الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

محمود كيوان

سيرة المجاهد محمود كيوان

كتلــــة عنفــــوان ومهــــارة قتــــال
وشجاعــــة بلغــــت حــــدّ التهــــور

أطلق الفرنسيون على غارات محمود كيوان ورفاقه إسم «غارات جهنم» لطابعها الصاعق ولسرعة اختفاء المهاجمين

توغَّل كقائد موقع حدودي داخل تركيا واحتل قلعة
لاستعادة أغنام مسروقة فأشعل أزمة بين البلدين

طوق الفرنسيون سلطان باشا ورفاقه في أبو زريق فانقضّ محمود ورفاقه عليهم من الخلف وشتتوا شملهم

سألني مرّة أحدهم:«أنتم في جبل حوران كل واحد منكم يزعم أن والده أو عمّه أو خاله قتل كذا وكذا من العثمانيين والفرنسيين»!…
قلت له: ما ذنبنا إن كنت لم تقرأ تاريخاً منصفاً؟ لا أريدك أن تقرأ لكتّاب الجبل ومؤرخيه بل أن تقرأ ما كتبه الآخرون من مثل: عبد الرحمن الشهبندر ومنير الريّس وأدهم آل جندي والفرنسي الجنرال أندريا وبيير لامازيير واللبنانيان المعروفيان المنصفان عباس أبوصالح وحسن أمين البعيني وغيرهم وإن بقيت لك حجة كهذه فعد إلينا بها..
بدأت بهذه المقدمة لأنني على وشك أن أعرض على القارئ سيرة المجاهد محمود كيوان الذي كان في طليعة الفرسان الأشاوس الذين سطروا بطولات ومآثر مشهودة في مقاومة المستعمر الفرنسي أدهشت العدو قبل الصديق، وقد كان هذا المجاهد يضطرم شجاعة وتحرقاً لمواجهة العدو لدرجة جعلته يقوم بأعمال وصفت بالتهور بل بالإستهتار مثل أن يصول ويجول على فرسه في مقابل متاريس الفرنسيين ورشّاشاتهم وهو يصليهم النيران حاثّاً رفاقه ومحرّضاً إياهم على قتال الجيش الفرنسي المتفوق عدداً وعدة. كان خلال الثورة السورية ينتقل من موقعة إلى أخرى ويركب المخاطر ويحقق ما كان يعتبره كثيرون أموراً مستحيلة. كرهه الفرنسيون لكنهم احترموه في الوقت نفسه لشدة بأسه وبسالته ومدحه السلطان في أكثر من مناسبة وفي مذكراته.
فمن هو المجاهد محمود كيوان وما هي مساهمته في سجل الأمجاد والبطولات الذي دوّنه أبطال جبل العرب بأعمالهم المجيدة وفي أحيان كثيرة بدمائهم الزكية وأرواحهم؟

نسب عربي وأسرة عريقة
آل كيوان عشيرة عربية تعود بأصولها إلى آل منذر حسب يحيى حسين عمّار في كتابه الأصول والأنساب ( الجزء الأول، ص 179) وهؤلاء القوم من تنوخ هم من قبائل الفتح العربي الإسلامي، وكان أجدادهم قد انتقلوا في الماضي البعيد من ديار معرّة النعمان إلى برمانا من بلاد المتن في لبنان، واشتهر أمرهم كإحدى عائلات المتن الدرزية القوية على ما يذكره الشيخ ناصيف اليازجي، وقد لعبوا دوراً في سياسة البلاد إلى جانب الأمراء الدروز اللمعيين، ولكن تنصّر هؤلاء بتأثير الأمراء الشهابيين السنة الذين تنصروا بدورهم، جعل اللمعيين في المتن يضغطون على آل منذر وهم أسلاف آل كيوان بهدف تنصيرهم، ولما قاوم هؤلاء سياسة اللمعيين، يقول يحيى عمار بأن العلاقة بين العائلتين ساءت ووصلت« إلى حدّ الإفناء»، بينما يذكر حنّا أبو راشد ن أولاد مصطفى كيوان وكانوا خمسة رجال ارتحلوا إلى جبل الدروز من باتر التي كانوا قد استقروا فيها إلى حين، وذلك بعد تهجيرهم وغدر الأمراء اللمعيين بآبائهم، وتشتيتهم من ديارهم في برمانا وسائر بلاد المتن، وقد وصلوا بادئ الأمر إلى السويداء، فالقريّا، كان ذلك نحو أواسط القرن التاسع عشر وما يليه، ومنها توزعوا إلى قرى مياماس وسهوة الخضر وعرمان، والأبناء هم: حمد وبشير ومحفوظ ومحمد ووهبة. ويقول أبو راشد: في ص 70 من كتابه «جبل الدروز»، في آل كيوان:
«لهم مزيتان: مزية الفروسية في الحرب، ومزية الفلاحة في السلم»، ويشير أبو راشد إلى عدة رجال اشتهروا من هذه الأسرة العريقة وهم: يوسف أبوحسين كيوان، وخليل بك كيوان «زعيم العشيرة الأول، وكان من جملة الثوار الذين تقرر شنقهم مع ذوقان بك والد سلطان باشا الأطرش، ورفاقه الخمسة (سنة 1911)، ومع هذا سَلِم»، ويقول يحيى عمار:» وقد اشتهر من هذه الجماعة في الثورة السورية الكبرى 1925 بطل جريء هو محمود كيوان وهو بطل معركة الفالوج وقد اتصف بالنكتة والجرأة والخلق الكريم، ورجال هذه الجماعة في الإجمال ممن يعتمد عليهم في المهمات الصعبة».

المولد ومغامرات الشباب
ولد محمود كيوان عام 1898، في قرية مياماس وهي من القرى العالية في جبل العرب، والده الشهيد سليم كيوان وهو من مجاهدي الثورة السورية الكبرى عام 1925 ومن شهدائها أيضاً.
نحو أواسط العقد الثاني من القرن العشرين سافر محمود الطموح من دون علم والده إلى الأرجنتين، وحسب ابنه شكيب، أمضى محمود في تلك البلاد مدة خمس سنوات لم يوفّق خلالها في جمع مال يذكر، ولعلّ مردّ ذلك أن الشاب كان أنوفاً وذا كبرياء، إذ لم يسافر عن فاقة، فهو ابن بيت وجاهة، ومن كبار ملاّكي قريته، وقد روى رفيق غربته هاني ملاّك، من قرية قيصما، أنه كان يعمل ومحموداً في إحدى مزارع تلك البلاد وبرفقة أربعة وعشرين من الإيطاليين، وعندما جلسوا لتناول غدائهم أخذ الإيطاليون يقهقهون ويسخرون منهم، وهم يقولون« توركو عرب»، ولم يكن من عربي سواهما، غضب محمود، وقال لصاحبه:«قم واحمِ لي ظهري بحيث لايطعنني أحد منهم من الخلف، هنا حاول هاني إقناعه، فأبى»، يقول هاني:«دارت بيننا معركة خاطفة استطعنا التغلّب عليهم جميعاً، كان محمود لا يعيد ضربته، ومنذ ذلك الوقت افترقنا ولم أعد التقي به في تلك البلاد».

معارك شوارع في الأرجنتين
ويروي رفيق اغتراب آخر هو الشيخ أحمد جربوع أنه اشتغل ومحموداً في أحد المصانع، وعندما استثارته جماعة من العمال بالسخرية من العرب، ما كان منه إلاّ أن تناول أنبوباً ضخماً من الحديد يعجز عن حمله عدة رجال، وضعه عرضانياً على كتفيه، وأخذ يعصف بهم يميناً ويساراً، فصار كلّما اقترب منه فريق منهم يريدون الإنتقام منه يطرح بهم أرضاً… وهكذا إلى أن اضطر مدير المصنع إلى طلب البوليس، وعندما حضر هؤلاء دهشوا لذلك المشهد الخارق الذي اجترحه ذلك الشاب العربي، فاقتربوا منه وقالوا له :«نحيّي فيك هذه البطولة، اترك أنبوب الحديد وتفضل معنا».
أخذوه معهم خارج المصنع، وطلبوا منه ألاّ يعود إلى المصنع لكي لا ينتقم منه أولئك الذين أذلّهم ببطولته، وأرسلوه إلى رصيف بحري حيث يتم تفريغ السفن، هناك كان أحد مراقبي العمال يتعامل بغلاظة مع العمال، ولكن محموداً أظهر عدم احترامه لسلوك ذلك المراقب مع رفاقه، فما كان من المراقب إلاّ أن اتفق مع عدد من العمال لإذلاله، وأخذ يوجّه له كلمات مهينة، أثارت غضبه، ولم يلبث أن هجم عليه نحو اثني عشر من العمال أتباع المراقب الفظ، فغلبهم ولم يقدروا عليه، فما كان من مسؤول محلّي في بار مجاور للرصيف، وكان هذا مصارعاً يخافه كل من كان في الموقع، إلاّ أن جاء غاضباً بذريعة أن ذلك العربي أخلّ بسيرورة العمل، وتقدم منه يريد ضربه، فما كان منه إلاّ أن حمله بين يديه ورمى به في البحر، وبذلك جعل منه أضحوكة لمن حوله، فاضطر أن يغادر المكان خجلاً مما لحق به من مذلّة.
لكن محموداً ترك العمل في تفريغ السفن، ومضى يفتش عن فرصة أخرى.

“عاد محمود كيوان إلى الجبل بشروط قبلها الفرنسيون منها حصانته واحتفاظه بسلاحه واستقبل باحتفال وحرس وموسيقى عسكرية”

بطل مصارعة بالصدفة
ذات يوم قرر محمود حضور حفلة مصارعة، ولمَ لا؟، فهو مصارع بالفطرة، ولكن أحد المصارعَيْن لم يحضر لسبب ما، فأُسقط في يد مدير الحفلة الذي اعتذر من الحضور عن تخلّف المصارع، لكنه أضاف مازحاً على سبيل تلطيف الجو.
ــ هل بينكم من يؤدّي هذا الدور؟
فما كان من الشاب محمود إلاّ أن وقف متحدّياً وأشهر ذراعه!
هنا سأله المدير:
ــ هل لديك شهادة تخوّلك العمل بهذه المهنة، أو وسام ما؟.
قال محمود: لا، ولكنني أتحمّل المسؤولية عمّا أنا مقدم عليه.
عندها دعاه المدير إلى مكتبه، فتعهّد بتحمّل المسؤولية الشخصية عن نتيجة عمله، وأنه يبرّئ ذمة الإدارة عن أي مكروه يصيبه.
كان خصم محمود مصارعاً محترفاً، خبيراً بأساليب المهنة وأسرارها ومقالبها، لكن محموداً كان صخرة صلدة من صخور الجبل، وهو صعد من دون اي تردد إلى الحلبة ، ليواجه من دون أي تدريب سابق على فن المصارعة خصماً قوياً ومحترفاً ويفوقه وزناً. وقد فاجأه ذلك الخصم بمكيدة، إذ طرح بجسده أرضاً ثم لفّ برجليه حول ساقي محمود بعزم أمكنه من إيقاعه أرضاً، ثم انتصب واقفاً بسرعة يريد أن يمسك
محموداً من رقبته بزنديه القويين.
أمّا محمود، فقد تمكّن من فك كمّاشة زندي المصارع من حول رقبته وعنقه بقبضتيه الحديديتين، وبسرعة خاطفة أمسك به من خصره، ورفعه إلى الأعلى ورمى به أرضاً بكل ما امتلك من قوة وعزيمة، فكسر بذلك عموده الفقري، وهكذا بقي الخصم منطرحاً أرضاً لا يقوى على الوقوف.
هنا تناول الحكم يد محمود، ورفع بها إلى الأعلى معلناً انتصاره، وانتهاء الحفل مع منحه ثلاثة آلاف دولار أميركي جائزة فوزه.
شاعت أخبار محمود في أوساط الجالية السورية، ووصلت أخبار مغامراته إلى جبل العرب، ونقل أحد المغتربين من قرية الغارية أنباء الإبن إلى أبيه في قرية مياماس، فخشي الأب على حياته إن هو ظل في بلاد الغربة، وأرسل إليه راجياً منه العودة إلى الوطن، وهكذا عاد محمود كيوان إلى مياماس.
كانت بطولات أرفع شأناً من تلك تنتظره على تراب الوطن.

محمود كيوان في معركة الكفر
يروي الأستاذ شكيب كيوان، وهو ابن المجاهد محمود، أن سلطان باشا عندما كان متّجهاً بصحبة رفاقه الثوار إلى الكفر، أرسل أخاه عليّاً إلى بيت الشيخ سليم كيوان، والد محمود ليستنفره ضد الفرنسيين مع أهالي قريته مياماس، وكان سلطان يمتلك رؤيا استراتيجية فطرية سليمة للحرب وللسياسة، فهو يريد أن يوفّر للمواجهة الأولى مع الفرنسيين كل شروط الفوز، وبهذا فقد كانت مياماس تشكل رفداً معززاً لقوى الهجوم الصاعق الذي شنّه الثوار على الحملة الفرنسية.
ويروي شكيب في ص70 من كتابه«محمود كيوان»، أن كنج الحلبي من بلدة عرمان قال له: «شاهدت والدك ينقض على مرابض العساكر بالسلاح الأبيض، وفي نهاية المعركة كان يحمل بيديه ستّ بنادق أعطى بعضها لرفاقه وأن حمد منذر من قرية المغّير طلب من سليم والد محمود بندقية فقال له سليم:«كسبت ثلاث بنادق، أعطيت إحداها لرفاقي، ولكن سأطلب لك بندقية من ولدي محمود، وبالفعل فقد أعطى محمود بندقية لحمد منذر.

موقعة «تل الخروف» ومعركة «المزرعة»
حدثت موقعة «تل الخروف» قبيل معركة «المزرعة» بيوم واحد، كانت موقعة شؤم على بني معروف، إذ استشهد فيها عدد من شجعان فرسان بني معروف الذين أغاروا على مواقع الفرنسيين من دون أن يدروا أن هؤلاء أعدّوا لهم كميناً غادراً، ومن أبرز شهداء تلك الموقعة المناضل حمد البربور، رفيق سلطان وساعده الأيمن، وفي ذلك اليوم قتل حصان محمود كيوان تحته لكنه أفلت من الموت.
يروي شكيب أن نجم الفقيه نقل عن المجاهد زيد الأطرش قوله إن المجاهد محمود كيوان كان أول من نبّه إلى أن ذهاب الثوار إلى المسيفرة عملية محفوفة بالمخاطر في أرض سهلة مكشوفة يريد بها العدو استدراجنا إليها بعد الانتصارات التي حققناها، ولكن الروح الحماسية طغت وكان ما كان من نكسة للثوار وخسائر جسيمة.

بعض قادة الثورة السورية في صورة تذكارية ويبدو المجاهد محود كيوان - الثاني من اليمين
بعض قادة الثورة السورية في صورة تذكارية ويبدو المجاهد محود كيوان – الثاني من اليمين

في معارك الغوطة
ندبت قيادة الثورة مجموعة من كبار الثوار، ومنهم زيد الأطرش ومحمد عز الدين الحلبي وحمزة درويش ومحمود كيوان ومحمود أبو يحيى وغيرهم، إلى منطقة الغوطة بهدف دعم ثوار دمشق في الغوطة حول العاصمة والتي كانت تتمركز فيها قوات الاحتلال الفرنسي، وكانت فرنسا قد استقدمت مائة ألف جندي بأحدث تجهيزات ذلك العصر، وعمدت إلى محاولة خنق الثورة في إقليم البلاّن والقلمون ودمشق وذلك بهدف الإجهاز لاحقاً على قيادتها في جبل العرب.
كان الثوار في الغوطة يحاصرون الفرنسيين الذين اتخذوا من مدينة دمشق العاصمة حصناً يلوذون به من هجمات الثوار، ومن سكانها درعاً بشرياً يحتمون به.
وفي معارك الغوطة ودوما لمع اسم المجاهد محمود ورفاقه، ففي بلدة دوما كان الفرنسيون قد حصّنوا داراً جانبية ، واتخذوها موقعاً عسكرياً يتحكمون منه بطريق دمشق حمص وشمال سوريا. يقول المجاهد الحموي منير الريّس في كتابه:« الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي، الثورة السورية الكبرى، ص 331»، بأن تلك الدار الحصن التي«أصبحت بمثابة ثكنة محاطة بالأسلاك الشائكة من كل جوانبها، وفي جدرانها أعشاش للرشاشات تحصد بسلاحها كل من يهاجمها أو يدنو منها»، يقول الريّس بأن تلك الدار « لم يلبث أن هاجمها محمود كيوان بقواته، وأسر جنود فصيل الدرك، وغنم خيلهم وسلاحهم».

هجوم صاعق في دوما
هاجم محمود كيوان ذلك الموقع الشديد التحصين بنحو عشرين مجاهداً من رجاله، ومنهم عزام قماش وحمد فندي كيوان وعطا الله خير شجاع وشجاع شجاع ونايف عزام ويوسف نصر الدين وذياب كيوان ومحمد نادر وحمود أبو حمود كيوان وأربعة مجاهدين من قرية مفعلة من آل غانم ومجاهد آخر من آل زهر الدين أصيب في أثناء ذلك الهجوم، وثلاثة مجاهدين من غوطة دمشق، فاستولوا على الموقع وأطلق محمود سراح السجناء الوطنيين وأحرقوا محتويات الموقع، وأسروا بعض جنوده، بينما فرّ آخرون، وغنم المهاجمون خيل الفرنسيين وسلاحهم، ودخل محمود بمفرده إلى غرفة الضباط وأسر سبعة منهم، ولما هرع أهل دوما على أصوات لعلعة الرصاص مع باكورة الصباح خطب فيهم محمود:«يا أهل دوما لا تخشوا ولا تخافوا، قولوا لرجال فرنسا وقادتها، إننا من فعل هذا، وسنحاصر ونهاجم القوات الفرنسية أينما وجدت، وأنا محمود كيوان من الجبل». ولم يزل أهالي دوما يذكرون تلك الواقعة، وقد قدم منهم مرة وفد كبير زار بيت محمود في مياماس تقديراً لبطولته.

إحتلال الفرنسيين للسويداء
كان الثوار قد انسحبوا من قرى الجبل الغربية، وقرروا مجابهة القوات الفرنسية التي يقودها الجنرال أندريا في الأراضي الوعرة الواقعة غرب مدينة السويداء، وفي يوم 25 نيسان 1926 وبعد معركة شارك فيها الطيران الفرنسي والمدفعية الثقيلة والدبابات، أُجبر الثوار بنتيجتها على التراجع والانسحاب، وبهذا تمكن الفرنسيون من احتلال مدينة السويداء.
تراجع الثوار عن مدينة السويداء عاصمة الجبل، ولكنهم ظلّوا يقاتلون الفرنسيين في قرى المقرن الشرقي وفي اللجاة، وقد اشتهر في تلك المعارك التي خاضها الثوار حينذاك المجاهد محمود كيوان ومجموعته، يذكر ذلك ولده وراوي سيرته شكيب، يقول في ص 79« بأن والده»بقي في تلك المناطق شهوراً يقاوم القوات الفرنسية» .

موقعة «ابو زريق»
ذكرت مصادر الثورة الكثير من المواقف البطولية لمحمود كيوان، منها كسر الحصار في قرية أبو زريق عن القائد العام سلطان باشا الأطرش، عندما كان برفقة قوّة من المجاهدين في بيت المجاهد أبو حمد فارس أبو مغضب، وتذكر وثيقة وردت في أرشيف الثورة السورية أن السلطات الفرنسية علمت من أحد عملائها أن سلطان مع فريق من الثوار حلوا ضيوفاً في قرية أبو زريق، فشكلت حملة عسكرية لمداهمتهم بهدف اعتقالهم، وعندما وصلت الحملة إلى مشارف القرية سعت إلى تطويقهم استعداداً للهجوم على منزل المضيف، وفي تلك اللحظات الحرجة شعر المجاهد محمود كيوان الذي كان مرابطاً في موقع غير بعيد من أبو زريق، بأن أمراً خطيراً يستهدف القائد العام للثورة، فسارع مع رجاله من جهة شمال القرية لضرب الفرنسيين من الخلف، وأوقعوا فيهم إصابات عديدة، أحدهم برتبة ملازم أول.أما في داخل القرية فقد كان سلطان ورفاقه في موقف حرج، إذ كانت طلائع الحملة تقترب منهم، ولكن الاشتباك مع محمود ورجاله جعلهم يفتحون النار بدورهم على الفرنسيين الذين وقعوا بين نارين، وبذلك كُسر الطوق المضروب على سلطان ومن معه من الثوار، وتمكنوا بالتعاون مع محمود ورجاله من دحر المهاجمين الذين انسحبوا هاربين أمامهم.
وفي ذلك يقول الشاعر ابراهيم أبو صعب:
وهل تنســــــــــــــــاه فـــــــــــــي «بوزريق» أرضٌ بـــــــــــــــــــــــه ظــــــــــــــــــــهرت فِعــــــــــــــــــــالٌ قُســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوريّة
فمحمـــــــــــــودٌ هنــــــــــــــــــــا قــــــــــــــــــــد كــــــــــــــــــــان فـــــــــــــــــــــــــــذّاً يُــــــــــــــكِــــــــــــــــــرُّ على الجيــــــــــــــــــــوش الأجنبيـــــــــــــــــــــة
أيــــــــــــــــــــا بطــــــــــــــــــــــــل المعامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع والمغــــــــــــــــــــــــازي ومقـــــــــــــــــــــــدام العشيــــــــــــــــــــــــــــــــرة والــــــــــــــــــــرعيّــــــــــــــــــــة

القصف الجوي الفرنسي لدمشق يوم 16 تشرين الأول 1925
القصف الجوي الفرنسي لدمشق يوم 16 تشرين الأول 1925

موقعة «أبوزريق» الثانية
في أوائل عام 1927 كانت مجموعة من الثوار بقيادة علي الأطرش شقيق سلطان قد قدمت من قرية الشبِكي وباتت في قرية أبو زريق، ولما كان الفرنسيون يراقبــــون تحركات الثوار في تلك المنطقة، فقد علم القائد«دزدريه» بتواجدهم هناك، فشكل قوة كبيرة من جيشه، ووجهها لمباغتة الثوار فضربت طوقاً حولهم، واشتبكت معهم، واستمرت المعركة حتى الصباح، وكاد يقضى على الثوار لولا مبادرة محمود ومجموعته الذين كانوا متمركزين في قرية طليلين المجاورة، وقد شكّلوا طوقاً من خلف القوات الفرنسية من جهة غرب القرية، وخرقوا الحصار المضروب على الثوار الذين وجدوها فرصة لإفشال هدف العدو.
وقد استشهد في تلك الموقعة المجاهد حامد قرقوط، واستشهد من مجموعة محمود اثنان من آل منذر، وواحد من آل الجغامي، وفي ذلك يقول صالح عمار أبو الحسن؛ وهو الشاعر الشعبي للثورة السورية الكبرى مشيداً بدور محمود وجماعته:
محمود بن كيوان هوِّ وْلابْتَـــه ( أي جاعته)
فزعوا من طليلين عَ الرشاش
حقاً، لقد كان سلطان يثق ببطولة محمود، وفي هذا الصدد يقول أدهم آل جندي في كتابه «تاريخ الثورات السورية»، أن القائد العام للثورة السورية بعث بسريّة من المجاهدين بقيادة محمود كيوان كان في عدادها هايل ونايف الأطرش للدفاع عن شهبا، كما ذكر آل جندي في ص 223 أنه في 7 آب سنة 1926 اجتاحت حملة فرنسية قرية عريقة بحيلة حربية، ونكّلت بمن كان فيها من أهلها ومنها زحفت على ريمة الفخور فتلقّتها قوى المجاهد محمود كيوان واشتبكت معها في صدام عنيف ومُنيت القوة الفرنسية بخسائر فادحة، ولما علم الفرنسيون أن اختراق خط المجاهدين لقواتهم في صميد ومجادل سيوقع بهم أعظم الخسائر عدلوا عن خطتهم وتوجّهوا نحو سليم وشهبا وفي هذه الفترة كانت المعارك تبدأ مع طلوع الشمس وتنتهي عند الظهيرة.

شهامة مغربية أصيلة
بتاريخ 15 نيسان 2000 نشرت مجلة التكامل العربي مذكرات الملازم أول الفرنسي «أنول» الذي شغل منصب قائد لإحدى سرايا الرماة في القوات الفرنسية، وقد تحدث فيها عن مجريات المجابهة بين الفرنسيين والثوار في معركة أم الرمان وما بعدها في طريق حملة الجنرال أندريا لاحتلال مدينة صلخد، يقول:« كنت أقود سرية رماة استطلاع، وعندما أصبحت بالقرب من الغارية شاهدت من على البعد مجموعة من الثوار كنت أعتقد بأنها ليست معنية بمقاومتنا نظراً إلى قلّتها إلاّ أنها أخذت أماكنها وأخذت تطلق النار علينا فاستطعنا بنيران رشاشاتنا الكثيفة وأسلحتنا الأوتوماتيكية إبعاد أكثر أفرادها من استحكاماتنا، وكانت هذه المجموعة تنقسم إلى قسمين ولكن سرعان ما رأينا قائدها قد امتطى جواداً وأخذ يصول ويجول يمنة ويسرة، ويهاجم قواتنا ويشجع أفراد مجموعته مما أدى إلى إصابة عدد من جنودنا، وعندما نظرت بالمنظار عرفت بأنه محمود كيوان ( كان الفرنسيون يعرفونه من بعيد بحكم كثرة مواجهاته لهم، وبدلالة المجندين المحليين من جنود الاسكادرونات أبناء البلد الذين يعرفون الرجل جيّداً بحكم المنشأ والقربى أحياناً)، فغضبت منه غضباً شديداً، لاستهتاره وتماديه على هذه الصورة التي لا يقوم بها إلاّ الانتحاريون، كان يهاجم ويحرّض رفاقه، وكان في عداد سريتي رماة مهرة أدقّهم شقيقان اثنان من المغاربة، فطلبت من أحدهم رميه بسرعة حيث كان مكشوفاً علينا، فأخذ يرمي من دون جدوى، وعندما نظرت جيداً في هذا الرامي شعرت بأنه لم يصوّب بدقة، فصحت به « أسرع وإلاّ قتلتك، كان ذلك القائد قد أصاب معاوني في كتفه، كما استشهد بعض من جنودي، أشهرت مسدسي على هذا الرامي لتلكّئه في قنصه وصحت به أرمه وإلاّ قتلتك!؟، لكنه سرعان ما وقف وقال لي:« أقتل! فلن أقتل هذا الشجاع العربي الذي قلّما رأيت مثله، وفي غمرة الغضب أطلقت عليه النار، فأجابني وهو يتلوّى بدمه:« الآن لست بخائن» وناديت شقيقه الرامي الآخر قائلاً:«هذا مصيرك إن لم تقتل هذا الفارس الذي يتراءى لنا جميعاً، لكنه سرعان ما كشف عن صدره، وقال:« اقتل، اقتل أيها المستعمر!».
يقول آنول:« استغربت عناد هذين الجنديين المغربيين اللذين لم يخالفا أمري إلاّ في هذه اللحظات، لقد هزتهم شجاعة هذا القائد العربي، فامتنعا عن قنصه، وضحّيا بحياتهما من أجله».
ومن جانب آخر فقد أكد على هذه الحادثة أحد جنود الاسكادرونات المحليين من أبناء الجبل الذين تجنّدوا مع الفرنسيين، كان يرويها في المضافات كشاهد عيان حضر تلك الموقعة، وكان يسمي اثنين من الرجال الذين كانوا يقاتلون إلى جانب محمود في تلك الموقعة، وهما أبو حسن محمود أبو اسماعيل ومشعل عبد الله كيوان من سهوة الخضر.
ويتابع آنول:« هذا القائد الذي يسمّى محمود كيوان كنّا نتتبع تحركاته بحذر، وكان لنا بعض الأعوان يتابعون أخباره، وكنا نسمي غاراته على مراكز قواتنا بغارات «جهنّم»، نظراً إلى سرعتها ومفاجآتها لنا، كما كانت تختفي بسرعة، وقد أعددنا له بعض الكمائن، ولكنه كان ينجو في كل مرة منها، وكاد أن يقع بأيدينا في موقع «الشوكتلية» في منطقة جبل الشيخ، كنّا قد نصبنا له كميناً كبيراً، إذ علمنا حينها بأنه سيتعرّض لطريق إمداداتنا في تلك المنطقة، ولكنه نجا».

مجاهدون من الغوطة ويبدو مشارا إليه بسهم حسن الخراط
مجاهدون من الغوطة ويبدو مشارا إليه بسهم حسن الخراط

محمود كيوان في ذاكرة سلطان
كان الإنكليز قد اتفقوا مع الفرنسيين على محاصرة الثورة السورية، وعملوا على إجلاء الثوار عن منطقة الأزرق التي هي أصلاً من أراضي الجبل ومن أملاك بني معروف، فقاموا بتطويقها بقوات من أربعة آلاف جندي بريطاني، ودعموها بآليات مدرعة وطيران، فتعرض المجاهدون للجوع والعطش والأمراض، ولكن سلطان كان لم يتخلّ بعد عن فكرة مقاتلة الفرنسيين، رغم ذلك الحصار المفروض من قبل الحليفين اللدودين، وعلى الرغم من أن كثيراً من المقاتلين من حوله أخذوا يدركون استحالة الاستمرار في مواجهة الفرنسيين عسكريّاً، لكنه بفطرته الوطنية السليمة وفي تلك الظروف الحرجة،كان يعرف كيف يختار الرجال القادة المقربين منه، يقول في مذكراته:«كنا نوجه مجموعاتنا لجنوب الجبل كي نبعد فكرة استسلامنا، وقد ذهبت بنفسي ووصلت إلى قرية المغيّر(تقع المغيّر في أقصى جنوب الجبل على الحدود السورية الأردنية)، ونزلنا ضيوفاً عند السيد حمد صعب بصحبة كل من محمود كيوان وزيد عامر وسعيد عز الدين وصياح الحمود الأطرش وفضل الله الأطرش وفرحان العبدالله وهاجمنا الفرنسيين».

معركة الفالوج
كان محمود كيوان يعمل في ميادين الثورة كدينامو فعّال، وليس غريباً أن يذكره سلطان باشا في معظم المعارك الرئيسية ذات التأثير في مسار الثورة، جاء في كتاب «أحداث الثورة» كما رواها القائد العام، ص 175، أن فريقاً من الثوار بقيادة الشيخ خطار أبو هرموش ومحمود كيوان كانوا يرابطون في بعض القرى قرب راشيا، فمرت كوكبة من المتطوعين اللبنانيين ذاهبة إلى الشمال فتبعها الثوار حتى مخفر الفالوج حيث وجدوا قافلة عسكرية تنقل الميرة والعتاد الحربي إلى قلعة راشيا، يرافقها نحو ثلاثمائة من الخيالة ومشاة السنغال، وقد توقفت هناك بسبب الثلوج التي أربكت سيرها في ذلك الطريق، وما إن وصلت طلائع الثوار إلى المكان حتى استعد الجنود للقتال، تمركز بعض الضباط والجنود في بناء المخفر، وانتشر الآخرون وراء الصخور، ولم تلبث المعركة أن نشبت بسرعة وضراوة إثر هجوم قام به الثوار استشهد منهم فيه نحو عشرين مقاتلاً، وسقط عدد كبير من الجرحى، مما يدل على يقظة أولئك الجنود وحسن تدريبهم على القتال، في مثل تلك الظروف القاسية، غير أن المعركة استمرت على أشدها أكثر من ساعتين، أجهز الثوار خلالها على أكثر من مائة وثمانين ضابطاً وجندياً، ورفعوا السيف عن البقية الباقية منهم بعد استسلامهم وعادوا إلى مراكزهم وهم يحملون الأسلحة والذخيرة التي غنموها، ويسوقون أمامهم الخيول والبغال التي كسبوها.
وهنا في معرض حديثه عن معركة الفالوج يشيد سلطان باشا بمحمود كيوان فيقول:«وقد اشتهر فيها محمود كيوان ببطولته الخارقة، إذ شوهد أثناء المعركة الشرسة التي كان الجنود يبدونها من جهة المخفر، وهو ينقض عليهم مع بعض المجاهدين، كنايف رشيد وجميل العسل وحسين الحلح، فعطلوا فاعلية أسلحتهم وأحاطوا بالمخفر، ثم دخله محمود فقتل الضابط وأسر الباقين بعد أن رموا سلاحهم، وأبادوا فيها فصيلاً كاملاً من الجنود، سوى ضابط فرنسي واحد أسروه بعد أن أصيب بجرح بليغ، وسلّموه في ما بعد إلى الأمير عادل أرسلان بقرية عين الشعرة.

محمود كيوان يسالم.. بشروطه
كان الإتفاق الفرنسي البريطاني قد حقق أهدافه في حصر العمليات الحربية للثوار، وتوقف الأعمال القتالية بنتيجة ذلك، لكن سلطان باشا وفريقاً من المجاهدين أصروا على الاستمرار في مقاومة الاحتلال من المنفى في وادي السرحان من أراضي المملكة العربية السعودية، ومن جنوب الأردن في ما بعد، بحيث ظلّوا يشكّلون ضغطاً سياسياً ومعنوياً على الفرنسيين، وبالتعاون مع القوى الوطنية التي جنحت للمعارضة السياسية داخل سوريا،بحيث اضطرت فرنسا للإعتراف باستقلال سوريا ولبنان، وذلك بموجب معاهدة عام 1936.
من أسباب عودة محمود كيوان إلى الجبل توقف الأعمال القتالية ضد الفرنسيين، فأُقفل ميدانه، وهو الرجل الذي تشغفه ساحات قتال العدو ومنازلة الأقران، ومن جانب آخر كان والده المجاهد الشيخ سليم كيوان قد استشهد في معركة رساس، كما إن السلطات الفرنسية هدمت بيته في قريته مياماس انتقاماً منه لمشاركته الفعّالة في طليعة صفوف الثوار، ولم يعد من معيل للأسرة المؤلفة من النساء والأطفال سواه، كل هذا كان من بين أسباب عودته إلى الجبل، وفي ذلك كتب ولده شكيب بأن والده: اضطر إلى العودة إلى الوطن تحت شروط خاصة قبل بها الفرنسيون، منها أن يبقى لديه سلاحه الذي كان يحمله أيام الثورة إلى جانبه، وكان من عادته أن يتمنطق من على يمينه ويساره بمسدّسين، ولذلك كان يُلقب بـ«أبو فردين»، كما اشترط أن تكون له حصانة شخصية، هذا مع العلم أن السلطة الفرنسية اشترطت على كل من يعود إلى الوطن مسالماً لفرنسا أن يسلّم سلاحه، ولكن محموداً رجع بلباس الثورة، واستقبل قائداً حربياً شجاعاً، مع ثلّة من الحرس ومارش عسكري تتخلله الموسيقى التي يستقبل بها الأشخاص المكرمون، وهكذا عاد والدي ليلملم أشتات بيتنا ويعيد بناءه ويعيل أسرته ».
وافقت السلطات الفرنسية على تلك الشروط مكرهة من أجل تحييد رجل بقوة شكيمته من صفوف الثوار الذين اختاروا النضال السياسي من خلال المنفى، وكان المسؤولون الفرنسيون على الرغم من عودته مسالماً يخشون إغضابه، وصولته.

خوفاً من غضبة محمود بك
شغل محمود كيوان منصب القائد لإحدى الوحدات العسكرية «اسكادرون»، إلى جانب آخرين منهم زيد الأطرش وشكيب وهاب وحمد الأطرش وعلي الطويل وحمد نصر، وذات مرة قدم ضابط فرنسي كبير برتبة كولونيل بمهمة تتعلّق بعمل قادة هذه الوحدات، وكان المترجم سعدو عامر من قرية الهيت يعرّف الكولونيل على أسماء قادة الاسكادرونات، كل بدوره، وعندما عرّفه على القائد محمود، قال الكولونيل بالفرنسية :«يقولون لي إن محمود كيوان كالهر، يخدش إذا غضب»، لكن المترجم الحصيف، وبمعرفته الوثيقة بشخص محمود كيوان، وأنَفَتِه كان يدرك أنه يرفض مثل ذلك الوصف غير اللائق به، فحرّف الترجمة وقال لمحمود بك:«الكولونيل يقول عنك بأنك كالنمر إذاغضبت تثب على خصمك»، فشكره محمود بك. لكن المترجم كان يخشى من أحد الضباط المحليين الذي كان يعرف الفرنسية، أن يبلغ الكولونيل بأنه لم يترجم بأمانة، فيسيء إليه. عند نهاية الاجتماع، اقترب المترجم من الكولونيل وأبلغه بما فعل، فقال له:» ولمَ فعلت ذلك؟، قال:
« إن الكابتن محمود لا يقبل بما وصفته به، بل كان سيثور، ويغضب منك، وتقع معه في إشكال ربما أدى إلى شيء غير مرغوب فيه».
قال الكولونيل:» كيف يثور في وجهي وهو ضابط أدنى مني رتبة، وأنا فرنسي»، فأجابه المترجم :«ولو كنت ديغول لرفض منك مثل هذا الكلام»، فشكره الكولونيل على ما فعله واتقائه للمشكل.
وعندما قيل للكولونيل في ما بعد أن سعدو عامر لا يترجم بأمانة، قال:«حسناً ما فعل».

مجاهدي جبل العرب في احتشاد شعبي خلال الثورة السورية الكبرى
مجاهدي جبل العرب في احتشاد شعبي خلال الثورة السورية الكبرى

محمود في السلك الوظيفي
عيّن الفرنسيون محمود كيوان مديراً لناحية القريّا بعد عودته من الثورة، ومن ثمّ عيّن قاضي صلح، فعضو محكمة جنايات، ثم انضمّ إلى كوكبات الفرسان في الجيش السوري برتبة رئيس (أي نقيب)، وهذا بعد أن اعترفت فرنسا باستقلال سوريا عام 1936، ثم تمّ تعيينه عام 1945 قائداً لموقع رأس العين على الحدود السوريةــ التركية.
كان تعيينه في تلك النقطة النائية نتيجة لأنفته وانزعاجه من رؤية أشخاص كان يعتبرهم غير مؤهلين وقد أصبحوا في مواقع أعلى وبمثابة رؤساء عليه، وقد بلغ استياءه كما يبدو أسماع الدولة السورية الناشئة فتم نقله إبعاداً من الجبل إلى أقصى شمال سوريا، في منطقة القامشلي، قائداً لموقع رأس العين، على الحدود مع تركيا، لكنه تمكّن بحزمه من إقرار القانون في تلك المنطقة المختلطة السكان من عشائر العرب والأكراد والآشوريين والسريان وغيرهم، يقول راوي سيرته إنه لاقى «تعدّيات من الأتراك واستخفافهم بالمواقع السورية، لكنه كان يرد لهم الصاع صاعين، وأخيراً أقدم على احتلال قلعة تركية تبعد خمسة كيلومترات داخل الأراضي التركية، بثمانية عناصر من جنوده، وأسر ضباطها وجنودها، وأجبرهم على إعادة الأغنام التي انتزعوها من أحد أصحابها، وأدب الجنود الأتراك لقيامهم بتعديات عديدة، ولنقضهم اتفاقية حسن الجوار التي أبرمت بينه وبين قادة المناطق التركية المجاورة، وقد أدى موقفه ذاك إلى استنفار الجيش التركي في المواقع الحدودية، وبنتيجة ذلك وقعت أزمة بين تركيا وسوريا دامت شهرين، كما كان يحدّثني العقيد المتقاعد محمد مصطفى الأطرش والعميد المتقاعد فرحان الجرمقاني، وترك محمود كيوان الخدمة تلقائياً على أثر ذلك، ورفض أن يبقى في الخدمة بعد أن لامته وزارة الدفاع على احتلاله لموقع تركي، وأصدرت قراراً بنقله ليتولى قيادة موقع حمص. يقول ابنه شكيب في ذلك:« حدث تراسل بين والدي ورئاسة الأركان يطلبون إليه تسلّم موقع حمص والالتزام بالقوانين والأنظمة حرصاً على خدماته وحقوقه التقاعدية إلاّ أن والدي أصرّ على ترك الخدمة غير آسف على حقوقه تلك، وفي رسالة موجهة آنذاك من قائد اللواء الأول توفيق بشور جاء فيها»:
إلى حضرة الصديق الوفي الرئيس محمود بك كيوان المحترم …
إني آسف على خروجكم من الخدمة لأننا بحاجة إلى جهود من كانوا أمثالكم وإلى تضحياتكم ومواقفكم الوطنية والبطولية المشهود لها تاريخياً وتقبل مني أصدق تمنياتي القلبية ودمتم،
صديقكم المخلص
25 نيسان 1946
المقدّم توفيق بشّور
في الختام فإن الحديث عن مآثر المجاهد محمود كيوان وبطولاته في معارك الثورة السورية الكبرى يستغرق مجلّداً، وما تم عرضه في هذه المقالة ليس سوى قليل من كثير على أمل أن نطل من خلالها على سيرة بطولة وتضحيات تكاد تكون أقرب إلى الأساطير ولكي يبقى لدى أجيالنا الشابة الجديدة معرفة بتاريخ الجماعة المعروفية الأبية وسجلها الطويل في ميادين البطولة وفي الأنفة والوطنية وكره المستعمر وحب الأوطان..

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading