها: اللواء، النّهار، البناء، الأنوار، الحصاد، ومجلة بوهيميا. كما أُجريت معها مقابلات عبر عددٍ من وسائل الإعلام والمواقع اللبنانية والعربية.

وفي ومضةٍ شعرية، تقول لارا:
«لكي أحبّك عليك أن:
تفهم حركة قصيدتي..
تجعل كلّ لقاءٍ بيننا بداية نصّ..
تزيد شَعري الطويل ملائكيّةً وأنوثة..
وبعدها إلى حيث جحيمك أمضي
يا أيّها الجالس على كتف المستحيل…».

ثابرت لارا منذ خمسة أعوامٍ على تدريس اللغة العربيّة في ثانوية رأس المتن الرسمية، بعد أن حصدت شهادة دراسات عليا في اللّغة العربيّة وآدابها وشهادة كفاءة في تعليم لغة الضاد، وهي تتابع حاليًا مرحلة نيل الدكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها.

الشابّة العشرينية التي حازت أيضًا شهادة الدبلوم في الشؤون الدوليّة والديبلوماسيّة، تشغل حاليًا منصب عضو هيئة إدارية في «ملتقى الأدب الوجيز»، حيث شاركت في تنظيم وإدارة مؤتمر عربي عُقد هذه السنة ضمن أعمال الملتقى في بيروت. كما نشطت ملّاك في مجال تنظيم الأمسيات واللقاءات الثقافية الشهرية في بيروت، وشاركت في ندواتٍ أدبية في كلّ من تونس وسوريا.
اختارها المركز الدولي لترجمة الشّعر والأبحاث في الصّين (International Poetry Translation and Research Centre) لترجمة ونشر خمسة نصوصٍ من تأليفها، سبق ونُشرت في لبنان عام ٢٠١٤، وذلك في الكتاب العالميّ للشّعر بنسخته الإنكليزية (World Poetry yearbook 2014). وهو كتاب يتضمّن نصوصًا شعريّةً لمئتي وثلاثة وستين مؤلفًا من مئة دولة، ويتمّ توزيعه على أهمّ المؤسّسات والمنظّمات الثّقافيّة والجامعات والمكتبات في أنحاء العالم. فلقد كانت ملّاك بين كتّاب عرب قلّة، الوحيدة من لبنان الّتي نالت هذا الشرف، آملةً أن تسهم دومًا في «نقل الكلمة العربيّة إلى العالم».
تنساب حروف ملّاك لتخطّ مشاعر وأحاسيس تختلجنا كلّ يوم، فتقول: «كأني المؤجّل إلى الغياب.. أموت كثيرًا كضربة فأس…»، وفي خاطرةٍ ثانية تتحدّث عن الغياب: «ينوءُ الغياب.. أنت هنا/ كأيّ كتابٍ/ تستريح.. / وأنا ضوءٌ وظلٌّ/ لا يلتقي فيّ إلا الأوان..»، وفي أخرى عن الحب: «أحبك انعكاس ماءٍ/ الضوء يلمع من غير بكاء.. / يكرّر نفسه/ ولا يطالب عينًا/ بملحها أو بمائها…».

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي