الخميس, تشرين الثاني 14, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, تشرين الثاني 14, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

مدينة السّويداء

مدينـــة السّويــــداء قلعــــة العــــروبــــة والكرامــــــــة

(تحقيق في حلقتين)

مدينة السويـداء في التاريخ

بناها النبطيون واستوطنها الموحدون الدروز
فجعلوا منها معقلاً ومنطلقاً لمقاومة المستعمرين

الأمويون اهتموا بها والخليفة عمر بن عبد العزيز امتلكها
لكن انتقال الخلافة إلى بغداد مع العباسيين أضعفها

تعتبر السويداء –السّوده، كما سمّاها الأنباط بسبب اسوداد حجارتها البازلتية- واحدة من أقدم الحواضر التي بناها الإنسان في ما كان يُعرف بجبل حوران سابقاً، والأنباط قوم من العرب دخلوا جنوب سورية في مطلع القرن الأول قبل الميلاد، وإليهم يُنسب بناؤها. وقد سكنوا المنطقة الممتدة من شمال الحجاز والأردن الحالية منذ القرون الثلاثة السابقة للميلاد، وأسّسوا حضارة تجاريّة وزراعيّة مركزها مدينة البتراء في جنوب الأردن، ولم يلبثوا أن توسّعوا شمالاً فهزموا السلوقيين الإغريق، خلفاء الإسكندر واحتلّوا دمشق نحو العام 88 قبل الميلاد.
ازدهرت السويداء في العصر النبطي، وبُني فيها معبد للإله ذي الشرى إله الأنباط، بفن بناء متقن تعلّموه من الإغريق، كما يشير إلى ذلك المهندس منهال وهب في مجلّة الحوليّات الأثرية السورية، المجلّد 41 ص51، وحُفرت بركة عظيمة تتسع لعشرات الآلاف من الأمتار المكعبة من مياه الشتاء، تم استجرارها من المرتفعات، ومضخ كبير لتخزين المياه، وزرع الأنباط الأراضي حول المدينة بالحبوب والأشجار المثمرة وخصوصاً العنب والتين.
في ذلك العصر كانت السويداء تتبع دينيّاً لـ «سيع»، وهي اليوم آثار خربة إلى الشمال الشرقي منها، وقد تفوّقت «سيع» على السويداء آنذاك لأن الأنباط والبدو الصفائيين جعلوها محجّة أو بمثابة كعبة تُزار. أمّا إدارياً فقد أُتبعت إلى «قنوات» التي كانت تفوقها أهمية، وربّما يعود ذلك إلى كون قنوات أقرب إلى «سيع» ذات المركز الديني المتميز. سنة 149م كان النفوذ النبطي قد أخذ بالتراجع لصالح النفوذ الروماني، وفي عهد القيصر كومودو تطوّرت المدينة بسرعة إلى مدينة من الطراز اليوناني، فظهرت فيها الشوارع العريضة الطويلة، والمباني المنظّمة، والمعابد التي لا تزال بقاياها شاهدة على تطور المدينة، بالإضافة إلى كنيستين إحداهما تعود للعصر الروماني والأخرى للبيزنطي.
وفي عهد الغساسنة، في القرن الخامس الميلادي وما تلاه حتى الفتح العربي الإسلامي، استمر إعمار المدينة وأصبحت مقر مطرانيّة تدير شؤون السكان وتشرف على كنائس وأديرة في ما حولها.

السويداء في عصر بني أُميّة وما بعده
بقيت السويداء عامرة بعد الفتح العربي الإسلامي، وخاصة في العصر الأموي، حيث أصبحت إقطاعة من ممتلكات الأمير الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي أصبح خليفة في ما بعد. أما في العصر العباسي فقد تراجع دورها لأسباب أبرزها انتقال مركز الخلافة بعيداً إلى بغداد، وإهمال العباسيين لبلاد الشام، وتراجع الحضارة في العصر العباسي الأخير، وغَلَبة البداوة على البلاد التي ضعفت هيبة الخلافة والدولة فيها، ولم يكن الوضع أفضل في العصر المملوكي، إذ تدهورت الأحوال إلى الأسوأ في العهد العثماني خصوصاً في القرن السابع عشر الميلادي وما يليه، بسبب تسلّط البدو والقبائل الوافدة من الصحراء على البلاد، الأمر الذي دفع سكّان القرى والمدن للهجرة إلى الغرب الحوراني، والشمال إلى حوض دمشق كما يشير د. عادل عبد السلام، الأستاذ في جامعة دمشق، في مجلّة الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة، مجلّد 41 ص37.

الأمير فخر الدين المعني الثاني لم يهتم بالسويداء وركز اهتمامه على صلخد بسبب الموقع الاستراتيجي لقلعتها على تخوم الصحراء العربيّة

المعنيّون والسويداء
لم يهتم الأمير فخر الدين المعني الثاني بالسويداء، لكنّه عني بصلخد، وذلك بسبب موقع قلعتها الاستراتيجي على تخوم الصحراء العربيّة، ويذكر المؤرخ الخالدي الصفدي أنّ الأمير أرسل ابنه عليّاً على رأس حملة عسكريّة لترميم قلعة صلخد وجامعها سنة 1624 ففعل، كما بنى قلاعاً عدّة في بلاد الشام منها قلعة في تدمر التي لا تزال تحمل اسمه في قلب سوريا وإلى يومنا هذا، ومما يدلّنا على أنّ هذا الأمير المعني قد بسط نفوذ دولته على أجزاء واسعة من بلاد الشام، ويذكر الأمير حيدر الشهابي في تاريخه المعروف باسمه بأنه « في سنة 1630 سار الأمير فخر الدين إلى بلاد حوران، وبنى قلعة صلخد وجمع الذخيرة (ويقصد بذلك البارود العضوي الذي كان يستخدم في بنادق ومدافع ذلك الزمان) من تلك البلاد، ولمّا تضايق أهل الشام من الغلاء وشكوا له أحوالهم، أرسل إليهم ألفي حمل جمل محمّلة بحنطة حوران».
أما أوّل هجرة بقصد التوطّن فقد كانت هجرة إجباريّة، وقد حدثت على يد الأمير علم الدين المعني الذي اضطرّ إلى النزوح نحو العام 1685 أمام ضغوط الشهابيين وأحلافهم الذين أخذوا يضغطون على المعنيين حتّى قبل أن يصبحوا ورثتهم الفعليين سنة 1697 في الحادثة المعروفة باجتماع مرج السمقانيّة. لقد كان الأمير حيدر الشهابي المدعوم من والي دمشق وصيدا وعكّا معاً، يضيّق على الأمراء المعنيين الذين يرى فيهم خطراً على المشروع الشهابي الصاعد والرامي لوراثتهم، الأمر الذي أجبر الأمير علم الدين المعني إلى اللجوء مع مائتي فارس إلى الّلجاة شمال غرب جبل حوران. ولمّا وجدوا فيها مأمناً قاموا باستقدام أسرهم، وتذكر محفوظات المحامي ماجد الأطرش في السويداء، أنّ علم الدين آنذاك استدعى حمدان الحمدان وكانت أسرته قد استوطنت الكرك في جنوب الأردن بعد انكسار المشروع الاستقلالي الذي حاوله الأمير فخر الدين، ذلك أنّ والده كان أحد قادة فخر الدين الفارين من البطش العثماني، وعيّنه وكيلاً بدلاً منه، وعاد إلى لبنان بعد نحو سنتين من إقامته في اللجاة، لأن أنصاره هناك طلبوه لمواجهة الخصوم.

رجال في السويداء في الأربعينات
رجال في السويداء في الأربعينات

آل الحمدان يعبرون إلى السويداء
سنة 1694 استشهد الأمير علم الدين في موقعة الغلغول قرب بيروت، فحمل حمدان الحمدان عبء قيادة الدفعة الأولى من بني معروف في تلك البلاد وكان جديراً بالمسؤوليّة الثقيلة، دعم قوّته بتتابع نزوح العائلات الدرزية من جبل لبنان، بتأثير النزاع القيسي اليمني، وكان الشهابيون يؤججون هذا النزاع بهدف تعزيز موقفهم في وراثة الإمارة المعنية التي أفل نجمها بعد مقتل الأمير علم الدين، ولجوء من تبقّى من المعنيين إلى المقلب الثاني من جبل الشيخ في الجولان، علماً أن الشهابيين استمروا في ملاحقتهم غدراً وتقتيلاً لإبعادهم عن جبل لبنان.
قاد الحمدان قومه في مرحلة حرجة، بشجاعة وحنكة، فقد كاتب الدروز في لبنان، وكذلك في فلسطين حيث زيّن لهم القدوم إلى المنطقة التي استطاع الصمود فيها، وتمكّن خلفه علي الحمدان من الانتقال إلى السويداء التي كانت شبه خربة، تستوطنها أسرتان، الأولى مسيحية من آل الدحدل. ومما يجدر ذكره أنّ نصارى حوران هم السكان الأقدم في البلاد ويعودون بأصولهم إلى الغساسنة العرب قبل الإسلام، أمّا الأسرة الثانية، فهي مسلمة من آل سويدان، والأسرتان كانتا تدفعان الإتاوة للبدو الذين كانوا يفدون إلى الجبل أواخر الربيع والصيف ويرتحلون شتاءً إلى البادية. في سنة 1804 هاجم والي الشام وادي القلمون قرب دمشق وهدم مجالس وبيوت الموحّدين، ومن نجا منهم لجأ إلى الجبل، منهم آل عامر وياغي والغضبان، من وادي بردى والزبداني، وآل الحكيم من الشام وقس على ذلك تهجير الموحدين من جهات حلب.
كان الشيخ الحمداني يختار مكاناً لكل جماعة قادمة، فيعيّن شيخاً من أقاربه أو أتباعه على كل قرية يُعاد إعمارها، وهكذا أعيد إعمار القرى المجاورة للسويداء كالرحى والسهوة ورساس، وعرى وعتيل وقنوات ومصاد وغيرها، وصارت السويداء مركز سلطة وقرار لآل الحمدان، وبذلك أصبح الدروز أصحاب النفوذ في الجبل، فللشيخ الحمداني جماعة من الفرسان يبلغ عددهم نحو تسعين فارساً، هم أداة سطوته، وكان يعاقب مخالفيه بعقوبات تصل للإعدام.
باستثناء نزول آل الحمدان ومن والاهم من بني معروف، نحو النصف الأوّل من القرن الثامن عشر، لم تمرّ أحداث بارزة في حياة ذلك المجتمع الناشئ، ويمكننا القول إنّه كان مجتمعاً ينمو بالتكاثر الطبيعي من جانب، وبقدوم الوافدين إليه من جانب آخر، ومع أنّ غالبية القادمين هم من بني معروف، الهاربين من تسلّط الشهابيين في لبنان، وبني زيدان وولاة عكّا في شمال فلسطين وغيرهم من الإقطاعيين، ومن تلك الأسر الوافدة إلى السويداء، ولم يزل الأحفاد يقيمون فيها آل أبو عسلي ورضوان ومرشد وقطيش والجرماني وعزّي مزهر وعبيد والشعّار وجربوع ونعيم وبدر وأبو الفضل وبوّز وعلم الدين وسري الدين وأبو سعدة والفقيه واشتي ورجب وكرباج والباروكي وحميدان والعشعوش والأسعد وشيّا ورشيد وعبد الدين وطربيه وأبو لطيف وتقي وحاتم ودوّارة وحمزة وبلاّن وأبو ذياب والبعيني وجانبيه ومحاسن وارشيد وعماشه ودويعر وسْعيد وبدران وقرضاب والحلبي ونصر وسواهم كثير، فقد كان يلجأ إلى المنطقة قادمون من المسيحيين، الذين وجدوا في العيش بين الدروز عيشاً أكثر تسامحاً وما زال أحفادهم يعيشون في مدينة السويداء إلى يومنا هذا، كآل الجهيّم والهزيم ومطر وأبو جمرة وحوشان والذيب والنمر وقندلفت وعزّام وفلّوح والظواهري وغيرهم، وكذلك وافدون من السنّة كآل النصّار والغوثاني والحْمود ورعد وسواهم، بالإضافة إلى بدو الجبل من قبائل الشنابلة والمساعيد، الذين كانوا يعملون كرعاة لمواشي الدروز الذين حرّروهم من الإتاوات التي كانوا يدفعونها للقبائل الأقوى.

مدينة السويداء اليوم
مدينة السويداء اليوم

ترهّل المشيخة الحمدانية وسقوطها
لم يكن الحمداني الوارث كالحمداني المؤسّس، فحمدان الحمدان الذي كان يرحّب بالقادمين الجدد، ويقدّم لهم الأرض والبذار وأدوات العمل والحرّية من ظالميهم، مات، وجاء من بعده وارثو الإمارة والسلطة، وأصبح الحمداني الوارث يعتبر السلطة حقّاً مطلقاً له، فهو إن غضب على أحد من رعاياه طرده من منزله إلى منطقة أخرى، لاحقّ له إلاّ أن يحمل باب منزله ويمضي بعيداً. لا يحق لأحد أن يطبخ القهوة أو يستقبل الضيف إلاّ الشيخ الحمداني. له خُمس ذكور الحيوانات والطيور كما يذكر ذلك الدكتور حسن أمين البعيني في كتابه “جبل العرب …ص 204” ، له عشر الإنتاج وتكاليف إطعام الجنود، واحتكر لنفسه ( القلاط ) وهي الضريبة المفروضة على البدو مقابل الرعي وورد الماء، ثمّ أنّ تنافراً وقع بين الشيخ يحيى الحمدان وهو شيخ السويداء آنذاك، والشيخ إبراهيم الهجري في منطقة نفوذ الحمدان في قرية قنوات، وهو يمثّل رئاسة روحيّة للموحّدين، وهذا كلّه أضعف هيبة الشيخ الحمداني الذي كان قد طرد حمد النجم جربوع وهو أحد أعيان السويداء إلى قرية أم الرمّان بعيداً ثم كناكر جنوب غرب السويداء.
بالإضافة إلى ما سبق فإنّ حرب اللجاة في سنة 1837 وما تلاها ضد قوّات محمد علي باشا وابنه إبراهيم المؤيّد من الأمير بشير الشهابي الثاني الذي تميّز حكمه باضطهاد بني معروف في لبنان وملاحقتهم إلى جبل حوران، والمواجهات مع القبائل البدويّة الغازية من الصحراء، وحرب 1860 في لبنان، كل تلك الأحداث أبرزت قيادة بديلة تمثّلت بظهور اسماعيل الأطرش المؤيّد بعشيرة قويّة من أقاربه وثمانية من أبنائه المعروفين بفروسيّتهم، وكان واكد قد خلف والده يحيى في المشيخة، أقدم على تدبير اغتيال اسماعيل مرّتين، نجح في المرّة الثانية بتسميمه متعاوناً مع قائمّقام بصرى العثماني سنة 1869.
كان اسماعيل قد انتزع بلدة «عرى» من آل الحمدان في سنة 1859، ولم تؤخّر عمليّة اغتياله تنفيذ خطّة كان قد أقرّها من قبل الغدر به، وهي دخول السويداء وطرد آل الحمدان منها، ولما كان واكد الحمدان قد رفض مطالب أهل السويداء المتمثّلة بعدم تسخير الفلّاحين وترحيلهم، والسماح بتمليك الأرض لغير الملاّكين، وتحويل الأرض المشاع في السويداء إلى أرض زراعيّة، ودفع الضّرائب المتأخّرة المفروضة عليهم من قبل العثمانيين، من أموال ( القلاط ) وعدم أخذ ضرائب من الفلّاحين.
لم يهتمّ الحمداني بمطالب السويداء، ولاحت الفرصة التي ينتظرها الأطارشة وفي مقدّمهم إبراهيم، لدخول السويداء وطرد الحمدان والحلول محلّهم، بعض أبناء عم إبراهيم أظهر تردّداً في عمليّة اقتحام المدينة، وحدث هرجٌ في أوساط العشيرة التي اعتادت أن تتحرّك كقبضة مضمومة منذ أن تجرّعت هزائمها المريرة أمام الشهابيين وحلفائهم في لبنان بيارقٌ مرفوعة وسيوفٌ مًشهرة وبلبلة مريبة لم يحتملها حمد العبد الله الأصم، وكان فارساً مشهوداً له في المعارك ضد العثمانيين وسواهم، في سائر الوقائع التي خاضها اسماعيل الأسطوري، سأل حمد ابن عم آخر له هو حمد المعّاز عن حقيقة الأمر، فأوضح المعّاز له سبب تردّد العشيرة فما كان منه إلاّ أن لكز حصانه، وأرعش سيفه وانطلق هازجاً :
المرجلـــــهْ كــــارٌ لنــــا مــــا نهــــابْ المــــوت وســـــــــــط رياضهـــــــــــا
إن هــــا بهــــا ولـــد الرديّ وعاب حِنّـــــــــــــا نــــــــَرِدْ لحيــــاضهــــــا
هنا، تبعه الرجال نحو السويداء، وقد حسم ذلك كل تردّد …

الحرب ضد قوات محمد علي وابنه إبراهيم عززت موقع آل الأطرش وزعامة اسماعيل الأطرش المؤيّد بعشيرة قويّة من أقاربه وثمانية من أبنائه المعروفين بفروسيّتهم

القديم والحديث في السويداء
القديم والحديث في السويداء

دخول الأطارشة السويداء
اشترط أهل السويداء على الأطارشة النزول في دور آل الحمدان والحلول محلّهم في ممتلكاتهم فقط دون المساس بسواها، والقبول بما رفضه الحمداني من مطالب. كانت المقاومة من جانب آل الحمدان عملاً لا جدوى منه، فخرجوا من المدينة بلا قتال بعد أن عزلتهم الأحداث التي استغلّها واستفاد منها خصومهم، وعجزوا هم عن مواجهتها، فخسروا ما ورثوه من ملك وعزّ أورثهم إيّاه حمدان الحمدان، ذلك الرجل الذي لا يقل أهميّة عن اسماعيل وشبلي وسلطان واغتاظ أحمد العليّان وهو شاعر سهل حوران وقتذاك لسقوط الحمدان وحلول الأطارشة محلّهم فنظم قصيدة يترحّم على زمانهم، فيقول منها : « راح الشيخ وتنصّب المعّاز» وذلك لأنّ آل الحمدان ومن والاهم كانوا « يعيّرون اسماعيل الأطرش وعشيرته بـ «المعّاز» لأنّ هذه العشيرة التي تنتسب إلى آل معن أصلاً قد اضطرّت إلى اقتناء الماعز عبر الملاحقات الدامية التي تعرّضت لها في ترحّلها القسري من لبنان إلى الجولان، فجنوب دمشق فاللجاة فجبل حوران الذي حمل اسم جبل الدروز في ما بعد. هذا ولم يزل أحد فروع تلك العشيرة يحمل كنية «المعّاز» إلى اليوم.
نزل في دور الحمدانيين في السويداء كلٌ من إبراهيم الأطرش وأقاربه من آل العبّاس والمعّاز، وتوزّع أبناء اسماعيل أخوة إبراهيم الآخرون وسائر العشيرة على قرى عدّة في المقرن القبلي والشرقي من السويداء، وبرهن إبراهيم من عاصمته في السويداء على مقدرة في إدارة شؤون الجبل، ووظّف علاقاته مع العثمانيين لترسيخ زعامته، فاعترفوا به كزعيم أوّل للجبل، وبعد استقالة سعيد تلحوق، الدرزي اللبناني من منصب القائمقام، عيّنه العثمانيون قائمقاماً في السويداء في سنة 1882، واستطاع أن يساهم في إنهاء أكثر من نزاع محلّي كالذي وقع بين آل عزّام الدروز وسكان بصرى الحرير الحوارنة، وفي حالات أخرى نجح في مساعيه حيث فشلت مساعي الولاة العثمانيين في حل الكثير من النزاعات الداخلية في جبل الدروز.
الزعامة الجديدة في السويداء ترث أزمة سالفتها !
بعض من ارّخوا للحركة التي أسقطت آل الحمدان في السويداء، يسمّونها بالعاميّة الأولى، ولم يكن لهذه الحركة من خسائر في الأرواح إلاّ عملية اغتيال اسماعيل الأطرش، لكنّ العاميّة الثانية التي قامت في وجه آل الأطرش أمر مختلف، صحيح أنّ أحداث هذه الحركة بدأت في قريتي مَلَح وعرمان من المقرن الشرقي – جنوب شرق السويداء- الذي يحكمه آل النجم الأطرش، لكنّ جذورها كانت أوسع من قرية أو مقرن، كانت الأسباب ماثلة في الجبل كلّه عموماً وفي السويداء خصوصاً، ذلك لأنّها مركز القرار.
ولعب الشيخ وهبة عامر من شهبا دوراً محرّضاً في تأجيج العامية في السويداء وسواها ضد الطرشان، ذلك لأنه كان يطمح ليكون شيخ مشايخ بدلاً من الأطارشة، وعلى مدى أعوام بين 1885 و1890 تتابعت أحداث ثورة العامية الثانية، كانت أعنفها في السويداء حيث قتل اثنان وأربعون قتيلاً.
واضطر المشايخ من الأطارشة للجوء إلى قلعة المزرعة وما حولها لمدة أكثر من شهرين، وطلب إبراهيم من حيث موقعه كقائمقام من قبل العثمانيين مساعدة الوالي العثماني في دمشق، فوجدها هذا فرصة سانحة لاحتلال السويداء وفرض شروطاً كانت الدولة العثمانية قد عجزت عن فرضها على الدروز سابقاً .
أعاد العثمانيون إبراهيم الأطرش والمشايخ المهجّرين إلى مواقعهم، ووضعوا حلاً يرضي الطرفين، مصالحة على أساس منح الفلاحين حق التملّك، ومنع السخرة، والترحيل وفرض الضرائب وأن يدفع المشايخ ديّات القتلى وأن يتنازلوا عن نصف ما يملكون من الأرض للفلاحين ( لهم ثُمن الأرض فقط ). وقد توفي إبراهيم الأطرش في سنة 1892 فخلفه أخوه شبلي كقائمقام في السويداء وكان شخصاً ذكيّاً محبوباً من قومه، كريماً وشاعراً.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading